ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169127 / تحميل: 5891
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وكما ذكرنا أوّل البحث: الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة، لا كما زعم بعضهم من حديث زيد بن حارثة! وأنّها تعني المعنى الذي ذكرناه في صدر البحث.

ومن قَبل المأمون، فقد احتجّ به عمرو بن العاص، وهو غير متّهم فيه، ولا يمكن لابن تيميه أن يقول إنّ عَمْراً قد صبا فصار رافضيّاً!

واحتجّ به سعد بن أبي وقّاص، وكان معتزلاً لعليّ، وكذلك معاوية.

احتجاج عمر بن عبد العزيز

أخرج أبو نعيم بسندين عن يزيد بن عمر بن مورق، قال: كنت بالشام وعمر بن عبد العزيز يُعطي الناس، فتقدّمت إليه فقال لي: ممّن أنت؟ قلت: من قريش. قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم. فقال: من أيّ بني هاشم؟ قلت: مولى عليّ، قال: فوضع يده على صدره فقال: أنا والله مولى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ؛ ثمّ قال: حدّثني عدّة إنّهم سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ثمّ قال: يا مزاحم - مولى عمر بن عبد العزيز - كم تعطي أمثاله؟ قال: مائة أو مائتي درهم. قال: أعطِه خمسين ديناراً، لولايته عليّ ابن أبي طالب. ثمّ قال الحق ببلدك، فسيأتيك مثل ما يأتي نظراءَك.(١)

ربما قال النّاصبيّ: إنّ عمر بن عبد العزيز أمويّ، إلاّ أنّه ترفّض! بدليل: إبطاله سنّة معاوية في لعن عليّ بن أبي طالب على منابر المسلمين وفي خُطَب

____________________

(١) حلية الأولياء: ٥: ٣٦٤، فرائد السمطين ١: ٦٦ - الباب العاشر، حديث ٣٢.

٤٠١

الجُمَع؛ وإحسانه إلى بني هاشم ؛ وإظهاره ما كان يُبطنه من موالاته لعليّ بن أبي طالب ؛ ولذلك سقطت عدالتُه ورُدّت شهادته، ولا يمكن الاحتجاج به!

كلمات العلماء في الحديث

للعلماء الأعلام كلمات في الحديث، حيث صحّحوا الحديث فيها وجعلوه حُجّة في وِلاية عليّعليه‌السلام وخلافته، مع ما لهُ من الحُجج والفضائل الأخرى الخاصّة به، قد ذكرنا بعضها عَرَضاً، ونذكر العلاّمة المسعوديّ: قال عليّ بن الحسين المسعوديّ الشّافعيّ «المتوفّى سنة ٣٤٦ هـ): والأشياء التي استحقّ بها أصحابُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضلَ هي: السّبق إلى الإيمان، والهجرة، والنّصرة لرسول الله، والقربى منه، والقناعة، وبذل النّفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله ؛ والورع، والزهد، والقضاء، والحكم، العفّة، والعلم، وكلّ ذلك لعليّعليه‌السلام منه النصيب الأوفر، والحظّ الأكبر ؛ إلى ما ينفرد به من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه: «أنت أخي» وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضدّ له ولا ندّ. وقوله صلوات الله عليه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وقولهعليه‌السلام : «من كنت مولاه، فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه». ثمّ دعاؤهعليه‌السلام وقد قدّم إليه أنسُ الطائرَ: «اللّهم أدخلْ إليَّ أحبَّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر» فدخل عليه عليّ.(١)

الحافظ الگنجي الشافعيّ:

____________________

(١) كفاية الطالب: محمّد بن يوسف الگنجي الشافعيّ: ٦٤.

٤٠٢

والحافظ الگنجي الشافعيّ «المقتول سنة ٦٥٨ هـ) كلام لطيف ينمّ عن إيمانٍ وعلمٍ، فهو بعد أن أورد حديث الغدير بطرقٍ كثرة قال: قلت: هذا حديث مشهور حسن، رواته الثقاة، وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض حجّة في صحّة النقل. ولو لم يكن في محبّة عليّ إلاّ دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمُحبِّ عليّ بكلّ خيرٍ لكان فيه كفاية لمن وفّقه الله عزّ وجلّ فكيف وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه عزّوجلّ بموالاة من والاه وبمحبّة من أحبّه، وبنصر من نصره.(١)

ابن المغازليّ الشافعيّ:

وقال الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ بعد ذكره لطرق الحديث: قال أبو القاسم الفضل بن محمّد: هذا حديث صحيح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى حديثَ غدير خمّ عن رسول الله نحوٌ من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة ؛ تفرّد عليّعليه‌السلام بهذه الفضيلة ليس يَشرَكُه فيها أحد.(٢)

أحمد بن حنبل: حدّثنا حسين بن محمّد، وأبو نعيم المعنيّ قالا: حدّثنا فطر عن أبي الطّفيل قال: جمع عليّرضي‌الله‌عنه عنه الناس في الرحبة ثمّ قال لهم: أنشد الله كلّ امرئٍ مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام. فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: «أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».

____________________

(١) مروج الذهب: عليّ بن الحسين المسعوديّ ٢: ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٢) مناقب الإمام عليّ: الفقيه عليّ بن محمّد الشافعيّ الشهير بابن المغازليّ: ٢٧ / الرقم ٣٩.

٤٠٣

قال: فخرجتُ وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيتُ  زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاًرضي‌الله‌عنه يقول كذا وكذا؟ قال: فما تُنكر؟! قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك له.(١)

فضيلة صيام يوم الغدير:

أخرج الخطيب البغداديّ(٢) عن أبي نصر حبشون بن موسى بن أيّوب الخلاّك(٣) ، قال: حدّثنا عليّ بن سعيد الرمليّ، حدّثنا ضمرة بن ربيعة القرشيّ، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن ابي هريرة قال: من صام يوم ثَمان عشرة من ذي الحجّة كُتب له صيام ستّين شهراً، وهو يوم غدير خمٍّ لمّا أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «ألستُ وليَّ المؤمنين؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه، فعليّ مولاه» فقال عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مسلم فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

____________________

(١) مسند أحمد - مسند زيد ٥: ٤٩٨ / ١٨٨١٥.

(٢) تاريخ بغداد: الخطيب البغداديّ ٨: ٢٩٠.

(٣) قال الخطيب: حبشون بن موسى بن أيّوب، أبو نصر الخلاّل. سمع عليّ بن سعيد بن قتيبة الرملي، وحنبل بن إسحاق الشيبانيّ...، روى عنه أبوبكر بن شاذان، وأبو الحسن الدار قطنيّ، وأحمد بن الفرج بن الحجّاج، وأبو حفص بن شاهين... وكان ثقة يسكن باب البصرة.

«تاريخ بغداد ٨: ٢٩، والمناقب للخوارزميّ ١٥٦ / الحديث ١٨٤، ومناقب الإمام عليّ: ابن المغازليّ ١٨ / الحديث ٢٤».

٤٠٤

دِينَكُمْ ) (١) .

حديث الثّقلين

قال رافض الحقّ ابن تيميه: قال الرافضيّ: العاشر - من أدلّة إمامة عليّعليه‌السلام ما رواه الجمهور من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إنّ تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحَوْضَ». وقال: «أهلُ بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق». وهذا يدلّ على وجوب التمسّك بقول أهل بيته، وعليّ سيّدُهم ؛ فيكون واجب الطّاعة على الكلّ، فيكون هو الإمام.(٢)

ابن تيميه: «والجواب» من وجوهٍ أحدها: أنّ لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً بماءٍ يُدعى خمّاً بين مكّة والمدينة، فقال: أيّها الناس، إنّما أنا بشرٌ يُوشِك أن يأتيني رسول ربيّ فأجيب ربّي، وإنّي تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور فخُذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي».(٣)

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) منهاج السنّة ٤: ١٠٤.

(٣) منهاج السنّة ٤: ١٠٥.

٤٠٥

قال: وهذا اللفظ يدلّ على أنّ الذي أمرنا بالتمسّك به، وجعل المتمسّك به لا يضلّ هو كتاب الله. وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجّة الوداع(١) ...

قال: وأمّا قوله: «وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» فهذا رواه الترمذيّ. وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفّه! وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصحّ.(٢)

ثمّ خاض في تفسير العترة فقال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن عترته «أنّها والكتاب لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض...».

قال: لكن العترة هم. بنو هاشم كلّهم...(٣)

قال: وأمّا قوله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح»، فهذا لا يعرف له إسناد صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها.(٤)

وجوابنا من وجوه: العجب كلّه من تصديقه الحديث والإقرار بصحّته! فلم ينكره على عادته المألوفة وألفاظه المعروفة مثل: «وهذا كذب بالإجماع، كذب عند أهل العمل والمعرفة بالحديث...».

