ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه16%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169184 / تحميل: 5894
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فمن نال في عزمه النيرات

لم يعيه نيله للسحب

ولا غرو ان يركبن الذلول

فتى ليس يعييه ركب الصعب

أرى اللّه أثنى على الانبياء

لامرهم الاهل فيما أحب

وها أنت تأمر في الواجبات

أهاليك طراً وبالمستحب

وفارقت عامين في حبه

حبيبيك تشكره محتسب

كأن الحجاز وقد أوطئآ

محيا ثراه خفاف النجب

غدا بهما حاسداً للعراق

كما حسد الاعجمي العرب

ورام بقاءهما عنده

ليعلو على غيره في الرتب

ويخصب فضلاً بيمنيهما

له كل ربع محيل جدب

فأتحف عامين نيل المنى

وزال عن المجد بين العطب

ليهن أبا المصطفى والرضا

رضا اللّه والمصطفين النجب

عشية حلاّ عن اليعملات

نسوعاً وشدَّ العقال الركب

وسارا وقد لبّيا معلنين

بقلبٍ سليمٍ ونطق عذب

وطافا بدمع غداة الطواف

يضاهي غروب الحيا المنسكب

وكم دعوات لدى عرفات

علت منهما واخترقن الحجب

صدقن امانيهما في منى

وربَّ أمان رزقن الكذب

وقد شكر اللّه سعييهما

واعطاهما منه نيل الارب

ومذ قضيا من فروض الاله

ما اللّه أوجب أو ما ندب

٦١

أثارا ليثرب نضويهما

فطوراً ذميلا وطوراً خبب

الى أن بدت قبة المصطفى

عليها رواق المعالي ضرب

كأن السماوات أرض لها

وبالعرش قد نيط منها الطنب

أناخا وسارا لها ماشيين

وخدّيهما عفرا في الترب

وزارا النبي فزادا عُلا

وفخراً على كل عالي الرتب

وقاما ازاء قبور البقيع

مقاماً تصانع فيه الكرب

يرد الى القلب دمع العيون

حذاراً ويرضى بدون الطلب

وسارا يريدان أرض العراق

وأعين سكانه ترتقب

بأنيق تطوي فجاج الوهاد

كطيّ السجل بها للكتب

الى أن أتت طور وادي الغري

ونور التجلي عليه ثقب

بباب مدينة علم الاله

ثنت بعد طول المسير الركب

وقاما يجران برد السرور

وان رغم الحاسد المكتئب

وقبلت وجهيهما شاحبين

شحوباً به ضاء وجه الحسب

وما النقص ان تشحبن الوجوه

والنقص إن وجه عرض شحب

٦٢

وقال يمدح الحاج محمد رضا بن الحاج محمد صالح كبه في ضمن كتاب منثور بعث به اليه (1) .

أما الحبيب فآخذ بدلا

مني وابدل وصله مللا

هو بالرقاد يبيت مكتحلا

إذ بالسهاد أبيت مكتحلا

وأقول للليل الطويل لما

القى كأنك قد خلقت بلا

ان كان أنساه الوداد هوى

غيري فاني ما حييت فلا

من لي بليل ما وددت له

صبحاً وان شاهدته عجلا

بات الحبيب به نغازله

طوراً وطوراً ننشد الغزلا

نروي حديثاً هزنا طرباً

هز المدامة شارباً ثملا

نزداد في تكراره فرحاً

فرح (الرضا) في وافد نزلا

المرتدي برداء كل تقى

والمهتدي لطريق كل علا

من ليس يرقى ما ارتقاه فتى

من ذا بنسر يلحق الحجلا

ومنزّه الاحسان من نكد

كالعين ما لم تقبل الحولا

من قد أعدّ لضيفه نزلاً

لا يبتغي عن رحبها حولا

____________________

1 - الحاج محمد رضا كبه هو ثاني انجال الحاج محمد صالح السالف الذكر ولد سنة 1245 هـ وكان شهماً أديباً كريم الطبع والسجايا وتوفي في حياة والده سنة 1282 هـ ورثاه السيد حيدر الحلي وعمه السيد مهدي بن السيد داود وغيرهما من شعراء بغداد والحلة منهم صاحب الديوان.

٦٣

بيت لمفترق الجدود به

جمع تخال أباهم رجلا

وترى لاشتات العفاة به

شملاً على المعروف مشتملا

بيت بأبيات القريض له

ذكر يعطر نشره السبلا

ذكر اذا فاز السماع به

أضحى يفوق فخره المقلا

عَلم الاله بأن رافعه

قد حاز فيه العلم والعملا

وترى به أضعاف من رحلوا

عنه ومن حلوا به رسلا

فرقاً قد افترقت لغاتهم

فالبعض قول البعض ما عقلا

فيهم يعول فتى اخو كرم

لو عال هذا الدهر ما بخلا

بحر اذا ما فاض ساحله

ترك البحار لفيضه وشلا

لو يستمد الغيث نائله

لم تلقَ ارضاً تشتكي محلا

جبل اذا لاذ المخوف به

أمن المخاوف وانثنى جذلا

فالى تخوم الارض غار له

أصل وزاحم فرعه زحلا

قال العذول وقد رأى سرفاً

أتراه يعلم بالذي فعلا

ومن الذي منع الضياء ذكاً

يوماً وردّ العارض الهطلا

ان الذي عشق العلاء رأى

ما دونها من هائل جللا

ندب إذا القى فضيلته

التقفت فضائل سائر الفضلا

فكأنما هنّ الحبال ومن

يده عصا موسى لها جعلا

ساد الكهول فتى وتحسبه

شيخاً اذا ما قام مبتهلا

٦٤

حسن الخلائق لو تفاخره

زهر الكواكب سامها خجلا

من صدره يعطي الفضا سعة

ويضيق عن حقد به نزلا

قالوا لقد أوجزت نظمك في

من قد أطال به الورى املا

فأجبتهم قربى له منع

التفصيل فيما قلته جملا

كالصوت لولا بعد سامعه

ما طال بل ما في النداء علا

ما ذاك من نيلت مودته

فيما يزخرفه الفتى حيلا

الشمس تشرق خلقة وترى

المصباح لولا الزيت ما اشتعلا

قال يهنئ أحد السادات الافاضل في ختان أحفاده:

قم عاطنيها كميت اللون تضطرم

يجلى بها الهمّ بل تعلو بها الهمم

سبية من (سبا) جاءت تنبئنا

عن حالها مذ عراها سيلها العرم

عتقة العصر ما زالت تحدثنا

عن عصر عاد وما راقت به ارم

واعجب لها عصمت يوم السفينة

من طوفان نوح وما اذ ذاك معتصم

قتالة لهموم القلب لا سيما

وان قاتلها معسوله الشيم

قم واسقنيها فدتك النفس من رشأ

ما زلت اخلصه حبي ............

يزيدني طمعاً فيه تدلَّله

كأن قولك لا في مسمع نعم

دعني أواسي كراماً في سرورهم

واساهم بالسرور البأس والكرم

وسرّ جدهم الهادي النبي ولا

عجب اذا سر في قوم اليه نموا

اليوم أضحت تهنيه ملائكة

الرحمن عن فرح والرسل والامم

٦٥

آساد قوم أباحت من شبولهم

دم الختان فيا للّه درهم

قالوا الختان طهور قلت انهم

(مطهرون نقيات ثيابهم) (1)

دم على أنمل الحجام كاد له

لو لم يكن سنة ان لا يصان دم

دم تود العلا شوقاً له وهوى

من فوق وجنتها لو كان ينسجم

وإنها ابتهجت فيه كما ابتهجت

حسناء في خدها من حمرة ضرم

قوم تقاسمت الدنيا سرورهم

كما تقسَّم فيها منهم النعم

سادوا بآبائهم بعد الجدود فلا

عصرٌ يمر وما منهم به علم

وقال مهنئاً بعض السادات:

حبذا أنت من حبيب مسلم

ومشير بطرفه متبسم

خلته بين كل ظبي غرير

بدرتم يضئ ما بين انجم

لك خدّ بمهر خال عليه

خطب القلب للغرام فانعم

كان قلبي من قبل رؤياي وجهاً

من شموس النهار أبهى وأعظم

جاهليَّ الهوى فلما دعاه

مرسل الصدغ للصبابة اسلم

فانا اليوم للغرام مدين

طائع من ولاته من تحكم

أعلي سمعاً وان كنت أدري

رب مصغ لقائل وهو أعلم

جمعتنا (بالجامعين) ليال

ليس إلا الصباح منهنّ يذمم

نولتنا من السرور عظيما

وسرور العلا لاجلك أعظم

____________________

1 - هو صدر بيت لابي نؤاس من أبيات في مدح أهل البيت (ع) وتمامه: (تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا).

