ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169163 / تحميل: 5893
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

____________________

= خاتم، وأُخرى من فضّة - فقال النبيّ: مَن أعطاك؟ قال: ذلك القائم. وأومى إلى عليّ، فقال النبيّ: على أيّ حالٍ أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع؛ فكبّر النبيّ ثمّ قرأ:( وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) ، فأنشد حسّان بن ثابت يقول في ذلك:

أبا حسنٍ تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبّرُ ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

ويا خير شار، ثمّ يا خير بايعِ

وقال أيضاً:

مَن ذا بخاتمه تصدّق راكعاً

وأسرّها في نفسه إسرارا؟!

مَن كان باتَ على فراش محمّدٍ

ومحمّدٌ اسرى يؤمُّ الغار؟!

مَن كان في القرآن سُمِّيَ مؤمناً

في تسع آيات تلين غرارا؟!

شواهد التنزيل ١: ١٨١؛ تفسير الطبريّ ٦: ١٨٦ - ١٨٧؛ التفسير الكبير، لفخر الدين الرازيّ ٣: ٤٣١؛ المناقب، للخوارزميّ ٢٦٤ - ٢٦٥؛ فرائد السمطين، للجوينيّ الشافعيّ ١: ١٨٩؛ العمدة، لابن البطريق ١١٩؛ الدرّ المنثور، للسيوطيّ ٢: ٢٩٣).

ورواية مجاهد عن ابن عبّاس: (تفسير الطبريّ ٦: ١٦٥؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٥؛ مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعي ٣١١؛ لباب النقول ٩١؛ الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨).

إنّ هذا التسلسل يؤكّد حقيقتين: الأولى - حقيقة نزول الآية في عليّ، والأخرى - اقتران الولاية لعليّ بالرسالة، ممّا يعني عظَم خطر الولاية. فالقوم شكوا إلى النبيّ ما يعانون، فطيّب النبيّ خواطرهم بأنّ الله تعالى اختار لهم عوضاً أفضل، هو موالاته تعالى وموالاة رسوله والمؤمن المعطي الزكاة حال الركوع. ولم تنقطع السلسلة، فقد خرج النبيّ إلى المسجد ليريهم المصداق الثالث؛ فالقوم آمنوا بالله تعالى، وآمنوا برسوله وهم يعرفونه، فما بقيَ إلاّ المتصدّق حال الركوع. =

٦١

ومن متقدّمي المفسّرين ممّن ذكر نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : مُقاتِلُ بنُ سُليمان(١) . قال: وقوله - سبحانه -:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

____________________

= وكان ممكناً أن يعطي رسولُ الله السائل من غير سؤال، فلمَ سأله علناً: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فلمّا قال: نعم، خاتماً؛ قال: مَن أعطاك، وكأنّه يقول لهم: انتبهوا لتعرفوا وليّكم المعنيّ بالآية! فلمّا أشار إلى عليّ، سأله عن الحالة التي كان عليها حين التصدّق، كلّ ذلك ليثير فيهم مزيد الانتباه، فلمّا قال: إنّه كان في حال الركوع؛ كبّر زيادةً في التعظيم بعد التعريف، ثمّ تلا عليهم الآية التي بعد سابقتها، أي من يتولّ الله والرسول والمؤمن المتصدّق الذي هو عليّ، فإنّه من حزب الله الغالب الفائز! ورواه السُّدِّيّ، عن أبي عيسى، عن ابن عبّاس، قال: مرّ سائل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده خاتم، فقال: (مَن أعطاك هذا الخاتم؟). قال: ذاك الراكع. وكان عليّ يصلّي، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله الذي جعلها فيّ وفي أهل بيتي( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية». (مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ ٣١٢، العمدة ٦٠؛ جامع الأُصول لأحاديث الرسول، لابن الأثير ٩: ٤٧٨؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣؛ فتح القدير ٢: ٥٠.

وعمر بن ثابت، عن محمّد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ راكعاً فجاءه مسكين فأعطاه خاتمَه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: أعطاني هذا الراكع؛ فأُنزلت هذه الآية:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية. (أنساب الأشراف ٢: ٣٨١؛ مناقب الإمام عليّ ٣١٣؛ لباب النقول ٩٠؛ كفاية الطالب ٢٥٠؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣).

ولحديث ابن عبّاس طرق غير ما ذكرنا، نكتفي بما أوردناه.

(١) مُقاتل بن سليمان بن بشير الأزديّ الخراسانيّ، أبو الحسن البلخيّ، نزيل مرو (٨٠ - ١٥٠ هـ).

قال البخاريّ: روى عنه الـمُحاربيُّ. (الكامل لابن عديّ ٣: ١٥٤). روى عن: ثابت البنانيّ، وزيد ابن أسلم، وسعيد المقبريّ، والضحّاك بن مزاحم، وعطاء بن أبي رباح، وعطيّة بن سعد العوفيّ، ومُجاهد بن جبر المكيّ، ومحمّد بن سيرين، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ، ونافع مولى ابن

٦٢

وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وذلك أنّ عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند صلاة الأولى: إنّ اليهود أظهروا لنا العداوةَ من أجل الإسلام، ولا يكلّموننا ولا يخالطوننا في شيء، ومنازلُنا فيهم، ولا نجد متحدَّثاً دون هذا المسجد.

فنزلت هذه الآية، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلّون تطوّعاً بعد المكتوبة. وخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى باب المسجد فإذا هو بمسكينٍ قد خرج من المسجد وهو يحمد الله عزّ وجلّ فدعاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم يا نبيَّ الله، قال: مَن أعطاك؟ قال: الرجلُ القائم

____________________

= عمر، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وأبي الزُّبير المكيّ، وشرحبيل بن سعد مولى الأنصار، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك.

روى عنه إسماعيل بن عيّاش، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزّاق بن همّام الصنعانيّ، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمان بن محمّد المحاربيّ، وغيرهم. (طبقات ابن سعد ٧: ٣٧٣، الاشتقاق: ٥٠١ (منموالي زهران بن كعب: مقاتل صاحب التفسير)، تاريخ البخاريّ الكبير ٧ - الترجمة ١٩٧٦، المعرفة والتاريخ ليعقوب ٣: ٣٧، الجرح والتعديل ٨ - الترجمة ١٦٣٠، الكامل لابن عديّ ٣: ١٥٤، سنن الدار قطنيّ ٢: ١٩١، المحلّى ٢: ٣٥، ميزان الاعتدال ٤ - الترجمة ٨٧٤١، مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ١٩٧ / ١٥٩، تاريخ بغداد ١٣: ١٦١، العقد الفريد ٢: ٨٢، تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٤ / ٦١٦١...

عن حيوة بن شريح الحضرميّ: حدثنا بقيّة، قال: كنتُ كثيراً أسمع شعبة وهو يسألُ عن مقاتل بن سليمان فما سمعته قطّ ذكره إلاّ بخير. (تاريخ بغداد ١٣: ١٦١، تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٥).

عن الشافعيّ قال: من أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان (نفس المصدر). ولم يذكره ابن داود، ولا البرقيّ.

٦٣

أعطاني خاتمه - يعني عليّ بن أبي طالب -، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : على أيّ حال أعطاكَهُ؟ قال: أعطاني وهو راكع. فكبّر النبيّ وقال: «الحمدُ لله الذي خصّ عليّاً بهذه الكرامة. فأنزل الله عزّ وجلّ:( وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ،( وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) ، يعني عليّ بن أبي طالب( فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعليّ بن أبي طالب قبل المسلمين، ثمّ جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبد الله بن سلاّم وغيره هم الغالبون لليهود(١) .

والأخبار عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام متظافرة في نزول الآية المباركة في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ خاصّة به(٢) .

____________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ١: ٤٨٥ - ٤٨٧.

(٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . (مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٨).

- وبرواية عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عنهعليه‌السلام . (شواهد التنزيل ١: ١٨٢؛ معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوريّ ١٠٢؛ المناقب، للخوارزميّ ٢٦٦؛ غاية المرام ١٠٩؛ البداية والنهاية ٧: ٣٥٧).

- ورواية محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عنهعليه‌السلام : في قوله عزّ وجلّ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا) الآية، قال: «الله ورسوله، والذين آمنوا: عليّ بن أبي طالب». (مناقب الإمام عليّ ٣١٢؛ وعنه في العمدة ٦٠؛ معرفة علوم الحديث ١٠٢؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣؛ غاية المرام ١٠٤).

- عن سعد بن طَريف، عن الأصبغ بن نُباتة، عنهعليه‌السلام . (الأمالي الخميسيّة، للمرشد بالله ١: ١٣٨). =

٦٤

____________________

=

- عن حُصين بن مُخارق، عن أبي الجارود، عن محمّد وزيد ابني عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، عن آبائهما أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام . تفسير فرات ٣٩ و ٤١؛ الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٧، الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣).

* الإمام السبط الزكيّ الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : ففي خطبته بعد شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي طويلة:

(وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل فينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال لنبيّه:( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) فاقتراف الحسنة: مودّتنا أهل البيت). (الذّرّيّة الطاهرة، للدولابيّ (٢٢٤ - ٣١٠ هـ): ١٠٩ / ١١٤).

