ابن تيميه الجزء ٣

ابن تيميه25%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 238

  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41937 / تحميل: 6446
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية ، فإنّ له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية ، لأنّه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة ، والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً.

إنّ الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ، ولكن مع تحمّل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجيمع.

٤ - الشعور بالنقص:

قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يَجْنح الإنسان للسير في خُيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة.

ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية - وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس - إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين.وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة.

أمّا أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي ، فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم.

تقييم الذات:

القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ، ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور.

وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما

٦١

ولكل منهما ؛ والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان.ولا مجال هنا لأي محاولة ، أو سعي ، لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية.

إنّ حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودّة التي تربط الطرفين بوشائج متينة ، حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد.وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً.

ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه - مهما بلغ من العلو - في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر ؛ الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك.

ضرورة التغيير:

إنّ مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن ، بروح المحبة.ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما.ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل.

أيَّة لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصَغَار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأيَّ مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.

نعم ، إنّ الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعيَ مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء

إنّ أدبياتنا كمسلمين ، تدعونا - ومن أجل إسعاد الآخرين - إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة.

٦٢

طريق الحياة المشتركة:

أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ، ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش.وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً - هو الآخر - لا غبار عليه.ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنّه المعشوق الوحيد في هذا العالم.

على أنّ هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر ، بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام.ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها.

لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها ، فضلاً عن استقصائها ، ولا يليق بالإنسان - كإنسان - أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته.

اجتناب المعاملة الفظّة:

وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الأُلفة والمحبة بينهما ، وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق - مثلاً - أو الرؤية ، بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة ، التي تتناقض مع الحب والمودّة ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش.

إنّ الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإنّ طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح.وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر ، فإنّ هذا يستدعي الشكر لله والثناء عليه ، لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته.

٦٣

الفصل السادس

تعيين الحدود

الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل الحرية ، هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتُقَدِّم - من أجل تحقيقها - الغالي والنفيس.

للحرية جذورها في أعماق الإنسان ، بل وحتى الحيوان.فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوّة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر ، والعودة إلى دنيا الحرية.وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً.

أمّا الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود.

الحياة العائلية والحدود:

لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها.وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإنّ حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام - إذا صح

٦٤

التعبير - ؛ ذلك لأنّ الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلاّ أنّها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير.

فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه ، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار ( الآخرين ) في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة.

وإذن ، فإنّ هناك حدّاً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة ، والحياة المشتركة.وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع ؛ باعتبار أنّ الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية ، وقد يشعر بالغضب عندما يرى أنّ حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب ؛ يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ، ريثما تتوفر الأرضية المناسبة.وفي غير هذه الصورة ، سوف يَجْنَح الرجل إلى الاستبداد في رأيه ، وربّما النزاع.

وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً ، بأنّ زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأنّ الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات.

على هامش الحدود:

من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود ، يمكن إدراج ما يلي:

١ - تنظيم الحضور:

وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك.ولذا ، فإنّ على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده ، بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أنّ المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت.

ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك ، دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة.وخلاصة المسألة أنّه ينبغي على الزوجين

٦٥

تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار.وفي المقابل ، إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته، فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع.

٢ - المعاشرة:

المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة ، وأسسها ، وما يتعلق بها.غير أنّنا نجد - ومع الأسف - ممارسات قمعية لدى أحدهما ، تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة.

فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما ، تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يودُّ أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنّه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد.

٣ - التقيد في الإجراءات:

قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب - مثلاً - لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات ممّا يؤدي إلى النزاع والمواجهة.

قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربّما تعرّض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا.

إنّ التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصِدامي ، ينبغي على الزوجين أن يفكّرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات.

٤ - في الميزانية:

ربّما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق ، وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك.إنّ الكرم والسخاء في حياة

٦٦

الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحدّ المعقول في ذلك.

إنّ البُخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة.إنّنا - ومع الأسف - نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنّهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ، ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.

٥ - الطمأنينة وراحة البال:

نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً: نجد زوجاً يقضي جلَّ نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ، ثمّ يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق.

أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر ، تدير شؤون بيتها ، وترعى صغارها ، وتغسل الثياب ، وتطهو الطعام ، وعندما يحلّ المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها: لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تكْوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً ، أو لم تجد الوقت الكافي لكي تكوي له ثيابه - مثلاً -.إنّ محاولات كهذه ، وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة ، إلاّ أنّها تهدد الكيان الأسري بالخطر.

٦ - طرح الأسئلة:

تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها

٦٧

أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل ، حتى يتحوّل الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنّها تشعر بالمرارة لذلك.وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار.

وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية ، وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن ، حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن.ولذا ، فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة ؛ لأنّ صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإنّ صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر.

الأسباب:

ومحاولةً للإشارة إلى بواعث تلك القيود ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الجهل:

قد تتصور المرأة أنّ عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به.وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أنّ زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأنّ المنزل مجرّد مكان للاستراحة والاسترخاء.ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ، ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر.

٢ - سوء الظن:

قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن ، الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي.ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أنّ من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ، ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام.وإذن ، ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد

٦٨

الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك ؛ وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري.

٣ - إيحاءات الآخرين:

ربّما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة ، انطلاقاً من نوايا مغرضة ، وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد - ومع الأسف - بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أُسر تعيش في حالة من الصفاء والمودّة ، وممّا يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات ، ممّا يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع

وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة ، وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات.

٤ - النرجسية:

وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، انطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أنّ بعضهم إنّما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين.

٥ - غياب الحب:

وأخيراً يقف غيابُ الحبِّ كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة، أو بإهانة مقصودة ، أو بفرض بعض الحدود ؛ لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار.

ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته ، أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنّما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب

٦٩

الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل ، من قبيل: الحرية ، والأنانية ، والتكبر ، والإعجاب بالنفس ؛ لكي يتسنّى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام.

ضرورة استمرار الحياة الزوجية:

ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممّن يهدفون - ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم - إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ، ولا يمكن التنبؤ به أبداً.

وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون - ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة - انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أنّ العنف لا يمكن أن يولّد الحب الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي.

إنّ الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب ، وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه.

٧٠

الفصل السابع

تحمّل الآخر

من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الأُلفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكنّنا - ومع الأسف الشديد - نجد البعض - وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة - يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمّل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه ، ممّا يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر.

وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمّل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض ، انطلاقاً من أنّ معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء ، إلى حدٍّ ما.

صور متعددة:

تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إنّ لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلاّ الطاعة والتسليم.

فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية ، لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء ، وبسبب أي شيء لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني ؟ ولماذا الطعام الفلاني غير

٧١

جاهز ؟ لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أنّ الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأنّ تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل ، تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء.

وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء ، يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين ، أو أمر معين ، أو نهي محدد.فإنّ كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً ، وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه.

إنّ مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء.

سوء الخلق:

إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول: بأنّها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس ، وتحوِّله إلى هشيم تذروه الرياح.

لقد أثبتت الدراسات أنّ سوء الخلق ، والإساءة في التعامل ، وعدم التحمل ، يؤدي إلى الشيخوخة.حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً ، أنّ أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنّما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمّل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أنّ الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.

إن الأجواء المتشنجة والمتوترة ، التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة ، تعرِّض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضّة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.

٧٢

البواعث:

للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - غياب التفاهم:

إنّ غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أنّ التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك.وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف.وممّا يبعث على الأسف أنّ الزوجين - وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة - قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.

٢ - الفوضى في الحياة:

هناك الكثير من الأفراد ممّن يهتمون بالنظام إلى حدٍّ يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.

وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل - مثلاً - إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه.ربّما يعتبر البعض أنّ الأمر ليس بهذه الخطورة ، ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك.إنّ ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تُحمد عقباه.

٣ - الإجهاد في العمل:

ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب.وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أنّ العمل المتواصل، والإرهاق ، قد أضعف

٧٣

أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ، ودون رحمة ، ودون سبب وجيه ولو في الظاهر.

وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء ، من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً ، يجعلهن في النهاية جنائز - إذا صح التعبير - حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.

إنّنا نوصي الأزواج - نساء ورجالاً - في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.

٤ - الاضطراب الفكري:

قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني ، وتعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.

إنّ هذه المشاكل ، وما يتبعها من وسوسة فكرية ، تجعلهم سريعي الإثارة ، قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنّهم ينفجرون لأقلّ اصطدام ، ممّا يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.

٥ - عوامل خارجية:

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً: يعمل الزوج في مكان ما ، ثمّ يحصل له نزاع مع زملائه في العمل ممّا يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته، لسبب أو لغير سبب.أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفَّهة ، فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة ، التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكّي والبكاء.

ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات ، عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.

٧٤

٦ - عدم التحمّل:

قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها.قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنّه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفّي عنّي ؟! دعيني وشأني.

وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً ، مثلاً: ينتظر الزوج طعاماً ، ولكنّ الزوجة ، ومن أجل إعداد طعام لذيذ ، تتأخر قليلاً.عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها.وربّما يكون المرض علّة وراء عدم التحمّل أيضاً ، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفّر أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ، ثمّ سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.

٧ - انعدام التوازن النفسي:

نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي ، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً ، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصَغار والذلّة ، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم ، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك ، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب ، فيصبّون غضبهم على هذا وذاك ، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة ، حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم ، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.

ولا شك أنّ ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج ، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ أولئك لا يدركون أنّهم يعانون من حالة مرضية ، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.

٨ - غياب المداراة:

وأخيراً: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة.

٧٥

الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب ، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمّل.

يقوم بعض الأزواج - ومع الأسف ، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه - بمصارحة زوجه بعيوبه ، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات ، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للانتقام في المستقبل.

أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل ، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً ، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ، ويؤدي إلى أطيب النتائج.وفي كل ما ورد من أسباب يتحمّل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء ، قد يتحمّل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع ، وقد تتحمّل المرأة المسؤولية كاملة ، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد.

وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية.

ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقّل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة.

ضرورة ضبط النفس:

من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء ؛ إنّ المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة.ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة

٧٦

التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء.إنّنا إذ نخاطب الرجل في ذلك ؛ لِعِلمنا جميعاً بأنّه أقل عاطفية من المرأة. وقد ورد في الروايات أنّ من يتحمّل أذى زوجته ولا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين.

إنّ التحمّل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة.

السعي الدائم للتفاهم:

من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة.

إنّ الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنّها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر ، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما.

فقد تكون زوجتك عصبية المزاح - مثلاً - وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما، هذا إذا قررت العيش معها.فالإرادة دائماً - وكما يقول المثل - تصنع الوسيلة.

إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً.

التأثير الأخلاقي:

من الجدير بالذكر أنّ الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير ، سواء كانت حسنة أم سيئة ؛ إنّ نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك ، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها ، وينعكس على تصرفها ،

٧٧

وبالعكس ؛ ذلك أنّ النفس الإنسانية تبدو ، في بعض الأحيان ، وكأنّها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة.فإذا بدت زوجتك عنيفة حادّة الطبع عصبية المزاج ، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء.

إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خِلدها وما يعتمل في قلبها ، ولا شك أنّ إدراك ذلك سيساهم في حل المشكلة ، أو التخفيف من حدتها على الأقل.

٧٨

الفصل الثامن

الأهداف المادية

الزواج رباط إلهي مقدس ، والحياة الأسرية حياة سامية.ولذا ، فإنّ تشكيل الأسرة ينبغي أن ينهض على أسس رفيعة ومن أجل أهداف عالية ، لكي يمكن لها الديمومة والاستمرار والثبات.

إن ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك ما أيّدته التجارب والمشاهدات اليومية ، لَيؤكد بأنّ الزواج الذي يقوم على أساس الجمال أو الثراء هو زواج لا بدّ وأن ينتهي إلى الإخفاق والفشل ، ذلك أنّ هذه الأهداف قصيرة المدى ضعيفة الأساس ، خاوية المعنى ، وهي سرعان ما تنهار ، وبالتالي ينهار البناء برمّته.

إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل والمتبادل لكرامة الإنسان وإنسانيته ، وهو أمر - ومع بالغ الأسف - قد قوضّته إلى حد ما المدنية الحديثة.

وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد أزواجاً أو زوجات ، ومن أجل مظاهر الحياة الدنيا - يحوّلون بيوتهم ، التي ينبغي أن تكون أعشاشاً دافئة ، إلى ميادين للحرب والصراع ، حيث يكون همّ كلّ منهما قهر صاحبه.

