ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169433 / تحميل: 5916
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهلي وخيرَ مَن أترك بعدي يقضي دَيني ويُنجز موعودي، عليُّ بن أبي طالب(١) .

* محدوج بن زيد الذهليّ: يحيى بن عبد الحميد الحمّانيّ، عن قيس بن الربيع، عن سعد الخفّاف، عن عطيّة العوفيّ، عن محدوج بن زيد الذُهْليّ(٢) : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المسلمين، ثمّ أخذ بيد عليّ فوضعها على صدره ثمّ قال: يا عليّ، أنت أخي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

يا عليّ، ينادي مُنادٍ من عند العرش: يا محمّد، نِعمَ الأبُ أبوك وهو إبراهيم، ونعم الأخُ أخوك وهو عليّ(٣) .

* ليلى الغِفاريّة(٤) : قالت: كنت أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مغازيه، فأُداوي الجرحى وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّ إلى البصرة خرجتُ مه، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني شيء من الشكّ، فأتيتها فقلت لها: هل سمعتِ مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّ؟ قالت: نعم، دخل عليٌّ على رسول الله وهو مع عائشة وهو على فُرَيش لي وعليه جَرْد قطيفة، فجلس بينهما، فقالت له عائشة: أما وجدتَ مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيّ: يا عائشة، دعي أخي، فإنّه

____________________

(١) شواهد التنزيل ١: ٣٧٣ / ٥١٦.

(٢) في أسد الغابة ٥: ٧١ / ٤٦٧٩: محْدوج بن زيد الهُذَليّ، «مختلف في صُحبته». وفي تذكرة الخواصّ ٢٩: مجدوح - آخره حاء - الباهليّ.

(٣) مناقب الكوفيّ ١: ٣٦٠ / ٢٢٤، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٣ مع زيادة.

(٤) صحابيّة مضت ترجمتها.

٤١

أوّل الناس بي إسلاماً، وآخر الناس بي عهداً عند الموت، وأوْلى الناس بي يوم القيامة(١) .

- حُذيفة بن أسِيد(٢) : عن أبي الطُّفَيل، عن حُذيفة بن أسِيد قال: أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالب فقال: أبْشِر وأبشر، إنّ موسى دعا ربّه أن يجعل له وزيراً من أهله هارون، وإنّي أدعو ربّي أن يجعل لي وزيراً من أهلي، عليّ أخي، أشدُدُ به ظهري وأُشرِكُه في أمري(٣) .

وله شاهد من حديث أسماء: عن حصين بن عبد الرحمان، عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقول كما قال أخي موسى( رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي... مِنْ أَهْلِي ) (٤) عليّاً أخي(٥) .

- عن الحرث بن حصيرة عن القاسم بن جُنْدَب قال: سمعت رجلاً من خثعم يقول: سمعتُ أسماء بنت عُمَيس تقول: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: اللّهم إنّي أقول كما قال أخي موسى:

اللّهم اجعلْ لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي، أُشْدُدْ به أزْري، وأشْرِكْه في

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٠٨.

(٢) صحابيّ مضت ترجمته.

(٣) شواهد التنزيل ١: ٣٦٨ حديث ٥١٠.

(٤) طه: ٢٥ - ٢٩.

(٥) نفسه، ٣٧٠ حديث ٥١٢.

٤٢

أمري - إلى قوله: بصيراً(١) .

* أمّ سَلَمة: عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن سلمة، عن أبيه، عن أمّ سلمة قالت: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ: أنت أخي وحبيبي، فمَن أرادك أرادني(٢) .

* يزيد بن شراحيل كاتب عليّعليه‌السلام ، قال: سمعت عليّاً يقول: حدّثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا مُسِندُه إلى صدري، فقال: أيْ أخي، ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ:( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ) (٣) ؟! أنت وشيعتُك، وموعدي وموعدُكمُ الحَوْض(٤) .

أحاديث المؤاخاة عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام :

أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

عن محمّد بن عبد الله بن الحسن ويحيى بن عبد الله، عن أبيهما عن جدّهما، عن عليّ بن أبي طالب قال: لما خطب أبوبكر قاام أُبيّ بن كعب يوم الجمعة، وكان أوّلَ يومٍ من شهر رمضان، فقال - وخطبته طويلة نذكر منها ما

____________________

(١) مناقب الكوفيّ ١: ٣٦٢ / الحديث ٢٢٥ و ١: ٤٠٦ / الحديث ٢٧٧، تفسير فرات / الحديث ٣٤٦، ٣٤٧، شواهد التنزيل ١: ٣٧٠ / الحديث ٥١١.

(٢) مناقب الكوفيّ ١: ٣٦٨ / ٢٣٢.

(٣) البيّنة: ٧.

(٤) تفسير الحبريّ ٥٤١ / ٩؛ البرهان ٤: ٤٨٩؛ المناقب للخوارزميّ ١٨٧، كفاية الطالب ٢٤٦، الدرّ المنثور ٦: ٣٧٩.

٤٣

يناسب المقام -: أوَ لَستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته جَمَعنا في بيت فاطمة ابنته فقال: ألا وإنّ الله أوحى إليّ أن أتّخذ عليّاً أخاً؛ اتّخذْ كموسى هارون أخاً(١) ، واتّخذْ ولدَه ولداً، فقد طهّرتُهم كما طهّرتُ وُلْدَ هارون، ألا إنّي ختمتُ بك النبيّينَ فلا نبيَّ بعدك(٢) .

- عن جعفر - الصادق - عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ: إنّ الله أمرني أن أُواخيك، فأت أخي في الدنيا والآخرة(٣) .

- كتب معاوية إلى الإمام عليّعليه‌السلام : يا أبا الحسن، إنّ لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيّداً في الجاهليّة! وصرتُ ملكاً في الإسلام، وأنا صِهْر رسول الله، وخال المؤمنين. فقال عليّ: أبِالفضائلِ يفخرُ علَيّ ابنُ آكلة الأكباد؟! ثمّ قال: اكتبْ يا غلام:

محمّدٌ النبيُّ أخي وصِهْري

وحمزةُ سيّدُ الشهداءِ عمّي

وجعفرٌ الذي يُمسي ويُضحي

يطيرُ مع الملائكةِ ابنُ أمّي

وبنتُ محمّدٍ سَكَني وعرسي

مَسُوطٌ لحمُها بدمي ولحمي

وسبطا أحمدٍ وَلَدايَ منها

فأيّكُمُ له سَهمٌ كسهمي؟!

سبقتُكمُ إلى الإسلام طُرّاً

صغيراً ما بلغتُ أوانَ حِلمي

فقال معاوية: أُخفُوا هذا الكتاب، لا يقرأه أهل الشام، فيميلونَ إلى ابن

____________________

(١) كذا في المصدر، ولعلّها: كما اتّخذَ موسى هارونَ أخاً.

(٢) مناقب الكوفيّ ١: ٢٥٨ / ١٤٢.

(٣) نفسه ١: ٢٥٠ / ١٣٩، ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ١: ١١٧ / ١٣٨.

٤٤

أبي طالب!(١)

الحسن بن عليّعليهما‌السلام

أخرج الدولابيّ بسنده: خطب الحسنُ بن عليٍّ الناسَ حين قُتل عليّ، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال: لقد قُبِض في هذه اللّيلة رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلون، ولا يُدركُه الآخرون، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطيه رايته، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيلُ عن يساره، فما يَرجِع حتّى يفتحَ اللهُ عليه، وما ترك على ظهر الأرض صفراءَ ولا بيضاء إلاّ سبعَمائة درهم، فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله؛ وهو: عليّ بن أبي طالب حبيب رسول الله وأخوه!(٢)

- عن عبد الله بن ثُمامة قال: سمعت عليّاً يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله، ولم يقلها أحَدٌ قَبلي، ولا يَقولُها أحدٌ بعدي إلاّ كذّاب(٣) .

- عن حُكَيم بن سعد(٤) قال: سمعت عليّاً على هذا المنبر يقول أكثر من ألف مرّة: أنا عبدُ الله وأخو رسول الله، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب(٥) .

* زيد بن عليّ: عن يحيى بن مساور، عن أبي الجارود، عن زيد بن عليّ

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٧٧.

(٢) الذّرّية الطاهرة، الدُّولابيّ ١٠٩ / الحديث ١١٤ و ١١٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٥.

(٤) حُكَيم مصغّراً، من رجال البخاريّ في كتاب (الأدب المفرد)، والنسائيّ كما في (تهذيب التهذيب: ٢: ٤٥٣).

(٥) مناقب الكوفيّ ١: ٣٨٥ / ٢٥٥.

٤٥

قال: أقْبَلَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معه عمّاه حمزةُ والعبّاس، وعليٌّ وعقيل وجعفر يعالجون حائطاً لهم، فقال النبيّ لعمَّيه: اختارا. فقال حمزة: اخترتُ جعفراً. وقال عبّاس: اخترت عقيلاً. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمدُ لله، إخترتُ عليّاً(١) .

* جعفر بن محمّد، عن أبيه - محمّد الباقرعليه‌السلام - قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ: يا عليّ، أنت أخي ووصيّي ونَصيحي وصفيّي وخالص أمّتي، وسَأُنبّئك بما يكون فيها مِن بعدي(٢) .

- عن جعفر بن محمّد، عن أبيه: أنّ عليّاً قام فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها غيري إلاّ كذّاب. قال: فقالها رجل فخَبَطَه الشيطان!(٣)

- محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: افتقد رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً، فلمّا رأت ذلك خديجة قالت: يا رسول الله، أنا أعلمُ لك علمَه. فشدّت على بعيرها، ثمّ ركبت فلَقِيت عليَّ بن أبي طالب، فقالت له: اركبْ وائْتِ رسول الله؛ فإنّه بك مغتمّ. فقال: ما كنت لأجلس في مجلس زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلِ امضِ فأخبري رسولَ الله، فإذا هو قائم يقول: اللّهم فرّجْ غمّي بأخي عليّ، فإذا بعليّ قد جاء، فتعانقا. قالت خديجة: ولم أكن أجلس إذا

____________________

(١) نفسه، ١: ٤١٧ / ٢٨٨.

(٢) نفسه، ٤٠٩ / ٢٨١.

(٣) نفسه، ٣٧٢ / ٢٣٧.