إلاّ أنّ الذي فيه ؛ حمَلَه على ذكر الحديث الذي في صحيح مسلم ولم يكن

____________________

(١) نفسه ١٠٥: ٤.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

(٤) نفسه.

٤٠٦

أميناً في النقل! إذ لم يتمّ الحديثَ بما يُظهر منزلة أهل البيت: ؛ فانّ آخر الحديث: «ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركمُ اللهَ في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي».(١)

فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر أهل بيته ثلاث مرّاتٍ لا مرّة واحدة كما أورده ابن تيميه، فماذا يعني ذكرهم هكذا؟

إنّه يعني: إظهار خطر منزلتهم في الأمّة، فليس في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبث، حاشا لله تعالى، فانّه أعلم أمّته في آخر حجّةٍ حجّها أنّه مفارقُهم وأنّه تاركٌ فيهم خليفتين وعلى الأمّة أن تحفظه فيهما ولا تضيّع وديعتيه، ثمّ أعلمهم بهما فذكر كتاب الله عزّ وجلّ وحثّ على التمسّك به، ثمّ ذكر أهل بيته بلا فصلٍ، فجعلهم عِدْل القرآن، ولم يشرك فيهما غيرهما، وذلك مثلما صنع يوم المباهلة إذ خرج بعليّ فأقامه مقام نفسه، وابنته الطّاهرة فاطمة فكانت نساءه يومئذ، وسبطيه الحسن والحسين فكانا ابناءه: أجمعين ؛ خرج بهم يتحدّى نصارى نجران، فغلبهم بهم وامتنع النّصارى من المباهلة وأعطوا الجزية، ولو كان أحد يعدلهم لأقامه مقامهم وأشركه معهم فكانوا: معجزةَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذٍ. ولمّا نزلت آية التطهير:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة والحسن والحسين: وأغْدَف عليهم كساءً وقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهِبْ عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» ولما أرادت أمّهات

____________________

(١) صحيح مسلم ١٥: ١٨٠ ؛ ومسند أحمد بن حنبل ٣: ٤٩٢ / ١٨٧٨٠.

(٢) الأحزاب: ٣٣.

٤٠٧

المؤمنين: أمّ سلمة، وعائشة أن يكنّ معهم، منعهنّ رسول الله(١) . وما ذكرناه وغيره دليلُ عصمتِهم: التي لا يشركهم فيها إلاّ نفسه الزكيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقوله: وهذا اللفظ يدلّ على أنّ الذي أمرنا بالتمسّك به، وجعل المتمسّك به لا يضلّ هو كتاب الله».

وإنّما أراد بذلك أن يدفع فضل أهلِ البيت:، بقَصْرِ التمسّك بكتاب الله، والذي في الحديث أنّه قرنهم بالقرآن من حيث التمسّك، فهم بابُ علم الله الذي يُؤتى منه لمعرفة أحكام الله وترجمة كتابه. وهم مع القرآن والقرآن معهم على ما نصّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنذكر الأحاديث في معيّتهم مع القرآن ومعيّة القرآن معهم بعد حين.

ونذكّر هنا بحديث الغدير، الذي أنكره ابن تيميه - وتكلّمنا عليه بما فيه الكفاية - فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن حثّ الناس على التمسّك بالثقلين وأوضح بالبيان البليغ أنّهما القرآن وعترتُه أهلُ بيته، فقد نصب كبيرَ أهلِ البيت عليّاًعليه‌السلام علَماً وأقامه مقامَه في الإمامة الكبرى، وهذا يعني أنّ المنزلة الرفيعة التي هي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هي لعليّ بعده «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»(٢) ، ومن بعد عليّ لوُلدِه الحسن والحسين:، فهم وفاطمةعليها‌السلام ، أهل البيت لا يشركهم غيرهم.

وممّا يثبت - وهو ثابت قطعاً - ما ذكرناه في شأن وجوب التمسّك بالقرآن وأهل البيت، ما ذكره النوويّ في شرحه لصحيح مسلم، قال: «قال العلماء: سُمّيا

____________________

(١) وسيأتي الكلام على الحديث في «حديث الكساء».

(٢) حديث المنزلة مشهور متواتر وسيأتي الكلام عليه.

٤٠٨

ثقلين لِعظمهما، وقيل العمل بهما»(١) .

والوجه الآخر: قوله: وأمّا قوله: «وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» فهذا رواه الترمذيّ.(٢)

وهذا أيضاً عجب منه! إذ أقرّ بحديث الثقلين برواية الترمذيّ، إلاّ أنّه وعلى عادته المنتظمة لم يطق إلاّ أن يوهّن بالحديث! فقال: وقد سُئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصحّ!

وهذا هو دأبه في إنكار الحقائق فيلوذ بعلماء لا وجود لهم! بدليل أنّه لم يذكر واحداً من هؤلاء العلماء.

وأمّا أحمد بن حنبل، فقد ذكر الحديث في أكثر من موضع من مسنده من غير تضعيف! فِلمَ الافتراء المتعمّد عليه؟!

وهذه بعض طُرقه في المسند، لأحمد بن حنبل:

أبو إسرائيل - يعني إسماعيل بن أبي إسحاق المُلائي - عن عطيّة، عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين أحدُهما أكبر من

____________________

(١) صحيح مسلم، بشرح النووي ١٥: ١٨٠. وقريب منه ما ذكره الصدوق (ت ٣٨١ هـ) في كتابه: (عيون أخبار الرضا: ٥٧) قال: حدّثنا عليّ بن الفضل البغداديّ قال: سمعت أبا عمر صاحب أبي العبّاس تغلب يُسأل عن معنى إني تارك فيكم الثّقلين لِمَ سُمّيا بالثقلين؟ قال: لأنّ التمسّك بهما ثقيل».

(٢) الجامع الصحيح: الترمذي ٥: ٣٢٨. والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٨، والمعرفة والتاريخ: الفسَوي ١: ٢٩٥، ومناقب الإمام علي: ابن المغازليّ ٢٣٤.

٤٠٩

الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(١)

عن الأعمش، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثّقلين: كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروني بِمَ تخلُفُوني فيهما».(٢)

ابن نمير، حدّثنا عبد الملك - ابن أبي سليمان - عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي قد تركت فيكم الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتابَ الله عزّ وجلّ، حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(٣)

فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال؟ فها هو أحمد يذكر الحديث من غير تضعيف، ولم يكن أحمد رافضيّاً! والعترة أهل البيت والقرآن، مُتلازمان لا يفترقان حتّى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضَه في الجنّة، فهما خليفتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمّته اللّذان تُسأل عنهما يوم الحساب ويكون الجزاء ثواباً أو عقاباً بقدر التزامهما

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٣: ٣٨٨ / ١٠٧٢٠.

وأبو إسرائيل، ذكره يحيى بن معين، قال: كوفيّ، ثقة. تاريخ يحيى ١: ١٩٩ / ١٢٧٨.

(٢) مسند أحمد ٣: ٣٩٣ / ١٠٧٤٧. والطبقات الكبرى لابن سعد ٢: ١٩٤.

(٣) مسند أحمد ٣: ٤٠٨ / ١٠٨٢٧.

٤١٠

والتمسّك بهما.

ثمّ ما العيب في الترمذيّ (ت ٢٧٩ هـ) صاحب الجامع الصحيح، أليس هو من العلماء عند ابن تيميه إذ ذكر الحديث؟ فما قوله في ابن أبي شيبة، والدارميّ، والفسويّ، والبيهقيّ، والطبرانيّ، والطحاويّ، والحاكم، والقاضي عياض، والحسكانيّ الحنفيّ، والصدوق، هل هؤلاء أيضاً ليسوا علماء لأنّهم ذكروا الحديث؟ فإذا كانوا كذلك فماذا عن أحمد بن حنبل؟

ذكر ابن أبي شيبة بسنده قال: حدّثنا عمر بن سعد أبو داود الحَفَريّ(١) عن

____________________

(١) عمر بن سعد الحَفَريّ الكوفيّ وحَفَر موضع بالكوفة.

روى عن بدر بن عثمان (كوفيّ، تابعيّ، ثقة، تاريخ الثقات ٧٨: ١٣٧، والبخاريّ الكبير ١: ١٣٩، وثقات ابن حبان ٦: ١١٦)، وحفص بن غياث، وسفيان الثّوريّ، وشريك ابن عبد الله، ومِسعَر بن كِدام، ومالك بن مِغْوَل، وغيرهم. كلّ هؤلاء مذكورون في الثقات والفضل وأهل العلم. ترجمنا لهم في غير هذا الموضع.