٦٦

يوم نلت المنى فهنّيت فيك

المجد علما بانه لك توأم

يوم ابدى لك الزمان سروراً

فمحونا من فعله ما تقدم

واذا ما الكريم جاء بعذر

فالذي منه يقبل العذر أكرم

يوم ماست تيها حسان المعالي

بك والمجد ثغره قد تبسم

فكأن الزمان عاد شباباً

بعد ما شاب في السنين واهرم

يوم حلَّ السرور قلب كريم

طال ما سرَّ في البرية معدم

فمن السحب والجبال تراه

في الندى والخطوب أسخى وأحلم

لم تجاوز سنوه عشرين لكن

هو رأياً من ابن ستين أحزم

يافعا يخبر المشائخ عما

هو ماض من قبل عاد وجرهم

وقال مقرضاً كتاباً ألّفه العلاّمة السيد مهدي القزويني في النحو والعربية:

خـذ مِنَ العلمِ موجزاً غيرَ مطنب

عن فنونِ الألحانِ في النحو معرب

فـبهِ قـد حـباهُ مَـنْ قد حبا في

فـضلهِ قـبلَ ذا نـزاراً ويعرب

ذو الـيراعِ الـذي يـراع لـديه

قـلبٌ من عن علاهُ قد ظلّ يرغب

قـلمٌ صـكَّ لـوحهُ جـبهةَ الدهر

فـهم يقرؤون مـا كـانَ يكتب

عـلمهُ عـن أبـيهِ عن جدّهِ عن

حـاملِ الوحي جبرئيلَ عن الرب

مـا (الـكسائي) ما (سيبويه) فهذا

نـجلُ أهـلِ الكسا وسيفٌ مجرّب

لو تـرائى لـسيبويه تـعجب

وبـنصفِ اسمه مضى وهو يندب

٦٧

وقال مهنئاً العلامة السيد مهدي القزويني بسلامته بعد وقوعه من السطح (1) :

سر يوماً شانيك واغتم دهرا

رب حلو لطاعم عاد مرّا

كاشح سر لعقة الكلب انفاً

ثم في غمّه القديم استمرا

ضحك الدهر منه إذ طال تيها

بسرور كصحوة الموت عمرا

يا أبا جعفر ومن قد رمته

أعين الحاسدين في الفضل شزرا

لا أقرَّ الاله أعين قومٍ

نظرتكم مزوَّرة لن تقرّا

ان عذر الزمان منك صريح

والجواد الكريم يقبل عذرا

رام يلهو بلحية الخصم هوناً

فاراه حلواً واسقاه مرّا

فتولى والخزي يغشاه جهراً

ضعف ما قد غشا بصفين (عمروا)

لم يزلاّ نعلاك عنك لهون

لا ولا أنت قد تشاغلت فكرا

بل بدا من علاك للخلق ما لم

تحض منه عقولها العشر عشرا

ولكم قد احطت في علم غيب

غيركم لم يحط به قط خبرا

فخشيت الاسلام فيك يقولون

كما قالت المغالون كفرا

وتصوبت قيد رمح فحلت

لك من ذا في قاب قوسين ذكرا

فلذا كل من على الارض ضجّت

وضجيج السماء أعظم أمرا

لو أطاقت ام السماء لضمتك

اليها حرصاً عليك وبرا

____________________

1 - وللسيد حيدر الحلي قصيدة عصماء في هذه الحادثة بديوانه مطلعها:

عثر الدهر واستقال سريعاً

رب عبد عصى وعاد مطيعا

٦٨

ولاحنت عليك كالام شوقاً

وانعطافاً وشرفت بك حجرا

ووقتك الوصول للارض رفقاً

بك كي لا تنال من ذاك ضرا

ولكانت ذكاؤها لك فرشاً

ووساداً من النجوم البدرا

قد حكيت الصديق يوسف لما

ان هوى في غيابة الجب صبرا

بل رأيت النار التي قد رآها

صاحب الطور يوم قد خر ذعرا

ولعمري حكيته غير لا أدري

اذعراً هويت ام كان شكرا

ام عرا ذكر كربلا منك قلباً

حين قاربت للمحرم شهرا

ان متناً شكوته طال ما زا

حمت فيه من الملائك غرا

قبلت كفه الملوك ونالت

من نداها العافون بيضا وصفرا

فهي طوراً غنى المقل وطوراً

تغتدي للغني عزاً وفخرا

وبنوك الكرام أطيب ولد

نجباء الاباء بطنا وظهرا

بلغوا غاية العلا حيث كلُّ

راح يقفو في سيره لك أثرا

والذي يهتدي بمهدي عصر

ليس يخشى عن قصده الحور فترا

حملوا عبأ كل مجد اثيل

مثلما تحمل القوادم نسرا

كيف لا يهتدي مضل رآهم

وهم آية الى الحق كبرى

يا بني الوحي قد زففت اليكم

من بنات الافكار غراء بكرا

لم اسمها على سواكم علوا

ولو اني قد كان لي البدر صهرا

إنما الشعر ما هو المدح فيكم

وهو في مدح غيركم راح هجرا

٦٩

مدحكم في جميع قسم من القول

لقد سار في البرية ذكرا

فهو وحي اتى وجاء حديثاً

وبدا خطبته ونظماً ونثرا

وقال مهنئاً السيد مهدي القزويني واولاده الكرام بقدوم السيد عباس السيد حساني المعروف بالعميدي من الحج (1) .

طلب العلاء فال فوق المطلب

في عزم غلاب وهمة أغلب

وسما بما أوفت له آباؤه

ولرب سام للعلاء بلا أب

لا غرو ان طلب العلا من قومه

اما نبيّ أو وصيّ عن نبيّ

هذا أبو الفضل الذي جمع النهى

عزم الشباب له ونسك الاشيب

تاقت الى نيل العلا حوباؤه

في اللّه لم يحتج لقول مرغب (2)

ولكم تعرضت العواذل دونه

فانصاع لم يحفل بلوم مؤنب

سلك البحار وهن جود أكفه

والبرّ يقطعه بصدر أرحب

فجبال هذا من رصانة حلمه

وعباب هذي من نداه المخصب

وأرى المراكب في البحار محلها

وأراه بحراً حاصلا في مركب

فاعجب له بحراً يحل بمركب

إذ ليس يغمره بموج مرهب

____________________

1 - العميدي نسبة الى السيد عميد الدين ابن اخت العلامة الحلي وكان من ذوي الورع والصلاح والوجاهة في الحلة ويتعاطى التجارة في بيع البز والمنسوجات وتوفي سنة 1317 هـ بعد ما عمر طويلا.

2 - الحوباء: النفس.

1 - السبسب: المفازة والارض المستوية البعيدة.

٧٠

واعجب لفلك قد طغى وبضمنه

من حلمه جبل ولما يرسب

لكنما فيه استطار مسرة

فطفت له في الماء خفة مطرب

ولو ان ناراً قد سرت فيه خبت

لمضى يزج بعزمه المتلهب

حتى اذا اجتاز القفار ومزقت

أيدي المطي به أديم السبسب (1)

نشقت به البطحاء أطيب نكهة

من طيّب ورث العلا من طيب

ما زال يدنو وهي تعلو رفعة

حتى استقلت فوق هام الكوكب

ورأت شمائل هاشمي لم تكن

أبداً قرابته تناط بأجنبي

عقد الازار فحل ما بين الرجا

والخوف عقدة أدمع لم تنضب

فكأن كل الارض كانت عنده

حرماً وكل الدهر يوم ترهب

ما زاده الاحرام إلا مثلما

قد زاد ضوء الشمس نور الكوكب

ولكاد يشرق في يديه بهجة

حجر أحالته أكف المذنب

وبزمزم لو كان يخلط ريقه

لاتت من الماء الفرات بأعذب

عرفت به (عرفات) حين وقوفه

دعوات آباه التي لم تحجب

وتوسمت منه محاني طيبة

عنوان والده النبي الاطيب

حتى إذا ما جاء مرقد جده

ودعاه عند سلامه في (يا أبي)

أخذ الفخار على البريّة كلها

إلا نوادر من بهذا المنسب

قد كان يسمع من جوانب قبره

صوتاً بأهل يلتقيه ومرحب

____________________

1 - السبسب: المفازة والارض المستوية البعيدة.