وفي تذكرة الخواصّ ١٨٢: إنّ معاوية ناظر الحسنعليه‌السلام ، فأجابه - والجواب طويل - جاء فيه: (وبات أميرالمؤمنين يحرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المشركين، وفداه بنفسه ليلة الهجرة حتّى أنزل الله( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ » - البقرة: ٢٠٧ -، ووصفه الله بالإيمان فقال:« إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا » والمراد به أمير المؤمنين» والمراد به أمير المؤمنين».

* الإمام محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين عليهما‌السلام :

قال عليّ بن عابس: دخلتُ أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، فقال أبو مريم: حدّث عليّاً بالحديث الذي حدّثتني عن أبي جعفر - أي الباقرعليه‌السلام -، قال: كنت عند أبي جعفر جالساً إذ مرّ ابنُ عبد الله بن سلاّم، قلت: جعلني الله فداك، هذا ابنُ الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا، ولكنّه صاحبكم عليّ بن أبي طالب الذي أنزل الله تعالى فيه:( أَفَمَن كَانَ عَلَى‏ بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) ،( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) . (تفسير فرات ٣٦، تفسير القرطبيّ ٩: ٣٣٦، سعد السعود، لابن طاووس ٧٠، مناقب الإمام عليّ ٣١٤، وعنه في العمدة ٦١، غاية المرام ١٠٥). وللحديث طرق عن غير أهل البيتعليهم‌السلام . وقد ذكرنا حديث ابن عبّاس وهذه بعض طرقه: =

٦٥

____________________

=

* جابر بن عبد الله الأنصاريّ: مثل حديث ابن عبّاس في قصّة مجيء ابن سلاّم نصّاً، ولكن من غير شعر حسّان. (أسباب النزول، للواحديّ ١٣٣ - ١٣٤).

* أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، برواية عون عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه. (الدرّ المنثور ٢: ٢٩٤، أمالي الطوسيّ ١: ٥٨؛ وسعد السعود ٩٦ - ٩٧؛ نقلاً عن «تأويل ما نزل من القرآن» لابن الحُجّام). وبسند عن هارون بن سعيد، عن محمّد بن عبيد الله الرافعيّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي رافع. (الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨).

* أنس بن مالك: (كفاية الطالب ٣٢٨)، وفيه: إنّ سائلاً أتى المسجد وهو يقول: مَن يُقرض المليّ الوفيّ. وعليّ راكع يقول بيده للسائل، أي أخلع الخاتم من يدي. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا عمر وجبت)، قال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: «وجبت له الجنّة، والله ما خلعه من يده حتّى خلعه الله من كلّ ذنب ومن كلّ خطيئة». قال: فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيلعليه‌السلام بقوله عزّ وجلّ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية - فأنشأ حسّان - ذكرنا شعره -.

* أبو ذرّ الغفاريّ: وله كلام طويل في نزول الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام . (مجمع البيان، للطبرسيّ ٢: ٢١٠؛ العمدة ٥٩؛ الغاية ١٠٣؛ تفسير غرائب القرآن، للنيسابوريّ ٦: ١٦٧؛ نظم دُرر السمطين للزرنديّ ٨٧؛ وتذكرة الخواصّ ٢٤ - ٢٥ مرسلاً).

* عمّار بن ياسر :

عن الحسن بن زيد، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام ، قال: سمعتُ عمّار بن ياسر يقول: وقف لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام سائل، وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل. فأتى رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعلمه بذلك، فنزل على النبيّ هذه الآية:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) الآية، فقرأها رسول الله علينا ثمّ قال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه). (تفسير العيّاشيّ ١: ٣٢٧).

ويرد حديث عمّار بألفاظ مختلفة يسيراً في: مجمع الزوائد ٧: ١٧؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ الدرّ المنثور ٢: ٢٩٢؛ لُباب النقول ٩٠؛ فتح القدير ٢: ٥٠. وذكره مرسلاً في دُرر السمطين ٨٦، وذكره ابن عُقدة مختصراً في كتاب الولاية ٢٥٣ - ٢٥٤. =

٦٦

هؤلاء، وفيهم: أئمّة الهدى، وعلماء المذاهب الإسلاميّة، ورجال الحديث والتفسير... قد أجمعت كلمتهم على نزول آية الولاية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وخالفهم ابن تيميه فحكَمَ عليهم بالكذب وأخرجهم من دائرة أهل العلم.

«والعاقبة للمتّقين».

الأبدال: قال تعالى:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ

____________________

=

* عبد الله بن سلاّم: عن الواقديّ، وابن الجوزيّ، في: (ذخائر العُقبى ١٠٢؛ الرياض النضرة ٢: ٣٠٢؛ العمدة ٦٠؛ الغاية ١٠٤؛ أنساب الأشراف ٢: ١٥٠)، عن الواقديّ المتوفّى ٢٠٧ هـ في: (ذخائر العقبى ١٠٢؛ تذكرة الخواصّ ٢٤)، وعن السُّدّي وعتبة بن أبي الحكيم وغالب بن عبد الله في: (مطالب السؤول ٣١؛ شرح نهج البلاغة، للمعتزليّ ٣: ٢٧٥؛ الفصول المهمّة ١٢٣؛ الصواعق المحرقة ٢٤؛ ينابيع المودّة ٢١٢؛ نور الأبصار ٧٧، والمصنّف، لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٥ / ٦٢ و ٦٣).

ومن رجال التفسير: الجصّاص المتوفّى ٣٧٠ هـ في: (أحكام القرآن ٢: ٥٤٢)؛ وعبد الرزّاق الصنعاني المتوفّى ٢١١ هـ في: (تفسير ابن كثير ٢: ٧١)؛ والفرّاء الشافعيّ المتوفّى ٥١٦ هـ في تفسيره: (معالم التنزيل - بهامش تفسير الخازن ٢: ٥٥؛ والزمخشريّ الحنفيّ في تفسيره: الكشاف ١: ٤٢٢؛ وفخر الدين الرازيّ الشافعيّ في تفسيره ٣: ٤٣١؛ والنسفيّ في تفسيره بهامش الخازن ١: ٤٩٦؛ وعلاء الدين الخازن في تفسيره ١: ٤٩٦؛ وأبو حيّان الأندلسي في تفسيره: البحر المحيط ٣: ٥١٤؛ وابن جزّيّ الكلبيّ في تفسيره: التسهيل لعلوم التنزيل ١: ١٨١؛ ونظام الدين النيسابوريّ في تفسيره: غرائب القرآن ٣: ٤٦١ و ٦: ١٦٧؛ والبيضاويّ الشافعيّ في تفسيره ١: ٣٤٥، وابن زمنين (ت ٣٩٩ هـ) في تفسيره ١: ٢٠٤ وهو مختصر تفسير يحيى بن سلاّم).

٦٧

لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

ذكر الفخر الرازيّ في الآية أقوالاً، منها: أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام . ويدلّ عليه وجهان:

الأوّل - أنّه «أي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا دفع الراية إلى عليّعليه‌السلام يومَ خيبر، قال: «لأَدفعنّ الراية غداً إلى رجلٍ يُحبّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهُ ورسولُه»، وهذا هو الصفة المذكورة في الآية.

والوجه الثاني: أنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قولَه:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وهذه الآية في حقّ عليّ، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقّه(٣) .

ثمّ أفاض في الحديث عن نزول آية الولاية: آية التصدّق حال الركوع وأنّها نزلت في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

حديث الراية وفتح خَيْبر

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ: السابع - أي من الأدلّة على إمامة عليّعليه‌السلام - ما رواه الجمهور كافّة، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت

____________________

(١) المائدة: ٥٤.

(٢) المائدة: ٥٥.

(٣) التفسير الكبير، للفخر الرازيّ ١٢: ١٩ - ٢٠.

٦٨

الراية لأميرالمؤمنين عليّ فلحقه رمدٌ أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرّض للحرب، فدعا رسول الله أبا بكر فقال له خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، ولم يغن شيئاً ورجع منهزماً، فلمّا كان من الغد تعرّض لها عمر فسار غير بعيد ثمّ رجع؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جيئوني بعليّ، فقيل: إنّه أرمد؛ فقال: «أرونيه، أروني رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّار». فجاؤا بعليّ، فتفل بيده ومسحها على عينيه ورأسه، فبرئ، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه وقتل مرحب. ووصفهعليه‌السلام بهذا الوصف يدلُّ على انتقائه عن غيره، وهو يدلّ على أفضليّته؛ فيكون هو الإمام(١) .

قال ابن تيميه: والجواب من وجوه،

أحدها: المطالبة بتصحيح النقل؛ وأمّا قوله: رواه الجمهور، فإنّ الثِّقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي في الصحيح أنّ عليّاً كان غائباً عن خيبر لم يكن حاضراً فيها، تخلّف عن الغزاة؛ لأنّه كان أرمد، فشقّ عليه التخلّف عن النبيّ فلحقه، فقال النبيّ قبل قدومه: «لأُعطينّ الراية... يفتح الله عليه»، ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر، ولا لعمر، ولا فرّ بها واحدٌ منهما، بل هذا من الأكاذيب...(٢) .

