ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169414 / تحميل: 5913
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

____________________

= خاتم، وأُخرى من فضّة - فقال النبيّ: مَن أعطاك؟ قال: ذلك القائم. وأومى إلى عليّ، فقال النبيّ: على أيّ حالٍ أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع؛ فكبّر النبيّ ثمّ قرأ:( وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) ، فأنشد حسّان بن ثابت يقول في ذلك:

أبا حسنٍ تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبّرُ ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

ويا خير شار، ثمّ يا خير بايعِ

وقال أيضاً:

مَن ذا بخاتمه تصدّق راكعاً

وأسرّها في نفسه إسرارا؟!

مَن كان باتَ على فراش محمّدٍ

ومحمّدٌ اسرى يؤمُّ الغار؟!

مَن كان في القرآن سُمِّيَ مؤمناً

في تسع آيات تلين غرارا؟!

شواهد التنزيل ١: ١٨١؛ تفسير الطبريّ ٦: ١٨٦ - ١٨٧؛ التفسير الكبير، لفخر الدين الرازيّ ٣: ٤٣١؛ المناقب، للخوارزميّ ٢٦٤ - ٢٦٥؛ فرائد السمطين، للجوينيّ الشافعيّ ١: ١٨٩؛ العمدة، لابن البطريق ١١٩؛ الدرّ المنثور، للسيوطيّ ٢: ٢٩٣).

ورواية مجاهد عن ابن عبّاس: (تفسير الطبريّ ٦: ١٦٥؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٥؛ مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعي ٣١١؛ لباب النقول ٩١؛ الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨).

إنّ هذا التسلسل يؤكّد حقيقتين: الأولى - حقيقة نزول الآية في عليّ، والأخرى - اقتران الولاية لعليّ بالرسالة، ممّا يعني عظَم خطر الولاية. فالقوم شكوا إلى النبيّ ما يعانون، فطيّب النبيّ خواطرهم بأنّ الله تعالى اختار لهم عوضاً أفضل، هو موالاته تعالى وموالاة رسوله والمؤمن المعطي الزكاة حال الركوع. ولم تنقطع السلسلة، فقد خرج النبيّ إلى المسجد ليريهم المصداق الثالث؛ فالقوم آمنوا بالله تعالى، وآمنوا برسوله وهم يعرفونه، فما بقيَ إلاّ المتصدّق حال الركوع. =

٦١

ومن متقدّمي المفسّرين ممّن ذكر نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : مُقاتِلُ بنُ سُليمان(١) . قال: وقوله - سبحانه -:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

____________________

= وكان ممكناً أن يعطي رسولُ الله السائل من غير سؤال، فلمَ سأله علناً: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فلمّا قال: نعم، خاتماً؛ قال: مَن أعطاك، وكأنّه يقول لهم: انتبهوا لتعرفوا وليّكم المعنيّ بالآية! فلمّا أشار إلى عليّ، سأله عن الحالة التي كان عليها حين التصدّق، كلّ ذلك ليثير فيهم مزيد الانتباه، فلمّا قال: إنّه كان في حال الركوع؛ كبّر زيادةً في التعظيم بعد التعريف، ثمّ تلا عليهم الآية التي بعد سابقتها، أي من يتولّ الله والرسول والمؤمن المتصدّق الذي هو عليّ، فإنّه من حزب الله الغالب الفائز! ورواه السُّدِّيّ، عن أبي عيسى، عن ابن عبّاس، قال: مرّ سائل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده خاتم، فقال: (مَن أعطاك هذا الخاتم؟). قال: ذاك الراكع. وكان عليّ يصلّي، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله الذي جعلها فيّ وفي أهل بيتي( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية». (مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ ٣١٢، العمدة ٦٠؛ جامع الأُصول لأحاديث الرسول، لابن الأثير ٩: ٤٧٨؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣؛ فتح القدير ٢: ٥٠.

وعمر بن ثابت، عن محمّد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ راكعاً فجاءه مسكين فأعطاه خاتمَه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: أعطاني هذا الراكع؛ فأُنزلت هذه الآية:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية. (أنساب الأشراف ٢: ٣٨١؛ مناقب الإمام عليّ ٣١٣؛ لباب النقول ٩٠؛ كفاية الطالب ٢٥٠؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣).

ولحديث ابن عبّاس طرق غير ما ذكرنا، نكتفي بما أوردناه.

(١) مُقاتل بن سليمان بن بشير الأزديّ الخراسانيّ، أبو الحسن البلخيّ، نزيل مرو (٨٠ - ١٥٠ هـ).

قال البخاريّ: روى عنه الـمُحاربيُّ. (الكامل لابن عديّ ٣: ١٥٤). روى عن: ثابت البنانيّ، وزيد ابن أسلم، وسعيد المقبريّ، والضحّاك بن مزاحم، وعطاء بن أبي رباح، وعطيّة بن سعد العوفيّ، ومُجاهد بن جبر المكيّ، ومحمّد بن سيرين، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ، ونافع مولى ابن

٦٢

وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وذلك أنّ عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند صلاة الأولى: إنّ اليهود أظهروا لنا العداوةَ من أجل الإسلام، ولا يكلّموننا ولا يخالطوننا في شيء، ومنازلُنا فيهم، ولا نجد متحدَّثاً دون هذا المسجد.

فنزلت هذه الآية، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلّون تطوّعاً بعد المكتوبة. وخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى باب المسجد فإذا هو بمسكينٍ قد خرج من المسجد وهو يحمد الله عزّ وجلّ فدعاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم يا نبيَّ الله، قال: مَن أعطاك؟ قال: الرجلُ القائم

____________________

= عمر، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وأبي الزُّبير المكيّ، وشرحبيل بن سعد مولى الأنصار، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك.

روى عنه إسماعيل بن عيّاش، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزّاق بن همّام الصنعانيّ، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمان بن محمّد المحاربيّ، وغيرهم. (طبقات ابن سعد ٧: ٣٧٣، الاشتقاق: ٥٠١ (منموالي زهران بن كعب: مقاتل صاحب التفسير)، تاريخ البخاريّ الكبير ٧ - الترجمة ١٩٧٦، المعرفة والتاريخ ليعقوب ٣: ٣٧، الجرح والتعديل ٨ - الترجمة ١٦٣٠، الكامل لابن عديّ ٣: ١٥٤، سنن الدار قطنيّ ٢: ١٩١، المحلّى ٢: ٣٥، ميزان الاعتدال ٤ - الترجمة ٨٧٤١، مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ١٩٧ / ١٥٩، تاريخ بغداد ١٣: ١٦١، العقد الفريد ٢: ٨٢، تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٤ / ٦١٦١...

عن حيوة بن شريح الحضرميّ: حدثنا بقيّة، قال: كنتُ كثيراً أسمع شعبة وهو يسألُ عن مقاتل بن سليمان فما سمعته قطّ ذكره إلاّ بخير. (تاريخ بغداد ١٣: ١٦١، تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٥).

عن الشافعيّ قال: من أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان (نفس المصدر). ولم يذكره ابن داود، ولا البرقيّ.

٦٣

أعطاني خاتمه - يعني عليّ بن أبي طالب -، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : على أيّ حال أعطاكَهُ؟ قال: أعطاني وهو راكع. فكبّر النبيّ وقال: «الحمدُ لله الذي خصّ عليّاً بهذه الكرامة. فأنزل الله عزّ وجلّ:( وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ،( وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) ، يعني عليّ بن أبي طالب( فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعليّ بن أبي طالب قبل المسلمين، ثمّ جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبد الله بن سلاّم وغيره هم الغالبون لليهود(١) .

والأخبار عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام متظافرة في نزول الآية المباركة في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ خاصّة به(٢) .

____________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ١: ٤٨٥ - ٤٨٧.

(٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . (مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٨).

- وبرواية عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عنهعليه‌السلام . (شواهد التنزيل ١: ١٨٢؛ معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوريّ ١٠٢؛ المناقب، للخوارزميّ ٢٦٦؛ غاية المرام ١٠٩؛ البداية والنهاية ٧: ٣٥٧).