٧١

فكأنما هو قد رآه مشافهاً

وكأنه في القبر لم يتحجب

ومضى الى نحو البقيع مسلماً

في مدمع هام وقلب ملهب

متذكراً آباءه الغر الاُلى

فيهم نجاة الخائف المترقب

ولقد شجاه ان رأى أجداثهم

عن جدهم بعدت ولما تقرب

يا من له صدق النوى بايابه

ولرب موعد غادر لم يكذب

ضاق العراق وقد مضيت بأهله

كمضيق وجه الفارس المتنقب

حتى إذا أقبلت أسفر ضاحكا

ببكاء غيث للبريّة معشب

فكأنما بعث الاله به لنا

قبل البشير مبشراً لم يحجب

حتى تيقنت الورى إذ سرهم

فيك البشارة كنت جد مسبب

عمّ السرور بك البريّة كلها

بل خص قلب (أبي الحسين) الانجب

علامة العلماء أفضل من غدا

في الشرق يهتف باسمه والمغرب

هو حجة اللّه العظيم فمن عشا

عنه تخبط للضلال بغيهب

من فضل كالشمس قد ملا الفضا

نوراً وفضل سواه عنقا مغرب (1)

____________________

1 - عنقاء مغرب تقال على الوصف والاضافة هو من قولهم أغرب في البلاد وغرب اذا أبعد وذهب وعنقاء اسم للذكر والانثى فلهذا لم يقولوا مغربة فمن وصف فعلى الاتباع ومن أضاف فهو من باب الاضافة الى النعت والاكثر على الاتباع قال الكميت:

محاسن من دين ودنيا كأنما

به حلقت بالامس عنقاء مغرب

وقال المتنبي:

أحن الى أهلي وأهوى لقاءهم

واين من المشتاق عنقاء مغرب

=

٧٢

وأرى العلاء إذا ارتداه غيره

ثوب الحرير يلف جلد الاجرب

انظر اليه تجد به من شئت من

آبائه خلقاً وخلق مهذب

هو حوّل هو قلّب هو مظهر

للملة الغرا وسر المذهب

فيه وفي آبائه عصم الورى

من كل خطب في البرية أخطب

مهلا أبا الفضل المحلق للعلا

فلقد رميت الواصفين بمتعب

ما ان عجبت لما أتيت من العلا

إلا سبقت وجئتنا في أعجب

مهما أقل ما كان إلا مثلما

قد قلت ان الشمس أحسن كوكب

فاليكها عن فكرتي عربية

ضربت بها أعراقها في يعرب

فلكم أبت نشزاً على من رامها

خطب النكاح لها ومن لم يخطب

لكنها زفت اليك ومهرها

منك القبول وذاك أعظم مأرب

____________________

=

ومن امثالهم في كل من فقد طارت به عنقاء مغرب ويعتقد أنها كانت طائراً عظيما اختطفت سبياً وجارية وطارت بهما فدعا عليها نبي ذلك الزمان حنظلة بن صفوان فغابت الى اليوم.

٧٣

وله يصف احتفالاً اُقيم في دار السيد أحمد الرشتي بكربلاء ليلة النصف من شعبان بمناسبة ميلاد الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وذلك سنة 1282 ه‍‍ـ:

وبـيتٌ شـادَ أهلُ البيتِ منه

بـناءً فـي ذرى العليا رفيعا

بـليلةِ نـصفِ شـعبانَ رأينا

عـديدَ الـنيراتِ بـهِ شموعا

ومَـنْ لـلنيّراتِ بحيث تلقى

لـها مـا بينَ مركزها طلوعا

ويـنهلُ داخـليهِ بـعينِ ماء

يـعودُ حشا اللهيفِ بهِ مريعا

وهـبكَ شققتَ نهراً من معين

عـليهِ الـناسُ واردةٌ جموعا

نشدتكَ هل لديكَ جبالُ حزوى

اسـتحالتْ سـكراً فيهِ جميعا

إذا مـا قـالَ ذا سرفٍ أُناس

رآهُ أحـمـدَ شـرفاً وسـيعا

يـرى الـدنيا وما فيها جميعا

عـطيةَ مَـنْ غدا فيها قنوعا

يضيعُ المالُ في حفظِ المعالي

ومـا حفظَ المعالي لن يضيعا

فـوالـبيتِ الذي شرفاً وعزّاً

بهِ الأملاكُ قد هبطت خشوعا

بـناهُ الـكاظمُ الحبرُ الذي قد

حـوى أسـرارَ والـدهِ جميعا

أخو علمٍ لو أنّ الخضرَ أضحى

لـديهِ صـاحباً لـن يستطيعا

هـو الـداعي إلـيهِ باحتجاج

فـلم يـدركْ لـدعوتهِ سميعا

(فـلم أرَ مـثلَ ذاك اليوم يوماً

ولـم أرَ مـثلهُ حـقّاً اُضيعا)

وتـابعَ إثـرهُ شـبلاً عـرين

بـعرعرةِ الـعلا أضحى منيعا

فـمن حـسنٍ وأحمدَ كلّ فعل

لـنا نـورُ الـنبيّ بدا لموعا

هـداةٌ يـنتمونَ إلـى هـداة

زكـتْ أعراقهم وزكوا فروعا

٧٤

وقال مرتجلاً يصف تلك الدار المذكورة حين دخلها ليلة النصف من شعبان سنة 1284 هـ‍‍.

أتـكثرُ فـي الأبصارِ هذي الثواقب

وتـعظمُ لـلورادِ هـذي الـمشاربُ

بـبيتِ ابـنِ مَنْ قامَ الوجودُ بسرّهم

فـمن جـودِهمْ أنـهارهُ والـكواكبُ

ولـو هـبطت وهو الصعود لبيتهم

ذكـاءٌ ومـا مـنها الأشـعةُ كاسبُ

وسـالت مـن الأنـهارِ ما قد أعدّه

إلهُ الـورى لـلمتقينَ الأطـائبُ

لـمـا كـانَ ذا إلاّ الـقليلُ بـحقّهم

ومـا كـان إلاّ بعض ما هو واجبُ

بـكاظمهم غـيظاً سما (حسن) العلا

(وأحـمدهم) فـعلاً تـنالُ الرغائبُ

فـتى لا يـرى للمالِ قدراً ولم يطع

عـتاباً عـلى بـذلٍ وإن لجّ عاتبُ

كـأنّ الـذي يـعطيهِ بـاقٍ بـكفّه

وأنّ الـذي يـبقى وإنْ قـلَّ ذاهبُ

فـتـى لا يـبالي إنْ تـفرّقَ مـاله

وقـد جُـمعت فـيهِ لـديهِ المناقبُ

ومـن عـجبٍ أنّى يُلام على الندى

فـتى قـد نـمتهُ الأكرمونَ الأطائبُ

إذا كـانتِ الأبـناء فـيها شـمائل

لآبـائـها فـالأمـهاتُ نـجـائبُ

ولـما رأى الأعـرابُ تعلي بيوتها

وتـطلبُ فـخراً وهو نِعْمَ المطالبُ

بـنى بـيتَ شعرٍ فيهِ يجتمعُ النهى

وتـفخرُ أمـلاكُ السما لا الأعاربُ

إذا قـلتهُ جـونُ الـسحابِ يقولُ لي

صـه أينَ منّي في المنالِ السحائبُ

إذا انـعقدت أبدت على الناسِ غيهباً

وإنّـي الـذي تنجابُ عنهُ الغياهبُ

٧٥

كـأنّ عـمادي سـوقُ دوحٍ ثـماره

وأوراقـهُ شـهبُ الـسماءِ الثواقبُ

فـهـنّ رجومٌ لـلعدا وهـداية

لـطلابِ نـهجِ الحقِّ والحقُّ لاحبُ

وإنْ أنـسَ لا أنسَ الهمامَ أخا النهى

فـتى كـنههُ عن طائرِ الفكرِ عازبُ

لـهُ أسـوةٌ فـي كلّ داعٍ إلى الهدى

وإن قـيلَ في الدعوى وحاشاهُ كاذبُ

عـليهِ سـلامُ الـلّهِ مـا ذكرَ اسمه

ووافـاهُ فـي أسـماءِ آبـاهِ خاطبُ

ومـا أشـرقت شمسُ النهارِ بمشرق

ومـا حـازها عندَ المساءِ المغاربُ

٧٦

وقال يصف تلك الدار في الليلة المذكورة وقد احتفل فيها بميلاد أحد سلاطين آل عثمان سنة 1286 ه‍‍