الثاني: أنّ إخباره بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، حقّ... لكنّ الرافضة الذين يقولون أنّ الصحابة ارتدّوا بعدَ موته، لا يُمكنهم الاستدلال بهذا؛ لأنّ الخوارج تقول لهم: هو ممّن ارتدّ أيضاً...، والرافضة لا يمكنهم إقامة

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٩٧.

(٢) منهاج السنّة ٤: ٩٧ - ٩٨.

٦٩

دليل على الخوارج على أنّ عليّاً مات مؤمناً! بل أيّ دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم؛ لأنّ أصلهم فاسد...، وقول القائل: إنّ هذا يدلّ على انتفاء هذا الوصف عن غيره لا يلزم أن يكون أفضلَ من غيره، فضلاً عن أن يكون مختصّاً بالإمامة...(١) .

الثالث: أنّه لو يُدِّر ثبوت أفضليّته في ذلك الوقت، فلا يدلّ ذلك على أنّ غيره لم يكن أفضل منه بعد ذلك.

الرابع: أنّه لو قدّرنا أفضليّته، لم يدلّ ذلك على أنّه إمامٌ معصوم منصوص عليه....

جوابنا:

أمّا قولُه: «المطالبة بتصحيح النَّقْل».

فجوابه: هو المطالبة بدليل تكذيب النَّقْل؟ فلو أنّه وجد متردّياً ينكر صحّته لتمسّك به وأعرض عن الأوّلين والمتأخّرين ممّن أجمعت كلمتهم على صحّته.

وثانيّا: أذعن مُكرَهاً فصرّح أنّ الثِّقات رووُا الحديث!

وثالثاً: إنّ المصادر التي بين أيدينا أثبتَت صحّة النَّقل، ولم يذكر هو مصدراً واحداً ينفي صحّته.

قولُه: «الذي في الصحيح أنّ عليّاً كان غائباً عن خيبر...»، فإنّ هذا في حال صحّته غيرُ دافع لصحّة الحديث، من هزيمتين ثمّ دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخيراً: فتحٌ

____________________

(١) نفسه.

٧٠

على يد أبي الحسن عليٍّعليه‌السلام .

قولُه: «ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر، ولا لعمر»؛ فلعمري صدق ابن تيميه في ذلك، فصاحبها عليّعليه‌السلام وهو أهلٌ لذلك. ولكن: لم لم تكن الراية قبل خيبر لأبي بكر، ولا لعمر؟! ثمّ لم اختار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر، ثمّ عمر، فكان منهما ما ذُكِر؟

ونرى أنّ الحكمة الإلهيّة شاءت أن يرمد عليّعليه‌السلام ثمّ يأخذ الرايةَ بعدهما ويفتح الله عليه.

قولُه: «ولا فرّ بها واحدٌ منهما، بل هذا من الأكاذيب!»

نفي ابن تيميه أن يكون أبوبكر وعمر صاحبي الراية قبل خيبر، ولم يقل يوم خيبر، فكذّب فرارهما يوم خيبر بحالهما قبله في حمل الراية! لا بحالهما يوم خيبر.

وقبل الانتقال إلى بقيّة كلامه، علينا أن نتحدّث عن:

خَيْبر:

قال ابن إسحاق: حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ عن أبيه سفيان، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد. ثمّ بعث الغد عمر بن الخطّاب فقاتل، ثم رجع ولم يك فتح، وقد جهد؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرّار». فدعا رسول

٧١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً رضوان الله عليه وهو أرمد، فتفل في عينه، ثمّ قال: خذ هذه الراية، فامض بها حتّى يفتح الله عليك. قال سلمة بن عمرو بن الأكوع: فخرج والله بها يأنح - أي به نفسٌ شديد - يُهرول هرولةً، وإنّا لخلفه نتبع أثره، حتّى ركز رايته في رضم - أي حجارة مجتمعة - تحت الحصن، فاطّلع إليه يهوديّ من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب. فقال اليهوديّ: علوتُم، وما أنزل على موسى! فما رجع حتّى فتح الله على يديه.(١)

ففي هذا الذي ذكره ابن إسحاق أمور تنقض مزاعم ابن تيميه، من ذلك: أن الراية كانت مع أبي بكر، وبعده كانت مع عمر.

والأمر الآخر: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس بفرّار»، أي لا يفرّ مثل سابقيه «أبي بكر، وعمر»، وقد كذب ابن تيميه إذ قال: لم يفرّا! وثمّة أمر عوّل عليه ابن تيميه آملاً التنقيص من فضيلة لأمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ، إذ ذهب إلى القول أنّ عليّاًعليه‌السلام كان غائباً عن خيبر! ولم نجد في الخبر تصريحاً بذلك، ولا قرينة تدلّ عليه!

وثمّة أمر آخر: أنّ الهزيمة والفرار لم يكونا يوم خيبر فقط، فقد انهزم عمر يوم أحد فيمن انهزم...(٢) .

فرار الزبير

عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قال الزبير: واللهِ لقد رأيتني أنظر إلى

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٤٩.

(٢) صحيح البخاريّ ٥: ١٠١.

٧٢

خَدمِ هند بنت عُتبة وصواحِبُها مشمِّراتٍ هوارب، ما دون أخذِهُنَّ قليل ولا كثير، إذ مالت الرُّماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النّهب وخلّوا ظهورنا للخيل فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخٌ: ألا إنّ محمّداً قد قتل! فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللّواء حتّى ما يدنو منه أحد من القوم(١) .

إعراض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الزبير

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير: عرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيفاً في يده يوم أحد فقال: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله فأعرض عنّي ثمّ قال: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ قال: فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: انا آخذه بحقّه، وما حقّه؟ قال: حقّه ألاّ تقتل به مسلماً، وأن لا تفرّ به عن كافر. قال: فدفعه إليه، قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلاّ هتكه وأفراه...(٢) .

حسَدُ الزبير لأبي دجانة

قال ابن هشام: حدّثني غير واحد من أهل العلم أنّ الزبير بن العوّام قال: وجدت(٣) في نفسي حين سألتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دُجانة...،

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٦ - ١٩٧، السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٨٢، تاريخ خليفة بن خيّاط ٣٩.

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ١٩٤ - ١٩٥.

(٣) وجدتُ: أي غضبتُ؛ ولكن لم غضب الزبير إذ لم يعطه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله السيف وإنّما أعطاه لأبي دجانة، هل لمعرفة النبيّ أنّ الزبير سينكفئ مع الفرّارين، وهذا ما حصل واقعاً؟!

٧٣

والله لأنظرنّ ما يصنع؛ فاتبعته(١) ...

قال ابن إسحاق: فجعل لا يَلقى أحداً إلاّ قتله. وكان في المشركين رجلٌ لا يدع لنا جريحاً إلاّ ذفّف عليه، فجعل كلّ واحدٍ منهما يدنو من صاحبه. فدعوتُ الله أن يجمع بينهما(٢) ، فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دُجانة، فاتّقاه بدرقته، فعضّت بسيفه، وضربه أو دجانة فقتله...(٣) .

اعتزال عمر وطلحة القتال

قال ابن إسحاق: وحدّثني القاسم بن عبد الرحمان بن رافع أخو بني عديّ ابن النجّار قال:

انتهى انس بن النّضر، عمّ أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطّاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟! قدموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل؛ وبه سُمّي أنسُ بن مالك(٤) .

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٧٢ - ٧٣.

(٢) إنّ الزبير وقد فرّ من الحرب، ولم يتّعظ قبلُ إذ لم تُعطِه السيف ولكن أعطاه أبا دُجانة؛ فإنّه هنا يدعو الله تعالى أن يجمع بين أبي دجانة وفارس المشركين لعلّ الأخير يتمكّن من أبي دُجانة فيقتله!

(٣) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٧٣.

(٤) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٢٠٣، وتاريخ الطبريّ ٢: ١٩٩.

٧٤

ذكر الطبريّ: وفشا في الناس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي «رأس المنافقين» فيأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان يا قوم، إنّ محمّداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم!(١)

فرار عثمان: وفرّ عثمان بن عفّان في عدّةٍ من الرجال، حتّى بلغوا الجلعب جبلاً بناحية المدينة، فأقاموا به ثلاثاً ثمّ رجعوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فزعموا أنّ رسول الله قال لهم: لقد ذهبتُم فيها عريضةً!(٢)

وذكره البلاذريّ، وفيه:... فلقيتهم أمُّ أيمن، فجعلت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم: هاكَ المغزل فاغزل به! وكان عثمان بن عفّان ممّن ولّى يوم أحد، فعفا اللهُ عنه في عدّة من الناس(٣) .

