ابن تيميه الجزء ٣

ابن تيميه25%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 238

  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41933 / تحميل: 6445
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

73 - المحدّث الشيخ عبد الله بن محمّد بن الصديق الغماري (ت 1413 هـ).

من علماء المغرب، درس وعاش في مصر. له مؤلّفات في الفقه والعقيدة والحديث واللّغة. عاد إلى المغرب واستمرّ في الإفتاء والتدريس والتصنيف. له ردود على ابن تَيمِيه. قال:

«وانحراف ابن تيميه عن عليّ وأهل البيت معروف، وحتّى حُكم عليه بالنفاق لأجل ذلك. وذكر الحافظ ابن حجَر في ترجمته من (الدرر الكامنة) أنّ العلماء حكموا بنفاق ابن تيميه لما ثبت عليه من بُغض عليّ وانحرافه عنه، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم لعليّعليه‌السلام : (لا يُبغضك إلاّ منافق)»(1) .

قلت: وقد اطّلعت على رسالة صغيرة له ذكر فيها: أنّ الأحاديث الواردة في فضل عليّ لا تُثبت له ميزة على مطلق المؤمنين فضلاً عن الصحابة، وبيّن ذلك في بعض الأحاديث التي ذكرها، بكلامٍ ظاهر عليه الحقد والتحامل؛ وفي كتابه الذي سمّاه منهاج السنّة وهو في الحقيقة منهاج البِدعة، تحامل كبير على عليّ، وانتقاص لعليّ مكانه، خصوصاً في أوائل الجزء الثالث منه، فإن فيه مع ذلك مساساً بفاطمة الزهراء، صلوات الله عليها، ووصمها بشائبة النفاق! وقد عاقبه الله على هذه الوقاحة والخبث؛ فجعله الله إمام الناصبيّة والمبتدعة منذ وقته إلى الآن، في كلّ زمان ومكان، فلا تجد عدوّاً لآلِ البيت ولا خارجاً على الجماعة إلاّ وليد أفكار، وتلميذ كتبه الملأى بالضلال، فدونك المجسّمة والمشبّهة ومَن

____________________

(1) أفضل مقول في مناقب أفضل رسول، لعبد الله الغماري 25، الطبعة الأولى مكتبة القاهرة - مصر.

١٢١

على شاكلتهم، كلّهم يعتمدون عليه ويرجعون في نصر بدعتهم إليه، ودونك أعداء الزيارة النبويّة، الذين يزعمون أنّها معصية، لا حجّة لهم في زعمهم إلاّ كلامه، ودونك المتجرّئين على القول في الدين بالهوى والغرض لم يكتسبوا جرأتهم إلاّ منه، وهكذا بقيّة صنوف البِدع هو الذي فتح أبوابها وسهّل أسبابها».

تعليق: هنيئاً لابن تيميه ومَن والاه من الوهّابيين؛ فخصيمهم يوم القيامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ أساءوا إليه في وصفه أنّه في حضرته الشريفة عظام ورمة تحرم زيارته؛ وأهلُ بيته عليّ الذي هو نفسُ رسول الله كما في آية المباهلة والذي هو بمنزلة هارون من موسى والذي ثبتت إمامته كما في آية التصدّق حال الركوع في الصلاة والذي أخذ له النبي البيعة في حجّة الوداع، وطهّره الله تعالى كما في آية التطهير...

وأمّا ثاني أهل البيتعليهم‌السلام ، ممّن تطاول عليهم ابن تيميه فهي الزهراء البتول بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سيّدة نساء العالمين والمطهّرة من كلّ رجس بمحكم التنزيل، طهّرها الله تعالى ووالدها وبعلها وابنيها الحسن والحسين صلّى الله عليهم وسلّم، في آية التطهير، وبهم باهلَ النبيّ نصارى نجران فغلبهم، فكان عليّ نفسه، وفاطمة نساءه، والحسنان أبناءه؛ ولو كان مَن هو أشرف منهم لخرج به يُباهل. فكانواعليهم‌السلام معجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ؛ عامل الله ابن تيميه وأتباعه، بعدله جلّ وعلا، والعاقبة للمتّقين.

قال الغماري: «ويدلّ أيضاً على أنّ عليّارضي‌الله‌عنه كان ميمون النقيبة، سعيد الحظ،

١٢٢

على نقيض ما قال ابن تيميه في منهاجه عنه أنه كان مشؤماً مخذولاً، وتلك كلمة فاجرة، تنبئ عمّا في قلب قائلها من حقدٍ على وصيّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخيه كرّم الله وجهه»(1) .

74 - المحدّث الشيخ محمّد زكي الدين إبراهيم (ت 1419 هـ). من علماء الأزهر، له دور كبير في فضح بِدع ومنكرات بعض الجماعات، ولم يسكت عن الأخطاء التي كانت تقع من مشايخ الأزهر. ومن كلامه بشأن ابن تيميه:

«وقد استوعب الإمام التقي السبكي أكثر ما ورد في زيارة القبر النبوي في كتابه شفاء السقام بزيارة خير الأنام ردّ به تهوّر ابن تيميه الذي حكم جزافاً ببطلان أحاديث زيارة القبر النبوي، حتّى بلغ به الاندفاع إلى اعتبار السفر بنيّة هذه الزيارة معصية لا تقصر فيه الصلاة!! ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وكان من أثر ذلك فتنة عمياء انتصر فيها ابن عبد الهادي لابن تيميه في كتاب سمّاه الصارم المنكي، ثمّ انتصر ابن علان للسبكي بكتاب سمّاه المبرد المبكي، وتابعه الشيخ السمنودي بكتاب سمّاه نصرة السبكي.

ثمّ بقي من يخطب على منبر الكعبة أيّام الحجّ ثمّ على منابر مصر، فيفتي بحرمة زيارة القبر الشريف، بلا خجل من الله ولا من النبيّ، ولا من العالم»(2) .

وقال: «يتّخذ إخواننا الذين ينتسبون إلى التسلّف أو السلفية من أحاديث

____________________

(1) سمير الصالحين، عبد الله الغماري 77 الطبعة الأولى، مكتبة القاهرة - مصر 1388 هـ.

(2) كلمة الرائد، محمّد زكي إبراهيم، 3: 538، الطبعة الأولى، مصر 1426 هـ.

