ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169233 / تحميل: 5900
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فجئنا إلى مَوج من البحر وَسْطَهُ

أحابِيشُ منهم حاسِرٌ وَمُقَنَّعُ

ثلاثةُ آلافٍ ونَحْنُ نَصِيَّةٌ

ثَلَاثُ مِئينَ إِنْ كَثُرْنَا فأرْبَعُ

٤٨٢ ـ وقال الحكم بن عُتَيبة : أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية [من الذهب] ، فنزلت فيه [هذه] الآية.

٤٨٣ ـ وقال محمد بن إسحاق عن رجاله : لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فَلّهُم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيرهم ـ مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعِكْرِمة بن أبي جهل ، وصَفْوان بن أمَيّة ، في رجال من قريش أُصِيبَ آباؤُهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلّموا أبا سفيان بن حرب ، ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال الذي أَفْلَتَ على حربه ، لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا. ففعلوا ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

[٢٣٤]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [٦٤]

٤٨٤ ـ أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، قال : حدَّثنا صفْوَان بن المغلس ، قال : حدَّثنا إسحاق بن بشر ، قال : حدَّثنا خلف بن خليفة عن [أنس بن] أبي هاشم الرّماني عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ، ثم إن عمر أسلم فصاروا

__________________

[٤٨٢] عزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٤٨٣] أخرجه ابن جرير (٩ / ١٦٠).

وعزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

[٤٨٤] إسناده ضعيف : إسحاق بن بشر الكاهلي : قال ابن حبان في المجروحين (١ / ١٣٥) : كان يضع الحديث على الثقات. والحديث أخرجه الطبراني (١٢ / ٦٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٨) وقال : فيه إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذاب. وعزاه في الدر (٣ / ٢٠٠) للطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٤١

أربعين ، فنزل جبريلعليه‌السلام بقوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

[٢٣٥]

قوله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) الآية [٦٧]

٤٨٥ ـ قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء ، وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استشار في أسَارَى بدر ، فقال المسلمون : يا رسول الله بنو عمك افدهم. فقال عمر لا يا رسول الله اقتلهم. قال فنزلت هذه الآية :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) .

٤٨٦ ـ وقال ابن عمر : استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الأسارى أبا بكر ، فقال : قومك وعشيرتك ، خلَّ سبيلهم. واستشار عمر فقال : اقتلهم. فَفَادَاهمْ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأَنزل الله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله تعالى :( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) قال : فلقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر ، فقالَ : كاد أن يصيبنا في خِلَافِكَ بلاء.

٤٨٧ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحِيرِي ، قال : أخبرنا حاجب بن

__________________

[٤٨٥] هذا الأثر يتفق مع قول عمر بن الخطاب : وافقت ربيعزوجل في ثلاث إلخ أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٤)

[٤٨٦] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه مسنداً الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٢٩) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله : صحيح على شرط مسلم.

قلت : في إسناده إبراهيم بن مهاجر : قال يحيى القطان : لم يكن بقوي ، وضعفه يحيى بن معين وقال ابن حبان في الضعفاء والمجروحين (١ / ١٠٢) : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات.

وقال ابن عدي : هو عندي أصلح من إبراهيم الهجري وحديثه يكتب في الضعفاء.

وعلى ذلك : هذا الحديث لا يصل إلى درجة الصحة.

والحديث عزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٠٢) لأبي نعيم في الحلية والحاكم.

[٤٨٧] أخرجه الترمذي في الجهاد (١٧١٤) وفي التفسير (٣٠٨٤) وقال : حسن ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

٢٤٢

أحمد ، قال : حدَّثنا محمد بن حماد ، قال : حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي عُبيدة ، عن عبد الله ، قال :

لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟

فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم واسْتَأْنِ بهم ، لعل اللهعزوجل [أن] يتوب عليهم.

وقال عمر : كذّبوك وأخرجوك ، فقدِّمهم فاضرب أعناقهم.

وقال عبد الله بن رَوَاحَة : يا رسول الله انظر وادياً كثيرَ الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرم عليهم ناراً. فقال العباس : قطعت رحمك.

فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجبهم ثم دخل ، فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ، ثم خرج عليهم فقال :

إن اللهعزوجل لَيُلينُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللَّبَن ، وإن اللهعزوجل لَيُشَدِّدُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، قال :( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، قال :( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال :( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ومثلك يا عمر كمثل نوح ، قال :( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) .

__________________

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٨٣) والحاكم (٣ / ٢١) وصححه ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير (١٠ / ١٧٧) : وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٨٧) وقال : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورجاله ثقات ، وعزاه لأبي يعلى وأحمد والطبراني.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٠١) لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

٢٤٣

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنتم اليوم عَالة ، أنتم اليوم عَالة ، فلَا ينْقَلِبَنَّ منهم أحدٌ إلا بفداء أو ضرب عنق. قال : فأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى آخر الآيات الثلاث.

٤٨٨ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا أبو نُوح قُرَاد ، قال : حدَّثنا عَكْرِمة بن عمار ، قال : حدَّثنا سِمَاكٌ الحنَفيِ أبو زُمَيْل ، قال : حدَّثني ابن عباس ، قال : حدَّثني عمر بن الخطاب ، قال :

لما كان يوم بدر والتقوا ، فهزم الله المشركين وقُتِلَ منهم سبعون رجلاً وأسر [منهم] سبعون رجلاً ـ استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر وعلياً ، فقال أبو بكر : يا نبي الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفِدْية ، فيكونَ ما أخذنا منهم قُوَّةَ لنا على الكفار ، وعسى الله أن يَهْدِيَهُمْ [للإسلام] ، فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عَقِيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان ـ أخيه ـ فيضرب عنقه ، حتى يعلم اللهعزوجل أنه ليس في قلوبنا هَوَادَة للمشركين ، هؤلاء صَنَادِيدهُم وأئمتهم وقادتهم. فَهَوِيَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ما ذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت [لبكائكما]. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُكَ مِن الفداء ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكم

__________________

[٤٨٨] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (٥٨ / ١٧٦٣) ص ١٣٨٣.

وأبو داود في الجهاد (٢٦٩٠) مختصراً.

والترمذي في التفسير (٣٠٨١) مختصراً.

وأحمد في مسنده (١ / ٣٠ ، ٣٢).

والطحاوي في مشكل الآثار (٤ / ٢٩١).

والبيهقي في الدلائل (٣ / ١٣٧)

٢٤٤

أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة ـ وأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله :( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ ) من الفداء( عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

رواه مسلم في الصحيح عن هَنّاد بن السَّرِيّ ، عن ابن مبارك ، عن عكرمة ابن عمار.

[٢٣٦]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ) الآية [٧٠].

٤٨٩ ـ قال الكلبي : نزلت في العباس بن عبد المطلب ، وعقيِل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث وكان العباس أُسِرَ يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب ، كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس ، وكان أحد العشرة الذين ضَمِنُوا إطعام أهل بدر ، ولم يكن بلغته النَّوْبَةُ حتى أُسر ، فأُخذتْ معه وأخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم منه. قال : فكلمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني فداء ، فأبى عليَّ وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا. وكلفني فداء ابن أخي عَقِيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة فقلت له : تركتني والله أسأل قريشاً بكفي والناس ما بقيت ، قال : فأين الذهب الذي دفعته إلى أمِّ الفَضْل [قبل] مخرجك إلى بدر ، وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقُثَم؟ قال : فقلت : وما يدريك؟ قال : أخبرني الله بذلك. قلت : أشهد إِنك لصادق ، وإني قد دفعت إليها بالذهب ولم يطلع عليه أحد إلا الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال العباس : فأعطاني الله خيراً مما أخذ مني ـ كما قال ، عشرين عبداً كلهم يَضْرِبُ بمال كثير مكان العشرين الأوقية ، وأنا أرجو المغفرة من ربي.

__________________

[٤٨٩] الكلبي ضعيف.

٢٤٥

سورة براءة

[٢٣٧]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) [١٢].

٤٩٠ ـ قال ابن عباس : نزلت في (أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسُهَيل بن عمرو ، وعكرِمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد) ، وهم الذين هَمُّوا بإخراج الرسول).

[٢٣٨]

قوله تعالى :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) [١٧].

