ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169369 / تحميل: 5911
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاسعليه‌السلام فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه(1) .

ونظر الحسينعليه‌السلام إلى ما حوله، ومدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم ير أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.

وهكذا بقي الإمامعليه‌السلام وحده يحمل سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين جنبيه قلب عليعليه‌السلام وبيده راية الحق البيضاء، وعلى لسانه كلمة التقوى.

الحسينعليه‌السلام وحيداً في الميدان:

حينما التفت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام يميناً وشمالاً ولم ير أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع. فقال: (يا عمّتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وإذا بالحسينعليه‌السلام ينادي: (يا أم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسينعليه‌السلام من المسنّاة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 109.

(2) بحار الأنوار: 45 / 46.

٢٠١

فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسينعليه‌السلام : (لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين).

ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنْسوة أخرى فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به)(1) .

حمل الإمام الحسينعليه‌السلام سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة.

قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب(2) .

ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلى أساليب الجبناء; فقد استدعى شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زُرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه،

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 110، إعلام الورى: 1 / 467.

(2) الإرشاد: 2 / 111، إعلام الورى: 1 / 468.

٢٠٢

وبدر إليه خُولى بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، ما لك ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلى خولى بن يزيد فقال: إحمله إلى الأمير عمر بن سعد.

ثم أقبلوا على سلب الحسينعليه‌السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه(1) .

امتداد الحمرة في السماء:

ومادت الأرض واسودَّتْ آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله لأولئك السفّاكين المجرمين الذين انتهكوا جميع حُرُماتِ الله(2) .

وصبغ فرس الحسينعليه‌السلام ناصيته بدم الإمام الشهيد المظلوم وأقبل يركض مذعوراً نحو خيام الحسينعليه‌السلام ليعلم العيال بمقتله واستشهاده، وقد صوّرت زيارة الناحية المقدّسة هذا المشهد المأساوي كما يلي: (فلما نظرت النساء إلى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجن من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذَلَّلات وإلى مصرع الحسين مبادرات).

ونادت عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهي ثكلى: وا محمداه! وا أبتاه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! هذا حسين بالعراء، صريع

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 112، إعلام الورى: 1 / 469.

(2) راجع كشف الغمة: 2 / 9، سير أعلام النبلاء: 3 / 312، تاريخ الإسلام للذهبي: 15، حوادث سنة 61، إعلام الورى: 1 / 429.

٢٠٣

بكربلاء، ليت السماء أطبقت على الأرض! وليت الجبال تدكدكت على السهل!!(1)

حرق الخيام وسلب حرائر النبوة:

وعمد المجرمون اللئام إلى حرق خيام الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام غير حافلين بمن في الخيام من بنات الرسالة وعقائل النبوّة. قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : (والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة وتذكّرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين!)(2) .

وعمد أراذل جيش الكوفة إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فنهبوا ما عليهن من حليّ وحلل، كما نهبوا ما في الخيام من متاع.

الخيل تدوس الجثمان الطاهر:

لقد بانت خِسّة الأمويين لكل ذي عينين، وعبّرت عن مسخ في الوجدان الذي كانوا يحملونه وماتت الإنسانية فتحولت الأجساد المتحركة إلى وحوش دنيئة لا تملك ذرّة من رحمة ولا يزعها وازع من بقية ضمير إنساني.

فحين حاصرت جيوش الضلالة أهل بيت النبوةعليهم‌السلام في عرصات كربلاء كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً وهو يبيّن له ما يستهدفه من نتيجة للمعركة، وما تنطوي عليه نفسه الشريرة من حقد دفين على الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل ما يمتّ إليهما بصلة أو قرابة، وقد جاء فيه ما يلي:

أما بعد: فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعقد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرم: 346.

(2) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ، نقلاً عن تاريخ المظفري: 238.

٢٠٤

الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن علي قول، لو قد قتلته فعلت هذا به(1) .

على أن ابن زياد كان من أعمدة الحكم الأموي. ولا نعلم أوامر صدرت من أحد أفراده بحيث كانت ترعى حرمة أو تقديراً لمقام ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لم يكن خافياً على أحد من الأمويين.

وهكذا انبرى ابن سعد بعد مقتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لينفّذ أوامر سيّده الحاقد ابن زياد، فنادى في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة، فداسوا جسد الحسينعليه‌السلام بخيولهم حتى رضّوا ظهره(2) .

عقيلة بني هاشم أمام الجثمان العظيم:

ووقفت حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنة أمير المؤمنينعليه‌السلام العقيلة زينبعليها‌السلام على جثمان أخيها العظيم، وهي تدعو قائلةً: (اللهم تقبّل هذا القربان)(3) . إنَّ الإنسانية لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السر الوحيد في خلود تضحية الحسينعليه‌السلام وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 314، إعلام الورى: 1 / 453.

(2) إعلام الورى: 1 / 470، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 39.

(3) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام : 3 / 304.

٢٠٥

٢٠٦

الفصل الثالث:

نتائج الثورة الحسينية

انبعثت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام من ضمير الأمة الحيّ ومن وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمى الرسالة والرسول ودافع عنهما، حتى استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التأريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام وتدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى.

ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. وأهم تلك الآثار هي:

1 - فضح الأمويين وتحطيم الإطار الديني المزيّف:

بفعل ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام تكشفت للناس حقيقة النزعة الأُموية المتسلطة على الحكم، ونسفت تضحيات الثائرين كل الأطر الدينية المزيّفة

٢٠٧

التي استطاع الأمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأمة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته(1) .

وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي - من قادة الجيش الأموي - يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً: يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام(2) . فالدين في دعوى الأمويين طاعة يزيد ومقاتلة الحسينعليه‌السلام .

ولكن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الأمة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسينعليه‌السلام يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الإسلامي: أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟!

هذا بالإضافة إلى كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 281.

(2) المصدر السابق: 4 / 331.

٢٠٨

بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الأمويين ودناءتهم ودجلهم.

وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام فضح الجرائم التي ارتكبها بنو أُمية ومن ثم توضيح رسالة الإمام الحسينعليه‌السلام .

إنّ جميع المسلمين متفقون - على اختلاف مذاهبهم وآرائهم - بأن الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، وأن يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.

2 - إحياء الرسالة الإسلامية:

لقد كان استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام هزّة لضمير الأمة وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني أُمية ومن سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً إلى من يليهم من الأجيال.

