ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169559 / تحميل: 5935
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بفضلهم من أُمَّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي؟!(١)

ونحن نقول: (آمين) ورحم الله من قال: آمينا.

وماذا على الشيعة في قولهم؟! بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: في كلّ خلوفٍ من أُمَّتي عدولٌ من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا إنَّ أئمَّتكم وفدكم إلى الله عزَّ وجلَّ، فانظروا بمن توفدون(٢)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق(٣)

فأهل بيت مَثلهم في الأُمَّة كمثل النبيِّ الطاهر كيف لا تقول الشيعة بالخلافة فيهم؟! وكيف يُرى موقفهم في حبِّهم موقف اليهود؟! وإلى من تُوجَّه هذه القارصة؟!

وهل إبن عبد ربِّه عزب عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمانٌ لأُمَّتي من الإختلاف، فإذا خالفها قبيلةٌ اختلفوا فصاروا حزب إبليس؟!(٤)

أللّهمّ لا، بل طُبع على قلبه وهو ألدّ الخصام.

فأهل بيت هم للأُمَّة نجوم الهداية، ونجوم الأمن من الضلال والخلاف كيف لا يُقتدي بهم؟! وما عذر من عدل عنهم؟! وإلى مَ مصير من لا يهتدي بهم؟! وما قيمة تلك الحياة؟! وتلك الروح؟! وتلك النزعة؟! وتلك النشأة؟!

وإنَّ خيرة الله لم تقع على هذه الأُسرة الكريمة إلّا بعد كلّ جدارة للولاية المطلقة، وحذق في تدبير الشئون في كلِّ وقت لو انتهت إليهم قيادة البشر، وثنيت لهم الوسادة، غير أنَّ مناوئيهم زحزحوها عن ساحتهم حسداً أو نزولاً على حكم النهمة والشرَه، إنَّما هي الخلافة الإلهيَّة لا الملك كما حسبه المغفَّل، وقد نصَّ بها الشعبي كما ذكره

_____________________

١ - أخرجه أبو نعيم في الحلية ١ ص ٦٨، والطبراني والرافعي كما في ترتيب جمع الجوامع ٦ ص ٢١٧.

٢ - أخرجه الملأ كما في ذخاير العقبى ١٧، والصواعق ١٤١.

٣ - أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ١٢ ص ٩١، والحاكم في المستدرك ٣ ص ١٥١ وصححه.

م ٤ - أخرجه الحاكم في المستدرك ٣: ١٤٩ وصححه).

٨١

إبن تيميَّة في منهاجه ١ ص ٧ وقال: محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود: لا يصلح الملك إلّا في آل داود. وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلّا في ولد عليٍّ.

٣ - قال: اليهود يؤخِّرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة.

ج - يجب أوّلاً أن يحفى السؤال عن خبر هذه المسألة اليهود هل هم يعرفون شيئاً منها ومن بقيَّة المسائل المعزوَّة إليهم؟!

وليت شعري هل كتب الرجل هذه الكلمة بعد مراجعته لفقه الشيعة وأحاديث أئمَّتهم وفيها قول الصادق عليه السلام: من ترك صلاة المغرب عامداً إلى اشتباك النجوم فأنا منه برئٌ.

وقيل له عليه السلام: إنَّ أهل العراق يؤخِّرون المغرب حتّى تشتبك النجوم فقال: هذا من عمل عدوِّ الله أبى الخطّاب.

وقال عليه السلام: من أخَّر المغرب حتّى تشتبك النجوم من غير علّة فأنا إلى الله منه برئٌ.

وقال عليه السلام: وقت المغرب حين تجبُّ الشمس إلى أن تشتبك النجوم.

وقال عليه السلام: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم.

وقال عليه السلام وقد سُئل عن وقت المغرب: فإذا تغيِّرت الحمرة في الأُفق وذهبت الصّفرة وقبل أن تشتبك النجوم.

وقال له عليه السلام ذريحٌ: إنَّ أناساً من أصحاب أبي الخطّاب يمسون بالمغرب حتّى تشتبك النجوم.

قال: أبرء إلى الله ممَّن فعل ذلك متعمِّداً.

وقال عليه السلام: ملعونٌ ملعونٌ من أخَّر المغرب طلباً لفضلها(١)

فلِما ذا يكذب الرجل في نقله؟! أو إنَّه كتب قبل أن يراجع رجماً بالغيب؟! فحيّا الله الأمانة والتنقيب.

ولعلّه قرع سمعه عن بعض الفرق الضالَّة وهم: الخطّابيَّة - أصحاب أبي الخطّاب إلزاماً بذلك لكن أين هم من الشيعة؟! والشيعة على بكرة أبيها تكفِّر هؤلاء وتظلّهم وأحاديث أئمَّتهم كسحت معرَّة عيث هؤلاء، فمن الإفك الشائن عزو هاتيك الشيه إلى الشيعة، وهم وأئمَّتهم عنها برءآء.

_____________________

١ - راجع من لا يحضره الفقيه. وتهذيب شيخ الطايفة واستبصاره ومجالسه

٨٢

٤ - قال: اليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئاً وكذا الرافضة.

ج - الشيعة لا ترى ملتحداً عن البخوع للقرآن الكريم وفي أعلى هتافه:

الطَّلاق مرَّتان فإمساكٌ بمعروف أو تَسريحٌ بإحسانٍ - إلى قوله تعالى -:( فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) إلخ.

ومن جليَّة الحقايق أنَّ تحقّق المرَّتين أو الثلاث يستدعي تكرُّر وقوع الطَّلاق كما يستدعي تخلّل الرجعة بينهما أو النكاح، فلا يقال للمطلّقة مرَّتين بكلمة واحدة أو في مجلس واحد: إنَّها طُلِّقت مراراً كما إذا كان زيد أعطا درهمين لعمرو بعطاء واحد لا يقال: إنَّه أعطا درهمين مرَّتين، وهذا معنى يعرفه كلُّ عربيٍّ صميم

ثمَّ إنَّ سياق الآية وإن كان خبريّاً غير أنَّه متضمِّنٌ معنى الإنشاء الأمريّ كقوله تعالى:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) . وقوله تعالى:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الصَّلاة مثنى مثنى، والتشهد في كلِّ ركعتين وتسكّن وخشوع. ولو كان إخباراً لما تخلّف عنه خارجه، ونحن نرى أنَّ في الناس من يطلِّق طلقة واحدةً، والقرآن لا يتسرَّب إليه شيءٌ من الكذب.

فعدم الإعداد بالطلاق الثلاث على نحو الجمع عند الشيعة مأخوذٌ من القرآن الكريم، ولهذه الجملة مزيد توضيح في أحكام القرآن لأبي بكر الجصّاص الحنفي ١ ص ٤٤٧ وهذه الفتوى هي المنقولة عن كثير من أئمّة أهل السنَّة والجماعة، بل المخالف الوحيد في المسألة هو الشافعيُّ، وقد بسط القول في الردّ عليه أبو بكر الجصّاص في «أحكام القرآن» ٤ ص ٤٤٩.

وقال الإمام العراقيُّ في «طرح التثريب» ٧ ص ٩٣: وممَّن ذهب إلى أنَّ جمع الطلقات الثلاث بدعةٌ مالك. والأوزاعي. وأبو حنيفة. والليث، وبه قال داود و أكثر أهل الظاهر.

وقال أبو بكر الجصّاص في «أحكام القرآن» ٤ ص ٤٥٩: كان الحجّاج بن أرطاة يقول: الطَّلاق الثلاث ليس بشيء. ومحمد بن إسحاق كان يقول: الطَّلاق الثلاث تُردُّ إلى الواحدة.

هذا ما نعرفه من الشيعة فإن كان هذا شبهاً بينهم وبين اليهود فهم وأولئك الأئمَّة

٨٣

في ذلك شرعٌ سواء، لكن الأُندلسي يحترم جانب أصحابه فشبَّه الشيعة باليهود فهو إمّا جاهلٌ بفقه قومه فضلاً عن فقه الشيعة ولم يعرف شيئاً ممّا عندهم في المسألة، أو يعلم ويتعمَّد الكذب، أو يريد معنىً غير ما ذكر ونحن لا نعرفه ولا نعرف قائلاً به من الشيعة.

وما تقرأ أو تسمع في المسئلة غير ما يقوله الشيعة فهو من البدع الحادثة بعد النبيِّ الأعظم لم يأت به الكتاب والسنَّة بل أحدثته أهواءٌ مضلّةٌ، وحبَّذته أُناسٌ، وجاءوا به من عند أنفسهم؛ وأمضاه عليهم عمر بن الخطاب وهذا صريح ما أخرجه مسلم في صحيحه ١ ص ٥٧٤، وأبو داود في سننه ١ ص ٣٤٤، وأحمد في مسنده ١ ص ٣١٤ عن إبن عبّاس قال: كان الطّلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إنَّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناةٌ فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم.

وأخرج مسلم وأبو داود بإسناده عن إبن طاوس عن أبيه: أنَّ أبا الصهباء قال لابن. عبّاس: أتعلم أنّما كانت الثلاث تجعل واحدةً على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟! فقال إبن عبّاس: نعم.

وأخرج مسلم بإسناد آخر: أنَّ أبا الصهباء قال لإبن عبّاس: هات من هناتك، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر واحدة؟! فقال: قد كان ذلك فلمّا كان عهد عمر تتابع النّاس في الطّلاق فأجازه عليهم.

وللشرّاح في المقام كلماتٌ متضاربةٌ؛ وآراءٌ واهيةٌ، وتوجيهاتٌ باردةٌ بعيدةٌ عن العلم والعربيَّة، وعدَّه القسطلاني من الأحاديث المشكلة ولعمري مشكلة - جدّاً - لا يسعنا بسط الكلام في ذلك كلّه.

٥ - قال: اليهود لا ترى على النساء عدَّة وكذلك الرافضة.

جالشيعة ترى على النساء من العدَّة ما حكم به الكتاب والسنَّة. فالمطلّقاتُ يتربَّصنَ بأنفسهنَّ ثلثة قروء إن كنَّ ذوات الأقراء، وتعتدُّ ذوات الشهور ثلاثة أشهر.

وأولات الأحمالِ أجلهنَّ أن يضعن حملهنَّ.

واللّاتي توفّي عنها زوجها يتربَّصن بأنفسهنَّ أربعة أشهر وعشرا إذا كانت حائلاً، والحامل تعتدُّ بأبعد الأجلين من العدَّة والوضع جمعاً بين عموم الآيتين.

٨٤

والإماء تعتدُّ قرئين من طلاق إن كنَّ ذوات الأقراء وإلّا فشهراً ونصفاً.

وتعتدُّ من الوفاة شهرين وخمسة أيّام إن كانت حائلاً والحامل عدَّتها أبعد الأجلين.

وأُمّ الولد لمولاها عدَّتها أربعة أشهر وعشرا.

والمتمتَّع بها إذا انقضى أجلها بعد الدخول أو أعرض عنه الزَّوج فعدَّتها حيضتان في ذوات الأقراء، وخمسة وأربعون يوماً في غيرهنَّ.