- ورواية محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عنهعليه‌السلام : في قوله عزّ وجلّ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية، قال: «الله ورسوله، والذين آمنوا: عليّ بن أبي طالب». (مناقب الإمام عليّ ٣١٢؛ وعنه في العمدة ٦٠؛ معرفة علوم الحديث ١٠٢؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣؛ غاية المرام ١٠٤).

- عن سعد بن طَريف، عن الأصبغ بن نُباتة، عنهعليه‌السلام . (الأمالي الخميسيّة، للمرشد بالله ١: ١٣٨). =

٦٤

____________________

=

- عن حُصين بن مُخارق، عن أبي الجارود، عن محمّد وزيد ابني عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، عن آبائهما أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام . تفسير فرات ٣٩ و ٤١؛ الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٧، الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣).

* الإمام السبط الزكيّ الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : ففي خطبته بعد شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي طويلة:

(وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل فينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال لنبيّه:( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) فاقتراف الحسنة: مودّتنا أهل البيت). (الذّرّيّة الطاهرة، للدولابيّ (٢٢٤ - ٣١٠ هـ): ١٠٩ / ١١٤).

وفي تذكرة الخواصّ ١٨٢: إنّ معاوية ناظر الحسنعليه‌السلام ، فأجابه - والجواب طويل - جاء فيه: (وبات أميرالمؤمنين يحرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المشركين، وفداه بنفسه ليلة الهجرة حتّى أنزل الله( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ » - البقرة: ٢٠٧ -، ووصفه الله بالإيمان فقال:« إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا » والمراد به أمير المؤمنين» والمراد به أمير المؤمنين».

* الإمام محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين عليهما‌السلام :

قال عليّ بن عابس: دخلتُ أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، فقال أبو مريم: حدّث عليّاً بالحديث الذي حدّثتني عن أبي جعفر - أي الباقرعليه‌السلام -، قال: كنت عند أبي جعفر جالساً إذ مرّ ابنُ عبد الله بن سلاّم، قلت: جعلني الله فداك، هذا ابنُ الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا، ولكنّه صاحبكم عليّ بن أبي طالب الذي أنزل الله تعالى فيه:( أَفَمَن كَانَ عَلَى‏ بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) ،( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) . (تفسير فرات ٣٦، تفسير القرطبيّ ٩: ٣٣٦، سعد السعود، لابن طاووس ٧٠، مناقب الإمام عليّ ٣١٤، وعنه في العمدة ٦١، غاية المرام ١٠٥). وللحديث طرق عن غير أهل البيتعليهم‌السلام . وقد ذكرنا حديث ابن عبّاس وهذه بعض طرقه: =

٦٥

____________________

=

* جابر بن عبد الله الأنصاريّ: مثل حديث ابن عبّاس في قصّة مجيء ابن سلاّم نصّاً، ولكن من غير شعر حسّان. (أسباب النزول، للواحديّ ١٣٣ - ١٣٤).

* أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، برواية عون عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه. (الدرّ المنثور ٢: ٢٩٤، أمالي الطوسيّ ١: ٥٨؛ وسعد السعود ٩٦ - ٩٧؛ نقلاً عن «تأويل ما نزل من القرآن» لابن الحُجّام). وبسند عن هارون بن سعيد، عن محمّد بن عبيد الله الرافعيّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي رافع. (الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨).

* أنس بن مالك: (كفاية الطالب ٣٢٨)، وفيه: إنّ سائلاً أتى المسجد وهو يقول: مَن يُقرض المليّ الوفيّ. وعليّ راكع يقول بيده للسائل، أي أخلع الخاتم من يدي. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا عمر وجبت)، قال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: «وجبت له الجنّة، والله ما خلعه من يده حتّى خلعه الله من كلّ ذنب ومن كلّ خطيئة». قال: فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيلعليه‌السلام بقوله عزّ وجلّ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية - فأنشأ حسّان - ذكرنا شعره -.

* أبو ذرّ الغفاريّ: وله كلام طويل في نزول الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام . (مجمع البيان، للطبرسيّ ٢: ٢١٠؛ العمدة ٥٩؛ الغاية ١٠٣؛ تفسير غرائب القرآن، للنيسابوريّ ٦: ١٦٧؛ نظم دُرر السمطين للزرنديّ ٨٧؛ وتذكرة الخواصّ ٢٤ - ٢٥ مرسلاً).

* عمّار بن ياسر :

عن الحسن بن زيد، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام ، قال: سمعتُ عمّار بن ياسر يقول: وقف لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام سائل، وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل. فأتى رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعلمه بذلك، فنزل على النبيّ هذه الآية:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) الآية، فقرأها رسول الله علينا ثمّ قال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه). (تفسير العيّاشيّ ١: ٣٢٧).

ويرد حديث عمّار بألفاظ مختلفة يسيراً في: مجمع الزوائد ٧: ١٧؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٢؛ لُباب النقول ٩٠؛ فتح القدير ٢: ٥٠. وذكره مرسلاً في دُرر السمطين ٨٦، وذكره ابن عُقدة مختصراً في كتاب الولاية ٢٥٣ - ٢٥٤. =

٦٦

هؤلاء، وفيهم: أئمّة الهدى، وعلماء المذاهب الإسلاميّة، ورجال الحديث والتفسير... قد أجمعت كلمتهم على نزول آية الولاية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وخالفهم ابن تيميه فحكَمَ عليهم بالكذب وأخرجهم من دائرة أهل العلم.

«والعاقبة للمتّقين».

الأبدال: قال تعالى:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ

____________________

=

* عبد الله بن سلاّم: عن الواقديّ، وابن الجوزيّ، في: (ذخائر العُقبى ١٠٢؛ الرياض النضرة ٢: ٣٠٢؛ العمدة ٦٠؛ الغاية ١٠٤؛ أنساب الأشراف ٢: ١٥٠)، عن الواقديّ المتوفّى ٢٠٧ هـ في: (ذخائر العقبى ١٠٢؛ تذكرة الخواصّ ٢٤)، وعن السُّدّي وعتبة بن أبي الحكيم وغالب بن عبد الله في: (مطالب السؤول ٣١؛ شرح نهج البلاغة، للمعتزليّ ٣: ٢٧٥؛ الفصول المهمّة ١٢٣؛ الصواعق المحرقة ٢٤؛ ينابيع المودّة ٢١٢؛ نور الأبصار ٧٧، والمصنّف، لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٥ / ٦٢ و ٦٣).

ومن رجال التفسير: الجصّاص المتوفّى ٣٧٠ هـ في: (أحكام القرآن ٢: ٥٤٢)؛ وعبد الرزّاق الصنعاني المتوفّى ٢١١ هـ في: (تفسير ابن كثير ٢: ٧١)؛ والفرّاء الشافعيّ المتوفّى ٥١٦ هـ في تفسيره: (معالم التنزيل - بهامش تفسير الخازن ٢: ٥٥؛ والزمخشريّ الحنفيّ في تفسيره: الكشاف ١: ٤٢٢؛ وفخر الدين الرازيّ الشافعيّ في تفسيره ٣: ٤٣١؛ والنسفيّ في تفسيره بهامش الخازن ١: ٤٩٦؛ وعلاء الدين الخازن في تفسيره ١: ٤٩٦؛ وأبو حيّان الأندلسي في تفسيره: البحر المحيط ٣: ٥١٤؛ وابن جزّيّ الكلبيّ في تفسيره: التسهيل لعلوم التنزيل ١: ١٨١؛ ونظام الدين النيسابوريّ في تفسيره: غرائب القرآن ٣: ٤٦١ و ٦: ١٦٧؛ والبيضاويّ الشافعيّ في تفسيره ١: ٣٤٥، وابن زمنين (ت ٣٩٩ هـ) في تفسيره ١: ٢٠٤ وهو مختصر تفسير يحيى بن سلاّم).