لقد استطاع سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للأمة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسينعليه‌السلام في تحقيق هذا الهدف؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبد الله قائلاً: من الغالب؟ قالعليه‌السلام : (إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب)(1) .

لقد كان الحسينعليه‌السلام هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته وإخراجه من معترك الحياة.

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي.

٢٠٩

3 - الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الأمويين:

اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وزينب بنت عليّ بن أبي طالب وبقية أفراد عائلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التي ساقها الطغاة الأمويون كسبايا من كربلاء إلى الكوفة فالشام.

فقد وقفت زينبعليها‌السلام في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت:

أما بعد:

يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟).

وتكلم عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال:

أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من أمتي(1) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 341 عن مثير الأحزان.

٢١٠

وروي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً وأكرم عبيد الله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم(1) .

ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الأموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الأموي الظالم.

صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الأموي وبعده عن الرسالة الإسلامية إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبويعليهم‌السلام يحسبون له ألف حساب.

4 - إحياء إرادة الأمة وروح الجهاد فيها(2):

كانت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالأمة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعاظ السلاطين أحياناً وأخرى بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.

فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسينعليه‌السلام أن لا يستسلم ولا يساوم،

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 388، تأريخ الخلفاء: 208.

(2) للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية، الموقف، النتائج ) للسيّد محمد باقر الحكيم:100.

٢١١

وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو على الأقل برضا الجماهير.

ونجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح; إلاّ أنها توالت حتى سقط النظام. ورغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسينعليه‌السلام أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين(1) التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، وثورة المدينة(2) ، وثورة المختار الثقفي(3) الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسينعليه‌السلام ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام (4) وثورة أبي السرايا(5) .

لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الأمة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أن الأمة الإسلامية أثبتت حيويّتها وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الأمويين أسلافهم.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 426، 449.

(2) المصدر السابق: 4 / 464.

(3) المصدر السابق: 4 / 487.

(4) مقاتل الطالبيين: 135.

(5) المصدر السابق: 523.

٢١٢

الفصل الرابع:

من تراث الإمام الحسينعليه‌السلام

نظرة عامّة في تراث الإمام الحسينعليه‌السلام :

الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم أمناء على تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير.

إن المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة; لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة; ولكنها لم تقتصر على الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب; وإنما كانت تمتد أبعادها إلى أعماق الأُمة والشريعة.

إن هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الأمة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر على تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال

٢١٣

خمسين عاماً بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضى والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً. حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهمعليهم‌السلام . وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ووثائق الثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله; ليقف على عظمة هذه الثروة الكبرى وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث:

في رحاب العقل والعلم والمعرفة:

قالعليه‌السلام :

1 - خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: العقل والدين والأدب والحياء وحسن الخلق(1) .

2 - وسُئل عن أشرف الناس، فقال: من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ(2) .

3 - وقالعليه‌السلام : لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق(3) .

4 - العاقل لا يحدِّث من يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل من يخاف منعَه ولا يثِقُ بمن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه(4) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 743 عن حياة الإمام الحسين: 1 / 181.

(2) المصدر السابق: 743 عن إحقاق الحق: 11 / 590.

(3) المصدر السابق: 742 عن اعلام الدين: 298. وورد هذا النص عن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً.

(4) المصدر السابق: 742 عن حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 1/181.

٢١٤

5 - العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوى، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك(1) .

6 - من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر(2) .

7 - لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لاَوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه.

8 - وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسينعليه‌السلام مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة إلى المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:

قالعليه‌السلام :

أ - إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟....

ب - إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء....

ج - إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمة توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكونَ هو المظهِرَ لك؟! متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟!. ومتى بَعُدْتَ حتّى تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

د - إلهي أمرتَ بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 742 و 743 عن بحار الأنوار: 78 / 128، الحديث 11.

(2) المصدر السابق.

٢١٥

الهمّة عن الاعتمادِ عليها.

هـ - منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك.

و - إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حققّني بحقايق أهلِ القُرب....

ز - إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي.

ح - إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة اسرني، فكن أنت النصير لي حتَى تنصرني وتبصرني.

ط - أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتى عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ؟! وما الذي فقد من وجدك؟!.

ي - أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كل شيء... كيف تخفى وأنت الظاهرُ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!(1) .

في رحاب القرآن الكريم:

لقد اعتنى أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناء وافراً فعكفوا على تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد أثرت عن الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 803 - 806 عن إقبال الأعمال: 339.

٢١٦

أ - قالعليه‌السلام : (كتاب الله عَزَّ وجَلَّ على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء)(1) .

ب - (من قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكل حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكل حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتى يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتى يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيراً له ممّا بين السماءِ والأرضِ)(2) .

ج - وعنهعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى:( تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها (أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة)(3) .

د - وسأله رجل عن معنى( كهيعص ) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت على الماء(4) .

هـ - وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبد الله حَدِّثني عن قول الله عزَّ وجَلَّ:( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) ، قال: (نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عَزَّ وجَلَّ، قلنا صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة)(5) .

و - وفي قوله تعالى:( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ) قالعليه‌السلام : (هذه فينا أهل البيت)(6) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 551 عن جامع الأخبار: 48.

(2) المصدر السابق: 551، عن الكافي: 2 / 611، الحديث 3.

(3) المصدر السابق: 560 عن تفسير البرهان: 2 / 323.

(4) المصدر السابق: 561 عن ينابيع المودّة: 484.

(5) المصدر السابق: 563 عن حياة الحسين: 2 / 234.

(6) المصدر السابق: 564 عن بحار الأنوار: 24 / 166.

٢١٧

ز - في قوله تعالى:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالعليه‌السلام : (إن القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا على كلّ مسلم)(1) .

ح - وفسّر النعمة في قوله تعالى:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (بما أنعم الله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دينهِ)(2) .

ط - وفسّر الصَمَد بقوله: إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله:( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (3) .

ي - وقال: (الصمد: الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهى سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد: الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال)(4) .

ك - وروي أن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسينعليه‌السلام سورة الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاهعليه‌السلام ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك، فقالعليه‌السلام : وأين يقع هذا من عطائه؟ يعني بذلك تعليمه القرآن(5) .

