ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169319 / تحميل: 5906
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

التي تدور فيها » ١ .

و روي عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر هكذا : « و إنّه و الله ليعلم أنّي أولى بها منّي بقميصي » ٢ .

قال دعبل :

حللت محلاّ يقصر الطرف دونه

و يعجز عنه الطيف أن يتجشّما

و لقد أجاد الناشى‏ء فقال فيه عليه السّلام :

و صارمه كبيعته بخم

مقاصدها من الخلق الرقاب

و لقد أجاد وفائي التستري فيه عليه السلام بالفارسية :

جز بتو آراستن سرير خلافت

نسبت افسر بمستحق فسار است

و روى الكنجي الشافعي في ( مناقبه ) عن سعيد بن المسيب قال : قلت لسعد أبن أبي وقاص : إنّي أريد أن أسألك عن شي‏ء و إنّي أتّقيك . قال : سل عمّا بذالك . فإنّما أنا ابن عمّك . قلت : مقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيكم يوم الغدير . قال : نعم قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب . فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره » فقال أبو بكر و عمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن و مؤمنة ٣ .

و روى الجزري في ( اسده ) في وهب بن حمزة مسندا عنه قال : صحبت عليا عليه السّلام من المدينة إلى مكّة . فرأيت منه بعض ما أكره . فقلت : لئن رجعت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأشكونك إليه . فلمّا قدمت لقيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقلت : رأيت من عليّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٠٨ ، مادة ( بطق )

( ٢ ) رواه المفيد في اماليه : ١٥٣ ح ٥ ، المجلس ١٩ ، و لفظه : « قد علم و الله انى اولى الناس بهم مني بقميصي » و رواه غيره أيضا .

( ٣ ) كفاية الطالب : ١٦ .

٢١

كذا و كذا . فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : لا تقل هذا فهو أولى الناس بعدي ١ .

و في ( مروج المسعودي ) : لمّا صرف عليّ عليه السّلام قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجّه مكانه محمّد بن أبي بكر . فلمّا وصل إليها كتب إلى معاوية « من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر إلى أن قال فكان أوّل من أجاب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و أناب ، و آمن و صدّق ، و أسلم و سلّم أخوه و ابن عمّه عليّ بن أبي طالب صدّقه بالغيب المكتوم ، و آثره على كلّ حميم ، و وقاه بنفسه كلّ هول ، و حارب حربه و سالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل و النهار ، و الخوف و الجزع حتّى برز سابقا لا نظير له في من اتّبعه ، و لا مقارب له في فعله ، و قد رأيتك تساميه ، و أنت أنت ، و هو هو أصدق الناس نيّة ، و أفضل الناس ذرّية ، و خير الناس زوجة ، و أفضل الناس ابن عم ، و أخوه الشاري بنفسه يوم موته ، و عمّه سيد الشهداء يوم احد ، و أبوه الذابّ عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و عن حوزته ، و أنت اللعين أبن اللعين ، لم تزل أنت و أبوك تبغيان لرسول الله صلّى اللّه عليه و آله الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور الله . تجمعان على ذلك الجموع ، و تبذلان فيه المال ، و تؤلّبان عليه القبائل . على ذلك مات أبوك و عليه خلفته ، و الشهيد عليك من تدني ، و يلجأ إليك من بقيّة الأحزاب ، و رؤساء النفاق ،

و الشاهد لعلي مع فضله المبين القديم أنصاره الّذين معه الّذين ذكرهم الله و أثنى عليهم من المهاجرين و الأنصار ، و هم كتائب ، و عصائب يرون الحق في اتباعه ، و الشقاء في خلافه . فكيف يا ويلك تعدل نفسك بعليّ عليه السّلام ، و هو وارث رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه ، و أبو ولده أوّل الناس له اتّباعا ، و أقربهم به عهدا يخبره بسره ، و يطلعه على أمره ، و أنت عدّوه و ابن عدّوه . فتمتّع في دنياك بباطلك ، و ليمددك ابن العاص في غوايتك إلى أن قال

ــــــــــــــــ

( ١ ) اسد الغابة ٥ : ٩٤ .

٢٢

فكتب إليه معاوية : « من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر . أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته و قدرته . و ما اصطفى به رسوله ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، و لأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، و قديم سوابقه ، و قرابته إلى الرسول ، و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف فكان احتجاجك عليّ و عيبك بفضل غيرك لا بفضلك .

فاحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك ، و جعله لغيرك . فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب و حقّه ، لازما لنا مبروما علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّه ما عنده ،

و أتمّ له ما وعده ، و أظهر دعوته و أفلج حجّته ، و قبضه إليه ، كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزه حقّه ، و خالفه على أمره . على ذلك اتفقا و اتّسقا . ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطا عنهما ، و تلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، و أرادا به العظيم ثمّ انّه بايع لهما ، و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ، و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما إليه . ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما ، و سار بسيرهما . فعبته أنت ، و صاحبك . حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ،

فطلبتما له الغوائل ، و أظهرتما عداوتكما حتى بلغتما فيه مناكما . فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، و قس شبرك بفترك . تقصر أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لايلين لمن قسر قناته ، و لا يدرك ذو مقال أناته ، مهّد أبوك مهاده و بنى ملكه و شاده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا ، فأبوك أسسّه و نحن شركاؤه ،

و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، و لسلّمنا إليه ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا . فأخذنا بمثله . فعب أباك بما بدالك أو دع ذلك ١ .

و رواه نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) ، و فيه : « فإن يكن ما نحن فيه صوابا ، فأبوك أوّله ، و إن يك جورا ، فأبوك اسّسه ، و نحن شركاؤه ، و بهديه

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ١١ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٣

أخذنا ، و بفعله اقتدينا و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ، ما خالفنا ابن أبي طالب و أسلمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ، و اقتدينا بفعاله . فعب أباك ما بدا لك أو دع » ١ .

و من العجب أن الطبري قال : لم أجز نقل هذا الكتاب لعدم احتمال العامّة له ٢ . فيقال له : لا يحتمله إلاّ من انسلخ عن الإنسانية ، و جوّز التناقض و التضاد ،

و إنكار المتواترات ، و عدم بطلان الملزوم مع بطلان اللازم في دين الاسلام ،

و لازم صحّة خلافة أبي بكر و عمر و عثمان كون معاوية على الحق و هو هو و عليّ عليه السلام على الباطل و هو هو . أفّ لهم و لما يعبدون من دون اللّه .

و نقل ( طرائف ابن طاووس ) عن ( أنساب البلاذري ) : انّ الحسين عليه السلام لما قتل كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أما بعد فقد عظمت الرزيّة ،

و جلّت المصيبة ، و حدث في الإسلام حدث عظيم ، و لا يوم كيوم الحسين .

فكتب إليه يزيد : يا أحمق فانّا جئنا إلى بيوت متخذة ، و فرش ممهّدة ، و وسائد منضّدة . فقاتلنا عليها ، فان يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، و ان يكن الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا و آثر و استأثر بالحق على أهله ٣ .

و لازم صحّة خلافة أبي بكر كون قتل يزيد السكّير القمّير للحسين سيّد شباب أهل الجنّة بالتواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله و ابن الرسول صلى الله عليه و آله بقوله جلّ و علا و أبناءنا و أبناءكم ٤ و من أهل بيت العصمة بنصّ القرآن انّما يريد

ــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٢٠ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٥٧ ، سنة ٣٦ .

( ٣ ) رواه ابن طاووس في الطرائف ١ : ٢٤٨ ح ٣٤٨ ، لكن لم يوجد في ترجمة الامام الحسين عليه السلام و لا يزيد بن معاوية من انساب الاشراف .

( ٤ ) آل عمران : ٦١ .

٢٤

اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ حقّا ، و كفاهم بذلك خزيا .

و في ( الطبري ) : لما كتب عبيد اللّه بن زياد مع مالك بن النسير البديّ الكندي إلى الحرّ « جعجع بالحسين حين يبلغك كتابي » نظر إليه أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الحسين عليه السلام و قال له : ثكلتك أمّك ماذا جئت فيه ؟ قال :

أطعت إمامي و وفيت بيعتي . قال له أبو الشعثاء : كسبت العار و النار ، قال الله عزّ و جلّ : و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون ٢ .

و في ( الطبري ) : أن الشيعة الّذين كانوا أصحاب جعفر بن محمّد قالوا لزيد بن عليّ لمّا أراد الخروج : ما قولك في أبي بكر و عمر ؟ قال : إنّ أشدّ ما أقول إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول الله صلى الله عليه و آله من الناس أجمعين ، و إنّ القوم استأثروا علينا ، و دفعونا عنه ، و لم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا قالوا : فلم يظلمك هؤلاء إذا كان اولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين ؟ ٣ و قولهم عين الحق . فإنّ المؤسس لبني اميّة هم الثلاثة أليس الثاني أحدث شورى لاختيار الثالث ؟ أليست خلافة الثالث عين سلطنة بني اميّة ؟

ثم الظاهر انّ زيدا اتّقى باقي أصحابه ، فروى عنه أيضا انّه سأله رجل عن الرجلين ، فلم يجبه . فلمّا وقع السهم في جبينه دعا الرجل ، و قال : لم يرمني بهذا السهم إلاّ الرجلان ٤ .