تأمين الميزانية:

لا ريب في أنّ الحياة الأسرية تحتاج ، ومن أجل تسيير شؤونها اليومية إلى ميزانية يمكنها تغطية الحاجات الأساسية ، وغير الأساسية ، بشكل متوازن.إن النظام الإسلامي يجعل هذه المسألة من مهمّات الرجل التي لا تقبل

٧٩

نقاشاً ، حتى لو بلغت المرأة من الثراء حداً يمكنها القيام بذلك.ولذا ، فليس من حق الرجل أن يمدّ عينيه إلى ثروة زوجته ، أو يقرر له حقاً فيها ، أو يأمرها بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة.

وفي مقابل هذا يوصي الإسلام المرأة أن تتكيف مع المستوى المعاشي لزوجها ، وأن تنتهج منهجاً معتدلاً في الإنفاق بما يتوافق مع إمكانات الرجل ، وأن لا تفعل ما من شأنه أن يدفع بالزوج إلى مضاعفة عمله والإجهاد من أجل تغطيه نفقات البيت ، أو يدفعه - لا سمح الله - إلى ارتكاب الحرام من أجل ذلك.وهذه المسألة نراها واضحة جلية في حياة الأزواج من الشباب ، فمن أجل إثبات حبهم يتمسكون بهذا الجانب دون رعاية لوضعهم الاقتصادي.

وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات ذات الصبغة المادية ، والتي غالباً ما تؤدي إلى شلّ الحياة المشتركة أوالتفكير بالانفصال ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الوعود الكاذبة:

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنذ بعض الزيجات تنهض على أساس خاطىء حيث يكون الهدف - مثلاً - كسب الثراء والتمتع بأملاك الطرف الآخر.

ومن أجل هذا يقوم البعض بدور الثري ويحاول من خلال ذلك النفوذ إلى قلب الفتاة وأهلها ، وبالتالي موافقتهم على الزواج على أساس بعض الوعود ، ثمّ سرعان ما تظهر الحقيقة كاملة ولكن بعد فوات الأوان وحينها ينشب النزاع.

وقد يحصل ذلك حتى بعد الزواج حيث تشترط الزوجة ذلك ، فيقوم الزوج ، ومن أجل إثبات حبه لها ، بإطلاق الوعود الذهبية التي لا تجد لها في أرض الواقع مكاناً مما يؤدي بالزوجين إلى النزاع.

٢ - الكماليات:

من أسباب النزاع في الحياة الزوجية ، بل وحتى الوقوع في الحرام

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

جنّة ولا نار!(١) .

ودخل حميد الطوسي على أمير المؤمنين وعنده بشر المريسي، فقال أمير المؤمنين لحميد: أتدري من هذا يا أبا غانم؟ قال: لا ز قال: هذا بشر المريسي! فقال حميد: يا أمير المؤمنين هذا سيّد الفقهاء، هذا قد رفع عذاب القبر، ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، انظر هل يقدر أن يرفع الموت؟ ثمّ نظر إلى بشر، فقال: لو رفعت الموت كنت سيّد الفقهاء حقّاً(٢) .

وكان يزيد بن هارون يقول: المريسي حلال الدم يقتل(٣) .

وعن الشافعيّ قال: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر؟ فقال: لا. فقلتُ له: فقد قتل الحسن بن علي بن أبي طالب [عليهما‌السلام ] ابن ملجم،، ولعليّ أولاد صغار؟ فقال: أخطأ الحسن بن عليّ. فقلت: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟! قال: وهجرته من يومئذ(٤) .

حكم الفقهاء على المريسيّ

وكما أطبقت كلمة الفقهاء في تكفير وزندقة وفسوق الخلف ابن تيميه؛

____________________

(١) تاريخ بغداد ٧: ٦٥.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه: ٦٧.

(٤) نفسه: ٦٥.

١٠١

فكذلك السلف، وقد ذكرنا بعض الفقهاء ونذكر آخرين:

قال شبابة بن سوار: اجتمع رأيي، ورأيي أبي النّضر هاشم بن القاسم، وجماعة من الفقهاء، على أنّ المريسي كافر جاحد، أرى أن يستتاب، فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه(١) .

قال يزيد بن هارون: المريسي حلال الدم، يقتل(٢) .

وقال: حرّضت أهل بغداد على قتل بشر المريسي غير مرّة(٣) .

ولما مات بشر المريسي، لم يحضره أحد من أهل العلم إلاّ عبيد الشونيزي، فلمّا رجع من جنازة المريسي، قالوا له: يا عدوّ الله! تنتحل السنّة والجماعة وتشهد جنازة المريسي؟! قال: أنظروني حتّى أخبركم.

ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته، لما وض في موضع الجنائز قمت في الصفّ فقلت:...، اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر، اللّهمّ فعذّبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذّبه أحداً من العالمين، اللّهمّ عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللّهمّ فخفّف ميزانه يوم القيامة. اللّهمّ عبدك هذا كان ينكر الشفاعة، اللّهمّ فلا تشفّع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة؛ قال: فسكتوا عنه

____________________

(١) تاريخ بغداد، ٧: ٦٧.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

١٠٢

وضحكوا(١) . وعن الحسن بن عمرو الشيعي المروزي قال: سمعت بشر بن الحارث - الحارفي الزاهد المعروف - يقول: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق، فلو لا أنّه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته، هكذا قولوا!(٢) .

مات المريسي سنة ثمان عشرة ومائتين.

عود على الكوثري

ومن كلام له في مخازي ابن تيميه وتلميذه ابن القيّم، قال:

«وقد سئمت من تتبّع مخازي هذا الرجل المسكين الذي ضاعت مواهبُه في شتّى البدع، وفي تكملتنا على (السيف الصقيل) ما يشفي غلّة كلّ غليل إن شاء الله تعالى في تعقّب مخازي ابن تيميه وتلميذه ابن القيّم»(٣) .

والسيف الصقيل، ذكرناه سابقاً، واسمه الكامل: «السيف الصقيل في الردّ على ابن زفيل»، للإمام تقي الدين عليّ بن عبد الكافي السبكي (ت ٧٥٦ هـ) يردّ فيه على نونيّة ابن القيّم، التي شايع فيها استاذه ابن تيميه حذو النعل بالنعل، فانتصر له في كلّ ما شذّ وناقض المعقول والمنقول فانتصر له في القول بالجبر،

____________________

(١) نفسه ٧٠.

(٢) تاريخ بغداد، ٧٠: ٧.

(٣) مقالات الكوثري، ٩٣.

١٠٣

والتجسيد لذات الله جلّ وعلا حيث أثبت المائن لله تعالى وجها وساقا وأصابع، وأنّ له نحراً يبديه لعدوّه، وأنّه يضحك عندما يثب الفتى من فراشه لقراءة القرآن، وأنّه ينزل ويصعد، وأنّ الله تعالى على عرشه حقيقةً، وأنّ لعرشه أطيطاً، وأنّه يجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة معه على العرش، وأنّه سبحانه يتكلّم بحرفٍ وصوت، وهو في جهة يُشار إليها...