في رحاب السُنّة النبويّة المباركة:

لقد عاصر الحسين جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كأمه وأبيه وأخيه، وعلم أن سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي،

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 565 عن بحار الأنوار: 23 / 251 الحديث 37.

(2) المصدر السابق: 567 عن المحاسن: 1 / 344 الحديث 11.

(3) المصدر السابق: 568 عن التوحيد: 90 الحديث 5 ثم نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

(4) المصدر السابق: 569 عن معادن الحكمة: 2 / 51.

(5) المصدر السابق: 827 عن بحار الأنوار: 44 / 191.

٢١٨

وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.

ومن هنا نجد الحسينعليه‌السلام يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويضحّي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه: (حسين منّي وأنا من حسين)، (ألا وإن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوى الثورة على من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.

قال صلوات الله عليه:

1 - (كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحسن ما خلق اللهُ خلْقاً)(1) .

2 - وروى الحسينعليه‌السلام - كأخيه الحسن وصفاً دقيقاً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما عليعليه‌السلام وهو الذي ربّاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ نعومة أظفاره حتى التحاقه بالرفيق الأعلى. ونشير إلى مقطع من هذه السيرة. قال الحسينعليه‌السلام فسألته عن سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:

(كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى. وجمع له الحلم في

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 571، عن كنز العمّال: 7 / 217.

٢١٩

الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح أمته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة)(1) .

3 - وروى أيضاً أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال: (إني رأيت في المنام كأنّ بني أُمية يتعاورون منبري هذا). فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دُنيا تنالهُمُ، فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ... ) (2) .

4 - وروى أيضاً أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أكل طعاماً يقول: (اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه)، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وارزقنا منه)(3) . وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ(4) .

5 - وسُئل عن الأذان وما يقول الناس فيه، قال: (الوحي ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: أهبَطَ الله عَزَّ وجَلََّ ملكاً حين عُرِج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذّن مثنى مثنى، وأقامَ مثنى مثنى، ثم قال له جبرئيل: يا محمّد هكذا أذان الصلاة)(5) .

6 - وروى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عليّعليه‌السلام ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل فقال: (يا عليّ أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل):( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 571 - 575 عن مجمع الزوائد: 8 / 274 ومعاني الأخبار: 79.

(2) المصدر السابق: 575 عن الغدير: 8 / 248.

(3) المصدر السابق: 578 عن عيون أخبار الرضا: 2 / 42.

(4) المصدر السابق: عن بحار الأنوار: 16 / 287.

(5) المصدر السابق: 683 عن مستدرك الوسائل: 4 / 17.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وكما ذكرنا أوّل البحث: الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة، لا كما زعم بعضهم من حديث زيد بن حارثة! وأنّها تعني المعنى الذي ذكرناه في صدر البحث.

ومن قَبل المأمون، فقد احتجّ به عمرو بن العاص، وهو غير متّهم فيه، ولا يمكن لابن تيميه أن يقول إنّ عَمْراً قد صبا فصار رافضيّاً!

واحتجّ به سعد بن أبي وقّاص، وكان معتزلاً لعليّ، وكذلك معاوية.

احتجاج عمر بن عبد العزيز

أخرج أبو نعيم بسندين عن يزيد بن عمر بن مورق، قال: كنت بالشام وعمر بن عبد العزيز يُعطي الناس، فتقدّمت إليه فقال لي: ممّن أنت؟ قلت: من قريش. قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم. فقال: من أيّ بني هاشم؟ قلت: مولى عليّ، قال: فوضع يده على صدره فقال: أنا والله مولى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ؛ ثمّ قال: حدّثني عدّة إنّهم سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ثمّ قال: يا مزاحم - مولى عمر بن عبد العزيز - كم تعطي أمثاله؟ قال: مائة أو مائتي درهم. قال: أعطِه خمسين ديناراً، لولايته عليّ ابن أبي طالب. ثمّ قال الحق ببلدك، فسيأتيك مثل ما يأتي نظراءَك.(١)

ربما قال النّاصبيّ: إنّ عمر بن عبد العزيز أمويّ، إلاّ أنّه ترفّض! بدليل: إبطاله سنّة معاوية في لعن عليّ بن أبي طالب على منابر المسلمين وفي خُطَب

____________________

(١) حلية الأولياء: ٥: ٣٦٤، فرائد السمطين ١: ٦٦ - الباب العاشر، حديث ٣٢.

٤٠١

الجُمَع؛ وإحسانه إلى بني هاشم ؛ وإظهاره ما كان يُبطنه من موالاته لعليّ بن أبي طالب ؛ ولذلك سقطت عدالتُه ورُدّت شهادته، ولا يمكن الاحتجاج به!

كلمات العلماء في الحديث

للعلماء الأعلام كلمات في الحديث، حيث صحّحوا الحديث فيها وجعلوه حُجّة في وِلاية عليّعليه‌السلام وخلافته، مع ما لهُ من الحُجج والفضائل الأخرى الخاصّة به، قد ذكرنا بعضها عَرَضاً، ونذكر العلاّمة المسعوديّ: قال عليّ بن الحسين المسعوديّ الشّافعيّ «المتوفّى سنة ٣٤٦ هـ): والأشياء التي استحقّ بها أصحابُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضلَ هي: السّبق إلى الإيمان، والهجرة، والنّصرة لرسول الله، والقربى منه، والقناعة، وبذل النّفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله ؛ والورع، والزهد، والقضاء، والحكم، العفّة، والعلم، وكلّ ذلك لعليّعليه‌السلام منه النصيب الأوفر، والحظّ الأكبر ؛ إلى ما ينفرد به من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه: «أنت أخي» وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضدّ له ولا ندّ. وقوله صلوات الله عليه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وقولهعليه‌السلام : «من كنت مولاه، فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه». ثمّ دعاؤهعليه‌السلام وقد قدّم إليه أنسُ الطائرَ: «اللّهم أدخلْ إليَّ أحبَّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر» فدخل عليه عليّ.(١)

الحافظ الگنجي الشافعيّ:

____________________

(١) كفاية الطالب: محمّد بن يوسف الگنجي الشافعيّ: ٦٤.