أضاءت ولا مثل النجوم الثواقب

مصابيح بيت من بيوتات غالب

مصابيح كانت للمحب هداية

ولكن رجوماً للعدو المجانب

ترى ضوءها أهل السماء كما ترى

لدى الافق أهل الارض نور الكواكب

ولو أنها في الافق كانت لما غشى

جوانبه في الدهر لون الغياهب

ولم يفتقر أفق السماء لكوكب

سواها وقد أغنته عن كل ثاقب

ولاحت ولا كالشمس تحت غمامة

(بدا حاجب منها وضنت بحاجب)

ولكنها لاحت كنار قراهم

تحيى البرايا من جميع الجوانب

يؤججها وهاجة في سما العلا

فتى قد نمته الصيد من آل غالب

أخو الهمة العلياء أحمد من غدا

لاحمد ينمى أصله في المناسب

ويترع عذباً خاله الناس كوثراً

به فاز من قبل الظما كل شارب

لدى ليلة لو مثلها كل ليلة

أمنَّ الليالي موبقات النوائب

سمت وتعالت رفعة بمسرة

لمولى سما بالملك أعلى المراتب

يؤدي لها ما كان فرضاً ومثله

فتى ليس يلهو قط عن كل واجب

يعظم في الدنيا شعائر دولة

معظمة في شرقها والمغارب

٧٧

يواسي مليكا بالمسرة طالما

يواسي رعاياه بجمّ الرغائب

تقاسمه الناس المسرات مثلما

تقاسمه أمواله في المواهب

مليك له دان الملوك فأصبحت

وهم بين راجي النيل منه وراغب

أقول وقد أهديتها بدوية

تتيه على من في بيوت الاعارب

أبت كفؤها إلا ذوابة هاشم

وفاقت علواً عن جميع الذوائب

٧٨

المراثى

٧٩

قال يرثي الشهداء الذين قتلوا في وقعة نجيب باشا في كربلاء، ويتذمّر من الحكم التركي في ذلك العهد (1258 هـ) (1) ، ويندب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).

أحـلـماً وديـنُ الـلّهِ أوشـكَ يٌـتلف

وصـبراً وداعـي الشركِ يدعو ويهتفُ

وحـتـى مـتى سـيفُ الإلـهِ مُـعَلّلٌ

بـضـربِ طـلا أعـدائهِ ومـسوَّفُ

هـو الـسيفُ مـا لم يألفِ الغمدَ نصله

ومـا الـسيفُ سـيفٌ وهو للغمدِ يألفُ

أمـا آن أن تُـحيي الـهدى بـعد موته

بـيومٍ يـميت الـشمسَ نـقعاً ويكسفُ

____________________

1 - وسبب هذه الحادثة أنّ جماعة من أهالي كربلاء يُقال لهم: (اليرمازية) شقّوا عصا الطاعة، وامتنعوا عن الخضوع ودفع الضرائب للحكومة، وذلك في عهد السلطان عبد المجيد خان؛ فزحف عليهم والي بغداد المشير محمد نجيب باشا بجيش جرّار بقيادة سعد اللّه باشا، فطلب منهم الوالي نزع السلاح والتسليم فأبوا ذلك، فوجّه المدافع على سور المدينة حتى أحدثت القنابل (ثغرة) في السور وذلك من جهة محلّة (باب الخان)، واستمر القتال لمدّة يومين، ونصحهم جماعة من رؤساء كربلاء وساداتها على أن يتركوا الاستمرار في التمرّد والعصيان فلم يحفلوا بتلك النصائح.

وفي اليوم الثالث خرج المحاربون من أهل المدينة إلى خارج البلد، واستنجدوا بجماعة من عشائر آل فتلة وآل يسار، فكان عددهم (ثلاثة آلاف) محارب، فاصطدم الجيش بالأهلين ثانية ودامت الحرب (21) يوماً، وانتهت يوم عيد الأضحى، وقد بلغ عدد القتلى (18) ألف قتيل أكثرهم من الزائرين والأبرياء المجاورين، وتاريخ هذه الحادثة جملة (غدير دم) سنة 1258، ودخل جيشه الصحن العباسي وقتل كلّ مَنْ لاذ بالمرقد، وارتكبوا كثيراً من الموبقات والجرائم التي يخجل منها جبين الإنسانية، وتمكّنوا بعد ذلك من الاستيلاء على كربلاء.

وقد ذكر هذه الحادثة جمع من المؤرّخين، وأكثرهم إلماماً بها السيد حسّون البراقي في كتابه تاريخ كربلاء المخطوط والموجود في مكتبتنا.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لقّبت بالنّابغة لنبوغها بالزّنا، وأنّها كانت من الزواني اللاّاتي يضعن الرّايات على بيوتهنّ ليُعْرَفْن، وقد راودها في طُهرٍ واحد أربعة رجال وقيل ستّة فكان عمرو ثمرة تلك الساعة، فاختصموا فيه ثمّ حكّموا النّابغة فنسبته إلى العاص! و«الوالد للفراش، وللعاهر الحجر!».

«لقي عمرو الحسنَ بن عليّ في الطّواف فقال له - وأسمعه كلاماً - فكان ممّا ردّ الحسن عليه: لتنتهينّ يا ابن أم عمرو... ؛ وإنّي من قريش كأوسط القلادة، يُعرَف حسبي ولا أُدعى لغير أبي، وقد تحاكمَتْ فيك رجال قريش فغلب عليك ألأمُهُم نسباً وأظهرهم، فإيّاك عنّي فإنّك رِجْس، وإنّما نحن بيت الطّهارة، أذهب الله عنّا الرّجس وطهّرنا تطهيراً».(١)

واجتمع الحسن بن عليّ وعمرو بن العاص، فقال الحسن: «قد عَلِمَت قريش بأسرها أنّي منها في عزّ أُرومتها، لم أطبَع على ضعف ولم أعكس على خسف، أُعرَف بشبهي وأدُعى لأبِي... أمَا والله، لو كنتَ تسمو بحسبك وتعمل برأيك ما سلكتَ فجَّ قصد، ولا حللتَ رابيةَ مجد»(٢) .

وحضر مجلسَ معاوية: عبدُ الله بن عبّاس وابن العاص، فأقبل عبد الله ابن جعفر، فتنقّصه ابن العاص، فردّه ابن عبّاس قائلاً: ليس يدّعي لدعيّ، ولا يدني لدنيّ ؛ كمَن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزّارها، فأصبح ألأمَها حسبَاً، وأدناها منصباً... وليت شعري بأيّ قِدَمٍ تتعرّض للرجال، وبأيّ حسَبٍ

____________________

(١) المحاسن والمساوئ: البيهقيّ ٤٢٨، المحاسن والأضداد: الجاحظ ٨٥.

(٢) المحاسن والمساوئ: البيهقيّ ٨٧.

٣٨١

تبارز عند النضال، أبنفسك؟! فأنت الوغد الزنيم، أمْ بِمَن تنتمي إليه؟! فأهل السَّفَه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهليّة شُهِروا، ولا بقديم في الإسلام ذُكروا...(١) .

وفي ردّه على ابن العاص في مجلس معاوية، قال له الحسن المجتبى: «وأمّا أنت يا ابنَ العاص، فإنّ أمرك مشترك، وضعتك أمّك مجهولاً من عُهر وسفاح فتحاكَمَ فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزّارُها، ألأمُهم حسباً، وأخبثُهم منصباً، ثمّ قام أبوك فقال: أنا شانئ محمّدٍ الأبتر، فأنزل الله فيه ما أنزل...(٢) .

ومن كلام لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يوم صفّين مع عمرو: يا ابن النابغة! ومتى لم تكن للكافرين وليّاً وللمسلمين عدوّاً، وهل تشبه إلاّ أمّك الّتي وضعت بك!(٣)

وفي حوارٍ جرى بين عمرو بن العاص وشُريح بن هانىءٍ، قال عمرو: إنّ مثلي لا يُكلّم مثلك! فقال شريح: بأيّ أبوَيك ترغب عن كلامي؟ بأبيك الوشيظ(٤) ، أم بأمّك النّابغة؟!(٥)

____________________

(١) المحاسن والمساوئ: البيهقيّ ٩٠.

(٢) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد ٦: ٢٩١.

(٣) وقعة صفّين ٥٠٨.

(٤) الوشيظ: الخسيس.