إمرأة تذود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في وقتٍ فرّ فيه أهل الصخرة، وأهل الجلعب؛ نجد امرأةً خلّدها التاريخ هي نُسيبة بنت كعب المازنيّة؛ شهدت يوم أحد، وزوجها، وابناها؛ وخرجت معها بشنٍّ - سقاها - لها تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذٍ وأبلت، وجرحت اثني عشر رجلاً

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٢٠٣.

(٢) نفسه، ٢٠١.

(٣) سيرة ابن إسحاق ٣٣٢، أنساب الأشراف، للبلاذريّ ١: ٣٩٨.

٧٥

بسيفٍ ورمح...، فضربها ابن قميئة ضربةً بالسيف على عاتقها(١) . قال عمر: سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما التفتّ يميناً وشمالاً يوم أحد إلاّ رأيتها تقاتل دوني»(٢) .

يهوديّ يمضي شهيداً

كان مُخيريق عالماً خبراً في أحبار اليهود، فلمّا كان يوم أحد قال لليهود: واللهِ إنّكم لتعلمون أنّ محمّداً نبيٌّ وأنّ نصره حقّ عليكم، فقالوا: إنّ اليوم يوم سبت، فقال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدّته وقال: غن أصبت فمالي لمحمّد، يصنع فيه ما شاء ثمّ غدا إلى رسول الله فقاتل معه حتي قتل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مخيريق خير يهود(٣) .

فائدة

إنّ الفرار الذي أنكره ابن تيميه، قد سبقه فرارٌ وذلك يوم أحد فرّ فيه عمر، وعثمان والزبير وطلحة في رجال آخرين، فهو غير ممتنع عنهم يوم خيبر؛ وهم يعلّلون فرارهم أنّ «محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله »؛ نعم هكذا باسمه من غير ما يناسب مقامه الشريف مثل: النبيّ، أو رسول الله؛ وهذا أيضاً ليس بغريب منهم! فيومَ الخميس، وما أدراك ما يوم الخميس! لمّا اشتدّ برسول الله وجعه، فطلب ورقاً وقلم ليكتب لهم كتاباً لا يضلُّون بعده» اعترضوا وكثر لغطُهم، وقال عمر يومها: إنّ الرجل

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٨٩، أنساب الأشراف ١: ٣٩٧.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٩٤، أنساب الأشراف ١: ٣٩٧.

(٣) نفسه.

٧٦

ليهجُر»(١) ، أي: يهذي لا يدري ما يقول - أعوذ بالله من ذلك - و «إنّ الرجل» لوحدها إساءة، وأيّ إساءة لمقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ! ولذا لا نستغرب فرارهم يومَ أحد إذ صرخ الشيطانُ أنّ محمّداً قد قتل! ففرّوا ومنّوا أنفسم بالحصول على أمان من أبي سفيان، وسمّوا النبيّ باسمه، في حين وجدنا أمرأةً تناضل عن رسول الله، فجرحت اثني عشر رجلاً؛ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّها ما ذكرناه، وأنّ يهوديّاً عرف الحقَّ فاتّبعه، فمضى شهيداً!

موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام

وأمّا الإمام عليّعليه‌السلام فلم نجد في صفحة جهاده الخالدة شيئاً اسمه فرار، وإنّما النّصر معقود في رايته بعد أن عرف بالجهاد والإقدام والتضحية والشجاعة والبسالة. وليس هذا مكان الإفاضة عن مواقف أميرالمؤمنينعليه‌السلام وشجاعته ابتداءً من خروجه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الطائف - وهي أوّلُ صحبة في سفرٍ معهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) - مروراً بمبيته على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هجرته المباركة، ثمّ مواقفه يوم بدر وما بعدها... ونتوقّف عند أحد، وخيبر؛ حيث جرى عنهما كلام. وقبل الكلام عنهما يحسن الكلام موجزاً عن وقعةٍ لو لا عليّ لركب المسلمين ما هو أدهى ممّا كان

____________________

(١) المصنّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٠٣، صحيح البخاريّ ١: ٣٧، ٥: ١٣٨، ٨: ١٦١؛ طبقات ابن سعد ٢: ٢٤٢، أنساب الأشراف ٢: ٧٣٨، تاريخ الطبريّ ٢: ٤٣٦، تذكرة الخواصّ ٦٥، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٢: ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٤: ١٢٧ - ١٢٨.

٧٧

منهم يومَ أُحد؛ تلك هي وقعةُ الأحزاب، وهي غزوة «الخندق» ففي هذه الغزوة عبر نفرٌ من المشركين الخندق، فيهم فارسهم عمرو ب عبد ودّ؛ قال عمرو: من يبارز؟ فأحجم الجميع! وبرز له عليّعليه‌السلام ، فقال له: يا عمرو، إنّك قد عاهدت الله إلاّ يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين إلاّ أخذتها منه، قال له: أجل؛ قال له عليّ: فإنّي أدعوك إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإسلام؛ قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإنّي أدعوك إلى النِّزال؛ فقال له: لم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحبّ أن أقتلك، قال له عليّ: لكنّي والله أحبّ أن أقتلك. فحمي عمرو(١) عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثمّ أقبل على عليّ، فتنازلا وتجاولا، فقتله عليٌّعليه‌السلام ، وخرجت خيلهم منهزمة(٢) .

جهادُ عليّعليه‌السلام يومَ أُحد

ذكرنا بعضاً من أخبار أهل الصخرة، والجلْعَب، يوم أُحد، وحان أن ننظر في مواقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، يومئذٍ، هل استجاب لصراخ الشيطان: قُتل

____________________

(١) حَمِي: اشتدّ غضبه.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٢٣٥ - ٢٣٦، المغازي، للواقديّ (ت ٢٠٧ هـ) ٢: ٤٧١، طبقات ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) ٢: ١٦٥ و ٤: ١٣٥ تاريخ الطبريّ ٢: ٢٣٩ - ٢٤٠، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٢٢ - ٣٢٤. وجاء الخبر موجزاً في: جمهرة النسب لابن الكلبيّ (ت ٢٠٤ هـ) ١١٠، النسب، لابن سلاّم (ت ٢٢٤ هـ) نسب قريش، لمصعب الزبيريّ (ت ٢٣٦ هـ) ٤٢٦، المُحبَّر، لابن حبيب البغداديّ (ت ٢٤٥ هـ) ١٧٤، أنساب الأشراف، للبلاذُريّ (ت ٢٧٩ هـ) ١: ٤٢٩، الرَّوض الأُنُف، للسُّهيليّ (ت ٢٧٩ هـ) ٢: ١٩١.

٧٨

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فألقى بيده وفرّ؟! لقد أبلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يومَ أحد البلاء الحسن، وهذا هو شأنه في كلّ وقعة وواقعة.

ويومَ أحد هتفت الملائكة ببسالة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فبسندٍ عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: لما قتَل عليُّ بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعةً من مشركي قريش، فقال لعليّ: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي؛ قال: ثمّ أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعةً من مشركي قريش، فقال لعليّ: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحدَ بني عامر بن لؤَي؛ فقال جبريل: يا رسول الله، إنّ هذه للمواساة! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه منّي وأنا منه»، فقال جبريل: وأنا منكما. قال: فسمعوا صوتاً يقول:

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ عليّ(١)

وفي (تذكرة الخواصّ)؛ إنّ ذلك كان يوم خيبر، وقيل: إنّ الواقعة كانت يومَ

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٧، الأغاني ١٥: ١٩٢.

وقد ذُكر الهتاف في: السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣١٥، مناقب أميرالمؤمنين عليّ، للكوفيّ ١: ٥٣٤ / ٣٨٥ ومواضع أُخرى، وسنن البيهقيّ ٣: ٢٧٦، ومناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعيّ ١٩٧، المناقب، للخوارزميّ الحنفيّ ١٦٧، الروض الأنف، للسّهيليّ ٢: ١٤٣، كفاية الطالب، للكنجيّ الشافعيّ ٢٧٧، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ٣٨٠، الرياض النضرة، للمحبّ الطبريّ ٢: ١٩٠، ذخائر العقبى له أيضاً ٧٤، فرائد السمطين، للجوينيّ ١: ٢٥٢ / الحديث ١٩٥، ميزان الاعتدال، للذهبيّ ٣: ٣٢٤ / الترجمة ٦٦١٣، مجمع الزوائد، للهيتميّ ٦: ١١٤، الكامل، لابن الأثير ٥: ٢٦٠.

٧٩

أُحُد، كما رواه أحمد عن ابن عبّاس، وقيل: إنّ ذلك كان يومَ بدر؛ والأصحّ أنّ ذلك كان يوم خيبر، فلم يطعن فيه أحدٌ من العلماء(١) .

وذكر نصر الخبر موجزاً، قال: قال عليّ لأصحابه يوم صفّين: والذي نفسي بيده، لنظر إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أضربُ قُدّامه بسيفي فقال: لا سيف إلاّ ذوالفقار، ولا فتى إلاّ عليّ(٢) .