روى عنه: أحمد بن حنبل، وسفيان بن وكيع بن الجرّاح، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعليّ ابن المدينيّ، وغيرهم كثير. والقول في هؤلاء نفسه في السابقين. قال يحيى بن مَعين: ثقة. (تاريخ ابن مَعين ٢: ٤٨٤). وقال الدارميّ: ثقة. (تاريخه. الترجمة ٩٧). وقال وكيع: إن كان يُدفع بأحدٍ في زماننا فبأبي داود. وعن عليّ بن المديني: لا أعلمني رأيتُ أعبد من أبي داود الحَفَريّ. (الأنساب للسمعاني ٤: ١٧٣). وقال العجليّ: ثقةٌ، ثبت في الحديث وهو أثبت في سفيان من جماعة تاريخ الثقات ٣٥٨ / ١٢٣١.

وقال أبو حاتم: صدوق رجل صالح. (الجرح والتعديل ٦، الترجمة ٥٩٦).

٤١١

الرُكَيْن(١) ، عن القاسم بن حسان(٢) ، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تاركٌ فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيَّ الحوضَ»(٣) .

لقد كذب ابن تيميه عمداً أكثر من مرّة، إذ أقرّ بذكر الترمذيّ الحديث ثمّ عاد إلى الزعم بأنّ أحمد بن حنبل، وغيره من أهل العلم - كذا! - ضعّفوه، وقالوا: لا يصحّ!

ولقد وجدنا أحمد بن حنبل ذكره ولم يكذّبه! والحديث الذي ذكرناه عن المصنّف لابن أبي شيبة، المتقدّم على أحمد بن حنبل، وعلى الترمذيّ، وهو ذائع

____________________

(١) ترجمته في المعرفة والتاريخ في أجزائه الثلاث، وطبقات ابن سعد ٦: ٣٢٥، وثقات ابن حبّان ١: ١٣٣، وطبقات خليفة ١٦٤، ورجال صحيح مسلم ٥٠... وهو الركين بن الربيع بن عُمَيْلة الفزاريّ الكوفيّ.

(٢) روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعَدِيّ بن ثابت، وعكرمة مولى ابن عبّاس، والقاسم بن حسان (مذكور في سند الحديث) ويحيى بن يعمر... ؛ وهؤلاء بين صحابيّ وتابعيّ.

روى عنه: سفيان الثّوريّ، شعبة بن الحجّاج، وعبد الرحمان بن عبد الله المسعوديّ، ومسعر بن كدام، شريك بن عبد الله، ومعتمر بن سليمان، وزائدة بن قدامة... (والقول في هؤلاء مثل القول في سابقيهم، فهم: ثقة، وثقة ثبت، ويكتب قوله ويحتجّ به، وفيهم المتعبّد الذي يأتيه سفيان يتبرّك به... (انظر كتب تراجم الرجال).

بقي من السند: القاسم بن حسان، وزيد بن ثابت. فأمّا القاسم فقد قال العجليّ: تابعيّ ثقة. تاريخ الثقات ٣٨٦ / ١٣٦٥. وأمّا زيد بن ثابت، فهو صحابيّ مشهور.

(٣) المصنفّ لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٧: ٤١٨ / ٤١.

٤١٢

الصّيت في كتب الحديث والرجال ؛ ولذا أعرض الناصبيّ عنه.

ولم نجد في سند الحديث الذي ذكره ابن أبي شيبة أدنى ضعف، بل وقع إلينا بُعلوٍّ مُتَناهٍ.

و أيّ بيان أصرح من لفظه، يفهمه حتّى غير العربيّ ممّن تعلّم من العربيّة شيئاً، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد استخلف على المسلمين خليفتين حاكمين بالحقّ: القرآن الكريم، والعِتْرة الطاهرة أهل بيته، أحدهما ملازم للآخر حتّى يردا عليه الحوض. وليس للأمّة مخالفته والخروج عليه.

احتجاج ابن عبّاس بالحديث:

ولو لم يكن الحديث في إظهار المنزلة الخاصّة لأهل البيت: على النحو الذي ذكرناه، لما حفلت به كتب الحديث المعتبرة وتكلّم عليه العلماء، وكان ممّا يُحتجّ به من الصدر الأوّل فالعصور التالية.

عن محمّد به سلمة(١) ، عن خُصَيف(٢) ، عن مجاهد، قال: قيل لابن عبّاس: ما

____________________

(١) محمّد بن سَلَمة أبو عبد الله مولى لباهلة، وكان يسكن حرّان، وكان صدوقاً ثقة. وكان له فضل ورواية وفتوى. مات سنة إحدى وتسعين ومائة. طبقات ابن سعد ٧: ٣٣٦ / ٣٩٧٧. وذكره العجليّ في تاريخه قال: ثقة، وهو أرفع من عتاب بن بشير. تاريخ الثقات ٣٢٦ / ١٠٩٥.

(٢) خُصَيف بن عبد الرحمان الجَزَريّ الحرّانيّ الأُمويّ، مولى عثمان بن عفّان، ويقال: كان مولى معاوية بن أبي سفيان. رأى أنس بن مالك. وروى عن: سعيد بن جُبير، وسفيان الثّوريّ وهو من شيوخه، ومجاهد بن جَبْر، وعِكرمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وأبي الزّبير محمّد بن مسلم المكّيّ، ومِقْسَم، وأبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود... ؛ روى عنه: إسرائيل بن يونس،=

٤١٣

تقول في عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ذكرتَ واللهِ أحدَ الثّقلين، سَبقَ بالشّهادتين، وصلّى القَّبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السِّبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشّمس مرّتين بعد ما غابت عن الثّقلين(١) ، فمَثَلُه في الأمّة مَثَلُ ذي القَرْنين، ذلك مولاي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

فهذه شهادةٌ من ابن عبّاس المُجمعِ على وثاقِته وحُجّية ما يروي، ابتدأها ببلاغتِه المعهودة، فشهد لعليّعليه‌السلام أنّه أحدُ الثّقلين، وترك للسّامع معرفَة الثّقل الثاني ألا وهو القرآن الكريم. ولمّا كان القرآن الكريم معصوماً من الخطأ لأنّه من لَدُن الله عزّ وجلّ ؛ كان عليٌّ معصوماً لذلك، يعضده نزول آية المباهلة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنتِه الزهراء وبعلِها عليٍّ وابنيِه الحسن والحسين سبطي النبيّ، وحديث الكساء... وغير ذلك من الآيات والأحاديث الصريحة في عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

____________________

= وحجّاج بن أرطاة، وسفيان الثّوريّ، وسفيان بن عُيينة، وشريك بن عبد الله النخعيّ، وعبد الله بن أبي نُجيح، وهو من أقرانه، وفضيل بن غزوان، ومحمّد بن إسحاق بن يسار، وهو من أقرانه، ومحمّد بن سَلَمة الحرّانيّ، ومعمر بن راشد...

طبقات ابن سعد ٧: ٤٨٢، وطبقات خليفة ٣١٩، والبخاريّ الكبير ٣ / ترجمة ٧٦٦. والمعرفة والتاريخ ٢: ١٧٥، ومواضع أخرى، والتهذيب ٨: ٢٥٧ / ١٦٩٣... قال العجليّ: ثقة. تاريخ الثقات ١٤٣ / ٣٨١. وكذلك قال ابن سعد. وأمّا مجاهد، وابن عبّاس، فنترك الحكم عليهما لابن تيميه! وقد ترجمنا لمجاهد في موضع آخر، وقد أجمعوا على توثيقه. ونترك لابن تيميه الحكم على ابن عبّاس! فربّما قال: إنّه ابن عمّ عليّ ولذلك ذكر هذه الأحاديث الكثيرة في فضائله!

(١) هما الإنس، والجنّ، فمثلما الإنس فيهم مؤمنون وفيهم فاسقون، كذلك الجنّ. انظر سورة (الجنّ).

(٢) المناقب للخوارزميّ الحنفيّ ٣٣٠ حديث ٣٤٩، ومقتل الحسين، له ٤٧.

٤١٤

وأنّهم حمَلة القرآن بحقٍّ.

وتضمّن حديث ابن عبّاس حقائق أخري منها: سبقُ عليٍّعليه‌السلام إلى الإسلام، وأنّ منه كان سبطا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وردّ الشّمس عليه بعدَ مغيبِها، وأنّ عليّاً مولاهُ، وهو إشارةٌ إلى حديث الغدير. هذه الحقائق أنكرها ابن تيميه! وأثبتها علماء المذاهب، وتحدّثنا عليها في مواضعها.

حديث أمّ سلمة

ويرد الحديث عن المرأة الصالحة أمّ المؤمنين أمّ سلمة، مع زيادة فعنها رضي الله عنها، قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قُبضَ فيه، وقد امتلأت الحُجرة من أصحابه: «أيّها الناسُ، يوشَك أن أُقبض قبضاً سريعاً، وقد قدّمتُ إليكم القولَ معذرةً إليكم، ألاَ إنّي مخلّف فيكم الثّقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليٍّ فقال: هذا عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ، لا يفترقان حتّى يردا عَلَيّ الحوضَ فأسألُهما: ما أخْلَفتُم فيهما؟!».(١)

وهذا هو دأب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأمور الخطيرة، يذكّر أمّته بها في أكثر من مرّة وأكثر من موطن، ومن ذلك حديث الثّقلين، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب المسلمين في آخر حجّةٍ حجّها ولذا سمّيت حجّة الوداع وذكر حديث الثّقلين ونصب من

____________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر ٧٥. وحديث معيّة عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، أنكره الناصبيّ، يأتي الحديث عليه. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «معذرةً إليكم» أراد منه قطع المعاذير بعده على مَن يخرج على الثّقلين: القرآن وعليّ، وزاده بياناً: أنّ العِتْرة هي عليّ الملازم للقرآن».