وتعتدُّ من الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً أو لم يدخل بها، وبأبعد الأجلين إن كانت حاملاً. ولو كانت أمة فعدَّتها حائلاً شهران وخمسة أيّام.

هذا ما عند الشيعة من العدَّة، وهذه كتب القوم الفقهيّة والتفسيريَّة قديمة وحديثة طافحةٌ بما ذكرناه، فهل وجد عزوه المختلق في شيءٍ منها؟! اللّهم لا. بل إنَّه لا يكترث بالمباهتة وهي شأنه في كثير من الموارد.

٦ - قال: اليهود تستحلُّ دم كلِّ مسلم وكذلك الرافضة.

ج - هل يعرف الرجل مصدر هذه النسبة من كتب الشيعة وعلمائهم وأعلامهم، بل من ساقتهم وذوي المراتب الواطئة منهم؟! والشيعة هم الَّذين يتلون الكتاب العزيز في آناء الليل وأطراف النهار مخبتين بأنَّ ما بين دفَّتيه وحيٌ منزلٌ من الله إلى سيِّد رسله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه آيات التحذير عن قتل المؤمن والإيعاز بالخلود في جهنَّم من جرّائه و فيه آية القصاص. والسنَّة النبويَّة وأحاديث أئمَّتهم مشحونةٌ بالنهي عنه والعقوبات عليه والأحكام المرتَّبة عليه من قصاص وديات، ومن المطَّرد في فقههم عقد كتابين فيهما.

فبذلك كلّه تعلم أنَّ هذه النسبة لا مصدر لها إلّا الخيال المتوهَّم الصادر عن العداء المحتدم، والعصبيَّة الحمقاء.

٧ - قال: اليهود حرَّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرَّفت القرآن.

ج - إنَّ مصدر الشيعة في التفسير والتأويل، وفي كلِّ حكم أو تعليم ليس إلّا أحاديثٌ معتبرةٌ صادرة عن رجالات بيت الوحي بعد مشرِّفهم الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت أدرى بما فيه، وليس ما يُروى عنهم من الشئون مستعصياً على العقل والمنطق ولا الأُصول المسلّمة في الدين، وليس بمأخوذ من مثل قتادة والضحّاك والسدّي و

٨٥

أمثالهم المفسِّرين بالرأي، البعيدين عن مستقى العلم النبويِّ.

فإذا أردت تحريف الكلم عن مواضعه والنظر إليه فإليك بكتب القوم وتفاسيرهم تجد هناك التعليلات الباردة، والتحكّمات الفارغة، والعلل التافهة، والآراء السخيفة؛ وإنكار المسلّمات، وحسبك ما يأتي من نماذجها نقلاً عن كتاب «منهاج السنَّة» لابن تيميَّة وغيره. إذن فألق الشبه بين اليهود وأيّ فرقة شئت.

٨ - قال: اليهود تبغض جبرئيل وتقول: هو عدوُّنا من الملائكة، وكذلك الرافضة تقول: غلط جبرئيل في الوحي إلى محمد بترك عليِّ بن أبي طالب.

ج - لعلّ الرجل يحسب في أحلامه الطائشة أنّه يحدِّث عن أُمّة بائدة قد أكل عليها الدهر وشرب، فلم يبق لها مَن يدافع عن شرفها، وما كان يحسب أنَّ المستقبل الكشّاف سوف يُقيِّض مَن يُسائله قائلاً: كيف يعادي جبرئيل من يتلو في كتابه المقدَّس قوله تعالى:( مَنْ كَانَ عَدُوّا للّهِ‏ِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لِلْكَافِرِينَ ) ؟!

ومتى خالج شيعيّاً الشكُّ في نبوَّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟! أو هجس في خلد أيٍّ منهم نبوَّة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام؟! حتّى يحكم بغلط جبريل وهو يقرأ آناء الليل وأطراف النهار قوله تعالى:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ )

وقوله تعالى:( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رّجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللّهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ )

وقوله تعالى:( وَآمَنُوا بِمَا نُزّلَ عَلَى‏ مُحَمّدٍ وَهُوَ الْحَقّ مِن رَبّهِمْ )

وقوله تعالى:( مُحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ )

وقوله تعالى:( وَمُبَشّرَاً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )

وكيف يرى شيعيُّ أنَّ جبريل قد غلط في الوحي؟! وهو يتشهَّد بالرّسالة في كلِّ فريضة ونافلة، وفي الأذان والإقامة، وفي دعوات كثيرة مأثورة عن أئمَّتهم صلوات الله عليهم، وتشهد بذلك كلّه مؤلّفاتهم في الفقه والحديث والكلام والعقايد والملل والنحل.

وهل من الممكن أن تزعم الشيعة (على هذه الفرية) إنّ الله سبحانه أمضى ذلك

٨٦

الغلط لمجرَّد إشتباه جبريل وهو يريد أن يبعث أمير المؤمنين؟! وهل يقول بهذا معتوهٌ دهش؟! أو بربريُّ عزب عنه العلوم والمعارف كلّها فضلاً عن الشيعة وهم: هم؟! فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟!

والعجب كلّ العجب أنَّه يكتب كاتب مصر اليوم وعالمها ردّاً على الشيعة ويسلقهم بهذا التافه الخرافيّ، فلا يصدَّنَّك عنها مَن لا يؤمن بها واتَّبع هواه فتردى.

٩ - قال: اليهود لا تأكل لحم الجزور وكذلك الرافضة.

ج - إقرأ واضحك أو اقرأ وابك.

وإذا تحرَّيت الوقاحة والصلف فإلى صاحب هذه الكلمة، فإن كنت لا تعلم كيف يكذب المائن، ويبهت الخائن، فالأُندلسيُّ يوقفك عليه في كتابه.

ليت شعري ما ذنب الجزور المخرج حكمه ممّا يؤكل لحمه من الحيوانات؟! أو ما كرامته على الشيعة حتى أربوا به عن الذبح؟!

أنا لا أعلم شيئاً من ذلك، ولعلَّ عند مفتعل الرواية فلسفة راقية تأول إلى تلك الفرية الشائنة.

والحَكم الفاصل في هذه المعضلة مجاذر القصّابين وسواطيرهم وحوانيتهم في بلاد الشيعة من أقطار العالم.

أضحوكة

١٠ - قال: قال أبو عثمان بحر الجاحظ: أخبرني رجلٌ من رؤساء التُجّار قال: كان معنا في السفينة شيخٌ شرس الأخلاق طويل الإطراق وكان إذا ذُكر له الشيعة غضب واربدَّ وجهه، وزوى من حاجبيه فقلت له يوماً: يرحمك الله ما الذي تكرهه من الشيعة؟! فإنّي رأيتك إذا ذُكروا غضبتَ وقبضتَ. قال: ما أكره منهم إلّا هذه الشين في أوّل إسمهم فإنّي لم أجدها قطُّ إلّا في كلّ شرٍ وشومٍ وشيطانٍ وشغب وشقاءٍ وشفارٍ وشررٍ وشينٍ وشوكٍ وشكوى وشهرةٍ وشتمٍ وشُحٍّ. قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعيٍّ بعدها قائمة.

عجباً من سفاهة الشيخ (شرس الأخلاق) وضئولة رأيه حيث لم يجد في الشيعة

٨٧

ما يزري بهم، لكن عدائه المحتدم حداه إلى أن يتّخذ لهم عيباً منحوتاً من السفاسف، فطفقُ يؤاخذهم بالإسم لمحض إطّراد حرف من حروفه في أشياء من أسماء الشرّ، ولو إطّرد هذا لتسرَّب إلى كثير من الأسماء المقدَّسة، م - وإلى كتاب الله العزيز وفيه قوله تعالى:( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) . وآيٌ أخرى جاءت فيها لفظة الشيعة].

وأسخف من الشيخ أبو عثمان الَّذي يحسب أنَّه لم تثبت للشيعة بعد تلك الكلمة التافهة قائمة، فكأنَّ صاعقة أصابتهم، أو إنَّها خسفت الأرض من تحت أرجلهم، أو دكدكت عليهم الجبال فأهلكتهم، أو أنَّ برهاناً قاطعاً دحض حجَّتهم ففضحهم، ولم يعقل أنَّ الشيخ كشف بقوله عن سوئته، وأقام حجَّةً على شراسة أخلاقه، فاقتدى به أبو عثمان بعقليته الضئيلة.

ولم يبعد عنهما إبن عبد ربِّه حيث أورده في كتابه مرتضياً له، ولِم لَم يرق الشيخ الشرس أن يحبَّ من الشيعة هذه الشين الموجودة في الشريعة. والشمس. والشروق. والشعاء. والشهد. والشفاعة. والشرف. والشباب. والشكر. والشهامة. والشأن. والشجاعة. والشفق؟! م - وقد جاءت غير واحدة من تلكم الألفاظ كلفظة الشيعة في القرآن].

وكيف تجد الشيخ في أُكذوبته بأنَّه لم يجد الشين إلّا في تلك الألفاظ دون هذه؟! ولعلّه كان أعور فلا يبصر ما يحاذي عينه العوراء.

أوَ ليس في وسع الشيعة أن يقول على وتيرة الشيخ: إنِّي ما أكره من السُنِّيِّ إلّا هذه السين في أوّل إسمه التي أجدها في السام. والسئم. والسعر. والسقر. والسبي. والسقم. والسم. والسموم. والسوئة. والسهم. والسهو. والسرطان. والسرقة والسفه. والسفل. والسخب. والسخط. والسخف. والسقط. والسلّ. والسليطة. والسماجة؟!

لكنَّ الشيعة عقلاء حكمآء لا يعتمدون على التافهات، ولا يخدشون العواطف بالسفاسف، ولا يشوِّهون سمعة أيِّ مبدء بمثل هذه الخرافات.

هذه نبذةٌ من مخاريق إبن عبد ربّه، وكم لها من نظير، ولو ذهبنا إلى استيعاب ما هناك لجاء كتاباً حافلاً، وهناك له سقطات تاريخيّة كقوله في زيد الشهيد: إنَّه خرج

٨٨

بخراسان فقتل وصُلب(١) نخرج بنقدها عن موضوع البحث ولا يهمّنا الايعاز إليها.

وذكر إبن تيميَّة في «منهاج السنَّة» هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يُرى للمجتمع أنّه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنَّه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السَّلام على المؤمنين إنَّما يقولون: السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفَّين وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلّون أموال الناس كلّهم وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصَّلاة وكذلك الرافضة.

اليهود لا تسجد حتّى تخفق برؤوسها مراراً تشبيهاً بالرُّكوع وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غشَّ الناس وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقوّلات المعزوَّة إلى الشيعة شعورك الحرُّ، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقايدهم وأعمالهم، وما عُرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

( وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الّذِى جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ

مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ )

سورة البقرة ١٢٠

_____________________

١ - العقد الفريد ٢ ص ١٤٦، ٣٥٥ ج ٣ ص ٤١.