٤٠٢

والحافظ الگنجي الشافعيّ «المقتول سنة ٦٥٨ هـ) كلام لطيف ينمّ عن إيمانٍ وعلمٍ، فهو بعد أن أورد حديث الغدير بطرقٍ كثرة قال: قلت: هذا حديث مشهور حسن، رواته الثقاة، وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض حجّة في صحّة النقل. ولو لم يكن في محبّة عليّ إلاّ دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمُحبِّ عليّ بكلّ خيرٍ لكان فيه كفاية لمن وفّقه الله عزّ وجلّ فكيف وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه عزّوجلّ بموالاة من والاه وبمحبّة من أحبّه، وبنصر من نصره.(١)

ابن المغازليّ الشافعيّ:

وقال الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ بعد ذكره لطرق الحديث: قال أبو القاسم الفضل بن محمّد: هذا حديث صحيح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى حديثَ غدير خمّ عن رسول الله نحوٌ من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة ؛ تفرّد عليّعليه‌السلام بهذه الفضيلة ليس يَشرَكُه فيها أحد.(٢)

أحمد بن حنبل: حدّثنا حسين بن محمّد، وأبو نعيم المعنيّ قالا: حدّثنا فطر عن أبي الطّفيل قال: جمع عليّرضي‌الله‌عنه عنه الناس في الرحبة ثمّ قال لهم: أنشد الله كلّ امرئٍ مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام. فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: «أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».

____________________

(١) مروج الذهب: عليّ بن الحسين المسعوديّ ٢: ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٢) مناقب الإمام عليّ: الفقيه عليّ بن محمّد الشافعيّ الشهير بابن المغازليّ: ٢٧ / الرقم ٣٩.

٤٠٣

قال: فخرجتُ وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيتُ  زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاًرضي‌الله‌عنه يقول كذا وكذا؟ قال: فما تُنكر؟! قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك له.(١)

فضيلة صيام يوم الغدير:

أخرج الخطيب البغداديّ(٢) عن أبي نصر حبشون بن موسى بن أيّوب الخلاّك(٣) ، قال: حدّثنا عليّ بن سعيد الرمليّ، حدّثنا ضمرة بن ربيعة القرشيّ، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن ابي هريرة قال: من صام يوم ثَمان عشرة من ذي الحجّة كُتب له صيام ستّين شهراً، وهو يوم غدير خمٍّ لمّا أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «ألستُ وليَّ المؤمنين؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه، فعليّ مولاه» فقال عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مسلم فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

____________________

(١) مسند أحمد - مسند زيد ٥: ٤٩٨ / ١٨٨١٥.

(٢) تاريخ بغداد: الخطيب البغداديّ ٨: ٢٩٠.

(٣) قال الخطيب: حبشون بن موسى بن أيّوب، أبو نصر الخلاّل. سمع عليّ بن سعيد بن قتيبة الرملي، وحنبل بن إسحاق الشيبانيّ...، روى عنه أبوبكر بن شاذان، وأبو الحسن الدار قطنيّ، وأحمد بن الفرج بن الحجّاج، وأبو حفص بن شاهين... وكان ثقة يسكن باب البصرة.

«تاريخ بغداد ٨: ٢٩، والمناقب للخوارزميّ ١٥٦ / الحديث ١٨٤، ومناقب الإمام عليّ: ابن المغازليّ ١٨ / الحديث ٢٤».

٤٠٤

دِينَكُمْ ) (١) .

حديث الثّقلين

قال رافض الحقّ ابن تيميه: قال الرافضيّ: العاشر - من أدلّة إمامة عليّعليه‌السلام ما رواه الجمهور من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إنّ تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحَوْضَ». وقال: «أهلُ بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق». وهذا يدلّ على وجوب التمسّك بقول أهل بيته، وعليّ سيّدُهم ؛ فيكون واجب الطّاعة على الكلّ، فيكون هو الإمام.(٢)

ابن تيميه: «والجواب» من وجوهٍ أحدها: أنّ لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً بماءٍ يُدعى خمّاً بين مكّة والمدينة، فقال: أيّها الناس، إنّما أنا بشرٌ يُوشِك أن يأتيني رسول ربيّ فأجيب ربّي، وإنّي تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور فخُذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي».(٣)

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) منهاج السنّة ٤: ١٠٤.

(٣) منهاج السنّة ٤: ١٠٥.

٤٠٥

قال: وهذا اللفظ يدلّ على أنّ الذي أمرنا بالتمسّك به، وجعل المتمسّك به لا يضلّ هو كتاب الله. وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجّة الوداع(١) ...

قال: وأمّا قوله: «وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» فهذا رواه الترمذيّ. وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفّه! وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصحّ.(٢)

ثمّ خاض في تفسير العترة فقال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن عترته «أنّها والكتاب لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض...».

قال: لكن العترة هم. بنو هاشم كلّهم...(٣)

قال: وأمّا قوله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح»، فهذا لا يعرف له إسناد صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها.(٤)

وجوابنا من وجوه: العجب كلّه من تصديقه الحديث والإقرار بصحّته! فلم ينكره على عادته المألوفة وألفاظه المعروفة مثل: «وهذا كذب بالإجماع، كذب عند أهل العمل والمعرفة بالحديث...».

إلاّ أنّ الذي فيه ؛ حمَلَه على ذكر الحديث الذي في صحيح مسلم ولم يكن

____________________

(١) نفسه ١٠٥: ٤.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

(٤) نفسه.

٤٠٦

أميناً في النقل! إذ لم يتمّ الحديثَ بما يُظهر منزلة أهل البيت: ؛ فانّ آخر الحديث: «ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركمُ اللهَ في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي».(١)

فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر أهل بيته ثلاث مرّاتٍ لا مرّة واحدة كما أورده ابن تيميه، فماذا يعني ذكرهم هكذا؟

إنّه يعني: إظهار خطر منزلتهم في الأمّة، فليس في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبث، حاشا لله تعالى، فانّه أعلم أمّته في آخر حجّةٍ حجّها أنّه مفارقُهم وأنّه تاركٌ فيهم خليفتين وعلى الأمّة أن تحفظه فيهما ولا تضيّع وديعتيه، ثمّ أعلمهم بهما فذكر كتاب الله عزّ وجلّ وحثّ على التمسّك به، ثمّ ذكر أهل بيته بلا فصلٍ، فجعلهم عِدْل القرآن، ولم يشرك فيهما غيرهما، وذلك مثلما صنع يوم المباهلة إذ خرج بعليّ فأقامه مقام نفسه، وابنته الطّاهرة فاطمة فكانت نساءه يومئذ، وسبطيه الحسن والحسين فكانا ابناءه: أجمعين ؛ خرج بهم يتحدّى نصارى نجران، فغلبهم بهم وامتنع النّصارى من المباهلة وأعطوا الجزية، ولو كان أحد يعدلهم لأقامه مقامهم وأشركه معهم فكانوا: معجزةَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذٍ. ولمّا نزلت آية التطهير:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة والحسن والحسين: وأغْدَف عليهم كساءً وقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهِبْ عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» ولما أرادت أمّهات

____________________

(١) صحيح مسلم ١٥: ١٨٠ ؛ ومسند أحمد بن حنبل ٣: ٤٩٢ / ١٨٧٨٠.