وذكروا أنّ طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال: يا معشر أصحاب محمّد، إنّكم تزعمون أنّ الله يعجّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة؛ فهل منكم أحد يعجّله الله بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه عليّ بن أبي طالب فقال: والذي نفسي بيده، لا أُفارقك حتّى أعجِّلك بسيفي إلى النار أو تعجّلني بسيفك إلى الجنّة. فضربه عليٌّ فقطع رجله، فسقط فانكشفت عورته، فقال: أنشدُك الله والرَّحِم يا ابن عمّ؛ فتركه، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه(٣) .

يذكّرنا موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام هذا، بمواقفه يوم صفّين لمّا سقط عمرو بن العاص عن فرسه، وكاد يجهز عليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فرفع عمرو رجليه وابدى سوأته! فأشاح أميرالمؤمنين وجهه ولم يقتله، وكذلك فعل معاوية،

____________________

(١) تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ ٣٢.

(٢) وقعة صفّين، لنصر بن مزاحم ٣١٥.

(٣) تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٤، الأغاني، لأبي الفرج الأصبهانيّ ١٥: ١٨٨.

٨٠

وبسر بن أبي أرطاة(1) ؛ يدرأون الموت الأحمر عن أنفسهم بعوراتهم؛ لعلمهم أنّ عليّاًعليه‌السلام رجل مبدأ يمنعه أن يبارز جباناً يستنجد بعورته عن الموت!

عدد قتلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام يوم أحد

إنّ حديث أبي رافع في شأن أصحاب الألوية الذين قتلهم أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وقد ذكرنا بعضهم، وهذا عدد آخر منهم: طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة: عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار، قتلَه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (2) .

وعثمان بن أبي طلحة بن عبد العزّى؛ ومسافع، وجلاس، وكلاب، والحارث؛ بنو طلحة بن أبي طلحة، هؤلاء من أصحاب الألوية ممّن عجّل بهم سيف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إلى جهنّم(3) . وأمّا من غير أصحاب الألوية ممّن قتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ قالوا: وقاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار، قتله عليٌّعليه‌السلام ، ومعه اللِّواء(4) . وأرطاة بن شرحبيل من بني عبد الدار، قتله عليّعليه‌السلام (5) .

____________________

(1) وقعة صفّين 424 و 469.

(2) السّيرة النبويّة، لابن هشام 3: 134، المغازي، للواقديّ 1: 307، الطبقات الكبرى، لابن سعد 2: 43، النّسب، لابن سَلام 204، المُحبَّر، لابن حبيب 177، المعارف، لابن قتيبة 160، الأغاني 15: 188، أنساب الأشراف 1: 407، تاريخ خليفة 38، تاريخ الطبريّ 2: 194.

(3) النَّسب 204.

(4) جمهرة النسب 65، النسب 204، أنساب الأشراف 1: 407.

(5) المغازي 1: 307، طبقات ابن سعد 2: 41، تاريخ خليفة 38، أنساب الأشراف 1: 407، الإرشاد للمفيد 81.

٨١

وصُؤاب، حبشيّ، غلام أبي يزيد بن عُمَير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار، قتله عليّعليه‌السلام (1) . وأبو سعيد بن أبي طلحة بن عبد العزّى، من بني عبد الدار، قتله عليّعليه‌السلام (2) . وعبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العُزّى ابن قصيّ، قتله عليّعليه‌السلام (3) . وأبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثَّقفيّ، قتله عليّعليه‌السلام (4) . وأبو أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزوميّ، قتله عليّعليه‌السلام (5) . وهشام بن أبي أُميّة المخزوميّ، قتله عليٌّعليه‌السلام (6) .

هذا هو الإمام عليّعليه‌السلام ، الذي كان إيمانه اليقين المطلق؛ فلم يكن للشيطان إليه سبيل؛( إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ) (7) فالجَمْعان هما جمع المسلمين وجمع الكفّار، واستزلّهم الشيطان: أي استفزّهم بذنوبهم ومعصيتهمُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أهلُ الصّخرةِ والجلْعَب! ولم يكن فيهم

____________________

(1) السيرة، لابن هشام 3: 134، الإرشاد 81.

(2) في: جمهرة النسب (أبو سعد)؛ السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 134، النسب 204، تاريخ الطبريّ 2: 43، الإرشاد 81.

(3) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 134، الإرشاد 81.

(4) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 135، المغازي 1: 308، طبقات ابن سعد 2: 43 و 3: 445، المعارف 160، أنساب الأشراف 1: 407، الإرشاد 81.

(5) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 135، المغازي 1: 308 - وسمّاه: أُميّة -، المعارف 160، أنساب الأشراف 1: 407، الإرشاد 81.

(6) طبقات ابن سعد 2: 43، الإرشاد 81، مختصر تاريخ دمشق 17: 321.

(7) آل عمران: 155.

٨٢

عليّعليه‌السلام ، فإنّه كرَّ وما فرّ، وقد ذكرنا بعضاً من أخباره يومئذٍ، على أنّا سنبسط البحث عند الحديث عن شجاعته التي أنكرها ابن تيميه! فعليّعليه‌السلام لم يعلِّق إيمانه الذي كان اليقين،على الحياة الدنيويّة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فهو يعلم أنّ النبيّ يموت، إلاّ أنّ الله تعالى حيٌّ لا يموت والشريعةدائمة؛ ولذا لم يكن لإذاعة الشيطان أنّ «محمّداً قد قتِل» أدنى أثرٍ في نفسه إلاّ زيادة اليقين في وجوب مجاهدة العدوّ، والغوص في لهوات الحرب، فعليّعليه‌السلام يستحيل عليه حالة الارتداد التي أصابت القومَ يومئذ:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) (1) .

قال ابن إسحاق: أي لقول الناس: قتل محمّدٌصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوّهم( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) رجعتم عن دينكم كفّاراً كما كنتم، قد بيّن لكم فيما جاءكم به عنّي أنّه ميّت ومفارقكم. ( وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ) أي يرجع عن دينه ( فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً ) أي ليس ينقص ذلك عزَّ الله تعالى ولا ملكه ولا سلطانه ولا قدرته، ( وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) أي من أطاعه وعمل بأمره (2) .

إذن: كانت هناك حالة ردّة ونكوص، وأمّا الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّه عنها خليّ، وكان ثابتاً هو ومجموعة من المجاهدين بما فيهم المرأة المجاهدة «نسيبة المازنيّة» وكوكبة الشهداء، رضوان الله عليهم.

تفسير مقاتل: ومثله ذكر مقاتل، قال:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ

____________________

(1) آل عمران: 144.

(2) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 117 - 118.

٨٣

الرّسُلُ) يقول: وهل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لو قتل إلاّ كمن قتل قبله من الأنبياء،« أَفَإِنْ مَاتَ) محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله « أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ » ، يعني رجعتم إلى دينكم الأوّل الشِّرك. ثمّ قال:« وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ » يقول: ومَن يرجع إلى الشِّرك بعد الإيمان،« فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً » ، بارتداده من الإيمان إلى الشِّرك، إنّما يضرّ بذلك نفسه،« وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » يعني الموحّدين للهِ في الآخرة(1) .

ومن تفسير قَتادة(2) :« وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ » الآية، قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم القرح والقتل، فقال أناس منهم: لو كان نبيّاً ما قتل!، فقال الله تعالى: « وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ

____________________

(1) تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) 1: 194 - 195.

(2) قتادة بن دعامة السّدوسيّ. روى عن: أنس، والحسن البصريّ، ورفيع أبي العالية الرّياحيّ، وسعيد ابن المسيّب، وشهر بن حوشب، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وأبي الطّفيل اللّيثيّ...؛ روى عنه: أيوب السّختيانيّ، وحجّاج بن أرطاة، وحماد بن سلمة، وحميد الطّويل، وسليمان الأعمش، وسعيد بن أبي عروبة، واللَّيث بن سعد، ومعمر بن راشد...

ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة. وقال: كان ثقة مأموناً حجّةً في الحديث. (طبقات ابن سعد 7: 229). وقال: توفّي سنة سبع عشرة ومائة (نفس المصدر). قال العجليّ: تابعيّ، ثقة (تاريخ الثِّقات 389 / 1380). وقال أبو داود الطيالسيّ: كنتُ أعرف حديث قتادة ما سمع ممّا لم يسمع، فغذا جاء ما سمع قال: حدّثنا أنس، وحدّثنا الحسن...؛ وإذا جاء ما لم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة (طبقات ابن سعد 7: 229).

ترجمته في: تاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 727، تاريخ الدُّوريّ 2 / 484، تاريخ خليفة 72، 109، وطبقاته 366 / الترجمة 1764...

٨٤

عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ » ، يقول: ارتددتم على أعقابكم كفّاراً بعد إيمانكم...(1) .

قال محمّد - بن زمنين -: يقال لمن كان علي شيء ثمّ رجع عنه: انقلب على عقبيه(2) .