٤٦

كان رسول الله قائماً، قالت: فما افترقا متعانقَين حتّى ضربتا علَيّ قدماي(١) .

- عن سالم بن أبي الجَعْد(٢) قال: قال عليّ على رؤوس الناس: لأَقولنّ كلمةً لم يقلها أحد قَبلي ولا يقولها أحد بعدي إلاّ كذّاباً: أنا عبدُ الله وأخو رسوله(٣) .

____________________

(١) مناقب الكوفي ١: ٣٦٣ / ٢٢٦. ورواه مرسلاً الطبريّ في بشارة المصطفى ٧: ٢١٦ - طبعة الغريّ. ورواه مُعاذ بن جبل كما في الحديث (٧٠٣) في تفسير سورة الإنشقاق من تفسير فرات الكوفيّ.

(٢) ذكره العجليّ في الثقات: سالم بن أبي الجَعْد الغَطْفانيّ: كوفيّ، تابعيّ، ثقة.

حدّثنا قبيصة بن عُقبة، عن سفيان، عن منصور قال: قلت لإبراهيم إنّك إذا حدّثتَ بجزءٍ وسالم ابن أبي الجَعْد يتمّ؛ قال: كان سالم يكتب وأنا لا أكتب. (تاريخ الثقات، للعجليّ ١٧٣ / ٤٩٦).

وذكره ابن حِبّان في ثقاته: سالم بن أبي الجَعْد مولى أشْجَع، وأبو الجَعْد اسمُه رافع مولى غَطْفان، يروي عن ابن عمر وجابر وأنس؛ روى عنه منصور والأعمش، عداده في أهل الكوفة، مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وتسعين في ولاية سليمان بن عبد الملك، وهم إخوة ستّة: سالم وعُبيد وعِمران وزياد ومسلم وعبد الله بنو أبي الجعد. (الثقات، لابن حبّان ٢: ١٨٦ / ١٤٣٥) وفي رجال البرقيّ ٥: من خواصّ أمير المؤمنين من مُضَر: سالم وعُبيدة وزياد بنو أبي الجَعْد الأشْجَعيّون.

وذكره ابن داود في خواصّ أمير المؤمنين. رجال ابن داود ١٦٦ / ٦٦٠. وينظر في الطبقات الكبرى، لابن سعد ٦: ٢٠٠، وتاريخ البخاريّ الكبير ٤: ١٠٧، الجرح والتعديل، للرازيّ ٤: ٧٨٢، ٧٨٥.

(٣) مناقب الكوفيّ ١: ٣٦٤ / ٢٢٧. وقريب منه رواه بسندَين آخَرين: أبو بكر بن أبي شيبة في الحديث «١٦ و ٢١» من باب فضائل عليّعليه‌السلام من كتاب الفضائل تحت الرقم «١٢١٢٨ و ١٢١٣٣» من كتاب المصنَّف لابن أبي شَيبة ١: ٦٢. قال عبد الله بن نُمَير (الهمدانيّ أبو هِشام الكوفيّ، ثقة. تُوفّي سنة تسع وتسعين ومائة. (طبقات خليفة ٢٩٣ / ١٣٢٩). وترجمته في التهذيب ١٦: ٢٢٥ / ٣٦١٨) عن الحارث بن حَصِيرة - تأتي ترجمته - قال: حدّثني أبو سليمان الجُهَنيّ (يعني زيد بن =

٤٧

- عن الحارث بن حَصِيرة(١) ، عن رجلٍ من الأزْد قال: سمعتُ عليّاً

____________________

= وَهب) قال: سمعتُ عليّاً على المنبر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، لم يَقُلها أحد قَبلي ولا يقولها أحد إلاّ كذّابٌ مُفترٍ. العلاء بن صالح التيميّ، كوفيّ ثقة. (المعرفة والتاريخ ٣: ١٣٢، التهذيب ٢٢: ٥١١ / ٤٥٧٢) عن المِنهال: المِنهال بن عَمرو الأسديّ، كوفيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات ٤٤٢ / ١٦٤٣). وذكره الطوسيّ في أصحاب الحسين، وعليّ بن الحسين، والباقر والصادقعليهم‌السلام : (رجال الطوسيّ ٧٩، ٩١، ١٠١) وذكره البرقي في أصحاب السجّاد (رجال البرقيّ ٨)، عن عبّاد ابن عبد الله، عبّاد بن عبد الله الأسديّ، كوفيّ تابعيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات ٢٤٧ / ٧٦٥)، قال: سمعتُ عليّاً يقول: أنا عبدُ الله وأخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مُفترٍ، ولقد صلّيت قبل الناس بسبع سنين. (المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٤٩٨ / الحديث ٢١ من فضائل علي، سُنن ابن ماجة ١: ٤٤ / ١٢٠.

(١) الحارث بن حَصِيرة الأزديّ، كوفيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات، للعجليّ ١٠٢ / ٢٣٠). وذكره البرقيّ في أصحاب الصادقعليه‌السلام ، وقال: روى عنه عليّ بن الحَكم: عليّ بن الحَكم، بصريّ! لا بأس به. (تاريخ الثِّقات ٣٤٦ / ١١٨١). ابن سعد: عليّ بن الحَكَم البُنانيّ، من أنفسهم، ويُكنّى أبا الحكَم، وكان ثقةً له أحاديث، تُوفّي سنة إحدى وثلاثين ومائة. (الطبقات الكبرى ٧: ١٩٠ / ٣٢٠٩). ابن داود، والأردبيليّ: عليّ بن الحَكَم الكوفيّ، ثقة جليل القدَر. (رجال ابن داود ٢٤٣ / ١٠٢٥، جامع الرّواة ١: ٥٧٥ / ٤٦١٧).

وسَعْدان بن مسلم، ذكره الطوسيّ في أصحاب الصادقعليه‌السلام (رجال الطوسيّ ٢٠٦ / ٦٤). وفي (رجال ابن داود ١٧١ / ٦٨٦): سعدان بن مسلم، واسمه: عبد الرحمان، أبو الحسين العامريّ مولى أبي العلاكُرْز بن حفيد العامريّ من عامر بن ربيعة، عُمِّر طويلاً.

وفي (جامع الرّواة ١: ٣٥٧ / ٢٨٧٤) ذكر له ترجمة مطوّلة وسمّاه كما في رجال ابن داود، ولكنّه قال: أبو الحسن - من غير ياء -، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، وعُمِّر طويلاً). وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة، قال: الحارث بن حَصِيرة، من الأزْد من أنفسهم. روى عنه سفيان الثوريّ. (الطبقات الكبرى ٦: ٣٢٥ / ٢٥٠٠، والتقريب ١: ١٤٠). =

٤٨

يقول على المِنبر: أنا عبدُ الله وأخو رسول الله، لم يَقُلها أحدٌ قَبلي ولا يقولها أحد بعدي إلاّ كذّاب!

فقال رجل: أنا أقول كما قال: أنا عبدُ الله وأخو رسول الله، فضُرِب به فاحتمله أصحابه.

قال الأزْديّ: فتبعتُهم حتّى بلغوا به دارَ عمّار فقالوا: ما تريد منّا؟ فقلت: إنّي واللهِ ما أُريد منكم إلاّ أن تُخبروني، هل كان صاحبكم يُصيبه هذا قبل اليوم؟ فقالوا: لا واللهِ، ما أصابه هذا قطّ حتّى تكلّم بهذه الكلمة(١) .

- عن المسعوديّ، عن الحارث بن حصيرة، عن زيد بن وَهْب الجُهَني قال: كنت مع عليّ في الرَّحْبة فقال: لأَتكلّمنّ اليوم بكلامٍ لا يتكلّم به بعدي إلاّ مفترٍ كذّاب: أنا عبد الله وأخو رسوله.

فقال رجل من غلطفان: واللهِ لأَقولنّ كما قال هذا الكذّاب!:

أنا عبد الله وأخو رسوله.

____________________

= وذكره الطوسيّ في أصحاب الصادقعليه‌السلام ، قال: الحارث بن حَصِيرة أبو النعمان الأزديّ، كوفيّ تابعيّ. (رجال الطوسيّ: ١٧٨ / ٢٢٧).

وفي جامع الرّواة ١: ١٧٢ / ١٣٩٥: الحارث بن حَصِيرة أبو النعمان الأزْديّ كوفيّ تابعيّ. روى عن الأصبغ بن نُباتة من خواصّ أمير المؤمنين: (رجال البرقيّ: ٥، رجال ابن داود ٦٠ / ٢٠١، رجال الطوسيّ ٣٤، طبقات ابن سعد ٦: ٢٤٧ وقال العجليّ عنه: ثقة. تاريخ الثقات ٧١): «إنّ مستقى العلم مِن بيتِ آلِ محمّد».

(١) مناقب الكوفيّ ١: ٣٦٦ / ٢٣٠. وذكره ابن أبي شيبة في (المصنَّف ٧: ٤٩٧ / الحديث ١٦ - من فضائل عليّ بن أبي طالب، عن زيد بن وهب، وآخره: إلاّ كذاب مفتر).

٤٩

فواللهِ ما لبث أن صُرع يَضطربُ جُنوناً!.(١)

* الحسن البصريّ: بأسانيد عن أشعث بن سوّار قال: سبّ عَدِيُّ بن أرطاة(٢) عليّاً وهو على المِنبر، فبكى الحسن البصريّ وقال: لقد سُبّ اليوم رجل، إنّه لأخو رسول الله في الدنيا والآخرة(٣) .

- عن يونُس بن عبيد قال: كنت إلى جنب الحسن، وعديّ بن أرطاة يخطب، فذكر عليَّ بن أبي طالب فسَبَّه ووقع فيه، فلمّا قضينا قال الحسن: ما لَه قاتَلَه الله؟! واللهِ إنّه لأَخو رسول الله في الدنيا والآخرة(٤) .

- أبو البَخْتريّ الأنصاريّ(٥) ، قال: صعد عليّ بن أبي طالب المنبر فقال: أيّها

____________________

(١) مناقب الكوفيّ ١: ٣٨٦ / ٢٥٧. ورواه عبد الله بن نُمَير ومالك بن مُغْول عن الحارث كما في الحديث (١٦) من باب فضائل عليّ من كتاب الفضائل من المصنّف، لابن أبي شيبة ١٢: ١٢ / ١٢١٢٨؛ وخصائص النسائيّ / الحديث (٦٦)؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٦؛ وابن عَدِيّ في كامله ٢: ١٨٧ - ترجمة الحارث بن حصيرة.