٦٧

لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

ذكر الفخر الرازيّ في الآية أقوالاً، منها: أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام . ويدلّ عليه وجهان:

الأوّل - أنّه «أي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا دفع الراية إلى عليّعليه‌السلام يومَ خيبر، قال: «لأَدفعنّ الراية غداً إلى رجلٍ يُحبّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهُ ورسولُه»، وهذا هو الصفة المذكورة في الآية.

والوجه الثاني: أنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قولَه:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وهذه الآية في حقّ عليّ، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقّه(٣) .

ثمّ أفاض في الحديث عن نزول آية الولاية: آية التصدّق حال الركوع وأنّها نزلت في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

حديث الراية وفتح خَيْبر

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ: السابع - أي من الأدلّة على إمامة عليّعليه‌السلام - ما رواه الجمهور كافّة، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت

____________________

(١) المائدة: ٥٤.

(٢) المائدة: ٥٥.

(٣) التفسير الكبير، للفخر الرازيّ ١٢: ١٩ - ٢٠.

٦٨

الراية لأميرالمؤمنين عليّ فلحقه رمدٌ أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرّض للحرب، فدعا رسول الله أبا بكر فقال له خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، ولم يغن شيئاً ورجع منهزماً، فلمّا كان من الغد تعرّض لها عمر فسار غير بعيد ثمّ رجع؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جيئوني بعليّ، فقيل: إنّه أرمد؛ فقال: «أرونيه، أروني رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّار». فجاؤا بعليّ، فتفل بيده ومسحها على عينيه ورأسه، فبرئ، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه وقتل مرحب. ووصفهعليه‌السلام بهذا الوصف يدلُّ على انتقائه عن غيره، وهو يدلّ على أفضليّته؛ فيكون هو الإمام(١) .

قال ابن تيميه: والجواب من وجوه،

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل؛ وأمّا قوله: رواه الجمهور، فإنّ الثِّقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي في الصحيح أنّ عليّاً كان غائباً عن خيبر لم يكن حاضراً فيها، تخلّف عن الغزاة؛ لأنّه كان أرمد، فشقّ عليه التخلّف عن النبيّ فلحقه، فقال النبيّ قبل قدومه: «لأُعطينّ الراية... يفتح الله عليه»، ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر، ولا لعمر، ولا فرّ بها واحدٌ منهما، بل هذا من الأكاذيب...(٢) .

الثاني: أنّ إخباره بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، حقّ... لكنّ الرافضة الذين يقولون أنّ الصحابة ارتدّوا بعدَ موته، لا يُمكنهم الاستدلال بهذا؛ لأنّ الخوارج تقول لهم: هو ممّن ارتدّ أيضاً...، والرافضة لا يمكنهم إقامة

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٩٧.

(٢) منهاج السنّة ٤: ٩٧ - ٩٨.

٦٩

دليل على الخوارج على أنّ عليّاً مات مؤمناً! بل أيّ دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم؛ لأنّ أصلهم فاسد...، وقول القائل: إنّ هذا يدلّ على انتفاء هذا الوصف عن غيره لا يلزم أن يكون أفضلَ من غيره، فضلاً عن أن يكون مختصّاً بالإمامة...(١) .

الثالث: أنّه لو يُدِّر ثبوت أفضليّته في ذلك الوقت، فلا يدلّ ذلك على أنّ غيره لم يكن أفضل منه بعد ذلك.

الرابع: أنّه لو قدّرنا أفضليّته، لم يدلّ ذلك على أنّه إمامٌ معصوم منصوص عليه....

جوابنا:

أمّا قولُه: «المطالبة بتصحيح النَّقْل».

فجوابه: هو المطالبة بدليل تكذيب النَّقْل؟ فلو أنّه وجد متردّياً ينكر صحّته لتمسّك به وأعرض عن الأوّلين والمتأخّرين ممّن أجمعت كلمتهم على صحّته.

وثانيّا: أذعن مُكرَهاً فصرّح أنّ الثِّقات رووُا الحديث!

وثالثاً: إنّ المصادر التي بين أيدينا أثبتَت صحّة النَّقل، ولم يذكر هو مصدراً واحداً ينفي صحّته.

قولُه: «الذي في الصحيح أنّ عليّاً كان غائباً عن خيبر...»، فإنّ هذا في حال صحّته غيرُ دافع لصحّة الحديث، من هزيمتين ثمّ دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخيراً: فتحٌ

____________________

(١) نفسه.

٧٠

على يد أبي الحسن عليٍّعليه‌السلام .

قولُه: «ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر، ولا لعمر»؛ فلعمري صدق ابن تيميه في ذلك، فصاحبها عليّعليه‌السلام وهو أهلٌ لذلك. ولكن: لم لم تكن الراية قبل خيبر لأبي بكر، ولا لعمر؟! ثمّ لم اختار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر، ثمّ عمر، فكان منهما ما ذُكِر؟

ونرى أنّ الحكمة الإلهيّة شاءت أن يرمد عليّعليه‌السلام ثمّ يأخذ الرايةَ بعدهما ويفتح الله عليه.

قولُه: «ولا فرّ بها واحدٌ منهما، بل هذا من الأكاذيب!»

نفي ابن تيميه أن يكون أبوبكر وعمر صاحبي الراية قبل خيبر، ولم يقل يوم خيبر، فكذّب فرارهما يوم خيبر بحالهما قبله في حمل الراية! لا بحالهما يوم خيبر.

وقبل الانتقال إلى بقيّة كلامه، علينا أن نتحدّث عن:

خَيْبر:

قال ابن إسحاق: حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ عن أبيه سفيان، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد. ثمّ بعث الغد عمر بن الخطّاب فقاتل، ثم رجع ولم يك فتح، وقد جهد؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرّار». فدعا رسول

٧١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً رضوان الله عليه وهو أرمد، فتفل في عينه، ثمّ قال: خذ هذه الراية، فامض بها حتّى يفتح الله عليك. قال سلمة بن عمرو بن الأكوع: فخرج والله بها يأنح - أي به نفسٌ شديد - يُهرول هرولةً، وإنّا لخلفه نتبع أثره، حتّى ركز رايته في رضم - أي حجارة مجتمعة - تحت الحصن، فاطّلع إليه يهوديّ من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب. فقال اليهوديّ: علوتُم، وما أنزل على موسى! فما رجع حتّى فتح الله على يديه.(١)

ففي هذا الذي ذكره ابن إسحاق أمور تنقض مزاعم ابن تيميه، من ذلك: أن الراية كانت مع أبي بكر، وبعده كانت مع عمر.

والأمر الآخر: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس بفرّار»، أي لا يفرّ مثل سابقيه «أبي بكر، وعمر»، وقد كذب ابن تيميه إذ قال: لم يفرّا! وثمّة أمر عوّل عليه ابن تيميه آملاً التنقيص من فضيلة لأمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ، إذ ذهب إلى القول أنّ عليّاًعليه‌السلام كان غائباً عن خيبر! ولم نجد في الخبر تصريحاً بذلك، ولا قرينة تدلّ عليه!

وثمّة أمر آخر: أنّ الهزيمة والفرار لم يكونا يوم خيبر فقط، فقد انهزم عمر يوم أحد فيمن انهزم...(٢) .

فرار الزبير

عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قال الزبير: واللهِ لقد رأيتني أنظر إلى

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٤٩.

(٢) صحيح البخاريّ ٥: ١٠١.

٧٢

خَدمِ هند بنت عُتبة وصواحِبُها مشمِّراتٍ هوارب، ما دون أخذِهُنَّ قليل ولا كثير، إذ مالت الرُّماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النّهب وخلّوا ظهورنا للخيل فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخٌ: ألا إنّ محمّداً قد قتل! فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللّواء حتّى ما يدنو منه أحد من القوم(١) .

إعراض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الزبير

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير: عرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيفاً في يده يوم أحد فقال: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله فأعرض عنّي ثمّ قال: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ قال: فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: انا آخذه بحقّه، وما حقّه؟ قال: حقّه ألاّ تقتل به مسلماً، وأن لا تفرّ به عن كافر. قال: فدفعه إليه، قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلاّ هتكه وأفراه...(٢) .