و روى محمّد بن الحسن الصفار في ( بصائره ) عن الباقر عليه السلام في قوله جلّ و علا : انّا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٨ ، سنة ٦١ ، و النقل بتلخيص . و الآية ٤١ من سورة القصص .

( ٣ ) تاريخ الطبري ١٥ : ٤٩٨ ، سنة ١٢٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) روى هذا المعنى الهمداني في الالفاظ الكتابية : ١٤٣ .

٢٥

يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان انّه كان ظلوما جهولا ١ : الأمانة :

الولاية حملها أبو فلان ، و أبت السماوات و الأرض و الجبال حملها ٢ .

و قال الزبير بن بكار : روى محمد بن اسحق انّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرّة ، و كان عامّة المهاجرين ، و جلّ الأنصار لا يشكّون أن عليّا عليه السّلام هو صاحب الأمر بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله . فقال الفضل بن العباس : يا معشر قريش ،

و خصوصا يا بنى تيم إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة ، و نحن أهلها دونكم إلى أن قال و انّا لنعلم انّ عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه ٣ .

و روى الواقدي في ( شوراه ) كما نقله ابن أبي الحديد عند قوله عليه السّلام :

« و من كلام له عليه السّلام و قد وقع بينه و بين عثمان مشاجرة » عن ابن عباس قال :

شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السّلام إلى أن قال قال عثمان لعلي عليه السّلام : فإن كنت تزعم انّ هذا الأمر جعله رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثم أقررت إلى أن قال فقال له عليّ عليه السّلام : و امّا عتيق و ابن الخطاب . فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لي . فأنت أعلم بذلك و المسلمون ٤ .

و روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) و ( الطبري في تاريخه ) في سيرة عمر ، عن عبد الله بن عمر قال : كنت عند أبي يوما ، و عنده نفر من الناس . فجرى ذكر الشعر فقال : من أشعر العرب ؟ فقالوا : فلان و فلان . فطلع ابن عباس . فقال عمر : جاء الخبير . من أشعر الناس يا عبد الله ؟ قال : زهير ابن أبي سلمى . قال :

فأنشدني مما تستجيده له . فقال : انّه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنوسنان .

فقال فيهم :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٧٢ .

( ٢ ) بصائر الدرجات : ٩٦ ح ٣ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٨ ، شرح الخطبة ٦٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٧٧ ، شرح الخطبة ١٣٣ .

٢٦

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا

قوم سنان ابوهم حين تنسبهم

طابوا و طاب من الأولاد ما ولدوا

انس اذا آمنوا جنّ اذا فزعو

مرزؤن بها ليل إذا جهدوا

محسّدون على ما كان من نعم

لا ينزع اللّه عنهم ماله حسدوا

فقال عمر : قاتله اللّه لقد أحسن ، و لا أرى هذا المدح يصلح إلاّ لهذا البيت من هاشم لقرابتهم من رسول اللّه . فقال له ابن عباس : و فّقك اللّه . فلم تزل موفّقا .

قال : يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا . قال : لكنّي أدري . قال :

ما هو ؟ قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتجحفوا الناس جحفا ، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ، و وفّقت فأصابت . فقال ابن عباس :

أتميط عنيّ غضبك فأقول ؟ قال : قل ما تشاء . قال : أمّا قولك إن قريشا كرهت فإن الله تعالى قال لقوم ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ١ ،

و اما قولك إنّا كنّا نجحف بالخلافة فلو جحفنا بالقرابة ، و لكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي قال تعالى له : و انّك لعلى خلق عظيم ٢ و قال تعالى له صلّى اللّه عليه و آله : و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ٣ و اما قولك : انّ قريشا اختارت فإن الله تعالى يقول : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٤ ، و قد علمت انّ اللّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار . فلو نظرت قريش لنفسها من حيث نظر الله لها لوفّقت و أصابت . فقال عمر : « على رسلك يا ابن عباس . أبت قلوبكم يا بنى هاشم إلاّ غشّا في أمر قريش لا يزول و حقدا عليها لا يحول » .

ــــــــــــــــ

( ١ ) محمد : ٩ .

( ٢ ) القلم : ٤ .

( ٣ ) الشعراء : ٢١٥ .

( ٤ ) القصص : ٦٨ .

٢٧

فقال ابن عباس : « مهلا ، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغشّ . فإنّ قلوبهم من قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي طهّره اللّه ، و زكّاه ، و هم أهل البيت الّذين قال تعالى فيهم إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ و أما قولك : حقدا ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ، و يراه في يد غيره . فقال عمر : « أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي » قال : و ما هو ؟ اخبرني . فإن يك باطلا فمثلي يميط الباطل عن نفسه ، و إن يك حقّا فإنّ منزلتي عندك لا تزول به . قال عمر : بلغني أنّك لا تزال تقول اخذ هذا الأمر منّا حسدا و ظلما . قال : أمّا قولك حسدا فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنّة . فنحن بنو آدم المحسود ، و امّا قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحقّ من هو . ثم قال : ألم تحتجّ العرب على العجم بحقّ رسول اللّه ، و احتجّت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ فنحن أحقّ برسول اللّه من سائر قريش . فقال عمر : قم الآن فارجع إلى منزلك . فقام ، فلمّا ولى هتف به عمر أيّها المنصرف إنّي على ما كان منك لراع حقّك . فالتفت ابن عباس فقال : انّ لي عليك ، و على كلّ المسلمين حقّا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ ، و من أضاعه فحقّ نفسه أضاع . ثم مضى . فقال عمر لجلسائه : و اها لابن عباس ما رأيته لاحى أحدا قط إلاّ خصمه ٢ .

و أقول : لله در ابن عباس أدّى حقّ الكلام ، و هل ما قاله لعمر إلاّ عين ما تقوله الإمامية للسنّة من أنّ قريشا ، و في رأسهم صدّيقهم و فاروقهم ، كرهوا ما أنزل اللّه تعالى من استخلاف أمير المؤمنين عليه السّلام فأحبط اللّه أعمالهم ، و أنّهم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) رواه الزبير بن بكار في الموفقيات ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٠٦ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٨ ، سنة ٢٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٨

علموا من اختاره اللّه تعالى فتركوه عمدا ، و أنه ما كان لهم اختيار الإمام بل لله تعالى كاختيار النبيّ ، و أن أمير المؤمنين ، و أهل بيته عليه السّلام هم الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس ، و طهّرهم تطهيرا ، و أن أخلاقهم كأخلاق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قلوبهم كقلبه و أنهم حسدوهم ، و ظلموهم .

و أقول لعمر ، زيادة على ما قال ابن عباس : لم لا تقول : « أصابت قريش و وفّقت في اختيارها » و لو لم يكن فعلها لما كنت أنت و صاحبك تؤمّران على العالم .

و يا للّه من عرّ عمر . تارة ينسب إلى بني هاشم و مغزى كلامه و مرماه أمير المؤمنين عليه السّلام الغشّ ، و قد أخذه عنه معاوية ، و اخرى العجب و الجحف ،

و قد أخذ ذلك عنه ابن الزبير ، فكان لا يصلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صلاته و خطبته و يقول : لئلا يشمخ أهله بآنافهم . و ثالثة الحرص و أخذه عنه ابن عوف يوم الشورى ، و رابعة الدعابة أخذه ابن النابغة . فكان يزعم ذلك لأهل الشام .

و روى الجوهري في ( سقيفته ) عن ابن عباس قال : تفرّق الناس ليلة الجابية عن عمر . فسار كلّ واحد مع إلفه . ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكا إليّ تخلّف عليّ عليه السلام عنه إلى أن قال قال عمر : يا ابن عباس أوّل من ريّثكم عن هذا الأمر أبو بكر أنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة ، قلت : لم ذاك ألم تنلهم خيرا ؟ قال : بلى ، و لكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا ١ .

قلت : سبحان اللّه إعتقد عمر أنّ خلافة الإسلام بيد جمع أنكروا نبوّة نبي الإسلام حتّى قهرهم بالسيف ، فأسرّوا كفرهم به و أظهروه بعد وفاته .

و روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) عن ابن عباس قال : إني لأماشي

ــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة : ٥٢ ، و النقل بتلخيص .

٢٩

عمر بن الخطاب في سكّة من سكك المدينة إذ قال لي : يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلاّ مظلوما . فقلت في نفسي : و اللّه لا يسبقني بها . فقلت : فاردد إليه ظلامته . فانتزع يده من يدي ، و مضى يهمهم ساعة . ثم وقف فلحقته . فقال : يا ابن عباس ما أظنّ منعهم عنه إلاّ انّه استصغره قومه . فقلت في نفسي : هذه شرّ من الاولى . فقلت : و اللّه ما استصغره اللّه و رسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك . فأعرض عنّي و أسرع . فرجعت عنه ١ .