(٢) الأحزاب: ٣٣.

٤٠٧

المؤمنين: أمّ سلمة، وعائشة أن يكنّ معهم، منعهنّ رسول الله(١) . وما ذكرناه وغيره دليلُ عصمتِهم: التي لا يشركهم فيها إلاّ نفسه الزكيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقوله: وهذا اللفظ يدلّ على أنّ الذي أمرنا بالتمسّك به، وجعل المتمسّك به لا يضلّ هو كتاب الله».

وإنّما أراد بذلك أن يدفع فضل أهلِ البيت:، بقَصْرِ التمسّك بكتاب الله، والذي في الحديث أنّه قرنهم بالقرآن من حيث التمسّك، فهم بابُ علم الله الذي يُؤتى منه لمعرفة أحكام الله وترجمة كتابه. وهم مع القرآن والقرآن معهم على ما نصّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنذكر الأحاديث في معيّتهم مع القرآن ومعيّة القرآن معهم بعد حين.

ونذكّر هنا بحديث الغدير، الذي أنكره ابن تيميه - وتكلّمنا عليه بما فيه الكفاية - فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن حثّ الناس على التمسّك بالثقلين وأوضح بالبيان البليغ أنّهما القرآن وعترتُه أهلُ بيته، فقد نصب كبيرَ أهلِ البيت عليّاًعليه‌السلام علَماً وأقامه مقامَه في الإمامة الكبرى، وهذا يعني أنّ المنزلة الرفيعة التي هي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هي لعليّ بعده «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»(٢) ، ومن بعد عليّ لوُلدِه الحسن والحسين:، فهم وفاطمةعليها‌السلام ، أهل البيت لا يشركهم غيرهم.

وممّا يثبت - وهو ثابت قطعاً - ما ذكرناه في شأن وجوب التمسّك بالقرآن وأهل البيت، ما ذكره النوويّ في شرحه لصحيح مسلم، قال: «قال العلماء: سُمّيا

____________________

(١) وسيأتي الكلام على الحديث في «حديث الكساء».

(٢) حديث المنزلة مشهور متواتر وسيأتي الكلام عليه.

٤٠٨

ثقلين لِعظمهما، وقيل العمل بهما»(١) .

والوجه الآخر: قوله: وأمّا قوله: «وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» فهذا رواه الترمذيّ.(٢)

وهذا أيضاً عجب منه! إذ أقرّ بحديث الثقلين برواية الترمذيّ، إلاّ أنّه وعلى عادته المنتظمة لم يطق إلاّ أن يوهّن بالحديث! فقال: وقد سُئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصحّ!

وهذا هو دأبه في إنكار الحقائق فيلوذ بعلماء لا وجود لهم! بدليل أنّه لم يذكر واحداً من هؤلاء العلماء.

وأمّا أحمد بن حنبل، فقد ذكر الحديث في أكثر من موضع من مسنده من غير تضعيف! فِلمَ الافتراء المتعمّد عليه؟!

وهذه بعض طُرقه في المسند، لأحمد بن حنبل:

أبو إسرائيل - يعني إسماعيل بن أبي إسحاق المُلائي - عن عطيّة، عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين أحدُهما أكبر من

____________________

(١) صحيح مسلم، بشرح النووي ١٥: ١٨٠. وقريب منه ما ذكره الصدوق (ت ٣٨١ هـ) في كتابه: (عيون أخبار الرضا: ٥٧) قال: حدّثنا عليّ بن الفضل البغداديّ قال: سمعت أبا عمر صاحب أبي العبّاس تغلب يُسأل عن معنى إني تارك فيكم الثّقلين لِمَ سُمّيا بالثقلين؟ قال: لأنّ التمسّك بهما ثقيل».

(٢) الجامع الصحيح: الترمذي ٥: ٣٢٨. والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٨، والمعرفة والتاريخ: الفسَوي ١: ٢٩٥، ومناقب الإمام علي: ابن المغازليّ ٢٣٤.

٤٠٩

الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(١)

عن الأعمش، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثّقلين: كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروني بِمَ تخلُفُوني فيهما».(٢)

ابن نمير، حدّثنا عبد الملك - ابن أبي سليمان - عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي قد تركت فيكم الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتابَ الله عزّ وجلّ، حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(٣)

فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال؟ فها هو أحمد يذكر الحديث من غير تضعيف، ولم يكن أحمد رافضيّاً! والعترة أهل البيت والقرآن، مُتلازمان لا يفترقان حتّى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضَه في الجنّة، فهما خليفتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمّته اللّذان تُسأل عنهما يوم الحساب ويكون الجزاء ثواباً أو عقاباً بقدر التزامهما

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٣: ٣٨٨ / ١٠٧٢٠.

وأبو إسرائيل، ذكره يحيى بن معين، قال: كوفيّ، ثقة. تاريخ يحيى ١: ١٩٩ / ١٢٧٨.

(٢) مسند أحمد ٣: ٣٩٣ / ١٠٧٤٧. والطبقات الكبرى لابن سعد ٢: ١٩٤.

(٣) مسند أحمد ٣: ٤٠٨ / ١٠٨٢٧.

٤١٠

والتمسّك بهما.

ثمّ ما العيب في الترمذيّ (ت ٢٧٩ هـ) صاحب الجامع الصحيح، أليس هو من العلماء عند ابن تيميه إذ ذكر الحديث؟ فما قوله في ابن أبي شيبة، والدارميّ، والفسويّ، والبيهقيّ، والطبرانيّ، والطحاويّ، والحاكم، والقاضي عياض، والحسكانيّ الحنفيّ، والصدوق، هل هؤلاء أيضاً ليسوا علماء لأنّهم ذكروا الحديث؟ فإذا كانوا كذلك فماذا عن أحمد بن حنبل؟

ذكر ابن أبي شيبة بسنده قال: حدّثنا عمر بن سعد أبو داود الحَفَريّ(١) عن

____________________

(١) عمر بن سعد الحَفَريّ الكوفيّ وحَفَر موضع بالكوفة.