حسَدُ الزبير لأبي دجانة

قال ابن هشام: حدّثني غير واحد من أهل العلم أنّ الزبير بن العوّام قال: وجدت(٣) في نفسي حين سألتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دُجانة...،

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٦ - ١٩٧، السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٨٢، تاريخ خليفة بن خيّاط ٣٩.

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ١٩٤ - ١٩٥.

(٣) وجدتُ: أي غضبتُ؛ ولكن لم غضب الزبير إذ لم يعطه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله السيف وإنّما أعطاه لأبي دجانة، هل لمعرفة النبيّ أنّ الزبير سينكفئ مع الفرّارين، وهذا ما حصل واقعاً؟!

٧٣

والله لأنظرنّ ما يصنع؛ فاتبعته(١) ...

قال ابن إسحاق: فجعل لا يَلقى أحداً إلاّ قتله. وكان في المشركين رجلٌ لا يدع لنا جريحاً إلاّ ذفّف عليه، فجعل كلّ واحدٍ منهما يدنو من صاحبه. فدعوتُ الله أن يجمع بينهما(٢) ، فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دُجانة، فاتّقاه بدرقته، فعضّت بسيفه، وضربه أو دجانة فقتله...(٣) .

اعتزال عمر وطلحة القتال

قال ابن إسحاق: وحدّثني القاسم بن عبد الرحمان بن رافع أخو بني عديّ ابن النجّار قال:

انتهى انس بن النّضر، عمّ أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطّاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟! قدموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل؛ وبه سُمّي أنسُ بن مالك(٤) .

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٧٢ - ٧٣.

(٢) إنّ الزبير وقد فرّ من الحرب، ولم يتّعظ قبلُ إذ لم تُعطِه السيف ولكن أعطاه أبا دُجانة؛ فإنّه هنا يدعو الله تعالى أن يجمع بين أبي دجانة وفارس المشركين لعلّ الأخير يتمكّن من أبي دُجانة فيقتله!

(٣) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٧٣.

(٤) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٢٠٣، وتاريخ الطبريّ ٢: ١٩٩.

٧٤

ذكر الطبريّ: وفشا في الناس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي «رأس المنافقين» فيأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان يا قوم، إنّ محمّداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم!(١)

فرار عثمان: وفرّ عثمان بن عفّان في عدّةٍ من الرجال، حتّى بلغوا الجلعب جبلاً بناحية المدينة، فأقاموا به ثلاثاً ثمّ رجعوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فزعموا أنّ رسول الله قال لهم: لقد ذهبتُم فيها عريضةً!(٢)

وذكره البلاذريّ، وفيه:... فلقيتهم أمُّ أيمن، فجعلت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم: هاكَ المغزل فاغزل به! وكان عثمان بن عفّان ممّن ولّى يوم أحد، فعفا اللهُ عنه في عدّة من الناس(٣) .

إمرأة تذود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في وقتٍ فرّ فيه أهل الصخرة، وأهل الجلعب؛ نجد امرأةً خلّدها التاريخ هي نُسيبة بنت كعب المازنيّة؛ شهدت يوم أحد، وزوجها، وابناها؛ وخرجت معها بشنٍّ - سقاها - لها تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذٍ وأبلت، وجرحت اثني عشر رجلاً

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٢٠٣.

(٢) نفسه، ٢٠١.

(٣) سيرة ابن إسحاق ٣٣٢، أنساب الأشراف، للبلاذريّ ١: ٣٩٨.

٧٥

بسيفٍ ورمح...، فضربها ابن قميئة ضربةً بالسيف على عاتقها(١) . قال عمر: سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما التفتّ يميناً وشمالاً يوم أحد إلاّ رأيتها تقاتل دوني»(٢) .

يهوديّ يمضي شهيداً

كان مُخيريق عالماً خبراً في أحبار اليهود، فلمّا كان يوم أحد قال لليهود: واللهِ إنّكم لتعلمون أنّ محمّداً نبيٌّ وأنّ نصره حقّ عليكم، فقالوا: إنّ اليوم يوم سبت، فقال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدّته وقال: غن أصبت فمالي لمحمّد، يصنع فيه ما شاء ثمّ غدا إلى رسول الله فقاتل معه حتي قتل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مخيريق خير يهود(٣) .

فائدة

إنّ الفرار الذي أنكره ابن تيميه، قد سبقه فرارٌ وذلك يوم أحد فرّ فيه عمر، وعثمان والزبير وطلحة في رجال آخرين، فهو غير ممتنع عنهم يوم خيبر؛ وهم يعلّلون فرارهم أنّ «محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله »؛ نعم هكذا باسمه من غير ما يناسب مقامه الشريف مثل: النبيّ، أو رسول الله؛ وهذا أيضاً ليس بغريب منهم! فيومَ الخميس، وما أدراك ما يوم الخميس! لمّا اشتدّ برسول الله وجعه، فطلب ورقاً وقلم ليكتب لهم كتاباً لا يضلُّون بعده» اعترضوا وكثر لغطُهم، وقال عمر يومها: إنّ الرجل

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٨٩، أنساب الأشراف ١: ٣٩٧.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٩٤، أنساب الأشراف ١: ٣٩٧.

(٣) نفسه.

٧٦

ليهجُر»(١) ، أي: يهذي لا يدري ما يقول - أعوذ بالله من ذلك - و «إنّ الرجل» لوحدها إساءة، وأيّ إساءة لمقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ! ولذا لا نستغرب فرارهم يومَ أحد إذ صرخ الشيطانُ أنّ محمّداً قد قتل! ففرّوا ومنّوا أنفسم بالحصول على أمان من أبي سفيان، وسمّوا النبيّ باسمه، في حين وجدنا أمرأةً تناضل عن رسول الله، فجرحت اثني عشر رجلاً؛ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّها ما ذكرناه، وأنّ يهوديّاً عرف الحقَّ فاتّبعه، فمضى شهيداً!

موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام

وأمّا الإمام عليّعليه‌السلام فلم نجد في صفحة جهاده الخالدة شيئاً اسمه فرار، وإنّما النّصر معقود في رايته بعد أن عرف بالجهاد والإقدام والتضحية والشجاعة والبسالة. وليس هذا مكان الإفاضة عن مواقف أميرالمؤمنينعليه‌السلام وشجاعته ابتداءً من خروجه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الطائف - وهي أوّلُ صحبة في سفرٍ معهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) - مروراً بمبيته على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هجرته المباركة، ثمّ مواقفه يوم بدر وما بعدها... ونتوقّف عند أحد، وخيبر؛ حيث جرى عنهما كلام. وقبل الكلام عنهما يحسن الكلام موجزاً عن وقعةٍ لو لا عليّ لركب المسلمين ما هو أدهى ممّا كان

____________________

(١) المصنّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٠٣، صحيح البخاريّ ١: ٣٧، ٥: ١٣٨، ٨: ١٦١؛ طبقات ابن سعد ٢: ٢٤٢، أنساب الأشراف ٢: ٧٣٨، تاريخ الطبريّ ٢: ٤٣٦، تذكرة الخواصّ ٦٥، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٢: ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٤: ١٢٧ - ١٢٨.

٧٧

منهم يومَ أُحد؛ تلك هي وقعةُ الأحزاب، وهي غزوة «الخندق» ففي هذه الغزوة عبر نفرٌ من المشركين الخندق، فيهم فارسهم عمرو ب عبد ودّ؛ قال عمرو: من يبارز؟ فأحجم الجميع! وبرز له عليّعليه‌السلام ، فقال له: يا عمرو، إنّك قد عاهدت الله إلاّ يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين إلاّ أخذتها منه، قال له: أجل؛ قال له عليّ: فإنّي أدعوك إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإسلام؛ قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإنّي أدعوك إلى النِّزال؛ فقال له: لم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحبّ أن أقتلك، قال له عليّ: لكنّي والله أحبّ أن أقتلك. فحمي عمرو(١) عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثمّ أقبل على عليّ، فتنازلا وتجاولا، فقتله عليٌّعليه‌السلام ، وخرجت خيلهم منهزمة(٢) .