و في ( فهرست ابن النديم ) : قال هشام بن الحكم : ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاّه اللّه من سمائه فعزلوه ، و إلى من عزله من سمائه فولّوه ٢ .

و روى الزبير بن بكار أيضا في ( الموفّقيات ) : عن ابن عباس قال : كنت عند عمر . فتنفّس نفسا ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت . فقلت له : ما أخرج هذا النفس منك إلاّ هم شديد . فقال أي : و الله يا ابن عباس إنّي افتكرت فلم أدر في من أجعل هذا الأمر من بعدي . ثم قال : لعلّك ترى صاحبك لها أهلا قلت : و ما يمنعه من ذلك مع جهاده و سابقته و قرابته و علمه ، قال : صدقت و لكنّه امرؤ فيه دعابة إلى أن قال قال عمر : من ان وليها يحملهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم لصاحبك أما ان ولي أمرهم حملهم على المحجّة البيضاء و الصراط المستقيم ٣ .

قلت : سبحان اللّه مع اعترافه بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لو ولي الأمر يحملهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم ، و على المحجّة البيضاء و الصراط المستقيم كيف دبّر الأمر لعثمان الّذي كان يعرف أنّه لو ولي يردّهم إلى

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٢ ) تكملة الفهرس : ٢٢٤ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٦ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، لكن لا عن الزبير بن بكار بل روى حديثا آخر قبل هذا عن موفقيات الزبير بن بكار و النقل بتصرف يسير .

٣٠

الجاهلية الاولى ؟ و كيف لا و ساعة جلوسه في الخلافة جاهر أبو سفيان في محضره : يا بني اميّة تداولوها تداول الكرة فلا جنّة و لا نار .

و أمّا رميه له عليه السلام بالدعابة ، فإنّما كان لأنّه عليه السلام لم يكن مثله عبوسا بصفة الجبّارين ، بل كان بشره في وجهه الّذي هو صفة المؤمنين .

و روى ابو عمر في ( استيعابه ) عن ابن عمر . قال : قال عمر لأهل الشورى : لله درّهم إن ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ ، و لو كان السيف على عنقه . فقلت : أتعلم ذلك منه و لا تولّيه . قال : إن لم أستخلف فأتركهم ، فقد تركهم من هو خير منّي ١ .

قلت : يالله للجواب ، و لحمق أتباعه ، لكن لا غرو . قال تعالى في فرعون :

فاستخفّ قومه فأطاعوه ٢ ، و لو كان الأمر كما ذكروا من عدم لزوم تعيين النبي لخليفته و تكون بيعة الناس تجعل انسانا إماما يكون من خالفه خارجيا مباح الدم يلزم أن يصير ولي اللّه عدّوا لله ، و بالعكس لو بايع الناس مخالف الأول مع كون عملهما مع اللّه تعالى بعد ذلك عملهما معه جلّ و علا قبل بلا تغيير و لا تبديل ، و لا زيادة و لا نقصان .

و لمّا حارب المهلب مع الخوارج بسولاف من قبل مصعب بن الزبير ثمانية أشهر ثم قتل مصعب بلغ ذلك الخوارج ، و لم يبلغ المهلّب و أصحابه فناداهم الخوارج ألا تخبروننا ما قولكم في مصعب ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا :

فهو وليّكم في الدنيا و الآخرة . قالوا : نعم . قالوا : فما قولكم في عبد الملك بن مروان ؟ قالوا : ذلك اللعين ابن اللعين نحن إلى اللّه منه براء ، و هو عندنا أحلّ دما منكم . قالوا : فأنتم منه براء في الدنيا و الآخرة ، قالوا : نعم . كبراءتنا منكم . قالوا :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٣ : ٦٤ .

( ٢ ) الزخرف : ٥٤ .

٣١

و أنتم له أعداء أحياء و أمواتا . قالوا : نعم . نحن له أعداء كعداوتنا لكم . قالوا : فإنّ إمامكم مصعبا قد قتله عبد الملك ، و نراكم ستجعلون غدا عبد الملك إمامكم و أنتم لا تتبرّؤون منه و تلعنون أباه . قالوا : كذبتم يا أعداء اللّه . فلّما كان من الغد تبيّن لهم قتل مصعب . فبايع المهلّب الناس لعبد الملك . فأتتهم الخوارج فقالوا :

ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : يا أعداء اللّه لا نخبركم ما قولنا فيه ، و كرهوا أن يكذّبوا أنفسهم عندهم قالوا : فقد أخبرتمونا أمس أنّه وليّكم في الدنيا و الآخرة ، و أنّكم أولياؤه أحياء و أمواتا ، فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك ؟

قالوا : ذاك إمامنا و خليفتنا و لم يجدوا إذ بايعوه بدّا من أن يقولوا هذا القول .

فقالت لهم الأزارقة : يا أعداء اللّه أنتم أمس تتبرؤون منه في الدنيا و الآخرة ،

و تزعمون أنّكم له أعداء أحياء و أمواتا . و هو اليوم إمامكم و خليفتكم ، و قد قتل إمامكم الّذي كنتم تتولّونه ، فأيهما المحق و أيهما المبطل ؟ و أيّهما المهتدي ،

و أيّهما الضالّ ؟ قالوا لهم : يا أعداء اللّه رضينا بذلك إذ كان وليّ أمورنا ،

و نرضى بهذا كما رضينا بذالك . قالوا لهم : لا و الله ، و لكنّكم إخوان الشياطين ،

و أولياء الظالمين ، و عبيد الدنيا .

و أقول للخوارج : إنّ ذلك يلزم عليكم بعد إقراركم بإمامة صديقكم و فاروقكم ، و خروجكم عن الإلتزام بلازمه لكونه واضح البطلان التزام بالتضاد و التناقض ، و خلاف المعقول . فمن أقرّ بملزوم لابد أن يقرّ بلازمه .

و أقول لفاروقهم قولك : « إن لم أستخلفهم فأتركهم فقد تركهم من هو خير منّي » مضحك للثكى . فكيف تركهم فقد أراد كتابة وصيّة و تعيين وصيّه كتابة حتّى لا يمكنك إنكاره ، و كنت تعرف ذلك كما أقررت به في اعتذارك عن منعه . فقلت : ان الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، مع عدم معرفتك بشي‏ء منه حتّى سخط و أخرجك من عنده .

٣٢

ثم كيف تركتهم ، و قد استخلفت بني امية الشجرة الملعونة في القرآن ١ .

و في ( إيضاح الفضل بن شاذان ) : روى يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال : قال ابن عباس : لقي رجل من أهل الشام أبي بالجابية فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : لست للمؤمنين بأمير و هو ذاك و أشار إلى عمر و كان بالقرب و انا و اللّه أحقّ بها منه ، فسمعها عمر . فقال له : أحقّ بها منّي و منك رجل خلّفناه في المدينة يعني عليّا عليه السّلام ٢ .

قلت : نقلنا قصصا عن عمر في قوله عليه السّلام : « و إنّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ القطب من الرحى » مع كون المراد به أبا بكر لأنّهما كانا كنفس واحدة ،

و لأنّه إنّما كان هو الناصب لأبي بكر كما اعترف به النظام ، نصبه ليردّ الأمر إليه كما صرّح به أمير المؤمنين عليه السلام مع انّه كان أيّام خلافة أبي بكر شريكه في الخلافة أيضا كما لا يخفى عند من كان له إلمام بالتاريخ .

ثم إنّه كما علم أبو بكر أوّل من تقمّص بها بكونه عليه السلام أولى بها من كلّ أحد كذلك كلّ من تصدّى لها إلى الآخر إلاّ أنّهم تبعوا الأول و تظاهروا به لكونه أسّس لهم رياسة و دنيا عظيمة . فخطب داود بن علي لمّا بويع السفّاح ، و قال :

« لم يصعد هذا المنبر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حقّا إلاّ عليّ بن أبي طالب و السفّاح » .

و روى الطبري في أحوال المهدي : أنّ أبا عون عبد الملك بن يزيد مرض فعاده المهدي و سأله حاجته . فقال : حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون و تدعو به . فقد طالت موجدتك عليه . فقال : يا أبا عون إنّه على غير الطريق و على خلاف رأينا و رأيك ، إنّه يقع في الشيخين أبي بكر و عمر و يسيى‏ء القول

ــــــــــــــــ

( ١ ) بالنظر الى قوله تعالى في الاسراء : ٦٠ .

( ٢ ) الايضاح : ٩٠ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فيهما . فقال أبو عون : هو و اللّه على الأمر الّذي خرجنا عليه ، و دعونا إليه . فإن كان قد بدا لكم فمروا بما أحببتم حتى نطيعكم ١ .

و في ( الأغاني ) عن أبي سليمان الناجي قال : جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات أمر لهم بها و هو ولي عهد . فبدا ببني هاشم ثم بسائر قريش .