وقد رأيت أنّنا لم ننقل عن رافضيّ - كذا -، بل ولا عن شيعيّ إلاّ مصدرين أو ثلاثة ضممناها إلى مصادر أهل العامّة، وذلك في الحديث عن موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام يومَ أحد. وأمّا عن حالة القوم الذين ألقوا بأيديهم استجابةً لنداء الشيطان! وارتدادهم، فلم نذكرها من مصدر شيعيّ أبداً، وإنّما ذكرناها من مصادر الجمهور، والمتأخّر منها هو: تفسير ابن زمنين (ت 399 هـ)، وروايته كانت عن قتادة (ت 117 هـ)؛ وقد سمعت أقوال العلماء فيه - على إيجاز ما ذكرناه - وأمّا مقاتل، وابن إسحاق فهما من أبناء القرنين الأوّل ومنتصف القرن الثاني للهجرة. ولم نذكر تفسير الطبريّ، وغيره؛ لأنّها ذكرت نفس المعنى، فراجع.

عودٌ على خَيْبر

أخرج الطبريّ بسنده، قال: حدّثنا ابن بشّار قال: حدّثنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا عوف عن ميمون، أنّ عبد الله بن بُرَيدة حدّث عن بريدة الأسلميّ قال: لمّا نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحصن أهل خيبر، أعطى رسول الله اللِّواء عمر بن الخطّاب، ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر؛ فانكشف عمر

____________________

(1) تفسير ابن أبي زمنين (ت 399 هـ) 1: 129 - 130.

(2) نفسه 130.

٨٥

وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله يجبّنه أصحابه ويجبّنهم! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لأُعطينَّ اللِّواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فلمّا كان من الغد تطاول لها أبوبكر وعمر، فدعا عليّاًعليه‌السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه اللِّواء، ونهض معه من الناس من نهض، قال: فلقيَ أهلَ خيبر، فإذا مَرحب يرتجز ويقول:

قد علمتْ خيبر أنّي مرحبُ

شاكي السلاحِ بطلٌ مُجرَّبُ

أطعنُ أحياناً وحيناً أضربُ

إذا اللِّيوثُ أقبَلَت تلَهَّبُ

فاختلف هو وعليٌّ ضربتين، فضربه عليٌّ على هامته حتّى عضّ السيف منها بأضراسه، وسمع أهلُ العسكر صوتَ ضرْبته فما تتامَّ آخر الناس مع عليّعليه‌السلام حتّى فتح الله له ولهم(1) .

قال ابن إسحاق: حدّثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خرجنا مع عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه حين بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برايته، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهلُه فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده، فتناول عليٌّعليه‌السلام باباً كان عند الحصْنِ فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح اللهُ عليه، ثمّ ألقاه من يده، فلقد رأيتُني في نفرٍ سبعة معي، أنا ثامنهم، نَجْهَد على أن نَقْلِب ذلك البابَ فما نقلبُه(2) !

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 2: 300.

(2) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 350، وعنه: تاريخ الطبريّ 2: 301.

٨٦

شِعرُ حسّان بن ثابت في المناسبة:

هزّت الواقعةُ إعجابَ حسّان بن ثابت، فأنشد بذلك:

وكان عليٌّ أرمدَ العين يبتغي

دَواءً فلمّا لم يُحِسَّ مُداوِيا

شَفاءُ رسولُ الله منه بتفلةٍ

فَبُورِكض مَرقيّاً وبُوركَ راقيا

وقال: سأُعطي الرايةَ اليومَ صارماً

كَمِيّاً مُحبّاً للرّسولِ مُواليا

يُحبُّ إلهي والإلهُ يُحبُّهُ

به يَفْتحُ اللهُ الحُصونَ الأوابيا

فأصفى بها دونَ البريّةِ كلّها

عليّاً، وسمّاهُ الوزيرَ المُؤاخيا(1)

الفرار من التبليغ!

إنّ الأحداث يُشبه بعضها بعضاً، وجميعُها يُفصح عن حقيقة ثابتة، نترك تفسيرها للقارئ وفطنته؛ من ذلك ما كان من حوادث سنة ستُ، وصلح الحُدَيبيّة، فقد: «دعا النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى أهل مكّة فيُبلّغ عنه أشرافَ قريش ما بلّغه الله تعالى، فقال: يا رسول الله، إنّي أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة منبني عديّ بن كعب أحدٌ يمنعني، وقد عرفَت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها! ولكن أدلُّك على رجلٍ هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفّان. فدعا رسولُ الله عثمان فبعثه إلى أبي سفيان...»(2) الخبر.

____________________

(1) مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعيّ 189، وكفاية الطالب، للكنجيّ الشافعيّ 98، والقاري في شرح صحيح البخاريّ 855.

(2) السيرة النبويّة، لابن هشام 3: 329، وتاريخ الطبريّ 2: 278.

٨٧

وما كان ينبغي لعمر أن يردّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتنصل عنه ويتهرّب منه، وقد أدّب الله تعالى المسلمين بالطاعة المطلقة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ لا خِيَرة لهم فيما قضى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (1) .

ونختم أخبار الفِرار! بما كان يوم حنين؛ ففي العام الثامن وقعت أمور على شاكلة يوم أحد؛ ففي هذا العام كانت غزوة حُنين، حيث اجتمعت هوازن وثقيف، وانضمّت إليهما قبائل أخرى، يريدون حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعث النبيّ إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ، وأمره أن يدخل في النّاس حتّى يعلم علمهم، ثمّ يأتيه بالخبر. فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم، فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله، ثمّ أقبل فأخبر رسول الله خبرهم، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطّاب فأخبره الخبر، فقال عمر: كذب ابن أبي حدرد! فقال ابن أبي حدرد: إن كذّبتني فربّما كذّبت الحقَّ يا عمر؛ فقد كذّبت من هو خير منّي. فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد كنت ضالاًّ فهداك الله يا عمر»(2) .

فلمّا كانت الواقعة، وقع للمسلمين ما وقع لهم بأحد من هزيمة. عن جابر

____________________

(1) الأحزاب / 36.

(2) السيرة النبويّة، لابن هشام 4: 82 - 83، والمستدرك، للحاكم 3: 51 / 4369، وقال الذهبيّ في التلخيص: صحيح.

٨٨

ابن عبد الله قال: لمّا استقبلنا وادي حُنين انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة(1) ...، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه(2) ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيّأوا وأعدّوا، فواللهِ ما راعنا ونحن منحطُّون إلاّ الكتائب قد شدُّوا علينا شدّة رجل واحد، وانشمر الناس(3) راجعين لا يلوي أحدٌ على أحد، وانحاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات اليمين ثمّ قال: أين أيّها الناس؟! هَلمُّوا إليّ، أنا رسول الله، أنا محمّد ابن عبد الله. قال: فلا شيء، حملت الإبلُ بعضُها على بعضٍ فانطلق الناس، إلاّ أنّه بقي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته(4) .

وعن أبي قتادة قال: وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم، فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلتُ له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله(5) !

تعقيب: إنّ هذه الهزائم وغيرها ممّا لم نستقصيه يفنّد مقولة ابن تيميه بشأن واقعة خيبر.

الفرار على لسان أميرالمؤمنينعليه‌السلام

أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن ابن أبي ليلى قال: قال عليّ: ما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلتُ: بلى والله، لقد كنتُ معكم، قال: فإنّ رسول الله بعث أبابكر،

____________________

(1) تهامة: ما انخفض من الأرض، وهنا المراد منه تهامة الحجاز.

(2) الشِّعاب: الطّرق الخفيّة. وأحناؤه: جوانبه.

(3) انشمر الناس: انفضّوا وانهزموا.

(4) السيرة النبويّة 4: 85، وتاريخ الطبريّ 2: 347.

(5) صحيح البخاريّ 5: 101.

٨٩

فسار بالناس حتّى رجع إليه، وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه؛ فقال رسول الله: «لأعطينّ الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرّار». قال: فأرسل إليَّ فدعاني فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئاً، فدفع إليَّ الراية، فقلتُ: يا رسول الله، كيف وأنا لا أبصر شيئاً؟! قال: فتفل في عيني، ثمّ قال: «اللّهمّ اكفه الحرّ والبرد»، قال: فما آذاني بعد حرٌّ ولا برد(1) .

وقد ذكر الحاكم فرار الشيخين؛ فبسنده عن أبي ليلى، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: يا أبا ليلى، أما كنتَ معنا بخيبر؟ قال: بلى والله، كنت معكم، قال: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتّى رجع.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه(2) .

وبسنده عن أبي موسى الحنفيّ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال: سار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر، فلمّا أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يُجبّنونه ويُجبّنهم.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه(3) .

ونذكّر مرّةً أخرى: أنّا لم نرو عن رافضيّ ولا شيعيّ، مع جلالة علماء الشّيعة! والأحاديث التي ذكرها الحاكم الشافعيّ في مستدركه على الشيخين: البُخاريّ ومسلم؛ وقد وافقه عليها الذهبيُّ تلميذُ ابن تيميه ومن المتعصّبين له

____________________

(1) المصنَّف، لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 8: 519 / 1.

(2) المستدرك على الصحيحين 3: 39 / 14338 أ. قال الذهبيّ في التلخيص: صحيح.

(3) نفسه 40 / 4340. ووافقه الذهبيّ في التلخيص وقال: صحيح.

