ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169332 / تحميل: 5907
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وتاريخ ابن معين، والمعرفة والتاريخ للفسويّ...

أقوال العلماء في هشام بن عمّار

قال العجليّ: هشام بن عمّار الدمشقيّ: صدوق. (تاريخ الثقات ٤٥٩ / ١٧٤١). وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ثقة. (تهذيب الكمال ٣٠: ٢٤٧). وقال أبو حاتم، عن يحيى بن معين: كيّس كَيْس. (الجرح والتعديل للرازيّ ٩ / الترجمة ٣٥٥).

وقال الدار قطنيّ: صدوقٌ كبير المحلّ. (تهذيب الكمال ٢٤٨).

وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: صدوق. (الجرح والتعديل للرازيّ ٩ / الترجمة ٣٥٥).

مات هشام بن عمّار سنة خمس وأربعين ومئتين، وقيل غير ذلك.(١)

الوليد بن مسلم القرشيّ الدمشقيّ مولى بني اُميّة

وعن الوليد هذا، روى هشام بن عمّار الحديث، له ترجمة واسعة في كتب الرجال ممّا يشير إلى علوّ منزلته عندهم.(٢)

____________________

(١) تاريخ البخاريّ ٢: ٣٨٢.

(٢) طبقات ابن سعد ٧: ٤٧٠، وتاريخ الدوريّ ٢: ٦٣٤، وطبقات خليفة ٣١٧، وتاريخ البخاريّ الكبير ٨ / الترجمة ٢٥٣٢، وثقات العجليّ ٤٦٦، والجرح والتعديل ٩ / الترجمة ٧٠، والكنى للدولابيّ ٢: ٧١، ورجال صحيح مسلم ١٨٥، والأنساب للسمعانيّ ٥: ٣٣٨، وتاريخ أبي زُرعة الدمشقيّ ١: ١٦٨ ومواضع كثيرة....

٢٨١

روى عن: عليّ بن حوشب الفزاريّ، وعنه روى الوليد الحديث. ومالك ابن أنس، واللّيث بن سعد، وسفيان الثّوريّ، وعبد الله بن لهيعة، ومحمّد بن عجلان، وعبد الملك بن جُرَيجْ، وأبي إسحاق الفزاريّ...

روى عنه: هشام بن عمّار - وهو الذي روى الحديث عن الوليد بن مسلم وأحمد بن حنبل، وأبو خَيْثمة زهير بن حرب، وبقيّة بن الوليد - وهو من أقرانه، وعبد الله بن وهب المصريّ - وهو من أقرانه، وعليّ ابن المدينيّ، وعبد الله بن الزبير الحُمَيديّ، والليث بن سعد - وهو من شيوخة، ونعيم بن حمّاد، وإسحاق بن راهوَيه، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وغيرهم كثير.

والقول في الرجال الذين روى عنهم، أو رَوَوا عنه، مِثل القول في هشام ابن عمّار.

قول العلماء فيه

ذكره ابن سعد في الطبقة السادسة وقال: ثقة كثير الحديث والعلم. (طبقات ابن سعد ٧: ٣٢٦ / ٣٩٢٦).

قال العجليّ: الوليد بن مسلم الدمشقيّ ثقة. (تاريخ الثّقات ٤٦٦ / ١٧٧٨).

وقال إبراهيم بن المنذر الخراميّ: قدِمتُ البصرة، فجاءني عليّ ابن المدينيّ، فقال: أوّل شيء أطلب، أخرِجْ إلَيّ حديث الوليد بن مسلم.

فقلت: يا ابن أمّ، سبحان الله ؛ وأين سماعي من سماعك؟! فجعلتُ آبى ويُلحّ، فقلتُ: أخبرني إلحاحكَ هذا ما هو؟ قال: اُخبرُك الوليدُ رجلٌ وعنده علمٌ

٢٨٢

كثير ولم أستمكن منه...، قال: فأخرجتُ إليه، فتعجّب من فوائده وجعل يقول: كان يكتب على الوجه (المعرفة والتاريخ ٢ / ٤٢٢).

وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي مروان بن محمّد: إذا كتب حديث الأوزاعيّ عن الوليد بن مسلم، فما تبالي مَن فاتَك.(١)

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قال لي أحمد بن حنبل: كان عندكم ثلاثةٌ أصحاب الحديث: مروان بن محمّد والوليد وأبو مُسْهِر (تاريخ أبي زرعة ٧ / ٣٨٤).

وقال يعقوب الفسويّ: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل بن عيّاش، والوليد بن مسلم، فأمّا الوليد فمضى على سنّته، محموداً عند أهل العلم، مُتقِناً صحيحاً، صحيحَ العلم...(٢) .

وأخباره طويلة يظهر منها فضله ومنزلته عند علماء عصره.

مات الوليد بن مسلم سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل خمس وتسعين ومائة.(٣)

عليّ بن حوشب: عليّ بن حوشب الفزاريّ، أبو سليمان الدمشقيّ.

وعنه روى الحديث الوليد بن مسلم، ورواه عليّ بن حوشب عن مكحول.

روى عن: أبيه حوشب، ومكحول الشاميّ، وأبي سلاّم الأسود، وأبي قبيل المعافريّ المصريّ.

____________________

(١) الجرح والتعديل ٩ / الترجمة ٧٠.

(٢) المعرفة والتاريخ ٢: ٤٢٣.

(٣) طبقات ابن سعد ٧: ٣٢٧.

٢٨٣

روى عنه: الوليد بن مسلم، وزيد بن عبيد الدمشقيّ، ويحيى بن صالح الوُحاظيّ، وأبو توبة الربيع بن نافع الحلبيّ...

الأقوال في عليّ بن حوشب

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قلت لعبد الرحمان بن إبراهيم(١) : ما تقول في عليّ ابن حوشب الفزاريّ؟ قال: لا بأس به، قلتُ: ولِمَ لا تقول ثقة ولا تعلم إلاّ خيراً؟ قال: قد قلتُ لك إنّه ثقة.(٢)

وذكر ابن حبّان عليّ بن حوشب في كتاب (الثقات) قال: من أهل الشام، يروي عن مكحول، روى عنه الوليد بن مسلم.(٣)

مكحول: مكحول بن عبد الله أبو عبد الله الدمشقيّ، من سبي كابل لسعيد ابن العاص. وأخباره تطول نذكر موجزها بحسب حاجة البحث:

روى عن: أنس بن مالك، وواثلة بن الأُسْقع، وابن عمر، وأبي أمامة، وسعيد

____________________

(١) عبد الرحمان بن إبراهيم الدمشقيّ المعروف بدُحَيْم ابن اليتيم الاُمويّ بالولاء، مولى آل عثمان بن عفّان. قال العجليّ وغيره: ثقة! كان يختلف إلى بغداد، سَمِعوا منه فذُكِرَ الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: مَنْ قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب الناس عنه، لم يسمعوا منه (تاريخ الثّقات للعجليّ ٢٨٧ / ٩٢٨).

العجب من العجليّ وغيره يوثّقون هذا الرجل، والقيد في التوثيق هو صدقه وعدم تعمّد الكذب، وأن لا يكون فحّاشاً، وقد وجدنا الرجل قد عمد إلى تكذيب حديث متواتر وأفحَشَ في سبّ من يرويه! هذا وهو مولىً لآل عثمان، فكيف لو كان أمويّاً أصالةً.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠: ٤١٩.

(٣) كتاب الثقات ٤: ١٢٧ / ٣٢٤١.

٢٨٤

بن المسيّب، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعروة بن الزبير، وطاووس ابن كيسان، وكريب مولى ابن عبّاس...

روى عنه: عليّ بن حوشب، الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، ومحمّد ابن إسحاق بن يسار - صاحب السّيرة والأوزاعيّ، وعبد القدّوس الشاميّ، وأُسامة بن زيد اللّيثيّ، والحجّاج بن أرطاة، وابن شهاب الزّهريّ، وعدد كبير ممّن ذُكروا في الثقات.

وأمّا مَن روى عنهم فقد ذكرنا بعض أسمائهم، وهم أشهر من أن يُعرَّفوا.

القول في مكحول: قال العجليّ: تابعيٌّ، ثقة. سمع من واثلة وأنس، وأبي هند الداريّ، ويقال: إنّه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من هؤلاء.(١)

وقال يونس بن بُكير، عن محمّد بن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفتُ الأرض كلّها في طلب العلم.(٢)

عن الزهريّ: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.(٣)

____________________

(١) تاريخ الثقات للعجليّ ٤٣٩ / ١٦٢٨.

(٢) تاريخ ابن معين ٢: ٣٤٦ / ٥٢٣٩.

(٣) الجرح والتعديل للرازيّ ٨ / الترجمة ١٨٦٧، حلية الأولياء ٥: ١٧٩. ٤ - منهاج السنّة النبويّة لابن تيميه ٤: ١٤٠.

٢٨٥

النتيجة

ثبت صحّة سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ. إلاّ أنّ ابن تيميه قال فيه: «حديث موضوع باتّفاق أهل العلم».(٤)

تعقيب: وقولنا فيه هنا مثل قولنا في البحوث السابقة، فهو وبكلّ يسرٍ يُطلِق لفظه الذي اشتُهِر به «موضوع باتّفاق أهل العلم»، وتارةً أُخرى: «باتفاق أهل المعرفة بالحديث» من غير ذكر لبعض أهل العلم والمعرفة أولئك، بل ولا ذكر واحدٍ منهم! ولو بُعث الرجل قبل البعث الأكبر والقيامة العظمى، وسئل: ما تقول في رجال سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ، هل هم شيعة روافض؟ أم إنّهم عاشوا في بيئة محترقة في التشيّع!

فنقل بعضهم الحديثَ عن الآخرَ تقيّة؟ أم هم مجهولو الحال؟ ونحن على ثقة أنّه إذا أراد أن يجيب ضاقت به السّبل ؛ فنقول: فأمّا التشيّع، فهم بعيدون كلّ البعد من ذلك. وأمّا البيئة، فهم من أهل الشام من دمشق حاضرة الدولة الأُمويّة، وفيهم من هو أُمويّ تثور ثائرته وهو في بغداد بعيداً عن أنصاره، وذلك لمّا ذُكرت الفئة الباغية.