روى عن بدر بن عثمان (كوفيّ، تابعيّ، ثقة، تاريخ الثقات ٧٨: ١٣٧، والبخاريّ الكبير ١: ١٣٩، وثقات ابن حبان ٦: ١١٦)، وحفص بن غياث، وسفيان الثّوريّ، وشريك ابن عبد الله، ومِسعَر بن كِدام، ومالك بن مِغْوَل، وغيرهم. كلّ هؤلاء مذكورون في الثقات والفضل وأهل العلم. ترجمنا لهم في غير هذا الموضع.

روى عنه: أحمد بن حنبل، وسفيان بن وكيع بن الجرّاح، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعليّ ابن المدينيّ، وغيرهم كثير. والقول في هؤلاء نفسه في السابقين. قال يحيى بن مَعين: ثقة. (تاريخ ابن مَعين ٢: ٤٨٤). وقال الدارميّ: ثقة. (تاريخه. الترجمة ٩٧). وقال وكيع: إن كان يُدفع بأحدٍ في زماننا فبأبي داود. وعن عليّ بن المديني: لا أعلمني رأيتُ أعبد من أبي داود الحَفَريّ. (الأنساب للسمعاني ٤: ١٧٣). وقال العجليّ: ثقةٌ، ثبت في الحديث وهو أثبت في سفيان من جماعة تاريخ الثقات ٣٥٨ / ١٢٣١.

وقال أبو حاتم: صدوق رجل صالح. (الجرح والتعديل ٦، الترجمة ٥٩٦).

٤١١

الرُكَيْن(١) ، عن القاسم بن حسان(٢) ، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تاركٌ فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيَّ الحوضَ»(٣) .

لقد كذب ابن تيميه عمداً أكثر من مرّة، إذ أقرّ بذكر الترمذيّ الحديث ثمّ عاد إلى الزعم بأنّ أحمد بن حنبل، وغيره من أهل العلم - كذا! - ضعّفوه، وقالوا: لا يصحّ!

ولقد وجدنا أحمد بن حنبل ذكره ولم يكذّبه! والحديث الذي ذكرناه عن المصنّف لابن أبي شيبة، المتقدّم على أحمد بن حنبل، وعلى الترمذيّ، وهو ذائع

____________________

(١) ترجمته في المعرفة والتاريخ في أجزائه الثلاث، وطبقات ابن سعد ٦: ٣٢٥، وثقات ابن حبّان ١: ١٣٣، وطبقات خليفة ١٦٤، ورجال صحيح مسلم ٥٠... وهو الركين بن الربيع بن عُمَيْلة الفزاريّ الكوفيّ.

(٢) روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعَدِيّ بن ثابت، وعكرمة مولى ابن عبّاس، والقاسم بن حسان (مذكور في سند الحديث) ويحيى بن يعمر... ؛ وهؤلاء بين صحابيّ وتابعيّ.

روى عنه: سفيان الثّوريّ، شعبة بن الحجّاج، وعبد الرحمان بن عبد الله المسعوديّ، ومسعر بن كدام، شريك بن عبد الله، ومعتمر بن سليمان، وزائدة بن قدامة... (والقول في هؤلاء مثل القول في سابقيهم، فهم: ثقة، وثقة ثبت، ويكتب قوله ويحتجّ به، وفيهم المتعبّد الذي يأتيه سفيان يتبرّك به... (انظر كتب تراجم الرجال).

بقي من السند: القاسم بن حسان، وزيد بن ثابت. فأمّا القاسم فقد قال العجليّ: تابعيّ ثقة. تاريخ الثقات ٣٨٦ / ١٣٦٥. وأمّا زيد بن ثابت، فهو صحابيّ مشهور.

(٣) المصنفّ لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٧: ٤١٨ / ٤١.

٤١٢

الصّيت في كتب الحديث والرجال ؛ ولذا أعرض الناصبيّ عنه.

ولم نجد في سند الحديث الذي ذكره ابن أبي شيبة أدنى ضعف، بل وقع إلينا بُعلوٍّ مُتَناهٍ.

و أيّ بيان أصرح من لفظه، يفهمه حتّى غير العربيّ ممّن تعلّم من العربيّة شيئاً، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد استخلف على المسلمين خليفتين حاكمين بالحقّ: القرآن الكريم، والعِتْرة الطاهرة أهل بيته، أحدهما ملازم للآخر حتّى يردا عليه الحوض. وليس للأمّة مخالفته والخروج عليه.

احتجاج ابن عبّاس بالحديث:

ولو لم يكن الحديث في إظهار المنزلة الخاصّة لأهل البيت: على النحو الذي ذكرناه، لما حفلت به كتب الحديث المعتبرة وتكلّم عليه العلماء، وكان ممّا يُحتجّ به من الصدر الأوّل فالعصور التالية.

عن محمّد به سلمة(١) ، عن خُصَيف(٢) ، عن مجاهد، قال: قيل لابن عبّاس: ما

____________________

(١) محمّد بن سَلَمة أبو عبد الله مولى لباهلة، وكان يسكن حرّان، وكان صدوقاً ثقة. وكان له فضل ورواية وفتوى. مات سنة إحدى وتسعين ومائة. طبقات ابن سعد ٧: ٣٣٦ / ٣٩٧٧. وذكره العجليّ في تاريخه قال: ثقة، وهو أرفع من عتاب بن بشير. تاريخ الثقات ٣٢٦ / ١٠٩٥.