والتكملة هي لمحمّد زاهد بن الحسن الكوثري، على حاشية السيف الصقيل. وقد أفاض وأجاد في الردّ على ابن القيّم وشيخه ابن تيميه. وقد ذكر في تكملته أنّ ابن القيّم الذي رافق شيخه ابن تيميه ثلاث مرّات في السجن بقلعة دمشق، كلّما أعلنا التوبة عن سوء معتقدهما فاُفرج عنهما، عادا إلى فتنتهما، حتّى واتت ابن القيّم الفرصة ليتحرّر من السجن ومات شيخه في السجن ضحيّة زيغه. ولم يرجع ابن القيّم عن تلك الآراء الضالّة، ولم تكن توبته صادقة، وقد أشار الكوثري إلى ذلك، قال: «ويظهر من ذلك أنّ نونيّة ابن القيّم لم تكن تذاع في ذلك العهد إلاّ سرّاً وكفى هذا سعياً بالفساد، ولا يحسبنّ القارئ أنّ ابن القيّم ربّما يكون ناب وتاب عن هذه العقيدة الزائغة التي احتوتها تلك القصيدة، فإنّه يرى في ترجمته من طبقات الحنابلة لابن رجب، أنّ ابن رجب سمعها من لفظ ابن القيّم عام وفاته وهذا من الدليل على أنّه استمر على هذا المعتقد الباطل إلى

١٠٤

أواخر عمره وعددُ أبياتها ستّة آلاف بيت إلاّ واحداً وخمسين بيتاً»(١) .

وعن منهج ابن القيّم وأسباب ضلاله، قال: «ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيّم كان بمتناول يده من كتب الفرق التي كانت دمشق امتلأت بها بعد نكبة بغداد ونكبة البلاد الشرقيّة باستيلاء المغول عليها ما يزداد به غواية إلى غوايته، وقد حشد في مؤلّفاته ما لم يفهمه وما لم يهضمه من أقوال أرباب النحل شأن من خاض في المسائل النظريّة الخطرة من غير أستاذ رشيد، فحصل في تفكيره ما يحصل في معدة الشره المتخوم فأصبحت مؤلّفاته حشد الأقوال المتناقضة ولم ينخدع بها إلاّ من ظنّ أنّ العلم هو حشد المصطلحات من غير نظام يربط بعضها ببعض وبدون تمحيص الحقّ من الباطل»(٢) .

فالكوثريّ يرى أنّ ابن قيّم الجوزيّة تابع هوى غاوياً ولم يفد من كتب الفرق إلاّ ما يزيده غواية وضلالاً، إذ لم يأخذها من أستاذ رشيد، وفيه إشارة إلى أستاذه ابن تيميه.

وفي ردّ له نونيّة ابن قيّم، التي وصف بها أهل السنّة أنهم من حزب جنكزخان المغولي! قال:

«انظر هذا الحشوي كيف يجعل أهل السنّة المنزّهين لله عن الجسم والجسمانيات من حزب جنكزخان الذي اكتسح العالم الإسلاميّ من بلاد الصين

____________________

(١) تكملة السيف الصقيل، للكوثري، ٢٤.

(٢) نفسه، ٢٥.

١٠٥

إلى حدود الشام غرباً و...، ذلك الكافر العريق في الكفر، المسوّد لتاريخ البشريّة بعظائم همجيّته. ولم تزل أعين المسلمين تفيض دماً على تلك الكوارث التي قضت على تلك العلوم الزاهرة وعلى هؤلاء العلماء النبهاء حرّاس الشريعة الغرّاء؛ حتّى أصبح مثل الناظم يجد مجالاً للكلام بمثل هذه المخازي، كأنّه وشيخه كانا يحاولان القضاء على البقيّة الباقية من الإسلام، ومن علوم الإسلام، إتماماً لما لم يتمّ بأيدي المغول، لكنّهما قضيا على أنفسهما ومداركهما قبل أن يقضيا على السنّة باسم السنّة، وعلى عقول الناس باسم النظر. عاملهما الله سبحانه بعدله»(١) .

كلمة هادئة إلى الوهّابيّين

ونحن نسألكم أيّها المقصّرين المحلّقين الوهّابيّين التيميّين؛ هل أنتم من أهل السنّة، أم أنتم معادون لأهل السنّة مقتدون بالأبناء: ابن تيميه ورفيقه ابن القيّم، وابن عبد الوهّاب النجدي التميميّ، وحكمكم على أهل السنّة أنّهم من حزب جنكزخان، اقتداءً بأسلافكم، ولذا أنتم ماضون على سيرة سلفكم في القضاء على البقيّة الباقية من الإسلام الذي تتحاوشه قوى الكفر والصهيونيّة؛ ولن يفلحوا ولن تفلحوا حتّى ترجعوا إلى الإسلام وتتوبوا إلى الله تعالى قبل حضور الأجل!.

وقال الكوثري، معقّباً على ردّ السُّبكي على قول ابن القيّم في كلام الله

____________________

(١) تكملة السيف الصقيل: ٤٢.

١٠٦

تعالى، فقد قال السبكي:

هذا الذي ابتدعه ابن تيميه والتزم به حوادث لا أوّل لها...، فالذي التزمه من قيام الحوادث بذات الربّ لا ينجيه بل يرديه، وهذه آفة التخليط والتطفّل على العلوم وعدم الأخذ عن الشيوخ(١) ». فعقّب الكوثري بقوله: «فيكون محلاًّ للحوادث، تعالى الله عن ذلك، وابن تيميه تابع الكرامية في ذلك وأربى عليهم في الزيغ...

والناظم من أتبع الناس لابن تيميه في سخافاته، وقد نقل ابن رجب في طبقاته عن الذهبيّ في حقّ ابن تيميه (أنّه أطلق عبارات أحجم عنها الأوّلون والآخرون وهابوا وجسَر هو عليها». فيدور أمره بين أن يكون مصاباً في عقله أو دينه، فتبّاً لمَن يتّخذ مثله قدوة)(٢) .

نكتفي بهذه القبسات من أقوال الكوثري في ابن تيميه ورفيقه ابن القيّم وأتباعهم من أهل الضلال، ولو تقصّينا كلامه في ذلك لكان كتاباً مستقلاًّ.

٦٥ - الفقيه الشيخ سلامة القضاعي العزامي الشافعي (ت ١٣٧٦ هـ).