وأمّأ حالهم: فقد أظهرت المصادر حُسْنَ حالهم. مع ملاحظة أنّا لم نرجع فيهم إلى مصدر شيعيّ.« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلّا الضّلاَلُ فَأَنّى‏ تُصْرَفُونَ) .(١)

شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ ٢: ٢٧٢ / ١٠٠٨، قال: وهذا الحديث

____________________

(١) يونس: ٣٢.

٢٨٦

رواه جماعة عن أميرالمؤمنين، منهم زِرّ بن جُبيش الأسديّ.(١)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ١٠٤، والمصنّف لابن أبي شيبة ١٣ / الرقم ١٥٧٣٨، وتاريخ ابن معين ٢ / ١٧٢، وتاريخ الثقات للعجليّ ٢٦١، وطبقات خليفة ٢٣٧ / ٩٨٣، وتاريخه ٢٨٨، ومسند أحمد ٥: ١٢٩، وتاريخ البخاريّ الكبير ٣ / الترجمة ١٤٩٥، والمعارف ٤٢٧، والجرح والتعديل للرازيّ ٣ / الترجمة ٢٨١٧، ورجال صحيح مسلم ٥٤، وإكمال الإكمال ٤: ١٨٣، وأُسد الغابة ٢: ٣٠٠، والإصابة ١: ٥٧٧.

روى عن: عليّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذرّ الغفاريّ، والعبّاس بن عبد المطّلب، وحذيفة بن اليمان، وأُبيّ بن كعب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وأبي وائل شقيق بن سَلَمة الأسديّ وهو من أقرانه، وعائشة.

روى عنه: عديّ بن ثابت وقد روى عنه الحديث -، وإبراهيم النّخعيّ، وحبيب بن أبي ثابت، وإسماعيل بن أبي خالد، وعامر الشّعبيّ، والمنهال بن عمرو الأسديّ، وأبو إسحاق الشّيبانيّ، وشمر بن عطيّة، وعاصم بن بَهْدَلة...

القول فيه: قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن مَعين: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ ٣ / الترجمة ٢٨١٧)، وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الأُولى من تابعي أهل الكوفة وقال: كان ثقة كثير الحديث. (طبقات ابن سعد ٦: ١٠٥).

قال العجليّ: زرّ بن حُبَيْش، من أصحاب عبد الله بن مسعود وعليّ، ثقة.

(تاريخ الثقات للعجليّ ١٦٥ / ٤٥٨). وفي (رجال ابن داود: ١٥٧ / ٦٢٠).

قال: كان فاضلاً، ومن أصحابنا. مات زرّ سنة إحدى وثمانين.

عديّ بن ثابت: روى الحديث عن زرّ بن حبيش.

روى عن: زرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صُرَد الخزاعيّ أمير التوّابين الذين خرجوا للطلب بثأر الحسينعليه‌السلام ، وأبيه ثابت، والبراء بن عازب، وزيد بن وهب الجهنيّ، ويزيد بن البراء بن عازب، وأبي راشد صاحب عمّار بن ياسر، وعبد الله بن أبي أوفى... =

٢٨٧

قال: عن الأعمش، عديّ بن ثابت، عن زِرّ بن حُبَيْش قال: قال أميرالمؤمنين: «ضمّني رسول الله إليه وقال: أمرني ربّي أن أُدنيك ولا أُقصيَك، وأن تسمع وتعي، وحقٌّ على الله أن تعي». فنزلت« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال: ورواه أيضاً عنه: ابنُه عمر، عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، وأعلّمك لتعي، وأُنزلت علَيّ هذه الآية:« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » ، فأنت الأُذن الواعية لعلمي يا عليّ، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتى المدينة إلاّ من بابها».

- وأيضاً شواهد التنزيل ٢: ٢٧٤ / ١٠٠٩: فقد ذكر رواة حديث الأُذن الواعية: بُرَيدة الأسلميّ، مكحول - خمس روايات، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، ابن عبّاس، سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس، أنس بن مالك. قال وورد أيضاً عن الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الحسن، وأبي جعفر، وغيرهم.

____________________

= روى عنه: سليمان الأعمش - الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، وأبان بن تغلب، وأبان بن عبد الله البَجَليّ، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وشعبة بن الحجّاج، وأبو إسحاق الشيبانيّ، وعليّ بن زيد بن جُدعان، وفضيل بن مرزوق، ومسعر بن كدام، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ ٧ / الترجمة ٥).

وقال العجليّ: عديّ بن ثابت الأنصاريّ، ثقة ثبت... وكان شيخاً عالماً... (تاريخ الثقات للعجليّ ٣٣٠ / ١١١٥).

وقال أبو حاتم: صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصّهم (الجرح والتعديل للرازيّ ٧: ٥).

وذكره ابن حبّان في كتاب (الثّقات ٢: ٤١٧ / ٣١٩٢).

مات عديّ بن ثابت سنة ١١٦ هـ.

٢٨٨

المصادر

(ومن المصادر التي ذكرت نزول الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام )، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ أو زيادة:

أسباب النزول للواحديّ: ٢٩٤، وتفسير الطبريّ ٢٩: ٥٦، والكشّاف للزمخشريّ ٤: ١٥١، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ ٣٠: ١٠٧، وتفسير ابن كثير الحنبليّ ٤: ٤١٣، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ الحنفيّ ٣: ١١٠، والدرّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ ٦: ٢٦٠، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤: ٣١٩، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ ١: ٦٧، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ الشافعيّ: ٣١٨ / ح ٣٦٣ و ٣٦٤، والمناقب للخوارزميّ الحنفيّ: ٢٨٢ - ٢٨٣ / ح ٢٧٦ - ٢٧٨، وكفاية الطالب للگنجيّ الشافعيّ: ١٠٨، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم: ٢٢، ومناقب عليّ لابن مردويه: ٣٣٧ - ٣٣٩ / ح ٥٦٥ - ٥٧٢، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: ١٢٣، وكنز العمّال للمتّقيّ الهنديّ ٦: ٤٠٨، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٣: ٩٥، وفرائد السمطين للجوينيّ الشافعيّ: الباب ٤٠ / الحديث ١٦٦، والطرائف لابن طاووس: ٩٣، ومطالب السَّؤول لابن طلحة الشافعيّ: ٢٠، وكشف اليقين للعلاّمة الحليّ: ٣٨٨، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ ٤: ١٤٠٥، ومجمع الزوائد للهيتميّ ١: ١٣١، ولباب النقول للسيوطيّ: ٢٢٥، وغاية المرام لهاشم البحرانيّ: ٣٦٦، ومفتاح النَّجا للبدخشانيّ الحارثيّ: ٤٠.

٢٨٩

حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».

قال ابن تيميه وحديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» أضعف وأوهى ؛ ولهذا إنّما يُعدّ في الموضوعات وإن رواه الترمذيّ! وذكره ابن الجوزيّ وبيّن أنّ سائر طُرقه موضوعة.(١)

وقال في موضع آخر: وممّا يروونه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، قال: وهذا حديث ضعيف، بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولكن قد رواه الترمذيّ وغيره، ومع هذا فهو كذب!(٢)

لقد وصلنا مع هذا الرجل إلى حدّ أنّه لو قال: إنّ عليّ بن أبي طالب لم يُخلق بعد، وإنّما ذكره الترمذيّ أو تفرّد به مسلم، ومع ذلك فلا صحّة لما ذكر إذ لم يتابعه البخاريّ، أو نفى وجودَه أبو الفرج..، لَما استغربنا قوله!

محاكمة الحديث سنداً ومتناً

حكم ابن تيميه على الحديث بالضعف، والحديث الضعيف يحتجّ به ما لم يأت ما يُبطله كما هو مقرّر عند العلماء بالحديث وأُصوله. وليت ناصبيّته وقفت عند الحدّ هذا! فإنّه رتّب على تضعيفه للحديث أن جعله من الموضوعات، مع إقراره بذكر الترمذيّ للحديث، وجعل مدار إبطال الحديث هو ابن الجوزيّ. ونذكّر بحديث ردّ الشمس وحكمه عليه بالكذب ؛ لأنّ مداره - كما زعم هو -

____________________

(١) منهاج السّنّة ٤: ١٣٨.

(٢) علم الحديث لابن تيميه ٥٢٦.

٢٩٠

عبيد الله بن موسى، وقال عنه: يروي الموضوعات. ثمّ طعن بابن عقدة الذي قال عنه: وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، والقول هذا لشيخه أبي الفرج.

فكان مدار ابن تيميه: أبا الفرج لا غير! وتكلّمنا هناك عن سند الحديث فكان من العلوّ بمكان، وذكرنا أنّ للحديث أسانيد أُخرى رفيعة.

وتحوّل بعد كلّ ذلك إلى القطع بأنّ الحديث مكذوب، وإن رواه الترمذيّ وغيره!

وليس لمثل ابن تيميه، ولا أبي الفرج أن يحكما على مثل الحكيم الترمذيّ وعلى نهجه الضالّ، سلك تلميذه الذهبيّ في تكذيب الحديث، إلاّ أنّ الأخير، تعامل مع الحديث بمحاكمة سنده، فخدشه ظنّاً منه أنّه بذلك يُبطل الحديث.