(٢) خُصَيف بن عبد الرحمان الجَزَريّ الحرّانيّ الأُمويّ، مولى عثمان بن عفّان، ويقال: كان مولى معاوية بن أبي سفيان. رأى أنس بن مالك. وروى عن: سعيد بن جُبير، وسفيان الثّوريّ وهو من شيوخه، ومجاهد بن جَبْر، وعِكرمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وأبي الزّبير محمّد بن مسلم المكّيّ، ومِقْسَم، وأبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود... ؛ روى عنه: إسرائيل بن يونس،=

٤١٣

تقول في عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ذكرتَ واللهِ أحدَ الثّقلين، سَبقَ بالشّهادتين، وصلّى القَّبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السِّبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشّمس مرّتين بعد ما غابت عن الثّقلين(١) ، فمَثَلُه في الأمّة مَثَلُ ذي القَرْنين، ذلك مولاي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

فهذه شهادةٌ من ابن عبّاس المُجمعِ على وثاقِته وحُجّية ما يروي، ابتدأها ببلاغتِه المعهودة، فشهد لعليّعليه‌السلام أنّه أحدُ الثّقلين، وترك للسّامع معرفَة الثّقل الثاني ألا وهو القرآن الكريم. ولمّا كان القرآن الكريم معصوماً من الخطأ لأنّه من لَدُن الله عزّ وجلّ ؛ كان عليٌّ معصوماً لذلك، يعضده نزول آية المباهلة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنتِه الزهراء وبعلِها عليٍّ وابنيِه الحسن والحسين سبطي النبيّ، وحديث الكساء... وغير ذلك من الآيات والأحاديث الصريحة في عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

____________________

= وحجّاج بن أرطاة، وسفيان الثّوريّ، وسفيان بن عُيينة، وشريك بن عبد الله النخعيّ، وعبد الله بن أبي نُجيح، وهو من أقرانه، وفضيل بن غزوان، ومحمّد بن إسحاق بن يسار، وهو من أقرانه، ومحمّد بن سَلَمة الحرّانيّ، ومعمر بن راشد...

طبقات ابن سعد ٧: ٤٨٢، وطبقات خليفة ٣١٩، والبخاريّ الكبير ٣ / ترجمة ٧٦٦. والمعرفة والتاريخ ٢: ١٧٥، ومواضع أخرى، والتهذيب ٨: ٢٥٧ / ١٦٩٣... قال العجليّ: ثقة. تاريخ الثقات ١٤٣ / ٣٨١. وكذلك قال ابن سعد. وأمّا مجاهد، وابن عبّاس، فنترك الحكم عليهما لابن تيميه! وقد ترجمنا لمجاهد في موضع آخر، وقد أجمعوا على توثيقه. ونترك لابن تيميه الحكم على ابن عبّاس! فربّما قال: إنّه ابن عمّ عليّ ولذلك ذكر هذه الأحاديث الكثيرة في فضائله!

(١) هما الإنس، والجنّ، فمثلما الإنس فيهم مؤمنون وفيهم فاسقون، كذلك الجنّ. انظر سورة (الجنّ).

(٢) المناقب للخوارزميّ الحنفيّ ٣٣٠ حديث ٣٤٩، ومقتل الحسين، له ٤٧.

٤١٤

وأنّهم حمَلة القرآن بحقٍّ.

وتضمّن حديث ابن عبّاس حقائق أخري منها: سبقُ عليٍّعليه‌السلام إلى الإسلام، وأنّ منه كان سبطا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وردّ الشّمس عليه بعدَ مغيبِها، وأنّ عليّاً مولاهُ، وهو إشارةٌ إلى حديث الغدير. هذه الحقائق أنكرها ابن تيميه! وأثبتها علماء المذاهب، وتحدّثنا عليها في مواضعها.

حديث أمّ سلمة

ويرد الحديث عن المرأة الصالحة أمّ المؤمنين أمّ سلمة، مع زيادة فعنها رضي الله عنها، قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قُبضَ فيه، وقد امتلأت الحُجرة من أصحابه: «أيّها الناسُ، يوشَك أن أُقبض قبضاً سريعاً، وقد قدّمتُ إليكم القولَ معذرةً إليكم، ألاَ إنّي مخلّف فيكم الثّقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليٍّ فقال: هذا عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ، لا يفترقان حتّى يردا عَلَيّ الحوضَ فأسألُهما: ما أخْلَفتُم فيهما؟!».(١)

وهذا هو دأب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأمور الخطيرة، يذكّر أمّته بها في أكثر من مرّة وأكثر من موطن، ومن ذلك حديث الثّقلين، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب المسلمين في آخر حجّةٍ حجّها ولذا سمّيت حجّة الوداع وذكر حديث الثّقلين ونصب من

____________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر ٧٥. وحديث معيّة عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، أنكره الناصبيّ، يأتي الحديث عليه. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «معذرةً إليكم» أراد منه قطع المعاذير بعده على مَن يخرج على الثّقلين: القرآن وعليّ، وزاده بياناً: أنّ العِتْرة هي عليّ الملازم للقرآن».

٤١٥

الثّقل الثاني كبيرهم وأباهم عليّاً خليفةً. وها هوصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر يومٍ من عمره الشريف يعيد حديث الثّقلين وينصب عليّاً من جديد ويؤكّد التلازم بين عليّ والقرآن وأنّهما واردان عليه حوضه.

عن أبي سعيد التيميّ، عن أبي ثابت، قال: كنت مع عليٍّ يومَ الجمَل، فلمّا رأيتُ عائشة واقفةً، دخلَني بعضُ ما يدخل الناسَ! فكشف الله عنّي عند صلاة الظّهر فقاتلتُ مع أميرالمؤمنين فلمّا فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيتُ أمّ سلشمة فقلت: إنّي واللهِ ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكنّي مولىً لأبي ذرّ، فقالت: مرحباً، فقصصتُ عليها قصّتي فقالت: أين كنتَ حين طارت القلوبُ مطائِرَها؟ قال: إلى حيث كشف الله ذلك عنّي عند زوال الشمس.

قالت أحسنتَ، سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(١)

وقد ذكر الطحاويّ الحنفيّ حديث زيد بن أرقم، عن يزيد بن حيّان(٢) ،

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٤، والمعيار والموازنة ١٣٥، والمعجم الصغير للطبرانيّ ١: ٢٥٥، وفرائد السمطين ١: ١٧٦، والتلخيص للذهبيّ هامش المستدرك للحاكم وقال: صحيح أبو سعيد عقيصا ثقة مأمون.

(٢) يزيد بن حيّان التيميّ الكوفيّ، عمّ أبي حيّان التيميّ.

روى عن: زيد بن أرقم، وشُبرُمة بن الطّفيل، وعنبس بن عقبة وكدير الضّبيّ.

روى عنه: سليمان الأعمش، وسعيد بن مسروق الثّوريّ، وابن أخيه أبو حيّان التّيميّ. قال النسائيّ: ثقة. وذكره ابن حبّان في الثقات وروى له مسلم وأبو داود النّسائي. الثقّات لابن حبّان =

٤١٦

وحُصَين بن عُقبة(١) ، وعلّق عليه، قال: وطلبنا مَن روى عن يزيد بن حيّان سوى أبي حيان التيميّ ليكون قد حدّث عنه سوى أبي حيان مَن هو كأبي حيان في العدل فيكون قد حدّث عنه عَدْلان. فوجدنا الأعمش قد روى عنه كما قد: «...»(٢) وما قد «...»(٣) .