٨٩

٢

الانتصار(١)

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزى إليه على عدد صفحاته - ١٧٣ - أكذوبة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص على العجب العجاب من كذب شائن، وتحكّم بارد، وتهكّم ممض، ونسب مفتعلة، وإنا نرجى إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسوّد جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيك الأساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف، وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمّة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوّله عليها. قال:

١ - الرافضة تعتقد أنَّ ربَّها ذو هيئة وصورة يتحرَّك ويسكن ويزول وينتقل وإنَّه كان غير عالم فعلم (إلى أن قال): هذا توحيد الرافضة بأسرها إلّا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد فنفتهم الرافضة عنهم وتبرَّئت منهم، فأمّا جملتهم و مشايخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعليّ بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منصور، والسكّاك فقولهم ما حكيت عنهم. ص ٥.

٢ - الرافضة تقول وهي معتقدةٌ: إنَّ ربّها جسمٌ ذو هيئةٍ وصورةٍ يتحرَّك ويسكن ويزول وينتقل وإنَّه كان غير عالم ثمَّ علم ص ٧.

٣ - فهل على وجه الأرض رافضيٌّ إلّا وهو يقول: إنّ الله صورةٌ، ويروي في ذلك الروايات، ويحتجّ فيه بالأحاديث عن أئمَّتهم؟! إلّا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقرِّ به. ص ١٤٤.

٤ - يرون الرافضة أن يطأ المرأة الواحدة في اليوم الواحد مائة رجل من غير استبراء، ولا قضاء عدَّة، وهذا خلاف ما عليه أُمَّة محمد. ص ٨٩.

ستتضح جليَّة الحال في هذه كلّها وإنَّ الشيعة بريئةٌ منها من أوَّل يومها( وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ ) (٢)

_____________________

١ - تأليف أبي الحسين عبد الرحيم الخياط المعتزلي.

٢ - سورة البقرة ١٤٥.

٩٠

٣

الفرق بين الفِرَق

تأليف أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغداديّ

المتوفّى ٤٢٩ في ٣٥٥ صفحة

لم يترك هذا المؤلِّف في قوس إفكه منزعاً لم يرمِ به الشيعة، إنَّما قحمه في هذه المهلكة حسبانه في ص ٣٠٩ أنَّه لم يكن في الروافض قطُّ إمامٌ في الفقه، ولا إمامٌ في رواية الحديث، ولا إمامٌ في اللغة والنحو، ولا موثوقٌ به في نقل المغازي والسير والتواريخ، ولا إمامٌ في التأويل والتفسير، وإنَّما كان أئمَّة هذه العلوم على الخصوص والعموم أهل السنَّة والجماعة.

وحمد الله على ذلك. وكأنَّ هذه المزعمة عنه كانت عامَّة حتّى للأجيال القادمة نظراً إلى الغيب من وراء ستر رقيق، وبذلك أمن أن يكون من بعده من يكشف عورته ويطعن في أمانته في العزو، أو إنَّ كتب الشيعة وعلمائها المضادَّة لهاتيك النسب تكذِّبه بأنفسها.

وإن تعجب فعجبٌ أنَّه كان نصب عيني الرجل في بيئته (بغداد) رجالات من الشيعة لا يطعن في إمامتهم في كلّ ما ذكره من العناوين وكانت بيدهم أزمّة الزعامة كشيخ الأُمَّة ومعلّمها محمد بن محمد بن النعمان المفيد. وعلم الهدى سيّدنا المرتضى. والشريف الرضي. وأبي الحسين النجاشي. والشيخ أبي الفتح الكراجكي. والشريف أبي يعلى. وسلّار الديلمي. ونظرائهم فهو إمّا أنَّه لم يحسَّ بهم لخلل في حسِّه المشترك، أو إنَّه مندفعٌ إلى الإنكار بدافع الحنق، وأيّاماً كان فنحن لا نبالي بما هو فيه، وكلُّ قصدنا تنبيه القارئ إلى خطَّة الرجل حتّى لا يغترّ بماله من صخب وتركاض.

ولعلّك تعرف شيئاً ممّا حوته صفحات هذا الكتاب المزوَّر من الكذب والزور والبهت والتدجيل والتمويه عندما تقف على كلماتنا حول ما يضاهيه من الكتب المزوَّرة.

( وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ

مَالَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ )

سورة الرعد ٣٧

٩١

٤

الفصل في الملل والنحل(*)

يجب على من يكتب في الملل والنحل قبل كل شيء الإلتزام بالصدق والأمانة أكثر ممن يؤلف في التاريخ والأدب حتى يأمن بوائق هذا الفن من قذف الأمم من غير استناد إلى ركن وثيق، وتشويه سمعة الأبرياء بمجرّد الوهم أو الخيال، فلا يخطّ إلّا وهو متثبت في النقل، معتمد على أوثق المصادر، حتى يكون ذلك معذراً له عند المولى سبحانه، فلا يؤاخذ بالبهت على الناس والوقيعة فيهم.

غير أن ابن حزم لم يلتزم بهذا الواجب بل إلتزم بضده في كل ما يكتب، فطفق ينسق الأقاويل، ويروقه تكثير المذاهب،وقذف من يخالفه في المبدء. فإليك نماذج من تحكّماته قال:

١ - إنَّ الروافض ليسوا من المسلمين إنَّما هي فرقٌ أوَّلها بعد موت النبيِّ بخمس وعشرين سنة، وكان مبدئها إجابةً ممَّن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام، وهي طائفةٌ تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر.

ج - لعمر الحقِّ إنَّ هذه جملٌ قارصة تندى منها جبهة الإنسانيَّة ولو كان الظاهريُّ يحملها لوجب أن ينتصب عرقاً ولكن...

وليت شعري كيف يمكن سلب الإسلام عن قوم يستقبلون القبلة في فرايضهم، ويلهجون بالشَّهادتين فيها، ويحملون القرآن ويعملون به ويتَّبعون سنَّة النبيِّ الأقدس؟! وملأ الدنيا كتبهم في العقائد والأحكام فهي شهيدةٌ لهم على ما قلناه بعد أعمالهم الخارجيَّة.

وكيف يسع الرجل هذا الحكم الباتّ؟! وآلافٌ من الشيعة هم مشايخ أعلام السنَّة ورواة الحديث في صحاحهم الستّ وغيرها من المسانيد وهي مراجع قومه في معتقداتهم وأحكامهم وآرائهم نظرآء:

أبان بن تغلب الكوفي، إبراهيم بن يزيد الكوفي، أبو عبد الله الجدلي.

_____________________

(*) تأليف ابن حزم الظاهري الأندلسي المتوفّى ٤٥٦، راجع ج ١ ص ٢٩٠.

٩٢

أحمد بن المفضل الحفري

إسماعيل بن زكريّا الكوفي

تليد بن سليمان الكوفي

جابر بن يزيد الجعفي

جعفر بن سليمان البصري

الحارث بن عبد الله الهمداني

حكم بن عُتيبة الكوفي

أبو الحجّاف إبن أبي عوف

سالم بن أبي الجعد الكوفي

سعيد بن خثيم الهلالي

سليمان بن صرد الكوفي

سليمان بن مهران الكوفي

طاوس بن كيسان الهمداني

عبّاد بن يعقوب الكوفي

عبد الله بن عمر الكوفي

عبد الرحمن بن صالح الأزدي

عبيد الله بن موسى الكوفي

عطيَّة بن سعد الكوفي

عليّ بن بديمة

عليّ بن صالح

عليّ بن المنذر الطرائفي

عمّار بن زُريق الكوفي

فضل بن دكين الكوفي

مالك بن إسماعيل الكوفي

محمد بن فضيل الكوفي

إسماعيل بن أبان الكوفي

إسماعيل بن عبد الرَّحمن

ثابت أبو حمزة الثِّمالي

جرير بن عبد الحميد الكوفي

جُميع بن عُميرة الكوفي

حبيب بن أبي ثابت الكوفي

حمّاد بن عيسى الجهني

زُبيد بن الحارث الكوفي

سالم بن أبي حفصة الكوفي

سلمة بن الفضل الأبرش

سليمان بن طاخان البصري

شعبة بن الحجّاج البصري

ظالم بن عمرو الدؤلي

عبد الله بن داود الكوفي

عبد الله بن لهيعة الحضرمي

عبد الرزاق بن همام الحميري

عثمان بن عُمير الكوفي

العلاء بن صالح الكوفي

عليّ بن الجعد الجوهري

عليّ بن غراب الكوفي

عليّ بن هاشم الكوفي

عمرو بن عبد الله السبيعي

فضيل بن مرزوق الكوفي

محمد بن حازم الكوفي

محمد بن مسلم الطائفي

إسماعيل بن خليفة الكوفي

إسماعيل بن موسى الكوفي

ثُوير بن أبي فاختة الكوفي

جعفر بن زياد الكوفي

الحارث بن حُصيرة الكوفي

الحسن بن حيِّ الهمداني

خالد بن مخلّد القطواني

زيد بن الحباب الكوفي

سعد بن طريف الكوفي

سلمة بن كهيل الحضرمي

سليمان بن قرم الكوفي

صعصعة بن صوحان العبيدي

أبو الطفيل عامر المكّي

عبد الله بن شدّاد الكوفي

عبد الله بن ميمون القداح

عبد الملك بن أعين

عديّ بن ثابت الكوفي

علقمة بن قيس النخعي

عليّ بن زيد البصري

عليّ بن قادم الكوفي

عمّار بن معاوية الكوفي

عوف بن أبي جميلة البصري

فطر بن خليفة الكوفي

محمد بن عُبيد الله المدني

محمد بن موسى المدني

٩٣

محمد بن عمّار الكوفي

المنهال بن عمرو الكوفي

نوح بن قيس الحدّاني

هُبيرة بن بُريم الحميري

وكيع بن الجراح الكوفي

معروف بن خربوذ الكرخي

موسى بن قيس الحضرمي

هارون بن سعد الكوفي

هشام بن زياد البصري

يحيى بن الجزّار الكوفي

منصور بن المعتمر الكوفي

نفيع بن الحارث الكوفي

هاشم بن البريد الكوفي

هشام بن عمّار الدمشقي

يزيد بن أبي زياد الكوفي(١) .

هؤلآء جمعٌ ممَّن إحتجّ بهم الأئمَّة الستَّة في صحاحهم، أضف إليهم رجال الشيعة من الصحابة الأكرمين، والتابعين الأوَّلين، وأعلام البيت العلويِّ الطاهر من الَّذين يُحتجُّ بهم وبحديثهم وأنهى أئمَّة أهل السنَّة إليهم الإسناد في الصحاح والسنن والمسانيد و هم مصرِّحون بثقتهم وعدالتهم.

فلو كانت الشيعة (كما زعمه إبن حزم) خارجين عن الإسلام فما قيمة تلك الصحاح؟! وتلك المسانيد؟! وتلك السنن؟! وما قيمة مؤلِّفيها أولئك المشايخ وأولئك الأئمَّة و أولئك الحفّاظ؟! وما قيمة تلكم المعتقدات والآراء المأخوذة ممَّن ليسوا من المسلمين؟! أللهمَّ غفرانك وإليك المصير وأنت القاضي بالحقِّ.

نعم: ذنبهم الوحيد الَّذي لا يُغفر عند إبن حزم أنَّهم يُوالون عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الأئمَّة الأُمناء صلوات الله عليهم إقتداءً بالكتاب والسنَّة، ومن جرّاء ذلك يستبيح صاحب الفصل من أعراضهم ما لا يُستباح من مسلم، والله هو الحكَم الفاصل.