قال الحاكم في المستدرك: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم الهرويّ بالرملة، حدّثنا أبو الصّلت عبد السلام بن صالح، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. وأبو الصّلت ثقة مأمون، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول: سألتُ يحيى بن مَعين عن أبي الصّلت الهرويّ فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش: «أنا مدينة العلم»؟! فقال: قد حدّث به محمّد بن جعفر الفَيديّ، وهو ثقة مأمون. سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القبانيّ إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ يقول وسُئل عن أبي

٢٩١

الصّلت فقال: دخل يحيى بن معين، ونحن معه، على أبي الصّلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تَبِعْتُه فقلت له: ما تقول - رحمك الله - في أبي الصّلت؟ فقال: هو صدوق، فقلت له: إنّه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، فقال: قد روى هذا - أي حديث مدينة العلم - ذاك الفَيْديّ عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصّلت.(١)

قال الذهبيّ في التلخيص: بل موضوع. قال الحاكم: وأبو الصّلت ثقة مأمون. قال الذهبيّ: لا والله، لا ثقة ولا مأمون.(٢)

ومن طريق آخر: قال الحاكم: حدّثنا بصحّة ما ذكره الإمام أبو زكريا، حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن تميم القنطريّ، حدّثنا الحسين بن فهم، حدّثنا محمّد بن يحيى بن الضريس، حدّثنا محمّد بن جعفر الفيديّ، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنهم ا قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحسين بن فهم: حدّثناه أبو الصّلت الهرويّ عن أبي معاوية.

قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمان ثقة مأمون حافظ.

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٣٧ / ٤٦٣٧.

(٢) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك.

٢٩٢

ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوريّ بإسنادٍ صحيح.(١)

قال الذهبيّ: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجّال كذّاب!(٢)

قال الحاكم: حدّثني أبو بكر محمد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشيّ القفّال ببخارى وأنا سألته، حدّثني النّعمان بن هارون البلديّ ببلد من أصل كتابه، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّانيّ، حدّثنا عبد الرزّاق، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عبد بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمان بن عثمان التّيميّ قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فَمن أراد العلم فليأت الباب».(٣)

لقد وجدنا ابن تيميه قد حكم على الحديث بالكذب، وحجّته في ذلك أن أبا الفرج قد حكم بذلك، فأغنى نفسه عن البحث، إذ عادته المنتظمة كما ذكرنا في غير هذا الموطن أنّه يكذّب الحديث، وذريعته فيه أنّه كذب عند أهل العلم والمعرفة بالحديث. وإلاّ لاذ بأبي الفرج، فطوّقه ذلك الأمر واستراح.

وأمّا تلميذه الذهبيّ فقد وجدناه في تلخيصه للمستدرك: إمّا أن يوافق الحاكم، أو يسكت عن الحديث، أو يخدش سنده بأيّ ثمّة خدش. لكنّ نائرته اضطرم أُوارها في «حديث الطير»، فحمل على الحاكم نفسه! وكذلك في حديث

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٧ / ٤٦٣٨.

(٢) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك ٣: ١٣٧ / ٤٦٣٨.

(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٣٨ / ٤٦٣٩.

٢٩٣

«مدينة العلم» فقد حكم عليه بالوضع، ولم يقف عند الحدّ هذا، بل حلف بالله تعالى أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون!

وقبل الولوج في نقد سند الحديث، نذكّر بما أوردناه بشأن رجال علم الحديث والرجال وما أصابهم من جرح وتعديل علماء زمانهم أو ما هو قريب من ذلك. فإنّ يحيى بن مَعين هو من أقران أحمد بن حنبل، وهو ممّن يَخبت ابن تيميه وابن الجوزيّ والذهبيّ لإمامته ولا يتجاوزون قوله، فهو عندهم عدل أحمد بن حنبل، وقد قال فيه أبو زرعة(١) : لم يُنتفَع به - أي بيحيى - لأنّه كان يتكلّم في الناس(١) ! ويروى هذا عن عليّ بن المدينيّ،(٣)

____________________

(١) أبو زُرعة: عمرو بن جابر الحضرميّ، مصريّ، تابعيّ ثقة (تاريخ الثّقات للعجليّ ٣٦٢ / ١٢٥٢، و ٤٩٨ / ١٩٥٢).

(٢) تاريخ يحيى بن معين ١: ٨.

(٣) عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المدنيّ: مات بسرّ مَنْ رأى سنة عدل أربع وثلاثين ومائتين. علمٌ ثبت حافظ، إمام أهل الحديث والرجال ثقة، عدل، حادّ الذكاء، واسع المعرفة، مستقيم الأمر، ضابط لما يرويه، وإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبويّ مع معرفة بنقد الرجال مع ورعٍ وتقوى، وهوشيخ البخاريّ وعنه شحن صحيحه بالحديث، وقال عنه: ما استصغرت نفسي بين يدي أحدٍ إلاّ بين يدي عليّ بن المدينيّ. ولمّا سئل البخاريّ: ما تشتهي؟ قال: أن أقدم العراق وعليٌّ حيّ فأجالسه.

تلقّي المدينيّ العلم عن: حمّاد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرزّاق ابن همّام، وغُنْدر، وعبد الرحمان بن مهديّ، وابن عُلَيّة، ويوسف بن يعقوب الماجشون، والدّراورديّ، وعبد الله بن وَهْب، والوليد بن مسلم... =

٢٩٤

من وجوه(١) . وقال: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن يحيى بن معين.(٢)

ووقع أبو داود فيه، فلمّا أُنكر عليه قال: من جرّ ذيول الناس جرّوا ذيله!(٣)

وقد قال يحيى بن مَعين عن نفسه: إنّا لنطعن على أقوام لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مئتي سنة! هذا هو بعض شأن يحيى بن مَعين، حُكْم علماء عصره عليه، وحكمه على نفسه! وسؤالنا لابن الجوزيّ، وابن تيميه: فهلاّ اقتديتما به فتركتما الناس لله! ألم يصلكما قول إمامكما وحكمه في سند حديث مدينة العلم؟ وماذا سيكون جوابكما إذا حشرتما وجاء أبو الصّلت وغيره

____________________

= روى عنه: البخاريّ، وأبو داود. وروى عنه: سفيان بن عيينة، ومعاذ بن معاذ - وهما من شيوخه ؛ وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة - وهما من أقرانه. وروى عنه أبو داود، والترمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجة في التفسير له بواسطة: الذّهليّ، والجوزجانيّ، والحسن بن عليّ الخلاّل، والحسن بن الصباح البزّار...

تلقّى العلم عنه خلق كثير، منهم: ابنه عبد الله، وأحمد بن منصور الرماديّ، وصالح جزرة، وعبد الله البغويّ، والباغندي، وأبو يعلى الموصليّ، وأبو حاتم الرازيّ...

قال أبو حاتم الرازيّ: كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان الإمام أحمد لا يسمّيه، إنّما يكنّيه ؛ تبجيلاً له.

انظر في: الطبقات الكبرى ٧: ٣٠٨، وتاريخ البخاريّ الكبير ٣: ٢ / ٢٤٨، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٣: ١ / ١٩٣، وتاريخ بغداد ١١: ٤٥٨ / ٤٧٣، والفهرست لابن النديم ٣٣١، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ ٢: ٨١...

(١) تاريخ يحيى بن معين ١: ٨.

(٢) تهذيب الكمال للمزّيّ ٣١: ٥٦٤.

(٣) نفسه.

٢٩٥

يطالبون بحقّهم؟ وهل هناك كفّارة؟! ثمّ ما تقولان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعليّعليه‌السلام وهما يشكوانكما؟!

ومع كلّ ما ذكرناه، يبقى ابن معين له شأنه في هذا الميدان، وهو لكما ألزم إذ جعلتموه حجّةً بينكما وبين الله تعالى.

وابن معين عاصر أبا الصّلت ورآه وسمعه، فالحكم له ومن هو في طبقته، لا لكما! فهلاّ حملتما على ابن معين لا على الحاكم، وقد كان ابن معين في سند الحديث، وهو الذي حكم بصدق الحديث، وصدّق أبا الصّلت ووثّقه؟!

وزاد أن قوّى وثاقة الحديث فذكره من طريق الفيديّ عن أبي معاوية عن الأعمش مثلما رواه أبو الصّلت، وكان جوابه هذا حينما أُشكِل عليه وسئل عن أبي الصّلت وروايته لحديث مدينة العلم.

فلِمَ أغمضتم عيناً عن الفيديّ، الذي جعله ابن معين حجّةً أخرى في تصديقه الحديث لوثاقة الفيديّ عنده، وعلّقتم الحديث الثاني على أحمد؟! ولَيتكم وقفتم عند تضعيف أحمد! وإنّما ذهب بكم الأمر إلى القول فيه: دجّال كذّاب! وهو من أعظم ما يُرمى به المرء بعد الإسلام، وهو الباب لكلّ الخطايا. ولذا قرّروا الأخذ بروايات أهل الأهواء والبدع، وقالوا في رجال الحديث: لئن يخرّ أحدهم من السماء أهونُ عليه من أن يكذب.

وقد علمتم صحّة ووثاقة الحديث الأوّل، فعلامَ علّقتم الحديث الذي بعده على أحمد وطعنتموه بُمديٍّ ما طعنتم بها الكفّارَ والخوارج؟! فماذا أعددتم ليوم

٢٩٦

غدٍ؟! و« سَيَعْلَمُونَ غداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ) .(١)

وأبو الفرج عند ابن تيميه، هو مدار تكذيب حديث مدينة العلم، وأبو الفرج مات سنة (٥٩٧ هـ)، وأبو الصلت توفّي سنة (٢٣٦ هـ)، فالفاصلة الزمنيّة بينهما هي (٣٦١) سنة!

وأمّا الذهبيّ الذي حلف بالله أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون، فإنّه مات سنة ٧٤٨ هـ، وبذا تكون الفاصلة الزمنيّة بينه وبين أبي الصّلت هي (٥١٢) سنة فقط! وبين الذهبيّ وبين أحمد بن عبد الله المتوفّى سنة ٢٧١ هـ، الذي قال عنه الذهبيّ: إنّه كذّاب دجّال، (٤٧٧) سنة.

وليس بين ابن تيميه المتوفّى سنة (٧٢٨ هـ) وبين أبي الصّلت أكثر من (٤٩٢) سنة، وأمّا بينه وبين أحمد بن عبد الله فأقلّ من ذلك، فهي لا تزيد على (٤٥٧) سنة! فَلْيَحكم المنصفون.

وبين ابن تيميه، وأبي معاوية الضّرير (٥٣٣) سنة، وبين الذهبيّ وأبي معاوية (٥٣٣) سنة.