(٢) عَديّ بن أرطاة الفَزَاريّ، عامل عمر بن عبد العزيز على البصرة، قُتل سنة اثنتين ومائة. (تهذيب الكمال ١٩: ٥٢٢ / ٣٨٨٢).

(٣) مناقب الكوفيّ ١: ٣٧٥ / ٢٤١.

(٤) نفسه، ٣٨٤ / ٢٥٢.

(٥) قال ابن سعد: واسمُه فيما ذكر عليّ بن عبد الله بن جعفر: سعيد بن أبي عِمران. وقال غيره: سعيد ابن جُبير، وهو مولى لبني نَبْهان من طيّء. الطبقات الكبرى ٦: ٢٩٢.

وقوله: سعيد بن جُبير، تصحيف كما سترى، وإنّما سعيد بن جُبير غيره، وهو الوالبيّ، قتله الحجّاج لأنّه كان يأتمّ بعليّ بن الحسين. شُعبة عن عمرو بن مُرّة قال: لمّا كان يوم الجَماجم، أراد القرّاء =

٥٠

الناس، لأَقولنّ مقالةً ما قالها قبلي ولا يقولها بعدي إلاّ كاذب: أنا عبدُ الله وأخو نبيّه.

فقالوا: إنّما أنت ابنُ عمِّه، فقال: إنّي لم أقُلْه حتّى سمعتُه يقوله - أي سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بأُخوّته لعليّ - وورثتُ نبيَّ الرحمة، ونكحتُ سيّدةُ نساء هذه الأُمّة، وأنا خيرُ الوصيّين.

فقال رجل من بني عَبْس: مَن لا يُحسن أن يقول مثل هذا؟! فلم يَرجِع إلى أهله حتّى جُنّ! فأتوا قومه يسألونهم: هل رأيتم به عرَضاً قبل هذا؟ فقالوا: ما رأينا به عرَضاً قبل هذا(١) .

____________________

= أن يُؤمِّروا عليهم أبا البَخْتَريّ، فقال: أنا رجل من الموالي فأمِّروا رجلاً من العرب، فأمَّروا جَهْم ابن زَحْر الجُعفيّ. (الطبقات الكبرى ٦: ٢٩٢، تاريخ خليفة ٢٢١).

وذكره خليفة بن خيّاط في الطبقة الثانية، قال: أبو البَخْتريّ الطائيّ، اسمُه سعيد بن فَيْروز. ويقال: ابن عِمران، مولىً. لهم، قُتل مع ابن الأشعث بدير الجَماجم سنة اثنتين وثمانين. (طبقات خليفة ٢٦٠ / ١١٠٧، تاريخ خليفة ٢٢١).

وفي تاريخ يحيى بن معين ١: ٢٦٥، والكنى والأسماء، للدولابيّ ١: ١٢٦: اسمه: سعيد. وذكره العجليّ في ثقاته قال: سعيد بن فَيْروز، تابعيّ، ثقة، فيه تشيّع. (تاريخ الثقات، للعجليّ ١٨٧ / ٥٦٠).

(١) مناقب الكوفيّ ١: ٣٨٤ / ٢٥٣.

قال ابن حبّان: سعيد بن فَيروز الطائيّ، مولىً لم، أبو البَخْتريّ، وقد قيل: سعيد بن أبي عِمران، عداده في أهل الكوفة، يروي عن ابن عبّاس وابن عمر. قُتل بالجماجم سنة ثلاث وثمانين. وقد قيل: سعيد بن عُبيد، مولى بني نبهان. (الثقات، لابن حبّان ٢: ١٧٣ / ١٣٤٢). =

٥١

- شريك، عن مسروق، عن أبي خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه قال: قال عليّ: شكوت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسد الناس إيّاي، فقال: أما ترضى على أنّك أخي ووزيري، وأوّل أربعة يدخلون الجنّة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذريّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرّيتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا(١) ؟!

* عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : بسند عنه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلةَ عُرج بي إلى السماء، حَمَلني جبرئيل على جناحه الأيمن فقيل لي: مَنِ استَخلَفْتَه على أهل الأرض؟ فقلت: خيرُ أهلها لها أهلاً: عليَّ بن أبي طالب، أخي وحبيبي وصهري. فقيل لي: يا محمّد، أتُحبّه؟

____________________

= ذكره البرقيّ في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من أهل اليمن. قال: أبو البَخْتريّ سعيد بن فَيْروز. رجال البرقيّ ٦.

وذكره ابن داود، قال: أبو البَخْتريّ سعيد بن فَيْروز من خواصّ أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام رجال ابن داود، القسم الأوّل ١٧٠ / ٦٨٣.

حمّاد بن سلَمة قال: أخبرنا عطاء بن السائب أنّ أبا البَخْتريّ وأصحابه، كان أحدهم إذا سمع ثناءً عليه عرَض له عُجْبٌ في قلبه، ثَنى منكبيه وقال: خَشِعتُ للهِ. وربّما قال حمّاد: ثنى ظهره. (الطبقات الكبرى ٦: ٢٩٢).

زُهير بن حرب قال: حدّثنا عليّ بن ثابت عن شَريك عن عطاء بن السائب قال: كان أبو البَخْتريّ يستمع النوح ويبكي. (المصدر السابق).

عن شعبة قال: سألتُ الحكم بن عُتبة عن زاذان فقال: أكثِر. قال: وسألتُ سلَمَة بن كُهيل فقال: أبو البَخْتريّ أعجبُ إليَّ منه. (المصدر السابق).

(١) مناقب الكوفيّ ١: ٣٨٩ / ٢٦٢.

٥٢

فقلت: نعم يا ربَّ العالمين. فقال لي: حُبَّه، ومُرْ أمّتك بحبِّه(١) .

حديث العشيرة

وهو من الأحاديث المشتهرة المتواترة التي آخى فيها رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام .

عن ابن عبّاس عن عليّ بن أبي طالب قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا عليّ، إنّ الله أمرني أن أُنذِر عشيرتي الأقربين - والحديث طويل فيه: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عليّاً أن يصنع طعاماً ويدعوَ بني عبد المطّلب، فلمّا أكلوا وشربوا - أراد رسول الله أن يكلّمهم، بَدرَه أبولهب إلى الكلام فقال: ما سَحَرَكم صاحبُكم - لمّا رأى من بَركة رسول الله في الطّعام - فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: الغدَ يا عليّ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سَمِعتَ من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعُدَّ لنا طعاماً بمِثْلِ ما صنعتَ، ثمّ اجمعهم إليّ. قال: ففعلت، ثمّ جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتّى ما لَهم بشيء حاجة، ثمّ قال: أسقِهم. فجِئْتُهم بذلك العسّ، فشربوا حتّى رُوُوا منه جميعاً، ثمّ تكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي والله ما أعلمُ شابّاً في العرب جاء قومَه بأفضلَ ممّا قد جئتُكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا

____________________

(١) شواهد التنزيل ١: ٣٥٨ / ٤٨٨.

(٢) الشعراء: ٢١٤.

٥٣

والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوَكم إليه، فأيّكم يُوازرُني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال ك فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرَك عليه، فأخذ برقبتي ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتُطيع(١) ! عن الأصبغ بن نُباتة قال: سمعتُ عليّاً يقول: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدي ثمّ قال: يا أخي، قولُ الله تعالى( ثَوَاباً مِنْ عِندِ اللّهِ ) (٢) أنت الثواب(٣) .

- عن ربيعة بن ناجذ(٤) أنّ رجلاً قال لعليّعليه‌السلام : يا أميرالمؤمنين، بِمَ وَرِثتَ ابنَ عمّك دون عمّك؟ فقال عليّ: هاؤم - ثلاث مرّات - حتّى اشرأبّ الناس ونشروا آذانهم. ثمّ قال: جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطّلب منهم رهطه... فصنع

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٦٢ - ٦٣؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١١؛ مسند أحمد ١: ١١١؛ والفضائل له ٩١؛ تفسير الحِبَريّ ٣٤٨؛ الخصائص للنسائيّ، ٨٦؛ تفسير الطبريّ ١٩: ٧٤؛ شواهد التنزيل ١: ٤٢٠ - ٤٢٤؛ تفسير ابن كثير ٣: ٣٥١؛ شرح نهج البلاغة، للمعتزليّ ٣: ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٢: ٤١؛ كنز العمّال ١٥: ١١٥؛ السيرة الحلبيّة ١: ٢٨٦؛ علل الشرائع، للصدوق ١: ١٧٠؛ سعد السعود ١٠٥ - ١٠٦؛ ينابيع المودّة ١٠٥.

(٢) آل عمران: ١٩٥.

(٣) شواهد التنزيل ١: ١٣٨.

(٤) ربيعة بن ناجذ الأسديّ الكوفيّ: سمع عليَّ بن أبي طالب، وورد الأنبار في صحبته، روى عنه أبو صادق الأزْديّ، وقيل: إنّ أبا صادق هو ربيعة. (تاريخ بغداد ٨: ٤٢٠ / ٤٥٣٠. طبقات ابن سعد ٦: ٢٤٧ / ٢٢٣٤). وذكره البرقيّ في أصحاب عليّ من أهل اليمن، وسمّاه ربيع من غير هاء. (رجال البرقيّ ٦). وذكره العجليّ فقال: تابعيّ ثقة كوفيّ. (تاريخ الثقات ١٥٩).

٥٤

لهم مُدًّا من طعام، فأكلوا حتّى شبعوا وبقيَ الطعام كما هو كأنّه لم يُمَسّ. قال: ثمّ دعا بغمر فشربوا حتّى رُووا، وبقيَ الشراب كأنّه لم يُمس ولم يشربوا. قال: ثمّ قال: يا بني عبد المطّلب، إنّي بُعِثتُ إليكم بخاصّة وإلى الناس بعامّة، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم، فأيّكم يُبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمتُ إليه، وكنتُ أصغرَ القوم، قال: فقال: اجلس. قال: ثمّ قال ثلاث مرّات، كلُّ ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتّى كان في الثالثة، فضرب بيده على يدي، قال: فبذلك وَرِثتُ ابنَ عمّي دون عمّي(١) .