٩٠

يعني أنّ أحاديث الفرار هي من أحاديث الصحيحين إلاّ أنّ الشيخين - على ما يبدو! - قد غَفَلا عنها، والله العالم.

الفتحُ المـُبين

إنّ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّارٍ، يفتح الله على يديه»؛ من علامات النُّبوّة؛ ذلك أنّه قد فرّ جحفلان من غير تحقيق أدنى رجاء! وبلغ الأمر بأحد هذين الجحفلين أنّ قائده رجع ينوح باللاّئمة على أصحابه، وهم يلومونه «يحبّنُه أصحابه ويجبّنهم»؛ فلو عجز عليّعليه‌السلام صار للشكِّ بنبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسحة، وذلك أنّه فرّ من فرّ قبله، ولم يك فتح على يديه كما أنبأ، إلاّ أنّ عليّاًعليه‌السلام أخذ رايته بحقٍّ وراح يهرول بها إلى خيبر، لا إلى الخلف! حتّى ركزها في أطم من آطام حصون اليهود، وقتل فارسهم «مرحب»، وقلع باب حصن عظيم كان لهم، وكان الفتح على يديه لا على يدي غيره! ولو كانت هذه الملاحم لغير الإمام عليّعليه‌السلام لرأيت الهول من ابن تيميه حتّى ألّف في ذلك مجلّدات.

في قوله تعالى:« إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً » (1) . قال ابن أبي شيبة(2) : حدّثنا وكيع

____________________

(1) الفتح: 1.

(2) هو عبد الله بن محمّد بن إبراهيم العبسيّ، مولاهم، أبوبكر بن أبي شيبة.

روى عن: أبي أسامة حمّاد بن أسامة، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن حرب، وأبي داود الطيالسيّ، وشريك بن عبد الله النّخعيّ، وعبد الله بن المبارك، وعبد السلام بن حرب، وعبد العزيز الدّراورديّ، وعفّان بن مسلم، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو معاوية محمّد بن خازم الضَّرير، =

٩١

عن أبي جعفر، عن قتادة، عن أنس:« إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً » ، قال: خيبر(1) .

الصحابة يتمنَّون الراية

بعد الذي حصل يوم خيبر، وفرار مَن فرّ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في إعطائه

____________________

= ويحيى بن سعيد القطّان، وأبوبكر بن عيّاش، وعفّان بن مسلم، وعبد الرحمان بن مهديّ، وأبو غسّان مالك بن إسماعيل النَّهديّ، ومحمّد بن فُضَيْل بن غَزْوان، ومروان بن معاوية، ووكيع بن الجَرّاح... (ذكرنا تراجم كثير منهم، وقد أجمعوا على وثاقتهم).

روى عنه: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، وابنُ ماجة، وإبراهيم بن إسحاق الحربيّ، وأبو يعلى الموصليّ، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازيّ، وعبّاس الدُّوريّ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأحمد بن يحيى البلاذريّ... (وما قيل في من ذكر عنهم، فكذلك الحال في الرُّواة عنه، والفريقان من مشاهير رجالهم وأهل الوثاقة عندهم، فما بقي إلاّ النَّظر في حال ابن أبي شيبة).

ذكره العجليّ، قال: عبد الله بن محمّد بن إبراهيم، وهو ابن أبي شيبة (كوفيّ)، ثقة، وكان حافظاً للحديث. (تاريخ الثِّقات 276 / 878).

وقال أبو عبد الله محمّد بن عُمر بن العلاء الجرجانيّ: سمعتُ أبابكر بن أبي شيبة، وأنا معه في جبّانة كندة، فقلت له: يا أبا بكر، سمعت من شريك وأنت ابن كم؟ قال: سمعت من شريك وأنا ابن أربع عشرة، وأنا يومئذٍ أحفظُ للحديث منّي اليوم. (تهذيب الكمال للمزّيّ 16: 40). قال الذهبيّ تعليقاً على ذلك: صدق والله، واين حفظ المراهق من حفظ من هو في عشر الثمانين. (سير أعلام النبلاء 11 / 124).

قال أبو حاتم: ثقة. (الجرح والتعديل 5 / رقم الترجمة 737)، ومثله قال ابن خراش. (تاريخ بغداد 10: 71)، وذكره ابن سعد في الطبقة التاسعة (طبقات ابن سعد 6: 376 / 2801)، وذكره ابن شاهين في ثقاته / الترجمة 689. مات ابن أبي شيبة سنة خمس وثلاثين ومائتين (تاريخ البخاريّ الصغير 2 / 365، وتاريخ بغداد 10: 72، وتهذيب الكمال 16: 41).

(1) المصنَّف، لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 8 / 519 / 1 - من أحاديث خَيْبر -.

٩٢

الرايةَ رجلاً يكون الفتحُ على يديه؛ تطاول أصحابُ رسول الله كلٌّ يرجو أن يكون ذلك الرجل.

ذكر النّسائيّ قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمان، عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يومَ خيبر ك «لأُعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. فلمّا أصبح الناس غَدَوا على رسول الله كلّهم يرجو أن يعطى. فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: عليٌّ يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلُوا إليه. فأتي به، فبصق رسول الله في عينيه، ودعا له فبرئ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال عليّ: يا رسول الله، أُقاتلُهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من الله، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النَّعَم»(1) .

سعد يردع معاوية

قتيبة بن سعيد البلخيّ، وهشام بن عمّار الدمشقيّ، قالا: حدّثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمر معاوية

____________________

(1) صحيح البخاريّ 0 6 / 111 - 144)، وصحيح مسلم (15 / 175 - 176)، ومسند أحمد (5 / 333)، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنَّسائيّ 39 / 16، وحلية الأولياء، لأبي نُعَيم (1 / 62)، وشرح السنّة، للبغويّ (14 / 111 - 112).

٩٣

سعداً فقال: ما يمنعُك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أنا ذكرتُ ثلاثاً قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلن أسبّه  لأن يكونَ لي واحدةٌ منها أحبُّ إليّ من حُمر النّعم: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له، وخلّفه في بعض مغازيه؛ فقال له عليّ: يا رسول الله، أتُخلّفُني مع النساء والصبيان؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما تَرضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نُبوّةَ بعدي؟!».

وسمعتُه يقول يوم خيبر: «لأُعطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ن ويحبّه اللهُ ورسولُه». فتطاولْنا إليها، فقال: أُدعوا لي عليّاً. فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه...، ولما نزلت:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللّهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي»(2) .

سعد يقمع مُبغضي عليٍّعليه‌السلام

أخرج النَّسائيّ بسنده عن سعد بن أبي وقّاص قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فقلتُ: لقد سمعتُ رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليّ ثلاثَ خصال، لأن يكون لي واحدةٌ منهنّ أحبُّ إليّ من حُمر النّعم: سمعته يقول: «إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي»، وسمعته يقول: «لأُعطينّ

____________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) مسند أحمد (1 / 185)، وصحيح مسلم (15 / 175 - 176)، ومناقب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، للنَّسائيّ 32 / 9، والمستدرك على الصحيحين (3 / 108).

٩٤

الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله»، وسمعته يقول: «مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه»(1) .

الراية من خصائص عليّعليه‌السلام

كما اختصّ أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بذي الفقار، وهو له أهل، فسطّر ملاحم البطولة والشجاعة والفداء؛ واستحقّ بذلك الهتاف الإلهيّ:

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ عليّ

فقد أختصّ براية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا صارت إلى غيره، لعارضٍ طارئ، كانت الهزيمة والفرا! فإذا عادت إلى أهلها كان النصر المؤزَّر والفتح المبين؛ فحفلت بذكرها كتب التاريخ والحديث والتراجم، وذكرها كثير منهم من طُرق عدّة واعتبرها العلماء من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما فعل النّسائيّ - وقد ذكرنا بعض رواياته - كما وجدنا المصادر الأُخرى ذكرت ذلك مع لفظ «يُفتحُ على يديه» وهو يعني أنّ ذلك من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام كما أنّ ابن أبي شيبة قد ذكر أنّ آية الفتح - في سورة الفتح / 1 - تعني فتح خَيْبر -.

المصادر

نختتم حديثنا حول الواقعة بذكرِ مصادرها:

السيرة النبويّة لابن إسحاق (ت 150 هـ)، تهذب ابن هشام (ت 218 هـ)

____________________

(1) خصائص أميرالمؤمنين: 33 / 10.