فجاء السيّد الحميري ، و دفع إلى الربيع رقعة مختومة و إذا فيها :

قل لابن عباس سميّ محمّد

لا تعطينّ بني عديّ درهما

و احرم بني تيم بن مرّة إنّهم

شرّ البرية آخرا و مقدما

إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة

و يكافئوك بأن تذمّ و تشتما

و لئن منعتهم لقد بدؤوكم

بالمنع إذ ملكوا فكانوا أظلما

منعوا تراث محمّد أعمامه

و بنيه و ابنيه عديلة مريما

و تأمّروا من غير أن يستخلفوا

و كفى بما فعلوا هنالك مأثما

لم يشكروا لمحمّد إنعامه

أفيشكرون لغيره ان أنعما

و اللّه منّ عليهم بمحمّد

و كسا الجنوب و أطعما

ثم انبروا لوصيّه و وليّه

بالمنكرات فجرّعوه العلقما

فرمى بها إلى عبيد اللّه الوزير ثم أمر بقطع العطاء فانصرف الناس و أدخل السيّد عليه . فلمّا رآه ضحك ، و قال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل . . .

و يأتي كلام الناصر العباسي ٢ .

و أمّا قول أبي بكر في إظهاره الشكّ في احتضاره . فقد قال كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : « ليتني سألته ( أي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ) لمن هذا الأمر من بعده فلا ينازعه فيه أحد » ٣ فيقال له في قوله « ليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده » ليت

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٤٠٠ ، سنة ١٦٩ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الأغاني ٧ : ٢٤٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٢٠ ، سنة ١٣ ، و غيرهما .

٣٤

صاحبك خلاّه يقول ذلك ، لكن الرزية كلّ الرزية كما قال ابن عباس و كان كلّما ذكر ذلك قال ذلك و يبكي بكاء الثكلى منع صاحبك له عن ذلك مع أنّه يكفي في خزي اتباعه شكّ متبوعهم في أمر نفسه .

و روى محمّد بن يعقوب الكليني عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و عدلوا عن وصيّه لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثم تلا هذه الآية : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار جهنّم ١ ثم قال : نحن النعمة الّتي أنعم اللّه بها على عباده ، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة ٢ .

هذا . و في ( روضة المناظر ) : اتّفق الملك العادل أبو بكر أخو السلطان صلاح الدين ، و الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين على أخذ دمشق من الملك الأفضل علي بن صلاح الدين ، و حاصراه . فدخل أبو بكر من باب توما ،

و عثمان من باب العرج ، فسار علي إلى صرخد ، و كتب إلى الخليفة الناصر العباسي يشكو من عمّه و أخيه :

مولاي إنّ أبا بكر و صاحبه

عثمان قد أخذا بالجور حقّ علي

فانظر إلى حظّ هذا الأسم كيف لقي

من الأواخر ما لقى من الاوّل

فأجابه الخليفة الناصر العباسي :

غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن

بعد النبّي له بيثرب ناصر

فاصبر فإنّ غدا عليه حسابهم

و ابشر فناصرك الإمام الناصر ٣

« ينحدر » أي : ينهبط .

ــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ٢٨ و ٢٩ .

( ٢ ) الكافي ١ : ٢١٧ ح ١ .

( ٣ ) روضة المناظر ٢ : ١٠٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٣٥

« عنّي السيل » من سال الماء .

« و لا يرقى » أي : لا يصعد .

« إلى الطير » شبّه عليه السّلام علوه المعنوي بجبل عال لا يقدر الطير من كثرة علوه أن يصعد إليه ، و قال الشاعر

« عال يقصّر دونه اليعقوب »

و اليعقوب ذكر الحجل ، و قال الأعشى :

في مجدل شيّد بنيانه

يزلّ عنه ظفر الطائر

و قال امرؤ القيس :

نيافا تزلّ الطير عن قذفاته

هذا ، و قال كعب الأشقري في فتح يزيد بن المهلّب قلعة نيزك بباد غيس و كانت في غاية الإرتفاع ، و كان نيزك يعظّمها حتّى إذا رآها سجد لها :

نفى نيزكا عن باد غيس و نيزك

بمنزلة أعيى الملوك أغتصابها

محلّقة دون السماء كأنّها

غمامة صيف زلّ عنها سحابها

و لا يبلغ الأروى شماريخها العلى

و لا الطير إلاّ نسرها و عقابها

و ما خوّفت بالذئب ولدان أهلها

و لا نبحت إلاّ النجوم كلابها

نقل الصدوق في ( معاني أخباره ) عن أبي أحمد العسكري قال : معنى قوله عليه السّلام « ينحدر عنّي السيل و لا يرقى إليّ الطير » أنّ الخلافة ممتنعة على غيري ، و لا يتمكّن منها ، و لا تصلح له ١ .

قلت : ما قاله إنّما هو معنى قوله عليه السلام قبل ذلك : « انّ محلي منها محلّ القطب من الرحى » و امّا هذا الكلام فمعناه علوّ مقامه بحيث لا يمكن لأحد أن يناله .

و علو مقامه هو أحد أسباب إعراض الناس عنه عليه السّلام ، قال أبو زيد

ــــــــــــــــ

( ١ ) معانى الاخبار : ٣٦٢ ، و علل الشرائع ١ : ١٥٢ .

٣٦

النحوي : قلت للخليل العروضي : لم هجر الناس عليّا عليه السّلام و قرباه ، من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرباه ، و موضعه من الإسلام موضعه ؟ فقال : « و اللّه بهر نوره أنوارهم ، و غلبهم على صفو كلّ منهل ، و الناس إلى أشكالهم أميل . أما سمعت قول الأوّل :

و كلّ شكل لشكله ألف

أما ترى الفيل يألف الفيلا ؟ ١

و قال يونس النحوي أيضا قلت للخليل : ما بال أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كأنّهم بنو أمّ واحدة ، و علي كأنّه ابن علّة ؟ قال : تقدّمهم إسلاما ، و بذّهم شرفا و فاقهم علما ، و رجحهم حلما و كثرهم هدى فحسدوه ، و الناس إلى أمثالهم و أشكالهم أميل ٢ .

و في ( عيون المفيد ) : اتفق الناس على النقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام رجزه في صفّين :

أنا علي صاحب الصمصامة

و صاحب الحوض لدى القيامة

أخو نبي اللّه ذي العلامة

قد قال إذ عمّمني العمامة

أنت أخي و معدن الكرامة

و من له من بعدي الإمامة ٣

و كيف لا يكون مقامه عليه السلام بذالك الشموخ ، و كتاب اللّه تعالى في تنزيله جعله نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل في المتواتر عنه يوم احد لمّا قال جبرئيل عليه السلام له صلّى اللّه عليه و آله تعجبا من حمايته عليه السّلام عنه صلّى اللّه عليه و آله نفسه منه عليه السّلام فقال صلّى اللّه عليه و آله لجبرئيل : « كيف لا يواسيني علي ، و هو منّي و أنا منه » كما جعل جبرئيل نفسه منه عليه السّلام كما جعلها منه صلّى اللّه عليه و آله فقال للنبي صلّى اللّه عليه و آله بعد

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٤٥ ح ١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه السروي في مناقبه ٣ : ٢١٣ ، و السائل هنا ايضا ابو زيد .

( ٣ ) رواه عنه الشريف المرتضى في الفصول المختاره ٢ : ٢٣٤ .

٣٧

كلامه ذاك « و أنا منكما » ١ .

« فسدلت » أي : أرخيت .

« دونها » أي : دون الخلافة .

« ثوابا » و الكلام كناية عن إعراضه عنها ، كمن يضرب الحجاب بينه و بين من يعرض عنه .

و في ( إيضاح الفضل ) : قال المأمون لفقهاء العامة : قال عليّ عليه السّلام : قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أنا أولى بمجلسه مني بقميصي ، و لكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّارا ٢ .

« و طويت عنها كشحا » قال ابن أبي الحديد : أي : حرمتها قالوا : لأنّ من كان إلى جانبك الأيمن مثلا فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه و الكشح ما بين الخاصرة و الجنب . و عندي انّهم أرادوا غير ذلك ، و هو أنّ من أجاع نفسه . فقد طوى كشحه كما أنّ من أكل و شبع فقد ملأ كشحه ، فكانّه أراد انّي اجعت نفسي عنها و لم ألتهمها ٣ .

قلت : إنّما يجي‏ء « طوى بطنه » بمعنى الجوع كما في الخبر « و اترك أهل الصفّة تطوى بطونهم » ٤ و أما « طوى كشحه » فلا يجي‏ء إلاّ بمعنى الإعراض إذا عدي بعن كما في كلامه عليه السّلام ، أو بتقديرها كما في قول الشاعر :

أخ قد طوى كشحا

و أبّ ليذهبا

و قال آخر :

و صاحب لي طوى كشحا فقلت له

إنّ انطواءك هذا عنك يطويني

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه جمع كثير منهم ابن هشام في السيرة ٣ : ٤٣ ، و الكليني في الكافي ٨ : ١١٠ ح ٩٠ ، غيرهما .