وفي الحديث الذي ذكره الحاكم، وفي طريقه الحسين بن فهم، وجدنا الذهبيّ قد رحم نفسه فلم يحلف بالله تعالى بتضعيفه بل قال بإسقاطه! كما فعل بشأن أبي الصّلت.

وقد مرّ بنا قول الحاكم فيه: إنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ. فقد نعته

____________________

(١) القمر: ٢٦.

٢٩٧

بما نعت به أبا الصلت وزاد: حافظ. لكنّ الذهبيّ لم تطاوعه نفسه. وربّما نسي! فقد قال عنه في كتاب آخر له: الحسين بن فهم، صاحب محمّد بن سعد (صاحب الطبقات الكبرى)، قال الحاكم: ليس بالقويّ!(١) وتابعه ابن حجر فقال عنه عينَ عبارة الذهبيّ!(٢)

وهذا أشكل وأعضل ما نجده في منهجيّة كتابة التاريخ والتراجم، وهو اللاّموضوعيّة وعدم التجرّد عن العصبيّة والهوى، وعبادة الأشخاص على أسمائها، حتّى لَتجد كتباً ربّما كثرت أجزاؤها هي عينها لسابقين مع تغيير عنوان الكتاب اللاحق، ليس أكثر! وإلاّ قولُهما مناقض تماماً لما ذكره الحاكم في حديث مدينة العلم، إذ أفرده من سلسلة السند فأقامه حجّةً لأهل العلم، وذلك هو قوله: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ.

ولم يكن الحسين بن فهم من أقران الذهبيّ، ولا ابن حجر، ولا هما قريبا عهد به، فإنّ الفاصلة الزمنيّة بين الذهبيّ وابن فهم هي (٤٥٩) سنة، وأمّا بين ابن حجر وابن فهم فهي (٥٦٣) سنة! وما يدرينا فلعلّ الحسين بن فهم ممّن قال عنهم ابن معين قد حطّوا رحالهم في الجنّة!

من أخبار الحسين بن فهم

الحسين بن محمّد بن عبد الرحمان بن فهم بن مُحرز بن إبراهيم، أبو عليّ.

____________________

(١) ميزان الاعتدال للذهبيّ ٢: ٣٠٨ / ١٢٦٦.

(٢) لسان الميزان لابن حجر ٢: ٣٠٨.

٢٩٨

سمع: يحيى بن مَعين، ومصعباً الزبيريّ، ومحمّد بن سعد كاتب الواقديّ، وأبا خَيثمة زُهير بن حرب، ومحمّد بن سلاّم الجُمحيّ...

روى عنه: أحمد بن معروف الخشّاب، وأبو عليّ (الطوماريّ، وأحمد ابن كامل... ؛ وكان ثقةً، وكان عسراً في الرواية متمنّعاً إلاّ مَن أكثر ملازمته، وكان حسن المجلس مفتياً مفنناً في العلوم، كثير الحفظ للحديث مسنده ومقطوعه ولأصناف الأخبار والنّسب والشّعر، والمعرفة بالرجال، وكان يقول: صحبت يحيى ابن مَعين وأخذت عنه معرفة الرجال، وصحبت مصعب بن عبد الله - الزبيريّ ت ٢٣٦ هـ، له (نسب قريش) - فأخذت عنه النّسب، وصحبت أبا خيثمة فأخذتُ عنه المسند، وصحبت الحسن بن حمّاد سجّادة فأخذت عنه الفقه.(١)

ترجمة أبي الصّلت(٢) :

عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة، أبو الصّلت الهرويّ، مولى عبد الرحمان بن سَمُرة القرشيّ. سكن نيسابور، ورحل في طلب الحديث إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن.(٣)

وهو خادم عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام أديبٌ فقيه عالم.(٤)

____________________

(١) تاريخ بغداد ٨: ٩٢ / ٤١٩٠.

(٢) سنن الدار قطنيّ ١: ١١٠، والجرح والتعديل ٦، الترجمة ٢٥٧، وتاريخ بغداد ١١: ٤٦ / ٥٧٢٨، مطالب السؤول ٢١٤، ورجال ابن ماجة ١٥، ٥١، وتهذيب الكمال للمزّيّ ١٨: ٧٣ / ٣٤٢١.

(٣) تاريخ بغداد ١١: ٤٦، وتهذيب الكمال ١٨: ٧٣.

(٤) تهذيب الكمال للمزّيّ ١٨: ٧٣.

٢٩٩

روى عن: عليّ بن موسى الرضا، الثامن من أئمّة أهل البيت النبيّ عليه وعليهم السلام، ومحمّد بن خازم أبي معاوية الضّرير، ومالك بن أنس إمام المذهب المالكيّ، وعبد الرزّاق بن همّام(١) ، وسفيان بن عُيَينة(٢) ، وعبد السلام بن

____________________

(١) محمّد بن خازم تأتي ترجمته، ومالك أشهر من أن يعرّف، والرضاعليه‌السلام فرع الشجرة العلويّة الطاهرة. وعبد الرزّاق بن همّام بن نافع الحِمْيَريّ الصنعانيّ، عالم اليمن حافظ كبير، له: المصنّف، وتفسير القرآن العزيز، توفّي سنة إحدى عشرة ومائتين.

روى عن: أبيه، ومَعْمَر بن سليمان، وعبيد الله بن عمر، وابن جُريج، وحجّاج بن أرْطأة، والأوزاعيّ، والسّفيانَين، ومالك.

قال العجليّ: يمانيّ، ثقة وكان يتشيّع. (تاريخ الثّقات ٣٠٢ / ١٠٠٠).

روى عنه: شيخاه: مُعتمر وسفيان بن عينية، وأبو أسامة وهو أكبر منه، وأحمد، وابن معين وإسحاق، ومحمّد بن رافع، وأحمد بن صالح المصريّ (شيخ البخاريّ: توفّي سنة ثمان وأربعين ومئتين، مضت ترجمته في الحديث الذي أنكره ابن تيميه «حديث ردّ الشمس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمل حملةً منكرةً على سنده، وجرح أحمد هذا»، قال ابن سعد: قفة، من الطبقة الخامسة من أهل اليمن - وذلك بلحاظ سنة وفاته -، ومثله ذكر خليفة بن خياط في (طبقاته ٥٢١ / ٢٦٧٣).

قال عبد الرزّاق: جالَسنا مَعمراً سبعَ سنين. (الجرح والتعديل ٦ / ٣٨).

قال أحمد بن صالح: قلت لأحمد بن حنبل: رأيتَ أحداً أحسنَ حديثاً من عبد الرزّاق؟ قال: لا. (تهذيب الكمال ٢: ٨٢٩).

و قال عبد الوهّاب بن همّام: كنتُ عند معمر فذكر أخي عبد الرزّاق، وقال: خليق إن عاش أن تُضرب إليه أكباد الإبل. (تهذيب الكمال ٢: ٨٢٩).

وقال أبو صالح محمّد بن إسماعيل: بلغنا ونحن عند عبد الرزّاق أنّ ابن معين. وأحمد بن حنبل تركوا حديث عبد الرزّاق، فدخلنا من ذلك غمّ شديد، فلمّا كان وقت الحجّ وافيت بمكّة يحيى بن =

٣٠٠

ترى أنّه سبحانه عندما رام أن يشير إلى هذه الكتب المعهودة عرفها باللام إشارة إلى معهوديتها.

أضف إليه أنّ الهدف الأسمى للآية من نفي التلاوة والكتابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو قلع جذور الريب والشك من قلوب المبطلين، ولا يتحصل ذلك إلّا بكونه اُمّياً غير قارئ ولاكاتب قط، ولا يحسن القراءة والكتابة أصلاً. ولو صح ما يرتئيه الدكتور لما نهضت الآية إلى رفع آثار الشك وغبار الريب بل كان باب اكتساب الشك في أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلقاء الريب في قلوب ضعفاء الناس بنبوّته مفتوحاً بمصراعيه. إذ كان للجاحد المبطل أن يقول انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمزاولته صحف والكتب العربية، وقف على أحوال الماضين وأقاصيص الأوّلين، فأودع نتائج أفكاره وما استحصل عليه منها بعد سبره لغورها، في هذه الصحائف وفي ضمنها من هذه السور والآيات التي افتراها على الله، وقد رماه بهذه الفرية الشائنة رؤوس الكفر والعناد فيما حكاه عزّ وجلّ:( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفرقان ـ ٥ ).

وفي نفس الآية دليل بارز على أنّ الهدف منها هو نفي مطلق التلاوة والكتابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث عطف على الجملة الأولى:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) قوله:( وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) .

بيانه: لو كان المراد من الآية سلب القدرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خصوص ما يتعلّق بتلاوة الكتب الدينية النازلة باللغة العبرانية أو غيرها من اللغات غير الدارجة في الجزيرة العربية، لكان له تعالى أن يقتصر عل الجملة الاُولى، ولا يردفها بقوله:( وَلا تَخُطُّهُ ) لوضوح الملازمة بين السلبين. فإذا كان الرجل لا يقدر على قراءة كتاب اُلّف بلغة خاصة، فهو لا يقدر على خطها وترسيمها بتاتاً، فعلى ذلك لماذا جيئ بالمعطوف مع امكان الاستغناء عنه بما تقدم عليها.

ولكن لو كان الغرض هو التنبيه على اُمّية النبي بأوضح العبارات، والاجهار بها بأصح الأساليب، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل بعثته لم يكن قارئاً ولا كاتباً بتاتاً، بل كان بعيد عن ذلك

٣٠١

كل البعد، لصح عطفها على ما تقدم عليها، لأنّ العرف إذا حاول توصيف الرجل بالاُمّية يقول في حقه: إنّه لا يعرف القراءة والكتابة، أو أنّه ليست بينه وبين التلاوة والكتابة أية صلة، ولا يقتصر على نفي الاُولى بل يردفها بنفي الاُخرى أيضاً، توضيحاً للمراد. والله سبحانه لـمّا أراد التركيز على اُمّية النبي وأنّه طيلة عمره كان بعيداً عن مجالات العلم والدراسة، أتى بما هو الدارج في لسان العرب، إذا أرادوا توصيف الشخص بالاُمّية.