وأمّا ما حسبه من أنَّ مبدء التشيّع كان إجابةً ممَّن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام وهو يريد عبد الله بن سبا الذي قتله أمير المؤمنين عليه السلام إحراقاً بالنار على مقالته الإلحاديَّة وتبعته شيعته على لعنه والبرائة منه.

فمتى كان هذا الرجس من الحزب العلويِّ حتى تأخذ الشيعة منه مبدء ها القويم؟! وهل تجد شيعيّاً في غضون أجيالها وأدوارها ينتمي إلى هذا المخذول ويمتُّ به؟! لكن الرجل أبى إلّا أن يقذفهم بكلِّ مائنةٍ شائنةٍ، ولو استشفَّ الحقيقة لعلم بحقِّ اليقين أنَّ ملقي هذه البذرة - التشيّع - هو مشرِّع الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم يوم كان يُسمِّيّ

_____________________

١ - راجع في ترجمة هؤلاء وتفصيل حديثهم المراجعات لسيدنا المجاهد حجة الإسلام شرف الدين ص ٤١ - ١٠٥.

٩٤

من يوالي عليّاً عليه السلام بشيعته ويُضيفهم إليه ويُطريهم ويدعو أُمَّته إلى موالاته وإتِّباعه راجع ص ٧٨.

ولتفاهة هذه الكلمة لا نسهب الإفاضة في ردِّه ونقتصر على كلمة ذهبيَّة للأستاذ محمد كرد علي في خطط الشام ٦ ص ٢٥١ قال: أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنَّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سباء المعروف بابن السوداء فهو وهمٌ وقلّة علم بتحقيق مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبرائتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك علم مبلغ هذا القول من الصواب. ا هـ.

٢ - قال: كذب مَن قال: بأنَّ عليّاً كان أكثر الصحابة علماً (٤ ص ١٣٦) ثمَّ بسط القول في تقرير أعلميَّة أبي بكر وتقدُّمه على عليٍّ في العلم ببيانات تافهة إلى أن قال: علم كلُّ ذي حظٍّ من العلم أنَّ الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند عليٍّ منه.

وقال في تقدُّم عمر على عليٍّ في العلم: علم كلُّ ذي حسٍّ علماً ضروريّاً أنَّ الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند عليٍّ من العلم. إلى أن قال: فبطل قول هذه الوقّاح الجهال، فإن عاندنا معاندٌ في هذا الباب جاهلٌ أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله فإنّا غير مهتمّين على حطِّ أحد من الصحابة عن مرتبته.

ج - أنا لست أدري أأضحك من هذا الرجل جاهلاً؟! أم أبكي عليه مغفَّلاً؟! أم أسخر منه معتوهاً؟! فإنّ ممّا لا يدور في أيِّ خلد الشكُّ في أنَّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان يربو بعلمه على جميع الصحابة، وكانوا يرجعون إليه في القضايا والمشكلات ولا يرجع إلى أحد منهم في شيء، وإنَّ أوَّل مَن إعترف له بالأعلميَّة نبيُّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لفاطمة: أما ترضين أنّي زوَّجتكِ أوَّل المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً(١) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لها: زوَّجتكِ خير أُمَّتي أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوَّلهم سلماً(٢) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لها: إنَّه لأوَّل أصحابي إسلاماً، أو: أقدم أُمَّتي سلماً، وأكثرهم

_____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣، كنز العمال ٦ ص ١٣.

٢ - أخرجه الخطيب في المتفق، السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه ٦ ص ٣٩٨.

٩٥

علماً، وأعظمهم حلماً(١) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أعلم أُمَّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب(٢) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عليٌّ وعاء علمي ووصيّي وبابي الذي أوتى منه(٣) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عليٌّ باب علمي ومبيِّن لأُمّتي ما أُرسلت به من بعدي(٤) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عليٌّ خازن علمي(٥) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عليُّ عيبة علمي(٦) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضى أُمَّتي عليّ(٧) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضاكم عليّ(٨) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عليُّ أخصمك بالنبوَّة ولا نبوَّة بعدي وتخصم بسبع (إلى أن عدَّ منها) وأعلمهم بالقضيَّة. وفي لفظ: وأبصرهم بالقضيَّة(٩) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فاُعطي عليٌّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً(١٠) .

_____________________

١ - مسند أحمد ٥ ص ٢٦، الاستيعاب ٣ ص ٣٦، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٤. مجمع الزوايد ٩ ص ١٠١ و ١١٤ بطريقين صحح أحدهما ووثق رجال الآخر، والمرقاة في شرح المشكاة ٥ ص ٥٦٩، كنز العمال ٦ ص ١٥٣، السيرة الحلبية ١ ص ٢٨٥، سيرة زيني دحلان ١ ص ١٨٨ هامش الحلبية.

٢ - أخرجه الديلمي عن سلمان، وذكره الخوارزمي في المناقب ٤٩، ومقتل الحسين ١ ص ٤٣ والمتقي في كنز العمال ٦ ص ١٥٣.

٣ - شمس الأخبار ص ٣٩، كفاية الكنجي ٧٠، ٩٣.

٤ - أخرجه الديلمي عن أبي ذر كما في كنز العمال ٦ ص ١٥٦، كشف الخفاء ج ١ ص ٢٠٤.

٥ - شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ ص ٤٤٨.

٦ - شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ ص ٤٤٨، الجامع الصغير للسيوطي وجمع الجوامع له كما في ترتيبه ٦ ص ١٥٣ م شرح العزيزي ٢ ص ٤١٧، حاشية شرح العزيزي للحفني ٢ ص ٤١٧، مصباح الظلام ٢ ص ٥٦).

٧ - مصابيح البغوي ٢ ص ٢٧٧، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٨، مناقب الخوارزمي ٥٠، م فتح الباري ٨، ١٣٦، بغية الوعاة ص ٤٤٧

٨ - الاستيعاب ٣ ص ٣٨ هامش الإصابة، مواقف القاضي الإيجي ٣ ص ٢٧٦، شرح ابن أبي الحديد ٢ ص ٢٣٥، مطالب السئول ٢٣، تمييز الطيب من الخبيث ٢٥، كفاية الشنقيطي ٤٦.

٩ - حلية الأولياء ١ ص ٦٦، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٨ عن الحاكمي، مطالب السئول ٣٤، تاريخ إبن عساكر، كفاية الكنجي ١٣٩، كنز العمال ٦ ص ١٥٣.

١٠ - حلية الأولياء ١ ص ٦٥، أسنى المطالب للحافظ الجزري ١٤.

٩٦

وكيف كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول لَمّا يقضي عليٌّ في حياته: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت(١) وإذا كان عليٌّ باب مدينة علم رسول الله وحكمته بالنصوص المتواترة عنه(٢) صلى الله عليه وآله وسلم فأيُّ أحد يُوازيه؟! أو يُضاهيه؟! أو يقرب منه في شيء من العلم؟! و هذا الحديث ممّا لا شكَّ في صدوره عن مصدر النبوَّة، وقد أفرده بتدوين طرقه غير واحد في مؤلَّفات مستقلّة.

وبعده صلى الله عليه وآله وسلم عايشة فإنَّها قالت: عليٌّ أعلم الناس بالسنَّة(٣) .

وعمر بقوله: عليٌّ أقضانا.(٤)

وقوله: أقضانا عليٌّ.(٥)

ولعمر كلماتٌ مشهورةٌ تعرب عن غاية إحتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين منها قوله غير مرَّة: لولا عليٌّ لهلك عمر(٦) .

وقوله: أللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها إبن أبي طالب(٧) .

وقوله: لا أبقاني الله بأرض لست فيها أبا لحسن.(٨)

وقوله: لا أبقاني الله بعدك يا عليُّ؟(٩)

_____________________

١ - أخرجه أحمد في المناقب، محب الدين الطبري في الرياض ٢ ص ١٩٤.

٢ - أخرجه كثير من الحافظ بعدة طرق وصححه الطبري وابن معين والحاكم والخطيب والسيوطي وغيرهم.

٣ - الاستيعاب ٣ ص ٤٠ هامش الإصابة، الرياض النضرة ٢ ص ٩٣؟، مناقب الخوارزمي ٥٤، الصواعق ٧٦، تاريخ الخلفاء ١١٥.

٤ - حلية الأولياء ١ ص ٦٥، طبقات ابن سعد ص ٤٥٩، ٤٦٠، ٤٦١، الاستيعاب ٤ ص ٣٨، ٣٩ هامش الإصابة، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٨، ٢٤٤، تاريخ إبن كثير ٧ ص ٣٥٩ و قال: ثبت عن عمر. أسنى المطالب للجزري ١٤، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١١٥.

٥ - طبقات ابن سعد ٨٦٠، الاستيعاب ٣ ص ٤١، تاريخ إبن عساكر ٢ ص ٣٢٥، مطالب السئول ٣٠.

٦ - أخرجه أحمد والعقيلي وابن السمان، ويوجد في الاستيعاب ٣ ص ٣٩، الرياض ٢ ص ١٩٤، تفسير النيسابوري في سورة الأحقاف، مناقب الخوارزمي ٤٨، شرح الجامع الصغير للشيخ محمد الحنفي ٤١٧ هامش السراج المنير. تذكرة السبط ٨٧، مطالب السئول ١٣، فيض القدير ٤ ص ٣٥٧.

٧ - تذكرة السبط ٨٧، مناقب الخوارزمي ٥٨، مقتل الخوارزمي ١ ص ٤٥.

٨ - إرشاد الساري ٣ ص ١٩٥.

٩ - الرياض النضرة ٢ ص ١٩٧، مناقب الخوارزمي ٦٠، تذكرة السبط ٨٨، فيض القدير ٤ ص ٣٥٧.

٩٧

وقوله: أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها(١) .

وقوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن(٢) .

وقوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن(٣) .

وقوله: أللهمّ لا تنزل بي شديدة إلّا وأبو الحسن إلى جنبي(٤) .

وقوله: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن. ترجمة عليّ بن أبي طالب ص ٧٩.

م - وقوله: لا أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو الحسن. حاشية شرح العزيزي ٢ ص ٤١٧، مصباح الظلام ٢ ص ٥٦ ]

وقال سعيد بن المسيِّب: كان عمر يتعوَّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(٥) .

وقال معاوية: كان عمر إذا أشكل عليه شيءٌ أخذه منه(٦) .

م - ولَمّا بلغ معاوية قتل الإمام قال: لقد ذهب الفقه والعلم بموت إبن أبي طالب. أخرجه أبو الحجّاج البلوي في كتابه «ألف باء» ج ١ ص ٢٢٢ ].

ثمّ الإمام السبط الحسن الزكيّ فإنَّه قال في خطبة له: لقد فارقكم رجلٌ بالأمر لم يسبقه الأوَّلون ولا يدركه الآخرون بعلم(٧) .

وقال إبن عبّاس حبر الأُمَّة: والله لقد اُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعةُ أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العُشر العاشر(٨) .