٤١٥

الثّقل الثاني كبيرهم وأباهم عليّاً خليفةً. وها هوصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر يومٍ من عمره الشريف يعيد حديث الثّقلين وينصب عليّاً من جديد ويؤكّد التلازم بين عليّ والقرآن وأنّهما واردان عليه حوضه.

عن أبي سعيد التيميّ، عن أبي ثابت، قال: كنت مع عليٍّ يومَ الجمَل، فلمّا رأيتُ عائشة واقفةً، دخلَني بعضُ ما يدخل الناسَ! فكشف الله عنّي عند صلاة الظّهر فقاتلتُ مع أميرالمؤمنين فلمّا فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيتُ أمّ سلشمة فقلت: إنّي واللهِ ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكنّي مولىً لأبي ذرّ، فقالت: مرحباً، فقصصتُ عليها قصّتي فقالت: أين كنتَ حين طارت القلوبُ مطائِرَها؟ قال: إلى حيث كشف الله ذلك عنّي عند زوال الشمس.

قالت أحسنتَ، سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(١)

وقد ذكر الطحاويّ الحنفيّ حديث زيد بن أرقم، عن يزيد بن حيّان(٢) ،

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٤، والمعيار والموازنة ١٣٥، والمعجم الصغير للطبرانيّ ١: ٢٥٥، وفرائد السمطين ١: ١٧٦، والتلخيص للذهبيّ هامش المستدرك للحاكم وقال: صحيح أبو سعيد عقيصا ثقة مأمون.

(٢) يزيد بن حيّان التيميّ الكوفيّ، عمّ أبي حيّان التيميّ.

روى عن: زيد بن أرقم، وشُبرُمة بن الطّفيل، وعنبس بن عقبة وكدير الضّبيّ.

روى عنه: سليمان الأعمش، وسعيد بن مسروق الثّوريّ، وابن أخيه أبو حيّان التّيميّ. قال النسائيّ: ثقة. وذكره ابن حبّان في الثقات وروى له مسلم وأبو داود النّسائي. الثقّات لابن حبّان =

٤١٦

وحُصَين بن عُقبة(١) ، وعلّق عليه، قال: وطلبنا مَن روى عن يزيد بن حيّان سوى أبي حيان التيميّ ليكون قد حدّث عنه سوى أبي حيان مَن هو كأبي حيان في العدل فيكون قد حدّث عنه عَدْلان. فوجدنا الأعمش قد روى عنه كما قد: «...»(٢) وما قد «...»(٣) .

قال أبو جعفر الطحاويّ: فاحتمل في الرواية عنه الأعمش وابن حيّان ؛ فمَن أخرج عِتْرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم، من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا قد ذكرنا في هذه الآثار فجعلهم كسواهم ممّن ليس من أهل بيته وعترته كان ملعوناً إذ كان قد خالف رسول الله فيما فعل من ذلك.(٤)

وذكر الصدوق، قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن

____________________

= ٣: ١٣٤ / ٤٥٠٨، و ٤: ٣٩٥ / ٥٢٨٣، والمعرفة والتاريخ ١: ١٠٣، والجرح والتعديل ٩ / الترجمة ١٠٧٤.

(١) حُصَيْن بن عقبة، فزاريّ كوفيّ. يروي عن سلمان الفارسيّ وسمرة بن جندب وعليّ بن أبي طالب.

يروي عنه: يزيد بن حيّان التيميّ، وصالح بن خبّاب، وابنه مالك بن حُصَين.

ذكره ابن حبّان في الثقات ٢: ٨٩ / ٦٧٠. وترجم له ابن سعد في طبقاته ٦: ١٨٠، والبخاريّ الكبير ٣ / الترجمة ١٣، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٣ / الترجمة ٨٤٥.

(٢) مشكل الآثار للطحاويّ ٤: ٢٥٤ / ٣٧٩٨.

(٣) نفسه / ٣٧٩٩.

(٤) مشكل الآثار ٤: ٢٥٤.

٤١٧

إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ:، قال: سُئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعِتْرتي، من العِتْرة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديّهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يَرِدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضَه».(١)

حديث الفراقد

وبسندٍ عن مكحول، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اهتدوا بالشّمس، فإذا غابت الشّمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزُّهرة، فإذا غابت الزُّهرة فاهتدوا بالفرقدين». فقيل: يا رسول الله، ما الشّمس، وما القمر...؟ قال: «الشّمس أنا، والقمر عليّ، والزّهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين»(٢) .

سند حديث الفراقد:

مكحول الشاميّ(٣) ، روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلاً، وعن أُبَيّ بن كعب، ولم

____________________

(١) عيون أخبار الرضا للصدوق ٥٧.

(٢) شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ ١: ٧٧ حديث ٩١، ورواه الصدوق في معاني الأخبار ١١٤.

(٣) المعرفة والتاريخ ٢: ٢٣٢، ٢٣٦، وطبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣، وتاريخ عبّاس الدوري ٢: ٥٨٤، وتاريخ خليفة ٢٠٦، و ٣٤٥، وطبقاته ٣١٠، وتاريخ البخاريّ الكبير ٨ / الترجمة ٢٠٠٨، وتاريخ =

٤١٨

يُدركه، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب، وواثلة بن الأسقع وأبي هريرة، وعُبادَة بن الصّامت، وطاووس بن كيسان، وعُروة بن الزّبير، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وكُرَيب مولى ابن عبّاس، وشُرَحبيل بن السِّمط، وقبيصة بن ذُؤيب، وأبي إدريس الخولانيّ... وروى مرسلاً عن عائشة، وأمّ أيمن.

روى عنه: أسامة بن زيد الليثيّ، والحجّاج بن أرطاة، وحصين الفزاريّ، حُمَيد بن مسلم القرشيّ، وحُمَيد الطويل، وزيد بن واقد، وعبد الرّحمان الأوزاعيّ، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، و عبد القدّوس بن حبيب الشاميّ، ومحمّد بن إسحاق بن يَسار، ومحمّد بن مسلم بن شِهاب الزُّهريّ، والهيثم بن حُميد الغسّانيّ - وهو من أعلم الناس بقوله -، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ...

ذكره محمّد بن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام.(١)

وقال أبو حاتم: سمعت أبا مُسْهر وسألته فقال: سمع من أنس، ومن واثلة ابن الأسقع.(٢)

وقال التّرمذيّ: سمِعَ من واثلة، وأنس، وأبي هند الدّاريّ ويقال: إنّه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من هؤلاء الثلاثة.(٣)

____________________

= الثقات للعجليّ ٤٣٩، والمعارف لابن قتيبة ٤٥٢ - ٤٥٣، والثقات لابن حبّان ٥: ٣٥٠، والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ١٨٦٧، ورجال صحيح مسلم ١٧٩.

(١) طبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣.

(٢) الجرح والتعديل: ٨ / الترجمة ١٨٦٧.

(٣) الترمذيّ ٤: ٢٧ / ٢٥٠٦.

٤١٩

وقال يونس بن بُكَير، عن محمّد بن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفت الأرض كلّها في طلب العلم(١) .

وعن الزّهريّ: العلماء أربعةٌ: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشّعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.(٢)

وذكره العجليّ في تاريخه، قال: مكحول الدمشقيّ تابعيّ ثقة.(٣)

يعقوب بن سفيان الفسويّ قال: حدّثنا عليّ بن عثمان النّفيليّ قال: حدّثنا أبو مسهر، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: لم يكن أحد في زمن مكحول أبصر بالفُتيا منه...(٤) .

وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشّام أفقه من مكحول(٥) .

توفّي مكحول سنة ثماني عشرة ومائة(٦) .

محمّد بن المنكدر(٧) : ومحمّد بن المنكدر الذي روى حديث الفراقد عن

____________________

(١) الجرح والتعديل: ٨ /  الترجمة ١٨٦٧.

(٢) نفسه، وحلية الأولياء ٥: ١٧٩.

(٣) تاريخ الثقات للعجليّ ٤٣٩ / ١٦٢٨.

(٤) المعرفة والتاريخ للفسويّ ٢: ٢٣٢.

(٥) الجرح والتعديل: ٨ / الترجمة ١٨٦٧.

(٦) طبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣.