ولحسّان بن ثابت أشعار يذكر فيها أخوّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام ، منها شعره في ردّ الشمس على عليّعليه‌السلام بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا قومُ مَنْ مِثلُ عليٍّ وقد

رُدّت عليه الشمسُ من غائبِ

أخو رسولِ الله وصهرُه

والأخُ لا يُعدَلُ بالصاحبِ(٢)

وفي إعطاء الراية لأميرالمؤمنينعليه‌السلام قال حسّان:

وكان عليٌّ أرمدَ العينِ يبتغي

دواءً، فلمّا لم يُحِسَّ مُداويا

شفاهُ رسولُ الله منه بتَفْلةٍ

فَبُوركَ مَرْقِيّاً وبُوركَ راقيا

وقال: سأُعطي الرايةَ اليومَ صارماً

كَمِيّاً مُحبّاً للرسولِ مُواليا

يُحبُّ إلهي والإلهُ يُحبُّهُ

بهِ يَفتَحُ اللهُ الحُصونَ الأوابيا

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٦٣ - ٦٤؛ مسند أحمد ١: ٢٥٧ / ١٣٧٥.

(٢) ينابيع المودّة ١٣٨.

٥٥

فأصفى بها دونَ البريّةِ كلِّها

عليّاً، وسَمّاهُ الوزيرُ المُؤاخيا(١)

* المبيت على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

لما أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الهجرةَ إلى المدينة خلّف عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة، لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلةَ خرج إلى الغار - وقد أحاط المشركون بالدار - أن ينام على فراشه، ففعل ذلك عليّعليه‌السلام ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيل: إنّي آخيتُ بينكما، وجعلت عُمْر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟! آخيتُ بينه وبين محمّد، فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة؛ إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه. فنزلا، فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخٍ بخٍ، مَن مثلك يا عليّ بن أبي طالب! يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة! فأنزل الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متوجّه إلى المدينة في شأن عليّعليه‌السلام :( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ) (٢) .(٣)

____________________

(١) كفاية الطالب ٩٨؛ مناقب ابن المغازليّ ١٨٩؛ عمدة القاري ١٦: ٢١٦.

(٢) البقرة: ٢٠٧.

(٣) الفصول المهمّة ٣٣؛ تذكرة الخواصّ ٤١؛ كفاية الطالب ٢٣٩ عن الكشف والبيان - تفسير الثعلبيّ - ٢: ١٢٦.

فمِن الملائكة آخى سبحانه بين الملكين الكريمين، ومن البشر آخى بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، ففاق عليٌّ الملكين في هذه المكرمة والمزيّة؛ إذ تعلّق الملكان بالحياة، لكنّهعليه‌السلام شرى نفسه فداءً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبذا علا عليٌّعليه‌السلام .

٥٦

- وذكر ابن سعد المؤاخاة، قال: عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ، عن أبيه قال: لمّا قَدِم رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المهاجرين بعضهم فبعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، فلم تكن مؤاخاة إلاّ قبل بدر، آخى بينهم على الحقّ والمؤاساة، فآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين عليّ بن أبي طالب(١) .

وذكر ابن الجوزيّ المؤاخاة، قال: آخى بين عليّ بن أبي طالب وبين نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

لقد ائتمّ ابنُ تيميه بابن الجوزيّ فجعله مداره في إنكار حديث ردّ الشمس، وأعرض عن الجمع الجمّ من ثقات وعدول رجال الحديث المتقدّمين؛ فهلاّ فعل مثل ذلك في حديث المؤاخاة، فاقتفى أثر ابن الجوزيّ الذي أثبت حديث المؤاخاة بين النبيّ والوصيّعليهما‌السلام ؟!

( فَإِنّهَا لاَ تَعْمَى‏ الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُور ) (٣) .

المزّيّ: وهو معاصر لابن تيميه، ذكر المزّيّ المؤاخاةَ من غير توقّف، قال: وروى قولهعليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» جماعةٌ من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها، رواه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : سعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس، وأبو سعيد الخدريّ، وجابر بن عبد الله، وأمّ سلمة، وأسماء بنت عميس، وجماعة يطول ذكرهم، وروينا من وجوه عن عليّ أنّه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله،

____________________

(١) الطبقات الكبرى، ابن سعد ٣: ٢٢.

(٢) المنتظم، لابن الجوزيّ ٣: ٧٤.

(٣) الحجّ: ٤٦.

٥٧

لا يقولها أحدٌ غيري إلاّ كذّاب.

وقال أبو عمر: آخى رسول الله بين المهاجرين بمكّة، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، وقال كلّ واحد منها لعليّ: أنت أخي في الدنيا والآخرة. وآخى بينه وبين نفسه، فلذلك كان هذا القولُ وما أشبهُه مِن عليّ(١) .

نختم كلامنا في المؤاخاة بكلام أحد المعاصرين، وهو الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود، وقال: «إنّ عليّاً كان منه الظلَّ اللاّصق، لم ينأ عنه ولم يبعد إلاّ كما أرسله محمّد ليكون له على أعدائه عيناً أو لرجاله طليعةً، حتّى في بدء ذلك الوقت الذي أخذ رسول الله يكوّن فيه ملكه الصغير، ويربط بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، لم يفته أن يؤثر بإخائه عليّاً دون الباقين. آخى بين صحبه الخارجين من ديارهم معه وبين أصحاب البلدة الذين آووا، فتخيّر أن يكون عليّ أخاه في دين؛ لم يؤاخ أبا بكر، ولم يؤاخ عمر، ولم يؤاخ حمزة أسده وأسد الله، ولكنّه اصطفى لهذه الأخوّة المعنويّة بعد أخوّة الدم فتاه الربيب، فآثره على كلّ حبيب بعيدٍ وقريب»(٢) .

____________________

(١) تهذيب الكمال، للمزّيّ ٢٠: ٤٨٣.

(٢) الإمام عليّ بن أبي طالب، عبد الفتّاح عبد المقصود ٧٣.

٥٨

آية الولاية «التصدّق حال الركوع»

تكذيب نزول آية الولاية في أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال ابن تيميه: وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى، أنّ هذه الآية:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، نزلت في عليّ لما تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل(٢) .

لم يُسمِّ ابن تيميه هذا البعض من الكذّابين الذي افترى حديث نزول الآية الشريفة في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لنتبيّن حاله، فلعلّنا نوافق ابن تيميه في حكمه على هذا البعض بالكذب فنتّقي حديثه!

ولا نجد من المناسب أن نقف كثيراً عند دعواه في تكذيبه الحديث، فهي نفسها في تكذيبه كلّ حديث فيه فضيلة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام . وما أيسرها من دعوى: هو كذب بإجماع أهل العلم بالنقل! من غير تكلّف في ذكر بعض أهل الإجماع.

وجوابنا وبالله التوفيق: إنّ دعوى الإجماع كاذبة، وإنّما الإجماع منعقد على

____________________

(١) المائدة: ٥٥.

(٢) منهاج السنّة ١: ١٥٦، و ٤: ٢.

٥٩

نزول الآية المباركة في أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، يرويه الشيعيّ الإماميّ، والزيديّ، كما يرويه المالكيّ والحنفيّ والشافعيّ والحنبليّ، وطرقه تنتهي بأميرالمؤمنين، وابن عبّاس، وأنس بن مالك، وعمّار بن ياسر، وأبي ذرّ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، ومحمّد الباقر بن عليّ زين العابدينعليهما‌السلام ...

وهذه بعض طُرق الحديث: عن حبّان، عن الكلبيّ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس، في قوله تعالى:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . قال: نزلت في عليّ خاصّة(١) . وفي قوله تعالى:( وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) .

____________________

(١) تفسير الحبريّ ٢٦٠، وتفسير فرات ٣٨، مناقب أمير المؤمنين، للكوفيّ ١: ١٧٥ / ٨٥.

(٢) المائدة: ٥٦.

(٣) تفسير الحبريّ ٢٦١؛ وتفسير فرات ٣٨. عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أقبل عبد الله بن سلاّم ومعه نفر من قومه ممّن قد آمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا: يا رسول الله، إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدِّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنّا بالله ورسوله وصدّقنا رفضونا، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يواكلونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا. فقال لهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . ثمّ إنّ النبيّ خرج إلى المسجد والناس بين قائمٍ وراكع، وبصر بسائل فقال له النبيّ: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، خاتماً من ذهب - ربّما في الرواية تصحيف إذ الذهب محرّم على الذكور؛ [ ولعلّ ذلك كان قبل التحريم، قال الذهبي: إنّما حرّم الذهب في أواخر الأمر - المستدرك على الصحيحين ٣: ٢٥٧ ] ويرد الخبر تارةً بلفظ: =

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وبين من يحتسب تطوّعاً ( أي يقوم بالقسم الفرديّ من تلك الوظيفة »(١) .

وقد أشار ابن الاخوة في مقدّمة كتابه إلى أنّ الحسبة منصب سياسيّ حكوميّ، فالمحتسب يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من موقع الحكم فقال: « لقد رأيت أن أجمع ـ في هذا الكتاب ـ أقاويل العلماء مستنداً به إلى الأحاديث النبويّة ما ينتفع به من استند لمنصب الحسبة وقلّد النظر في مصالح الرّعية وكشف أحوال السوقة، واُمور المتعيّشين على الوجه المشروع ليكون ذلك عماداً لسياسته وقواماً لرئاسته »(٢) .

وممّا يدلّ على أنّ القسم الاجتماعيّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ المصطلح عليه في لسان الفقهاء بالحسبة لا يختصّ بمجرّد بيان المحرّمات والواجبات بل يقع على عاتق المحتسبين ما يتعدّى الوعظ والإرشاد إلى إستعمال القوّة والسلطة، ما ذكره الفقهاء للمحتسبين من وظائف كثيرة تشمل كافّة مناحي الحياة الاجتماعيّة وتقترن ـ في الأغلب ـ باستخدام الردع العمليّ والإشراف القاطع والمؤاخذة والعقاب. وإليك نماذج من وظائف المحتسب(٣) التي توزّعت اليوم في وزارات ومديريّات مختلفة :

١. الحسبة على الآلات المحرّمة والخمر، فإذا جاهر رجل بإظهار الخمر أراقه المحتسب، وأدّبه إن كان ذلك الرجل مسلماً، أو أدّبه على إظهاره إن كان ذميّاً وهكذا بالنسبة إلى الالات المحرّمة، فإنّ المحتسب يفصلها حتى تعود خشباً، ويؤدّب صاحبها.