_____________________

١ - تاريخ إبن كثير ٧ ص ٣٥٩، الفتوحات الإسلامية ٢ ص ٣٠٦.

٢ - الرياض النضرة ١٩٧، منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ٢ ص ٣٥٢.

٣ - فيض القدير ٤ ص ٣٥٧، م - قال: أخرج الدار قطني عن أبي سعيد أن عمر كان يسأل علياً عن شيئ فأجابه فقال عمر: أعوذ بالله الخ).

٤ - أخرجه ابن البختري كما في الرياض ٢ ص ١٩٤.

٥ - أخرجه أحمد في المناقب، ويوجد في الاستيعاب هامش الإصابة ٣ ص ٣٩، م - صفة الصفوة ١ ص ١٢١) الرياض النضرة ٢ ص ١٩٤، تذكرة السبط ٨٥، طبقات الشافعية للشيرازي ١٠، الإصابة ٢ ص ٥٠٩، الصواعق ٧٦، فيض القدير ٤ ص ٣٥٧، م - إلف باء ١ ص ٢٢٢).

٦ - مناقب أحمد، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٥.

٧ - أخرجه م - أحمد كما في تاريخ إبن كثير ٧ ص ٣٣٢، و) أبو نعيم في الحلية ١ ص ٦٥، وابن أبي شيبة كما في ترتيب جمع الجوامع ٦ ص ٤١٢، م - وأبو الفرج إبن الجوزي في صفة الصفوة ١ ص ١٢١).

٨ - الاستيعاب ٣ ص ٤٠، الرياض ٢ ص ١٩٤، مطالب السئول ٣٠.

٩٨

وقال: ما علمي وعلم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم في علم عليٍّ رضي الله عنه إلّا كقطرة في سبعة أبحر(١) .

وقال: العلم ستَّة أسداس، لِعليٍّ من ذلك خمسة أسداس وللنّاس سُدسٌ، ولقد شاركنا في السّدس حتّى لهو أعلم به منّا(٢) .

وقال إبن مسعود: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فاُعطي عليُّ تسعة أجزاء والناس جزءاً، وعليٌّ أعلمهم بالواحد منها(٣) .

وقال: أعلم أهل المدينة بالفرائض عليُّ بن أبي طالب(٤) .

وقال: كنّا نتحدَّث أنَّ أقضى أهل المدينة عليٌّ(٥) .

وقال: أفرض أهل المدينة وأقضاها عليٌّ(٦) .

موقال: إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ما منها حرفٌ إلّا وله ظهرٌ وبطنٌ وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن. مفتاح السعادة ج ١ ص ٤٠٠ ].

وقال: هشام بن عتيبة في عليّ عليه السلام: هو أوَّل من صلّى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله(٧)

وسُئل عطاء أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من عليٍّ؟! قال: لا والله ما أعلمه.(٨)

وقال عديّ بن حاتم في خطبة له: والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنَّة إنَّه - يعني عليّاً - لأعلم النّاس بهما، ولئن كان إلى الإسلام إنَّه لأخو نبيِّ الله والرأس في الإسلام، ولئن كان إلى الزهد والعبادة إنَّه لأظهر الناس زهداً، وأنهكهم عبادةً،

_____________________

١ - راجع الجزء الثاني من كتابنا ص ٤٤، ٤٥ ط ثاني

٢ - مناقب الخوارزمي ٥٥، فرايد السمطين في الباب الـ ٦٨ بطريقين.

٣ - كنز العمال ٥ ص ١٥٦، ٤٠١ نقلاً عن غير واحد من الحفاظ.

٤ - الاستيعاب ٣ ص ٤١، الرياض ٢ ص ١٩٤.

٥ - مستدرك الحاكم ج ٣ وصححه، الاستيعاب ٣ ص ٤١، أسنى المطالب للجزري ١٤، تمييز الطيب من الخبيث لابن البديع ١٥، الصواعق ٧٦.

٦ - مستدرك الحاكم، الرياض ٢ ص ١٩٨، الصواعق ٧٦، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١١٥.

٧ - كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص ٤٠٣.

٨ - الاستيعاب ٣ ص ٤٠، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٤، م - ألف باء ا ص ٢٢٢) الفتوحات الإسلامية ٢ ص ٣٣٧.

٩٩

ولئن كان إلى العقول والنَّحائز(١) إنَّه لأشدُّ الناس عقلاً، وأكرمهم نحيزةً(٢)

وقال عبد الله بن حجل في خطبة له: أنت أعلمنا بربِّنا، وأقربنا بنبيِّنا، وخيرنا في ديننا(٣) .

م - وقال أبو سعيد الخدري: أقضاهم عليّ. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة مثله. فتح الباري ٨: ١٣٦ ].

وقد امتدح جمعٌ من الصحابة أمير المؤمنين عليه السلام في شعرهم بالأعلميَّة كحسَّان بن ثابت، وفضل بن عبّاس، وتبعهم في ذلك أُمَّة كبيرةٌ من شعراء القرون الأولى لا نطيل بذكرهم المقام.

والأُمَّة بعد أولئك كلّهم مجمعةٌ على تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على؟ غيره بالعلم إذ هو الّذي ورث علم النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبت عنه بعدّة طرق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّه وصيّه ووارثه. وفيه: قال عليٌّ: وما أرث منك يا نبيَّ الله؟! قال: ما ورث الأنبياء من قبلي قال: وما ورث الأنبياء من قبلك؟! قال: كتاب الله وسنَّة نبيِّهم.

قال الحاكم في المستدرك ٣ ص ٢٢٦ في ذيل حديث وراثته النبيَّ دون عمِّه العبّاس ما نصّه: لا خلاف بين أهل العلم أنَّ ابن العمّ لا يرث مع العمِّ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنَّ عليّاً ورث العلم من النبيِّ دونهم.

وبهذه الوراثة الثابتة صحَّ عن عليّ عليه السلام قوله: والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمِّه ووارث علمه، فمن أحقُّ به منّي؟!(٤)

وهذه الوراثة هي المتسالم عليها بين الصحابة وقد وردت في كلام كثير منهم وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية فيما كتب: يا لك الويل، تعدل نفسك بعليٍّ؟! وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّه(٥)

_____________________

١ - النحائز جمع النحيزة: الطبيعة.

٢ - جمهرة خطب العرب ١ ص ٢٠٢.

٣ - جمهرة الخطب ١ ص ٢٠٣.

٤ - خصائص النسائي ص ١٨، مستدرك الحاكم ٣ ص ١٢٦ صححه هو والذهبي.

٥ - كتاب صفين لنصر بن مزاحم ١٣٣، مروج الذهب ٢ ص ٥٩.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

يا ابن حُنيفٍ قد أتُيتَ فانْفِرْ

وطاعِنِ القومَ وضارِب واصبِرْ

وابرزْ لهم مُستلئِماً وشَمِّرْ

فقال عثمان بن حُنيف: إي وربّ الحرمَين لأفعلنّ. ونادى عثمان بن حنيف في الناس فتسلّحوا.(١)

يوم الجمل الصغير

أقبل طلحة والزبير وعائشة حتّى دخلوا المِربد، حيّ قديم من أحياء البصرة ؛ وجاء أهل البصرة مع عثمان بن حنيف رُكباناً ومشاة، وخطب طلحة والزبير أنّ عثمان أحدث أحداثاً ثمّ أعتب لمّا استعُتب، وقُتل مظلوماً. واتّهما بذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال قائلون: نَطَقا بالحقّ! وقال آخرون: كذِبا، ولهما كانا أشدّ الناس على عثمان. وارتفعت الأصوات، وأُتي بعائشة على جمَلها، فتكلّمت، وكانت جهوريّة يعلو صوتها كثرة، فقالت: صَهْ صَهْ، فأسكت لها الناس، ثمّ قالت: إنّ عثمان خليفتكم! قُتل مظلوماً... فينبغي في الحقّ أن يُؤخذ قتلته فيُقتلوا به ويُجعل الأمر شورى.(٢)

فقال قائلون: صدَقتْ. وقال آخرون: كذَبتْ حتّى تضاربوا بالنّعال وتمايزوا

____________________

(١) المعيار والموازنة: ٥٧ - ٥٨، أنساب الأشراف ٣: ٢٤ - ٢٥، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٨٠.

(٢) العجبُ من أمّ المؤمنين! فهي تطالب بردّ الأمر شورى وهو أمر لم يعمل به أبوها أبوبكر أذ عيّن عمرَ بن الخطّاب بعده، ثمّ عيّن عمرُ ستّةً ليختاروا واحداً منهم مع ترجيح الكفّة التي فيها عبد الرحمان بن عوف، وعلى الآخرين الطّاعة في حال الاختيار وإلاّ يقتلوا! فاختار لهم عثمان بن عفّان. واختار المسلمون وفيهم طلحة والزبير عليّاً، طائعين غير مُكرهين على ما مرّ بنا.

٤٦١

فصاروا فرقتين، فرقة مع عائشة، وفرقة مع ابن حُنيف، وكان على خيل ابن حُنيف: حكيم بن جَبَلة العبديّ. وتأهبّوا للقتال فانتهوا إلى الزابوقة.

وأقبل جارية بن قدامة السعديّ فقال: يا أمّ المؤمنين، والله لقتلُ عثمان بن عفّان أهونُ من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضةً للسلاح ؛ إنّه قد كان لكِ من الله ستر وحرمة فهتكتِ سترك وأبحتِ حرمتكِ. إنّه مَن رأى قتالكِ يرى قتلكِ. إن كنتِ أتيتينا طائعةً فارجعي إلى منزلك، وإن كنتِ أتيتينا مُستكرَهةً فاستعيني بالناس. ثمّ أنشد:

صُنتم حَلائلكم وقُدتم أُمَّكم

هذا لَعمُرك قلّةُ الإنصاف

أمرَت بجرّ ذيولها في بيتها

فهوتْ تشق البيد بالإيجاف

هُتكَت بطلحةَ والزّبير سُتورُها

هذا الـمُخَبَّرُ عنهُمُ والكافي

وأقبل غلام من جُهَينة على محمّد بن طلحة فقال له: ناشدتك الله، عند من دم عثمان؟ فقال: أما إذ ناشدتني الله، فإنّ دم عثمان ثلاثةُ أثلاث: ثلث عند صاحب الكوفة - يعني عليّاً، وثلث عند صاحب الهودج - يعني عائشة، وثلث عند صاحب الجمل الأحمر - يعني طلحة. فسمعته عائشة فقالت: فَعلَ الله بلك وفَعَل! وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال! ولَحِق بعليّ وقال في ذلك شعراً:

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يُقبرَ

فقال: ثلاثةُ رَهْط هُمُ

أماتوا ابنَ عفّانَ، واستعبر

فثلث على تلك في خدرها

وأخطأتَ في الثالث الأزهر(١)