١٢٣

شدّ الرحال وسيلة للتشهير بمن يلتمسون البركة بزيارة مشاهد بعض أولياء الله وأهل البيت الكرام، أو قصد الصلاة في بعض المساجد الشهيرة، وقد يتغالى بعضهم فلا يكتفي بتسمية الأغلبية الغالبة من مسلمي المشارق والمغارب بـ (القبوريّين)، بل إنّه ليرميهم كما هي العادة بالشرك والردّة والوثنيّة والزندقة، وإنّه ليستحلّ دماءهم وأموالهم وأعراضهم باسم السَّلَفيّة البريئة والتوحيد المظلوم، ثمّ باسم إحياء السنّة وكفاح البِدعة.

وهكذا يرى هؤلاء الإخوان على اختلاف طوائفهم أنّ جمهور المسلمين بعامّتهم بين مشرك مرتدّ أو كافر مبتدع أو وثنيّ نجس، فلا إسلام ولا إيمان إلاّ ما هم عليه، وقد يكون هذا عن اقتناع أحمق أو فهمٍ جاهل أو عن تقليد طائفيّ متعصّب، أو حاجة في نفس يعقوب. ومن الحاجات ما تبرأ منه الإنسانيّة والشرف وما لا يستقيم مع العلم والدين.

لقد قلّدوا إمامهم الأكبر الشيخ أحمد بن تيميه الذي منع شدّ الرحال حتى لزيارة قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشذّ بهذا عن كلّ علماء القبلة»(1) .

وعن الوهّابيّين ومنهجهم في الزيارة لما رأوا غضبة الأُمّة الإسلاميّة بشأن شدّ الرحال، قال:

«إنّهم لما أحسّوا ذلك نقلوا حملتهم إلى أهل البيت، ففي منهاج السنّة لابن

____________________

(1) الإفهام والإفحام، محمّد زكي إبراهيم، 149 الطبعة الخامسة، مصر 1425 هـ.

١٢٤

تيميه مثلاً، كلام موبق مثير عن فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي بن أبي طالب، قوبل من الأمّة بالاستهجان المطلق، ووُصِم كاتبه بين العلماء بالنفاق والناصبيّة»(1) .

وفي شأن سيّدة العالمين بضعة النبيّ وما قاله الناصبيّ فيها، قال:

«وفي أوائل الجزء الثالث من كتاب منهاج السنّة لابن تيميه بصفةٍ خاصّة تحامل بغيض كريه على الإمام عليّرضي‌الله‌عنه ، وعلى السيّدة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إنّه وصمها بالنفاق - عياذاً بالله - ومع أنّ لابن تيميه انحرافات شتّى، فلعلّ من أوقحها هذا الانحراف اللئيم»(2) .

75 - محمّد ناصر الألباني (ت 1420 هـ). من ألبانيا بأوربا، هاجر طفلاً صغيراً مع أسرته إلى سوريا، ومنها تحوّل إلى الأردن. من كبار شيوخ الوهّابيين. تابع ابن تيميه، وهو مع هذا فقد تكلّم فيه وأنكر عليه أموراً، مع محاولة منه لتسويغ بعض أقواله؛ فلم يفلح!، قال:

«فمِن العجب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميه على إنكار هذا الحديث - حديث مَن كنت مولاه - وتكذيبه في منهاج السّنة كما فعل بالحديث المتقدّم هناك، مع تقريره رحمه الله أحسن تقرير أنّ الموالاة هنا ضد المعاداة وهو حكم ثابت لكلّ مؤمن وعليّرضي‌الله‌عنه من كبارهم يتولاّهم ويتولّونه، ففيه ردّ على الخوارج

____________________

(1) كلمة الرائد، مصدر سابق 2: 492.

(2) نفسه: 546.

١٢٥

والنواصب»(1) .

وقفة مع الألباني:

أظهر الألباني عجبه من شيخه إذ أنكر حديث الولاية يوم غدير خُمّ! ثمّ عاد ليُحسّن تقرير شيخه ثانية للحديث، وتفسيره له! وابن تيميه هائم في تَيْه لا موسى له ينجيه! فهو في منهاج السنّة قد أنكر فضائل علي أمير المؤمنين وأهل البيتعليهم‌السلام في القرآن والسنّة؛ ولكثرة هملجته وجدناه ينسى نفسه فيذكر أمراً قد أنكره في موضع أو أكثر، ثم يعود إليه فيقرّ بشطرٍ منه مع تكذيبه الشطر الآخر! ويصرف الشطر الثاني إلى غير معناه!! كما فعل مع هذا الحديث - وقد وفيناه حقّه في هذا البحث - ولكن كلامنا هنا مع الوهّابي الألباني وقوله إنّ شيخه ابن تيميه قد قرّر الحديث أحسن تقرير وهو أنّ الموالاة هنا ضدّ المعاداة وهو حكم ثابت لكلّ مؤمن...!

وهل هذا يخفى عن ذي أدنى لُبّ؟ أليس القرآن الكريم والأحاديث النبويّة زاخرة في تقرير الموالاة بين المؤمنين ومعاداتهم للمشركين؟! فما فلسفة جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحجّاج بعد قفوله من حجّة الوداع ويخطب بهم تلك الخطبة المعروفة ثمّ يأخذ بيد أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ويقول: «مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه». فقرن ولايته بولايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك معاداته.

____________________

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني 5: 263، مكتبة المعارف - الرياض 1415 هـ.

١٢٦

ولم يقل: اللّهم هؤلاء المؤمنين مواليّ فوالهم... ثمّ لِمَ اختار عليّاً من دون غيره؟!

وعاد الألباني إلى كلام ابن تيميه عن حديث الغدير، فقال: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام وبيان صحّته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تَيمِيه، قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طُرقها ويدقّق النظر فيها والله المستعان»(1) .

وللصنعاني كتاب رفع الأستار لإبطال أدلّة القائلين بفناء النار ردّ فيه على ابن تيميه وصاحبه ابن قيّم الجوزيّة، وحقّقه الألباني فقال في مقدّمة التحقيق:

«بعد هذا أعود فأقول: إنّ ما تقدّم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار، فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه وانتصر له تلميذه ابن قيّم الجوزيّة؟

فأقول: إنّ أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما، إنّما هو أنّه لما توهّما أنّ بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك، وهم قدوتنا جميعاً لو صحّ ذلك عنهم رواية ودراية، ولم يصحّ عند المؤلّف الصنعاني رحمه الله، واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله، والشفقة على عباده تعالى من عذابه، وغمرهما الشعور بسعة رحمته وشمولها حتّى للكفّار منهم، وساعدهما على ذلك ظواهر بعض النصوص ومفاهيمها!! فأذهلهما ذلك عن تلك الدلالة القاطعة، وقالا ما لم يقل

____________________

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 344.