( ٢ ) لم يوجد في الايضاح ، بل رواه الصدوق في عيون الاخبار ٢ : ١٨٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

( ٤ ) النهاية ٣ : ١٤٦ ، مادة ( طوي ) .

٣٨

و أمّا إذا عدّي بعلى فبمعنى الإخفاء كما قال زهير في حصين بن ضمضم في حرب داحس و الغبراء .

و كان طوى كشحا على مستكنّة

فلا هو أبداها و لم يتجمجم

و في ( اللسان ) : أراد « بالمستكنّة » عداوة أكنّها في ضميره ١ .

و بالجملة قوله عليه السّلام : « و طويت عنها كشحا » كقوله عليه السّلام : « و سدلت دونها ثوبا » ، كناية عن إعراضه عليه السلام عن الخلافة و تصدّي الأمر ، و ابن أبي الحديد خلط بين طيّ البطن و طيّ الكشح .

ثم طيّ الكشح لا يختصّ بمن كان على أيمنك فطويت أيسرك عنه كما قال ابن أبي الحديد بل يجي‏ء للعكس أيضا بل قوله : فطويت أيسرك عنه غير صحيح . فمن كان على أيمنك تطوى أيمنك أولا عنه إذا أعرضت عنه ، و بطيّ الأيمن يحصل طي الأيسر .

ثم انّه عليه السّلام أعرض عن الخلافة ، و سدل دونها ثوبا ، و طوى عنها كشحا لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخبره بكيفيّة معاملة الناس معه عليه السّلام بعده فقال له « انّ الامّة ستغدر بك بعدي » ٢ .

و روي انّ الأشعث بن قيس قاله له : ما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو بني تيم ، و أخو بني عدي ، و أخو بني أميّة أن تقاتل و تضرب بسيفك ، و أنت لم تخطبنا خطبة مذ كنت قدمت العراق إلاّ قلت فيها قبل أن تنزل عن المنبر « و الله إنّي لأولى الناس ، و ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله » فما يمنعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟

قال : يا ابن قيس إسمع الجواب . لم يمنعني من ذلك الجبن ، و لا كراهة

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ١٩ ، مادة ( طوي )

( ٢ ) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٠ و ١٤٢ ، و الثقفي ، و عنه تلخيص الشافي ٣ : ٥٠ ٥١ ، و جمع آخر غيرهما .

٣٩

للقاء ربيّ ، و لكن منعني من ذلك أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عهده إليّ . أخبرني بما الامّة صانعة بعده . فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم به ، و لا أشدّ استيقانا منّي به قبل ذلك . فقلت : يا رسول الله ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك ؟ قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم و جاهدهم ، و إن لم تجد أعوانا . فكفّ يدك ، و احقن دمك حتى تجد على إقامة الدين و كتاب الله و سنّتي أعوانا ، و أخبرني أنّ الامة ستخذلني و تبايع غيري ، و أخبرني أنّي منه بمنزلة هارون من موسى ، و أنّ الامّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون ، و من تبعه ، و العجل و من تبعه إذ قال له موسى : يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ألاّ تتّبعن أفعصيت أمري قال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل و لم ترقب قولي ١ الخبر ٢ .

و لم يحضر عليه السّلام السقيفة كما حضروا لأمرين :

أحدهما : انّه كان مشتغلا بدفن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكانوا يقولون له عليه السّلام بعد سماع احتجاجه عليهم : « لو سمعت الأنصار كلامك قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك » فكان عليه السّلام يقول : « أ فكنت أدع رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في بيته لم أدفنه ،

و أخرج أنازع الناس بسلطانه » ٣ .

و الثاني : أنّ الإمام بمنزلة الكعبة يجب على الناس أن يأتوها لا أن تأتيهم هي .

« و طفقت » طفق : من أفعال الشروع قال تعالى : و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٩٢ .

( ٢ ) رواه سليم بن قيس في كتابه : ١٢٦ و ١٢٧ .

( ٣ ) رواه الجوهري في السقيفة : ١ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٢ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الاعراف : ٢٢ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

٤٩ - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدّمشقيّ الحنبليّ، ت ٧٧٤ هـ.

٥٠ - تفسير الثعالبيّ عبد الرحمان أبو زيد، ت ٨٥٧ هـ «جواهر الحسان في تفسير القرآن».

٥١ - التلخيص، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبيّ الحنبليّ، ت ٨٤٨ هـ، بذيل المستدرك على الصحيحين للحاكم ٢: ٣٣١.

٥٢ - فتح الباري شرح صحيح البخاريّ، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ، ت ٨٥٢ هـ، ٨: ١٠٤، ٤٠٤ - ٤٠٩.

٥٣ - الصواعق المحرقة، لابن حجر العسقلانيّ، ١٩، ٧٣.

٥٤ - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطيّ الشافعيّ، ت ٩١١ هـ.

٥٥ - كنز العمّال، لعليّ المتّقي بن حسام الدين الهنديّ، ت ٩٧٥ هـ، في مواضع كثيرة منها ج ٢: ٣٧٩، ٤١٧، ٤٢٠، ٤٢٢ - ٤٢٤، ٤٣١.

٥٦ - ينابيع المودّة لذي القربى، لسليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ، ت ١٢٩٤ هـ، ٨٨ - ٨٩.

٢٦١

لفظ الحديث

ذكرنا في صدر البحث بعض ألفاظ الحديث إجمالاً، ويحسن أن نختمه بما ذكر النّسائيّ وغيره، قال:

أخبرنا محمّد بن بشّار «محمّد بن بشّار بندار، بصريّ ثقة كثير الحديث يكنّى أبا بكر - تاريخ الثقات للعجليّ ٤٠١ / ١٤٣٥»، حدّثنا عفّان «عفّان بن مسلم الصفّار، أبو عثمان، بصريّ ثقة ثَبْت، صاحب سنّة - تاريخ الثقات ٣٣٦ / ١١٤٥»، وعبد الصّمد «عبد الصّمد بن عبد الوارث التّميميّ، بصريّ ثقة - تاريخ الثقات ٣٠٣ / ١٠٠٣» قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة «بصريّ، ثقة رجل صالح حسن الحديث - تاريخ الثقات ١٣١ / ٣٣٠»، عن سماك بن حرب، عن أنس، قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله براءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: «لا ينبغي أن يبلّغ هذا إلاّ رجلٌ من أهلي، فدعا عليّاً فأعطاه إيّاها.(١)

وقال: أخبرنا العبّاس بن محمّد الدّوريّ قال: حدّثنا أبو نوحٍ قُراد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيْعٍ، عن عليّرضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعليٍّ فقال له: خذ الكتاب فامضِ به إلى أهل مكّة.

قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه؛ فانصرف أبوبكر وهو كئيب فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنَزَل فِيَّ شيء؟ قال لا، إلاّ أنّي أُمرتُ أن، أُبلّغه أنا أو رجلٌ من أهل

____________________

(١) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ ٨٢ / ٧٢.

٢٦٢

بيتي».(١)

أخبرنا زكريّا بن يحيى قال: حدّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدّثنا أسباط - بن محمّد -، عن فطر - بن خليفة -، عن عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن الرقيم، عن سعد قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ببراءة، حتّى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليّاًرضي‌الله‌عنه ، فأخذها منه، ثمّ سار بها؛ فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله «لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي».(٢)

فائدة

نستفيد ممّا أوردناه بشأن حديث تبليغ براءة، أمرين: الأوّل: أنّ ابن تيميه قد رمى: الحنابلة والمالكيّة، والحنفيّة، والشافعيّة بالكذب! لما حلّ بساحته، إذ حكَمَه قُضاتُهم بالفسق والنفاق والزندقة...

فبذريعة ردّ الرافضيّ - كذا - كذّب أئمّة هذه المذاهب. ولمّا كان البخاريّ وشيوخه المتقدّمون قد ذكروا الحديث وأنّه من خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، لم يمكنه أن يفصلهم عن حكمه هذا، أي تكذيبهم!

الثاني: أنّه قد أظهر ناصبيّته بشكلٍ جليّ في تكذيبه هذا الحديث، كما هو شأنه في الأحاديث الثابتة من فضائل وخصائص أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام .

____________________

(١) نفسه ٨٣ / ٧٣.

(٢) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ ٨٣ / ٧٤.

٢٦٣

آية النجوى

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » (١) .

قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : «لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الأمّة أمْرَ هذه الآية».