(٥) وقعة صفّين ٥٤٣.

٣٨٢

وعن أنس بن مالك قال: دخلَتْ أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب، على معاوية بالموسم، وهي عجوز كبيرة. ثمّ ذكر خبراً طويلاً في تقريعها لمعاوية ومروان وعمرو بن العاص، إذ اعترضها عمرو، فقالت: يا ابن اللّخناء النّابغة(١) : أتكلّمني؟! إربَعْ على ظَلْعِك، واعْنِ بشأن نفسك(٢) ، فو الله ما أنت من قريش في اللُّباب من حَسَبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستّةٌ من قريش وكلّهم يزعم أنّه أبوك، ولقد رأيتُ أمّك بمكّة مع كلّ عبدٍ عاهر! فأتَمَّ بهم فإنّك بهم أشبه.(٣)

أحمد بن حنبل: حدّثنا سفيان، حدّثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن أبي عبيد عن ميمون أبي عبد الله قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بوادٍ يقال له وادي خمّ، فأمر بالصلاة، فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون - أو لستم تشهدون - أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟! قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللّهم عادِ من عاداه، ووالِ من والاه».(٤)

____________________

(١) اللّخناء: المنتنة الرائحة. وفي العقد الفريد: فقالت له: وأنت يا ابن النّباغة - أي الزانية - تتكلّم، وأمّك أشهر أمرأة تغنّي بمكّة وآخذهنّ لأجرة.

(٢) إربَعْ: أقِم. والظَلْع: العرج. مثل يضرب لمن عيوبه كثيرة وهو منشغل عنها بغيره.

(٣) بلاغات النساء: ابن طيفور ٤٠ - ٤٣، نثر الدرّ: الآبي ٤: ٣٦ - ٣٨. وفي العقد الفريد: ابن عبد ربّه ١: ٣٥٧ - ٣٥٨: «ادّعاك خمسة كلّهم يزعم أنّه أبوك، فسُئلت أمّك عنهم فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبَهَهُم به فألحِقوه به، فغلب عليك شَبهُ العاص ابن وائل فلُحِقتَ به».

(٤) مسند أحمد ٥: ٥٠١ / ١٨٨٣٨.

٣٨٣

غانمة تنشر مسبّات الشجرة الملعونة

بلغ غانمة بنت غانم سبّ معاوية وعمرو بن العاص بني هاشم فقالت لأهل مكّة: أيّها النّاس، إنّ بني هاشم أطول الناس باعاً وأمجد الناس أصلاً وأحلم الناس حلماً، وأكثر الناس عطاءً. منّا عبد مناف الذي يقول فيه الشاعر:

كانت قريش بيضةً فتفلّمت

فالمخّ خالصها لعبد مناف

وولده هاشم الذي هَشَم الثّريدَ لقومه، وفيه يقول الشاعر:

هشم الثّريدَ لقومه وأجارَهم

ورجالُ مكّة مسنتُون عجافُ

ثمّ منّا عبد المطّلب الذي سُقِينا به الغيث، وفيه يقول الشاعر:

ونحنُ سِنيَّ المَحلِ قام شفيعُنا

بمكّة يدعو والمياهُ تغورُ

وابنه أبو طالب عظيم قريش، وفيه يقول الشاعر:

آتيتُه مَلِكاً فقام بحاجتي

وترى العُلَيّجَ خائباً مذموماً

ومنّا العبّاس بن عبد المطّلب، أردفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاه ماله، وفيه يقول الشاعر:

رَدِيفُ رسولِ الله لم أرَ مثلَهُ

ولا مِثلُهُ حتى القيامةِ يُوجدُ

ومنّا حمزة سيّد الشهداء، وفيه يقول الشاعر:

أبا يَعلى لكَ الأركانُ هُدّت

وأنت الماجدُ البَرُّ الوَصُولُ

ومنّا جعفر ذو الجناحين أحسنُ الناس وأكملهم كمالاً، ليس بغدّار ولا ختّار، بدّله الله جلّ وعزّ بكلّ يدٍ له جناحاً يطير به في الجنّة، وفيه يقول الشاعر:

هاتُوا كجعفرِنا الطيّارِ أو كعليِّنا

أليسا أعزّ الناس عند الخلائق؟!

٣٨٤

ومنّا أبو الحسن عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، أفرس بني هاشم وأكرم من احتفى وتنعّل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن فضائله ما قَصُر عنكم أنباؤها، وفيه يقول الشاعر:

ومَن يكُ جدُّهُ حقّاً نبيّاً

فإنّ لهُ الفضيلةَ في الأنام

ومنّا الحسين بن عليّ رضوان الله عليه، حمله جبريلعليه‌السلام على عاتقه وكفى بذلك فخراً، وفيه يقول الشاعر:

نفى عنه عيبَ الآدميّين ربُّهُ

ومِن مجدِه مجدُ الحسينِ الـمُطهّرِ

ثمّ قالت: يا معشر قريش! واللهِ ما معاوية بأميرالمؤمنين ولا هو كما يزعم، هو واللهِ شانئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . إنّي آتيةٌ معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينُه ويكثر منه عَويلُه. فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلمّا بلغه أنّ غانمة قد قُربتْ منه أمر بدار ضيافةٍ فنُظّفت وألقي فيها فرش، فلمّا قُربتْ من المدينة استقبلها يزيد في حَشَمه ومماليكه، فلمّا دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم، فقال لها يزيد: إنّ أبا عبد الرحمان يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته، وكانت لا تعرفه، فقالت: من أنت كلأك الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاك الله يا ناقص، لستَ بزائد! فتمعّرلونُ يزيد، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسنّ قريش وأعظمهم. فلمّا قال يزيد: كم تعدّ لها؟ قال: كانت تعدّ على عهد رسول الله أربعمائة عام وهي من بقيّة الكرام. فلمّا كان من الغد أتاها معاوية فسلّم عليها، فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان! ثم قالت: من منكم ابن العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا. فقالت: وأنت تسبّ قريشاً وبني هاشم وأنت أهل

٣٨٥

السبّ وفيك السبّ وإليك يعود السبّ يا عمرو! إنّي والله عارفةٌ بعيوبك وعيوب أمّك، وإنّي أذكر لك ذلك عيباً عيباً ؛ وُلِدتَ من أمَةٍ سوداء مجنونةٍ حمقاء تبول من قيام ويعلوها اللّئام، إذا لامَسَها الفحلُ كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يومٍ واحد أربعون رجلاً، وأمّا أنت فقد رأيتك غاوياً غير راشدٍ، ومفسداً غير صالح، ولقد رأيتَ فحلَ زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرت.(١)

وأمّا أنت يا معاوية، فما كنت في خير، ولا ربّيت في خير، فما لك ولبني

____________________

(١) قال ابن اسحاق: إنّ عمرو بن العاص وعُمارة بن المغيرة رَكِبا البحر إلى الحبشة، ومع عمرو امرأته، حتّى إذا سارا في البحر أصابا من خمر معهما، فلمّا انتشى عمارة قال لامرأة عمرو: قبّليني، فقال عمرو: قبّلي ابن عمّك! فقبّلته، فألقاها عمارة فجعل يريدها عن نفسها فامتنعت منه، ثمّ إنّ عمراً قعد على منجاف السفينة - أي ذَنَبها الذي تعدل به - يبول، فدفعه عمارة في البحر فلمّا وقع فيه سبَحَ حتّى أخذ بمنجاف السفينة فارتفع على ظهر السفينة. فقال له عمارة: أما والله لو علمت يا عمرو أنّك تحسن السّباحة ما فعلت. فاضطغنها عمرو وعلم أنّه أراد قتله.

فمضيا حتّى قدما أرض الحبشة، فلمّا الهمأنّا لم يلبث عمارة أن دبّ لامرأة النجاشيّ، وكان عمارة رجلاً جميلاً وسيماً... فوشى به عمرو إلى النجاشيّ...، فأمر النجاشي السواحر فجرّدنه من ثيابه، ثمّ أمرهنّ فنفخن في إحليله، ثمّ خلى سبيله فخرج هارباً في الوحش... حتّى مات.