قال أبو جعفر الطحاويّ: فاحتمل في الرواية عنه الأعمش وابن حيّان ؛ فمَن أخرج عِتْرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم، من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا قد ذكرنا في هذه الآثار فجعلهم كسواهم ممّن ليس من أهل بيته وعترته كان ملعوناً إذ كان قد خالف رسول الله فيما فعل من ذلك.(٤)

وذكر الصدوق، قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن

____________________

= ٣: ١٣٤ / ٤٥٠٨، و ٤: ٣٩٥ / ٥٢٨٣، والمعرفة والتاريخ ١: ١٠٣، والجرح والتعديل ٩ / الترجمة ١٠٧٤.

(١) حُصَيْن بن عقبة، فزاريّ كوفيّ. يروي عن سلمان الفارسيّ وسمرة بن جندب وعليّ بن أبي طالب.

يروي عنه: يزيد بن حيّان التيميّ، وصالح بن خبّاب، وابنه مالك بن حُصَين.

ذكره ابن حبّان في الثقات ٢: ٨٩ / ٦٧٠. وترجم له ابن سعد في طبقاته ٦: ١٨٠، والبخاريّ الكبير ٣ / الترجمة ١٣، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٣ / الترجمة ٨٤٥.

(٢) مشكل الآثار للطحاويّ ٤: ٢٥٤ / ٣٧٩٨.

(٣) نفسه / ٣٧٩٩.

(٤) مشكل الآثار ٤: ٢٥٤.

٤١٧

إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ:، قال: سُئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعِتْرتي، من العِتْرة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديّهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يَرِدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضَه».(١)

حديث الفراقد

وبسندٍ عن مكحول، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اهتدوا بالشّمس، فإذا غابت الشّمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزُّهرة، فإذا غابت الزُّهرة فاهتدوا بالفرقدين». فقيل: يا رسول الله، ما الشّمس، وما القمر...؟ قال: «الشّمس أنا، والقمر عليّ، والزّهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين»(٢) .

سند حديث الفراقد:

مكحول الشاميّ(٣) ، روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلاً، وعن أُبَيّ بن كعب، ولم

____________________

(١) عيون أخبار الرضا للصدوق ٥٧.

(٢) شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ ١: ٧٧ حديث ٩١، ورواه الصدوق في معاني الأخبار ١١٤.

(٣) المعرفة والتاريخ ٢: ٢٣٢، ٢٣٦، وطبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣، وتاريخ عبّاس الدوري ٢: ٥٨٤، وتاريخ خليفة ٢٠٦، و ٣٤٥، وطبقاته ٣١٠، وتاريخ البخاريّ الكبير ٨ / الترجمة ٢٠٠٨، وتاريخ =

٤١٨

يُدركه، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب، وواثلة بن الأسقع وأبي هريرة، وعُبادَة بن الصّامت، وطاووس بن كيسان، وعُروة بن الزّبير، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وكُرَيب مولى ابن عبّاس، وشُرَحبيل بن السِّمط، وقبيصة بن ذُؤيب، وأبي إدريس الخولانيّ... وروى مرسلاً عن عائشة، وأمّ أيمن.

روى عنه: أسامة بن زيد الليثيّ، والحجّاج بن أرطاة، وحصين الفزاريّ، حُمَيد بن مسلم القرشيّ، وحُمَيد الطويل، وزيد بن واقد، وعبد الرّحمان الأوزاعيّ، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، و عبد القدّوس بن حبيب الشاميّ، ومحمّد بن إسحاق بن يَسار، ومحمّد بن مسلم بن شِهاب الزُّهريّ، والهيثم بن حُميد الغسّانيّ - وهو من أعلم الناس بقوله -، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ...

ذكره محمّد بن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام.(١)

وقال أبو حاتم: سمعت أبا مُسْهر وسألته فقال: سمع من أنس، ومن واثلة ابن الأسقع.(٢)

وقال التّرمذيّ: سمِعَ من واثلة، وأنس، وأبي هند الدّاريّ ويقال: إنّه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من هؤلاء الثلاثة.(٣)

____________________

= الثقات للعجليّ ٤٣٩، والمعارف لابن قتيبة ٤٥٢ - ٤٥٣، والثقات لابن حبّان ٥: ٣٥٠، والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ١٨٦٧، ورجال صحيح مسلم ١٧٩.

(١) طبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣.

(٢) الجرح والتعديل: ٨ / الترجمة ١٨٦٧.

(٣) الترمذيّ ٤: ٢٧ / ٢٥٠٦.

٤١٩

وقال يونس بن بُكَير، عن محمّد بن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفت الأرض كلّها في طلب العلم(١) .

وعن الزّهريّ: العلماء أربعةٌ: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشّعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.(٢)

وذكره العجليّ في تاريخه، قال: مكحول الدمشقيّ تابعيّ ثقة.(٣)

يعقوب بن سفيان الفسويّ قال: حدّثنا عليّ بن عثمان النّفيليّ قال: حدّثنا أبو مسهر، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: لم يكن أحد في زمن مكحول أبصر بالفُتيا منه...(٤) .

وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشّام أفقه من مكحول(٥) .

توفّي مكحول سنة ثماني عشرة ومائة(٦) .

محمّد بن المنكدر(٧) : ومحمّد بن المنكدر الذي روى حديث الفراقد عن

____________________

(١) الجرح والتعديل: ٨ /  الترجمة ١٨٦٧.

(٢) نفسه، وحلية الأولياء ٥: ١٧٩.

(٣) تاريخ الثقات للعجليّ ٤٣٩ / ١٦٢٨.

(٤) المعرفة والتاريخ للفسويّ ٢: ٢٣٢.

(٥) الجرح والتعديل: ٨ / الترجمة ١٨٦٧.

(٦) طبقات ابن سعد ٧: ٤٥٣.

(٧) تاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٠، وتاريخ خليفة ٣٩٥، وطبقاته ٢٦٨، وتاريخ البخاريّ الكبير ٢ / الترجمة ٦٩١، والمعارف لابن قتيبة ٤٦١، وتاريخ الثقات للعجليّ ٤١٤ / ١٥٠٦، والثقات ٥: ٣٥٠، =

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492