٤٩١ ـ قال المفسرون : لما أسر (العباس يوم بدر) أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعته الرحم ، وأغلظ عَلِيّ له القولَ. فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ فقال له (عليّ) : ألكم محاسن؟ قال : نعم ، إِنا لنعمر (المسجد الحرام) ، ونَحْجُبُ (الكعبة) ، ونسقي الحاج ، ونفك العَانِي. فأنزل اللهعزوجل رداً على العباس :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) الآية].

__________________

[٤٩٠] بدون إسناد.

[٤٩١] بدون إسناد.

٢٤٦

[٢٣٩]

قوله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية [١٩]

٤٩٢ ـ أخبرنا أبو إسحاق الثعالبيرحمه‌الله ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد الوَزَّان ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد [بن جعفر] بن عبد الله المُنادِي ، قال : أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا أبو توبة الرَّبيع بن نافع الحلبي ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، قال : حدثنا النعمان بن بشير ، قال :

كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحَاجَّ ، وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أَعْمُرَ المسجد الحرام ، وقال آخر : الجهاد في سبيل اللهِ أفضل مما قلتم. فزجرهم (عمر) وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يوم الجمعة. ولكّني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما اختلفتم فيه. ففعل ، فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إلى قوله تعالى :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني ، عن أبي توبة).

٤٩٣ ـ وقال ابن عباس في رواية الوالبي : قال (العباس بن عبد المطلب) حين أسر (يوم بدر) : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نَعْمُرُ (المسجدَ

__________________

[٤٩٢] أخرجه مسلم في الإمارة (١١١ / ١٨٧٩) ص ١٤٩٩.

وأخرجه أحمد في مسنده (٤ / ٢٦٩) وابن جرير (١٠ / ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

قلت : لم أجده في أبي داود.

[٤٩٣] الوالبي هو : علي بن أبي طلحة وهو لم يسمع من ابن عباس.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ٦٧) وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٤٧

الحرام) ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني. فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية.

٤٩٤ ـ وقال الحسن والشّعبي والقُرَظي : نزلت الآية في (علي ، والعباس ، وطلحة ابن شَيْبَة) : وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه [ولو أشاء بتُّ فيه] وإِليَّ ثيابُ بَيْته. وقال العباس : أنا صاحب السِّقَاية والقائم عليها. وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٤٩٥ ـ وقال ابن سيرين ومُرّة الهمداني : قال (علي للعباس) : ألا تهاجر؟ ألا تلحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ فقال : ألست في [شيء] أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر (المسجد الحرام)؟ فنزلت هذه الآية [ونزل قوله تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا ) الآية].

[٢٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ ) الآية. [٢٣]

٤٩٦ ـ قال الكلبي : لما أُمِرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (بالهجرة إلى المدينة) ، جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ، ومنهم من تتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون : ننشدك الله أن تدعنا إلى غير شيء فتضيعنا فنضيع ، فيرقّ فيجلس معهم ويدع الهجرة. فنزل قول الله تعالى يعاتبهم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ ) الآية.

ونزل في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى :( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ) إلى قوله :( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) يعني القتال وفتح مكة.

__________________

[٤٩٤] مرسل.

[٤٩٥] مرسل.

[٤٩٦] الكلبي ضعيف.

٢٤٨

[٢٤١]

ـ قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) . [٣٤].

نزلت في العلماء والقراء من (أهل الكتاب) ، كانوا يأخذون الرّشا من سِفْلتهم ، وهي : المآكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.

[٢٤٢]

قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) الآية. [٣٤]

٤٩٧ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا محمد بن نصير ، قال : حدَّثنا عمرو بن زُرَارَة ، قال : حدَّثنا هشيم ، قال : حدَّثنا حصين ، عن زيد بن وَهْب ، قال :

مررت بالرَّبَذَةِ فإذا أنا بأبي ذَرّ ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه كلام في ذلك ، وكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليَّ عثمان : أن اقدم المدينة. فقدمتها فكثر الناس عليَّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرتُ ذلك لعثمان ، فقال : إن شئت تَنَحَّيْتَ وكنتَ قريباً ، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبِشِيَّاً لسمعت وأطعت ...

رواه البخاري عن قُتَيْبة ، عن جَرير ، عن حُصَين.

ورواه أيضاً عن علي ، عن هُشَيم.

والمفسرون أيضاً مختلفون : فعند بعضهم : أنها في أهل الكتاب خاصة).

__________________

[٤٩٧] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤٠٦) وفي التفسير (٤٦٦٠).

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٣٨)

٢٤٩

٤٩٨ ـ وقال السدي : هي في أهل القبلة).

٤٩٩ ـ وقال الضحاك : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين).

٥٠٠ ـ قال عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال : يريد من المؤمنين).

٥٠١ ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار ، قال : حدَّثنا سليمان بن أيوب الطَّبَرَانِي ، قال : حدَّثنا محمد بن داود بن صدقة ، قال : حدَّثنا عبد الله بن مُعافى ، قال : حدَّثنا شَرِيك ، عن محمد بن عبد الله المُرادِي ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن سالم بن أبي الجَعْد ، عن ثَوْبان ، قال :

لما نزلت :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تباً للذهب والفضة ، قالوا : يا رسول الله فأي المال نكنز؟ قال : قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وزوجةً صالحةً.

[٢٤٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ) الآية [٣٨].

٥٠٢ ـ نزلت في الحث على (غزوة «تَبُوك») وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع

__________________

[٤٩٨] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لابن أبي حاتم.

[٤٩٩] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لأبي الشيخ.

[٥٠٠] بدون إسناد.

[٥٠١] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٩٤) وقال : هذا الحديث حسن ، سألت محمد بن إسماعيل فقلت له : سالم بن أبي الجعد سمع ثوبان؟ فقال : لا.

قلت : قال الحافظ في تهذيب التهذيب عن أحمد : لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه بينهما معدان بن أبي طلحة وليست هذه الأحاديث بصحاح. والحديث أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٢٧٨ ، ٢٨٢) وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٠ / ٨٤).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٣٢) لابن ماجة وابن أبي حاتم وابن شاهين وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية. وفاته عزو الحديث لابن جرير.

[٥٠٢] أخرجه ابن جرير (١٠ / ٩٤) عن مجاهد.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٣٧) لسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

٢٥٠

من الطائف وغزوة حُنَين ، أمر بالجهاد لغزو الروم ، وذلك في زَمان عسرة من الناس وجَدْبٍ من البلاد ، وشدة من الحر ، حين أخرفت النخل وطابت الثمار. فعظم على الناس غزو الروم ، وأحبوا الظلال ، والمقام في المساكن والمال ، وشق عليهم الخروج إلى القتال. فلما علم الله تَثَاقُل الناس أنزل هذه الآية].

[٢٤٤]

قوله تعالى :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) . [٤١].

نزلت في الذين اعتذروا بالضَّيْعَة والشغل وانتشار الأمر ، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا ، على ما كان منهم.

٥٠٣ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان [وهو علي بن زيد] عن أنس ، قال :

قرأ أبو طلحة( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) فقال : ما أسمع الله عَذَر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.

٥٠٤ ـ وقال السُّدّي : جاء المِقْدَادُ بن الأَسْوَد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عظيماً سميناً ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت فيه :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) .

فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس ، فنسخها الله تعالى وأنزل :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ) الآية.

ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى :( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً ) الآية ، وقوله تعالى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) وذلك أن

__________________

[٥٠٣] في إسناده : علي بن زيد بن جدعان : قال الحافظ في التقريب : ضعيف وذكره ابن حبان في المجروحين (٢ / ١٠٣).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن سعد وابن أبي عمر في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه.

وفات السيوطي عزو الحديث لابن جرير (١٠ / ٩٧)

[٥٠٤] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن حاتم وأبي الشيخ عن السد.

٢٥١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثَنَّيةِ الوَدَاع ، وضرب (عبد الله بن أُبَيّ) عَسْكَرَه على ذي جُدَّة أسفلَ من ثَنِيَّةِ الوَدَاع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. فأنزل الله تعالى يعزّي نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) الآية.

[٢٤٥]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ) الآية. [٤٩].