جهادُ عليّعليه‌السلام يومَ أُحد

ذكرنا بعضاً من أخبار أهل الصخرة، والجلْعَب، يوم أُحد، وحان أن ننظر في مواقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، يومئذٍ، هل استجاب لصراخ الشيطان: قُتل

____________________

(١) حَمِي: اشتدّ غضبه.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٢٣٥ - ٢٣٦، المغازي، للواقديّ (ت ٢٠٧ هـ) ٢: ٤٧١، طبقات ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) ٢: ١٦٥ و ٤: ١٣٥ تاريخ الطبريّ ٢: ٢٣٩ - ٢٤٠، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٢٢ - ٣٢٤. وجاء الخبر موجزاً في: جمهرة النسب لابن الكلبيّ (ت ٢٠٤ هـ) ١١٠، النسب، لابن سلاّم (ت ٢٢٤ هـ) نسب قريش، لمصعب الزبيريّ (ت ٢٣٦ هـ) ٤٢٦، المُحبَّر، لابن حبيب البغداديّ (ت ٢٤٥ هـ) ١٧٤، أنساب الأشراف، للبلاذُريّ (ت ٢٧٩ هـ) ١: ٤٢٩، الرَّوض الأُنُف، للسُّهيليّ (ت ٢٧٩ هـ) ٢: ١٩١.

٧٨

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فألقى بيده وفرّ؟! لقد أبلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يومَ أحد البلاء الحسن، وهذا هو شأنه في كلّ وقعة وواقعة.

ويومَ أحد هتفت الملائكة ببسالة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فبسندٍ عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: لما قتَل عليُّ بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعةً من مشركي قريش، فقال لعليّ: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي؛ قال: ثمّ أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعةً من مشركي قريش، فقال لعليّ: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحدَ بني عامر بن لؤَي؛ فقال جبريل: يا رسول الله، إنّ هذه للمواساة! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه منّي وأنا منه»، فقال جبريل: وأنا منكما. قال: فسمعوا صوتاً يقول:

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ عليّ(١)

وفي (تذكرة الخواصّ)؛ إنّ ذلك كان يوم خيبر، وقيل: إنّ الواقعة كانت يومَ

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٧، الأغاني ١٥: ١٩٢.

وقد ذُكر الهتاف في: السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣١٥، مناقب أميرالمؤمنين عليّ، للكوفيّ ١: ٥٣٤ / ٣٨٥ ومواضع أُخرى، وسنن البيهقيّ ٣: ٢٧٦، ومناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعيّ ١٩٧، المناقب، للخوارزميّ الحنفيّ ١٦٧، الروض الأنف، للسّهيليّ ٢: ١٤٣، كفاية الطالب، للكنجيّ الشافعيّ ٢٧٧، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ٣٨٠، الرياض النضرة، للمحبّ الطبريّ ٢: ١٩٠، ذخائر العقبى له أيضاً ٧٤، فرائد السمطين، للجوينيّ ١: ٢٥٢ / الحديث ١٩٥، ميزان الاعتدال، للذهبيّ ٣: ٣٢٤ / الترجمة ٦٦١٣، مجمع الزوائد، للهيتميّ ٦: ١١٤، الكامل، لابن الأثير ٥: ٢٦٠.

٧٩

أُحُد، كما رواه أحمد عن ابن عبّاس، وقيل: إنّ ذلك كان يومَ بدر؛ والأصحّ أنّ ذلك كان يوم خيبر، فلم يطعن فيه أحدٌ من العلماء(١) .

وذكر نصر الخبر موجزاً، قال: قال عليّ لأصحابه يوم صفّين: والذي نفسي بيده، لنظر إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أضربُ قُدّامه بسيفي فقال: لا سيف إلاّ ذوالفقار، ولا فتى إلاّ عليّ(٢) .

وذكروا أنّ طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال: يا معشر أصحاب محمّد، إنّكم تزعمون أنّ الله يعجّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة؛ فهل منكم أحد يعجّله الله بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه عليّ بن أبي طالب فقال: والذي نفسي بيده، لا أُفارقك حتّى أعجِّلك بسيفي إلى النار أو تعجّلني بسيفك إلى الجنّة. فضربه عليٌّ فقطع رجله، فسقط فانكشفت عورته، فقال: أنشدُك الله والرَّحِم يا ابن عمّ؛ فتركه، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه(٣) .

يذكّرنا موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام هذا، بمواقفه يوم صفّين لمّا سقط عمرو بن العاص عن فرسه، وكاد يجهز عليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فرفع عمرو رجليه وابدى سوأته! فأشاح أميرالمؤمنين وجهه ولم يقتله، وكذلك فعل معاوية،

____________________

(١) تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ ٣٢.

(٢) وقعة صفّين، لنصر بن مزاحم ٣١٥.

(٣) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٤، الأغاني، لأبي الفرج الأصبهانيّ ١٥: ١٨٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وهو يعلم ان ما يفعله على وفق المصلحة الواقعية التي ارتضاها رب العالمين ونصت به الصحيفة المخصوصة به.

اليس هو القائل لجابر الأنصاري لما قال له:

الا تصالح كما صالح اخوك الحسن ؟

فقال الحسين:

ان أخي فعل بامر من الله ورسوله وأنا أفعل بأمر من الله ورسوله.

ألم يكن الأصلح للحسنين مداراة أخيه المجتبى والتسليم له - لو صدقت المزاعم والأوهام - ويكون كعبد الله بن جعفر لما أبدى له الامام نظرية الصلح فخضع لرأيه وسلم له أمن الجائز ان يكون عبدالله اعرف بحكم الوقت من السبط الشهيد ؟

ويحدث ابن شهراشوب في المناقب ج ٢ ص ١٤٣ طبع ايران ان الحسين ما تكلم بحضرة الحسن اعظاماً له ولا تكلم محمد بن الحنفية بحضرة الحسين اعظاماً له وفي مشكاة الأنوار للطبرسي ص ١٥٤ كان أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام يقول ما مشى الحسين بين يدي الحسن قط ولابدره بمنطق قد اذا اجتمعا تعظيماً واجلاله له.

فهل يجوز العقل مع هذه الأداب الآلهية ان يخالف سيدالشهداء أخاه حجة الوقت ويخطأ رأيه مع علمه بانه لا يفعل الا وفق المصلحة الربوبية.

١٢١

١٢٢

نظرة اجمالية

علمنا من شتى النواحي مستنبطين من مدونات التاريخ وجوامع الحديث ومما عرفناه من مواقف أئمة الهدى من الاصلاح والتهذيب وخضوع من دونهم من ذوي قراباتهم إلا افراداً اخرجهم النص الصريح ان السيدة سكينة لم تكن متروكة سدى ترتكب الشنع وتقتحم المخاريق وانما كانت بمرصد من أخيها زين العابدين وابنه الباقر والصادق وبعين رعايتهم لها وهب ان الخلافة الصورية والسلطة العامة كانت مبتزة منهم لكن لم تبتز منهم القدرة على نسائهم وعائلتهم كيف وكل من سوقة الناس يقدر على من تحت حيطته من أهل بيته فيكبحهم عما يحط بكرامته أو لا يراه من صالحهم لجهات أخرى.

فهل من المعقول ان الامام زين العابدينعليه‌السلام يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار وهو القائل لأبي خالد الكابلي حين دخل عليه ورأى الباب مفتوحاً فتعجب من ذلك:

لا تعجب ان الخادمة خرجت من الدار ولا علم لها بفتح الباب ولا يجوز لبنات رسول الله ان يخرجن فيصفقن الباب(١) .

__________________

١ - مدينة المعاجز ص ٣١٨ حديث ٨٦.

١٢٣

أمن المعقول أنه لا يجوز لهن رد الباب وليس فيه إلا الخروج الى مظنة رؤية الأجنبي لهن من وراء الأزر والأخمرة ويكون من الجائز لهن التبرج الى الاجانب والمحادثة معهم والخوض في مجاملاتهم خصوصاً ما تمنع منه الشريعة وهو سماع الغناء وعقد المجالس للمغنين.