قال: «والعجب أنّك ترى إمام المدافعين عن بيضة أهل التشبيه، وشيخ إسلام أهل التجسيم ممّن سبقه من الكرامية وجهلة المحدّثين الذين يحفظون وليس لهم فقه فيما يحفظون؛ أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تَيمِيه، يرمي

____________________

(١) السيف الصقيل، للسبكي، ٥٩.

(٢) تكملة السيف الصقيل، للكوثري، ٥٩.

١٠٧

إمام الحرمين، وحجّة الإسلام الغزالي، بأنّهما أشدّ كفراً من اليهود والنصارى في كتابه (الموافقة) المطبوع على هامش منهاجه، لقولهما بالتنزيه، وهما لم ينفردا به بل هو قول المحقّقين من علماء الملّة الإسلاميّة من الصحابة فمن بعدهم إلى زمانه وكانت وفاته في القرن الثامن، إلى زماننا وإلى أن يأتي أمر الله»(١) .

أجمل بك يا شافعيّ من ردّ! فنحن نقرأ ونسمع عن علماء المسلمين المدافعين عن بيضة الإسلام، وذبّهم في نقض شُبَه اليهود والنصارى والملحدين فوصفت ابن تيميه بما يستحق: فهو إمام المدافعين عن بيضة أهل التشبيه من أفراخ السامرة؛ وما ألطفك وأصدقك إذ أوضحت تسمية التيميين لإمامهم بـ (شيخ الإسلام)، فقلت: (شيخ إسلام أهل التجسيم)؛ فهم من الإسلام فرّوا وفي الزندقة وقعوا، ولا نقول هذا جُزافاً وإنّما كلامه حكم عليه، وعلماء عصره قد حكموه بالزندقة والفسق والكفر، ولم يكن القاضي الشافعي متفرّداً في أحكامه هذه، لكنّما المالكيّ والحنفيّ معه، وانضمّ الحنبليّ إليهم؛ فصار كفره إجماعاً.

٦٦ - الفقيه الشيخ نجم الدين نجل الشيخ محمّد أمين الكردي الشافعي، من علماء النصف الأوّل للقرن الرابع عشر الهجري.

قال: «فقد نجمت في القرون الماضية بين أهل الإسلام بدعٌ يهوديّة من القول بالتشبيه والتجسيم والجهة والمكان في حقّ الله تعالى، ممّا عملته أيدي

____________________

(١) فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان، سلامة القضاعي، ٦١، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

١٠٨

أعداء الإسلام تنفيذاً لحقدهم عليه، ودخلت الغفلة على بعض أهل الإسلام، والمؤمن غرّ كريم، فقيّض الله لهذه البدع من يحاربها وهو السواد الأعظم من علماء هذه الأمّة وقد أثمر سعيهم ولله الحمد، فصارت بفضل جهادهم كالمتحرّك حركة المذبوح، حتّى إذا كانت أوائل القرن الثامن أخذت هذه البدع تنتعش إلى أخوات لها لا تقلّ عنها خطراً على يد رجل يدعى أحمد بن عبد الحليم بن تيميه الحرّاني، فقام العلماء من أهل السنّة والجماعةفي دفعها حتّى لم يبق في عصره من يناصره إلاّ من كان له غرض أو في قلبه مرض»(١) .

إنّ قيامة العلماء من أهل السنّة والجماعة على ابن تَيمِيه، إنّما لقمع البدع اليهوديّة التي أحياها ابن تيميه، وكادوا يأدوها في مهدها مع هلاك ابن تيميه، ولكنّ إبليس لا عدم أتباعاً، فقد واصل ابن القيّم مسيرة شيخه بعد أن كاد يهلك معه في سجن قلعة دمشق. ثمّ أطلّ الشيطان بقرنه من أرض نجد، في حركة وهّابية إرهابيّة. وقد تصدّى له علماء السنّة والجماعة، وكان في طليعة من رد على صاحب هذه الفتنة «محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ التميميّ»، أخوه سليمان ابن عبد الوهّاب النجديّ، في كتابه: فصل الخطاب، وكان شديداً على أخيه، فقد وصفه وأتباعه بالجهل والضَّلال وأنّهم الذين حذّر منهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...؛ وكادت فتنة نجد تنقطع لو لا أنّ قوى الكفر من إنجليز وغيرهم قد ناصروا وما زالوا هذه الفتنة.

____________________

(١) مقدّمة كتاب فرقان القرآن، ٢.

١٠٩

ولكن سنّة الله تعالى هي الحاكمة وسيأتي اليوم الذي يقول قائل: كانت عاد وثمود، وكان فرعون وابن تيميه، وكان ابن عبد الوهّاب والوهّابيّون.

٦٧ - المحدّث الشيخ عبد ربّه بن سليمان القليوبي الأزهري (ت ١٣٧٨ هـ).

من علماء الأزهر. له كتاب (فيض الوهّاب في بيان أهل الحق ومَن ضلّ عن الصواب)، وهو في الردّ على ابن تيميه، ومحمّد بن عبد الوهّاب وأتباعهما. قال:

«قد عرفتَ ممّا قدّمنا لك أنّ ابن تيميه هو الذي جمع شتات أقوال الخوارج وغيرهم من الملحدين ودوّنها رسائل، وتلقّاها عنه تلاميذه الذين فُتنوا بحبّه لنشأتهم على ذلك واستعدادهم له، ووسعوا فيها الضلالات»(١) .

وقال يصف ابن تيميه:

«ابن تيميه الذي أجمع عقلاء المسلمين أنّه ضالّ مضلّ، خرق الإجماع وسلك مسالك الابتداع، الذي ما ترك أمراً مخالفاً ولا مبدأ معارضاً لما عليه إجماع المسلمين إلاّ وسلكه، فكان كلّ من كان على هذا المبدأ من أهل الضلالة المقابل لأهل الحقّ يدعو إلى هذا المبدأ، وهم حزب الشيطان المقابل لحزب الرحمان، إذ الأمر في الدين اثنان لا ثالث لهما»(٢) .

٦٨ - الإمام الحافظ أحمد بن محمّد بن الصديق الغماري (ت ١٣٨٠ هـ).

____________________

(١) فيض الوهّاب، ١: ١٤٩، مكتبة القاهرة، مصر، ١٣٧٧ هـ.

(٢) فيض الوهّاب، ٥: ١٥١.