٥٠٥ ـ نزلت في (جَدّ بن قَيْس المنافق) ، وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لَمَا تجهز (لغزوة تبوك) قال له : يا أبا وَهْب ، هل لك في جِلَادِ بني الأصْفَر تتخذ منهم سراري ووُصَفَاء؟ فقال : يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء ، وإني أخشى إن رأيت بنات [بني] الأصفر أن لا أصبر عنهن ، فلا تفتني بهن ، وائذن لي في القعود عنك فأعينَك بمالي ، فأعرض عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبني سلمة. وكان الجد منهم ـ : من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا : الجَدُّ بن قيس ، غير أنه بخيل جبان. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأي داء أدْوَى من البخل ، بل سيدكم الفتى الأبيض ، الجَعْدُ : بِشْرُ بن البَرَاء بن معرور». فقال فيه حسان بن ثابت :

وقال رسول الله والحق لا حق

بمن قال منا : مَن تعدون سيدا

فقلنا له : جدُّ بن قيس على الذي

نبخله فينا وإن كان أنكدا

فقال : وأيّ الداء أدْوَى مِنَ الذي

رميتم به جَدَّاً وعَالَى بها يدَا

وسوَّد بشر بن البرَاءِ بجودِه

وحُقَّ لبشر ذي الندا أن يُسَوَّدَا

__________________

[٥٠٥] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه الطبراني (١٢ / ١٢٢) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣٠) وقال فيه يحيى الحماني وهو ضعيف.

قلت في إسناده أيضاً : بشر بن عمارة وهو ضعيف.

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٤٧) لابن المنذر وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٤) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

قلت : هذا فيه انقطاع : علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.

٢٥٢

إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله

وقال : خذوه إنه عائد غدا

وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) الآية [٦٠].

[٢٤٦]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٥٨].

٥٠٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلبي ، قال : حدَّثنا عبد الله بن حامد ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : حدَّثنا مَعْمَر ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخُدْرِي ، قال :

بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقسم قسماً ، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التَّمِيمِي ، وهو حرْقُوص بن زُهَير أصل الخوارج ، فقال : اعدل فينا يا رسول لله ، فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. رواه البخاري عن عبد الله بن محمد ، عن هشام عن معمر.

٥٠٧ ـ وقال الكلبي : نزلت في المؤلفة قلوبهم ، وهم المنافقون ، قال رجل

__________________

[٥٠٦] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٠) وفي كتاب الأدب (٦١٦٣) وفي كتاب استتابة المرتدين (٦٩٣٣).

وأخرجه مسلم في الزكاة (١٤٨ / ١٠٦٤) ص ٧٤٤.

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٤٠).

وزاد المزي في تحفة الأشراف (٤٤٢١) للنسائي في فضائل القرآن.

وأخرجه ابن ماجة في السنة (١٦٨).

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٩).

وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٥٦) والبيهقي في السنن (٨ / ١٧١).

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٠) للبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

وفاته عزو الحديث لأحمد والبيهقي.

[٥٠٧] الكلبي ضعيف ، وما ذكره مر في الحديث السابق.

٢٥٣

[منهم] يقال له : أبو الجَوَّاظ ، للنبيعليه‌السلام : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) .

[٢٤٧]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) الآية [٦١].

نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون [فيه] ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقعَ بنا ، فقال الجلاس بن سويد : نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٨ ـ وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نَبْتَل بن الحارث ، وكان رجلاً أدلم أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة. وهو الذي قال [فيه] النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث. وكان ينم بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنافقين ، فقيل له :

لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن مَنْ حدَّثه شيئاً صدَّقه ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٩ ـ وقال السّدّي : اجتمع ناس من المنافقين ـ فيهم جُلَاس بن سُوَيد بن الصامت ، ووديعة بن ثابت ـ فأرادوا أن يقعوا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحَقَرُوه فتكلموا وقالوا : [والله] لئن كان ما يقوله محمد حقاً لنحن شر من الحمير. [فغضب الغلام فقال : والله إن ما يقول محمد حق وإنكم لشر من الحمير] ثم أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره ، فدعاهم فسألهم فحلفوا أن عامراً كذاب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، وقال : اللهم لا تفرَّق بيننا حتى تبيَّن صِدْقَ

__________________

[٥٠٨] أخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٦) عن ابن إسحاق ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٥٠٩] مُرسل. وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) لابن أبي حاتم.

٢٥٤

الصادق من كذب الكاذب. فنزلت فيهم( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) ونزل قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ) .

[٢٤٨]

قوله تعالى :( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ) الآية [٦٤].

٥١٠١ م ـ قال السُّدِّي : قال بعض المنافقين : والله لوددت أني قُدِّمت فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله هذه الآية.

٥١٠ م ـ وقال مجاهد : كانوا يقولون القول بينهم ، ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.

[٢٤٩]

قوله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) الآية. [٦٥].

٥١١ ـ قال قتادة : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، إذ قالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات له ذلك ، فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : احبسوا عليَّ الرَّكْبَ ، فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥١٢ ـ قال زَيْد بن أَسْلَم ، ومحمد بن كعب : قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألْسُناً ، ولا أجبن عند

__________________

[٥١٠١] مرسل.

[٥١٠] م مرسل.

[٥١١] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٩)

[٥١٢] بدون إسناد.

٢٥٥

اللقاء ـ يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ـ فقال له عوْفُ بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخْبِرَنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فذهب عوف ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فجاء ذلك الرجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.

٥١٣ ـ أخبرنا أبو نصر محمد [بن محمد] بن عبد الله الجَوْزَقِي ، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني ، حدثنا محمّد بن ميمون الخياط ، حدثنا إسماعيل بن داود المهْرَجَاني ، حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :

رأيت عبد الله بن أبيّ يسير قدَّام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والحجارة تَنْكُبُه وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :( أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) .

[٢٥٠]

قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ) الآية. [٧٤].

٥١٤ ـ قال الضحاك : خرج المنافقون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك فكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعضه سبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وطعنوا في الدين ، فنقَل ما قالوا حذيفةُ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال [لهم] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم؟ فحلفوا ما قالوا شيئاً من ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذاباً لهم.

٥١٥ ـ وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، رجل من جُهَيْنَة ورجل من

__________________

[٥١٣] إسناده ضعيف : إسماعيل بن داود : ضعيف ، ذكره ابن حبان في المجروحين [١ / ١٢٩] وذكر هذا الحديث من منكراته.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبي الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواة مالك.

[٥١٤] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٥١٥] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٥٦

غفار ، فظهر الغِفَارِيّ على الجُهَيْنيّ ، فنادى عبد الله بن أبيّ : يا بني الأوْس ، انصروا أخاكم فو الله ما مَثلُنَا ومثَلُ محمد إلا كما قال القائل : سمَّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعَزُّ منها الأذل ، فسمع بها رجل من المسلمين ، فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره فأرسل إليه ، فجعل يحلف بالله ما قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥١]

قوله تعالى :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) [٧٤].

٥١٦ ـ قال الضحاك : هموا أن يدفعوا [النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] ليلة العَقَبَة ، وكانوا قوماً قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم معه. فجعلوا يلتمسون غِرّته ، حتى أخذ في عَقَبَة ، فتقدَّم بعضهم ، وتأخر بعضهم ، وذلك كان ليلاً ، قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، وكان قائده في تلك الليلة عمّار بن ياسر ، وسائقه حُذَيفة ، فسمع حُذَيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين ، فقال : إليكم [إليكم] يا أعداء الله ، فأمسكوا ومضى النبيعليه‌السلام حتى نزل منزلة الذي أراد ، فأنزل الله تعالى قوله :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) .

[٢٥٢]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا ) [٧٥].

٥١٧ ـ أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ، قال : حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الجوْنيّ ، قال :

__________________

[٥١٦] مرسل.

[٥١٧] إسناده ضعيف جداً : معان بن رفاعة السلامي : قال ابن حبان : منكر الحديث [مجروحين ٣ / ٣٦] ، القاسم بن عبد الرحمن : منكر الحديث [مجروحين ٢ / ٢١١] ، علي بن يزيد أبي عبد الملك : ضعيف والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ٢٦٠) والبيهقي في الدلائل (٥ / ٢٨٩) وابن جرير (١٠ / ١٣٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣١ ـ ٣٢) وقال : رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٦٠) للحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والعسكري في الأمثال وابن مندة والباوردي وأبي نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه وابن عساكر.