ثم ما بال الامام الباقرعليه‌السلام يذر عمته السيدة بين تلكم المخازي وما بال الاباة الهاشميون يغضون الطرف عما هنالك من بواعث العيب والنقص فالى من يدخرون الاصلاح وهم يتركون عقائل بيتهم والى أي زمن يرجئونه ان أخروه عن ايام حياتهم في خفراتهم.

وهذه جبلة فطر الله عليها الأمم جمعاء فضلاً عمن قيضهم المولى سبحانه لهداية البشر وارشادهم الى ما هو الأصلح وقد كان في الأمة العربية من لا يرضخ لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ حتى كان من امرهم ان وأدوا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل اذا شبب بها(١)

ولما شبب عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان وكان اسمها ( جمل ) عمد اليها اخوتها فقتلوها غيرة منهم(٢) .

ولما بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب الى عبدالملك بن مروان بذلك(٣) ولما شبب وضاح بامرأة الوليد قتله(٤) .

__________________

١ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢، ص ٦٥٩.

٢ - المصدر.

٣ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٦٥٨.

٤ - آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٨٣.

١٢٤

وشبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحساس فساء ذلك أباها فعدا عليه وقتله ثم احرقه(١)

وكان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحرث ابن هشام فاستعدى عليه اخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأباح دمه إن وجد يفعل مثل ذلك.

وغضب يزيد بن معاوية على عبدالرحمن بن حسان لما شبب باخته رملة بنت معاوية واستعدى عليه اباه معاوية بن أبي سفيان(٢) .

واشترى ابن معبد ( سحيم ) الشاعر فلما شبب سحيم بابنته عميرة وشهرها عدا إبن معبد عليه فأحرقه بالنار(٣) .

وفي هذه الشواهد مقنع للتعريف بما جبلت عليه نفوس العرب من الغيرة والشهامة فكيف بالهاشميين منهم الذين لم يرضخوا للدنايا وترفعوا عن كل ما يمس كرامتهم فتراهم ينكرون على من يتناول اعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم.

فهذا الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الامام السبط الحسن بن اميرالمؤمنينعليه‌السلام بلغه يوم كان والياً على المدينة ان ابن المولى الشاعر يشبب بحرم المسلمين فأغلظ القول له وتهدده ولم يتركه حتى حلف بالايمان المغلظة انه لم يقصد امرأة بعينها وانما عنى في شعره قوسه وسماها ( ليلى ).

__________________

١ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٧٢١.

٢ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

٣ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

١٢٥

ولقد أنكر الرشيد على اسحاق الموصلي لما غناه بشعر عمر بن أبي ربيعة وفيه لفظ سكينة ولم يتعين انها ابنة الحسين ولأجل المشابهة في الاسم قال له:

لعن الله الفاسق ولعنك معه ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق في سكينة ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من راسك.

فهل والحالة هذه ترى الهاشميين الذين هم في المدينة يغضون الطرف عما تفعله خفرة من نسائهم من المخاريق والشنع واذا لم يسعهم ذلك معها فهلا يسعهم ان يوصدوا الأبواب دون من يريد الاجتماع معها من شعراء ومغنين مع انه لم يكن لهؤلاء انصار يخاف منهم سو العاقبة.

ثم هل يعذر إمام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بآداب الشريعة الذي قيض لأحيائها وهو ومن جرى مجراه من ائمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون: المرأة عي وعورة فتداواعيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت(١) وانها اذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها وان تعطرت وخرجت حتى يوجد ريحها فهي زانية وانها تلعن حتى ترجع الى بيتها وليس لها ان تجلس مع الرجال في الخلاء ولا ان تتعلم الكتابة ولا سورة يوسف لما فيها من الفتن وعليها ان تتعلم سورة النور لما فيها من التهديد والزجر ولا تنزل الغرف فيراها الأجانب وليس عليها اذان ولا

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٣٠ باب ١٣٠ عن ابي عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢٦

اقامة كيلا يسمع صوتها الرجال ولا جمعة وجماعة ولا عيادة مريض ولا تشييع جنازة ولا الاجهار بالتلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الامارة ولا المشاورة في الأمور(١) .

وفي وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسن:

وإن استعطت ان لا يعرفن غيرك فافعل.

أيصح على هذا الحال نسبة المسامحة الى امام الأمةعليه‌السلام باسدال الستر على السيدة وكبحها عن محادثة الرجال ام ينسب اليه المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة.

كبرت كلمة تخرج من افواههم، ان يقولوا إلا زوراً.

ويا فض فم القائل ان لهج بشيء من ذلك.

والذي يهون الخطب ان أحاديث أبا الفرج لا قيمة لها في حق السيدة الزكية بعد ان كان مصدرها الزبير بن بكار وابن أخيه مصعب والهيثم بن عدي وأضرابهم ممن هو شانيء لهذا البيت الطاهر أو مستأجر لسياسة الوقت وان تاريخ حياة السيدة سكينة مما نطق به أقوام أخذهم الحنق على حمله الوحي وسادات الأمة كما لوثوا ساحة غيرها من رجالات هذا البيت الرفيع وخفراته بعد أن أعوزتهم الوسائل الى الطعن في قدس الأئمة الطاهرين فطفقوا يحطون من كرامة ابنائهم وذوي قراباتهم من أمثال هذه النواحي وهم لا يعلمون

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٢٧ باب ١١٧ جملة مما يحرم على النساء وما يكره.

١٢٧

ان المستقبل الكشاف سيوقف أرباب البحث على نواياهم السيئة ودحر ما افتعلوه فان للحق أنصاراً ولا بد للباغي من مصرع.

وقد عرفت فيما تقدم ان سكينة التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محفل الغناء هي ابنة خالد بن مصعب بن الزبير ومنه تعرف كيف زحزح آل الزبير هذه الشناعة عن ابنتهم وألصقوها بمن شابهتها في الاسم فراجت هذه الأكذوبة حتى على من زعم انه محص الحقائق وأخذت به الثقافة الى حد بعيد وفي الحقيقة لا يعرف من اين تؤكل الكتف.

ولعل هذا البيان الضافي لم يدع القارىء مندوحة عن الأذعان بان المصونة الطاهرة هي تلك البريئة من كل شين وعار والرضية المخفورة تحت خباء النبوة وبين سرادق الامامة يكتنفا الشرف ويحف بها الصون من جميع نواحيها ولم تبرح ترفل في مطارف من الحصافة قشيبة ولها أشواطها البعيدة في مستوى الآداب الأحمدية تزينها العفة والحياء وتجللها الرزانة والوقار ويزدان بذكرها المدح والثناء وإن كان لأرباب الأهواء والمطامع حول حياتها جلبة وتركاض فدعهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل الخائب والأمنية والمخفقة والظن المكدي.

وان كلمة الحسين في حقها:

( أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى ). نتشوف منها منزلة كبرى في اليقين والتجرد عن هذه العوارض الدنيوية الفانية.

ان هذه الجلبة بسرد هاتيك القصص الخرافية كما غرت أبا الفرج اغتر بها من جاء بعده من المؤرخين فنشروا فضائح في حق

١٢٨

السيدة البريئة سودوا بها صفحة التاريخ حسباناً منهم ان صاحب الأغاني ومن تقدمه لا يرسل ما لا تعويل عليه وعرفت بما أوضحناه ان هؤلاء كحاطب ليل لم يريدوا الا جمع اضغاث من هنا وهنا فألبسوها أطماراً من الظنون والأهوام.