(٧) تاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٠، وتاريخ خليفة ٣٩٥، وطبقاته ٢٦٨، وتاريخ البخاريّ الكبير ٢ / الترجمة ٦٩١، والمعارف لابن قتيبة ٤٦١، وتاريخ الثقات للعجليّ ٤١٤ / ١٥٠٦، والثقات ٥: ٣٥٠، =

٤٢٠

الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ، جاء في ترجمته: محمّد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُذَير بن عبد العُزّى من بني تَيْم بن مُرّة، قوم أبي بكر، كان المـُنكدر خال عائشة.

روى عن: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزّبير، وعبيد الله بن أبي رافع، وعروة بن الزبير، ومحمّد ابن كعب القُرَظيّ، وأبي أيّوب الأنصاريّ، وأبي هُريرة، وسعيد بن المسيّب، وحُمران مولى عثمان، وسَفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسماء بنت عُمَيس، وعائشة...

روى عنه: جعفر بن محمّد الصادق، وسفيان بن عُيينة، وسفيان الثّوريّ، وشُعبة بن الحجّاج، وعليّ بن زيد بن جُدعان، ومالك بن أنس، ومحمّد بن مسلم ابن شهاب الزّهريّ، ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، وأبو حنيفة، وهشام ابن عروة، ومَعمَر بن راشد، وأبو معشر، ومحمّد بن إسحاق بن يَسار، وعبد العزيز بن أبي سَلَمة الماجِشون، وأسامة بن زيد الليثيّ، والحجّاج بن أرطاة... وثّقه إسحاق بن راهوية، وابن عُيينة، والحُمَيدي، وأبو حاتِم وابن حبّان.(1)

____________________

= ورجال صحيح مسلم 164، وحلية الأولياء 2: 146، والجرح والتعديل 8 / الترجمته 421، وتهذيب الكمال 26: 503.

(1) الجرح والتعديل 8 / الترجمة 421، وتاريخ الدارميّ ترجمة 749، وثقات ابن حبّان 5: 350. وقال العجليّ: تابعيّ ثقة رجل صالح تاريخه 414 / 1506. وهو غير متّهم في روايته الحديث لما علمت من نسبه!

٤٢١

وعن عمرو بن مرزوق(1) ، عن شعبة بن الحجّاج، عن الأعمش، عن أبي عبد

____________________

(1) تاريخ البخاريّ الكبير 6 / الترجمة 2677، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1: 225 و 2: 76، 213، وتاريخ خليفة 478، وطبقاته 228، والكنى للدّولابي 2: 26، وتاريخ أبو زرعة الرازي 406، والجرح والتعديل 6 / الترجمة 1456، وطبقات ابن سعد 7: 305، وتهذيب الكمال 22: 224 / 446...

روى عن: مالك بن أنس، وأبي إدريس صاحب أنس، وعبد العزيز بن الماجشون، وشعبة بن الحجّاج، وحمّاد بن زيد، وحماد بن سَلَمة وزهير بن معاوية، وزائدة بن قُدامة، وحرب بن شدّاد...

روى عنه: البخاريّ، وأبو داود، وأبو زرعة الرازيّ، وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازيّ، ويعقوب بن سفيان الفارسيّ، ويعقوب بن شيبة السّدوسيّ، ومحمّد بن بشّار بُنْدار...

قال أبو زرعة: سمعت أحمد بن حنبل، وقلت له: إنّ عليّ بن المديني يتكلّم في عمرو بن مرزوق؟ فقال: عمرو بن مرزوق رجلٌ صالح لا أدري ما يقول عليّ. الجرح والتعديل 6 / الترجمة 145.

وعن أحمد بن حنبل قال: كان عفّان يرضى عمرو بن مرزوق، ومن كان يُرضي عفّان؟! المصدر نفسه. وجاء في ترجمة عفّان: عفّان بن مسلم بن عبد الله الصفّار، كنيته أبو عثمان، مولى زيد بن ثابت الأنصاريّ من أهل البصرة. سكن بغداد. مات سنة عشرين ومائتين. البخاريّ الكبير 7: 72، والبخاريّ الصغير 2: 342، والجرح والتعديل 7: 165، وتاريخ بغداد 2: 269، والثقات لابن حبّان 5: 377 / 2786.

وذكره العجليّ قال: ثبت صاحب سنّة. تاريخ الثقات 336 / 1145.

وقال عبد الله بن محمّد بن الفضل الأسديّ: قال أحمد بن حنبل لابنه صالح حين قدِمَ البصرة: لِمَ لم تكتب عن عمرو بن مرزوق؟ فقال: نُهيتُ. فقال: إنّ عفّان كان يرضى عَمْراً، ومن كان يُرضي عفّان؟ نفس المصدر، وقال أبو عُبيد الله الحُدّانيّ عن أحمد بن حنبل: ثقة مأمون فتّشنا عمّا قيل فيه فلم نجدله أصلاّ. تهذيب الكمال 22: 227. =

٤٢٢

الرحمان السُّلَمي(1) ، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اطلبوا الشّمس

____________________

= وقال محمّد بن عيسى بن السّكن الواسطيّ: سألت يحيى بن معين عنه فقال: ثقة مأمون صاحب غزوٍ وقرآن وفضل، وحَمِده جدّاً. نفس المصدر. وقال أبو زرعة: سمعت سليمان بن حرب، وذكر عمرو بن مرزوق فقال: جاء بما ليس عندهم فحسدوه. الجرح والتعديل.

قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عن شعبة. طبقاته 7: 305.

(1) طبقات ابن سعد 6: 172، والمصنّف لابن أبي شيبة 13 / 15782، وتاريخ الدوري 2: 301، وتاريخ خليفة 273، وطبقاته 153، وتاريخ البخاري الكبير 5 / الترجمة 118 و 9 الترجمة 835، وتاريخ الثقات 503 / 1990، و 253 / 793، والمعارف 528، والمعرفة ليعقوب 1: 219 / 220، ومواضع عدّة من الجزء الثانيّ، والثالث والجرح والتعديل 5 / الترجمة 164، وثقات ابن حبّان 5: 9، ورجال صحيح مسلم 90، وأنساب السمعاني 7: 112...

وهو: عبد الله بن حَبيب بن رُبَيّعة - بالتصغير - أبو عبد الرحمان السُّلَميّ الكوفيّ القارئ، ولأبيه صحبة.

روى عن: عليّ بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وعمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقّاص، وأبي موسى الأشعريّ! وأبي الدّرداء، وأبي هريرة. وفي قول: وعن عبد الله بن مسعود، وعثمان بن عفّان.

روى عنه: إبراهيم النخعيّ، وإسماعيل بن عبد الرحمان السّدّيّ، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن جبير، وعطاء بن السائب، وأبو إسحاق السّبيعي، وأبو البَخْتر الطائي، وعلقمة بن مَرْثَد...

قال العجليّ: أبو عبد الرحمان السلَميّ المدنيّ من أصحاب عبد الله - بن مسعود - ثقة، وكان يُقرئ في زمان عثمان، وعَرضَ على عليّ بن أبي طالب.

تاريخ الثّقات 503 / 1990. وقال النّسائيّ: ثقة. تهذيب الكمال 14: 409. مات سنة أربع وسبعين. ثقات ابن حبّان 5: 9. وقيل غير ذلك.

٤٢٣

فإذا غابت فاطلبوا القمر...»(1) الحديث.

وعن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّعليهم‌السلام ، عن جابر عبد الله الأنصاريّ، قال: صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً صلاة الفجر، ثمّ انفَتَلَ وأقبل علينا يحدّثنا، فقال: «أيّها النّاس، من فقد الشّمس فليتمسّك بالقمر ومن فقد القمر فليتمسّك بالفرقدين. قال: فقمت أنا وأبو أيّوب الأنصاريّ، ومعنا أنس بن مالك، فقلنا: يا رسول الله، ومن الشّمس؟ قال: أنا، فإذا هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب لنا مثلاً، فقال: إنّ الله تعالى خلقنا وجعلَنا بمنزلة نجوم السّماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، فأنا الشّمس فإذا ذهب بي فتمسّكوا بالقمر. قلنا: فما القمر؟ قال: أخي ووزيري وقاضي دَيْني وأبو ولدي في أهلي: عليّ ابن أبي طالب. قلنا فمن الفرقدان؟ قال: الحسن والحسين. ثمّ مكث مليّاً، وقال: فاطمة هي الزُّهرة، وعِتْرتي أهل بيتي هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفترقان، حتّى يردا عليّ الحوض».(2)

فهذه الأحاديث صريحة في وجوب طاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطاعة عترته أهل بيته، وقد عرّف عترته، وأنّهم عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين:؛ لا ما تقوّله ابن تيميه من أنّهم عموم بني هاشم! فعموم بني هاشم أفضل من عموم غيرهم إلاّ أنّ فيهم مَن لا يصلح للإمامة والاستخلاف ؛ وحديث الكساء حيث منع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً أن يشرك عليّاً وزوجته وابنيه:، وشرك نفسه الزكيّة معهم، وفي رواية:

____________________

(1) فرائد السمطين للجوينيّ 2: 16 - 17.