٢٥٧

حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا محمد بن شعيب ، قال : حدثنا معاذ بن رفاعة السّلامي ، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد ، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن،عن أبي أمامة الباهلي :

أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ويحك يا ثعلبة ، قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ثم قال مرة أخرى : أما تَرْضى أن تكون مثلَ نبي الله ، فو الذي نفسي بيده ، لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهباً لسالت. فقال : والذي بعثك بالحق [نبياً] لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأوتِيَنَّ كلَّ ذي حق حقه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالاً. فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة ـ فسأل رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما فعل ثعلبة؟ فقال : اتخذ غنماً وضاقت عليه المدينة ، وأخبره بخبره ، فقال : يا ويح ثعلبة ـ ثلاثاً ـ وأنزل اللهعزوجل :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) وأنزل فرائض الصدقة ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين على الصَّدقَة ـ رجلاً من جُهَيْنَةَ ورجلاً من بني سليم ـ وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة ، وقال لهما : مُرا بثعلبة وبفلان ـ رجل من بني سليم ـ فخذا صدقاتهما. فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول اللهعليه‌السلام فقال ثعلبة : ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية! ما أدري ما هذا! انطلقا حتى تَفْرُغَا ثم تعودا إليَّ. فانطلقا وأخبرا السلمي ، فنظر إلى خِيَارِ أسْنَان إبله فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب هذا عليك ، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال : بل يخذوه ، فإن نفسي بذلك طَيِّبَة ، وإنما هي إبلي. فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما [حتى] أنظر فيه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية! انطلقا حتى أرى رأْيي. فانطلقا حتى أتيا النبيعليه‌السلام ، فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ، قبل أن يكلمهما ، ودعا للسُّلَمِيّ ، بالبركة. وأخبروه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلمي ، فأنزل اللهعزوجل :( وَمِنْهُمْ مَنْ

٢٥٨

عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَ ) إلى قوله تعالى :( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) وعند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله تعالى فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبيعليه‌السلام فسأله أن يقبل منه صدقته ، فقال : إن الله قد منعني أن أقبل [منك] صدقتك ، فجعل يَحْثُو التراب على رأسه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا عملك! قد أمرتك فلم تطعني. فلما أبي أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله. وقُبِضَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقبل منه شيئاً ، ثم أتى أبا بكر حين استخْلِفَ فقال : قد علمت منزلتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أقبلها؟ فقُبِضَ أبو بكر وأبى أن يقبلها. فلما ولي عمر بن الخطاب أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، اقبل صدقتي. فقال : لم يقبلها رسول اللهعليه‌السلام ، ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها. وقُبِضَ عمر ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها [منك]؟ فلم يقبلها عثمان ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان.

[٢٥٣]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٧٩].

٥١٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ، قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العِجْلي ، حدثنا شُعْبَة ، عن سليمان عن أبي وائل ، عن أبي مسعود ، قال :

__________________

[٥١٨] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤١٥) وفي التفسير (٤٦٦٨) وأخرجه مسلم في الزكاة (٧٢ / ١٠١٨) ص ٧٠٦.

وأخرجه النسائي في الزكاة (٥ / ٥٩) وأخرجه في التفسير (٢٤٣) وأخرجه ابن ماجة في الزهد (٤١٥٥) ببعضه. وابن جرير (١٠ / ١٣٦).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٦٢) للبخاري ومسلم وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

٢٥٩

لما نزلت آية الصدقة [كنا نُحَامِل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي ، و] جاء رجل فتصدق بصاع فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ) رواه البخاري عن أبي قُدَامة : عُبيد الله بن سعيد ، عن أبي النعمان.

٥١٩ ـ وقال قتادة ، وغيره : حث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال : يا رسول الله ، ما لي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت ـ فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى إنه خلَّف امرأتين يوم مات فبلغ ثُمْنُ ماله لهما مائةً وستين ألف درهم ـ وتصدق يومئذٍ عاصم بن عَدِي بن العَجْلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال : يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يَنْثُرَهُ في الصدقات ، فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أحب أن يذكر نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥٤]

قوله تعالى :( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) الآية. [٨٤].

٥٢٠ ـ حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن نصر ، أخبرنا يوسف بن عاصم الرَّازي ، حدثنا العباس بن

__________________

[٥١٩] مرسل.

[٥٢٠] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (١٢٦٩) وفي كتاب اللباس (٥٧٩٦) وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٥ مكرر / ٢٤٠٠) ص ١٨٦٥ وفي صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢٧٧٤) ص ٢١٤١ والترمذي في التفسير (٣٠٩٨) والنسائي في المجتبى في الجنائز (٤ / ٣٧) وفي التفسير (٢٤٤) وابن ماجة في الجنائز (١٥٢٣) والبيهقي في السنن (٣ / ٤٠٢) ، (٨ / ١٩٩) وفي الدلائل (٥ / ٢٨٧) وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٤١).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٦٦) لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

ينطق عن الهوى؟

- عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله: «أيّتُكنّ صاحبة الجمل الأدبب يُقتل حولَها قتلى كثيرةٌ تنجو بعد ما كادت».(١)

فإذا لم يسمع ابن تيميه الحديث الأوّل، أو أنّه لم يفهم مفاده! فهل غاب عنه هذا الحديث الصريح بخروجها للقتال وأنّها تكاد أن تهلك؟

- عن أبي بكرة قيل له: ما منعك أن تكون قاتلتَ على بصيرتك يوم الجمل؟ قال: سمعتُ رسول الله يقول: «يخرُج قوم هَلْكى لا يُفلحون، قائدهم امرأة».(٢)

فهم خارجة على إمامهم الحقّ، ولذا لن يُفلحوا ومصيرهم البَوار «هَلكى»، وقائدهم إلى الهلاك امرأة، ولم يكن معهم يومئذ إلاّ عائشة تتقدّمهم على جملٍ يخدعون النّاس بوجودها معهم ليسوقوهم إلى حربٍ خاسرةٍ ؛ وهذا من أعلام النبوّة إذ وقع الأمر كما أنبأصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لم تنسَ عائشة كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلاّ أنّها سارت على مقدّم القوم حتّى إذا نبحتها كلاب الحَوْأب(٣) فقالت: ما اسمُ هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها: الحوأب ؛ «فصرخت بأعلى صوتها، ثم ضربت عَضُد بعيرها فأناخته، ثمّ قالت: أنا

____________________

(١) المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٥٣٨ / ٣٧٧٤.

(٢) المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٥٣٨ / ٣٧٧٧.

(٣) الحوأب: موضع بئر في طريق البصرة. معجم البلدان ٢: ٣١٤.

٤٤١

والله صاحبة ماء الحوأب طُروقاً، رُدّوني، تقول ذلك ثلاثاً...»(١) .

وفي الفتوح: «... فقالت عائشة: ردّوني، فقيل لها: ولِمَ ذلك؟ فقالت: لأنّي سمعتُ رسول الله وهو يقول: «كأنّي بامرأة من نسائي تنبح عليها كلاب الحوأب، فاتّقي الله أن تكوني أنتِ يا حُمَيراء»(٢) .

وعن الشعبيّ عن ابن عبّاس، قال: طرقت عائشة وطلحة والزبير ماء الحوأب ومَن معهم ليلاً، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة، فنبحتهم كلاب الحوأب، فنفرَت صِعابُ إبلهم، فقال قائل: لعن الله أهل الحوأب ما أكثر كلاَبهم! قالت عائشة: أيّ ماء هذا؟

فقال محمّد بن طلحة وعبد الله بن الزبير: هذا ماء الحوأب، فقالت عائشة: والله لا صحبتُكم، رُدّوني رُدّوني، إنّي سمعتُ رسول الله يقول: كأنّي بكلاب ماءٍ يُدعى الحوأب قد نبحت على امرأةٍ من نسائي في فئةٍ باغية! ثمّ قال: لعلّك أنت يا حُمَيراء، قالت: ثمّ دعا عليّاً فناجاه بما شاء» رُدّوني رُدّوني.(٣)

أوّل شهادة زور في الأسلام:

إلاّ أنّ الرجال الذين زعم ابن تيميه أنّهم مثل عائشة لم يخرجوا لقتال عليّ، فإنّهم أقاموا لها خمسين رجلاً من الأعراب يشهدون أنّه ليس ماء الحوأب،

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٧٥.