١١٠

من علماء المغرب الأعلام. تصدّى للمحتلّين المستعمرين، وتحوّل إلى مصر فتصدّى للتدريس والإفتاء. له مؤلّفات في علوم الحديث والفقه والعقائد، كان شديداً على ابن تيميه، وله في ذلك كتب عدّة منها: البرهان الجلي. وممّا جاء فيه:

(بل بلغت العداوة من ابن تيميه إلى درجة المكابرة وإنكار المحسوس فصرّح بكلّ جرأة ووقاحة ولؤم ونذالة ونفاق وجهالة: أنّه لا يصح في فضل عليّعليه‌السلام حديث أصلاً، وأنّ ما ورد منها في الصحيحين لا يثبت له فضلاً ولا مزيّة على غيره. بل أضاف ابن تيميه إلى ذلك من قبيح القول في عليّ وآل بيته الأطهار، وما دلّ على أنّه رأس المنافقين في عصره لقول النبيّ في الحديث الصحيح المخرّج في صحيح مسلم مخاطباً لعليّ: «لا يُحبّك إلاّ مؤمن  ولا يُبغضك إلاّ منافق»(١) ، كما ألزم ابن تيميه بذلك أهلُ عصره وحكموا بنفاقه، وكيف لا يلزم

____________________

(١) صحيح مسلم ١: ٨٦ ح ١٣١، والمصنّف لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٥/٦٤ في فضائل عليّ، ومسند أحمد ١: ١٣٥/٦٤٣، وكتاب الفضائل، له ١٤٣/٢٠٨، ومسند الحميدي ١: ٣١ ح ٥٨، وسنن ابن ماجة، المقدمة ١١٤، وصحيح الترمذيّ ٢: ٣٠١، ومسند أبي يعلى ١: ٢٥١/٢٩١، وخصائص أمير المؤمنين، للنسائي ح ١٠٠ و ١٠٢، وصحيح ابن حبّان ١٥:٣٦٧/٦٩٢٤، وأنساب الأشراف ١: ٣٥٠، وكتاب الولاية لابن عقدة ١٧٤، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٢٩، ومعرفة علوم الحديث، له ١٨٠، والمعجم الأوسط للطبراني ٥: ٨٩/٤١٦٣، والشفا للقاضي عياض ٢١، ومعجم الصحابة للبغوي ٤٢٠، وكفاية الطّالب للقنجيّ ٦٩، والصواعق المحرقة لابن حجر ٧٥، وتاريخ بغداد ٢: ٢٥٥، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي ٣٥، ومناقب الإمام عليّ لابن

١١١

بالنفاق مع نطقه، قبّحه الله بما لا ينطق به مؤمن في حقّ فاطمة سيّدة نساء العالمين صلّى الله عليها وسلّم، وحقّ زوجها أخي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسيّد المؤمنين، فقد قال في السيّدة فاطمة البتول: أنّ فيها شبهاً من المنافقين الذين وصفهم الله بقوله:( فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) (١) ، قال لعنة الله عليه: فكذلك فعلت هي إذ لم يعطها أبوبكررضي‌الله‌عنه من ميراث والدها صلّى الله عليه وسلّم. أمّا عليّعليه‌السلام فقال فيه أسلم صبيّاً وإسلام الصبي غيرُ مقبول على قول؛ فراراً من إثبات اسبقيته للإسلام وجحوداً لهذه المزيّة؛ وأنّه خالف كتاب الله في سبع عشرة مسألة وأنّه كان مخذولاً حيثما توجّه وأنّه كان يُحبّ الرياسة ويقاتل من أجلها لا من أجل الدّين وأنّ كونه رابع الخلفاء الراشدين غير متّفق عليه بين أهل السنّة!...

فقبّح الله ابن تيميه وأخزاه وجزاه بما يستحقّ وقد فعل والحمد لله، إذ جعله إمام كلّ ضالّ مضلّ بعده، وجعل كتبه هادية إلى الضلال، فما أقبل عليها أحد واعتنى بشأنها إلاّ وصار إمام ضلالة عصره»(٢) .

مَن هم أهل السنّة الذين لا يقولون أنّ عليّاً رابع الخلفاء الراشدين، الشافعيّة،

____________________

المغازلي ١٣٧، والمحاسن والمساوئ للبيهقي ١: ٢٩٠، وتفسير الحبري ٣٥٠، وشرح السنّة للبغوي ١٤: ١١٤/٣٩٠٩، والاستيعاب ٣: ٤٦...

(١) التوبة: ٥٨.

(٢) البرهان الجلي، أحمد الغماري، ٥٣، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، ١٣٨٩ هـ.

١١٢

أم المالكيّة، أم الحنفيّة، أم الحنبليّة؟!، أم هم: ابن تيميه والوهّابيّون التيميون؟ الذين قال الغماري بحقّه وبحقّهم:

«ما ضلّ من ضلّ عن الصراط المستقيم إلاّ بكتبه، ويكفيك أنّ قرن الشيطان النجدي وأتباعه، ومذهبه الفاسد وليدُ أفكار ابن تيميه وأقواله»(١) .

٦٩ - الحافظ الشيخ محمّد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المغربي (ت ١٣٨٢ هـ). له ردود على ابن تيميه، من ذلك:

«فإنّي أرى هذه الضلالات وما تبعها من الشناعات التي كان أوّل مذيع لها وموضّح لظلامها الشيخ أحمد بن تيميه رحمه الله تعالى وعفا عنه قد كادت الآن أن تشيع وفي كلّ بلاد أهل السنة تذيع...»(٢) .

وفي كتابه: (فهرس الفهارس) قال:

«ومن أبشع وأشنع ما نُقل عنه رحمه الله! قوله في حديث ينزل ربّنا في الثلث الأخير من الليل كنزولي هذا. قال الرحّالة ابن بطوطة في رحلته: وشاهدته نزل درجة من المنبر الذي كان يخطب عليه. وقال القاضي أبو عبد الله المقري الكبير في رحلته نظم اللآلي في سلوك الأمالي حين تعرّض لشيخيه ابني الإمام التلمساني ورحلتهما فناظرا ابن تيميه وظهرا عليه وكان ذلك من أسباب محنته , وكان له مقالات شنيعة من إمرار حديث النزول على ظاهره وقوله فيه كنزولي

____________________

(١) الجواب المفيد، أحمد الغماري، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت ١٤٢٣ هـ.

(٢) شواهد الحق، مصدر سابق، ١٤.

١١٣

هذا، وقوله فيمَن سافر لا ينوي إلاّ زيارة القبر الكريم: لا يقصر، لحديث لا تُشدّ الرحال...