والشاهد على ما ذكرنا: أنّك لو ألقيت هذه الآية على أي عربي عريق في لغته ولسانه، يقضي بأنّ المقصد الأسنى منها نفي معرفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتلاوة والكتابة على الاطلاق. نعم الآية خاصة بما قبل البعثة، لا تعم ما بعدها ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الأبحاث الآتية فانتظر.

وربما يقال(١) : إنّ الآية تنفي مطلق التلاوة والكتابة ولكنّه لا يدل على نفي احسانهما عنه: قلت: سيوافيك جوابه عند البحث عن وضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة.

النص الثاني من القرآن على كونه اُمّياً :

يدل على ذلك قوله سبحانه :

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) .

( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( الأعراف: ١٥٧ ـ ١٥٨ ).

قد وصف سبحانه نبيّه في هذه الآية بخصال عشر وهي: أنّه رسول، نبي، اُمّي ،

__________________

(١) نقله الشيخ الطوسي في تبيانه راجع ج ٨ ص ٢١٦ ط بيروت.

٣٠٢

مكتوب اسمه في التوراة والانجيل، ومنعوت فيهما بأنّه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يحل لهم الطيبات، يحرّم عليهم الخبائث، يضع عنهم الإصر، ويرفع عنهم الأغلال.

وهذه الصفات التي تضمّنتها الآية في حق النبي الأكرم واضحة حتى الوصف الذي هو موضوع البحث ( الاُمّي ) إذ الاُمّي حسب تنصيص الكتاب المبين هو من لا يقدر على القراءة ولا يحسن الكتابة كما يقول سبحانه:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) ( البقرة ـ ٧٨ ).

قوله سبحانه:( لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ ) توضيح لقوله اُمّيون أي منهم اُمّة منقطعون عن كتابهم لا يعلمون منه إلّا أوهاماً وظنوناً يتلوها عليهم علماؤهم، الذين يحرفون كتاب الله وكلماته عن مواضعها، ويحسب هؤلاء السذّج أنّه الكتاب المنزل إليهم من ربّهم. ولذلك قال سبحانه في الآية التالية:( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) ( البقرة ـ ٧٩ ).

فلو كانوا عارفين بالكتاب قادرين على قراءته وتلاوته لما اغتروا بعمل المحرّفين، ولميّزوا الصحيح من الزائف غير أنّ اُمّيتهم وجهلهم به حالت بينهم وبين اُمنيتهم.

قال الرازي: إنّه تعالى وصف محمداً في هذه الآية بصفات تسع(١) إلى أن قال: الصفة الثالثة كونه اُمّياً، قال الزجّاج: معنى الاُمّي الذي هو على صفة اُمّة العرب، قال عليه الصلاة والسلام: إنّا اُمّة اُمّية لا نكتب ولا نحسب(٢) فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرأون، والنبي كان كذلك فلهذا السبب وصفه بكونه اُمّياً(٣) .

__________________

(١) لا، بل عشر، كما عرفت.

(٢) إيعاز إلى ما رواه البخاري في صحيحه: ج ١ ص ٣٢٧ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إنّا اُمّة اُمّية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا أو هكذا، مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.

(٣) مفاتيح الغيب: ج ٤ ص ٣٠٩.

٣٠٣

وقال البيضاوي: الاُمّي لا يكتب ولا يقرأ، وصفه به تنبيهاً على أنّ كمال علمه مع حاله هذا، إحدى معجزاته(١) .

هذا وقد أصفقت على ما ذكرنا من المعنى للاُمّية معاجم اللغة المؤلّفة في العصور الزاهرة بأيدي الخبراء الأساطين وفي مقدّمهم: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفّى عام ٣٩٥ صاحب « مقاييس اللغة »(٢) وغيرها من الكتب الممتعة ودونك كلامه :

« اُم » له أصل واحد يتفرع منه أربعة أبواب وهي الأصل، والمرجع والجماعة والدين، قال الخليل: كل شيء تضم إليه ما سواه مما يليه، فإنّ العرب تسمّي ذلك اُمّاً ومن ذلك اُم الرأس: وهو الدماغ، اُم التنائف: أشدها وأبعدها، اُم القرى: مكة وكل مدينة هي اُم ما حولها من القرى، واُم القرآن: فاتحة الكتاب واُم الكتاب ما في اللوح المحفوظ، واُم الرمح: لواؤه وما لف عليه، وتقول العرب للمرأة التي ينزل عليها: اُم مثوى، واُم كلبة: الحمى، واُم النجوم: السماء، واُم النجوم: المجرّه إلى أن عد كثيراً من هذه التراكيب فقال: الاُمّي في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتب، فهو في أنّه لا يكتب على ما ولد عليه(٣) .

ومحصل كلامه أنّه ليس للاُم إلّا مادة واحدة وهي الأصل لغيرها ومنه يتفرع غيرها فاُم الانسان اُم لأنّها أصله وعرقه وهكذا

وهذا الزمخشري إمام اللغة والبلاغة فسر قوله تعالى:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) بأنّهم لا يحسنون الكتاب فيطالعوا التوراة

__________________

(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج ٣ ص ٢٣٠ مع شرحه لاسماعيل القنوي.

(٢) بلغ ابن فارس الغاية في الحذق باللغة، وكنه أسرارها وفهم اُصولها، وقد حاول في تأليف هذا المعجم أن يوحّد المعاني المتعددة المفهومة من لفظ واحد وذلك بارجاعها إلى أصل واحد تفرّعت عنه تلك المعاني في الاستعمال ـ وقد إنفرد من بين اللغويين بهذا التأليف ولم يسبقه إلى مثله أحد، ولم يخلفه غيره.

(٣) المقاييس: ج ١ ص ٢١ ـ ٢٨ والكشاف ج ١ ص ٢٢٤.

٣٠٤

ويتحققوا ما فيها(١) .

وقال أمين الإسلام في مجمع البيان: ذكروا للاُمّي معاني :

أوّلها: أنّه الذي لا يكتب ولا يقرأ.

ثانيها: أنّه منسوب للاُمّة والمعنى أنّه على جبلة الاُمّة قبل استفادة الكتاب.

ثالثها: أنّه منسوب إلى الاُم والمعنى أنّه على ما ولدته اُمّه قبل تعلم الكتابة.

قلت: هذه المعاني متقاربة تهدف إلى مفهوم واحد. وإنّما الاختلاف في انتسابه إلى الاُم أو الاُمّة وقد جمع ابن فارس في كلامه كلا الاحتمالين.

هذه نصوص بعض أئمّة اللغة وأساطين التفسير، إذا شئت فلاحظ كلمات الباقين منهم.

الآراء الشاذة في تفسير الاُمي :

ربّما يجد القارئ في طيات بعض التفاسير معاني اُخر للاُمّي لا تتفق مع ما أصفقت عليه أئمّة اللغة والتفسير فلا بأس بذكرها ودحضها :

١. الاُمي منسوب إلى اُم القرى وهي علم من أعلام مكة كما يدل عليه قوله سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) ( الشورى ـ ٧ ) وعلى ذلك فالمراد من الاُمي أنّه مكي.

وفيه مواقع للنظر والنقد :

أوّلاً: إنّ اُم القرى ليست من أعلام مكة ـ وإن كان يطلق عليها ـ غير أنّ الإطلاق لا يدل على كونه من أعلامها، بل هو موضوع على معنى كلي وهي إحدى مصاديقه ولا تنس ما ذكره ابن فارس بقوله: « كل مدينة هي اُم ما حولها من القرى » فيعلم من ذلك

__________________

(١) المقاييس: ج ١ ص ٢١ ـ ٢٨ والكشاف: ج ١ ص ٢٢٤.

٣٠٥

أنّ اُم القرى مفهوم كلي يصح اطلاقه على أية بلدة تتصل بها قرى كثيرة بالتبعية، وهذه القرى تعمتد عليها في اُمور حياتها، ويعاضد ما ذكرناه ( كون اُم القرى كلياً ) قوله عزّ وجلّ:( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً ) ( القصص ـ ٥٩ ) فالآية ( بحكم رجوع الضمير في اُمها إلى القرى ) صريحة في أنّها ليست علماً لموضع خاص، لأنّ مشيئته تعم الاُمم في هذا الأمر ( أهلاك الاُمم وإبادتهم بعد انذارهم ببعث الرسل ) ولا تختص باُمّة دون اُخرى، أو نقطة دون نقطة، وعلى هذا، فمفاد الآية أنّ الله سبحانه يمهل أهل القرى من دون فرق بين قرية وقرية، حتى يبعث في مركزها الذي هو مركز الثقل بالنسبة إليها، والمجتمع لأكثر الناس، وملتقى أفكارهم، رسولاً يبشرّهم وينذرهم، فإذا ضربوا عنه صفحاً وهجروا مناهجه، يبيدهم ويهلكهم بألوان العذاب وهذه مشيئة الله وعادته في الاُمم السالفة البائدة جميعاً، مكية كانت أم غيرها.

وثناياً: لو صح كونه من أعلام مكة فالصحيح عند النسبة إليها هو القروي لا الاُمّي، هذا ابن مالك يقول في ألفيته :

وانسب لصدر جملة وصدر ما

ركب مزجا ولثان تتما

اضافة مبدوة بابن وأب

أو ما له التعريف بالثاني وجب

فيما سوى هذا انسبن للأول

مالم يخف للبس كعبد الأشهل

قال ابن عقيل في شرحه: إذا نسب إلى الإسم المركب فإن كان مركباً تركيب جملة أو تركيب مزج، حذف عجزه واُلحق صدره ياء النسب فتقول في تأبّط شراً: تأبطي، وفي بعلبك: بعلي، وإن كان مركب إضافة، فإن كان صدره ابناً أو أباً أو كان معروفاً بعجزه، حذف صدره واُلحق عجزه ياء النسبة، فنقول في ابن الزبير: زبيري، وفي أبي بكر: بكري، وفي غلام زيد: زيدي، وإن لم يكن كذلك(١) .

والاقتصار على الابن والأب من باب المثال والحكم يعم الاُم والابنة والأخ

__________________

(١) شرح ابن عقيل: ج ٢، ص ٣٩١.