١٢٧

أحد قبلهما!، وما أرى لهما شبهاً في هذا إلاّ ذلك المؤمن الذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ليضلّ عن ربّه فلا يقدر على تعذيبه!!»(1) .

قال: فكيف يقول ابن تَيمِيه: ولو قُدّر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة!

فكأنّ الرحمة عنده لا تتحقّق إلاّ بشمولها للكفّار المعاندين الطاغين! أليس هذا من أكبر الأدلّة على خطأ ابن تيميه وبُعده هو ومَن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة؟!

فغفرانك اللهم!»(2) .

76 - الدكتور الشيخ محمّد سعيد رمضان البوطي، من علماء دمشق المعاصرين. كان عميداً لكليّة الشريعة، وله عشرات الكتب والمؤلّفات.

قال في كتابه فقه السيرة النبويّة:

«واعلم أنّ زيارة مسجده وقبره صلّى الله عليه وسلّم من أعظم القُربات إلى الله عزّ وجلّ، أجمع على ذلك جماهير المسلمين في كلّ عصر إلى يومنا هذا، لم يخالف في ذلك إلاّ ابن تَيمِيه، فقد ذهب إلى أنّ زيارة قبره صلّى الله عليه وسلّم غير مشروعة»(3) .

____________________

(1) رفع الأستار 21.

(2) رفع الأستار 25.

(3) فقه السيرة، الدكتور البوطي، 560. دار الفكر المعاصر - بيروت، 1423 هـ.

١٢٨

وفي كتاب آخر له، قال:

«وبعد، فلم أكن أهدف من هذه الوقفة مع ابن تَيمِيه، إلى تتبّع أخطاء له، فما عقدتُ فصول هذا الكتاب لشيء من هذا الغرض، ولكنّي أردتُ أن أوضّح أن ابن تيميّه وهو نموذج من قادة مَن يُسمَّون اليوم بالسّلَفيّة، لم يتبيّن رأيه في هاتين المسألتين - ولهما نظائر - اتباعاً للسّلف من حيث إنّهم سلف، ولم يدافع عن رأيه فيهما بأنّ السلف أو بعضاً منهم كان على هذه العقيدة، بل إنّنا لنعلم جميعاً أنّه لا يوجد واحد من السلف الصالح على امتداد عصوره الثلاثة قال: إنّ العالم قديمٌ بالنوع حادثٌ بالعَيْن (وهذا هو تعبيرُ ابن تَيمِيه)...»(1) .

لا كلام معنا مع السَّلفيّة ممّن يتوسّمون خطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته قولاً وعملاً، وما كان عليه السلف الصالح ممّن هم أقرب عهداً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من ابن تَيمِيه؛ وإنّما كلامنا مع التيميّين الذين أعرضوا عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وتمسّكوا بذيل ابن تيميه ورأوا فيه أنّه السّلف كلّ السلف، وقوله عندهم وحيٌ وإن نطلق الوحي الكريم بنقيضه وأظهر كفر صاحبهم وبِدعته؛ وهتفوا لصاحبهم وانتصروا له وإن كان قوله لا وجود له عند واحد من السلف الصالح على امتداد عصوره الثلاثة؛ ولم يلتفتوا للأحكام التي أصدرها علماء المذاهب بتكفير هبلهم! وزندقته وفسقه وبِدعته ومن ثمّ إيداعه السجن ثلاث مرّات في كلّ مرّة يكتب

____________________

(1) السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي، الدكتور البوطي 186 الطبعة الأولى، دار الفكر المعاصر - بيروت، 1408 هـ.

١٢٩

بخطّه توبته الكاذبة! من تلك الأفكار الشاذّة، فإذا اُطلق، عاد إلى ما كان عليه من آراءٍ يهوديّة صابئيّة خارجيّة! حتّى اُخرج المرّة الثالثة جسداً بلا روح. فأيّ سَلفيّة تلك التي يزعمها التَيميّون؟!

قال البوطي: «وها قد رأينا أنّ ابن تيميه لم يُبالِ أن يخالف السَّلَف كلّهم ممثّلين في أصحاب مالك والشافعيّ وأبي حنيفة، كما قال هو بذاته في النّص الذي نقلناه عنه، اتّباعاً لما يقضي به في (نظره واجتهاده) منهج تفسير النصوص...»(1) .

وابن تيميه والتَيمِيّون يلوذون بأهل السنّة والجماعة وذلك إذا حزبهم أمرٌ لا مخرج لهم منه؛ فمَن هم أهل السنّة والجماعة إذا لم يكن منهم أصحاب مالك والشافعيّ وأبو حنيفة؟!

إنّ منهج ابن تَيمِيه، أوقعه في تناقضات حادّة؛ فإضافة إلى شذوذه في جانب العقيدة والسيرة والفقه والتفسير ممّا أخرجه عن أهل السنّة والجماعة، ولأجله سمّاه أصحابه: الإمام المطلق - انظر مقدّمة منهاج السنّة لابن تيميه - أي أنّه لا يفتي بفتوى لأحد تلك المذاهب وإنّما بما وصل إليه اجتهاده. ومن تلك التناقضات: أنّه يهاجم الفلسفة والفلاسفة، وعلم الكلام والمشتغلين به، لكنّه يتوغّل في تلك العلوم ويرمي فيها بسهمٍ خائب!

____________________

(1) السلفيّة، 186.

١٣٠

قال البوطي: «ولا شكّ أنّ خوض ابن تيميه هذا في علم الكلام ومسائله ينسجم مع قراره الذي نقلناه عنه والمتضمّن جواز الاشتغال بهذا العلم لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ولكنّه لا ينسجم ولا يتّفق أبداً مع هجومه العجيب والشديد في أماكن ومناسبات أخرى على المشتغلين بعلم الكلام، المتعاملين مع أساليب المناطقة ومفاهيم الفلاسفة، مع العلم بأنّ أيّاً من هؤلاء العلماء الداخلين في حظيرة أهل السنة والجماعة لم يتوغّل في مباحث علم الكلام وبالمقاييس والمصطلحات المنطقية والفلسفية أكثر ممّا توغّل ابن تيميه ذاته!.

كما تحدّث ابن تيميه أيضاً عن علم المنطق والفلسفة، فانتهى بعد كلام طويل وفي أكثر من مناسبة ورسالة إلى التشنيع على هذا العلم والتحذير منه، وإلى التأكيد بأنّ كلّ مَن يمارسه وينظر فيه فهو فاسد النظر والمناظرة، كثير العجز عن تحقيق علمه وبيانه! وزاد في التشنيع على المقبلين على هذا العلم عن هذا القدر أكثر من مرّة، ولا حاجة لاستقراء مواقفه التشنيعيّة هذه فهي أمر معروف عنه ورأي شائع وذائع له.