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٨٢ - ٤٨٣، الاشتقاق: ١٤٥. =

٤٦٢

فقلتُ: صَدَقتَ على الأوّلَيْن

وثلثٌ علي راكب الأحَمر

- عن الزهريّ قال: لمّا قدم طلحة والزبير البصرة أتاهما عبد الله بن حكيم التميميّ بكتب كتبها طلحة إليهم يؤلّبهم فيها على عثمان، فقال له حكيم: أتعرف هذه الكتب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على التأليب أمس والطلب بدمه اليوم؟ فقال: لم أجد في أمر عثمان شيئاً إلاّ التوبة والطلب بدمه.(١)

التأهّب للقتال:

وتأهّبوا للقتال، فقام طلحة والزبير خطيبين وزعما أنّهما لم يريدا قتل عثمان... فقال الناس لطلحة: يا أبا محمّد، قد كانت كتبُك تأتينا بغير هذا! فقال الزبير: فهل جاءكم منّي كتاب في شأنه؟ ثمّ ذكر قتل عثمان... وأظهر عيب عليّ! فقام إليه رجل من عبد القيس فقال: يا معشر المهاجرين، أنتم أوّل من أجاب رسول الله، فكان لكم بذلك فضل، ثمّ دخل الناس في الإسلام كما دخلتم، فلمّا توفّي رسول الله بايعتم رجلاً منكم، والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك، فرضينا واتّبعناكم. ثمّ مات واستخلف عليكم رجلاً منكم، فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلّمنا، فلمّا توفّي الأمير جعل الأمر إلى ستّة نفر، فاخترتم عثمان

____________________

= وهي وثيقة صادقة تضاف إلى ما سبق وما يأتي أن القتلة هم أصحاب الجمل لأنّها صادرة من رجل لصيق بالأحداث هو ابن طلحة وإن كذب في بعضها إذ أضاف عليّاً إلى القتلة! ممّا حمل الفتى على مغادرة عسكرهم والانضمام إلى معسكر عليّعليه‌السلام .

(١) أنساب الأشراف ٣: ٢٨.

فأمّا التوبة فنعم وأمّا طلب الدم فليبداً بنفسه ومن معه من القتلة!

٤٦٣

وبايعتموه من غير مشورة منّا، ثمّ أنكرتم من ذلك الرجل شيئاً فقتلتموه من غير مشورة منّا، ثمّ بايعتم علياً من غير مشورة منّا، فما الذي نقمتم عليه فناقتله؟ هل استأثر بفيء أو عمل بغير الحقّ أو عمل شيئاً تنكرونه فنكون معكم عليه، وإلاّ فما هذا؟! فهمّوا بقتله، فقام من دونه عشيرته، فلمّا كان من الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلاً.(١)

وزحف إليهم عثمان بن حُنيف فقاتلهم أشدّ القتال، فكثُرت بينهم القتلى وفشَت الجراح. ثمّ إنّهم تداعَوا إلى الصُّلح فكتبوا بينهم كتاباً بالموادعة إلى قدوم عليّ، على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشَرعة، وأنّ لعثمان بن حُنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد. فلمّا كان في بعض الليالي بيّتوا عثمان ابن حُنيف وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة، فأسَروه وأمرت عائشة بقتله! ثمّ إنّ القوم استرجعوا وخافوا على مُخلَّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حُنيف وغيره من الأنصار. فاكتفوا بضربه وحلقوا رأسه ونتفوا لحيته وشاربيه وأشفار عينيه، ثمّ حبسوه. وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزّان والموكّلون به وهم السَّبابجة، فقُتل من أولئك السبابجة سبعون رجلاً غير مَن جُرح، ضُربت أعناق سبعين منهم صبراً من بعد الأسر، وهم أوّل من قُتل ظلماً في الإسلام وصبراً، وقتلوا رئيسهم أبا سلمة الزطّيّ، وكان عبداً صالحاً.

وركب حكيم بن جبلة العبديّ، معه إخوته: الرّعل والأشراف ابنا جَبَلة، في

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٨٦، وأنساب الأشراف، موجزاً ماذا قال الرجل إلاّ أنّه احتجّ عليهم بما هو حقّ، فعمد طلاب الصلح - كذا! - إلى قتله وسبعين رجلاً ؛ فما لكم كيف تحكمون!

٤٦٤

ثلاثمائة فارس، فطلب من طلحة والزّبير أن يحلاّ عثمان بن حُنيف ويرجع إلى دار الإمارة وبيت المال، فأبوا عليه ذلك ووقع القتال، فقتل حكيم وإخوته، وقُتل من قوم حكيم سبعون رجلاً. وهذا هو يوم الجمل الصغير ؛ وكانت الوقعة لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ستّ وثلاثين.(١)

التزاحم على الإمامة:

بعد قتل من قُتل، تدافع الزبير وطلحة في الصلاة!! وكانا بويعا أميرين غير خليفتين... ثمّ اتّفقا أن يصلّي هذا يوماً وهذا يوماً.

وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم فقال عبد الله ابنه: إن ارتزقوا تفرّقوا! واصطلحوا على عبد الرحمان بن أبي بكر فصيّروه على بيت المال.(٢)

وعن عوف الأعرابيّ قال: جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما بالمسجد في البصرة فقال: نشدتكما بالله في مسيركما، أعَهِد إليكما فيه رسولُ الله شيئاً؟ فقام

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٢٦ - ٢٨، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٨٦ - ٤٩١، الفتوح ٢: ٢٨٩ - ٢٩٠، مروج الذهب ٢: ٣٥٨.

أيّ قوم هؤلاء الذين ينافح عنهم ابن تيميه! فهم غُدَّر يأسرون رجلاً بعد صلح وهو في حال صلاة! وعائشة تأمر بقتله، ولو لا خيفتهم على أهلهم بالمدينة لقتلوه ؛ فاكتفوا بما فعلوا به...

وكما أحدثوا أوّل حدث في الإسلام وهو شهادة الزّور، فقد أحدثوا أوّل حدث وهو قتل سبعين أسيراً مسلماً ظلماً وصبراً!!

(٢) أنساب الأشراف ٣: ٢٧ - ٦٩، الفتوح ٣: ٢٩٠، تاريخ الطبريّ ٣: ٤٩٠ - ٤٩١، مروج الذهب ٢: ٣٥٨.

٤٦٥

طلحة ولم يُجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بَلَغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها.(١)

عن أبي عمرة مولى الزبير قال: لمّا بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير: ألا ألف فارس أسيرُ بهم إلى عليّ، فإمّا بيَّتُّه وإمّا صبّحتُه لَعَلّي أقتله قبل أن يصلَ ألينا! فَلم يُجبه أحد، فقال: إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نُحدَّث عنها! فقال له مولاه: أتسمّيها فتنةً وتُقاتل فيها؟! قال: وَيْحَك إنّا نُبصِر ولا نبصُر، ما كان أمرٌ قطّ إلاّ علمتُ موضع قدمي فيه غير هذا الأمر ؛ فإنّي لا أدري أمُقبِل أنا فيه أم مُدبِر!(٢)

وعن عبد الله بن مصعب قال: أخبرني موسى بن عقبة قال: سمعت علقمة ابن وقّاص الليثي قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة رأيت طلحة وأحبّ المجالس إليه أخلاها وهو ضاربٌ بلحيته على زَوْره - أي أعلى صدره - فقلت له: يا أبا محمّد، أرى أحبّ المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زَورك، إن كرهت شيئاً فاجلس. قال: يا علقمة، بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضاً. إنّه كان منّي في شيء ليست

____________________

(١) المصنّف لابن ابي شيبة ٧: ٥٤٤ / ٣٧٧٥. فحركة القوم وكلّ حرف صدر منهم محض باطل، فطلحة والزبير أميران! وكلّما كانت صلاة تشاحّا على الإمامة، وليس فيهما أهل للأمانة على بيت المال، والزبير جاء طالب دراهم...!

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٩٢. وثيقة إدانة تتبع أختها، فمن قبل بيّتوا ابن حنيف وهو في الصلاة... وها هو يريد تبيت عليّعليه‌السلام فلمّا لم يتمّ له ما أراد أقرّ أنّه في الفتنة سقط، فهلاً استنفذ نفسه منها؟!

٤٦٦

توبتي إلاّ أن يُسفَك دمي في طلب دمه!(١)

مسير أمير المؤمنين إلى العراق:

بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام ما أحدث البغاة النّاكثون من قتلهم السّبابجة وحكيم ابن جبلة وأصحابه، وما فعلوه بعثمان بن حُنيف ؛ فسار في سبعمائة من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدريّاً، واستخلف على المدينة سهل بن حُنيف.

وبعثعليه‌السلام ابنه الحسن، وعمّار بن ياسر، إلى الكوفة، فخطبا الناس، فنفر معهما من أهل الكوفة تسعة آلاف، وانضمّ إليهم أهل المدينة والحجاز وأهل مصر... ونزلوا الموضع المعروف بالزاوية. فكانوا تسعة عشر ألف من فارس وراجل، فصلّىعليه‌السلام أربع ركعات، وعفّر خدّيه بالتراب، وقد خالط ذلك دموعه، ثمّ رفع يديه يدعو: «اللّهمّ ربَّ السماوات وما أظلّت، والأرضين وما أقلّت، وربَّ العرش العظيم ؛ هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرّها. اللّهمّ أنزِلنا منها خير منزلٍ، وأنت خير المُنزِلين. اللّهمّ إنّ هؤلاء القوم خلعوا طاعتي وبغَوا عليّ ونكثوا بيعتي، اللّهم احقن دماء المسلمين».

وبعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء وقال: علامَ تقاتلونني؟ فأبَوا إلاّ

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٩٢، المستدرك على الصحيحين ٣: ٤١٩ / ٥٥٩٥ وقال في التلخيص: سنده جيّد.

فهذا طلحة يقرّ على نفسه بما كان منه بشأن عثمان ولا يرى كفّارة ذنبه هذا إلاّ أن يسفك دمه، فهلاّ ذبح نفسه فأراح العباد من فتنة عظيمة...؟!

٤٦٧

الحرب.

تعبئة أمير المؤمنين

عبّأ أمير المؤمنينعليه‌السلام عسكره، فكان على خيل ميمنته عمّار بن ياسر، وعلى الرجّالة شُريح بن هانئ، وعلى خيل الميسرة سعيد بن قيس الهمدانيّ، وعلى رجّالتها عَديّ بن حاتم الطائيّ، وعلى خيل الجناح زياد بن كعب الأرحَبيّ، وعلى رجّالتها حجر بن عديّ الكنديّ، وعلى خيل الكمين عَمرو بن الحَمِق الخزاعيّ، وعلى رجّالتها جُندب بن زهير الأزديّ ؛ وأعطى رايته العظمى ابنه محمّد ابن الحنفية. ثمّ جعل على كلّ قبيلة سيّداً من ساداتهم يرجعون إليه في أمورهم ؛ فكان خزيمة بن ثابت الأنصاريّ ذو الشهادتين معه راية، وأبو أيّوب الأنصاريّ معه راية، وقيس بن سعد بن عُبادة معه راية، وأبو قتادة النّعمان بن ربعيّ الأنصاري معه راية، وعبد الله بن العبّاس معه لواء، وعبيد الله بن العبّاس معه راية. وتقدّم الجميع أمير المؤمنين، عن يمينه ولده الحسن، وعن شماله ولده الحسين، وبين يديه ولده محمّد ابن الحنفيّة، وخلفه عبد الله بن جعفر الطيّار ومشايخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار.