وذكر شعراً لعمرو، يذكر فيه ما صنع به وما أراد من امرأته، منه:

قضى وطراً منها يسيراً فأصبحت

إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما

أصبتَ من الأمر الدقيق جليله

وعيشاً إذا لاقيت مَن قد تلوّما

سيرة ابن إسحاق كتاب السّير والمغازي ١٦٧ - ١٦٩، ونسب قريش: مصعب الزبيريّ (ت ٢٣٦ هـ) ٣٢٢، والموفّقيّات: الزبير بن بكّار (ت ٢٥٦ هـ) ٥٩٢، والاشتقاق: ابن دُرَيد (ت ٣٢١ هـ) ١٠٢، وأنساب الأشراف: البلاذريّ ١: ٦٨، والأغانيّ: أبو الفرج الأصبهانيّ (ت ٣٥٦ هـ) ٩: ٥٥ - ٥٨.

٣٨٦

هاشم؟! أنساء بني أميّة كنسائهم؟!(١) ...

____________________

(١) المحاسن والأضداد: الجاحظ ٨٨ - ٩٠، والمحاسن والمساوئ: البيهقيّ ٩٠ - ٩٤.

ولم يكن معاوية بعيداً عن موضع التّهمة كما هو حال عمرو!

وربّما هذا الذي أرادته غانمة في قولها له: (فما كنتَ في خير، ولا رُبِّيب في خير... أنساء بني أميّة كنسائهم؟

والفقره الأخيرة قرينة على ما ذكرناه ؛ فقد ذكروا: أنّ معاوية يعزى إلى أربعة: إلى مسافر ابن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد - صاحب القصّة مع عمرو بن العاص - وإلى العبّاس بن عبد المطّلب، وإلى الصّبّاح مغنٍّ أسود كان لعمارة.

قالوا: كان أبو سفيان دميماً قصيراً، فدعت هند الصُّبّاحَ إلى نفسها. وقالوا: إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصّبّاح أيضاً، وإنّها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك. وفي ذلك قال حسّان بن ثابت:

لِمَن الصبيُّ بجانب البَطْ

حاء ملقىً غيرَ ذي سُهدِ

نَجَلت به بيضاء آنسةٌ

من عبد شمسٍ صَلتَةُ الخَدِّ

(ربيع الأبرار: الزمخشريّ ٣: ٥٥١). ونجلت به: ولَدته. صَلْتَهُ الخدّ: خدّها بارز ناعم.

وفي ديوان حسّان: (في التّرب ملقىً غير ذي مهد). وفيه زيادة:

تسعى إلى الصّبّاح مُعوِلَةً

يا هندُ إنّكِ صُلبةُ الحَرْدِ

غَلَبَت على شَبَهِ الغُلام وقد

بانَ السّوادُ لِحالكٍ جعْدِ

(الحالك: الشعر الأسود. الجعد: المجعّد وهي صفة شعر العبيد السّود). وقال لها أيضاً:

لِمَن سواقِطُ صِبيانٍ مُنَبَّذةٍ

باتَت تَفَحَّصُ في بَطْحاءِ أجيادِ

باتَت تمَخّصُ ما كانت قوَابلُها

إلاّ الوحوش وإلاّ جِنّة الوادي

فيهم صبيّ له أمّ لها نسبٌ

في ذروةٍ من ذرى الأحساب أيّادِ

تقول وَهْناً وقد جدّ المخاض بها:

يا ليتني كنتُ أرعى الشّول للغادي

قد غادروه لِحُرّ الوَجه منعفراً

وخالها وأبوها سيّد النادي

(ديوان حسّان: ٩٦ - ٩٧). (تمخَّض: تطلق حال الولادة. =

٣٨٧

هذا هو عمرو في نفسه، وفي أمّه ؛ فماذا في العاص الذي اختارته النّابغة من بين الرجال الذين أتوها، فنسبت عمراً إليه؟ إنّ أوّل مسبّةٍ فيه وأعظمها: أنّه مات كافراً وساء مصيراً( إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ ) (١) .

وكان العاص في زمرةٍ أبدت عداوتها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد ذكر ابن اسحاق في إسلام المهاجرين فقال: ثمّ دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتّى فشا ذِكر الإسلام وتحدّث به، فلمّا أسلم هؤلاء النفر وفشا أمرهم بمكّة أعظمت ذلك قريش وغضبت له، وظهر فيهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله البغي والحسد، وشخص له منهم رجال فبادَوه بالعداوة وطلبوا له الخصومة، منهم العاصي بن

____________________

= القوابل: جمع قابلة وهي المرأة الّتي تشرف على الولادة. الشّول: النياق لها بقيّة لبن).

وكان بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طلحة بن عبيد الله بين يدي معاوية، فقال يزيد: يا إسحاق، إنّ خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة! فقال إسحاق: وأنت والله لخير لك أن يدخل بنو العبّاس كلّهم الجنّة! فأنكر يزيد ولم يدر ما عناه، فلمّا قام إسحاق قال معاوية: أتدري ما عناه إسحاق؟ قال يزيد: لا. قال فكيف تُشاتم رجلاً قبل أنت تعلم ما يقال لك وفيك؟ إنّه عنى ما زعم الناس أنّ أبا العبّاس أبي. وكانت هند اتّهمت به وبغيره، ولذلك لمّا جاءت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تُبايعه، فتلا:

( يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى‏ أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ... ) (الممتحنة: ١٢).

فلمّا بلغ قوله: (ولا يَزْنِينَ) قالت هند: وهل تزني الحرّة؟!

(١) البقرة: ١٦١ - ١٦٢.

٣٨٨

وائل و...(١) .

زندقة العاصي

وكان العاصي أحد زنادقة قريش، تعلّموا الزندقة من نصارى الحيرة(٢) .

والعاص هو الأبتر:

ابن إسحاق قال: حدّثني يزيد بن رومان قال: كان العاصي بن وائل السّهميّ إذا ذُكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: دعوه فإنّما هو رجل أبتر لا عقب له، لو قد هلك انقطع ذكره فاسترحتُم منه. فأنزل الله عزّ وجلّ:( إِنّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ ) (٣) حتّى قضى السورة، إنّا قد أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، أو الكوثر العظيم من الأمر،( إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٤) العاصي بن وائل.(١)

____________________

(١) سيرة ابن إسحاق كتاب السير والمغازي ١٤٤.

(٢) المحبّر: ابن حبيب ١٦١.

فنظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عمر وتبسم. (محاضرات الأدباء: الرّاغب الأصفهانيّ ١: ٣٥٣).

ومن القرائن على ما ذكروه: ما نجده من مخاطبته: يا ابن هند! وقد قال في عبد الله بن الزبير لمّا بلغه وفاة معاوية: (ما ابن أنثى بأكرم منه) الأغانيّ ١٧: ٢١٢. ونعاه ابن عبّاس فقال: (لله درّ ابن هند) الأغاني ١٧: ٢١٣.

وفي محاورة بين معاوية والدارميّة الحجونيّة، وقد أسمعها معاوية كلاماً أغضبها فقالت: يا هذا والله يضرب المثل لا أنا فاعتذر منها وترضّاها.

بلاغات النساء ١٠٦ - ١٠٧، والعقد الفريد ١: ٣٥٢ - ٣٥٣.

(٣) الكوثر: ١ - ٢.

(٤) الكوثر: ٣.

٣٨٩

قال ابن دريد: وفي العاص بن وائل نزلت:( أَرَأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ * فَذالِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضّ عَلَى‏ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (٢) .(٣)

حديث المستهزئين

ابن إسحاق قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر الله محتسباً مؤدّياً إلى قومه النصيحة على ما كان فيهم من النائرة(٤) والأذى والاستهزاء ؛ وكان عظماء المستهزئين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . خمسة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب، والأسود ابن المطّلب بن أسد، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والحارث بن الطلاطلة أحد بني خزاعة ؛ فكانوا يهزأون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويغمزونه، فأتاه جبريلعليه‌السلام فوقف به عند باب الكعبة وهم يطوفون به، فمرّ به الأسود بن عبد يغوث فأشار جبريل إلى بطنه فمات حَبَناً(٥) ، ومرّ به الأسود بن المطّلب فرمى بوجهه بورقةٍ خضراء فعَمِي، ومرّ به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جُرح في كعب رجله قد كان أصابه قبل ذلك بيسير، فانتقض به فقتله، ومرّ به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحاً حتّى قتله، ومرّ به العاصي بن وائل

____________________

(١) سيرة ابن إسحاق ٢٧٢.

(٢) الماعون: ١ - ٣.

(٣) الاشتقاق: ابن دريد ١٢٦ - ١٢٧.

(٤) النائرة: الفتنة.

(٥) الحَبَن: داء في البطن يرم كالدمل ويكون له خراج أي قيح.