ولكن العجب كلّ العجب في هذا الأمر، أنّه يصيح بكلماته التشنيعيّة هذه وهو غارق في أقصى أودية التعامل مع المقاييس والموازين الفلسفيّة، موغل إلى أبعد حدٍّ في التعامل مع قواعد الفلسفة ومقولاتها ومفاهيمها. ولا يعنيني أنّه في استغراقه وإيغاله هذين، مؤيّد لأفكار المناطقة والفلاسفة أو منتقد، إنّما المهم أنّه قد تعلّم المنطق والفلسفة وأكبّ على دراستها بكلّ إقبال وجدّ، وها هو ذا في

١٣١

حديثه عن المنطق والفلسفة يحاور ويناقش مناقشة الخبير البصير ثمّ الممارس المتمكّن! فكيف يصحّ له بعد هذا أن يخاطب الناس عموماً كما يخاطب الوصي والولي القُصَّر الذين عهد إليه برعايتهم، يقول لهم: لقد تعلّمت لكم الفلسفة والمنطق ووقفتُ على مقاييسها ومفاهيمها، فعلمتُ أنّ أكثر ما فيهما باطل من الكلام ووهمٌ من القول، فلا تضيعوا بهما وقتاً ولا تبذلوا في سبيلهما جهداً بدون طائل، فإنّ الاشتغال بهما عليكم حرام ومحظور! وإذا سلّمنا أنّ لابن تيميه من قوّة العارضة وحصافة الرأي والاستقامة على دين الله ما يجعله في مكان القدوة لسائر مَن بعده مِن الناس، أفليس اقتداؤهم بفعله خيراً من اقتدائم بقوله الذي يتناقض مع فعله؟

وماذا صنع الإمام الغزالي أكثر من هذا الذي صنعه الإمام ابن تَيمِيه، مع فارق واحد: هو أنّ الأوّل لم يحرّم على الناس ما أباحه لنفسه، أما الثاني فقد تربّع على مائدة الفلسفة يتناول منها ويعثو(1) بأطباقها كما يُحبّ، ويصيح في كل مَن حوله يطردهم عن المائدة، ويحذّرهم من أن يذوقوا منها مذاقاً، لأنّ كلّ ما عليها طعامٌ آسن ضارّ غير مفيد!»(2) .

77 - الدكتور الشيخ عمر عبد الله كامل، من علماء مكّة المكرّمة المعاصرين. له مؤلّفات في العقيدة والفقه والاقتصاد. وله ردّ على ابن تيميه في

____________________

(1) يعثو، من عثا، أي بالغ في الكبر والكفر والفساد.

(2) السلفية، 161.

١٣٢

رسالته التدمرية، سمّاه (نقض قواعد التشبيه من أقوال السلف). جاء فيه:

«وهذا الكتاب ردّ مختصر على أهم ما ورد من أفكار وكذا المنطلقات التي بُنيت عليها في الكتاب الموسوم بالعقيدة التدمرية والمنسوب للشيخ ابن تيميه وكلّ يُؤخذ من كلامه ويُردّ، خاصّة وأن هذه الأفكار والآراء تعارض ما يعتقده جمهور الأمّة المعصومة وهنا مكمن الخطر»(1) .

وفي كتاب كلمة هادئة في الزيارة وشدّ الرحال قال:

«ولازم استحباب زيارة قبره صلّى الله عليه وسلّم: استحباب شدّ الرحال إليها، لأنّ زيارته للحاج بعد حجّه لا تمكن بدون شدّ الرحل، فهذا كالتصريح باستحباب شدّ الرحل لزيارته صلّى الله عليه وسلّم. وقد درج علماء الإسلام وفي مقدّمتهم الحنابلة على هذا الفهم واتّفقوا على شدّ الرحال واستحباب زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلى أن جاء ابن تيميه في القرن الثامن، وخالف عامّة المسلمين وقال لا تستحبّ زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقد نقلنا إجماع المسلمين على مشروعيّة زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم في مختلف الأزمنة، وأنّه لم يخالف في ذلك غير ابن تيميه ومَن تبعه، فهل من الحكمة أن نأخذ بقوله وفهمه للمسالة، وندع إجماع أئمّة المسلمين في عصور ما قبل ابن تَيمِيه؟ مع أنّ إجماعهم في عصر واحد حجّة ملزمة، فضلاً عن

____________________

(1) نقض قواعد التشبيه، الدكتور عمر عبد الله كامل، 8 الطبعة الأولى، دار المصطفى 1426 هـ.

١٣٣

أقوال أكثر أئمّة المسلمين بعد عصر ابن تَيمِيه»(1) .

78 - الدكتور الشيخ عيسى بن عبد الله بن مانع الحِمْيري، من كبار علماء دبي المعاصرين. له مؤلّفات في العقيدة، منها كتاب تصحيح المفاهيم العقيدية. جاء فيه:

«... وهذا ترْكٌ من ابن تيميه لمذهب السلف بالكليّة وادّعاءٌ عليهم بمذهب غير مذهبهم ودخول في مضايق وعرة وشنائع أمور استبشعها العلماء واستبعدوها، وقد رأينا لهذا المخالف ومَن شايعه ألفاظاً شنيعة لم ترد في الكتاب والسنّة، ولم ينطق بها أحد من السلف؛ فأثبتوا الجسميّة صراحة، وأثبتوا الجهة والحدّو التحيّز والحركة والصوت والانتقال والكيف وغير ذلك من التجسيم الصريح»(2) .

وقال أيضاً:

«ولم يَنْتهِ ابن تيميه عند هذا الحد بل نسب لله تعالى الجهة بلازم كلامه ومنطوق أقواله، وهو القائل لا نَصِف الله تعالى إلاّ بما وصف به نفسه كما هو مشهور عنه، فنقول له: بالله عليك هل وجدت آية أو حديثاً ولو ضعيفاً أو أثراً عن السلَف الصالح أنّهم يصفون الله تعالى بالجهة؟، ما هذا إلاّ ابتداع ابتدعته،

____________________

(1) كلمة هادئة في الزيارة وشدّ الرحال، عمر عبد الله كامل 44 الطبعة الأولى ن دار المصطفى، 1426 هـ.

(2) تصحيح المفاهيم العقديّة، عيسى الحِميري، 131 الطبعة الأولى، دار السلام - مصر، 1419 هـ.

١٣٤

وضلال ابتكرته، نسأل الله تعالى السلامة»(1) .