هذه هي تركيبة جيش عليّعليه‌السلام ، ليس فيها طليق ولا لصيق، ولا خائن أمانة ولا مزوّر شهادة ولا ناكث بيعة، ولا طالب دراهم، ولا دعيّ ولا مجهول النّسب...

٤٦٨

مبدأ عليّ في القتال

إنّ مبدأ عليّعليه‌السلام ، في كلّ حروبه: أن لا يبدأ قوماً بقتال. عن جويرية بن أسماء، عن يحيى بن سعيد، قال: حدّثني عمّي قال: لمّا كان يوم الجمل نادى عليّ في النّاس: لا ترموا أحداً بسهم ولا تطعنوا برمح ولا تضربوا بسيف ولا تطلبوا القوم ؛ فإنّ هذا مقام من أفلح فيه فلح يوم القيامة.

قال: ثمّ إنّ القوم قالوا بأجمع: يا ثارات عثمان! فمدّ عليّ يديه وقال: اللّهم أكبّ قتلة عثمان اليوم بوجوههم.

ثمّ إنّ الزبير قال للأساورة كانوا معه: ارموهم برشق، وكأنّه أراد أن ينشب القتال، فلمّا نظر أصحابه إلى الانتشاب لم ينتظروا وحملوا، فهزمهم الله ورمى مروانُ بن الحكم طلحةَ بن عبيد الله بسهم فشكّ ساقه بجنب فرسه، فقبض به الفرس حتّى لحقه فذبحه، فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان وهو معه فقال: لقد كفيتك أحدَ قتلَةِ أبيك!(١)

زيادة بيان:

«أمر أميرُ المؤمنينعليه‌السلام أصحابه أن يصافّوهم ولا يبدأوهم بقتال ولا يرموهم بسهم ولا يضربوهم بسيف ولا يطعنوهم برمح، وأن لا يُجهزوا على جريح ولا يُمثّلوا بقتيل، ولا يدخلوا داراً بغير إذن ولا يشتموا أحداً ولا يلحقوا مُدبراً ولا يَهيجوا امرأة، ولا يأخذوا إلاّ ما في عسكرهم، ولا يكشفوا عورة، ولا يهتكوا

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ٤١٨ / ٥٥٩٣.

٤٦٩

ستراً.

ثمّ دعا عليّ بالدرع فأفرغه عليه وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة رسول الله...

ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفوف فقالت: انظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول الله يوم بدر، أما والله ما ينتظر بكم إلاّ زوالَ الشمس. فقالعليه‌السلام : يا عائشة، «عَمّا قَلِيلٍ لّيُصْبِحُنّ نَادِمِينَ »(١) .

ثمّ قال لأصحابه: أيّكم يَعرِض عليهم هذا المصحف وما فيه، فإن قُطِعت يده أخذه بيده الأخرى، وإن قُطِعت أخذه بأسنانه؟! قال فتى شابّ يقال له: مسلم المجاشعيّ من تميم: أنا ؛ فقال له أمير المؤمنين: أعرض عليهم هذا، وقل لهم: هو بيننا وبينكم من أوّله إلى آخره، والله في دمائنا ودمائكم. فحمل الفتى وفي يده المصحف فقُطعت يداه فأخذه بأسنانه حتّى قُتل. فقالت أُمّه:

يا ربّ، إنّ مسلماً دعاهُم

يتلو كتاب الله لا يخشاهُم

فَرَمَّلُوه رُمِّلت لحاهُم!

ورمى أصحابُ الجمل أصحاب أمير المؤمنين، فعقروا منهم جماعة، ثمّ جيء برجل من أصحابه من الميمنة قد رُمي بسهم فقُتل، فقالعليه‌السلام : اللّهم اشهد. ثمّ أذن بالقتال وهو يقول: الآنطاب الضِّراب. ثمّ دفع رايته إلى ابنه محمّد ابن الحنفيّة وقال: تقدّم يا بنيّ فتقدّم محمّد فطعن في أصحاب الجمل طعناً منكراً وأمير المؤمنين ينظر، فأعجبه ما رأى من فعاله فجعل يقول:

____________________

(١) المؤمنون: ٤٠.

٤٧٠

اطعن بها طَعْنَ أبيك تُحمَدِ

لا خيرَ في الحرب إذا لم تُوقَدِ

فقاتل ساعةً ثمّ رجع، وحمل أصحاب الجمل على ميمنة أمير المؤمنين وميسرته فكشفوها، فأتاه بعض ولد عقيل وأمير المؤمنين يخفِق نعاساً على قربوس سرجه، فقال له: يا عمّ، قد بَلَغَت ميمنتك وميسرتك حيث ترى، وأنت تَخفِق نعاساً؟ قال: اسكت يا ابن أخي ؛ فإنّ لعمّك يوماً لا يَعدوه، والله ما يبالي عمُّك وقع على الموت أو وقع الموت عليه. ثمّ ضرب بيده إلى سيفه فاستلّه، وأخذ الراية من ولده محمّد وحمل، وحمل معه الناس فما زال يضرب فيهم يميناً وشمالاً ثمّ رجع وقد انحنى سيفه، فجعل يسوّيه بركبته... ثمّ حمل ثانية حتّى اختلط بهم، فجعل يضرب فيهم قُدماً حتّى انحنى سيفه، ثمّ رجع إلى أصحابه وهو يقول: «والله ما أريد بذلك إلاّ وجه الله والدار الآخرة».

وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضَبّة، وجعل بنوضبّة يأخذون بَعْرَ الجمل فيفتّونه ويشمّونه ويقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى بعر جمل أمّنا كأنّه المسك الأذفر!!

وعرقب جماعة من عسكر أمير المؤمنين الجمَل فوقع لجنبه... فبادر إليها محمّد بن أبي بكر، بأمر أمير المؤمنين لمواراتها... وجاء عليّعليه‌السلام فقال: يا عائشة، رسول الله أمرك بهذا؟! ألم يأمرك أن تقرّي في بيتك؟! والله ما أنصفك الذين أخرجوك ؛ إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك! فقالت: قد ظفرت فأحسن. فأمر أخاها محمّداً أن يحملها ويدخلها البصرة ولا يدع أحداً يقترب منها، فحملها فأدخلها بيت صفيّة بنت طلحة العبديّ.

٤٧١

وبعد الوقعة نادى أمير المؤمنين في أصحابه: «لا تتّبعوا مولّياً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تنتهبوا مالاً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن».

وكانت وقعة الجمل يوم الخميس لعشر ليالٍ خلون من جُمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين. قُتل فيها من أصحاب أمير المؤمنين ألف وسبعون شهيداً، وهلك من أصحاب الجمل عشرون ألفاً.

وقُتل من وجوه أصحاب الجمل: طلحة بن عبيد الله التّيميّ، وابنه محمّد.

وقُتل الزبير بن العوّام، وجُرح ابنُه عبد الله جراحاتٍ بليغة، وجُرح مروان.

وطلحة ابن عمّ أبي بكر وزوج ابنته أمّ كلثوم بنت أبي بكر.

وكانت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله عند عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر، وقد خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوّام. وكان الزبير صهر أبي بكر، زوجته أسماء بنت أبي بكر، وولده منها عبد الله بن الزبير. ومروان بن الحكم بن العاص ابن عمّ عثمان وزوج ابنته أمّ أبان بنت عثمان بن عفّان.

فأمّا طلحة فإنّ مروان بن الحكم لمّا وقعت الهزيمة وفرّ أتباع الجمل، سدّد سهماً أصاب قدم طلحة. وقيل: إنّ عبد الملك بن مروان جرح طلحة في جبهته، ورماه مروان بسهمه وقال: لا أطلب بثأري في عثمان بعد اليوم أبداً!

وكان عثمان قد خيّب آمال طلحة والزبير وحرمهما من ولاية الكوفة والبصرة، فتسخّطاه، وكانا فيمن كتب إليه يذكرون له عيوبه. وحين اشتدّ الأمر

٤٧٢

على عثمان كان طلحة والزبير قد استوليا على الأمر.(١)

وكانا في القوم الذين حصروه، وقد أشرف عليهم عثمان من جدار داره ثمّ قال: هل فيكم عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: لا، فسكت ونزل. وبلغ ذلك عليّاً وهو في منزله، فأرسل إليه غلامه قنبر...، فجاء قنبر إلى عثمان ثمّ قال: إنّ مولاي يقول لك: ما الذي تريد؟ فقال عثمان: أردته أن يوجّه إليّ بشيء من الماء ؛ فإنّي قد مُنِعْتُه وقد أضرّ بي العطش وبَمن معي! فرجع قنبر إلى عليّ فأخبره بذلك، فأرسل إليه عليّ ثلاث قِرَب من الماء مع نفرٍ من بني هاشم، فلم يتعرّض لهم أحد حتّى دخلوا على عثمان، فأوصلوا إليه الماء...

ثم أقبل عثمان حتّى أشرف على الناس ثانية فسلّم عليهم فردّوا عليه سلاماً ضعيفاً، فقال أفيكم طلحة؟ قال: نعم ها أنا ذا، فقال عثمان: سبحان الله! ما كنتُ أظنّ أن أسلّم على جماعة أنت فيهم ولا تردّ عليّ السلام! ثمّ قال: أهاهنا سعد بن أبي وقّاص؟ أهاهنا الزبير بن العوّام؟ فقالا: نعم نحن هاهنا، فقل ما تشاء. فراح يناشدهم الله ويذكّرهم بمناقبه وأنّه لا يجوز لهم قتله، فسمع صوتاً يهدّد بقتله.(٢)

وذكر البلاذري أنّ طلحة منع أن يدخل الماء العذب على عثمان، فأرسل عليّ إلى طلحة أن دَع هذا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره ولا تقتلوه من

____________________

(١) أنساب الأشراف ٦: ٢١١.

(٢) الفتوح ٢: ٢١٩ - ٢٢٢، مروج الذهب ٢: ٣٤٤.

٤٧٣

العطش، فأبى.(١)

وبعث أمير المؤمنين ولديه الحسن والحسين مع مواليه للدفع عن عثمان، وجُرح الحسن وشُجّ قنبر. فلمّا علمعليه‌السلام بمقتل عثمان غضب، فقال له طلحة: لو دفع إليهم مروان ما قتل.(٢)

وبذا يتّضح العداء الخفيّ بين طلحة ومروان: فطلحة محرّض على عثمان، فلمّا قُتل عثمان صار محرّضاً على مروان! ثم جمعهم الشيطان ليطالبوا بدم عثمان، فلمّا كانت الهزيمة قتل مروان رفيقه طلحة!!

مزيد بيان في أمر مروان:

إنّ قول طلحة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : لو دفع عثمان إليهم مروان ما قتل، ذلك أنّ مروان كان أحد الأسباب المهمّة(٣) في إثارة الفتنة ومسير أهل الأقاليم من مصر والعراق...