٣٠٦

والاُخت، لاشتراك الجميع معهما في المناط والملاك ـ وهو كونها مركبة تركيب اضافة وحصول الالتباس لو اُلحقت بصدرها.

وثالثاً: إنّ الله وصف نبيّه في الآية بصفات تناسب موضوع النبوّة، فلو كان الاُمّي فيها بالمعنى الذي أوضحناه، لتلاءم الكلام، وتكون تلك الصفة هادفة إلى آية نبوّته وبرهان رسالته، لأنّه مع كونه اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب، أتى بشريعة كافلة لسعادة الناس وسيادتهم وجاء بكتاب فيه هدى ونور، وتضمن من الحقائق والمعارف ما لا يقف عليه حتى الأوحدي من الناس فضلاً عمّن لم يقرأ ولم يكتب، وهذا برهان رسالته ودليل صلته بالله وكونه مبعوثاً ومؤيداً منه تعالى.

ولو كان المراد منه ما زعمه القائل من كونه مكياً وأنّه وليد ذلك البلد، لكان الاتيان به في ثنايا تلك الأوصاف والخصال اقحاماً بلا وجه واقتضاباً بلا جهة.

وإن شئت قلت: لو كان المراد من الاُمي ما ذكرناه لكان فيه إشارة إلى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع كونه باقياً على الحالة التي ولد عليها، قد أتى بكتاب عجز الناس عن تحدّيه، وكلّ البلغاء عن معارضته، وخرس الفصحاء لديه، مضافاً إلى ما فيه من المعارف الالهية والحقائق العلمية والدساتير والقوانين الاجتماعية والاقتصادية في شؤون الحياة الانسانية ومسائلها المعقدة، وهذا دليل على صدق دعوته، وأنّه مبعوث من عنده تعالى، وهذه النكتة تفوتنا إذا فسرناه بأنّه مكي ووليد الحرم والبلد الأمين إذ ليس في كونه مكّياً أي امتياز حتى ينوّه به.

وإلى ما ذكرنا يشير قوله عزّ وجلّ:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ( الجمعة ـ ٢ ).

فإنّ توصيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه منهم ( أي من الاُمّيين ) للاشارة إلى أنّه مع كونه اُمّياً مثلهم يعلّمهم الكتاب والحكمة، وما ذلك إلّا لكونه مؤيداً منه تعالى بروح تعاضده وموجهاً بتوجيهه لارتقاء تلكم المدارج، فالآية من قبيل اتيان الشيء ببيّنته وبرهانه.

٣٠٧

نعم ورد في بعض المأثورات حول تفسير الاُمّي انتسابه إلى اُم القرى، وسوف نرجع إلى هذه الروايات بالإيراد والمناقشة في اسنادها ومضامينها.

الرأي الثاني :

٢. ما اختاره الدكتور عبد اللطيف الهندي في مقاله المومى إليه فقال: الاُمّي من لم يعرف المتون العتيقة السامية، ولم ينتحل إلى ملّة أو كتاب من الكتب السماوية والشاهد عليه أنّ الله جعل الاُمّي في الكتاب العزيز، مقابل أهل الكتاب فيستظهر منه أنّ المراد منه هي الاُمّة العربية الجاهلة بما في زبر الأوّلين من التوراة والانجيل غير منتحلة إلى دين أو ملة لا من لا يقدر على التلاوة والكتابة.

أقول: ما ذكره الدكتور زلّة وعثرة لا تستقال فإنّ اطلاق الاُمّيين على العرب المشركين ليس « بسبب جهلهم بالمتون السامية، وإن كانوا عارفين بلسان قومهم قادرين على تلاوته وكتابته » كما حسبه الدكتور، بل بسبب جهلهم بقراءة لغتهم وكتابتها لأنّ الثقافة العربية بمعنى قراءة اللغة العربية وكتابتها، كانت متدهورة في العصر الجاهلي وكانت الاُمّية هي السائدة ولا يسودهم في تلكم الظروف شيء غيرها وكانت القدرة على القراءة والكتابة محصورة في ثلّة قليلة لا يتجاوز أفرادها عدد الأصابع.

فهذا الإمام البلاذري أتى « في فتوح بلدانه » بأسماء الذين كانوا عارفين بالقراءة والكتابة في العهد الجاهلي فما تجاوزت عدتهم عن سبعة عشر رجلاً في « مكة » وعن أحد عشر نفراً في « يثرب » وقال: اجتمع ثلاثة نفر من طي ب‍ « بقة » وهم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، فتعلّمه منهم قوم من أهل الأنبار ثمّ تعلّمه أهل الحيرة من أهل الأنبار وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي، ثم السكوني صاحب دومة الجندل، يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانياً فتعلم « بشر » الخط العربي من أهل الحيرة ثمّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن اُمية بن عبد شمس وأبو قيس بن عبد

٣٠٨

مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسألاه أن يعلّمهما الخط فعلّمهما الهجاء، ثمّ أراهما الخط فكتبا، ثمّ إنّ بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلّم الخط منهم وفارقهم بشر، ومضى إلى ديار مضر، فتعلّم الخط منه عمرو بن زرارة بن أعدس فسمّي عمرو الكاتب، ثمّ أتى بشر الشام فتعلّم الخط منه ناس هناك وتعلّم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب، فعلّمه رجل من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلّم الخط قوماً من أهلها ـ إلى أن قال: ـ فدخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلّهم يكتب، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالبو(١) .

وهذا ابن خلدون يحكي في مقدمته، أنّ عهد قريش بالكتابة والخط العربي لم يكن بعيداً بل كان حديثاً وقريباً بعهد الرسول فقد تعرفوا عليها قبيل ظهور الإسلام حيث قال في الفصل الذي عقده لبيان أنّ الخط والكتابة من عداد الصنايع الانساية :

كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الأحكام والاتقان والجودة في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف وهو المسمّى بالخط الحميري وانتقل منها إلى الحيرة لما كان فيها دولة آل المنذر بسبأ التبابعة إلى أن قال: ومن الحيرة لقّنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر، يقال إنّ الذي تعلّم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن اُمية ويقال حرب بن اُمية وأخذها من أسلم بن سدرة وهو قول ممكن وأقرب ممن ذهب إلى أنّهم تعلّموها من أياد أهل العراق وهو بعيد، لأنّ اياداً وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة، والخط من الصنايع الحضرية فالقول بأن أهل الحجاز إنّما لقنوها من الحيرة ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير، هو الأليق من الأقوال(٢) .

فإذا كان هذا مبدأ تعرفهم بالكتابة والقراءة وكان هذا مقياس ثقافتهم وتعرفهم عليها في المنطقتين ( مكة والمدينة ) فما ظنك بهم في المناطق الاُخرى، نعم كانت الربوع

__________________

(١) فتوح البلدان: ص ٤٥٧.

(٢) مقدمة ابن خلدون: ص ٤١٨، طبع بيروت، الطبعة الرابعة.

٣٠٩

المختصة باليهود والنصارى، تزدحم بأحبارهم وحفّاظ كتبهم، فكانت القراءة والكتابة رائجتين بينهم، لمسيس حاجتهم إلى معرفة كتابهم وما فيه من الطقوس والسنن.

فإذا ألممت أيها الباحث ولو إلمامة عابرة بروح ذلك العصر، ووقفت على ما كان يسود في تلكم الظروف والبيئات، لقضيت بأنّ المراد من الاُمّي حتى في ما استعمل عند أهل الكتاب هو العاجز عن القراءة والكتابة بقول مطلق كقوله سبحانه:( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ ) ( آل عمران ـ ٢٠ ) ويوضح ما ذكرناه قوله سبحانه:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) ( البقرة ـ ٧٨ )(١) فالآية بحكم رجوع الضمير( وَمِنْهُمْ ) إلى اليهود، تقسم اليهود إلى طائفتين، طائفة يعلمون الكتاب، واُخرى طائفة اُمّية لا تعلم من الكتاب شيئاً بل تتخيله أمانياً فقد أطلق الاُمّي في هذه الآية على بعض أهل الكتاب بملاك جهله بكتابه، قراءة وكتابة، ولكن الجهل بالكتاب الذي نزل بلسانه ولسان قومه يلازم الجهل بسائر اللغات طبعاً.

فهذا الكتابي بما أنّه لا يحسن القراءة والكتابة قط، اُمّي كالعربي الاُمّي بلا تفاوت.

وقصارى ما يمكن أن يقال: إنّه ليس للاُمّي إلّا مفهوم واحد وضع له وضعاً واحداً، غير أنّ مفهومه يختلف حسب اختلاف الظروف والبيئات، حسب اختلاف الاضافات والنسب، فالاُمّي في أجواء الكتابيين عبارة عمّن لا يعرف لغة كتابه فلو قيل: ذلك الكتابي اُمّي فالمقصود منه بقرينة لفظ « الكتابي » كونه اُمّياً بالنسبة إلى كتابه الذي ينتحل إليه، كما أنّ الاُمّي في البيئات العربية عبارة عمّن لا يحسن العربية قراءة وكتابة وهكذا

وبناء على ذلك فالاُمّيون في قوله سبحانه:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ ) عبارة عن الطائفة الجاهلة بالمتون السامية من أهل الكتاب، لا يحسنون تلاوتها

__________________

(١) هذه الآية بما أنّها تقسّم أهل الكتاب والمنتحلين إليه إلى طائفتين اُمّية وغير اُمّية، تبطل ما ادعاه الدكتور من أنّ الاُمّي عبارة عن من لم ينتحل إلى الدين ولم ينسب إلى ملّة.

٣١٠

ولا كتابتها، إلّا أنّ ذلك الاطلاق لا يثبت كون الاُمّي موضوعاً على من لا يعرف اللغة السامية كما حسبه الدكتور. بل لـمّا كان محور البحث في الآية أهل الكتاب وانقسامهم إلى طائفة عالمة بما في كتابهم، وطائفة جاهلة به، اُمّية لا تعلم من الكتاب شيئاً، صار ذلك كالقرينة على أنّ المقصود من الاُمّيين فيها، هي الطائفة الجاهلة بالمتون السامية واللغة التي اُنزلت بها كتبهم.