٩٥

3: 349، ومسند أبي داود الطيالسيّ (ت 204 هـ) / 320، والمغازي للواقديّ (ت 207 هـ) 2 / 654، والمُصنَّف لعبد الرزّاق (ت 211 هـ) 2 / 337 - 499، وصحيح البخاريّ (ت 210 هـ) ذكره في المغازي 5: 76، والطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230 هـ) 2: 111، والمصنّف لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 8 / 519 / 1، و 520 / 2 و 522 / 7 و 525 / 23، ومسند أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) 1 / 215 / 1120 و 1 / 160 / 780 و 544 / 3052، وصحيح مسلم (ت 261 هـ) 7 / 119، وسنن ابن ماجة (ت 275 هـ) 1: 43 - المقدّمة / 117 -، والجامع الصحيح للترمذيّ (ت 279 هـ) 13 / 171، وأنساب الأشراف للبلاذريّ (ت 279 هـ) 2 / 347، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنَّسائيّ 32 / 9، و 33 / 10، 34 / 11 و 36 / 13 و 37 / 14 و 38 / 15 و 39 / 16 و 41 / 17 و 18 و 19 و 42 / 20  و 21، و 43 / 22، و 44 / 23. وتاريخ الطبريّ (ت 310 هـ) 2 / 300 - 301، وكتاب الولاية لابن عقدة (ت 332 هـ) / 169، والثقات لابن حبّان (ت 354 هـ) 1 / 117، والمعجم الكبير للطبرانيّ (ت 360 هـ) 6 / 5818، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (ت 405 هـ) 3 / 39، و 108 و 130 - 131، ودلائل النّبوّة للبيهقيّ (ت 458 هـ) 4 / 210 و 205 و 207 - 208، ومسند أبي يعلى الموصليّ (ت 307 هـ) / 291 - 292 / 1، والاستيعاب لابن عبد البر المالكيّ (ت 463 هـ) 3 / 36، وتاريخ بغداد للخطيب البغداديّ (ت 463 هـ) 8 / 5، وحلية الأولياء لأبي نُعَيم (ت 430 هـ) 1 / 62، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ الشافعيّ (ت 483 هـ) 176 - 189 - وشرح السُّنّة للبغويّ الشافعيّ (ت 516 هـ)، 14 / 111 - 112، والمناقب

٩٦

للخوارزميّ الموفّق الحنفيّ، (ت 568 هـ) / 125، والروض الأنف للسهيليّ / 581 وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ الحنفيّ (ت 654 هـ) / 32، وكفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ (المقتول سنة 658 هـ) / 98، وأسد الغابة لابن الأثير الشافعيّ (ت 630 هـ)، 4 / 98، وتهذيب الكمال للمزّيّ السَّلفيّ (ت 742 هـ) 20 / 485، وتاريخ الإسلام للذهبيّ الحنبليّ (ت 748 هـ)، وميزان الاعتدال له 1: 263، والإحسان يترتيب صحيح ابن حبّان، عليّ بن بلبان الفارسيّ (ت 739 هـ) 9 / 43، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعيّ / اختصار ابن منظور (ت 711 هـ) 17: 344، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقيّ الحنبليّ (ت 774 هـ) 4 / 188، ومجمع الزوائد للهيتميّ (ت 807 هـ) 9: 124، وتهذيب التهذيب لابن حجر الشافعيّ 7 / 48 و 3 / 237، ولسان الميزان، له 2 / 324، وصُبْح الأعشى للقلقشنديّ (ت 820 هـ) 10 / 174.

إنّ احتفاء المصارد من منتصف القرن الثاني الهجريّ وحتّى القرن التاسع بحديث الراية، ولم نذكر مصدراً شيعيّاً! واحداً، يُعرِب عن أهمّية الحديث وعُلوّ شأنه. ولذا لا معنى لتفريعات شيخ الإسلام ابن تيميه، إذ قال:

الثاني: إنّ إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله حقّ، لكنّ الرافضة الذين يقولون أنّ الصحابة ارتدُّوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا.

الجواب: لم يجر فيما اقتبسه ابن تيميه من كلام العلاّمه الحلّيّ ذكر ردّة الصحابة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لكنّه ذكر الفرار وقد أثبتناه. وهو كما صرف

٩٧

الكلام عن يوم خيبر بما كان قبله! فقد أدخل في الكلام ما ليس فيه، وهو الردّة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وقد تكلّم القرآن الكريم عن حالة بعض الصحابة ما قبل خيبر، وقد استوفيناه.

وعقّب في تفريعه الثاني قائلاً: لأنّ الخوارج تقول لهم: هو - أي عليّعليه‌السلام - ممّن ارتدّ أيضاً.

وكلامه هذا فيه، أمور: منها: لقد وجدنا ابن تيميه في منهجه يرفع من شان الخوارج! ويذبّ عنهم، ليس في هذا الموضع فقط وانّما في مواضع أُخرى ويصفهم بأنّهم أهل عبادة، وغير ذلك، كما وجدناه يمدح الأُمويّين وعلى الأخصّ معاوية ويزيد، وهو أمر يسترعي الانتباه، مما يلزمنا دراسة بيئته الجغرافيّة والاجتماعيّة ومنحدره القبليّ ونسبه وسيرة حياته، وسنأتي على ذلك إن شاء الله تعالى.

وقوله هذا فيه تنصيصٌ على ما اختلقه من القول بردّة الصحابة؛ ذلك أنّ الخوارج تقول بأنّ عليّاًعليه‌السلام أيضاً ارتدّ؛ فالصحابة إذن قد أرتدُّوا وفيهم عليّعليه‌السلام ، على ما نسبه إلى الخوارج.

أضاف: والرافضة لا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على أنّ عليّاً مات مؤمناً! وهذا نظير قوله: «الرافضة تعجز عن إثبات إيمان عليّ وعدالته...، فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم»(1) .

____________________

(1) منهاج السنّة 1: 162.

٩٨

وقبل الكلام عن إيمان أميرالمؤمنينعليه‌السلام نذكّر بأنّ حكم قضاة المذاهب الأربع على ابن تيميه بالنفاق لتنقّصه أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام وقوله فيه أنّه أسلم صبيّاً لا يدري ما يقول! وحكمه بالفسق والزندقة لسوء عقيدته بذات الله تعالى والأمر الذي آل إليه من تعزير وتشمير به في شوارع دمشق مضروباً بالدّرة، فالسجن ثلاث مرّات، فكتب في المرّة الأولى والثانية توبته ورجوعه عن عقيدته، فإذا خرج عاد إلى ما كان عليه، وفي المرّة الثالثة لم تقبل له توبة، فمات في قلعة دمشق!

فالردّة التي تكلّم عنها ليس هو منها ببعيد! وأمّا ما نسبه إلى العلاّمة الحلّيّ، فقد ذكرنا أنّها لم تكن في النصّ الذي من كلام الحلّيّ، وإنّما هو من كلام الله تعالى في الذين استجابوا لصراخ الشيطان يوم أحد: «ألا إنّ محمّداً قد قُتل!» فمنهم من فرّ إلى الجلعب وبقي ثلاثة أيّام، ثمّ عاد مع رفقته بعد أن اطمأنّوا بانتهاء الوقعة، وسلامة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . ومنهم: أصحاب الصخرة الذين بلغ بهم الأمر أنّهم قالوا: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبَيّ؛ فيأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان! فأنزل الله تعالى فيهم توبيخاً لهم:!( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) (1) .

وقد ذكرنا أقوال ثلاثةٍ من العلماء، المتأخّر منهم هو: ابن زَمْنين (ت 399 هـ)

____________________

(1) آل عمران: 144.

٩٩

وقد نقل ابن زمنين تفسير قتادة (ت 117 هـ) للآية، فبين ابن زمنين وابن تيميه «329 سنة» وبين قتادة وابن تيميه «611 سنة». قال قتادة: قال أُناس منهم: لو كان نبيّاً ما قُتل! وفي تفسير الانقلاب، على الأعقاب قال: يقول ارتددتم على أعقابكم كفّاراً؟! وذكرنا قول ابن إسحاق، ومقاتل، وكلاهما توفّيا سنة 150 هـ فليس بينهما وبين ابن تيميه إلاّ «578 سنة»! وكلامهما قريب من قول قتادة؛ فابن إسحاق قال رجعتم عن دينكم كفّاراً كما كنتم؟! ومقاتل قال: رجعتم إلى دينكم الأوّل الشِّرك؟! ومثله ذكر الطبريّ في تفسيره وللمشابهة أحلنا القارئ إلى مراجعته.

وكما قلنا: إنّ العلاّمة الحلّيّ ليس من أبناء تلك العصور، إنّما هو من أبناء عصر ابن تيميه، ولم يكن في النصّ الذي اقتبسه ابن تيميه ردّة كما قلنا أكثر من مرّة - من كتاب الحلّيّ؛ فبات: أنّ القائل بردّة الصحابة هو ابن تيميه! فإذا أراد أن يقول: إنّما قال الرافضيّ! في موضع آخر؛ فجوابنا قد مضى وفيه أنّ النصّ الذي ذكره الابن تعود إلى ابن تيميه ولذلك يقال الأبناء ويقصد ابن تيميه وابن كثير وابن قيّم... ليس فيه إشارة إلى ردّة. فإذا قيل: إنّ ابن تيميه إنّما ذكر أن الرافضة تقول بردّة الصحابة، والحلّيّ منهم؛ فهو ممّن يقول ذلك.

فجوابنا: كان عليه أن لا يُحمَّل الكلام ممّا ليس منه؛ فقد ذكر العلاّمة الحلّيّ واقعة خيبر، والفرار، وإعطاء الراية عليّاًعليه‌السلام والفتح على يديه. والردّة - التي هي الفرار بتفاصيله - مضى ذكرها.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492