(٢) الفتوح: ابن أعثم ٢: ٢٨٨، أنساب الأشراف ٣: ٢٤.

(٣) المعيار والموازنة: الإسكافيّ المعتزليّ (المتوفّى ٢٢٠ هـ) ٥٥.

٤٤٢

وجعلوا لهم جُعلاً - أي مالاً - وكانت أوّل شهادة زور أقيمت في الإسلام.(١)

وقد حلف لها عبد الله بن الزبير فقال: ليس هذا ماء الحوأب.(٢)

إنّ أمّ المؤمنين تيقّظت إلى نفسها، فهي في فئةٍ باغية أي مقاتلة لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فهلاّ رجعت ولم تلتفت إلى حلف ابن الزبير ولا إلى تلك الشهادة المزوّرة؟ وهلاّ قدّمت شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على شهادة الأعراب؟! وبعد كلّ ذلك هل يصحّ قوله أنّهم جميعاً لم يخرجوا محاربين عليّاً؟

ثمّ أيّ إصلاح خرجت أمّ المؤمنين إليه في البصرة، ولم يكن فيها قتال ولا فتنة، إنّما صارت الفتنة ووقع القتال لمّا خرجوا إليها وأحدثوا فيها ما أحدثوا على ما سنذكره قدر الوسع.

ولقد ناقض ابن تيميه نفسه وهو يتحدّث عن عائشة، فأثبت ما نفاه من خروجها للقتال. قال: وأيضاً عائشة ظهر منها من التألّم لقتل عثمان! والذمّ لقتلته وطلب الانتقام منهم...

و ما جاء في الحديث الشريف من قتال عائشة لعليّ، فقد جاء في الزبير وأنّه سيقاتل عليّاً وهو ظالم له ؛ ممّا سنذكره ان شاء الله.

قال: وأمّا قولُه: وخالفت أمر الله في قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ ... ) الآية.

قال: فهي لم تتبرّج...

جوابه: إنّ مخالفتها للآية في خروجها من البيت الذي تركها فيه رسول

____________________

(١) نفسه.

(٢) نفسه.

٤٤٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان خروج معصية وهي الحرب وسفك دماء المسلمين الذي هو أعظم عند الله تعالى من التبرّج.

وقد احتجّ عليها بالآية كلّ من أمّ سلمة، وابن عبّاس، وعمران بن حُصَين الخزاعيّ، وأبو الأسود الدّيليّ، وجارية بن قُدامة السعديّ...

قال: وأمّا قوله: إنّ عائشة كانت تأمر بقتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً... ؛ قال: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك، ويقال ثانياً: إنّ المنقول عن عائشة يكذّب ذلك ويبيّن أنّها أنكرت قتله...

جوابه: في الحِجاج الذي جرى بين عبيد بن مسلمة الليثي، وبين عائشة، قال: والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر...(١) .

ومن ردّ أمّ المؤمنين أمّ سَلَمة عليها لمّا دعتها لتخرج معها إلى قتال عليّ! قالت أمّ سلمة: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنتِ من أشدّ النّاس عليه، وما كنتِ تسمّيه إلاّ نعثلاً، فما لكِ ودم عثمان؟...(٢) .

وحين وقع الخلاف بينها وبين عثمان، كانت تقول: أيّها النّاس، هذا قميص رسول الله لم يَبلَ وبَليت سنّته، اتقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً.(٣) وكانت تحرّض

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٨، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٧٦ - ٤٧٧، الفتوح ٢: ٢٤٩، تذكرة الخواصّ ٦٦، الكامل في التاريخ ٣: ١٠٢.

(٢) الفتوح ٢: ٢٨٣، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٧٠.

(٣) أنساب الأشراف ٦: ٢٠٩، الفتوح ٢: ٢٢٥.

٤٤٤

وتقول: إنّي أرى عثمان سيشوم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر.(١)

هذا بعض من النقل الثابت في تحريضها على عثمان وقولها فيه وما يأتي أكثر بكثير.

وأمّا إنكارها قتله ؛ فإنّما كان لمّا بلغها أنّ النّاس قد بايعوا عليّاًعليه‌السلام ، فعند ذلك رفعت صوتها بمظلوميّة عثمان وراحت تنادي أنّ عليّاً قتله! وأنّها ستأخذ بثأره.

وما ذكره من قوله إنّ القَدْح في طلحة والزبير، ينقلب ما هو أعظم منه في حقّ عليّ...، وإن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً، ففعل عليّ أعظم ذنباً!!

بربّك أيها المنصف مهما كان مذهبك أترضى بهذا القول؟ أوَ طلحة والزبير عِدْل عليّ الذي هو عدل القرآن الكريم كما في حديث الثّقلين، وهو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في آية المباهلة، وهو المعصوم كما في آية التطهير وحديث الكساء، وسبّه والعدوان عليه سبّ للنبيّ ومعاداة له، ومن ثمّ سبّ للهِ تعالى ومعاداة له.

وقد أخبر النبيّ القوم أنّهم سيقاتلون عليّاً وهم ظالمون له وقد عقدوا له البيعة ثمّ نكثوها ومَن ينكث فإنّها ينكث على نفسه ؛ فكيف سوّغ لنفسه شيخ الإسلام والإمام المطلق أن ينزل عليّاً بمنزلة الظالم ويجعل فعله أعظم من ذنب أولئك؟!

ولماذا يلوذ دائماً بعائشة ويشنّ غارته على عليّ؟ ألأنّها أمّ المؤمنين؟ فإنّ

____________________

(١) نفسه ٦: ٢١٢ - ٢١٣.

٤٤٥

أمّ سَلَمة أيضاً أمّ المؤمنين، فلمّا طلبت منها عائشة الخروج لحرب عليّ زجرتها أمّ سَلَمة وذكّرتها بمقام عليّ وبقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها في شأن خروجها على عليّ، ولمّا رأت أمّ سَلَمة أنّه لا يجوز لها الخروج من بيتها في مثل هذا الأمر اعتذرت من عليّعليه‌السلام وأرسلت معها ابنها عمر.

وأمّا حفصة فكادت تخرج معها إلاّ أنّ عبد الله بن عمر نهاها عن مثل هذا الخروج!

ثمّ ما الذي فعله عليّ مع عائشة؟ هل أخرجها من بيتها لحربٍ؟ أم مشى إليها في حرب، أم خرجت هي عليه محاربة في فئةٍ باغية، كما في الأحاديث التي ذكرناها؟ وهل خدعها عليّ فزوّر لها شهادة في شأن الحوأب وسنقف على معاملته لها حتّى أقرّت أنّها ما رأت منه إلاّ جميلاً!

وذهب أبعد من ذلك فأفصح عن هويّته التي احتملناها في أوّل كتابنا هذا حين قال: فإن قالوا: هما أحوجا عليّاً إلى ذلك لأنّهما أتيا بها...، قيل وهكذا معاوية لمّا قيل له: قتلت عمّاراً وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقتلك الفئة الباغية» قال: أو نَحنُ قتلناه؟ إنّما قتله الذين جاؤا به حتّى جعلوه تحت سيوفنا...

الجواب: إنّ معاوية الباغي على إمام الحقّ، لم ينكر حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولذا لم يُنكره شيخ الإسلام ؛ إلاّ أنّ معاوية ادعى مدّعىً شايعه عليه ابن تيميه، فجعل أميرالمؤمنينعليه‌السلام هو الذي قتل عمّاراً! وعلى هذا القياس فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي قتل حمزةعليه‌السلام يوم أحد ؛ لأنّه هو الذي أخرجه إليها، وهكذا كلّ الشهداء...

٤٤٦

حقيقة الأمر

ومن أجل الوقوف على حقيقة الأمر، فعلينا أن نتحدّث عن حرب الجمل بما تقتضيه الضرورة:

قُتل عثمان بن عفّان في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين بعد حصار دام تسعةً وأربعين يوماً ن وكان لذلك أسباب يطول شرحها وألّب على قتله أناس ثمّ خرجوا بعد ذلك يطالبون أبرأ النّاس من دمه ؛ بل وأصدقهم في الدفع عنه، يقاتلونه على دم عثمان!

بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام

بويع لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام في الليلة التي قُتل فيها عثمان وقيل في صبيحتها، وكان أوّل من بايعه طلحة بن عبيد الله ثمّ تبعه النّاس.

عن الشعبيّ أنّ عثمان لمّا قُتل أقبل النّاس إلى عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ليبايعوه، فمدّوا يده فكفّها، وبسطوها فقبضها وقالوا: بايع، فإنّا لا نرضى إلاّ بك ولا نأمن من اختلاف الناس وفرقتهم فبايعه الناس وخرج حتّى صعد المنبر.

وكان طلحة أوّل من بايع من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال قبيصة بن ذؤيب: أوّل يد بايعت هذا الرجل من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شلاّء، والله ما أرى هذا الأمر يتمّ! وأخذ طلحة والزبير مفتاح بيت المال! فبعث عليّ مَن أخذ مفاتيح بيت المال.(١)

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٨.

٤٤٧

وأقبل النّاس إلى عليّ بن أبي طالب فقالوا: يا أبا الحسن، إنّه قد قُتل هذا الرجل ولا بدّ للنّاس من إمام، وليس لهذا الأمر أحد سواك فهلمّ، فقال عليّ: لا حاجة لي في البيعة، التمسوا غيري، فإنّي أرى أمراً له وجوه لا تقوم لها القلوب... فعليكم بطلحة والزبير! قالوا: فانطلق معنا إلى طلحة والزبير، فقال عليّ: أفعل ذلك.

ثمّ خرج مع القوم حتّى صار إلى دار طلحة فقال: يا أبا محمّد إنّ الناس قد اجتمعوا إليّ في البيعة، وأمّا أنا فلا حاجة لي فيها، فابسط يدك حتّى يبايعك الناس. فقال طلحة:

يا أبا الحسن، أنت أولى بهذا الأمر وأحقّ به منّي لفضلك وقرابتك وسابقتك، فقال له عليّ: إنّي أخاف إن بايعني النّاس واستقاموا على بيعتي أن يكون منك أمرٌ من الأمور! فقال طلحة: مهلاً يا أبا الحسن، فلا والله لا يأتيك منّي شيء تكرهه أبداً.

قال عليّ: فالله تبارك وتعالى عليك راعٍ وكفيل! فقال طلحة: يا أبا الحسن، نعم.

قال عليّ: فقُم بنا إذن إلى الزبير بن العوّام، فأقبل معه طلحة إلى الزبير فكلّمه عليّ بما كلّم به طلحة، فردّ عليه الزبير شبيهاً بكلام طلحة، وعاقده وعاهده أنّه لا يغدر به ولا يحبس بيعته. فرجع عليّ إلى المسجد واجتمع النّاس فقام نفرٌ من الأنصار فتكلّموا، قالوا: إنّكم قد عرفتم فضل عليّ بن أبي طالب وسابقته وقرابته ومنزلته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع علمه بحلالكم و حرامكم و حاجتكم

٤٤٨

إليه من بين الصحابة، ولن يألوكم نُصحاً، ولو علمنا مكان أحدٍ هو أفضل منه وأجمل لهذا الأمر وأولى به لدعوناكم إليه. فقال الناس كلّهم بكلمة واحدة:

رضينا به طائعين غير كارهين، فقال لهم عليّ: أخبروني عن قولكم هذا: أحقّ واجب من الله عليكم أم رأيٌ رأيتموه من عند أنفسكم؟ قالوا: بل هو واجبٌ أوجبه الله عزّ وجل لك علينا، فقال عليّ: فانصرفوا يومكم هذا إلى غدٍ.

فلمّا كان من غدٍ أقبل النّاس إلى المسجد، وجاء عليّ بن أبي طالب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ الأمر أمركم فاختاروا لأنفسكم من أحببتم وأنا سامع مطيع لكم!

فصاح النّاس من كلّ ناحية وقالوا: نحن على ما كنّا عليه بالأمس، فابسط يدك حتّى يبايعك الناس، فسكت عليّ. وقام طلحة إلى عليّ فبايعه وضرب يده على يد عليّ، وكان به شلل من ضربة أصابته يوم أحُد، فلمّا وقعت يده على يده عليّ، قال قُبيصة بن جابر: إنّا لله وإنّا إليه راجعون!

أوّل يدٍ وقعت على كفّ أمير المؤمنين يدٌ شلاّء، لا والله لا يتمّ هذا الأمر من قِبَل طلحة بن عُبيد الله أبداً. ثمّ وثب الزبير وبايع، وبايع الناس بعد ذلك.(١)

إنّ الذي كان من أميرالمؤمنينعليه‌السلام إنّما أراد به قطع الطريق على معاذير المشاغبين لعلمِه ما تُكنّه صدور طلحة والزبير من حسدٍ له وتطلّع إلى الإمارة، وقد أعلمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيكون من الرجلين وحرب الجمل ؛ ولذا أخذ أمير

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٥٦، الفتوح ٢: ٢٤٣ - ٢٤٦.

٤٤٩

المؤمنين العهود والمواثيق والأيمان عليهما أن لا يغدرا ولا ينكثا البيعة له.

ذكر الطبريّ عن خبيّة الزبير، قال: عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لمّا قتل الناس عثمان وبايعوا عليّاً، جاء عليّ إلى الزبير فاستأذن عليه فأعلمتُه به، فسلّ السيف ووضعه تحت فراشه! ثمّ قال: ائذن له فأذِنت له، فدخل فسلّم على الزبير وهو واقف بنحوه ثمّ خرج، فقال الزبير: لقد دخل الرجل ما اقصاه، قُم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئاً فقمت في مقامه فرأيت ذُبابَ السيف فأخبرتُه فقال: ذاك أعجلَ الرجُلَ.(١)

فيا شيخ الإسلام! ومن تولاّك ؛ فحتّى هنا ماذا عساك قائلاً في قتال القوم عليّاً؟ أم تريد مزيداً من الوثائق؟ فسنوافيك.

وضع الأقاليم:

هذا هو الوضع والحال في مدينة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البصرة: أخذ جارية ابن قدامة السَّعديّ البيعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان بها عبد الله بن عامر والياً لعثمان، ففرّ منها إلى مكّة.

الكوفة: وفي الكوفة، بايع هاشم بن عتبة المِرقال أميرَالمؤمنين وقال: هذه يميني وشمالي لعليّ، وقال:

أبايع غير مكتتم عليّاً

ولا أخشى أميري الأشعريّا(٢)

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٥٤.

(٢) أنساب الأشراف ٣: ١٤.

٤٥٠

وفي المدائن: بايع حذيفة بن اليمان لأمير المؤمنين واضعاً يده اليمنى على اليسرى، وقال له أبايع بعده لأحدٍ من قريش...، وقال: من أراد أن يلقى أميرالمؤمنين حقّاً فليأت عليّاً.(١)

الشام: وفي الشام كان معاوية والياً لعثمان ومن قبله لعمر بن الخطّاب، فأظهر الخلاف لأميرالمؤمنين، ومنع واليَه من دخول الشام.

مكّة: وفي مكّة كانت عائشة، وكانت قد خرجت مباينةً لعثمان ومغاضبةً له. وكان بمكّة جمع من بني أميّة فرّوا إليها بعد مقتل عثمان، منهم عبد الله بن عامر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد بن أبي العاص ؛ والمغيرة بن شعبة الثقفيّ. وكان يَعلى بن مُنية عامل عثمان على اليمن، فلمّا رأى وفود اليمن تترى على المدينة لمبايعة أميرالمؤمنينعليه‌السلام خرج منها إلى مكّة ومعه أربعمائة بعير بحُملانها وأموال وفيرة، فكانوا يداً واحدة على عليّعليه‌السلام .

تحرّك طلحة والزبير: واستأذن طلحة والزبير أميرَ المؤمنينعليه‌السلام في العمرة فقال لهما: لعلّكما تريدان البصرة! فأقسما أنّهما لا يقصدان غير مكّة.(٢)

وفي رواية أبي مخنف، فقالا: اللّهمّ غفراً، إنّما نوينا العمرة. فأذن لهما فخرجا مسرعين جعلا يقولان: لا والله ما لعليّ في أعناقنا بيعة، وما بايعناه إلاّ مُكرَهين تحت السيف! فبلغ ذلك عليّاً فقال: أخذهما الله إلى أقصى دارٍ وأحرّ

____________________

(١) نفسه: ١٧.