وهذا الوجه لا يشمل « الاُمّي » في غير هذه الآية ولا على الموارد العارية عن هذه القرينة ولا يثبت كونه موضوعاً لمن يكون جاهلاً بالمتون السامية، كما ادعاه القائل.

إذا وقفت على ما ذكرناه وقوف المستشف للحقيقة، لأذعنت أنّه ليس للاُمّي إلّا مفاد واحد وهو الباقي على الحالة التي ولد عليها. ولو اطلق في مورد أو موارد على من لا يعرف المتون السامية، فلأجل قرينة دلّت عليه، فهو من باب تطبيق الكلي على فرده الخاص لا أنّه موضوع على ذلك الخاص.

بحث وتنقيب :

لقد بان الحق بأجلى مظاهره بحيث لم تبق لمجادل شبهة في دلالة الذكر الحكيم على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب قبل أن يختاره الله تعالى للتبشير والانذار، وظهر ما هو الحق الصراح في معنى الاُمّي الذي وصف الله به نبيّه الأكرم، نعم روي عن بعض أئمّة أهل البيت في تفسير الاُمّي ما يتراءى منه خلاف ما أوضحناه وحققناه ودونك ما روي عنهم في هذا الباب(١) .

١. أخرج الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار عن أبيه عن سعد(٢) عن ابن

__________________

(١) سوف نرجع في آخر البحث إلى تحقيق القول في الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت وغيرهم في المقام والغرض هنا عرض ما يرجع إلى خصوص تفسير لفظ الاُمّي فقط.

(٢) سعد بن عبد الله القمي ترجمه شيخ الطائفة في باب أصحاب العسكريعليه‌السلام .

٣١١

عيسى(١) عن محمد البرقي عن جعفر بن محمد الصوفي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام فقلت: يا بن رسول الله لم سمّي النبي الاُمّي ؟ فقال: ما يقول الناس ؟ قلت: يزعمون أنّه سمّي الاُمّي لأنّه لا يحسن أن يكتب، فقال: كذبوا عليهم لعنة الله في ذلك، والله يقول في محكم كتابه:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن، والله لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال: بثلاثة وسبعين لساناً وإنّما سمّي الاُمّي لأنّه كان من أهل مكة، ومكة من اُمّهات القرى وذلك قول الله عزّ وجلّ:( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) ( الأنعام ـ ٩٢ )(٢) .

وأخرج الشيخ الأقدم محمد بن الحسن الصفار المتوفّى عام ٢٩٠ في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد البرقي عن جعفر بن محمد الصوفي مثله.

ونقله الشيخ المفيد معلّم الاُمّة في « اختصاصه » بهذا السند أيضاً.

والحديث على كل تقدير ينتهي إلى محمد البرقي وهو مختلف فيه جداً لاستناده إلى المراسيل والضعاف، وهو يروي عن جعفر بن محمد الصوفي الذي أهمله أصحاب المعاجم فالحديث ساقط عن الحجية.

أضف إليه ما في متنه من الشذوذ، وفيه جهات من النظر :

أوّلاً: قوله إنّ النبي يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لساناً، يعطي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مشغولاً بقراءتها والكتابة بها في عامة حياته أو رسالته فقط، وحمله على الإمكان والتعليق وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قادراً عليهما باثنين وسبعين لساناً لو شاء وأراد، ولكنّه لم يشأ ويقرأ ولم يكتب بها أصلاً، خلاف الظاهر، وعلى ما استظهرناه فالرواية تخالف ماهو المتواتر من حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ثقة جليل.

(٢) علل الشرائع ص ٥٣، ومعاني الأخبار ص ٢٠.

٣١٢

إذ لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على النحو الذي تصفه الرواية لذاع ذكره وطار صيته بهذا الوصف ولا يكاد يخفى على الناس أمره. على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيئة العربية الاُمية كان في منتأى عن سماع الألسنة أو رؤية أصحابها فلم يكن في موطنه ولا دار هجرته من يعرفها أو يتكلم بها فكيف يتكلم بهذه اللغات، وهو لا يجد من يشافهه بها، ولم تكن تحضره صحيفة أو صحائف كتبت بغير اللغة العربية.

ثانياً: إنّ تفسير الاُمّي بكونه منسوباً إلى اُمّ القرى، يخالف ما اتفقت عليه أئمّة الأدب، وجهابذة اللغة، وأعلام التفسير بل يخالف القرآن الكريم حيث فسّر سبحانه بغير ذلك وقال:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ ) فلا يصح الركون في هذه المسألة إلى حديث ينتهي إلى من اختلف في وثاقته، إلى من أهمله علماء الرجال في كتبهم.

ولسنا من الفئة التي تعرض القرآن والحديث الصحيح على القواعد العربية المدوّنة بعد أجيال من نزول القرآن ونشر الحديث، بيد علماء الأدب، فإنّ تلك الفئة ضالّة مضلّة مستحقة للرد والطعن. إذ الصحيح عرض القواعد على القرآن والحديث دون العكس، فإنّ المقياس الوحيد لتمييز الصحيح عن غيره، إنّما هو كلام أهل اللسان والأساليب الدارجة بينهم، لا القواعد المدوّنة إذا لم ترجع إلى مصدر وثيق.

وعلى هذا فلو وجدنا القاعدة الأدبية المصطادة من تتبع بعض الموارد ومن كلام العرب، مخالفة للقرآن الكريم أو الحديث الثابت عنهم، أو الكلام الصادر عن عربي صميم، وجب علينا هدم القاعدة، ورميها بالخطأ والغلط، لا تأويل الذكر الحكيم والحديث الصحيح، والكلام المنقول عن أهل اللسان إذ القرآن سواء أقلنا إنّه كلام إلهي اُوحي إلى نبيّنا الأكرم أم قلنا إنّه من منشآته ومبدعاته ( وأجل النبي عن هذه الفرية الشائنة ) كلام صحيح، صادر أمّا عن الله سبحانه أو عن عربي صميم شب وترعرع بين الاُمّة العربية وقضى عمره وحياته بين ظهرانيهم.

وعلى أي تقدير فهو الحجة في تدوين القاعدة وتأسيسها دون العكس ومثله الآثار المنقولة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣١٣

ونحن مع هذا الاعتراف الصريح لا نقر بما جاء في الحديث حول تفسير الاُمي وأنّه منسوب إلى اُم القرى ولا نرمي أئمّة الأدب بالخطأ والاشتباه، إذ الحديث قاصر سنداً وينتهي إلى من اختلفت فيه كلمة أهل الجرح والتعديل، إلى من لم تتضح حاله ووثاقته، ولو ثبت صدوره عن أئمّة أهل البيت، لهدمنا القاعدة النحوية في باب النسب وأخذنا بما فيه.

ثالثاً: إنّ الحديث لا ينسجم مع مضمون ما سيوافيك من الحديثين(١) ، فإنّ مفادهما هو كون النبي يقرأ ولا يكتب أصلاً، وهذا يثبت له القراءة والكتابة باثنين وسبعين لساناً، فلا مناص في مقام الترجيح عن الأخذ بهما وطرح ذاك، لقوة اسنادهما وصحتهما على ما عرفت.

٢. أخرج الصدوق في معاني الأخبار عن ابن الوليد عن سعد عن الخشاب عن علي بن حسان وعلي بن أسباط وغيره رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت: إنّ الناس يزعمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكتب ولم يقرأ ؟ فقال: كذبوا لعنهم الله أنّى يكون ذلك وقال الله عزّ وجلّ:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ، فيكون يعلّمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ أو يكتب به ؟ قال: قلت: فلم سمّي النبي الاُمي ؟ قال: نسب إلى مكة وذلك قول الله عزّ وجلّ:( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) فاُم القرى مكة فقيل اُمّي لذلك(٢) .

ونقله صاحب البصائر عن عبد الله بن محمد عن الخشاب عن علي بن حسان وعلي بن أسباط وغيره رفعه إلى أبي جعفر(٣) .

__________________

(١) راجع البحث الآتي تحت عنوان « عرض وتحقيق » والمقصود من الصحيحين ما رواه هشام بن سالم، والحسن الصيقل عن الصادقعليه‌السلام .

(٢) علل الشرائع: ص ٥٤٢.

(٣) بصائر الدرجات: ص ٦٢، بحار الأنوار: ج ١٦ ص ١٣٣.

٣١٤

ويؤسفنا أنّ الحديث مع ما في متنه من العلات، غير موصول السند إلى الإمام، فالرواية مرفوعة وهو نوع من المرسل الذي لا يعتمد عليه.

وفي هذا المقال يلمس القارئ حقيقة ناصعة هي من أجلى الحقائق الدينية ألا وهي مغزى كون النبي لا يحسن القراءة والكتابة قبل أن يختاره الله تعالى للتبشير والانذار.

نعم بقي الكلام في أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ولأجل ذلك عقدنا لتحقيقه الفصل التالي :

٣١٥

أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

بعد بزوغ دعوته

قد اهتدينا بهدى القرآن وساقتنا الأدلّة إلى القول بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قبل البعثة اُمياً لا يقرأ ولا يكتب ولم يسجل التاريخ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك العهد قراءة لوح أو كتباة صحيفة، ولم يكن ذلك اختلافاً تواطأ عليه المسلمون لهدف خاص كما حسبه الدكتور في مقاله(١) بل كان تقريراً للواقع وقد قابلنا التفكير السطحي الخاطئ بالرد والنقد.

غير أنّنا طلباً لوضوح الحقيقة، واكمالاً للبحث، نردف المقال بالبحث عن وضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بزوغ دعوته وبعثته إلى الناس، وأنّه هل بقي على ما كان عليه من الاُمية، لنفس المصلحة التي اُوجبت اُميته قبل أن يبعث إلى هداية الناس، أو لم يبق عليه، بل كشف الحجاب عن ضميره الحي وعقله الواعي، وقلبه الواسع، عندما بزغت دعوته وبعث رسولاً إلى الناس ولا يمكن القضاء البات إلّا بعد الوقوف على ما ذكره الفطاحل من رواة الحديث وأعلام التفسير.