وأمّا مسألة الزيارة فإنه انتدب للكلام فيها جماعة من الأئمّة الأعلام وفوّقوا إليه فيها السهام كالشيخ تقي الدين السُّبكي، والكمال ابن الزملكاني، وناهيك بهما. وتصدّى للردّ على ابن السُّبكي ابنُ عبد الهادي الحنبلي(١) ، ولكنّه ينقل الجرح ويغفل عن التعديل وسلك سبيل العنف والتشديد، وقد ردّ عليه وانتصر للسُّبكي جماعة منهم الإمام عالم الحجاز في القرن الحادي عشر الشمس محمّد علي بن علان الصديقي المكّي، له المبرد المبكي في ردّ الصارم المنكي، ومن أهل عصرنا البرهان إبراهيم بن عثمان السمنودي المصري سمّاه نصرة الإمام السبكي بردّ الصارم المنكي وكذا الحافظ ابن حجَر له الإنارة بطُرق حديث الزيارة. وانظر مبحثها من فتح الباري، والمواهب اللدنية وشروحها»(٢) .

٧٠ - الشيخ أحمد خيري المصري (ت ١٣٨٧ هـ).

من علماء مصر ممّن تتلمذ على وكيل المشيخة الإسلاميّة بدار الخلافة العثمانيّة الشيخ محمّد زاهد الكوثري بعد هجرته إلى مصر، وبعد وفاة أستاذه

____________________

(١) ابن الهادي الحنبلي، من أشدّ تلامذة ابن تَيمِيه تعصّباً له ولم يكن يخرج عن قوله في حرف! ويرى أنّ الحقّ جميعاً مع صاحبه! له: الدرّة المضيّة في مناقب ابن تَيمِيه.

(٢) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمسلسلات، محمّد عبد الحي الكتاني، ١: ٢٢٧، الطبعة الثانية، دار الغرب الإسلامي - بيروت ١٤٠٢ هـ.

١١٤

كتب كتاباً عن سيرته أسماه الإمام الكوثري. وممّا جاء فيه:

«وقد عاش المترجم طول حياته خصماً لابن تيميه ومذهبه، وسردُ آراء الأستاذ يخرج بالترجمة عن القصد، وهي مبسوطة في كثير من تآليفه وتعاليقه. وعلى الرغم من أن لابن تيميه بعض المشايعين الآن بمصر، فإنّه سيتبيّن إن عاجلاً وإن آجلاً، ولو يوم تُعرض خفايا الصدور أنّ ابن تيميه كان من اللاعبين بدين الله، وأنّه في جُلّ فتاواه كان يتبع هواه، وحسبك فساد رأيه في اعتبار السفر لزيارة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة»(١) .

٧١ - الشيخ أحمد بن محمّد مرسي النقشبندي، من علماء مصر (ت أواخر القرن الرابع عشر هـ). وهو محقّق كتاب عليّ بن أبي طالب إمام العارفين تأليف أحمد بن محمّد الصديق الغماري - مرّ ذكره -.

قال الشيخ النقشبندي في مقدمة تحقيقه للكتاب عند كلامه في سند أحد الأحاديث: «ومنهم مَن أنكر اتّصال السلسلة، وزعم أنّها منقطعة اعتماداً على تصريح من الحفّاظ بأنّ الحسن البصري لم يلق عليّاًعليه‌السلام ، بل صرّحوا بأنّه لم يكن بدريّاً قطّ، وهذا موقف ابن تيميه من الحفّاظ، وابن خلدون من الفقهاء والمؤرخين؛ زاد ابن تيميه فأنكر اختصاص عليّعليه‌السلام بعلم لا يكون عند

____________________

(١) الإمام الكوثري، أحمد خيري، الطبعة الأولى، دار الكتب العلميّة - بيروت ١٤٢٥ هـ.

١١٥

الشيخين (رض) وهذا نتيجة حقد دفين في قلبه»(١) .

وقال عن ردّ ابن تيميه لأحاديث في فضائل سيّدنا أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وردُّ النقشبندي طويل نقتبس منه هذا المقطع:

«وكذلك حديث (من كنت مولاه فعليّ مولاه) يفيد أن ولاية علي مترتبةٌ على ولاية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ترتُّبُ الجزاء على الشَّرْط، وحيث كانت ولايتُه صلّى الله عليه وسلّم واجبةً على كلّ مؤمن ومؤمنة؛ فولاية عليّ كذلك، وإلى هذا أشار عمر (رض) حيث قال لعليّعليه‌السلام بعد سماعه هذا الحديث: (هنيئاً لك أبا الحسن أصبحتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة)، أما ولاية المؤمنين بعضهم لبعض فهي ولاية عامّة، منوطة بوصف الإيمان لا تخصّ شخصاً بعينه، ومن ثمّ كان حبّ عليّ إيماناً، وبغضه نفاقاً، لأنّه خُصّ بوجوب ولايته على كلّ مؤمن ومؤمنة. أما حديث غزوة خَيْبر، فهو أظهر في الدلالة على فضل عليّ ومزيد خصوصيّته، ولهذا استشرف كبار الصحابة في هذه الغزوة حين سمعوا الحديث، إلى أن يكون كلّ منهم ذلك الرجل الذي شهد له الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، حتّى قال عمر (رض): ما تطاولتُ للإمارة إلاّ في هذا اليوم، أترى عمر وكبار الصحابه كانوا لا يحبّون الله ورسوله؟ أم كانوا يجهلون أنّ الله ورسوله يحبّان المؤمنين؟ لا هذا ولا ذاك، ولكن

____________________

(١) مقدّمة كتاب علي بن أبي طالب إمام العارفين، أحمد الغماري، ٢٤، مطبعة السعادة - مصر، ١٣٨٩ هـ.

١١٦

سرّ المسألة شهادة الرسول لشخصٍ بخصوصه، فشهادة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي سجّلها في خَيْبر على ملأ من الصحابة، وَصمَتْ المناوئين لعليّ - فيما بعد - بوَصْمِة النفاق لأنّهم ناوأوا شخصاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

وابن تيميه يعلم هذا، أو هو لا يجهله لكنّه لشدّة انحرافه يتعامى عنه أو يتحاماه، فيلتجئ إلى تلك التأويلات التي تزري بمقامه وتومئ إلى اتّهامه»(١) .

لا يسع المقام التعليق على ما ذكره النقشبندي، إلاّ أنّ نقول: لقد خلص النقشبندي إلى أنّ ما كان من ابن تيميه بشأن أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، هو نتيجة لحقد دفين في قلبه! وهذا الحقد الدفين قد ترجمه في أكثر من مصنَّف أشهرها: منهاج السُّنّة، وهو أولى أن يُسمّى منهاج الضَّلالة والبِدعة، إذ جاء به محشواً بأفائك لم يجرأ عليها السَّلَف والخَلف ممّا يؤكّد ما أشرنا إليه في فصل حياته وعقيدته وما ذهبنا إليه من احتمالات فرضتها بيئته الجغرافيّة التي كانت موطن الصابئة القديمة وهي من مواطن اليهود الأولى، وفيها كنيسة قديمة للنّصارى، وإليها انتهى أحد الخوارج التسعة ممّن سلِم من سيف أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يوم النهروان، فأقام بحرّان وتناسل وعقبه فيها. وحرّان إليها فرّ آخر أمويّ وأسّس فيها أمارة. ففي هذه البقعة «حرّان» التي ولد فيه ابن تَيمِيه، تلاقحت هذه الأفكار والآراء، فلا عجب أن يغترف ابن تيميه من بعض هذه الديانات الجدل العقيم الذي هو موضوع في الصابئة، وعقيدة التشبيه والتجسيم وهي عقيدة أهل الغضب

____________________

(١) عليّ بن أبي طالب إمام العارفين، ٥٤.