٣٩٠

فأشار إلى أخمض رجله، فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة(١) فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته، ففيهم أنزل الله عزّوجلّ:( إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) (٢) .(٣)

هذه بعض أخبار العاص بن وائل الذي انتسب إليه عمرو بن النّابغة، وبذا اكتملت صورة بيت عمرو في نفسه وفي أمّه، وفي الرجل الذي صار له أباً من بين عدّة رجال...!

فأين هذا البيت من البيت الشهيد: بيت عمّار في نفسه ووالديه وأخيه؟!

الاحتجاج بحديث الغدير

وأصدق دليل على بطلان ابن تيميه، سواء في إنكاره الحديث أو ما استظهره من معنى الوِلاية، هو الاحتجاج بالحديث في استجلاء المنزلة الخاصّة

____________________

(١) شبرقة: نبات شوكي.

(٢) الحِجر: ٩٥.

(٣) سيرة ابن إسحاق ٢٧٣. وذكره ابن حبيب في كتابه: «المحبرّ ١٥٨، بعنوان: المستهزئون من قريش وماتوا ميتات مختلفات كفّاراً»، وذكره في كتابه الآخر: المنمّق ٣١٠ - ٣١١ بنفس العنوان، وذكر القصّة التي أوردها ابن إسحاق، ثمّ ذكر قصة أخرى قال: فأمّا العاص بن وائل فإنّه خرج في يوم مطير على راحلته ومعه ابنان له، يتنزّه ويتغدّى، فنزل شِعباً من تلك الشّعِاب، فلمّا وضع قدمه على الأرض صاح، فطافوا فلم يروا شيئاً، فانتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق البعير، فمات من لدغة الأرض.

٣٩١

لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام . فقد احتجّ به أميرالمؤمنين في أكثر من موضع، ولو لا علمه بالمعنى الخاصّ للحديث لما احتجّ به. كما احتجّ به عِليةُ الصّحابة، فماذا يعني ذلك يا ترى؟

الاحتجاج يوم الشورى

لما طُعن عمر بن الخطّاب، عيّن ستّة من الصّحابة فيهم عليّ، لاختيار خليفة من بينهم ؛ فناشدهم عليّ إنْ كان لواحدٍ منهم أحدُ فضائله الخاصّة به، وفي كلّ واحدة يقولون: «اللّهمّ لا، ومن ذلك: مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه، وردّ الشمس له، ونزول آية الولاية فيه (المائدة: ٥٥)، وقد مضى الكلام في كلّ ذلك.

وكان ممّا احتجّ بهعليه‌السلام يومئذ: حديث الولاية يوم الغدير، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، ليبلّغ الشاهدُ منكم الغائبَ» غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

ولقد احتجّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام بهذه المنقبة في أكثر من موضع:

- ابن ابي شيبة، عن شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن وَهْب عن زيد ابن يُثَيْع، قال: بلغ عليّاً أنّ أناساً يقولون فيه، فصعد المنبر فقال: أنشد رجلاً، ولا أنشده إلاّ من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمع من النبيّ شيئاً إلاّ قام. فقام ممّا يليه ستّة، وممّا يلي سعيد بن وهب ستّة فقالوا: نشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».(١)

____________________

(١) المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٤٩٦ حديث ١٥ من مناقب عليّ.

٣٩٢

فمَن كان هؤلاء، وعليّعليه‌السلام ينشدهم ما سمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيشهدوا أنّهم سمعوا حديث الولاية «من كنت مولاه...»، وقد سمعوا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكثير في شأن عليّعليه‌السلام وخصائصه؛ إلاّ لأنّهم علموا ما للحديث من دلالة وعلوّ المنزلة والشرف، وتجاهَلَه النّواصب!

- عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن حبّة العُرَنيّ عن أبي قُلابة قال: نشد الناس عليّ في الرّحبة، فقال بضعة عشر رجلاً فيهم رجل عليه جبّة عليها أزرار حضرميّة، فشهدوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من كنت مولاه، فعليّ مولاه»(١) .

- ابن عقدة، بسنده عن فِطْر بن خليفة، وأبي الجارود، وكلاهما عن أبي الطفيل: أنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه قام فحَمدِ الله وأثنى عليه، ثمّ قال أنشد الله مَن شهد يومَ غدير خُمّ إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول نبّئتُ أو بلغني، إلاّ رجل سمعت أذُناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً، منهم: خزيمة بن ثابت، وسهل ابن سعد، وعديّ بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيّوب الأنصاريّ، وأبو سعيد الخُدريّ، وأبو شريح الخزاعيّ، وأبو قدامة الأنصاريّ، وأبو يعلى، وأبو الهيثم بن التيّهان، ورجال من قريش.

فقال عليّرضي‌الله‌عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم، فقالوا: نشهد أنّا أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع حتّى إذا كان الظهر خرج رسول الله فأمر بشجراتٍ فسُوِّين وألقي عليهنّ ثوب، ثمّ نادى بالصّلاة، فخرج فصلّينا، ثمّ قام

____________________

(١) الكنى والأسماء: محمّد بن أحمد الدّولابيّ (ت ٣١٠ هـ) ٢: ١٧٢ / ١٦٠١.

٣٩٣

فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، ما أنتم قائلون؟» قالوا: قد بلّغت، قال: «اللّهمّ اشهد» ثلاث مرّات، قال: «إنّي أوشك أن أدعى فأجيب وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون». ثمّ قال: «ألا إنّ دماءكم وأموالكم حرام كحُرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا...»، ثم قال: «أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثّقلين: كتابَ الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض نبّأني بذلك اللطيف الخبير»، وذكر الحديث في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

فقال عليّ: صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين.(١)

- وابن عقدة بسنده عن هارون بن المغيرة، عن الجرّاح الكنديّ، عن أبي إسحاق، عن عبد خير قال: حضرنا عليّاًعليه‌السلام أنشد النّاس في الرّحبة فقال: أنشد الله من سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»، فقام أثنا عشر رجلاً كلّهم من أهل بدر، منهم زيد بن أرقم، فشهدوا أنّهم سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك لعليّ.

- ومثله رواه ابن عقدة، بسنده عن حسن بن زياد، عن عمر بن سعد البصريّ، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة، عن أبيه، عن جدّه يعلى - وذكر الحديث -، قال: فلمّا قِدم عليٌّ الكوفة نشد النّاس، فانتشد له بضعة عشر رجلاً

____________________

(١) تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشّاف للزمخشري: عبد الله بن يوسف الزيلعيّ (ت ٧٦٢ هـ) ٢: ٢٣٩، جواهر العقدين: عليّ بن عبد الله السَّمْهوديّ (ت ٩١١ هـ) ١: ٨٠ - ٨٢ ومناقب الإمام عليّ: ابن المغازليّ ٢٠ / ٢٧.

٣٩٤

فيهم أبو أيّوب صاحب منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وناجية بن عمرو الخزاعيّ.(١)

- ابن عقدة بسنده عن عليّ بن الحسن العبديّ، عن الأصبغ بن نباتة، قال: نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ ما قال إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله يقول. فقام بضعة عشر رجلاً، فيهم: أبو أيّوب الأنصاريّ، وأبو عَمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حُنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاريّ، وحبشيّ بن جنادة السلوليّ، وعبيد بن عازب الأنصاريّ، والنعمان بن عجلان الأنصاريّ، وثابت بن وديعة الأنصاريّ، وأبو فُضالة الأنصاريّ ؛ فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ألا إنّ الله عزّ وجلّ وليّي وأنا وليّ المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وأحِبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وأعِنْ من أعانه».(٢)

- ابن أبي شيبة: ومن حديث سعد [ بن أبي وقّاص ]: حدّثنا أبو معاوية عن موسى بن مسلم عن عبد الرحمان بن سابط عن سعد قال: قَدِم معاوية في بعض

____________________

(١) جامع المسانيد: ابن كثير ١٢: ١٩١ / ٩٤١٣، مجمع الزوائد ٩: ١٠٤، أسد الغابة ترجمة ناجية بن عمرو، الإصابة ترجمة ناجية / الرقم ٨٦٤٤.