(2) أمالي الطّوسي (ت 460 هـ) 516 - 517.

٤٢٤

استأذن جبريلعليه‌السلام أن يدخل معهم فأذن له النبيّ ؛ فلم يشركهم بهذه الكرامة إلاّ نبيّ وسفير الله تعالى إلى نبيّه. ونزلت آية التطهير بهم ودعا لهم النبيّ بكلّ خير وأعلن يومئذ أنّهم أهل بيته دون غيرهم ولقد استمرّ رسول الله ستّة أشهر بعد نزول آية التطهير يمرّ على بيت عليّعليه‌السلام ويرفع صوته وذلك إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: الصّلاة رحمكم الله( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .(2)

وفي النّهاية لابن الأثير: «خلّفت فيكم الثقلين ؛ كتاب الله وعِتْرتي». عترة الرجل: أخَصُّ أقاربه. وعِتْرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بنو عبد المطّلب. وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولادهُ وعليّ وأولاده.(3)

فأخصُّ أقاربه يدخلُ فيهم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين:، ويخرج منهم الأبعدون ؛ فيكف بمَن لا يمسّه برحم؟! وعلى قول بني عبد المطّلب فعليّ منهم بدأ شرفهم لسابقته وعلمه وجهاده، وغيره لا.

وعلى لفظ «أهل بيته الأقربين» فقد عرّفهم ابن الأثير فكفانا.

أضف إلى ذلك نزول آية التطهير فيهم، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي»، يعني هؤلاء هم أهل بيتي لا غيرهم!

____________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) ما نزل من القرآن في عليّ: ابن مردويه 301 ح 475، نور الأبصار: 226، الشرف المؤبّد 6 - 8 و 12 - 13، أنساب الأشراف 1: 353.

(3) النهاية ابن الأثير 3: 177.

٤٢٥

وكما ذكرنا: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الأمور الخطيرة يعيد القول ويذكّر أمّته بما أوجب الله تعالى عليها لئلاّ تنسى، ولئلاّ يظهر مَن يقلّب الأمور ويُموّه الحقائق ؛ فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكّرهم بعترته في حصاره للطّائف: عن عبيد الله بن موسى، عن طلحة ابن جبر، عن المطّلب بن عبد الله، عن مصعب بن عبد الرحمان، عن عبد الرحمان ابن عوف قال: لما افتتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة، انصرف إلى الطّائف، فحاصرهم تسع عشرة أو ثمان عشرة فلم يفتحها، ثمّ ارتحل رَوْحةً أو غَدوةً، فنزل ثمّ قال: «أيّها النّاس إنّي فرطٌ لكم فأوصيكم بعترتي خيراً، وإنّ موعدَكُمُ الحَوْضُ، والذي نفسي بيده لَيُقيمَنّ الصلاةَ ولَيُؤتُنّ الزكاة أو لأَبعثَنَّ إليهم رجلاً منّي أو كنفسي، فليضربنّ أعناق مقاتلتهم ولْيَسبَينَّ ذراريهم». قال: فرأى النّاس أنّه أبو بكر أو عمر، فأخذ بيد عليّ فقال: «هذا»(1) .

وكلامنا عليه مثل ما سبق من أحاديث، فقد أوصى بعترته خيراً، ووصيّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب تأديتها، ثم نصب من العترة عَلَماً أقامه مقام نفسه، وهو عليّ ابن أبي طالب ولذا أقرّ أبوبكر بالحقّ فيما كبُر على ابن تيميه أن يقرّ بما اقرّبه أبوبكر وهو سَلَفُه! قال مَعقِل بن يسار المُزنيّ(2) : سمعتُ أبا بكر يقول لعليّ بن

____________________

(1) المصنّف: ابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 8: 543 / 2. والفرط: دليل القوم أو الذي يتقدّمهم بحثا عن الماء والكلأ.

(2) معقل بن يَسار: يكنّى أبا عليّ، من أصحاب النبيّ. (تاريخ الثّقات للعجليّ 434 / 1607. وفي التهذيب (10: 235): وكان ممّن بايع تحت الشجرة.

٤٢٦

أبي طالب: عِتْرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(1)

حديث السفينة

وأمّا قوله: «مَثلُ أهل بيتي مَثلُ سفينة نوح» فهذا لا يُعرف له إسناد صحيح.

جوابه: عن عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن حنش بن امعُتَمِر، أنّه سمع أبا ذرّ الغفاريّ يقول: سمعت رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوحٍ في قوم نوح: من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك، ومَثَلِ باب حطّة في بني إسرائيل»(2) .

محاكمة السند:

عبد الله بن عبد القدّوس التميميّ السعديّ، أبو محمّد الرازيّ. روى عن جابر الجُعفيّ، وسليمان الأعمش.. حُكيَ عن محمّد بن عيسى أنّه قال: هو ثقة. (الكامل لابن عديّ 2: 137). وقال البخاريّ: هو في الأصل صدوقٌ إلاّ أنّه يروي عن أقوام ضِعاف.

استشهد به البخاريّ، وروى له الترمذيّ. قال أبو أحمد بن عَدِيّ: عامّة ما

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 18: 28.

(2) كتاب الفضائل - فضائل الحسنين: أحمد بن حنبل، حديث «55»، المعارف: ابن قتيبة: 252، تفسير ابن كثير 4: 114 ذيل آية المودّة، المستدرك على الصحيحين: 3: 150، المعرفة والتاريخ 1: 538، علل الدار قطنيّ 6: 226، المعجم الأوسط: الطبرانيّ 6: 186 / 5386 المعجم الصغير 1: 22، مناقب ابن المغازليّ 133 حديث 175.

٤٢٧

يرويه في فضائل أهل البيت!(1)

إذن: العلّة في خَدْشِ ابن تيميه في سند حديث السفينة وقوله: لا يصحّ! هو كثرةُ ما يرويه ابن عبد القدّوس من فضائل العترة، وهو غيضٌ من فيضِ فضائلهم:. قد وثقه ابن عدي وحكم البخاريّ بصدقه، واستشهد به، وروى له الترمذيّ.(2)

وأمّا الأعمش: فهو سليمان بن مهران الأعمش، أخرج له الجماعة. ذكره العجليّ، قال: ثقة، كوفيّ، كثير الحديث وكان عالماً بالقرآن رأساً فيه...(3) .

وذكره يحيى بن معين فقال: ثقة(4) . قال: قال أبو معاوية الضرير: حفظتُ عن الأعمش ألفاً وستمائة.(5) وقال: هذه الأحاديث حفظتها من في الأعمش.(6)

قال يحيى: وكان عند وكيع عن الأعمش ثمانمائة. قلت - أي الدّوريّ - ليحيى: كان أبو معاوية أحسنهم حديثاً، عن الأعمش؟

قال: كانت عند الأحاديث الكبار العالية عنده.(7)

____________________

(1) الكامل: ابن عديّ 2: 137.

(2) تهذيب الكمال: المزّيّ 15: 243 / 3397.

(3) تاريخ الثّقات: العجليّ (182 - 261) 204 / 619.

(4) تاريخ يحيى بن معين (158 - 233 هـ) 1: 221 / 1433 ؛ والجرح والتعديل: الرازي 2: 3 / 96.

(5) تاريخ يحيى بن معين 276 / 1827 ؛ وتاريخ بغداد 5: 246.

(6) تاريخ يحيى بن معين 1: 276 / 1830.

(7) نفسه 1: 276 / 1828 ؛ وتاريخ بغداد 5: 246.

٤٢٨

وذكره ابن حبّان في الثّقات.(1)

وترجم له المزّيّ ترجمة ضافية جاء فيها: رأى أنس بن مالك، وأبا بكرة الثقفيّ.

وروى عن: أنس بن مالك، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي وائل شقيق بن سلمة الأسديّ، وعامر الشّعبيّ، وعطاء بن أبي رَباح، وعطيّة العَوْفيّ، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وأبي إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعيّ، وقيس بن أبي حازم، وأبي الزّبير محمّد بن مسلم المكّيّ، والمِنهال بن عمرو، وأبي صالح مولى أمّ هانئ، وسالم بن أبي الجعد، وخيثمة بن أبي خيثمة البصريّ...

روى عنه: أبان بن تغلب، وإبراهيم بن طهمان، وأسباط بن محمّد القرشيّ، وإسرائيل بن يونس، وحفص بن غياث، وحمزة بن حبيب الزيّات، وسفيان الثّوريّ، وسفيان بن عُيَينة، وشريك بن عبد الله النّخعيّ، وشعبة بن الحجّاج، وزياد ابن عبد الله البكّائيّ، وعبد الله بن عبد القدّوس الرازيّ، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن نمير، وعبيد الله بن موسى، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وفُضيل بن مرزوق، ووكيع بن الجرّاح، ويحيى بن سعيد القطّان، وأبو إسحاق السبيعيّ - وهو من شيوخه - وأبو عَوانة، وأبو معاويةَ الضّرير....(2)

قال البخاريّ، عن عليّ ابن المدينيّ: له نحو ألف وثلاثمائة حديث.(3)

____________________

(1) الثقات لابن حبّان 2: 184 / 1421.