وخلص الدكتور عيسى إلى: «فالحاصل من هذا أنّه يتبيّن لك أنّ ابن تيميه عشوائي في فهمه ولا يمشي على قاعدة مستقيمة بل يتّبع ما يبدو له إذا استطاع بذلك أن ينصر مذهبه»(2) .

ونحن نسأل الله تعالى السلامة من أن نقول ما قاله ابن تيميه وتابعه الوهّابيّون فصاروا فِرقةً مباينةً لعامّة المسلمين، ولنا أن نقول لهم: لنا ربُّنا المنزّه عن الجسميّة والجهة والتحيّز والحركة والصوت... وكلّ صفات الحوادث؛ ولكم ربّكم الذي هو محلّ كلّ الحوادث. ولنا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشرف الخلق أجمعين ن ونعتقد به الوسيلة المقبولة لدى الله تعالى، وأنتم تُنكرون ذلك، ونحن نعتقد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ في قبره، وأنّ قبره روضة من رياض الجنّة، فنزوره ونجدّد معه عهداً على أن لا نزيغ عمّا جاء به من الله تعالى؛ وأنتم تحرّمون ذلك وتمنعون منه؛ بل صرتم إلى تكفيرنا! وتستحلّون دماءَنا وتُفضّلون كفّار أهل الكتاب علينا! وتقولون عن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه عظام رمّة...، وغداً الملتقى عند ربٍّ لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض ويحكم بيننا بالعدل وحينها يخسر المبطلون.

79 - الفقيه الشيخ طارق بن محمّد الجباوي السعدي الشافعي. من علماء مدينة صيدا اللبنانيّة المعاصرين. له مؤلّفات كثيرة في الفقه والأصول والعقيدة

____________________

(1) تصحيح المفاهيم العقديّة، 135.

(2) نفسه 175.

١٣٥

والسيرة، كلّها في الردّ على ابن تَيمِيه، ممّا أثار عليه الوهّابيّين الجهلة فسعوا لإيذائه وهدّدوه رغم دعوته لهم للحوار والمناظرة.

ومن مؤلّفاته تلك: الردود الشرعيّة على الفتوى الحموية، وكشف المَيْن في شرح الحرّاني لحديث ابن حُصَين...

قال السعدي في مقدّمة كتابه كشف المَين: «فهذا كتاب أسميته كشف المَيْن أي: الكذب، بيّنت فيه بهتان ابن تيميه الحرّاني وافتراءه على العقل والنقل بما حشاه في شرحه لحديث سيّدنا عمران بن حصينرضي‌الله‌عنه ، منبّهاً على كثير من مخازيه بالإشارة أو العبارة، وذلك بعد اطّلاعي المفصّل على كتبه، كمجموع الفتاوى، ودرء التعارض، ومنهاج السنّة، والصفديّة؛ وغيرها ممّا نقلنا بعض نصوصه فيها على قِدم نوع العالم في كتاب كشف الزلل الذي فصلنا فيه مذهبه ورددنا عليه، حتّى أنّك لتجد الكشفين: للزللِ والمَيْن منفصلين متمّمين: فكلّ منهما كما أنّه استوف المطلب وحقّق المقصود، كان متمّماً للآخر في مسائل لم نتعرّض لها فيه»(1) .

وختم كتابه الآنف بقوله: «وبعد: فهذا آخر ما يسّره الله تعالى لنا في كشف مَيْن ابن تيميه على العقل والنقل سيّما حديث عمران بن حصين.

«ولسنا قد تعرّضنا له لشخصه إلاّ أنّه بات رأساً لفرقة ترجع إليه القول،

____________________

(1) مقدّمة كتاب كشف المين، طارق السعدي، دار الجنيد.

١٣٦

وتُوقِف العقل والنقل على بيانه، وروّجت له بين عوام العلماء، فبات بينهم علَماً محقّقاً بارعاً... الخ، ما أوجب علينا التخصيص والتنصيص.

فأسأل الله تعالى كشف بصيرة أتباعه فضلاً عن المغبونين والمغترّين به إلى الحقّ، ليعرفوا مكانة هذا المبتدع على التحقيق، وأنّه ليس إلاّ مارق زنديق، ليس فيما انفرد فيه إلاّ البِدعة والضلالة وفُرقة الجماعة»(1) .

ما أعظمها خزاية بابن تيميه شيخ إسلام المتسلّفين الوهّابيّين وإمامهم المطلق - كذا - أنّه كذّاب على العقل يتصيّد بذلك عبيد الدنيا وما لهم في الآخرة من خَلاق. ولم يقف عند ذلك، إنّما امتدّ كذلك إلى النقل وتكذيب النصّ أو تحريفه، وتحميل ما يضطرّ إلى تصديقه، ما لا يحتمل ويذكر أُموراً بعيدة؛ وعلى هذا حكم عليه السعدي أنّه ليس إلاّ مارق زنديق صاحب بِدعة وضلالة وفُرقة للجماعة. عامله الله تعالى ومَن تبعه بعدله.

80 - الشيخ يوسف بن هاشم الرفاعي، من رجالات الكويت المعاصرين.

مؤسّس معهد الإيمان الشرعيّ في دولة الكويت، ورئيس الاتحاد العالمي للدعوة والإعلام في لاهور وفي القاهرة.

له كتاب الردّ المحكم المنيع على شبهات ابن منيع.

نقتطف منه هذه الفقرة فهي وافية بالغرض، قال:

«رحم الله خصوم الشيخ ابن تيميه فإنّهم لما خرج على الإجماع في بعض

____________________

(1) كشف المَيْن - الخاتمة.

١٣٧

آرائه، أقاموا له المناظرات الكثيرة المفتوحة في مصر ودمشق بحضور العلماء والوزراء وطلبة العلم ولم يحكموا عليه من طرف واحد»(1) .

81 - الشيخ محمود سعيد بن ممدوح الشافعي، عالم مصري معاصر. له مؤلّفات واسعة في الحديث والفقه.