(٢) أسد الغابة ٣: ٣٠٧ - ترجمة عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاريّ، وعن ابن عقدة ذكره الزيلعيّ في: تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشّاف ٢: ٢٤٠، ومختصراً في: الإصابة ٤: ٣٢٨، وجامع المسانيد ٨: ٣٥١ / ٦٠٤٠ وقد اختصره ابن كثير وأسقط بعض شهوده!، وخصائص النسائيّ ٩٦، ومجمع الزوائد ٩: ١٠٥، كنز العمّال ٦: ٤٠٣، والبداية والنهاية ٧: ٣٤٧.

٣٩٥

حجّاته فأتاه سعد، فذكروا عليّاً فنال منه معاوية، فغضب سعد فقال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له خصالاً لأنْ تكون لي خَصلة منها أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها! سمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، وسمعت النبيّ يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»، وسمعت رسول الله يقول: «لأعطينّ الرّاية رجلاً يحبّ الله ورسوله».(١)

وأصدق دليل ما شهد به الأعداء:

ما كتبه معاوية إلى عمرو بن العاص يستنصره، فكتب إليه عمرو: «وأمّا ما نسبتَ أبا الحسن أخا رسول الله ووصيّه إلى البغي والحسد على عثمان، وسمّيتَ الصّحابة فسقة وزعمت أنّه أشلاهم على قتله، فهذا كذبٌ وغواية. وَيْحك يا معاوية! أما عملتَ أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبات على فراشه؟! وهو صاحبُ السّبق إلى الإسلام والهجرة، وقد قال له رسول الله: «هو منّي وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»، وقال فيه يوم غدير خُمّ: «من كنت مولاه، فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله»(٢) .

- احتجاج همدانيّ على ابن العاص:

ولا غرابة أن نجد في صحيفة عمرو السوداء: أنّه يحتجّ على سيّده بحديث الغدير، ولا يقلع عن ممالأته ونصرته، وإذا احتُجّ عليه بالحديث لم ينكره، وزاد

____________________

(١) المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٤٩٦ / ١٥.

(٢) المناقب: ١٢٤.

٣٩٦

عليه من مناقب عليّعليه‌السلام ، ثمّ عاد فلاذ بالفتنة ومقتل عثمان:

«ذكروا أن رجلاً من همذان يقال له برد، قدم على معاوية، فسمع عمراً يقع في عليّ، فقال له: يا عمرو، إنّ أشياخنا سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فحقٌّ ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حقّ، وأنا أزيدك أنّه ليس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب عليّ! ففزع الفتى، فقال عمرو: إنّه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمَرَ أو قَتَل؟ قال: لا ولكنّه آوى ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟

قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتّهامي إيّاه في عثمان. قال له: وأنت أيضاً اتّهمت. قال صدقتَ فيها خرجتُ إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنّا أتينا قوماً أخذنا الحجّة عليهم من أفواههم... عليٌّ على الحقّ فاتّبعوه».(١)

احتجاج المأمون على الفقهاء:

إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، عن حمّاد بن زيد قال: بعث إليّ يحيى ابن أكثم وإلى عدّة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إنّ أميرالمؤمنين أمرني أن أُحضِر معي غداً مع الفجر أربعين رجلاً كلّهم يَفْقه - أي يفهم - ما يُقال له ويُحسن الجواب، فسَمُّوا من تظنُّونه يصلح لما يطلب أميرالمؤمنين. فسمّينا له عدّة، وذكر هو عدّة، حتّى تمّ العدد الذي أراد... فغدونا عليه قبل طلوع الفجر...

____________________

(١) الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدّينوريّ (ت ٢٧٦ هـ) ١: ١٢٩.

٣٩٧

ثمّ قال: أحببت أن أُنبئكم أنّ أميرالمؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يَدينُ اللهَ به.

قلنا: فليفعل أميرالمؤمنين، وفّقه الله. فقال: إنّ أميرالمؤمنين يَدينُ اللهَ على أنّ عليّ بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولى الناس بالخلافة له.

قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذَكَرَ أميرالمؤمنين في عليّ، وقد دعانا أميرالمؤمنين للمناظرة. فقال: يا إسحاق، اختر، إن شئت سألتُك أسألك، وإن شئت أن تسأل فقل. قال إسحاق: فاغتنمتُها منه، فقلت: بل أسألك يا أميرَالمؤمنين. قال سلْ. قلت: من أين قال أميرالمؤمنين إنّ عليّ بن أبي طالب أفضلُ الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟ قال: يا إسحاق، خبّرني عن الناس: بِمَ يتفاضلون حتّى يقال فلان أفضلُ من فلان؟ قلت: بالأعمال الصالحة. قال: صدقت، فأخبرني عمّن فَضَل صاحبَه على عهد رسول الله، ثمّ إنّ المفضول عَمِل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله، أيَلْحق به؟ قال: فأطرقتُ، فقال لي: يا إسحاق، لا تقل نعم ؛ فإنّك إن قلت نعم أوجدتُك في دهرنا هذا مَن هو أكثر منه - أي من المفضول - جهاداً وحجّاً وصياماً وصلاةً وصدقة.

فقلت: أجل يا أميرالمؤمنين، لا يلحق المفضولُ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاضلَ أبداً!

قال: يا إسحاق، فانظر ما رواه لك أصحابك ومَن أخذتَ عنهم دينَك وجعلتهم قُدوتك من فضائل عليّ بن أبي طالب، فقِس عليها ما أتوك به من

٣٩٨

فضائل أبي بكر، فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل عليّ فقل إنّه أفضل منه ؛ لا والله، ولكن فقِس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده فقل إنّهما أفضلُ منه ؛ ولا والله، ولكن قِس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل عليّ فقل إنّهم أفضل منه ؛ لا والله، ولكن قِس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنّة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

والمناظرة طويلة احتجّ المأمون بفضائل عليّعليه‌السلام ، وأخبتَ لها إسحاق ومَن معه من الفقهاء، من ذلك: سابقة عليّ إلى الإسلام، وفضله في الجهاد، والآيات النازلة فيه، وشراء عليّ نفسه في مبيته على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هجرته الشريفة، وحديث المنزلة، وحديث الطير - وهذا الحديث أنكره ابن تيميه أيّما إنكار، نأتي عليه بعد -، ثمّ احتجّ المأمون عليه بحديث الوِلاية، قال: يا إسحاق، هل تروي حديث الوِلاية؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: اِروه، ففعلت. فقال: يا اسحاق، أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إنّ الناس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زيد بن حارثة لشيء جرى بينه وبين عليّ، وأنكر ولاءَ عليّ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ؛ اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه».

قال: في أيّ موضعٍ قال هذا، أليس بعد مُنصَرفه من حجّة الوداع؟ قلت:

٣٩٩

أجل. قال: فإنّ فتْلَ زيد بن حارثة قبل الغدير(١) ؛ كيف رضيت لنفسك بهذا؟! أخبرني لو رأيتَ ابناً لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي مولى ابن عميّ، أيّها الناس فاعلموا ذلك ؛ أكنت منكراً ذلك عليه تعريفَه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللّهمّ نعم، قال يا إسحاق، أفتنزّه ابنك عمّا لا تنزّه عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ويْحَكم! لا تجعلوا فقهاءَكم أربابكم ؛ إنّ الله جلّ ثناؤه قال في كتابه:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ) (٢) ، ولم يُصلّوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنّهم أرباب، ولكن أمَروهم فأطاعوا أمرهم.(٣)

من خلال المناظرة بين المأمون العبّاسيّ، وهو غير رافضيّ! مع الفقهاء، قامت الحجّة على أنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل الناس طُرّاً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وهذا أمر رفضه رافضُ الحقّ: ابن تيميه.

وأبطل بالحجّة القاطعة تقدّم المفضول على الفاضل، تلك النظريّة التي تمسّك بها كثيرون لتسويغ ما حصل في تاريخنا الإسلاميّ. وليس من فضيلة أثبتها المأمون من فضائل عليّعليه‌السلام وأخبت لها الفقهاء في محضره، إلاّ وأنكرها ابن تيميه، وسنأتي على كلّ ذلك إن شاء الله تعالى.

ومن تلك الفضائل العلويّة: حديث الوِلاية يوم غدير خمّ وأنّ ذلك كان

____________________

(١) ذلك أنّ زيد بن حارثة قتل يومَ مُؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، ويومُ الغدير هو الثامن عشر من ذي الحجّة السنة العاشرة للهجرة.

(٢) التوبة: ٣١.

(٣) العقد الفريد: ابن عبد ربّه الأندلسيّ (ت ٣٢٨ هـ) ٥: ٣٤٩ - ٣٥٩.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492