قال ابن تيميه: «والجواب» أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجباً على المسلمين حتّى يكونوا عصاةً بتركه، وإنّما اُمر به من أراد النّجوى، واتّفق أنّه لم يُرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّ؛ فتصدّق لأجل المناجاة...، فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة ولا من خصائص عليّ، ولا يقال أنّ غير عليّ ترك النّجوى بُخلاً بالصدقة.(٢)

جوابنا، وبالله التوفيق:

قوله: إنّما أمر به من أراد النّجوى، فصحيح. وأمّا قوله: واتُّفق أنّه لم يرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّعليه‌السلام ، فلا دليل عليه، ولو كان موجوداً لَذَكَره، بل وفرّع عليه أموراً في تكذيب من قال بأنّ الآية من خصائص عليّعليه‌السلام سواءً كان من قال بذلك هو: مقاتل بن سليمان، أو عبد الرزّاق الصنعانيّ، أو ابن أبي شيبة، أو

____________________

(١) المجادلة: ١٢.

(٢) منهاج السنّة، لابن تيميه ٣: ٥.

٢٦٤

الطبريّ أو النّسائيّ...

ولقد وجدنا ابن تيميه في ردّه وإنكاره لما نزل في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، حينما يكون الخطاب بلفظ الجمع، يقول: هذا في عموم المؤمنين ولو كان في عليّ لكان بلفظ المفرد.

والخطاب في آية النّجوى جاء بلفظ الجمع، فكيف يوفّق بين هذا وبين تصدّق عليّعليه‌السلام وحده في المناجاة؟!

وإذا عُدم الدليل عنده على ما ذهب إليه، فالدليل عندنا إضافة لما ذكرناه - قائم على أنّ الخطاب للمؤمنين بوجوب التصدّق، فلم يفعله إلاّ عليّ، فالآية خاصّة به.

واختصاص الآية بعليّعليه‌السلام ، أنّ الخطاب موجّه لمن يناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أرادوا مناجاته إذ كانوا يكثرون مناجاته فيشقّ ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية امتنعوا عن المناجاة فيما مضى عليّعليه‌السلام في المناجاة مع تقديم الصدقة طاعةً لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت الآية خاصةً به.

والآية بعدها تؤيّد ذلك، قال تعالى:« ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا... » .(١)

يقول: أشَقَّ عليكم يا أهل الميسرة أن تقدّموا الصدقة ولم تفعلوا ما اُمرتم به؟! فتاب الله عليكم؛ فنسخت هذه الآية حكم الآية التي قبلها.

____________________

(١) المجادلة: ١٣.

٢٦٥

ولذلك قال أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام : لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الاُمّة أمر هذه الآية.

والحكم لمن كان أقرب عهداً من عصر الرسالة، خاصّةً وأنّ ابن تيميه لم يذكر لنا أحداً من المتأخّرين يعتصم به.

ذكر مقاتل بن سليمان(١) في تفسيره، قال: «و ذلك أنّ الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويغلبون الفقراء على مجالس النبيّ، وكان النبيّ يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلمّا أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبيّ ومجالسته، ولم يقدّم أحد من أهل الميسرة صدقةً غير عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قدّم ديناراً وكلّم النبيّ عشر كلمات، فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتّى أنزل الله تعالى:« أَأَشْفَقْتُمْ » يقول أشقّ عليكم« أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ

____________________

(١) ذكرنا ترجمته في الحديث عن آية الولاية «تصدُّق أميرالمؤمنين حال الركوع». ونذكر هنا شيئاً ممّا قيل فيه: عن عبد المجيد من أهل مرو: سألت مقاتل بن حيّان، فقلت: يا أبا بسطام، أنت أعلم أو مقاتل بن سليمان؟ قال: ما وجدت علمَ مقاتل في علم الناس إلاّ كالبحر الأخضر في سائر البحور. تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٦.

وللشافعيّ أقوال في تفسير مقاتل، منها: الناس كلّهم عيالٌ على مقاتل في التفسير. (المصدر نفسه). والشافعيّ أيضاً قال: من أراد أن يتبحَّر في المغازي، فهو عيالٌ على محمّد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحَّر في الشّعر فهو عيال على زهير بن أبي سُلمى، ومن أراد أن يتبحّر في النّحو فهو عيال على الكسائيّ، ومن أراد أن يتبحّر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان. (المصدر نفسه).

٢٦٦

نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيراً لكم.(١)

إنّ مقاتل بن سليمان لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبين وفاة النبيّ ووفاة مقاتل (١٤٠) سنة؛ وابن تيميه كذلك لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّ الفاصلة الزمنيّة بين وفاة النبيّ ووفاة ابن تيميه (٧١٨) سنة!

وممّن هم أقرب عهداً بمقاتل، وأبعد عهداً من ابن تيميه:

عبد الرزّاق الصنعانيّ (١٢٦ - ٢١١ هـ)، فبينه وبين ابن تيميه (٦٥٧) سنة.

ذكر عبد الرزّاق بسنده عن ابن عُيُيْنة(٢) ، عن سليمان الأحْول(٣) ، عن مجاهد في قوله تعالى:« فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » ، قال: أمروا أن لا يناجيَ أحدٌ النبيَّ حتّى يتصدّق بين يدي ذلك، فكان أوّل من تصدّق بين يدي ذلك عليّ بن أبي طالب فناجاه، فلم يناجه أحدٌ غيره، ثمّ نزلت الرخصة:« أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا

____________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ٣: ٣٣٤.

(٢) مضت ترجمته في حديث ردّ الشّمس بما فيه الكفاية، توفّي سفيان بن عينية سنة ١٩٨ هـ.

(٣) سليمان بن أبي مسلم المكّيّ الأحْوَل.

روى عن: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وأبي معبد مولى ابن عبّاس، وطارق بن شهاب...

روى عنه: سفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة بن الحجّاج...

قال فيه سفيان، أحمد بن حنبل، يحيى بن معين، والجليّ، وأبو حاتم، وأبو داود، والنّسائيّ: ثقة.

الجرح والتعديل للرازيّ ٤ / الترجمة ٦٢٠، وتاريخ الدارميّ، الرقم ٣٦٢، وتاريخ الثقات للعجليّ ٢٠٣ / ٦١٧، وتاريخ أسماء الثقات / الترجمة ٤٥٤، وثقات ابن حبّان ٣: ١٧٦، وابن سعد في طبقاته ٥: ٤٨٣.

٢٦٧

بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ » (١) .(٢)

وأخرج الحبريّ (ت ٢٨٦ هـ) في تفسيره (صفحه ٢٢٠ / الحديث ٦٥) قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد السلام، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال عليّعليه‌السلام : آيةٌ من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: أُنزلتْ آية النجوى فكان عندي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا أردت أن أناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تصدّقت بدرهم حتّى فَنِيَت، ثمّ نَسخَتْها الآية التي بعدها:« فَإِن لّمْ تَجِدُوا... » الآية.

وبنفس السند والمتن ذكره الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل ٢: ٣١٣ / الرقم ٩٥٢).

سند الحديث

الحبريّ، الحسين بن الحكم بن مسلم أبو عبد الله القُوشيّ الكوفيّ الوشّاء. روى عن مالك بن إسماعيل - وهو في سند الحديث - وإسماعيل بن أبان الورّاق، وحسن بن حسين العرنيّ...

قال ابن ماكولا، والذهبيّ: توفّي سنة إحدى ثمانين ومائتين. (الإكمال، لابن ماكولا ٣: ٣١، وتاريخ الإسلام للذهبيّ).

مالك بن إسماعيل أبو غسّان النّهديّ الكوفيّ.(١)

____________________

(١) المجادلة: ١٣.

(٢) تفسير عبد الرزّاق الصنعانيّ ٢: ٢٢٥ / ٣١٧٧.

٢٦٨

روى عن: جويرية بن أسماء - ترجمنا له في حديث ردّ الشّمس، ثقة -، وعبد السلام بن حرب - وعنه روى مالك بن إسماعيل الحديث كما ذكر الحبريّ -، وحبّان بن عليّ العَنَزيّ، والحسن بن صالح بن حيّ، وحمّاد بن زيد، وسفيان بن عُيَيْنة، وفضيل بن مرزوق، وزهير بن معاوية، وأبي معشر وأبي إسرائيل الملائيّ... «وكلّ هؤلاء مذكورون في الثّقات، انظرهم في كتب الرجال».

روى عنه: البخاريّ، وأبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، وعبّاس الدّوريّ، وأبو حاتم الرازيّ، وأبو زُرْعة الرازيّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، ومحمّد بن إسحاق البكّائيّ، وأبو بكر بن أبي شيبة... (والقول فيهم مثل من روى عنهم).

قال أبو حاتم: قال يحيى بن معين: ليس بالكوفة أتقن منه.(٢)

وقال محمّد بن عليّ بن داود البغداديّ: سمعت يحيى بن معَين يقول لأحمد بن حنبل: إن سَرك أن تكتب عن رجلٍ ليس في قلبك منه شيء - أي شكّ - فاكتب عن أبي غسّان.(٣)

وقال عبّاس الدوريّ: قلت ليحيى بن معين: كان أبو غسّان أثبت من أبي نعيم في زهير؟ قال: في زهير وغيره. فراجعته في أبي غسّان وأبي نعيم، فثبت

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٣٤٢، العجليّ ٤١٧ / ١٥١٩، تاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٣، تاريخ خليفة ٤٧٦، وطبقاته ١٧٢، والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥، وثقات ابن شاهين / الترجمة ١٣٢٨، ورجال صحيح مسلم ١٦٦.