احتجاجاً على الأحداث التي صارت أيام عثمان وانتهت بمقتله. ولم يكن عند عثمان أحد يفزع إليه ويثق به إلاّ عليّ! ولذا لمّا علم بنزول الثوّار بذي خشب بعث إلى الإمام عليّعليه‌السلام وسأله أن يخرج إليهم ويضمن لهم عنه كلّ ما يريدون من العدل وحسن السّيرة، فسار عليّ إليهم، فأجابوه إلى ما أراد

____________________

(١) أنساب الأشراف ٦: ٢١١.

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٤٥.

(٣) لم نتعرّض لأسباب ثورة الأقاليم على عثمان إذ يطول شرحها.

٤٧٤

وانصرفوا، فبينما هم في الطريق إذا غلام عثمان مقبل من قبل المدينة، فقرّروه فأقرّ وأظهر كتاباً إلى ابن أبي سرح صاحب مصر وفيه: «إذا قدم عليك الجيش فاقطع يد فلان، واقتل فلاناً وافعل بفلان كذا...».(١)

وعلم القوم أنّ الكتاب بخطّ مروان، فرجعوا إلى المدينة. فمروان أحد قتلة عثمان! من لون آخر ؛ فعائشة وطلحة والزبير من أشدّ المؤلّبين على عثمان، ومروان يلعب بعثمان ويقلب المواقف ويضيّع جهود أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في إطفاء الفتنة. عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: لمّا حصر عثمان الحصر الآخر فلقيهم الآخر فلقيهم عليّ بذي خشب فردّهم عنه، وقد كان والله عليٌّ له صاحب صدق، حتى أوغر نفس عليّ عليه، جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على عليّ فيتحمل ويقولون: لو شاء ما كلّمك أحد وذلك أنّ عليّاً كان يكلّمه وينصحه ويُغلِظ عليه في المنطق في مروان وذويه، فيقولون لعثمان: هكذا يستقبلك وأنت إمامه وسلفه وابن عمّه، فما ظنّك بما غاب عنك منه؟!(٢)

ولم يتغيّر موقف الإمام عليّعليه‌السلام من نصرته لعثمان في حياته عنه بعد مماته! إذ لمّا قُتل عثمان، فرّ بنو أميّة ومعهم مروان و «خرج به ناس يسير من أهله يريدون به حائطاً بالمدينة يقال له «حشّ كوكب» كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلمّا خرج على الناس رجموا سريره وهمّوا بطرحه، فبلغ ذلك عليّاً

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٤٤.

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ٤٣٣ - ٤٣٤.

٤٧٥

فأرسل إليهم يعزم عليهم لَيكفُنّ عنه ففعلوا، فدفن في حشّ كوكب».(١)

تفويت عثمان الأمر على طلحة:

ولمّا أدرك عثمان حقيقة الناس وأنّه مقتول لا محال، سعى إلى تفويت الفرصة على عائشة وطلحة «وكان طلحة قد استولى على حصار عثمان مع نفر من بني تيم - قوم عائشة وطلحة - وبلغ ذلك عثمان فأرسل إلى عليّ:

فإن كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكل

وإلاّ فأدركني ولما أُمَزَّق

أترضى أن يُقتل ابن عمّتك وتُسلب ملكك - ويُسلب نعمتك وأمرك -؟ فقال عليّ: صدق والله، لا نترك ابن الحضرميّة يأكلها، يعني طلحة.

ثمّ خرج عليّ إلى الناس فصلّى بهم صلاة الظهر والعصر، وتفرّق الناس عن طلحة، ومالوا إلى عليّ. فلمّا رأى طلحة ذلك أقبل حتّى دخل على عثمان فاعتذر إليه ممّا كان منه! فقال له عثمان: يا ابن الحضرميّة، وألبّت عليّ الناس ودعوتهم إلى قتلي، حتى إذا فاتك ما كنت ترجو وعلاك عليّ على الأمر جئتني معتذراً! لا قَبِل الله ممّن قَبِل منك.(٢)

فعاد طلحة إلى التأليب على عثمان، فلَمّا قُتل بايع عليّاًعليه‌السلام ، ثمّ نكث وغدر فلم يُصب من دنياه إلاّ سهم مروان!

وكان عبد الملك بن مروان يقول: لو لا أنّ أمير المؤمنين - كذا! أخبرني أنّه

____________________

(١) نفسه: ٤٣٨.

(٢) أنساب الأشراف ٦: ١٩٦ و ٢١٢، الفتوح ٢: ٢٢٩.

٤٧٦

هو الذي قتل طلحة ما تركتُ من ولد طلحة أحداً إلاّ قتلتهُ بعثمان بن عفان.(١)

أخبار الزبير وروايات مقتله:

كتب معاوية إلى الزبير يخدعه: «أن أقبِل إليَّ أبايعْك ومَن يَحضُرني»، فكتم ذلك طلحة وعائشة، ثمّ بلغهما فكُبر ذلك عليهما، وأخبرت عائشة به ابن الزبير، فقال لأبيه: أتريد أن تلحق بمعاوية؟ فقال: نعم، ولِمَ لا أفعل وابن الحضرميّة ينازعني في الأمر؟! ثمّ بدا له في ذلك.(٢)

فالزبير على أُهْبة أن يتخلّى عن عسكر الناكثين فينضمّ إلى القاسطين وليس في الأمرين إلاّ الطّمع في الإمرة الّتي قُتل دونها.

والرّوايات صريحة في مقتل الزبير في ساحة المعركة:

عن الزّهري قال: خرج عليّ على فرسه فدعا الزبير فتواقفا، فقال له عليّ: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً و لا أولى به منّا! فقال عليّ: لست له أهلاً بعد عثمان؟!

قد كنّا نَعُدّك من بني عبد المطّلب حتّى بلغ ابنُك ابنُ السوء ففرّق بيننا وبينك. وعظّم عليه أشياء فذكر أن النبيّ مرّ عليهما فقال لعليّ: «ما يقول ابن عمّتك؟ لَيُقاتلنّك وهو لك ظالم». فانصرف عنه الزبير وقال: إنّي لا أقاتلك. ورجع إلى ابنه عبد الله فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة، فقال له ابنه: إنّك خرجت

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٦: ٢٢٣.

(٢) أنساب الأشراف ٣: ٥٣.

٤٧٧

على بصيرة ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفتَ أنّ تحتها الموت فجبُنتَ! فأحفَظه ذلك حتّى أرعد وغضب وقال: ويحك! إنّي حلفت له ألاّ أقاتله ؛ فقال له ابنه: كفّر عن يمينك غلامك سرجس، فأعتَقَه وقام في الصفّ.(١)

وذكره الحاكم من طرق عدّة جميعاً عن أبي حرب بن أبي الأسود الديليّ قال: شهدتُ عليّاً والزبير لمّا رجع الزبير على دابّته يشقّ الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله فقال: ما لك؟ فقال: ذكر لي عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله يقول: «لَتُقاتلنّه وأنت له ظالم» فلا أُقاتله. قال: وللقتال جئت، إنّما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك. قال: قد حلفت أن لا أقاتل، قال: فأعتق غلامك جرجس وقف حتّى تُصلح بين الناس، فأعتق غلامه جرجس.(٢)

وعن قتادة: خرج عليّ إلى طلحة والزبير، فدنا منهما حتّى اختلفت أعناق دوابّهما، فقال عليّ: لعمري لقد أعددتما خيلاً وسلاحاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً، فأتّقيا الله سبحانه ولا تكونا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً. ألم أكن أخاكما في دينكما تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما؟! فهل من حدثٍ أحلّ لكما دمي؟! قال طلحة: ألّبت الناس على: عثمان!! قال عليّ( يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقّ وَيَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ ) (٣) يا طلحة، تطلب بدم عثمان؟! فلعن الله قَتَلَة عثمان!

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٥٣، تاريخ الطبريّ ٣: ٥١٩ - ٥٢٠.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣: ٤١٣ / ٥٥٧٥، والتلخيص للذهبيّ.

(٣) النور: ٢٥.

٤٧٨

يا زبير، أتذكر يومَ مررتُ مع رسول الله في بني غنم فضحك وضحكت إليه فقلتَ: لا يدَعُ ابن أبي طالب زَهوَه! فقال لك رسول الله: «صَهْ! إنّه ليس به زهو، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم»؟!

فقال: اللّهمّ نعم: ولو ذكرتُ ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبداً. فانصرف عليّ إلى أصحابه ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنتُ في موطن منذ عقلت إلاّ وأنا أعرف فيه أمري، غيرَ موطني هذا. قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد الله: جمعتَ بين هذين الغارّين حتّى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟! أحسستَ رايات ابن أبي طالب وعلمتَ أنّها تحملها فتية أنجاد! قال: إنّي قد حلفت ألاّ أقاتله وأحفَظه ما قال له، فقال: كفِّرْ عن يمينك وقاتِلْه. فدعا بغلام له يقال له مكحول، فأعتقه، فقال عبد الرحمان بن سليمان التميميّ:

لم أرَ كاليوم أخا إخوانِ

أعجب من مُكَفِّرِ الأيمانِ

بالعِتق في معصية الرحمانِ!

وقال رجل من شعرائهم:

يُعتقُ مكحولاً لصونِ دينه

كفّارةً لله عن يمينه

والنّكث قد لاح على جبينه!(١)

فلكنث والخروج على إمامه وإراقة الدماء، مع ما قاله له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٥١٤.

٤٧٩

يقاتل عليّاً ظالماً له، والأحاديث في ذلك أوفر ممّا ذكرنا... كلّ ذلك والزبير وطلحة وصاحبة الجمل طالبو إصلاح؟!

دَورُ ابن عوف في قتل عثمان:

لم يكن عبد الرحمان بن عوف بمنأى عن الأحداث، وإنّما له دور واضح في قتل عثمان! هذا على الرغم من أنّه هو الذي اختار عثمان بن عفّان من بين الستّة نفر الذين عيّنهم عمر بن الخطّاب لاختيار الخليفة بعده، على أن ينظُر في حال الاختلاف إلى الصفّ الذي فيه ابن عوف فيؤخذ كلامه. وقد أثرى عبد الرحمان إثراءً لا مثيل له في حاكميّة عثمان، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه من الإنكار على عثمان والتأليب عليه، وكان قد حلف أن لا يكلّم عثمان أبداً. وذُكِر عثمان عند عبد الرحمان بن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرحمان: عاجلوه قبل أن يتمادى في مُلكه! فبلغ ذلك عثمان، فبعث إلى بئر كان يُسقى منها نَعَمُ «*» عبد الرحمان بن عوف فمنعه إيّاها. وأوصى عبد الرحمان بن عوف أن لا يُصلّيَ عليه عثمان، فصلّى عليه الزبير، أو سعد بن أبي وقّاص.(١)

هذا هو حال عبد الرحمان بن عوف الزهريّ أحد أصحاب الشورى وأحد العشرة المبشّرين بالجنّة! لم يختلف عن رفاقه: سعد بن أبي وقّاص، وطلحة والزبير ؛ في مقاطعة عثمان والتأليب عليه والسعي في قتله، تُعينهم وتقودهم أمّ

____________________

(*) أي إبله.

(١) أنساب الأشراف ٦: ١٧٠ - ١٧١.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492