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٥٧.

٤٥١

نارٍ.(١)

وفي الفتوح: قلت لكما في أوّل الأمر إنّكما تفعلان أمراً من الأمور، فأبيتما إلاّ بيعتي طائعين غير مُكرَهين، والآن فقد أذنت لكما فاذهبا حيث شئتما راشدين. فخرج الزبير وطلحة إلى مكّة، وخرج معهما عامر بن كُرَيز - وهو ابن خال عثمان - فجعل يقول لهما: أبشرا، فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدّنّكما بمائة ألف سيف!(٢)

إنّ فعل الزبير على ما مرّ بنا من سلّه السيف، وتذكير أمير المؤمنين لهما وقد طلبا الإذن، بما سيكون منهما، ثمّ ادعّا أنّهما بايعا مكرهين تحت السيف! وقد مرّ بنا أنّ عليّاً قد جعل الإمرة لطلحة فأظهر الرفض ومثله فعل مع الزبير وكلاهما قد جعلاها لعليّ وقولهما واحد في أنّه أولى بالأمر منهما ولذا أعطيا الأيمان والمواثيق أن لا يخونا...

عمر بن الخطّاب والزبير: إنّ التوجّس من الزبير وممّا يأتي منه تيقّظ له عمر بن الخطّاب فلم يأذن له بالغزو.

إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاء الزبير إلى عمر ابن الخطّاب يستأذنه في الغزو فقال عمر: اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فردّد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في بيتك!

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٢٢.

(٢) الفتوح ٢: ٢٧٦.

٤٥٢

فو الله إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن(١) أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عود على الجمل:

وكان من خبر عائشة أن بلغها - وهي بمكّة - أنّ النّاس بايعوا لطلحة فقالت: إيه ذا الإصبع لله أنت! لقد وجدوك لها محشاً، وأقبلت جذِلةً مسرورة حتّى إذا انتهت إلى «سَرِف»(٢) استقبلها عبيد بن مسلمة اللّيثيّ، فسألته عن الخبر، قال: قتل النّاس عثمان. قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟ قال: خيراً، أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على ابن عمّ نبيّهم عليّ فبايعوه.

فقالت: أوَ فعلوها؟! وَدِدتُ أنّ هذه أطبقت على هذه إن تمّت الأمور لصاحبك الذي ذكرت! رُدّوني رُدّوني إلى مكّة وهي تقول: قُتل عثمان مظلوماً، والله لأطلبنّ بدمه! فقال لها عُبيد بن مسلمة: ولِمَ؟ فو الله إنّ أوّل من أمالَ حرفه لأنتِ، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر!

قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلتُ وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأوّل، فقال لها عبيد:

منك البَداءُ ومنك الغيرْ

ومنك الرِّياحُ ومنك المطَرْ

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٢٩ / ٤٦١٢، قال في التلخيص صحيح.

(٢) «سرف» موضع على ستّة أميال من مكّة. معجم البلدان ٣: ٢١٢.

٤٥٣

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا: إنّه قد كفرْ

فَهَبْنا أطعناك في قتله

فقاتلُه عندنا مَن أمَرْ

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد، فقصدت للحجر فسترت، واجتمع الناس إليها فقالت: إنّ عثمان قُتل مظلوماً، ووالله لأطلبنّ بدمه!(١)

فأنت تجد أنّ عائشة قد خرجت مغاضبة لعثمان تنعته بالكفر! وتسمّيه نعثلاً - اسم رجل يهوديّ بمصر، وقيل اسم رجل طويل اللحية بالمدينة كانت عائشة تشبّه به عثمان - وقبل وصولها مكّة بلغها أنّ الناس بايعوا لطلحة فملئت سروراً(٢) وأدارت رأس جملها صوب المدينة فلمّا أخبرها عبيد بن مسلمة أنّ البيعة تمّت لعليّعليه‌السلام تمنّت أنّ السماء أطبقت على الأرض!!، فلماذا يا شيخ الإسلام ذلك؟ أو ليس عليّ خليفةً راشداً، سابقاً، أعلمَ مطهّراً بحكم القرآن وأحد أصحاب الكساء، الشاري نفسه لله تعالى، الذي لم تكن لأحدٍ من الصّحابة من الفضائل ما كان له كما قال أحمد بن حنبل؟

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٨، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٧٦ - ٤٧٧، الفتوح ٢: ٢٤٩، تذكرة الخواصّ ٦٦، الكامل في التاريخ ٣: ١٠٢.

(٢) وذلك أنّ طلحة كان من أشدّ المؤلّبين على عثمان هو والزّبير وعائشة. وطلحة من قوم عائشة تيميّ قال عبد الله بن وهب (١٦٠ - ٢٤٠ هـ): حدّثني الليث بن سعد أنّ طلحة بن عبيد الله قال: لئن قبض رسول الله تزوّجت عائشة ؛ قال: فنزل القرآن:( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللّهِ عَظِيماً ) (الأحزاب: ٥٣)

قال الليث: عائشة بنت عمّه لأنّه من قومها. قال: وظننتُ أنّ عمر بن الخطّاب حين قال: لقد توفّي رسول الله، وأنّه على طلحة لعاقبٌ - لعلّه لعاتب - لهذا الأمر.

الجامع لابن وهب ٢: ١٦٤ / ٣٤٨.

٤٥٤

أم لم يبلغك ما بلغنا من قول عائشة فيه؟ وكيف انقلب الموقف تماماً فصار عثمان الكافر - عندها - مظلوماً؟ وليتها قالت الحقيقة: إنّي وطلحة والزبير قتلنا عثمان فنتوب إلى الله!

صفقةٌ خاسرة:

وفي مكّة اجتمع إلى عائشة طلحة والزبير ومروان وعقدوا صفقةً خاسرة هي حرب أمير المؤمنينعليه‌السلام واتّهامه بما جنت أيديهم من التحريض على قتل عثمان.

عائشة وأم سلمة:

وأقبلت عائشة على أمّ سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي يومئذٍ بمكّة، فقالت لها: با بنت أبي أميّة! إنّك أوّل ظعينة هاجرت مع رسول الله، وأنت كبيرةُ أمّهات المؤمنين، وقد كان رسول الله يَقسم لنا من بيتك، وقد خُبِّرت أنّ القوم استتابوا عثمان بن عفّان حتّى إذا تابَ وثبوا عليه فقتلوه! وقد أخبرني عبد الله بن عامر أنّ بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضاً، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعلّ الله أن يُصلح هذا الأمر على أيدينا؟ فقالت لها أمّ سَلَمة: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنت من أشدّ الناس عليه، وما كنتِ تسمّيه إلاّ نعثلاً، فما لك ودم عثمان؟ وعثمان رجل من عبد مناف وأنت امرأة من بني تيم ابن مرّة. ويحك يا عائشة! أعلى عليّ وابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تخرجين وقد بايعه

٤٥٥

المهاجرون والأنصار؟! ثمّ جعلت أمّ سَلمة تذكّر عائشة فضائل عليّ، وعبد الله بن الزبير على الباب. يسمع ذلك، فصاح بأمّ سَلمة: يا بنت أبي أميّة!! إنّنا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير! فقالت أمّ سلمة: والله لتوردنّها ثمّ لا تُصدرنّها أنت ولا أبوك؟ أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعليُّ بن أبي طالب حيٌّ وهو وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟! فقال عبد الله بن الزبير: ما سمعنا هذا من رسول الله ساعةً قطّ، فقالت أمّ سَلمة: إن لم تكن أنت سمِعَته فقد سمِعَته خالتُك عائشة وها هي فاسألها ؛ فقد سمعته يقول: «عليّ خليفتي عليكم في حياتي ومماتي، فمَن عصاه فقد عصاني». أتشهدين بهذا يا عائشة؟ فقالت عائشة: اللّهمّ نعم! فقالت أمّ سَلمة: فاتّقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذّرك الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تكوني صاحبة الحوأب، ولا يَغرنّك الزبير ولا طلحة فإنّهما لا يُغنيان عنك من الله شيئاً.