ويمكن أن يدخل هذا في شؤون وزارة الداخليّة.

٢. الحسبة على أهل الذمة ومراقبة أحوالهم وتصرّفاتهم، ومدى التزامهم بعهودهم، ومراعاتهم لشروطها، ويدخل هذا في شؤون وصلاحيّات وزارة الداخليّة.

__________________

(١) معالم القربة في أحكام الحسبة: ١١.

(٢) معالم القربة: ٣.

(٣) لقد وردت كلمة الحسبة في مجمع البحرين هكذا: الحسبة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختلف في وجوبها عيناً أو كفاية. راجع باب حسب ص ١٠٦.

٣٠١

٣. الحسبة على أهل الجنائز، ومراقبة شؤونها من جهة الاُمور الصحيّة والحقوقيّة ويدخل في شؤون وزارة الداخليّة، ووزارة الصحّة.

٤. الإشراف على المعاملات التجاريّة لمنع المعاملات الفاسدة كالبيوع الفاسدة وتعاطي الربا، والمسلم الفاسد، والإجارة الفاسدة وهي تدخل في شؤون وزارة العدل.

٥. الإشراف على العلاقات الاجتماعيّة والأخلاقيّة ومنع الناس من مواقف الريب ومظانّ التهم ممّا يدخل في شؤون وزارة الداخليّة.

٦. مراقبة شؤون النقد ومنع التعامل بالنقود الزائفة، بعد تحديدها وتعيينها وهو يدخل في شؤون وزارة المال والدوائر التابعة لها.

٧. الحسبة على منكرات الأسواق كمنع بعض السوقة من سدّ طرقات المارّة بمتاعهم وما شابه مما يدخل في صلاحيات الدوائر التابعة للاُمور البلديّة. وكمنع الحمّالين من أشياء بنحو يلحق الضرر بالمارّة، إمّا بتمزيق ثيابهم أو تلويثها.

٨. ضبط المكاييل والمقاييس والأوزان المستعملة في الأسواق، وتعيينها والمنع من التلاعب فيها ممّا يدخل في شؤون البلديّة.

٩. مراقبة تجّار الغلاّت للحيلولة دون احتكارها، أو التلاعب فيها وتعيين أسعارها عند الضرورة ممّا يدخل في صلاحيّات وزارة التجارة والاقتصاد.

١٠. مراقبة الخبّازين وأصحاب الأفران من الناحية الصحيّة منعاً من إصابة الناس بالأمراض والأوبئة، وهو يدخل في شؤون وزارة الصحة وكذا مراقبة كلّ باعة الأغذية، والحلويّات والشرابت لنفس الغرض وأيضاً من ناحية الأسعار.

١١. ملاحظة القصّابين واللحّامين لمنعهم من فعل ما يوجب التلوث كذبح الحيوانات في الأسواق أو بيع اللحوم الفاسدة، وتحديد أسعارها وإعطائهم التعليمات الصحيّة وهو يدخل في صلاحيّات وزارتي الصحة والتجارة. والدوائر التابعة لها.

١٢. مراقبة البزّازين وبيّاع الألبسة وما يتعلّق بهذه المهن من شؤون لمنع أي تلاعب

٣٠٢

في هذا المجال، أو تلاعب في الأسعار والقيم، وكذا مراقبة الخيّاطين وصنّاع الثياب.

١٣. مراقبة كلّ المشاغل والمهن وأصحاب الحرف كالصاغة والحدّادين، والنحاسين، والصبّاغين، والبياطرة، والحمّامات وأصحابها والفصّادين والحجّامين والأطبّاء والمجبّرين والجرّاحين مراقبة شاملة من ناحية الأسعار والمبالغ التي يتقاضونها، أو شروط العمل، أو مواصفاته الصحيّة ممّا يدخل بعضها في شؤون وزارة التجارة والاقتصاد، وبعضها الآخر في شؤون وزارتي الصحّة والداخليّة.

١٤. مراقبة المساجد والمؤذنيين والوعّاظ والقرّاء، وعدم السماح لتصدّي هذه المشاغل إلّا لمن اشتهر بين الناس بالدين والخير والفضيلة ويكون عالماً بالاُمور والعلوم الشرعيّة ممّا يدخل الآن في نطاق صلاحيّات وزارة الأوقاف.

١٥. الحسبة على مؤدّبي الصبيان ومعلّمي الأولاد، ومراقبة شروط الدراسة ومكانها وكيفيتها وما يرتبط بذلك ممّا يدخل في مسؤوليّات وزارة التربية والتعليم.

١٦. الحسبة على كتّاب الرسائل لمنع تصدّي من لا أهليّة له لذلك لما في هذا الأمر من خطر على أسرار الناس وأعراضهم.

١٧. القيام ببعض التعزيرات والتأديبات لمن يتخلّف عن القوانين الإسلاميّة المقرّرة.

١٨. الحسبة على أصحاب السفن والمراكب ومراقبة الطرق ووسائط النقل ممّا يكون من شؤون وزارة الطرق والمواصلات.

١٩. الحسبة على شؤون العمل والعمّال ومراقبة شؤونهم وحقوقهم وظروف عملهم ممّا يدخل في شؤون ومسؤوليّات وزارة العمل، والشؤون الاجتماعيّة و ( الضمان الاجتماعي ).

وغير ذلك(١) .

__________________

(١) راجع هذه التفاصيل في كتاب معالم القربة تصفّح كلّ الأبواب.

٣٠٣

وللوقوف على وظائف المحتسب باختصار ؛ نذكر لك ما كتبه ابن خلدون في مقدمته: « أمّا الحسبة فهي وظيفة دينيّة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم باُمور المسلمين يعيّن لذلك من يراه أهلاً له فيتعيّن فرضه عليه ويتّخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدّب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامّة في المدينة، مثل المنع من المضايقة في الطرقات ومنع الحمّالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقّع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلّمين في المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلّمين، ولا يتوقّف حكمه على تنازع واستعداء بل له النظر فيما يصل إلى علمه من ذلك بل فيما يتعلّق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها في المكاييل والموازين، وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك »(١) .

إنّ من يلاحظ هذه المهام الموكلة إلى المحتسب والمحتسبين يرى أنّها نفس الصلاحيّات والمهام التي تقوم بها أجهزة السلطة التنفيذيّة المتمثّلة في الوزارات وما يتبعها من دوائر ومديريّات بتنظيم دقيق وعلى نطاق أوسع، غاية ما هنالك أنّ الحياة الإسلاميّة في العصور الغابرة والعهود الإسلاميّة الاُولى لم تستلزم التوسّع في الأجهزة والتشكيلات على غرار ما نلاحظ اليوم، بل اكتفي بالمحتسب أو المحتسبين ولكن التطوّر الحضاريّ، واتّساع البلاد، وتزايد الحاجات تطلّبت إحالة تلك المهام والمسؤوليّات والصلاحيّات إلى وزارات وأجهزة ومديريات هذا مضافاً إلى أنّ الإسلام اهتمّ ببيان الخطوط العريضة للحكم والولاية، واعتنى ببيان جوهر الوظائف، تاركاً اختيار الظواهر والشكليّات للزمن والحاجة، ما دامت تتّفق مع ما رسمه من خطوط ووظائف وغايات.

إنّ الإسلام وإن أوكل الكثير من القضايا الاجتماعيّة إلى الحاكم كما مرّ عليك باختصار ؛ ولكن هل يمكن للحاكم، وهو يواجه كلّ يوم آلاف المشاكل والقضايا أن

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون المتوفّي ( ٨٠٨ ه‍ ): ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٣٠٤

يقوم بكلّ أعباء الولاية والحكومة لوحده دون معاونين ووزراء، ودون أجهزة وتشكيلات ؟ الجواب لا قطعاً.

هذا ولقد ورد ذكر الوزير والوزراء في عهد الإمام عليّعليه‌السلام لمالك الأشتر النخعيّ لـمّا ولاّه على مصر حيث قال: « إنّ شرَّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ومن شركهم في الآثام فلا يكونّن لك بطانة فإنّهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة »(١) .

وهذا يعني أنّ على الحاكم الإسلاميّ الأعلى للبلاد أن يتّخذ لنفسه ( وزراء ) يعينونه على إدارة البلاد، وتنفيذ القوانيين، وأنّ عليه ـ وراء ذلك ـ أن يختار بدقّة وعناية اُولئك الوزراء وأفراد السلطة التنفيذيّة ؛ لما لهم من أثر حسّاس في الأحوال الاجتماعيّة والسياسيّة.

وربمّا عبّر في الإسلام عن الوزير بالكاتب كما جاء في عهد الإمام عليّعليه‌السلام لمالك الأشتر، قال الاُستاذ توفيق الفكيكي في كتابه « الراعي والرعية »: « قال الإمام عليّ: « ثمَّ انظر في حال كتّابك »، ولم يقل ( كاتبك ) علمنا أنّ معنى الكاتب يراد به الوزير في عرف اليوم فقد جوّزعليه‌السلام تعدّد الوزراء على قدر الحاجة التي تدعو إليها المصلحة العامّة ويؤكّد هذا ما جاء في آخر كلامه المتقدّم: ( و اجعل لرأس كلّ أمر من أُمورك رأساً منهم لا يقهره كبيره ولا يتشتَّت عليه كثيرها ) »(٢) .

ثمّ إنّ السلطة التنفيذيّة اجتمعت في القرآن تحت كلمة ( اُولي الأمر ) وقد وردت هذه الكلمة في القرآن في عدّة مواضع:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ( النساء: ٥٩ ).

( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ( النساء: ٨٣ ).

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة ٥٣.

(٢) الراعي والرعيّة: ١٦٢ ـ ١٦٣ وهو شرح وتحليل سياسيّ لعهد الإمام عليّعليه‌السلام للأشتر النخعيّ.