له ردود على ابن تيميه وأتباعه وتلامذته، من ذلك:

«ولا يخفى أنّ الشيخ أحمد بن تيميه الحرّاني الدمشقي (664 - 728) من علماء الحنابلة، كانت له آراء واختيارات انفرد بها، وأحدث بعضها دويّاً هائلاً بين العلماء لاسيّما في مصر والشام، وانتُقد انتقادات واسعة من معاصريه، بل إنّ تلاميذه المقرّبين كالمِزّي والذهبيّ وابن كثير وأشباههم كابن رجب الحنبلي انتقدوه وعارضوه، وبانقضاء هذا العصر أفل نجم هذه الفتنة، وقد أكثر العلماء فيما بعد من التحذير من شذوذات الشيخ ابن تَيمِيه. وكلمات التقي السُّبكي وابنه التاج والصلاح العلائي والحافظ العراقي وابنه وليّ الدين المعروف بـ (أبي زرعة) العراقي والحافظ ابن حجر والبدر العيني والتقي الحصني، وغيرهم من معاصريهم ومَن جاء بعدهم، أقول كلمات المذكورين وغير معروفة لأهل العلم في معارضة شذوذات الشيخ ابن تيميه نصيحةً للمسلمين ودفاعاً عن حوزة الدين وحفاظاً على أعراض أئمّة المسلمين من التكفير والتبديع. ومن قيام علماء المسلمين

____________________

(1) الردّ المحكم المنيع، يوسف الرفاعي 5، الطبعة السابعة، مكتبة دار القرآن الكريم - الكويت 1410 هـ.

١٣٨

بالنُّصح التامّ ودرء الفِتن في مهاجعها لقرون متتالية، فقد ظهر في وسط جزيرة العرب في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب المتوفّى 1206، وكان معجباً بآراء ابن تيميه الشاذّة المُنتقَدة وعضّ عليها بالنواجذ.

وزاد تمسّكه بها أنّه نشأ في بادية نائية فلم يتمكّن من معرفة اتّجاهات أهل العلم في دفع دخائل وانفرادات ابن تيميه عند أهل العلم فضلاً عن فقهاء مذهب السادة الحنابلة، ولم يداخل ابن عبد الوهّاب العلماء مداخلةً جيّدة تمكّنه من النظر الصحيح والموازنة بين الرأي والرأي الآخر»(1) .

إنّ ما ذهب إليه الشيخ الشافعي محمود سعيد في علّة تمسّك ابن عبد الوهّاب بآراء ابن تيميه الشاذّة؛ كونه قد نشأ في بادية نائية لم تمكّنه من مداخلة العلماء والتّفقة في معرفة الرأي والرأي الآخر، هو عين الحقيقة، ذلك أنّ هذه النشأة في مثل هذه البيئة الصحراوية القاسيّة بعيداً عن معاهد العلم والمعرفة لا تعطي نفسه إلاّ المفاهيم البسيطة الساذجة، وأظنّ ظنّاً قويّاً لو أنّ ابن تيميه قد دعا إلى وثنٍ، لتابعه ابن عبد الوهّاب، والقرآن الكريم قد نطق بحقيقة الأعراب في أكثر من آية، منها:( الْأَعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَاأَنْزَلَ اللّهُ

____________________

(1) كشف الستور عن أحكام القبور، محمود سعيد 6، الطبعة الأولى ن مكتبة دار الفقيه، الإمارات 1423 هـ.

١٣٩

عَلَى‏ رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1) .

مع التذكير أنّ نجوم ابن عبد الوهّاب كان مع دخول الإنجليز المحتلّين جزيرة العرب، وتعاون آل سعود معهم ضدّ الأتراك العثمانيّين، فيما رفض الهواشم ذلك؛ باعتبار أن الأتراك مسلمين وإن ظلموا، فيما الإنجليز كفّار. وبعد هزيمة الجيوش العثمانيّة، أعطى الإنجليز السلطة الزمنيّة لآل سعود؛ وبذا ظهرت المملكة السعوديّة، وأعطوا السلطة الدينيّة لآل الشيخ وهي أسرة محمّد بن عبد الوهّاب التميمي النَجْديّ، وما زال الأمر كذلك إلى يومنا. فالوهّابيّة حركة سياسيّة تتقنّع زوراً باسم الدين!

قال الشيخ محمود سعيد: «إنّ شدّ الرحال أي السفر لزيارة القبر النبوي الشريف - سواء كان سفراً تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر - من أهم القربات، وهو قريب من الوجوب عند بعض العلماء، بل واجب عند الظاهريّة وكثير من المالكيّة والحنفيّة.

وعلى كون هذا السفر قربة درج سائر الفقهاء في المذاهب الإسلاميّة العقدية والفقهية رحمهم الله تعالى، فكان إجماعاً للأمّة الإسلاميّة، وقد خالف هذا الإجماع الشيخ أحمد بن تيميه، فصرّح بأنّ السفر لزيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرُ معصية لا تقصر فيه الصلاة، وقال: مَن أراد أن يزور القبر الشريف فليزر المدينة

____________________

(1) التوبة: 97.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

النبويّة الشريفة، فهم آل بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأكرها الله تعالى ووهبهما بسبب قرابتهما من النبي صلّى الله عليه وسلّم كرامةً له؛ وعند ابن تيميه فقرابة النبي لا تنفع، وقوله هذا مخالف لأهل السنّة والجماعة؛ فليس أمام ابن تيميه إلاّ التسليم بالكسب، وها هو ذا رفض سبب السيادة كسباً، كما رفضها من قبل وهباً.

٤ - لو علِم أحدُ أصحاب ابن تيميه أنّه يقول على الحسن والحسين رضي الله عنهما: (وأمّا كونهما أزهد الناس وأعلمهم في زمانهم فهذا قولٌ بلا دليل) أكان يقول صاحب كتاب الأعلام العلية في مناقب ابن تَيمِيه: (بل لو سُئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخِ: مَن كان أزهد هذا العصر وأكملهم في رفض فضول الدنيا وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعتُ بمثل ابن تَيمِيه).

أو قول المِزّي كما جاء في كتاب الردّ الوافر على مَن زعم أنّ مَن أطلق على شيخ الإسلام فهوكافر: (وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أتْبع لهما منه).

يا ترى ماذا يكون الردّ؟

فكون ابن تيميه أزهد وأعلم أهل عصره لا يحتاج عندهم إلى دليل، وكون الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة أزهدَ وأعلم أهل عصرهما فهو يحتاج إلى دليل!

٥ - هل تعلم أنّه جاء في كتاب لابن تَيمِيه، اسمه الورع والعبادة أنّ رجلاً

١٦١

يُدعى أبو القاسم المغربي، بعث برسالة قال فيها:

(يتفضّل الشيخ الإمام بقيّة السَّلَف وقدوة الخلَف، أعلمُ مَن لقيت ببلاد المشرق والمغرب تقي الدين أبو العبّاس أحمد بن تَيمِيه، أن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني) إلى آخر الرسالة.

فأجاب ابن تيميه بكلامٍ طويل ليس فيه: ما دليلك على أنّني أعلمُ مَن لقيته ببلاد المشرق والمغرب، أو لا تمدحني!