١٢٩

١٣٠

الرباب

التاريخ دراسات لما يعبر في الزمن من خير وشر ودليل لمعرفة سير البشر في المعارف والصناعات والسياسيات والعادات والمؤهلات للرقي الانحطاط ومرآة صافية يتشوف منها الأعمال الصالحة والتعاليم النافعة وسير الأبطال الى اهدافهم المرموقة وما يؤثر عن العظماء من مزايا وآثار تكون قدوة في اقتصاص أثرهم والسير على هداهم ومن المؤسف جدا أهمال المؤرخين ورواة الحوادث واجبهم فنشروا فضائح وستروا فضائل طاعة للأمراء الذين استعبدوهم بالمال أو خضوعا للنزعات والأحقاد فجنوا على الحقايق الراهنة واضاعوا الأمانة المودعة عندهم فزويت معارف الرجال واعمالهم الصالحة واختلط الصحيح بالسقيم وديف السم بالعسل وان كلمة ( مقاتل ) للمنصور الدوانيقي ( اتحب ان اضع تك في فضل العباس )(١) تفيدنا فقهاً بتأثير الأطماع في النفوس وسحق العقائد وان اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى خصوصاً اذا كان الوضع على لسان صاحب الشريعة وقد نبه على وخامة عاقبته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستكثر القالة من بعدي فمن كذب علي

__________________

١ - تاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٦٧.

١٣١

فليتبوأ مقعده من النار(١) قال السبكي المؤرخون على جرف هار لتسليطهم على أعراض الناس ونقلهم مجرد ما يبلغهم من صادق أو كاذب(٢) وربما وضعوا من اناس ورفعوا اخرين أما لتعصب أو جهل أو اعتمادا على نقل من لا يوثق به والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وقل ما أرى مؤرخاً خالياً عن التعصب(٣) ولقد كان عيسى بن داب يضع للعباسيين وعوانة بن الحكم يضع لبني امية(٤) ومعاوية يستعبد سمرة بن جندب وابا هريرة وانس وزيد بن ارقم وعروة ابن الزبير(٥) لأهدافه وغاياته فأكثروا من فضائل السلف والطعن في اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب وولده وشوهوا احكام الشريعة وتجرؤا على قدس الرسالة فنسبوا اليه السهو مرة(٦) والخطأ اخرى(٧) وان السحر أثر فيه حتى خيل اليه انه يفعل الشيء ولم يفعله واستمر الحال الى سنة(٨) .

__________________

١ - الاحتجاج للطبرسي ص ٢٤٧ طبع النجف في احتجاج الجواد على يحيى بن اكثم.

٢ - معيد النعم ص ٧٤ باب ٤٦.

٣ - طبقات الشافية الكبرى ج ١ ص ١٩٧ ترجمة احمد بن صالح المصري.

٤ - معجم الادباء ج ١٦ ص ١٦٢ ترجمة عيسى بن داب.

٥ - شرح النهج لابن ابي الحديد ج ١ ص ٣٦٣.

٦ - صحيح البخاري في باب ما جاء في سجود السهو وفي فتح الباري ج ٣ ص ٦٠ ذكر حديث ذي اليدين في السهو النبي وذكره القاضي عياض في الشفا باب عصمة اقواله.

٧ - شرح الشفا للخفاجي ج ٤ ص ٢٥٦ وعمدة القارى شرح البخاري ج ١ ص ٥٧٧ باب كتابة العلم وجلاء العينين للالوسي ص ٢٦٨.

٨ - المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٨ ص ١٥٠ والبخاري كتاب الطب وارشاد الساري شرح البخاري ج ٨ ص ٤٠٣ والزواجر لابن حجر، ج ٢ ص ٨٢.

١٣٢

اذا فمن اين تبصر الأجيال المستقبلة الحوادث الصحيحة لتسير على ضوء هدى العظماء الذين لا يخضعون للدينه ويبذلون في تحصيل السعادة كل غال ورخيص.

ومن هنا اظلم الطريق ولم يهتد الباحث الى الصحيح في نسب ( الرباب ) زوجة الحسينعليه‌السلام والقصة التي يحكيها ابو الفرج الأصفهاني في مقال الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عن مجاهد عن محمد بن السائب الكلبي لا تأخذ بنا الى جهة نيرة فان القاريء لا يشك في تسطيرها على غير الواقع لغاية الحط من مقام اميرالمؤمنين الذي يقول كنت اتبع رسول الله اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي كل يوم علما من اخلاقه ويأمرني بالاقتداء به أرى نور الوحي واشم ريح النبوة.(١)

فان الأخلاق المحمدية التي تحلى بها صاحـب الخلافة الكبرى تتنافى مع الأسطورة التي يقصها مجاهد وابن الكلبي مع ان علمــاء الرجال تكلموا في مجــاهد ولم يقبل جملة منهم مرويــاته ومحمد بن هشام بن السائب الكلبي مجهول الحال عند علماء الشيعة ولم يعتمد عليه علماء السنة(٢) فما يتحدثان عنه في قصة زواج الحسين منها يرمي به عرض الجدار ولم يخف افتعالها على من يقرأها بروية.

ونصها المسطور في مقاتل الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسينعليه‌السلام ان رجلاً دخل المسجد ايام خلافة عمر بن الخطاب فحياه بتحية الاسلام وسأله عمر عن اسمه فقال انا نصراني انا امرء القيس بن عدي الكلبي، وغرض عليه عمر الاسلام فاسلم وعقد له على من

__________________

١ - نهج البلاغة ج ١ ص ٤١٧ من خطبته الفاصعة.

٢ - راجع عنهما تهذيب التهذيب لابن حجر، ج ١٠ ص ٤٢، وج ٩ ص ١٧٨.

١٣٣

أسلم بالشام من قضاعة ولما حمل اللواء وادبر تبعه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعه ابناه حسن وحسين فقال له انا ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي وقد رغبنا في صهرك فانكحنا فقال انكحتك يا علي ابنتي المحياة وانكحت الحسن اختها سلمى وانكحت الحسين اختها الرباب.

وهذه القصة لا مساس لها بالواقع فان الامعان في شخصية أميرالمؤمنين المتحلية بالخلاق الشريعة والعادات المألوفة يفيدنا الجزم بمنافات اسراعه في المصاهرة من هذا النصراني الذي هو جديد عهد بالاسلام والمسلمين وكل احد اذا راجع وجدانه يجد منه الانكار على من يرتكب مثل هذا الذي لا يتفق مع الآداب العرفية حتى لو كان سوقة فضلا عمن هو مؤهل للزعامة الكبرى وفرضه المولى سبحانه وتعالى خليفة على البشر عامة بعد النبوة وحاشا مثل اميرالمؤمنين ان يكون مقهوراً لحكم الشهوة وتحفزه الغريزة الجنسية إلى ما تتنفر منه العامة والخاصة.

ومما يبعد القصة اهمالها اختيار رأي البنات في الرضا والعدم كما انها لم تعين المهر مع ان الشريعة المقدسة قررت اختيار الزوجة في الرضا بالزوج ومعرفة الزوجة بالمهر لازم والالتزام بفضولية العقد ووقوفه على الاجازة وان لها مهر امثالها لو لم يسم الصداق انما يتم مع فرض التنازل الى التسليم بمسارعة أميرالمؤمنين وخوف فوات هذا ( الكنز ) منه لو لم يبادر الى مذاكرة الرجل في بناته.

على أنا معشر الامامية نلتزم بان الله تعالى مكن الامام الحجة المؤهل للرياسة العامة من العلم الواسع لقطع شبه المعاندين أو لتركيز عقايد المتبعين للحق وعليه فامير المؤمنين على يقين من ان بنات هذا الرجل لا يغلبه عليهن احد لو انتظر الفرصة المناسبة.

١٣٤

لكن الأحقاد ابت الا ان تشوه مقام ولي الله وتسجل على سيد الأوصياءعليه‌السلام ما تتقزز منه النفوس لعل ان يوجد في الأجيال من يتقبل هذه الأكذوبة فينحاز عنه وقد أصاب وأضعها الغرض فقد آمن بها من لا خبرة له بمكانة ( باب مدينة علم الرسول ) المتحلي باخلاقه الكريمة.