وقد اختار ثلة جليلة من المحققين القول الثاني أنّ تمكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باذنه سبحانه

__________________

(١) زعم الدكتور في مقاله أنّ اُمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكرة حديثة بين المسلمين، لصيانة القرآن عن التحريف وحفظه عن حدوث الزيادة والنقيصة عليه من جانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ الاُمي يعكس كل ما اُلقي عليه بلا تغيير وتحريف، ولا يقدر على تحويره بخلاف غيره، فانظر ما أجرأ هذا الرجل على تحريف الكلم عن مواضعه.

٣١٦

من القراءة والكتابة بعد ما نزل عليه الوحي واستدلوا على ذلك بوجوه لا تخلو من مناقشات واشكلات، ونحن نذكر تلكم الوجوه، ثمّ نردفها بما هو المختار عندنا :

١. الوجوه التي اعتمد عليها شيخنا المفيد :

هذا هو الشيخ المفيد استدل بأدلة ووجوه اعتقد أنّها الحجج الكافية لاثبات ما يرتئيه من أنّ النبي كان عارفاً بالقراءة والكتابة بعد بعثته ودونك ما أفاده برمّته :

١. إنّ الله تعالى لما جعل نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جامعاً لخصال الكمال كلها، وخلال المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها، ليصح له الكمال، ويجتمع فيه الفضل والكتابة فضيلة من منحها فضل، ومن حرمها نقص.

٢. إنّ الله تعالى جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حاكماً بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه، فلا بد أن يعلمه الحكم في ذلك، وقد ثبت أنّ اُمور الخلق قد يتعلق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق، وتبرأ بها الذمم، وتقوم بها البيّنات، وتحفظ بها الديون، وتحاط بها الأنساب، وأنّها فضل تشرف المتحلّي به على العاطل منه، وإذا صح أنّ الله جلّ اسمه قد جعل نبيّه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنّه كان عالماً بالكتابة، محسناً لها.

٣. إنّ النبي لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان محتاجاً في فهم ما تضمّنته الكتب من الحقوق وغير ذلك إلى بعض رعيته، ولو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلّفه الحكم فيه إلى بعض رعيته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلّفه الحكم فيه إلى سواه، وذلك مناف لصفاته ومضاد لحكمة باعثه، فثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحسن الكتابة.

٤. إنّ الله سبحانه يقول:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ( سورة الجمعة ـ ٢ ) ومحال أن يعلمهم الكتاب وهو لا يحسنه، كما يستحيل يعلمهم الكتاب والحكمة وهو لا يعرفهما، ولا معنى لقول من قال: إنّ الكتاب هو القرآن خاصة، إذ اللفظ عام والعموم لا ينصرف عنه إلّا بدليل، لا سيما على قول المعتزلة وأكثر

٣١٧

أصحاب الحديث.

٥. يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( سورة العنكبوت ـ ٤٨ ) فنفى عنه احسان الكتابة وخطه قبل النبوّة خاصة، فأوجب احسانه بذلك لها بعد النبوّة، ولولا أنّ ذلك كذلك لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل، ولو كان حالهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فقد العلم بالكتابة بعد النبوّة، كحاله قبلها لوجب إذا أراد نفي ذلك عنه أن ينفيه بلفظ يفيده، لا يتضمن خلافه فيقول له: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذ ذاك ولا في الحال، أو يقول: لست تحسن الكتابة ولا يتأتى منك على كل حال، كما أنّه لما أعدمه قول الشعر ومنعه منه نفاه بلفظ يعم الأوقات فقال الله تعالى:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ) ( يس ـ ٦٩ ) وإذا كان الأمر على ما بيّناه ثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحسن الكتابة بعد أن نبّأه الله تعالى ما وصفناه، وهذا مذهب جماعة من الإمامية ويخالف فيه باقيهم وسائر أهل المذاهب والفرق يدفعونه وينكرونه(١) .

وفي ما ذكره رحمه الله مناقشات نشير إليها :

أوّلاً: انّ الكتابة وإن كانت من الكمالات « ومن منحها له سبحانه فضل ومن حرمها نقص » غير أنّ ذلك يعد للعاديين الذين ينحصر طريق اكتسابهم للمعارف بها وحدها، وأمّا من لا يحتاج إليها بل له طريق آخر لدرك الحقائق واكتساب المعارف كما هو الحال بالنسبة إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يعد التمكن من الكتابة والقراءة فضيلة له حتى يكون عدمهما نقصاً في حقه، كيف وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عرف الواجب جلّ اسمه وصفاته وأفعاله ووقف على حقائق الكون ودقائقه عن طريق الوحي الذي هو أوثق وأسدّ الطرق الممكنة، لا يخطأ ولا يشتبه وعند ذاك لا حاجة له إلى هذه الطرق العادية غير المصونة عن الخطأ والاشتباه.

أضف إليه لو فرضنا أنّ بقاء النبي على ما كان عليه من الاُمية كان يرفع الشك

__________________

(١) أوائل المقالات: ص ١١١ ـ ١١٣ ط تبريز.

٣١٨

عن قلوب السذج من الناس ويؤكد ايمانهم واذعانهم بنبوّته وبما جاء به من الشريعة والكتاب وجب على المولى سبحانه ابقاءه على ما كان عليه من الصفات والنعوت، طلباً للغاية التي بعثه لأجل احرازها وتحققها، فإذا كان هو الملاك في اُمّيته قبل بزوغ دعوته فليكن هو الملاك في بقائه عليها فلا وجه لعد أحدهما نقصاً في حقهصلى‌الله‌عليه‌وآله دون الآخر.

ثانياً: إنّ ما ذكره « انّ الكتابة فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه وإذا صح أنّ الله قد جعل نبيّه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنّه كان عالماً بالكتابة محسناً لها » صحيح جداً وقد فضّل الله سبحانه نبيّنا على جميع الأنبياء والرسل ومنحه من الفضائل ما لم يمنحه لغيره غير أنّه لما كانت هناك مصلحة أولى وأهم كما صرح الله بها سبحانه في كتابه وهي طرد الريب عن القلوب الضعيفة، صرفه الله سبحانه عن تعلّم القراءة والكتابة طيلة عمره، ولم يمكنه منها طلباً لهذه الغاية المهمة وترك المهم توخّياً للأهم لا يعد نقصاً لو لم يعد كمالاً.

وإلى ذلك يشير الفاضل القنوي في تعليقه على « أنوار التنزيل » بقوله: ولذلك صارت الاُمية شرفاً وفخراً في شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصفة نقص في حق غيره.

وبذلك نجيب عن ما أفادهرحمه‌الله :

« لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان محتاجاً في فهم ما تضمّنته الكتب من الحقوق وغير ذلك إلى بعض رعيته، ولو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلّفه الحكم فيه إلى بعض رعيته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلّفه الحكم فيه إلى سواه وذلك مناف لصفاته ومضاد لحكمته » لأنّه إذا جاز احتياج النبي الأعظم في مورد خاص إلى بعض رعيته توخياً لبعض المصالح المهمة، لا يستلزم جواز احتياجه في الموارد الخالية عنها فإنّ الأوّل لا يعد نقصاً عند العقلاء ولأجل ذلك يرجّحون الأهم على المهم عند التزاحم، بخلاف الثاني.

ثالثاً: إنّ قوله سبحانه:( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) لا يدل على ما رامه أمّا إذا قلنا إنّ المراد من الكتاب هو القرآن كما هو الظاهر المتبادر إلى الذهن فإنّ تلاوة الآية

٣١٩

لا تفتقر إلى معرفة الكتابة إذا تلقى التالي محفوظاته من وحي أو تلقين، ومن الناس من يتعلّم القرآن من الصدور لا السطور ويتلوه كما حفظ بدون توقف على معرفة الخط، وأمّا إذا قلنا إنّ المقصود منه الكتابة وإن كان بعيداً جداً فليس معناه تعليم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقومه الكتابة مباشرة إذ لم يعهد ولم ير بأسانيد صحيحة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جلس مع أفراد اُمّته يعلّمهم نقوش الحروف الهجائية وتراكيبها الأبجدية قطعاً، وإنّما المراد أنّه قام بأمر تعليم الاُمّة مهمة الكتابة، فقد تواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتّخاذه الأسرى يشترط عليهم أن يعلّموا أهل مدينته الخط والكتابة(١) فكان الأسير إذا علّم الكتابة عشرة من المسلمين أطلق النبي سراحه مكافأة لعمله وبهذه الوسيلة البسيطة عمّم في اتباعه صناعة الخط وأخرجهم من ظلمة الاُمّية وأصبح مقر الاسراء مدرسة يتعلّم فيها صبيان المدينة ما يحتاجون إليه من علوم ذلك العهد.

وأمّا ما تمسك به من مفهوم الآية وأنّ لفظة:( مِن قَبْلِهِ ) يفهم منها أنّه كان قارئاً وكاتباً بعد الوحي إليه فيوافيك نقده في البحث التالي :

ثم إنّ للعلاّمة الشهرستاني كلمة قيمة في المقام يجري مجرى الجواب عن ما ذكره المفيد فلاحظه(٢) .

٢. الاستدلال بمفهوم الآية :

نقل شيخ الطائفة استدلال القوم على اُمّية النبي الأعظم بقوله سبحانه:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت ـ ٤٨ ) ثم اعترض عليهم بما هذا ملخصه :

__________________

(١) قال الاُستاذ عمر أبو النصر في كتابه « العرب ص ٢٣ »: وكان فداء الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة تلقين عشرة من صبيان المدينة الكتابة، وكذلك أصبح مقر الأسرى مدرسة يتعلّم فيها صبيان المدينة.

(٢) راجع مجلة المرشد البغدادية لسنتها الرابعة ص ٣٢٧ ـ ٤٢٨ ما أفاده العلّامة الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني على ما نقله عنها العلّامة المتتبع الجرندابي في تعاليقه على أوائل المقالات.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492