فها هو ابن تيميه يسمح للناس أن يقولوا له: أنت أعلم مَن ببلاد المشرق والمغرب، ويستنكف ويستكبر على سيّدي شباب أهل الجنّة أن يكونا أزهد وأعلم أهل زمانهما!

وصلِّ اللّهمّ على سيّدنا محمّد الذي قال (لو أنّ رجلاً صَفَنَ بين الركن والمقام فصلّى وصام ثمّ لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار(١) )(٢) .

____________________

(١) أخطاء ابن تيميه، مصدر سابق ١١٥.

(٢) وذلك أنّ محمّدا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل بيته الذين هم بضعته الطاهرة فاطمة سيّدة نساء العالمين وزوجها وليّ الله وخليفة رسوله بنصّ القرآن وسيّد العرب، وولداهما اللّذان هما ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما سيّدا شباب أهل الجنّة؛ فهم نسيجُ وحده، لم يُشرك الله أحداً معهم في الدخول تحت الكساء إلاّ سفيره جبريلعليه‌السلام بعد أن استأذن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأذِن له، فتلا عليهم آية التطهير، فكان المطهّرون المعصومون هم هؤلاء لا يشركهم في ذلك أحد. وقد ذكرنا في غير هذا المكان أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد خرج بعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، يُباهل ويتحدّى بهم نصارى نجران، فغلبهم، فكانوا معجزة النبيّ يومئذ فمَن أبغضهم فقد أبغض القرآن الكريم الذي ضمّ من الآيات =

١٦٢

وردّاً لتطاول ابن تَيميه على زين العابدين الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، قال الدكتور محمود صبيح:

«هذا الإمام العظيم الذي ما من أحد من ذريّة الإمام الحسين إلاّ وقد خرج

____________________

= البيّنات ما تحدّث به عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وما زال ما نزل بهم آيات يتلوها المسلمون ويعرفون معانيها ويعتزّون بذلك.

والأحاديث الشريفة في قرن حبّ وبُغض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ بحبّ وبغض عليّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ؛ وكذلك حربهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بحربهم وسلمهمعليهم‌السلام ؛ ونصبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام علامةً مائزة بين الإيمان والنّفاق، فمَن أحبّه كان مؤمناً ومَن أبغضه كان منافقاً، وبذلك كان يصرّح الصحابة.

ولنذكر الآن ما يتّسع له المجال من مصادر فيما ذكرنا من غير ذكر الرّواة تاركين ذلك للمحقّق والمتتبّع:

صحيح مسلم ٢: ٦٤، ومسند الحَميدي رقم ٥٨؛ ومسند أحمد بن حنبل ١: ٨٤، و ٤٤٢ ن والمصنَّف لابن أبي شَيبة ٧/٥٠٥/٦٤ في فضائل عليّ، وكتاب الولاية لابن عُقدة ١٧٤، وخصائص أمير المؤمنين للنَّسائي حديث ١٠٠ و ١٠٢، وكتاب الفضائل لأحمد ١٤٣/٢٠٨، ومسند أبي يَعلى ١/٢٥٨: ٢٩١، وأنساب الأشراف للبلاذري ١/٣٨٣، وسنن ابن ماجة ١: ٤٢ حديث ١١٤، وصحيح الترمذي ٢: ٣١٩، و ٥: ٣٠١ - ٣٠٢، والإرشاد للمفيد ٣٩ فصل ٣، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ١٨٠، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٢١ و ٣: ١٤٩، وتاريخ بغداد ٧: ١٣٦ ن و ١٣: ٣٢، وصحيح ابن حبّان ١٥/٣٦٧: ٦٩٢٤، والصواعق المحرقة ١١٢، والمسلسلات لابن الجوزي ١٧ حديث ٣٠، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازلي حديث ٧٥ ن و ٦٤ و ٦٩ و ١٣٧ وغيرها، وكفاية الطالب ٦٩، والمحاسن والمساوئ للبيهقي: ٢٩٠، وتذكرة الخواصّ ٣٥، وحلية الأولياء ٦: ٢٩٤، وتفسير الحِبَري ٣٥٠، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣: ٦٣٤، والاستيعاب ٣: ٤٦ و ٤٧، وفضائل عليّ لابن مردويه ١١٥ ح ١٣٨، والشفا للقاضي عياض ٣١، والمعجم الأوسط ٥: ٨٩/٤١٦٣.

١٦٣

أو يخرج من صُلبه إلى آخر شريف حسينيّ؛ يتجرّأ عليه ابن تَيميه، وكأنّ ابن تَيمِيه أحد جنود يزيد بن معاوية الذين استهتروا بفضيلة أهل البيت وانتقصوهم، وقتلوا الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة أمام عينيه، وكم من مبغض لأهل البيت يريد قتل الحسين وأهل بيته حيّاً وبعد شهادته، لايطيق سماع حتّى أسمائهم! فما بالكم بفضيلتهم»(١) .

وعن اسلوب ابن تيميه ومنهجه في الخداع، قال:

«وانظر إلى دسّ السم، فإنّ القارئ العادي قد يخدع بأسلوب ابن تيميه وتهويله مثل قوله (ومن المعلوم أنّ كذا - مثل موضوع الشجرة - باتّفاق العلماء)... (اتّفقوا كلّهم)... (بإجماع الأئمّة)... إلى آخر ألفاظه التي يؤثّر بها على البسطاء والسُذّج والعوام، بل على بعض المنتسبين إلى العلم أو إلى الذين يريدون ركوب الموجة وقهر الناس بهذه الادّعاءات التي تزيدهم في نظر أنفسهم قوّة، وهم لا يزدادون إلاّ كذباً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يُكتب عند الله كذّاباً»(٢) .

تجاوزات ابن تيميه على مقام النبوّة بما لا يجرأ عليه مسلم، فضلاً عن شيخ الإسلام والإمام المطلق، وقد نقل الدكتور هذا المقطع الذي تقشعر له الأبدان من أقوال شيخ الضلال:

____________________

(١) أخطاء ابن تيميه ١٢٣.

(٢) نفسه ١٢١.

١٦٤

«ابن تيميه الذي أخطأ في رسول الله خطأ لم يخطأه أحد من الجنّ ولا من الإنس، وافترى فِريةً لا أدري ما حكم المفتونين به عليها؟!

قال ابن تيميه في مجموع الفتاوى (٣٢/٢٤٨): «وقد روى الشَّعبي عن النبي أنّ وفد عبد القيس لما قدموا على النبي وكان فيهم غلام ظاهر الوضاءة أجلسه خلف ظهره وقال (إنّما كان خطيئة داودعليه‌السلام النظر)، هذا وهو رسول الله وهو مزوّج بتسع نسوة، والوفد قوم صالحون ولم تكن الفاحشة معروفة في العرب، وقد روى عن المشائخ من التحذير عن صحبة الأحداث ما يطول وصفه» انتهى كلامه.