وهناك شيء اخر وهو بقاء الرباب حائلاً عند الحسين أكثر من عشرين سنة فان التزويج منها كان في خلافة عمر بن الخطاب ولا أقل من التقدير بآخر ايامه فانه قتل ٢٥ سنة وولادة سكينة على أقل التقدير في سنة ٤٧ فتكون يوم الطف ابنة ١٣ سنة والعادة بتعد بقاءها حائلاً هذه المدة الطويلة واذا كان الزواج في اوائل خلافته تكون المسافة ابعد.

وعلى هذا فلا حجة واضحة تأخذ بنا الى الايمان بهذه الاسطورة مع ان ابن كثير في البداية ج ٨ ص ٢١٧ يسمى أباها ( انيف ) ولم ينسبه الى احد ولم يذكر هذه الأسطورة.

وعلى كل حال فالرباب من خيرات النساء وأفضلهن جاء بها الحسين مع حرمه الى الطف وحملت معهن الى الكوفة والشام ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً(١) .

وليس بصحيح ما قيل انها أقامت على قبر الحسين سنة(٢) تنوح الليل والنهار وذلك بعد الرجوع من الشام ومرورهم بكربلاء

__________________

١ - كامل ابن الاثير ج ٤ ص ٣٦.

٢ - ابن الاثير.

١٣٥

فان العقيلة زينب الكبرى هي المتكفلة بحياطة الحرم وحفظهم وكلأتهم فلا تستطيع أن تفارقها بتلك البيداء المقفرة من دون عاطف ولا متحنن وهي امرأة عزلاء لا حامي لها ولا كفيل.

وكيف كان ففي تلك السنة التي عاشت فيها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وحق لها إذا أمتنعت من التزويج فانها لا ترى أي احد يوازي سيد شباب أهل الجنة لتحضى به أو أن هناك من يباري من هو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسىعليه‌السلام لتفوز بمصاهرته:

من يباريهم وفي الشمس معنى

مجهد متعـب لمن بـاراها

قـادة علـمهم ورأى حجـاهم

مسمعا كـل حكمية منظراها

ورثوا مـن محمد سبـق أولا

ها وحازوا مالم تحز اخراها

وهم الأعين الصحيحات تهدي

كـل عـين مكفوفة عيناها

كـم لهم ألسـن عن الله تنبي

هي أقـلام حكمـة قد براها

لـم يكونوا للعـرش إلا كنوزا

خافيات سبحان من أبداها(٢)

على أن الرواية جــاءت عن امـامة بنت زينب ربيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكـانت في عداد أزواج أميرالمؤمنين عنهعليه‌السلام ان ازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيعليه‌السلام لا يتزوجن بعده فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد أميرالمؤمنين عملاً بهذا الحديث(٣) .

____________

١ - تذكرة الخواص ص ١٥٠ وابن الاثير ج ٤، ص ٣٦ والاغاني ج ١٤، ص ١٥٨.

٢ - من الفية ملا كاظم الازري.

٣ - المجلسي في البحار ٩، ص ٦٢١ عن قوت القلوب.

١٣٦

والرباب هذه هي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد فلما رأته اخذته ووضعته في حجرها وقبلته وقالت(١) :

واحسينا فلا نسيت حسيناً

أفصـدته أسنـة الأعداء

غادروه بـكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء

وهذان البيتان وراهما ياقوت في معجم البلدان ج ٧ - ٢٢٩ لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في رثاء الحسين وادعى انها زوجته وكان عجز البيت الثاني في روايته:

( لا سقى الغيث بعده كربلاء )

ولانفراده بهذا عما عليه أهل النسب والتراجم والسيرة من عدم عدها في ازواج السبط الشهيد لا يؤبه به.

وكان من رثاء الرباب لسيد الشهداءعليه‌السلام :

ان الذي كان نوراً يستضاء به

بكربـلاء قتيـل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالـحة

عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي اليـه كل مسكين

والله لا أبتغي صهراً بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين

ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعهن:

__________________

١ - تذكرة الخواص ص ١٤٧، وتاريخ القرماني ص ٤.

١٣٧

تنعى ليوث البـأس مـن فتيانها

وغيوثها إن عمت البأساء

تبكيهم بدم فقـل بالمهجة الحرى

تسيـل العبـرة الحمـراء

ناحت فلما غضضت من صوتها

بزفيرها أنفاسهـا الصعداء

حنت ولكـن الحنين بكـى وقد

ناحت ولكن نوحهـا ايماء

ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت ان يصنع السويق وقالت انما نريد أن نقوى على البكاء(١) .

ويقول ابن كثير توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن عليعليه‌السلام في سنة ٦٢ وكانت حاظرة اهل العراق اذ هم يعدون في السبت او الجمعة على زوجها الحسين بن علي ابن بنت رسول الله(٢) .

ولدت الرباب من الحسينعليه‌السلام سكينة وعبدالله فاما عبدالله فقتل رضيعاً في حجر أبيه يوم الطف وذلك لما قتل أهل بيته وصحبه وبقي وحده استسلم للقضاء الآلهي بذبحه مظلوماً ممنوعاً من الورود.

وجاء الى عياله يودعهم ويأمرهم بلبس الأزر والصبر على ما يحل بهم من البلاء وعرفهم بأن الله تعالى يجعل عاقبة أمرهم الى خير ويعذب عدوهم بأنواع العذاب.

ثم دعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله فاجلسه في حجره يودعه ويقبله(٣) ويقول:

بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفى خصمهم(٤) .

__________________

١ - البحار للمجلسي ج ١٠، ص ٢٣٥ عن الكافي.

٢ - البدايةج ٨ ص ٢١٧.

٣ - اللهوف ص ٦٥.

٤ - البحار ج ١٠، ص ١٠٣.

١٣٨

ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم وذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة(١) .

وقال هون ما نزل بي أن بعين الله(٢) اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل آلهي ان كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين(٣) واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٤) اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) وسمععليه‌السلام قائلاً يقول: دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة(٦) .

ثم نزل عن فرسه وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه(٧) .

ويقال انه وضعه مع قتلى أهل بيته(٨)

وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون انه لقب لها من امها الرباب(٩)

__________________

١ - حديث الامام الباقرعليه‌السلام وزيارة الناحية التي يقول فيها حجة آل محمدعليه‌السلام : السلام على عبدالله الرضيع المرمي الصريع المصعد بدمه الى السماء المذبوح في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه.

٢ - ابن شهراشوب ج ٢ - ص ٢٢٢.

٣ - ابن نما ص ٣٦.

٤ - نظلم الزهراء ص ١٢٢.

٥ - المنتخب.

٦ - تذكرة الخواص ص ١٤٤ والقمقام لميرزا فرهاد ص ٣٨٥.

٧ - احتجاج الطبرسي ص ١٦٣ طـ النجف.

٨ - ارشد المفيد وابن نما ص ٣٧.

٩ - ابن خلكان في الوفيات بترجمها وشذرات الذهب ج ١، ص ١٥٤، ونور الأبصار ص ١٥٧.

١٣٩

وكأنه لسكونها وهدوئها وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف وهذا الرأي نسبه الصبان الى المشهور فانه قال:

المشهور على الآلسنة في اسمها انه مكبر بفتح السين وكسر الكاف(١) .

والمحكى عن شرح اسماء رجال المشكاة انه مصغر بضم السين وفتح الكاف ومثله في القاموس.

واما اسمها فالذي اختاره ابن تغر بردي انه آمنة(٢) ورواية أبي اسحاق المالكي تؤكده فان فيها قول سكينة:

إنكم سميتموني باسم جدتي ام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنة بنت وهب.

ويحكى أبوالفرج القول بأنه أمينة واميمة.

ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها وان أمكننا القول بأنها قاربت السبعين بعد ملاحظة سنة وفاتها وكونها يوم الطف بالغة مبلغ النساء ولا أقل من التقدير بالعشرة. وذكرنا ولادتها سنة ٤٧.

كما صح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها(٣) يوم الخميس

__________________

١ - اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ٢٠٢.

٢ - النجوم الزاهرة ج ١، ص ٢٧٦.

٣ - تهذيب الأسماء للنووي ج ١، ص ١٦٣ ومعاوف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها والكواكب الدرية للمناوي ج ١ ص ٥٨.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492