(2) تهذيب الكمال: المزّيّ 12: 76 - 83 / 2570.

(3) نفسه 12: 83.

٤٢٩

وقال عليّ ابن المدينيّ: حفظ العلم على أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ستّةٌ: فلأهل مكّة عمرو بن دينار، ولأهل المدينة ابن شهاب الزّهريّ، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السّبيعيّ، وسُليمان بن مهران الأعمش...(1) .

قال عاصم الأحْوَل: مرّ الأعمش بالقاسم بن عبد الرحمان فقال: هذا الشيخ أعلم النّاس بقول عبد الله بن مسعود. (تهذيب الكمال 12: 85).

وقال أحمد بن حنبل: أبو إسحاق والأعمش رجلا أهل الكوفة.(2)

وقال زهير بن معاوية: ما أدركت أحداً أعقل من الأعمش والمغيرة.(3)

وقال يحيى بن معين: كان جرير إذا حدّث عن الأعمش، قال: هذا الدّيباج الخسروانيّ.(4)

وقال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش.(5)

وقال عبد الله الخُرَيبيّ: سمعت شعبة إذا ذكر الأعمش، قال: المـُصحَف المـُصحَف!(6)

____________________

(1) نفسه 12: 84.

(2) تهذيب الكمال 12: 85.

(3) نفسه ؛ وتاريخ بغداد 9: 9.

(4) تهذيب الكمال 12: 86 ؛ و تاريخ بغداد 9: 10، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسويّ 2: 678، والجرح والتعديل: 4 / الترجمة 630 وزاد: وهو أستاذ أهل الكوفة.

(5) تهذيب الكمال 12: 86 ؛ و تاريخ بغداد 9: 10.

(6) تهذيب الكمال 12: 86 ؛ و تاريخ بغداد 9: 11.

٤٣٠

وقال عمرو بن عليّ: كان الأعمش يسمّى المصحف من صِدقه.(1)

وقال عبّاس الدّوريّ، عن سهل بن حليمة: سمعت ابن عُيينة يقول: سبق الأعمش أصحابه بأربع خصال: كان أقرأهم للقرآن، واحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وذكر خصلة أخرى.(2)

ويطول الكلام عن الأعمش وما قيل فيه ؛ فنكتفي بما ذكرنا.

أبو إسحاق السبيعيّ واسمه عمرو بن عبد الله. وقد ذكرنا في ترجمة الأعمش: أنّ أبا إسحاق من شيوخه وقد حدّث كلّ واحد منهما عن الآخر ؛ ممّا يُظهر فضلهما وثقتهما.

ذكره العجليّ، قال: «كوفيّ»، تابعيّ، ثقة.

قال: وروى أبو إسحاق السّبيعيّ عن ثمانية وثلاثين من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

حدّثنا أبي: عبدُ الله، قال: كان أبو إسحاق يقول لإسرائيل: الزم هؤلاء الثلاثة، فإنّهم أصحاب علم وفصاحة: عبد الملك بن عمير، والأعمش وسِماك بن حرب.(3)

وترجم له في التهذيب: عَمرو بن عُبيد... أبو إسحاق السّبيعيّ الكوفيّ الهمدانيّ.

ذكر شريك عن أبي إسحاق أنّه وُلِدَ لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.

____________________

(1) تهذيب الكمال 12: 87 ؛ وتاريخ بغداد 9: 11.

(2) تهذيب الكمال 12: 85 ؛ وتاريخ بغداد 9: 9.

(3) تاريخ الثّقات: العجليّ 366: 1272.

٤٣١

روى عن: أنس بن مالك، وأسامة بن زيد بن حارثة، والبراء بن عازب، والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله البجلي، وحُبشي بن جنادة، وزيد بن أرقم، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صُرَد الخزاعيّ، وصعصعة بن صوحان، وعامر بن شراحيل الشّعبي، وعبد الله بن الزبير بن العوّام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وزيد بن يُثيع، والحارث بن عبد الله الأعور، وعبد خَير الهمدانيّ، وعديّ بن ثابت الأنصاريّ، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وعديّ بن حاتم الطائيّ، وعطاء بن أبي ربَاح، وعِكرمة مولى ابن عبّاس، وعليّ بن أبي طالب، وعمرو بن ميمون الأودي، وقيس بن أبي حازم، وكُميل بن زياد، ومجاهد بن جبر المكّي، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، ونافع مولى ابن عمر، والنّعمان بن بشير، وأبي بُردة بن أبي موسى الأشعري...(1)

روى عنه: أبان بن تغلب، وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي، والحسن ابن صالح بن حَيّ، وسفيان الثوريّ، وهو أثبت النّاس فيه، وسفيان بن عُيينة، وسليمان الأعمش، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وفضيل بن مرزوق، و فطر بن خليفة، وقتادة بن دِعامة، ومالك بن مِغوَل، ومسعر بن كدام، ومنصور بن المعتمر، وموسى بن عقبة، وأبو بكر بن عيّاش، وأبو حمزة الثّمالي، وحمزة بن حبيب الزّيّات...(2)

____________________

(1) تهذيب الكمال 22: 102 - 108 / 4400.

(2) تهذيب الكمال: 108 - 110.

٤٣٢

قال أحمد بن حنبل: أبو إسحاق ثقة.(1)

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة.(2)

وكذلك قال النسائي.(3)

وقال أبو حاتم: ثقةٌ، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشّيباني، ويشبه الزّهري في كثرة الرواية واتّساعه في الرّجال.(4)

وقال أبو داود الطّيالسي: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع بمجاهد! كان هو أحسن حديثاً من مجاهد، ومن الحسن وابن سيرين.(5)

حنش بن المعتمر الكنانيّ الكوفيّ:

قال العجليّ: تابعيّ، كوفيّ، ثقة.(6)

وفي التهذيب: روى عن عُلَيم الكنديّ، وعليّ بن أبي طالب، وأبي ذرّ الغفاريّ.

روى عنه: أبو إسحاق السبيعيّ، وأبو صادق وسماك بن حرب...

____________________

(1) تهذيب الكمال 22: 110 ؛ والجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1347.

(2) تهذيب الكمال 22: 110 ؛ والجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1347.

(3) نفسه.

(4) نفسه.

(5) نفسه.

(6) تاريخ الثقات للعجليّ 136 / 347.

٤٣٣

قال أبو داود: حنش بن المعتمر ثقة.

قال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو عندي صالح.

روى له أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائي في خصائص عليّ وفي مُسنده.(1)

أبو ذرّ الغفاريّ: لا حاجة للحديث عنه لجلالته...

هذا هو سند الحديث الذي قال عنه شيخ الإسلام: لا يُعرف له إسنادٌ صحيحٌ.

وبنفس السند، عن حنش الكنانيّ قال: سمعت أبا ذرّرضي‌الله‌عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة: مَن عرفني فأنا مَن عرفني ومَن أنكرني فأنا أبو ذرّ سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق».(2)

ولن نستغرق في الكلام على أسانيد الحديث من طُرقه الأخرى بعد أن ثبت لنا صحّة سند الحديث السابق ؛ فحقّ القول وبطل ما كانوا يفترون.

وعن عليّ بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَثَل أهل بيتي مَثَل سفينة نوح: من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومن قاتَلَنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجّال».(3)

____________________

(1) تهذيب الكمال 7: 432 / 1556، والجرح والتعديل: 3 / الترجمة 1297.

(2) المعارف: ابن قتيبة (ت 276 هـ) 252، والمستدرك على الصحيحين 3: 163 / 4720.

(3) المعرفة والتاريخ للفسويّ 1: 296، ومناقب الإمام عليّ: ابن المغازليّ الشّافعيّ: 134 حديث 177، وميزان الاعتدال، حديث 1826.

٤٣٤

وعن أبي سلمة الصّائغ، عن عطيّة - العوفيّ - عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إنّما مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق. وإنّما مَثَلُ أهل بيتي فيكم مَثَلُ باب حطّة في بني إسرائيل: من دخله غُفِر له».(1)

و لحديث السفينة عن ابن عبّاس، وأبي ذرّ، طرق أخرى.(2)

ونظير حديث السفينة، ما ذكره القاضي عياض من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «معرفةُ آلِ محمّدٍ براءةٌ من النّار، وحبُّ آلِ محمّدٍ حَوازٌ على الصِّراط، والولاية لآلِ محمّدٍ أمانٌ من العذاب».(3)

قال القاضي: قال بعض العلماء: معرفتهُم هي معرفةُ مكانتهم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا عَرَفهم بذلك عرفَ وجوبَ حقّهم وحُرمتهم بسببه.(4)

أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض:

وبسنده أخرج الحاكم مستدركاً على الشّيخين:

عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «النّجوم أمانٌ لأهل الأرض من

____________________

(1) المعجم الصغير للطبرانيّ 2: 22.