وخرجت عائشة من عند أمّ سَلمة وهي حَنِقة عليها، ثمّ إنّها بعثت إلى حفصة فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك، فلمّا نادوا بالرحيل وأرادت حفصة الخروج أتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت، وبعثت إلى عائشة أنّ عبد الله حال بيني وبين الخروج، فقالت: يغفر الله لعبد الله!(١)

أيّ بيّنة أوضح من هذه! فعائشة صارت تطلب بدم عثمان وتتّهم به أبرأ الناس بل وأكثرهم نصرةً له ؛ ذلك هو وليّ المؤمنين وخليفة رسول الله، حيّاً كان

____________________

(١) الفتوح ٢: ٢٨٣، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٧٠.

٤٥٦

أو ميّتاً ؛ فطاعته واجبة على عائشة وطلحة... فكيف بخروجها عليه؟!

ولو أجابتها أمّ سلمة، وهذا ممّا لا يخطر ببال أبداً! فخرجت معها هي وحفصة التي أجابت، فلا ندري ماذا سيقول الرجل!

الإعداد للحرب:

ولمّا عزمت عائشة على المسير نَهتَها أمّ سَلمة وقالت لها: يا هذه، إنّ حجاب الله لن يُرفع، وما أنتِ يا هذه وهذا الأمر وقد تنازعته الأيدي وتهافت فيه الرجال، وتسكينُه أصلح للمسلمين، فاتّقي على رسول الله من الافتضاح في زوجته، واتّقي دماً لم يبُحه الله لك. فلمّا رأتها لا تصغي إلى قولها قالت:

نصحت ولكن ليس للنصح قابل

ولو قَبِلت ما عَنَّفتها العواذل

كأنّي بها قد ردّت الحربُ رحلها

وليس لها إلاّ الترجّلُ راحلُ

ثمّ إنّ القوم اجتمعوا في دار عائشة، وأجمعوا على المسير إلى البصرة، وانطلقوا إلى حفصة بنت عمر فقالت: رأيي تبع لعائشة إلاّ أنّ عبد الله بن عمر منعها. وجهّزهم يَعلى بن منية بالمال والجمال، وكتبت أمّ سَلمة رضي الله عنها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام تعلمه خبر القوم، كما كتبت إليه أمّ الفضل بنت الحارث.

وكان من كلام أمّ المؤمنين أمّ سلمة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، لو لا أنّي أخاف أن أعصيَ الله وأنّك لا تقبله منّي لخرجت معك، ولكن هذا ابني عمر أعزّ عليَّ من نفسي يخرج معك ويشهد مشاهدك. فخرج معه ولم يزل معه واستعمله على البحرين.

٤٥٧

سار القوم وعلى مقدّمهم عائشة، حتّى إذا بلغت بعض مياه بني عامر نَبَحت عليها الكلاب، فقالت: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملِها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك فقالت: ردّوني لا حاجة لي في المسير.

فقال الزبير: بالله ما هذا الحوأب! ولقد غلط فيما أخبرك به. ولحقها طلحة فأقسم أنّ ذلك ليس ماء الحوأب، ثمّ جاء عبد الله بن الزبير وحلف لها على ذلك ؛ وأقاموا لها خمسين رجلاً من الأعراب يشهدون أنّه ليس ماء الحوأب، وجعلوا لهم جُعلاً - أي مالاً - وكانت أوّل شهادة زور أقيمت في الإسلام.(١)

التزاحم على إمامة الصلاة:

كان مؤذّنهم مروان بن الحكم - طريد رسول الله - فقال: من أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: ادعُ أبا عبد الله. وقال محمّد بن طلحة: ادع أبا محمّد. فقالت عائشة: ما لنا ولك يا مروان؟! أتريدأن تغري بين القوم وتحمل بعضهم على بعض؟! فليصلّ اكبرُهما، فصلّى الزبير.(٢)

«وتشاحّ طلحة والزبير في الصلاة بالناس، ثم اتفقوا على أن يصلّي بالنّاس عبد الله بن الزبير يوماً، ومحمّد بن طلحة يوماً، في خَطبٍ طويل كان بين طلحة والزبير إلى أن اتّفقا على ما وصفنا».(٣)

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٥٨، الفتوح ٢: ٢٨٨، أنساب الأشراف ٣: ٢٤، المعيار والموازنة: ٥٥.

(٢) أنساب الأشراف ٣: ٢٤.

(٣) المعيار والموازنة: ٥٦، مروج الذهب ٢: ٣٥٨.

٤٥٨

وقفة قصيرة:

هذه هي مواقف المصلحين - كذا! - يكذبون، ويحلفون كذباً، ويفتحوا باب شهادة الزور...، ويتشاحّون على إمامة صلاة الجماعة ؛ فكيف إذن الإمامة الكبرى، إمامة المجتمع الإسلاميّ؟!

ولقد أنبأ أمير المؤمنينعليه‌السلام عمّا سيصير إليه القوم، لمّا بلغه مسير القوم، قال: «قد سارت عائشة والزبير وطلحة، وكلّ يدّعي الأمر دون صاحبه، يطلبه طلحة لأنّه ابن عمّ عائشة، ولا يرى الزبير إلاّ أنّه أحقُّ بالخلافة لأنّه خَتنُ عائشة. فو الله لئن ظفروا بما يريدون، ولا يرون ذلك أبداً! ليضربنّ طلحةُ عنقَ الزبير، والزبيرُ عنقَ طلحة ؛ تنازعاً شديداً على الملك».(١)

ولما اقترب القوم من البصرة بعث اليهم عثمانُ بن حُنيف والي أميرالمؤمنين على البصرة عمرانَ بن الحُصَين الخزاعيّ، وأبا الأسود الديليّ - الدّؤليّ - فلمّا دخلا عليها قالا لها: يا أمّ المؤمنين! أبعهدٍ من رسول الله خرجتِ من بيتك؟ ألم يبايع الناس لابن عمّ نبيّهم ووصيّ رسولهم كما تعلمين؟ فتركتِ بلد رسول الله وحرَمه وأتيتِ البصرة! قالت: جئنا نطلب بدم عثمان! فقال عمران ابن حصين: ليس بالبصرة أحد من قتلة عثمان. قالت: لكنّهم مع عليّ بن أبي طالب فجئنا لنقاتلهم فيمَن تَبِعَنا من أهل البصرة وغيرهم!! غضبنا لكم من

____________________

(١) المعيار والموازنة: ٥٣.

٤٥٩

السوط والعصا على عثمان(١) ، ولا نغضب لعثمان على السيف؟! فقالا لها: وما أنت من سيفنا وسوطنا وسوط عثمان وعصاه؟ إنّما أنت حبيسة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أمرك أن تقرّي في بيتك وتذكري ما يُتلى فيه من آيات ربّك، فتركتِ ذلك وجئت تضربين الناس بعضهم ببعض، ولستِ من طلب الدماء وحضور القتال في شيء، وعليّ أولى بعثمان منك. فقالت: وهل أحد يقاتلني؟! قالا: إي والله قتالاً أهوَنُه الشديد.

وقال لها عمران بن حصين: اتّقي الله يا أمّ المؤمنين، فإنّ الله إنّما عظّمك وشرّفك في أعين الناس ببني هاشم، فاتّقي الله واحفظي قرابة عليّ من رسول الله وحبّه إيّاه ؛ قد بايع الناس بعد رسول الله أباك ولم يخالف ولم ينكث، ثمّ جعله عمر سادس ستّة، ثمّ كان من أحداث عثمان وأمر الناس فيه ما قد علمتِ، وكنتِ أشدّ الناس فيه قولاً وأكثرهم عليه تحريضاً. ثمّ بايعه الزبير وطلحة والناس، وأتتنا كتبهم بذلك فرضينا وبايعنا، فما الذي بدا لكم؟!

فلم يكن عندها شيء أكثر من أن قالت: القياطلحة. وقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنك يا أبا الأسود ما تقول فيّ! فانصرف عمران وأبو الأسود إلى ابن حُنيف، وجعل أبو الأسود يقول:

____________________

(١) فمجيء عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم إنّما للقتال لا للإصلاح... وإقرار صريح منها بما كان منها بحقّ عثمان، وسوطه وعصاه إشارة إلى عدوان عثمان على أبي ذرّ الغفاريّ وتسييره إلى الربذة ليموت وحيداً في الفلاة، وعلى عبد الله بن مسعود حتّى أصابه الفتق وعلى عمّار بن ياسر...

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492