١١٧

والضَّلال من اليهود والنّصارى ومن الأمويّين والخوارج بغض عليّعليه‌السلام ؛ وهذه ما نلمحه في أفكاره عقيدةً، وجدلاً أعمى في إنكار فضائل أمير المؤمنين وأهل البيتعليهم‌السلام ، وهو ممّا حكمه به قضاة المذاهب الإسلاميّة وفقهاؤها بالنّفاق، وهذا ما ختم به النقشبندي كلامه به.

إنّ اختيار النقشبندي لحديث غزوة خَيْبر لسببٍ نذكره، وإلاّ فإنّ حديث حبّ الله ورسوله، قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام في أكثر من موطن ومناسبة، من ذلك حديث الطير إذ دعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيه الله بأحبّ الخلق إليه، ليأكل معه، فأتاه عليّعليه‌السلام فأكل معه. أما السبب في اختيار النقشبندي لحديث غزوة خَيْبر؛ ذلك أنّ ابن تيميه قد أنكر فضيلة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حمل الرّاية يوم خَيْبر بعد أن أخذها الشيخان كلّ يرجع فارّاً يُجبّن أصحابه ويُجبّنه أصحابه، فقال رسول الله «سأُعطي الرّاية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله، لا يفرّ يفتح الله على يديه» فباتوا يدوكون كلٌّ يرجو أن يكون هو، فلمّا كان الغد، دعا عليّاً وكان أرمداً فوضع على عينه من ريقه فبرأ، فأخذ الراية ومضى بها يهرول حتّى ركز الراية في أطم من آطام حصن خيبر ثمّ قلع باب خيبر فتتّرس به وقتل فارسهم مرحب وكان الفتح على يديه...

فقال ابن تَيمِيه: هذا كذب! فإنّ الراية لم تكن لأبي بكر ولا لعمر ولم يفرّا بها...؛ ولم يكن يومئذ فتح!، وقد ذكرنا الحادثة مع مصادرها الوفيرة في (حديث الراية - وفتح خيبر) وإنّما ذكرناها هنا لمقتضى الحال. ولقول النقشبندي: إنّ

١١٨

شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي سجّلها في خيبر...، وصَمَت المناوئين لعليّ - فيما بعد - بوصمة النفاق لأنّهم ناوأوا شخصاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله؛ وابن تيميه يعلم هذا...

فهذا وغيره كافٍ في وصف ابن تيميه بالنفاق.

٧٢ - الشيخ محمّد أبو زهرة (ت ١٣٩٤ هـ). عالم مصريّ معروف وعضو مجمع البحوث الإسلاميّة بالأزهر. وله كتاب «ابن تَيمِيه، حياته وعصره».

وقد وجّه إليه سؤال: قال أحد الخطباء على المنبر يوم الجمعة ١٠/٤/١٩٦٤، بأنّ الله خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام كأيّامنا هذه وبدأ خلق الأرض يوم الأحد وفرغ من الخلق عصر يوم الجمعة، وخلق الإنسان بعد عصر يوم الجمعة ثمّ استوى على العرش فهو مستوٍ عليه، ولما سُئل عن العرش قال: إنّه الكرسي، وهو يوزّع رسائل من تأليفه تثبت الجهة لله ويقول: إنّ العقل يوجب أن يكون الله في جهة لأنّ ما ليس في جهة فهو معدوم، ونحن العوام قد تبلبلت أفكارنا لأنّنا نعتقد أنّ الله في كلّ مكان وهو معنا أينما كنّا وهو ثالث الثلاثة ورابع الأربعة، نرجو بيان الأمر على صفحات المجلّة؟

جواب أبو زهرة:

«ما يقوله الشيخ اتّباع لما قيل عن ابن تَيمِيه، فهو في هذا يقلّده فيما روي عنه في الرسالة الحموية، والحقّ أنّه تعالى منزّه عن المكان، ومنزّه عن أن يجلس

١١٩

كما يجلس البشر، وأنّ العلماء الصادقين من عهد الصحابة يفسّرون هذا بتفسير لا يتّفق مع المكان، ولا يمكن أن تُفسَّر الأيام الستّة بأيّامنا هذه، لأنّ أيّامنا ناشئة من دوران الأرض حول الشمس إلاّ أن تُفسّر بمقدارها لا بحقيقتها، ولا نرى موافقة الشيخ في الخوض في هذه الأمور، وباب الموعظة وبيان الحقائق الإسلاميّة التكليفيّة متّسع، والله تعالى هو الموفّق والهادي إلى سواء السبيل»(١) .

ثمّة تعليق: إنّ هذا الرجل وهو يشكو إلى الشيخ «أبو زهرة» من هذا الوهّابي الذي يرتقي المنبر ويُبلّغ بآراء رأس الفتنة الجاهليّة: ابن تَيمِيه، والرجل المشتكي يتواضع فيصف نفسه بأنّه من العوام! وهو يُنكر تلك الأفكار البالية التي عكف عليها الوهّابيون تبليغاً لامثيل له، فمَن رفضها بدّعوه وكفّروه وأحلّوا دمه. علماً أنّ هذا المشتكي وهو يرفض التجسيم والمكانية...، يستدلّ ضمناً بالقرآن الكريم، ذلك قوله: «لأنّنا نعتقد أنّ الله في كلّ مكان وهو معنا أينما كنّا وهو ثالث الثلاثة ورابع الأربعة»، فهو قد قرأ القرآن الكريم وفهمه، فيما قرأه ابن تيميه وصرف معناه إلى ما لديه من إرث يهوديّ، ومنه توارثه أعراب نَجْد الوهّابيون.

قال تعالى:( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَجْوَى‏ ثَلاَثَةٍ إِلّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى‏ مِن ذلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَي‏ءٍ عَلِيمٌ ) (٢) .

____________________

(١) فتاوى الشيخ محمّد أبو زهرة، ١١٨، الطبعة الأولى، دار القلم - دمشق ١٤٢٧ هـ.

(٢) المجادلة: ٧.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238