(2) انظر المعرفة والتاريخ: الفسويّ (ت 277 هـ) 1: 296، المعارف: ابن قتيبة: 86، عيون الأخبار، له 1: 211، حلية الأولياء 4: 306، الصواعق المحرقة: ابن حجَر: 184، و 234، الخصائص الكبرى: السيوطي 2: 266، تاريخ الخلفاء، له 573، ينابيع المودّة 28.

(3) الشفا: القاضي عياض 31.

(4) نفسه.

٤٣٥

الغرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي من الاختلاف. فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».

قال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.(1)

ووقع الذي حذّر منه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهر أكثرُ من ناصبيّ يعبدُ الله بعداوتهم! فكان مسلسل المآسي الذي ما زلنا نتجرّع غصّته وأثره السيِّئ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

وبسندٍ عن أبي عاصم، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة ابن الأكوع، عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمانٌ لأهل السماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمّتي».(2)

وقعة الجمل

قال ابن تيميه: وأمّا الحديث الذي رواه وهو قوله لها: «تقاتلين عليّاً وأنتِ

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 162 / 4715. والمعرفة والتاريخ: يعقوب الفسويّ 1: 538 و 296.

(2) مناقب الإمام علي: محمّد بن سليمان الكوفي (القرن الرابع)، 1: 828 / 667. والأمالي الخميسيّة: المرشد بالله (ت 499 هـ) 1: 155، والمعجم الكبير: الطبرانيّ (ت 360 هـ) 7: 25، وجواهر العقدين، للسمهوديّ: 95، وموضّح أوهام الجمع والتفريق: الخطيب البغداديّ 2: 402، وكنز العمّال 12: 101. والأمالي للطوسيّ 2 / 252 باب 48، والمعرفة والتاريخ 1: 538، وفرائد السمطين 2: 241 باب 47.

٤٣٦

ظالمة». قال: فهذا لا يُعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة... بل هو كذب قطعاً، فإنّ عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنّما خرجت بقصدِ الإصلاح بين المسلمين وظنّت أنّ في خروجها مصلحةً للمسلمين، ثمّ تبيّن لها فيما بعد أنّ تركَ الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتّى تبلّ خمارها، وهكذا عامّة السّابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعليّ رضي الله عنهم أجمعين.(1)

قال: (و أمّا قوله): وخالفت أمر الله في قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى ) (2) ؛ فهي رضي الله عنها لم تتبرّج تبرّج الجاهليّة الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحةٍ مأمورٍ بها كما لو خرجت للحجّ والعُمرة...، فعائشة اعتقدت أنّ ذلك السفر مصلحةٌ للمسلمين...(3) .

قال: وأمّا قوله: خرجت في ملأٍ من الناس تقاتل عليّاً على غير ذنبٍ فهذا كذِبٌ عليها فإنّها لم تخرج لقصد القتال ولا كان أيضاً طلحة والزبير قصدهما القتال لعليّ...(4)

قال: (وأمّا قوله) إنّ عائشة كانت تأمر بقتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً، ولما بلغها قتلُه فرحت بذلك ؛ فيقال له: أوّلاً: أين النقل الثابت عن

____________________

(1) منهاج السنّة: ابن تيميه 2: 185.

(2) الأحزاب: 33.

(3) منهاج السنّة: ابن تيميه 2: 186.

(4) منهاج السنّة: ابن تيميه 2: 186.

٤٣٧

عائشة بذلك، ويقال ثانياً: إنّ المنقول عن عائشة يكذّب ذلك ويُبيّن أنّها أنكرت قتْله وذمّت مَن قتله.

ويقال ثالثاً: هب أنّ واحداً من الصحابة، عائشة أو غيرها، قال في ذلك كلمةً على وجه الغضب لإنكاره بعضَ ما يُنكرُ، فليس قولُه حجّة! ولا يقدح في إيمان القائل ولا المقول له ؛ بل قد يكون كلاهما وليّاً لله تعالى، من أهل الجنّة، ويظنّ أحدُهما جوازَ قتْل الآخر بل يظنّ كفرَه! وهو مخطئ في هذا الظنّ...(1) .

قال: ويقال رابعاً: إنّ هذا المنقولَ عن عائشة من القدح في عثمان إن كان صحيحاً، فإمّا أن يكون صواباً أو خطأً، فإن كان صواباً لم يُذكر في مساوي عائشة وإن كان خطأً لم يُذكر في مساوي عثمان، والجمع بين بُغض عائشة وعثمان باطل ؛ وأيضاً فعائشة ظهر منها من التألّم لقتل عثمان! والذمّ لقتلِته وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافي ذلك... ؛ وأيضاً ما ظهر من عائشة وجمهور الصّحابة وجمهور المسلمين من الملام لعليّ، أعظم ممّا ظهر منهم من الملام لعثمان، فإن كان هذا حجّة في لوم عثمان، كان حجّة في لوم عليّ وإلاّ فلا...(2) .

قال: وما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير، ينقلب ما هو أعظم منه في حقّ عليّ ؛ فإن أجابوا عن ذلك بأنّ عليّاً كان مجتهداً فيما فعل وإنّه أولى بالحقّ من طلحة والزبير ؛ قيل: نعم، طلحة والزبير كانا مجتهدين وعليّ وإن كان أفضل

____________________

(1) نفسه: 188.

(2) منهاج السنّة: ابن تيميه 2: 190.

٤٣٨

منهما، لكن لم يبلغ فعلُهما بعائشة ما بلغ فعلُ عليّ!! فعليّ أعظم قدراً منهما ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً، ففعلُ عليّ أعظم ذنباً فَتقاوَم كبر القدْر وعِظَم الذنب(1) .

قال: فإن قالوا: هما أحوجا عليّاً إلى ذلك لأنّهما أتيا بها، فما فعله عليّ مضاف إليهما لا إلى عليّ ؛ قيل: وهكذا معاوية، لمّا قيل له: قتلت عمّاراً وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقتلك الفئة الباغية» قال: أوَ نحنُ قتلناه؟ إنّما قتله الذين جاؤوا به حتّى جعلوه تحت سيوفنا، فإن كانت هذه الحجّة مردودةً فحجّةُ مَن احتجّ بأنّ طلحة والزبير فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانة عسكر عليّ لها واستيلائهم عليها مردودة أيضاً، وإن قُبلتْ هذه الحجّة ؛ قُبلتْ حجّة معاويةرضي‌الله‌عنه !(2)

جوابنا:

كشف الرجل عن صفحة نفسه وأنّه ناصبيّ و...، فلو أنّه اكتفى بتسويغ خروج عائشة وطلحة والزبير، والتمس لهم المعاذير في ذلك ؛ وإن كانت مهلهلةً إذ هي أوهنُ من بيت العنكبوت!

لكان ذلك أفضل له وأستر، لكنّه كذب في تكذيب الحقائق الثابتة وخاض مناضلاً لقلب الأمور لتبرئة ساحة المذنبين وقد أقرّوا بذنبهم! ودافع عن النّاكثين والخوارج وأسقط ذنبهم على أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، بل وذهب إلى القول بأنّ

____________________

(1) نفسه: 195.

(2) نفسه: 196.

٤٣٩

ذنبه أعظم من ذنبهم!

والحديث معه يفرض علينا أن نتحدّث عن حرب الجمل بشكلٍ وافٍ ليكون القارئ على بيّنة، ولضيق المجال فنذكر الضروريّ منها إجمالاً.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يحذّر عائشة:

قال: وأمّا الحديث الذي رواه وهو قوله لها: «تقاتلين عليّاً وأنت ظالمة»، كذب قطعاً! وعلّل ذلك أنّها لم تقاتل! ولم تخرج لقتال وإنّما خرجت لطلب الإصلاح...

نقول: لقد حذّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة من خروجها، وأمرُهصلى‌الله‌عليه‌وآله مطاعٌ لا يجوز عصيانه، وقد عصته أمّ المؤمنين، وعصاه الزّبير - وسنذكر خبره -

وهذه بعض الآثار في ذلك:

- أبو نُعيم الفضل بن دُكين، حدّثنا عبد الجبار بن الورد، عن عمّار الدُّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خروج بعض أمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: انظري يا حُميراء أن لا تكوني أنت» ثمّ التفت إلى عليّ فقال: «إنْ ولِيتَ من أمرها شيئاً فارفِق بها».(1)

ما أبينَها من حجّةٍ وما أصدقَه من دليلٍ على خروجها على عليّ محاربةً لا مُصلحةً كما زعم! وإلاّ فلِمَ استَبَقصلى‌الله‌عليه‌وآله الزمنَ وذكر ما سيكون، ولِمَ حذّر عائشة دون غيرها في الخروج على عليّعليه‌السلام ، وطلب من عليّ الرِّفق بها، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين: الحاكم 3: 129 / 4610.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492