٣٠٥

وغير خفيّ على المتتبّع في الآثار النبويّة أنّ المراد من اُولي الأمر حين نزول الآية هو الذي نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أسمائهم من أوّلهم إلى آخرهم، بيد أنّهم كانوا مصاديق كاملة لهذا العنوان وكان الإشارة إليهم من باب أظهر المصاديق فعندما لا تتمكّن الاُمّة الإسلاميّة من هؤلاء المنصوص عليهم تتمثّل هذه القضية الكليّة في ( العدول ) من أئمّة المسلمين الذين يديرون دفّة البلاد.

ثمّ قد سبق القرآن الكريم إلى هذا بصورة ضمنيّة عند حكايته لقول موسىعليه‌السلام وطلبه من الله تعالى إذ قال:( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) ( طه: ٢٩ ـ ٣١ ).

وهو يكشف عن وجود الوزراء للحاكم الأعلى في النظام السياسيّ الإسلاميّ ليشدّوا أزره، ويعينوه على الإدارة والولاية.

ولقد أقرّ الإسلام وجود السلطة التنفيذيّة وأخذ بها عمليّاً حيث كان النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسّم المسؤوليّات الإداريّة والسياسيّة على الأفراد، وإن لم يكن هذا التقسيم تحت عنوان إلاستيزار، واتّخاذ الوزراء، كما ستعرف.

وخلاصة القول ؛ أنّ القارئ الكريم إذا لاحظ برامج الحكومة الإسلاميّة التي يجب أن يقوم بها النظام الإسلاميّ، يقف على أنّها لا يمكن تطبيقها بدون أجهزة كاملة، وسلطة تنفيذيّة في مجالات الاقتصاد والزراعة والماليّة والدفاع والمواصلات وغير ذلك من البرامج وستقف عليها بإذن الله سبحانه في فصلها الخاصّ، وكلّ من يقوم على هذه البرامج يعدّ جزء من السلطة التنفيذيّة.

السلطة التنفيذيّة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

لا شكّ أنّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إلى جانب مهامه الرساليّة، يتولّى القسم الأكبر من إدارة شؤون المسلمين السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ولا شكّ أنّ رقعة البلاد الإسلاميّة ـ آنذاك ـ لم تبلغ من السعة والانتشار بحيث تتطلّب إنشاء تشكيلات

٣٠٦

تنفيذيّة واسعة الأطراف والأبعاد، ولذلك لم يكن في ( العهد النبوي ) سلطة باسم السلطة التنفيذيّة، ولا وزارة ولا وزارات(١) ولا مديريّات مركزيّة ومحليّة على غرار ما يوجد الآن، بل كان هناك فيما وقفنا عليه من خلال مطالعة ذلك العهد ـ تقسيم بعض المسؤوليّات الإداريّة والمهامّ السياسيّة على الأفراد القادرين على تحمّلها، والصالحين للقيام بها، وهذا هو المهمّ معرفته في هذا المقام، فإنّ المهمّ هو معرفة كيفيّة إدارة المجتمع على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والاطّلاع على ما إذا اتّخذ النبيّ الأكرم وهو أوّل حاكم إسلاميّ أعلى للاُمّة الإسلاميّة من وازروه وعاونوه في مسألة الإدارة، وتدبير شؤون الاُمّة في مجالات السياسة والعسكريّة والقضاء وما شابه أم لا، لنرى ما إذا كان يتعيّن على الدولة الإسلاميّة أن تتّخذ مثل هذه السلطة أم لا، وكيف ؟

إنّ المراجع لتاريخ الحكومة النبويّة يرى بوضوح ؛ أنّ النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمارس حكومته على المسلمين من خلال توزيع بعض المسؤوليّات على أفراد صالحين، وكان ذلك يمثّل التشكيلات الإداريّة في ذلك العهد والتي تعادل الوزارات في هذا العصر ونحن لا ننكر أنّها كانت تشكيلات إداريّة بسيطة، ولكنّها توسّعت فيما بعد واتّخذت أشكالاً أكثر تنظيماً وسعة باتّساع رقعة البلاد الإسلاميّة، وتطوّر الحاجات الاجتماعيّة وتشعّبها، واتّساع نطاقها الذي اقتضى ـ بدوره ـ التوسّع في التشكيلات الإداريّة وإحداث الوزارات والدواوين والدوائر والأجهزة التنفيذيّة المتعدّدة.

إنّ من يراجع تاريخ الحكومة النبويّة يجد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيّن الاُمراء العامّين على النواحي ويقيم الولاة على البلاد ويعيّن رجالاً للقضاء، وآخرين لجباية الصدقات وجلب الزكوات، وآخرين للكتابة، وربّما أمّر الرجل على قومه لأنّه أيقظ عيناً وأدرى بفنون الحرب من غيره، أو خلّف أحداً مكانه عند غيابه، كما كان يخلّف ابن اُمّ مكتوم في بعض الأحيان عند غيابه عن المدينة(٢) . وكما خلف عليّاًعليه‌السلام عند خروجه لغزوة

__________________

(١) نعم اتّخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام وزيراً لنفسه كما يدلّ عليه حديث بدء الدعوة، لاحظ الصفحة ٨٣ من هذا الكتاب.

(٢) الكنى والألقاب ( للقمّي ) ١: ٢٠٨.

٣٠٧

تبوك(١) وأمّر عتّاب بن أسيد على مكّة وأوكل إليه إقامة المواسم والحجّ للمسلمين عام الفتح.

النبيّ يعيّن الولاة ويحدّد مسؤوليّاتهم

وكان يعيّن الولاة ( الذين هم الآن بمثابة المحافظين ) وكان يرسم لهم منهجهم في الحكم وسياستهم الداخليّة

فقد بعث معاذ بن جبل إلى اليمن ووصّاه بما يلي :

« يا معاذ علّمهم كتاب الله، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وأنزل النّاس منازلهم خيرهم وشرّهم وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره. ولا ماله أحداً، فإنّها ليست بولايتك ولا مالك وأدّ إليهم الأمانة في كلّ قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحقّ، يقول الجاهل قد تركت من حقّ الله، واعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتّى يعذروك، وأمت أمر الجاهلية إلّا ما سنّه الإسلام.

وأظهر أمر الإسلام صغيره وكبيره، وليكن أكثر همّك الصّلاة فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدّين وذكّر النّاس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة فإنّه أقوى لهم على العمل بمّا يحبُّ الله، ثمّ بثّ فيهم المعلّمين وأعبد الله الذّي إليه ترجع ولا تخف في الله لومة لائم.

وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ولين الكلام وبذل السلام وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحبّ الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الإيمان والفقه في القرآن، وكظم الغيظ، وخفض الجناح.

وإيّاك أن تشتم مسلماً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً أو تكذّب صادقاً، أو

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢: ٥٢٠ وبحار الأنوار ٢١: ٢٠٧.

٣٠٨

تصدّق كاذباً واذكر ربّك عند كُلّ شجر وحجر واحدث لكلّ ذنب توبةً، السرّ بالسرّ والعلانيّة بالعلانيّة.

يا معاذ لولا أنّني أرى إلّا نلتقي إلى يوم القيامة لقصّرتُ في الوصيّة ولكنّني أرى أنّنا لا نلتقي أبداً

ثمّ أعلم يا معاذ إنّ أحبّكُم إليّ من يلقاني على مثل الحال التّي فارقني عليها »(١) .

وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمرو بن حزم إلى بني الحارث وجعله والياً عليهم ليفقّههم في الدين، ويعلّمهم السنُّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم الصدقات وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده وأمره فيه بأمره: « بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا بيان من الله ورسوله، يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقُود، عهد من محمّد النّبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثهُ إلى اليمن أمرهُ بتقوى الله في أمره كُلّه، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا، والّذين هم محسنون.

وأمره أن يأخذ بالحقّ كما أمره الله وأن يبشّر النّاس بالخير، ويأمرهم به، ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه، وينهى النّاس فلا يمس القران إنسان إلّا وهو طاهر ويخبر النّاس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للنّاس في الحقّ ويشتدّ عليهم في الظّلم فإنّ الله كره الظّلم ونهى عنه، فقال:( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( هود: ١٨ ) ويبشر النّاس بالجنّة وبعملها وينذر النّاس النّار وعملها ويستألف النّاس حتّى يفقهوا في الدّين ويعلّم النّاس معالم الحجّ وسنّته وفريضته، وما أمر الله به، والحجّ الأكبر: الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر هُو العُمرة إلى آخر العهد »(٢) .

ومن هذين العهدين، ونظائرهما، يتبيّن لنا أنّ النبيّ كان يعهد بعض السلطات والمسؤوليّات إلى من يراه صالحاً من المسلمين ليقوموا بإدارة بعض أنحاء البلاد، ويزوّدهم ببرامج وأنظمة للحكم والعمل السياسيّ والإداريّ، ممّا يكشف عن وجود صورة مصغّرة عن السلطة التنفيذيّة إلى جانب الحاكم الأعلى للبلاد.

وقد كان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّال للبريد، وله تعليمات خاصّة لهم في هذا الشأن ومن ذلك

__________________

(١) تحف العقول: ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) سيرة ابن هشام ٤: ٥٩٥.

٣٠٩

قوله: « إذا أبردتم إليّ بريداً فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم »(١) .

وقوله لأحد عمّال البريد: « إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلاً حتّى تصبح وتطهّر فأحسن طهورك وصلّ ركعتين وسل الله النّجاح والقبول وأستعد لذلك وخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك في أيمانهم »(٢) .

وربّما اتّخذ بعض الحراس الليليين ليتتبّعوا أهل الريب، وقد عدّ من ذلك سعد ابن أبي وقّاص(٣) ، وربّما اتّخذ حرساً خاصّاً في بعض الأحيان غير العادية ويذكر أنّ سعد بن معاذ كان حرسه يوم بدر(٤) .

وقد روي أنّ بعض المسلمين كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتّى ينقلوه حيث يباع الطعام، قال ابن عبد البرّ: استعمل النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله سعيد بن سعيد العاص على سوق مكّة(٥) .

كما كان له كتاب الرسائل الذين كانوا يكتبون للملوك والاُمراء والبوادي وغيرهم وكان له من يقوم بمهمّة الحسبة التي مرّ ذكرها مفصّلاً(٦) .

وهكذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يتّخذ المعاونين والمساعدين لإدارة ما يمكن لهم إدارته من الأعمال والمهامّ ويوكل إليهم من الصلاحيّات والمسؤوليّات ما تعارف إيكاله الآن إلى الوزارات والمديريّات والإدارات التي تشكّل حقيقة السلطة التنفيذيّة، وقد كان إيكاله المهامّ للأشخاص مشفوعاً بإعطاء البرامج والتوجيهات الإداريّة المفصّلة التي مرّ عليك ذكر بعضها، وتجد المزيد منها في كتب السير والتاريخ.

* * *

كيفيّة السلطة التنفيذيّة الآن

بعد أن عرفت أيّها القارئ الكريم من البحثين السابقين ؛ أنّ جانباً كثيراً من

__________________

(١) التراتيب الإداريّة ١: ٢٤٧.

(٢ ـ ٥) راجع النظم الإسلاميّة نشأتها وتطوّرها من الصفحة ٢٩٤ إلى ٤٢٨.

(٦) التراتيب الإداريّة ٢: ٢٨٥.

٣١٠

النظم الإداريّة والتوجيهات الضروريّة لتنظيم الحياة الاجتماعيّة في مجالات العلاقات والحقوق والتعامل ( كالتبادل التجاريّ مثلما جاء في الكتاب العزيز ضمن آيات أطولها آية الدين التي حثّت على كتابة الدين وتسجيله ) يتطلّب وجود جهاز تنفيذيّ وقد كان هذا الأمر يتم في العهد النبويّ ببساطة ؛ وان استوجب تزايد حجم الاُمور واتسّاع رقعة البلاد، تطوير الترتيبات اللازمة لذلك، وتوسيع التشكيلات، يصبح الجواب على السؤال المطروح وهو ؛ كيف يجب أن تكون السلطة التنفيذيّة في العصور الحاضرة ؟ واضحاً من وجهة نظر الإسلام.

فإنّ ذكر الترتيبات والتشكيلات ليس من مهمّة الدين الإسلاميّ فذلك متروك للزمن المتحوّل، والحاجات المتطوّرة، لأنّ تحديدها وتعيينها بصورة لا يجوز تخطّيها لا ينسجم مع خاتميّة الرسالة الإسلاميّة التي نزلت لتكون دين الأبديّة، ومنهج البشريّة إلى يوم القيامة، فإنّ مثل هذه الخاصّية في الدين الإسلاميّ تقتضي أن يبيّن الإسلام الجوهر ويترك اختيار الشكل واللباس إلى الزمن والحاجة حتّى يستطيع مسايرة الزمن ويتمشّى مع تقدم الحياة البشريّة وتطوّرها، إذ ذكر الخصوصيّات والأشكال يفرض على الدين الإسلاميّ جموداً هو منه براء، ويحصره في زمن خاصّ دون زمن آخر ؛ لأنّ الحاجات البشريّة متجدّدة ومتحوّلة ومتزايدة ولا يمكن الجمود ـ في رفعها ـ على نمط خاصّ من التشكيلات والأشكال، ولهذا نجده يذكر ـ مثلاً ـ موضوع تسجيل المعاملات الماليّة التي فيها أجل دون أن يحدّد نوع تنفيذ هذا الأمر وما يلزم من أجهزة ودوائر فيقول في أطول آية قرآنية :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَىٰ وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ

٣١١

ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ إلّا تَرْتَابُوا إلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ إلّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( البقرة: ٢٨٢ ).

إنّ هذه الآية ترسم أهمّ الاُسس التي يجب أن يبنى عليها التعامل التجاريّ، ويكتفي فيها الإسلام بذكر الجوهر تاركاً اختيار الترتيبات الفنيّة، والتشكيلات الإداريّة التي تقوم بهذه الاُمور إلى الأوضاع البشريّة المتجدّدة.

وعلى ذلك فإنّ ما نجده في الكتب التي أُلّفت حول النظم السياسيّة مثل ما كتبه الباحث العلاّمة الشيخ عبد الحيّ الكتاني في تأليفه القيّم « التراتيب الإداريّة » والدكتور صبحي الصالح في « النظم الإسلاميّة » لا يمثّل إلّا تصوير ما توصّلت إليه الحكومات السابقة من تشكيلات وأساليب للعمل الإداريّ والحكوميّ ولا تمثّل بعينها وشكلها أمراً إسلاميّاً يجب الأخذ به حتماً دون زيادة أو نقصان ودون تغيير أو تحوير، تستدعيه الحاجة ويستلزمه الظرف.

ويدلّ على ذلك ؛ أنّ هذه الاُمور في العهد النبويّ كانت تمارس بأساليب بسيطة وبدائيّة ومختصرة كما عرفت، وتطوّرت فيما بعد في العهود اللاحقة، ولكنّها كانت على كلّ حال تدلّ على وجود السلطة التنفيذيّة حتّى في العهد النبويّ وإن لم تكن بالتفاصيل والخصوصيّات المتعارفة الآن.

* * *

مواصفات أعضاء السلطة التنفيذيّة

يعتبر دور السلطة التنفيذيّة في الدولة دوراً بالغ الخطورة والأهميّة، لأنّه على عاتقها تقع مهمّة القيام بشؤون الناس، وإدارة اُمورهم وسدّ حاجاتهم، وحلّ مشكلاتهم، فإذا قامت هذه السلطة بواجباتها أفضل قيام استطاعت أن تكتسب رضا الاُمّة، وتجلب مودّتهم التي يقوم عليها بقاء الدولة، واستقرار الأمن.

٣١٢

إنّ ضمان استقامة السلطة التنفيذيّة وسلامة سلوكها يتوقّف ـ بالدرجة الاُولى ـ على نوع الشروط والمواصفات المعتبرة في أعضاء تلك السلطة فإنّ أكثر المشاكل التي تعانيها أنظمة الحكم في العالم ترجع إلى سوء اختيار أعضاء هذه السلطة ويعود ذلك إلى الخطأ الحاصل في المواصفات والشروط التي تقيم الأنظمة البشريّة اختيار الوزراء والمدراء والمسؤولين، على أساسها.

ولقد أدرك الإسلام كلّ هذا من قبل فاعتبر لأعضاء السلطة التنفيذيّة شروطاً ومواصفات يضمن توفّرها فيهم، سلامة هذه السلطة، واستقامة تصرّفاتها وأبرز هذه المواصفات هي :

١. التخصّص

لقد كان الإسلام أوّل من اشترط وجود هذا الشرط في أفراد السلطة التنفيذيّة وهو أمر اشترطه في جميع المناصب الدينيّة والزمنيّة حيث يقول:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النحل: ٤٣ )، وهو حثّ على إرجاع كل أمر إلى أهله والعارفين به.

ولذلك قال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الرّئاسة لا تصلحُ إلّا لأهلها »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عمل على غير علم كان ما يُفسدُ أكثر ممّا يُصلحُ »(٢) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام : « العاملُ على غير بصيرة كالسّائر على غير الطّريق لا يُزيدُهُ سُرعة السّير إلّا بُعداً »(٣) .

إنّ إيكال الأمر إلى من لا يعرفه ولا يعرف مدخله ومخرجه إضاعة لذلك الأمر وإيذان بسوء العواقب فالعقل لا يسمح بإيكال أمر إلى من لا يعرف القيام به فكيف بالمسؤوليّة الاجتماعيّة وإدارة البلاد ولذلك قالوا: الحكمة هي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومن الحمق وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.

__________________

(١ ـ ٣) الكافي ١: ٤٧ و ٤٥ و ٤٤.

٣١٣

على أنّ من التخصّص أيضاً معرفة الزمان وأهله وما يقتضيانه من التدبير والحيلة. ولذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام : « العالمُ بزمانه لا تهجُمُ عليه اللّوابسُ »(١) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وهو يصف المسؤول الصالح، والراعي الناجح: « يعملُ ويخشى رجلاً، داعياً، مشفقاً مُقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه مُستوحشاً من أوثق إخوانه، فشدّ الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه »(٢) .

إن قوله « مُقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه » إشارة إلى شرط التخصّص بجانبيه: معرفة الأمر، ومعرفة الزمان وأهله.

٢. الوثاقة

إنّ أهمّ شرط بعد شرط التخصّص هو: الوثاقة وكون المسؤول الحكوميّ أميناً ومأموناً على إدارته ومسؤوليّته فإنّ أكثر المآسي الاجتماعيّة الناشئة من رجال الحكومات في الأنظمة البشريّة ترجع ـ في الحقيقة ـ إلى خيانة هؤلاء الرجال لما أوكل إليهم من مسؤوليّات ومهامّ، فقاموا بها دون ورع، وتصرّفوا فيما فوّض إليهم دون تقوى ولأجل ذلك يؤكد القرآن الكريم على تفويض الاُمور إلى الأمناء من الرجال، المأمونين على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم إذ يقول عن لسان ابنة شعيب:( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) ( القصص: ٢٦ ).

فإنّ كانت القوّة والأمانة شرطان ضروريّان في راعي شويهات وأغنام، كان اشتراطهما في من يراد تسليطه على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم ضروريّاً بطريق أولى.

٣. الزهد والتعفّف

والمراد من الزهد هو أن لا يكون المرء متعلّقاً بالدنيا وحطامها، وآخذاً بها على وجه

__________________

(١ و ٢) اُصول الكافي ١: ٢٧ و ٣٩.

٣١٤

الغاية والهدف فإنّ من جعل الدنيا وزبارجها غايته وهدفه، جعلها همّته، ومن جعلها همّته تجاوز الحدود وضيّع الحقوق، ونسي رعيّته وضيّع من ولي أمرهم فخسرهم، وضيّع مودّتهم.

إنّ على المسؤول الحكوميّ أن يجعل الزهد نصب عينيه فيأخذ من الدنيا ما يكفيه. ومن كان كذلك لم يمدّ عينيه إلى أموال الناس حبّاً في العاجلة، وغفلة عن الآجلة وكان جديراً بأن يراعي أضعف الناس. فلا يضيع منهم حقّاً ولا يغفل فاقة وفقراً ولذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام في كلام له: « إنّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدروا معيشتهم على قدر ضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقرهُ »(١) .