(٢) الجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥.

(٣) تهذيب الكمال ٢٧: ٨٩.

٢٦٩

على أبي غسّان أثبت من أبي نعيم، قال: هو أجود كتاباً وأثبت.(١)

قال ابن سعد: كان أبو غسّان ثقةً صدوقاً متشيّعاً شديد التشيّع.(٢)

وقال العجليّ: ثقة، وكان متعبّداً، وكان صحيح الكتاب.(٣)

وقال محمّد بن عبد الله بن نُمير: أبو غسّان أحبُّ إليَّ من محمّد بن الصّلت، أبو غسّان من أئمّة المحدّثين.(٤)

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صحيح الكتاب، وكان من العابدين.(٥)

وقال: كان ثقةً متثبّتاً.(٦)

وقال النّسائيّ: ثقة.(٧)

مات مالك بن إسماعيل سنة تسع عشرة ومئتين.(٨)

____________________

(١) تاريخ الدّوريّ ٢: ٥٤٣.

(٢) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤.

(٣) تاريخ الثقات ٧: ٤١٧ / ١٥١٩.

(٤) الجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥.

(٥) تهذيب الكمال ٢٧: ٩٠.

(٦) نفسه.

(٧) نفسه.

(٨) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤، وطبقات خليفة ٢٩٤.

٢٧٠

عبد السلام بن حرب(١) :

عبد السلام بن حرب بن سلم النّهديّ الملائيّ الكوفيّ.

روى عن: ليث بن أبي سليم، وسليمان الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وخُصَيف بن عبد الرحمان الجزَريّ...

روى عنه: أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ومحمّد بن إسحاق بن يسار (صاحب السيرة) وهو أكبر منه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعين، وأبو الصّلت عبد السلام بن صالح الهرويّ، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعثمان بن محمّد بن أبي شيبة، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وأبو أسامة حمّأد بن أُسامة...

قال أبو حاتم: ثقةٌ صدوقٌ.(٢)

وقال عثمان بن سعيد الدارميّ، عن يحيى بن معين: صدوق.(٣)

قال الترمذيّ: ثقة حافظ.(٤)

مات عبد السلام بن حرب سنة ١٨٧، وقيل غير ذلك.(١)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٣٨٦، وتاريخ خليفة ٤٥٨، وطبقاته ١٧٠، وتاريخ البخاريّ الكبير ٦ / الترجمة ١٧٢٩، والجرح والتعديل ٦: ٢٤٦، والمعرفة والتاريخ ٣: ٢١٩، وتهذيب الكمال ١٨: ٦٦.

(٢) الجرح والتعديل ٦ / الترجمة ٢٤٦.

(٣) تاريخ الدارميّ ٥٥٠ / الترجمة ٢٥٢.

(٤) سنن الترمذيّ / بعد الحديث ٦٢٢.

٢٧١

ليث بن أبي سُلَيم بن زُنَيم القُرشيّ الكوفيّ، مولى عُتبة بن أبي سُفيان، ويقال: مولى معاوية بن أبي سفيان.(٢)

روى عن: مجاهد بن جَبْر المكّيّ، والمنهال بن عمرو، ونافع مولى ابن عمر، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وعِكْرِمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وعامر الشّعبيّ، وشهر بن حوشب، وطاووس بن كيسان، وزيد بن أرطاة... وغيرهم ممّن ذكر في الثقات. انظرهم في المصادر.

روى عنه: عبد السلام بن حرب، وسفيان الثّوريّ، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجّاج، وزهير بن معاوية، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن عُلَيّة، وإسماعيل بن عيّاش، والحسن بن صالح بن حَيّ، وزائدة بن قُدامة، وأبو معاوية محمّد بن خازم الضّرير، ومحمّد بن فضيل بن غزوان، ومعتمر بن سليمان...

عبد الرحمان بن مهديّ: ليث بن أبي سُلَيم، وعطاء بن السائب، ويزيد ابن أبي زياد؛ ليث أحسنهم حالاً عندي.(٣)

عن فضيل بن عياض: كان ليث بن أبي سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك.(٤)

وقال الدار قطنيّ: ليث بن أبي سليم صاحب سنّة، يُخَرَّج حديثُه.(١)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٣٨٦، وتاريخ خليفة ٤٥٨، وانظر: تهذيب الكمال ١٨: ٦٧.

(٢) طبقات ابن سعد ٦: ٣٤٩، ثقات ابن شاهين ٢٧٥، الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤، وسنن الدار قطنيّ ١: ٦٨، ٣٣١ و ٣: ٢٦٩، وتاريخ الدوريّ ٢: ٥٠١، وتاريخ الدارميّ، ترجمة ٥٦٠، ٧٢٠، وتاريخ خليفة ٢٧٤، وطبقاته ١٦٦، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٠٥١...

(٣) الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤.

(٤) الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤.

٢٧٢

وذكره ابن شاهين، عن عثمان، فقال: ليث بن أبي سليم: ثقة، صدوق، وليس بحجّة.(٢)

قال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثّوريّ، وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضّعف الذي فيه يكتب حديثه.(٣)

استشهد به البخاريّ في «الصحيح»، وروى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشّيبانيّ، وروى له الباقون.(٤)

مات سنة ثمان وثلاثين ومئة، وفي قول: مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.(٥)

مجاهد(٦) : وهو آخر من في سند الحديث الذي رواه عنه ليث. جاء في ترجمته: مجاهد بن جبر المكّيّ.

روى عن: جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وعبد الله بن عبّاس، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن جبير - وهو من أقرانه -، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وأبي

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٤: ٢٨٧.

(٢) تاريخ أسماء الثّقات ٢٧٥ / الرقم ١١٣٥.

(٣) الكامل لابن عديّ ٣: ٢٠.

(٤) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٤: ٢٨٨.

(٥) رجال صحيح مسلم ١٥١.

(٦) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٦، وتاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٩، وتاريخ خليفة ٢٥٨، وطبقاته ٤٩١، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٨٠٥، والجرح والتعديل للرازيّ ٨ / الترجمة ١٤٦٩، ورجال صحيح مسلم ١٧١، وجمهرة أنساب العرب ١٤٢، والثّقات لابن حبّان ٣: ٥١ / ٤٨٩٦، وتهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٢٢٨ / ٥٧٨٣.

٢٧٣

سعيد الخدريّ، وأبي هريرة، وجويرية أُمّ المؤمنين، وأُمّ سلمة، وعائشة، وأُمّ هاني بنت أبي طالب، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وإبراهيم بن الأشتر النَّخعيّ... وخلق كثير.

وقد وجدناه يروي عن صحابة وتابعين، وأُمّهات المؤمنين.

روى عنه: ليث بن أبي سليم - الذي روى عن مجاهد الحديث -، وسلمة ابن كُهيل، وسعيد بن مسروق الثّوريّ، وسليمان الأعمش، وسليمان الأحول، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وفطر بن خليفة، ومنصور بن المعتمر، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وأبو الزبير المكّيّ...

ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مكّة، وقال: كان فقيهاً عالماً ثقة كثير الحديث.(١)

وعن أبي الليث الفضل بن ميمون: سمعت مجاهداً يقول: عرضتُ القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة.(٢)

وقال عبد السلام بن حرب، عن خُصَيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد، وبالحجّ عطاء.(٣)

وقال يحيى القطّان: مُرسَلات مجاهد أحبّ إليّ من مرسلات عطاء بكثير.(٤)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٦ - ٤٦٧.

(٢) الجرح والتعديل للرازيّ ٨ / الترجمة ١٤٦٩، وانظر ابن سعد.

(٣) الجرح والتعديل للرازي ٨ / الترجمة ١٤٦٩، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٨٠٥.

(٤) نفسه.

٢٧٤

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأبو زرعة: ثقة.(١)

وقال سفيان الثّوريّ عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجهَ الله إلاّ عطاء، وطاووس، ومجاهداً.(٢)

وروي عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: وددتُ أنّ نافعاً - نافع مولى ابن عمر - يحفظ حفظك وأنّ علَيّ دِرهماً زائفاً! قلت: هلاّ كان جيّداً! قال: هكذا كان في نفسي.(٣)

قيل: مات مجاهد بمكّة سنة مائة. وقيل غير ذلك.(٤)

وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ » الآية، قال: نزلت في عليّعليه‌السلام خاصّةً، وكان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلّما ناجاه قدّم درهماً حتّى ناجاه عشرَ مرّاتٍ، ثمّ نُسِخَت، فلم يعمل بها أحدٌ قبله ولا بعده.(٥)

ويردُ الحديث بألفاظٍ أُخرى وطرق عدّة، كلّها تنصّ على عليّعليه‌السلام ، منها: أسباب النزول للواحديّ ٢٧٦، والأوائل للعسكريّ ١٦٧؛ عن أبي أيّوب الأنصاريّ. والدرّ المنثور للسيوطيّ ٦: ١٨٦ عن سلمة بن كهيل عن عبد ابن

____________________

(١) الجرح والتعديل للرازي ٨ / الترجمة ١٤٦٩.

(٢) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٢٣٣.

(٣) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٢٣: ٢٧.

(٤) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٧، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ ترجمة ١٨٠٥.

(٥) تفسير الحبريّ ٣٦٨ رقم ٩٦.

٢٧٥

حميد. ورواية ابن جرير وعطاء والكلبيّ عن ابن عبّاس، في تفسيره الفخر الرازيّ ٢٩: ٢٧١، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ ٢١. وعن عبدالرحمان بن أبي ليلى في المستدرك على الصحيحين ٢: ٤٨١. وعن ابن عمر في تذكرة الخواصّ ٢٢، وكفاية الطالب الگنجيّ الشافعيّ ١٣٦، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٧: ٣٠٢، وتفسير البغويّ ٢٨: ٣٤٧.

وعن مجاهد مرفوعاً عن عليّعليه‌السلام ، تفسير الطبريّ ٢٨: ١٤، وأحكام القرآن للجصّاص ٣: ٥٢٦، وتفسير ابن كثير ٤: ٣٢٦، ومناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣٢٦ ؛ كلٌّ عن ليث، عن مجاهد.

وأخرجه النّسائي بالإسناد إلى سفيان بن سعيد في خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ٣٩، والذهبيّ عن العقيليّ في ميزان الاعتدال ٣: ١٤٦.

وأخرجه الترمذيّ في الجامع الصحيح ٥: ٨٠ الحديث ٣٣٥٥، وجامع الأُصول لابن الأثير الجزريّ ٢: ٤٥٢.

وذكره ابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) في كتابه (المصنّف ٧: ٥٠٥ / ح ٦٢ و ٦٣)، ثم قال: إنّها في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وذكره كلّ من: ابن عقدة (ت ٣٣٢ هـ) في المناشدة يوم الشورى ت الفقرة ٧ - وأحمد بن حنبل في المسند ٣: ٣٠٧ / ح ١٧٨٨، والطبرانيّ (ت ٣٦٠ هـ) في المعجم الكبير ١٢: ٨١ / ح ٨٢٦٠٤، والكوفيّ (القرن الرابع الهجريّ) في مناقب أميرالمؤمنينعليه‌السلام ١: ١٣٨ / ح ٦٨ و ٢١٦ / ح ١١١ و ٢١٧ / ح ١١٢ و ١١٣ و ١١٤ ؛ وتفسير الثعلبيّ ٢: ١٤٠، ودلائل النبوّة للبيهقيّ ١: ١٧٠، والمعرفة

٢٧٦

والتاريخ للفسويّ ١: ٤٩٨، ومسند أبي يعلى ١: ٣٢٢، وصحيح ابن حبّان ١٥: ٣٩١، والكامل لابن عديّ ٥: ٢٠٤.

خاتمة البحث

ثبت أنّ تقديم الصدقة حال النجوى لم يعمل به غير عليّعليه‌السلام وبطل قول ابن تيميه: أنّ الصدقة لم تكن واجبة! فقد أوجبها الله تعالى على المسلمين المستطيعين لها، كما أوجب سبحانه الواجبات الأُخرى المشروطة، فامتنع المستطيعون عن أدائها، وأدّاها عليّعليه‌السلام وحده، فصارت من خصائصه في التفويض والطاعة لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بقي قوله: «فِمْثلُ هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة».

فهذا صحيح إن كان يعني بهم المسلمين والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم، فهو إمامهم وإليه يرجعون وهم لم يُخصّوا بها من دون المسلمين إلاّ عليّاً على ما ذكرنا، علماً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينصّ على إمامته - على ما سنذكر في مواضعه - وما مرّ بنا من حديث الولاية «آية التصدّق حال الرّكوع»، وتنصيب الإمام عليّ وليّاً وإماماً في آخر حجّةٍ «عيد غدير خمّ»، وحديث المنزلة...

ولذا كان عبد الله بن عمر يقول: لعليّ ثلاث لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ اليّ من حُمْر النّعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النجوى، والزهيد قليل. وهنالك قول مشابه لسعد بن أبي وقّاص (تذكرة الخواصّ

٢٧٧

٢٧).

واختيار ابن عمر هذه الفضائل من بين فضائل وخصائص عليّعليه‌السلام هو: المنع لغير عليّ والإيجاب لهعليه‌السلام ، ففاطمةعليها‌السلام هي بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد انتهى نسل رسول الله إلاّ فاطمة ومنها كانت ذرّيّته وهي سيّدة نساء العالمين، معصومة بحكم القرآن الكريم، وأبوها سيّد البشر بما فيهم الأنبياء والرسل ؛ فهي أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي أُمّ الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدي شباب أهل الجنّة، ولم يكن الإمام عليّعليه‌السلام دونها في الفضل، فهو ابن عمّ النبيّ وزوج ابنته فاطمة، زوّجه إيّاها بعد أن خطبها أبوبكر وعمر وابن عوف فردّهم! والإمام عليّعليه‌السلام سيّد العرب كما في حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - نأتي عليه - وهو أبو سيّدي شباب أهل الجنّة، وعصمته وعصمة الحسنين مقرّرة في القرآن. وعليّ أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والقول الذي ذكرناه لم يكن لابن عمر فقط، فقد ذكره أكثر من صحابي. وابن عمر يرى الزواجَ من فاطمة أعظمَ وأحبّ من حُمْر النّعم لا ليكون معصوماً مثل عليّعليه‌السلام ولا إماماً، وإنّما ليقال له صهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيفخر بذلك، ويكون أبا عترته، وأحبّ الرجال إليه.

وذَكَر الراية، وذلك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية يوم خيبر إلى أبي بكر فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنونه، ثمّ أرسل عمر بن الخطّاب فكان منه ما كان من أبي بكر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سأعطي الرّاية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه اللهُ ورسولهُ، كرّار غير فرّار، يفتح الله عليه».(١)

____________________

(١) مصادره في حديث الراية.

٢٧٨

وكان الإمام عليّعليه‌السلام كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكلّ ما ذكرنا من خصائص عليّعليه‌السلام ؛ فآية النّجوى من خصائصه لم يشركه فيها أحد.

ولا نتعب أنفسنا في سؤال ابن تيميه: لم هذا النضال في دفع هذه الفضيلة وإنكار كونها من خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام ، فلنا وقفات وحوار يطول معه!

آية الأُذُن الواعية

قوله تعالى:« لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » (١) .

الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، فهو الأُذن الأولى التي سمعت الوحي الكريم، وهو يُشافه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلو عليه القرآن الكريم، فوعاه قلبه وآمن بما جاء به، مع طهارة نفسه وما آتاه الله تعالى من مواهب الحفظ والذكاء والفهم. فهي واحدة من الأدلّة على أعلميّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تلك الفضيلة التي أنكرها ابن تيميه. وقد تحدّثنا فيما مضى عن حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، والذي أنكره ابن تيميه أشدّ الإنكار، وثبتت لنا صحّته.

أنساب الأشراف: أخرج البلاذريّ بسنده عن هشام بن عمّار، عن الوليد ابن مسلم، عن عليّ بن حَوْشب، قال: سمعتُ مكحولاً يقول: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » فقال: «يا عليّ سألتُ اللهَ أن يجعلها أذُنَك».

____________________

(١) الحاقّة: ١٢.

٢٧٩

قال عليّ: فما نسيتُ حديثاً أو شيئاً سمعتُه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(١)

سند الحديث

هشام بن عمّار: هشام بن عمّار بن نُصَير بن مَيْسَرة بن أبان السُّلَميّ الدمشقيّ.

روى عن: الوليد بن مسلم ؛ أحد سلسلة الحديث وسنده.

ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم المحاربيّ، وبقيّة بن الوليد، وعبد العزيز الدّراورديّ، ومروان بن معاوية الفزاريّ، وصدقة بن خالد...، وخلقٍ كثير.

روى عنه: البخاريّ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجة، والوليد بن مسلم - وهو من شيوخه ؛ وأبو عبيد القاسم بن سلاّم - صاحب كتاب النّسب وغيره ومات قبله، وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازيّ، ومحمّد بن سعد - كاتب الواقديّ ومات قبله، ويعقوب بن سفيان الفَسَويّ، وأبو زُرعة الدمشقيّ، وأبو زرعة الرازيّ، وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ الكاتب...

لفتُ نظر: إنّ الذين ذكرناهم فيمن روى عنهم هشم بن عمّار، أو فيمن روى عن هشام، قد وردت تراجمهم في الثّقات. انظرهم في: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتاريخ الثّقات للعجليّ، والثّقات لابن حِبّان، وطبقات ابن سعد،

____________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذريّ (ت ٢٧٩ هـ) ٢: ٣٦٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492