ونجده يوبّخ أحد ولاته ـ وهو عثمان بن حنيف ـ لأنّه دعي إلى وليمة فأجاب لأنّ ذلك ـ في نظر الإمام عليّ يعرّض الوالي والمسؤول الحكوميّ لخطر الإنبهار بحطام الدنيا وبريقها وهو أمر فيه ما فيه من العواقب مضافاً إلى تضييع محتمل لحقّ الحاضر: « أمّا بعدُ يا بن حنيف فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيُّهم مدعوّ فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنورعلمه ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك فأعينوني بورع، واجتهاد وعفّة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طِمراً ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلّا كقوتِ أتانٍ دَبِرة ولهي في عيني أوهى وأوهن من عفصة مقرة »(٢) .

إنّ الزهد الذي يتحلّى به الحاكم والمسؤول الإداريّ هو الذي يمنعه من أن يمدّ عينيه إلى أموال الناس وأشيائهم وهو الذي يجعله يحس بآلام الرعيّة وحاجاتها ،

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٢٠٧).

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (٤٥).

٣١٥

ونواقصها وإنّ أسوأ ما يعاني منه عالمنا اليوم هو جشع الحكّام وحرصهم على الدنيا، وتعلّقهم الشديد بحطامها، الذي يسوّغون في سبيله كلّ حرام ويرتكبون كلّ معصية، ويقترفون كلّ جريمة.

إنّ الزهد هو العامل الفعال الذي يردع عن اقتحام الشبهات فضلاً عن نيل الحرام.

هذه هي أهمّ الشروط والمواصفات المعتبرة في أعضاء السلطة التنفيذيّة، وهي مواصفات إن توفّرت فيهم سلمت هذه السلطة من الآفات الجسيمة التي تعاني منها أنظمة الحكم، والحكومات الراهنة. وتتخلّص الشعوب من العناء والعذاب الذي تلقاه على أيدي الحكام والمسؤولين، بدل أن تنال على أيديهم السعادة والخير والرفاه.

ولا شكّ أنّ هذه المواصفات تتوفّر ـ في الأغلب ـ في المسلم المؤمن العارف بدينه، ولذلك يتعيّن تقديمه على غيره في تفويض المسؤوليّات الحكوميّة إليه.

غير أنّه لا بدّ من التنبيه ـ بعد ذكر هذه المواصفات ـ إلى نقطة هامة وهي: أنّ صلاحيّة المسؤول الحكوميّ وحدها لاتكفي في استقامة الاُمور وصلاح الرعيّة وعمارة البلاد وتقدمها، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من أن يتحلى المسؤول بالصفات الأخلاقيّة العليا كالحلم والصبر والأناة، والعطف والشفقة وغير ذلك من نبيل الأخلاق.

بيد أنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو ( طاعة الرعيّة للحاكم الصالح ) والانقياد لأوامره، لأنّ الحاكم غير المطاع لا يمكن أن يقيم أمناً، أو ينشر عدلاً، فلا رأي لمن لا يطاع كما قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وإليك مفصّل الكلام في هذا الأمر :

إطاعة الحاكم الصالح

إنّ نفوذ السلطة التنفيذيّة، يتقوّم بطاعة الناس لها وإلاّ صار وجود السلطة هذه لغواً، لا فائدة فيه ولا أثر له ولذلك وردت عن النبيّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الطاهرين أحاديث كثيرة تحثّ على طاعة الحاكم الصالح، وصاحب السلطة العادل :

٣١٦

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طاعة السُّلطان [ أي صاحب السلطة العادل ] واجبة، ومن ترك طاعة السُّلطان فقد ترك طاعة الله عزّ وجلّ »(١) .

وقد خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم في مسجد الخيف وقال: « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

ثلاثة لا يغلُّ عليهنّ قلب امرئ مسلم :

إخلاص العمل لله

والنّصيحة لأئمّة المسلمين.

واللّزوم لجماعتهم فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم: المسلمون اخوة تتكاتفأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « لا تختانوا ولاتكم، ولا تغشّوا هداتكم ولا تجهلوا أئمّتكم، ولا تصدّعوا عن حبلكم فتفشلوا وتذهب ريحكم وعلى هذا فليكن تأسيس اُموركم والزموا هذه الطريقة »(٣) .

وقال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام في رسالة الحقوق: « فأمّا حقٌّ سائسك بالسلطان فأن تعلم أنّك جعلت له فتنةً وأنّه مبتلى بك بما جعله الله له عليك من السُّلطان، وأن تخلص له في النّصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه »(٤) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « أيّها النّاس إنّ لي عليكم حقّاً ولكم عليّ حقٌّ :

فأمّا حقّكم عليّ فالنّصيحة لكم وتوفير فيئكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٧٢.

(٢ و ٣) الكافي ١: ٢٣٢ ـ ٢٣٣، ٢٣٥.

(٤) مكارم الأخلاق للطبرسيّ: ١٨٧.

٣١٧

وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنّصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم »(١) .

ولمّا سئل الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام : ما حقّ الإمام على الناس ؟ قال: « حقُّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ».

فقيل: فما حقُّهم عليه ؟ قال: « يقسّم بينهم بالسّويّة ويعدل في الرّعيّة »(٢) .

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : « إنّ السُّلطان العادل بمنزلة الوالد الرّحيم فأحبُّوا له ما تحبُّون لأنفسكم واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم »(٣) .

وعن أبي سعيد الخدري، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سُلطان جائر »(٤) .

إنّ طاعة الشعب للحكّام الصالحين والإخلاص لهم وإنفاذ أوامرهم يشكّل عاملاً أساسيّاً في نجاح الحكومة الإسلاميّة وموفقيّتها في إدارة البلاد على أحسن وجه.

إنّ السلطة التنفيذيّة في الحكومة الإسلاميّة ليست جهازاً غريباً عن الشعب فليس أعضاؤها جماعة تسلّطت على الناس بالقهر والغلبة بل هم خزّان الرعيّة وخدّامها واُمناء الشعب على الحكم والسلطة وهذا يجعل طاعة الولاة واجباً مقدّساً مفروضاً على الناس يسألون عنه ويعاقبون على تركه وهذا هو سبب نجاح الحكومة الإسلاميّة وعلّة بقائها، واستمرارها.

هذا وإنّ الأحاديث التي ذكرناها في باب طاعة الرعيّة للولاة، تدلّ بصورة ضمنيّة على ضرورة وجود هذه السلطة في الحياة الإسلاميّة ولزوم إيجادها أيضاً.

إنّ ما ذكرناه لك من الأحاديث في باب طاعة الحاكم العادل والراعي الصالح

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٣٣).

(٢) الكافي ١: ٣٣٤.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٤٧٢.

(٤) رواه الترمذيّ ١: ٢٣٥ كما في جامع الاُصول ( الطبعة الاُولى ).

٣١٨

والسلطة التنفيذيّة الصالحة ؛ ما هو إلّا قليل من كثير تجده في المجاميع الحديثيّة كما في أبواب الحجّة من اُصول الكافي، وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وسائل الشيعة ورسائل الإمام عليّ وعهوده في نهج البلاغة.

لا طاعة للحاكم الجائر

ثمّ إنّ ها هنا أمراً لابدّ من التنبيه عليه وهو أنّه قد تُنقل أحاديث وروايات تدلّ على وجوب إطاعة مطلق الحاكم والخضوع لمطلق السلطات عادلة كانت أو ظالمة، صالحة كانت أو جائرة وإليك فيما يأتي بعض هذه الروايات :

١. ما رووه عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « لا تسبُّوا الولاة فإنّهُم إن أحسنُوا كان لهُم الأجر وعليكُمُ الشُّكر وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنّما هم نقمة ينتقم الله بهم ممّن يشاء فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة واستقبلوها بالاستكانة والتضرُّع »(١) .

٢. ما رووه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً أنّه قال: « سيأتيكم ركب مبغوضون يطلبون منكم ما لا يجب عليكم فإذا سألوا ذلك فاعطوهم ولا تسبُّوهم وليدعوا لكم »(٢) .

٣. ما رواه سلمة عن النبيّ لـمّا سأل النبيّ قائلاً: يا نبيّ الله أرأيت إن قامت علينا اُمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقّنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم »(٣) .

٤. ما رواه ابن مسعود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّها ستكون بعدي إثرة واُمور تنكرونها »، قالوا يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك ذلك منّا ؟

__________________

(١) النظام السياسيّ في الإسلام: ١١٤، نقلاً عن الخراج لأبي يوسف.

(٢) النظام السياسيّ في الإسلام: ١١٤، نقلاً عن سنن أبي داود.

(٣) رواه مسلم ونقله جامع الاُصول ٤: ٦٤.

٣١٩

قال: « تؤدوُّن الحقّ الذّي عليكم، وتسألون الله الذّي لكم »(١) .

إنّها إذن دعوة إلى السكوت على الظالم والرضا بما يفعل ؟!!

٥. وما رواه عوف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ قال: « شرار اُمّتكم الذّين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم »، قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم [ عند ذلك ؟ ].

قال: « لا ما أقاموا فيكم الصّلاة، لا ما أقاموا فيكم الصّلاة، ألا من ولّي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يداً من طاعة »(٢) .

٦. ما روته اُمّ سلمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون ما تنكرون فمن كره فقد بريء ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع ».

قالوا: أفلا نقاتلهم ؟

قال: « لا ما صلُّوا »(٣) .

وهكذا تبدو من هذه الروايات الدعوة إلى السكوت على فعل الظالم والحاكم الجائر والرضا بأفعاله المخالفة للدين والعدل، والاكتفاء بالصلاة فهو ما دام يصلّي جاز له أن يفعل ما يفعل، وأن يخالف كتاب الله وسنّة نبيّه !!!

٧. ما رواه ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنّه من خرج من طاعة السلطان شبراً مات ميتةً جاهليّةً »(٤) .

ولكن هذه الروايات وهذه الدعوة مردودة ومدفوعة بما ورد في الكتاب الكريم من النهي عن المنكر، والردّ على الظالم، والضرب على يده وعدم الركون إليه كقوله تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ( هود: ١١٣ ).

__________________

(١) جامع الاُصول ٤: ٦٤، نقلاً عن مسلم والترمذيّ.

(٢) جامع الاُصول ٤: ٦٧، نقلاً عن مسلم.

(٣) جامع الاُصول ٤: ٦٨، نقلاً عن مسلم وأبي داود والترمذيّ.

(٤) جامع الاُصول ٤: ٦٩، نقلاً عن البخاريّ ومسلم.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492