إقرأ وافهم:

غلام ظاهر الوضاءة.

أجلسه خلف ظهره.

وقال إنّما كان خطيئة داودعليه‌السلام النظر.

هذا وهو رسول الله وهو مزوج بتسع نسوة؟؟

والوفد قوم صالحون ولم تكن الفاحشة معروفة في العرب؟!

لا أستطيع التعليق، احكم أنت وقرّر.

هل تأخذ دينك من ابن تَيمِيه؟ أم تنتصر لرسولك ونبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

١٦٥

قرّر في أيّ صفّ أنت، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله»(١) .

ونحن مع الدكتور محمود في عدم الاستطاعة للتعليق على كذب ابن تيميه ووقاحته وماذا يريد ممّا قال؟! إلاّ أن نقول: اللّهمّ عامله بعدلك وانتصر لأنبيائك من شيعة ابن تيميه وعاملهم بعدلك.

٨٩ - الأستاذ الشيخ السعيد بدير ألماظ، باحث مصري.

ناقش في كتابه ابن تيميه بين نقيضين، مشيخته للإسلام واتّهامه بالكفر والزندقة آراء ابن تيميه وأتباعه في التجسيم والتشبيه.

قال الشيخ السعيد:

«وإنّك سوف تجد أخي المسلم أنّ ابن تيميه قد خالف جمهور المسلمين؛ بل وخالف الإجماع في باب الأسماء والصفات في الاعتقاد، مع ملاحظة أنّ ابن تيميّه كان يقول بقولٍ ثمّ تراه يقول عكس هذا القول، وربما كان هذا سبباً في أنّ الكثير من علماء المسلمين يحتارون في أمره»(٢) .

وقال: «أضف إلى ما تقدّم فإنّ ابن تيميه يعتقد أنّ من يذهب إلى تأويل آيات الصفات فإنّه يحرّف في كتاب الله تعالى مثل اليهود والنّصارى الذين بدّلوا وحرّفوا في التوراة والإنجيل، فتراه يقول كما نقل عنه الإمام ابن حجر

____________________

(١) خصوصيّة وبشريّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدكتور محمود السيد صبيح ٢١٢ الطبعة الأولى دار الركن والمقام، مصر ١٤٢٥ هـ.

(٢) ابن تَيمِيه بين نقيضين، السعيد بدير ٣ الطبعة الأولى ١٤٢٦ هـ.

١٦٦

العسقلانيرحمه‌الله ، في كتابه الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح: إنّ التوراة والإنجيل وقع فيها تبديل وتغيير في المعاني لا في الألفاظ، فهم يحرّفون المعاني ويأوّلونها على غير تأويلها.

وهذا كلام خطير جدّاً حيث يعتقد بصحّة ألفاظ التوراة والإنجيل التي بأيدي اليهود والنصارى»(١) .

وقال أيضاً: انّ ابن تيميه وأتباعه من السَّلفيين المعاصرين أمثال ابن العثيمين، وابن باز يقولون: (أنّه معنا بذاته وفوق عرشه بذاته) وفي ذلك كلام خطير لم يقله السَّلَف أو الخلَف،حتّى أن أحمد بن حنبل الذين يزعمون أنّهم أتباع عقيدته وهو من قولهم بريء قال: أنّه معنا بعِلمه»(٢) .

وهذا يُعلمك أنّ هؤلاء السلفية الوهّابيين لا ينتمون إلى مذهب وإنّما قد أهلكهم ابن تيميه بفتنته( وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً ) (٣) . وابن تيميه قد علمتَ من أمره وأنّه لا يفتي برأي مذهب من المذاهب الإسلاميّة، وأنّ هذه المذاهب قد أجمعت كلمتها على تبديع ابن تيميه وزندقته وكفره؛ فأنّى لهؤلاء انتحال الإمام أحمد؟ وأحمد منهم بريء! وهذه كلمته مباينة لما يقولون.

وقال: «أما ابن تيميه وأتباعه من السَّلفيّين المعاصرين كابنِ العثيمين، وابن

____________________

(١) نفسه ٣٢.

(٢) نفسه ٧٥.

(٣) النساء: ٣٨.

١٦٧

باز، فيقولون أنّه بذاته [ تعالى الله عمّا يصفون ] أو معنا حقيقةً؛ وهذا من أوضح الدلائل على أنّ هؤلاء الإخوة السلفيين مخالفون للإجماع وأنّهم شاردون عن مذهب أهل السنّة والجماعة في هذه المسائل الخاصّة بالأسماء والصفات»(١) .

وقال: «ومن المعلوم كما بيّنّا سابقاً أن عقيدة ابن تيميه وجماعته بأنّ الله تعالى في جهة الفوق بذاته، ويجلس ويستقرّ على العرش بذاته، وجهة الفوق أحد الجهات الست، ثمّ تراهم في موضع آخر يقولون بجهات مخلوقة وأخرى غير مخلوقة! وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على عدم وضوح عقيدتهم في الأسماء والصفات»(٢) .

٩٠ - الأستاذ الباحث عبد الواحد مصطفى، معاصر.

وهو محقّق كتاب دفع شُبَه مَن شَبّه وتمرّد للشيخ الحِصْني الشافعيّ، ومحقّق كتاب الفتاوى السهمية في ابن تيميه لجماعة من العلماء.

تحدّث في مقدّمة تحقيقه لكتاب دفع شُبَه مَن شَبّه وتمرّد عن الجيل الجديد من الخوارج كما أسماهم فقال:

«وكلّ مَن شاهد هذه الجماعات أو سمع منهم أو قرأ لهم يكتشف أنّهم لا يخرجون عن آراء ابن تيميه واصفين إيّاه بأنّه شيخ الإسلام وجاعلين منه المرجع الأوّل والأخير! عوضاً عن جمهور المسلمين وجماعتهم الذين شقّ عليهم

____________________

(١) ابن تيميه بين نقيضين ١٢١.

(٢) نفسه ٢٤٨.

١٦٨

ابن تيميه عصا الطّاعة - كما سيتّضح من الكتاب - مع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهد لجماعة المسلمين وجمهورهم بأنّهم لن يجتمعوا على ضلالة وأنّ من شذّ عنهم شذّ في النار، ولم يشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو مصدرُ التشريع؛ بل ولا غيره، لابن تيميه بالعصمة! لذا كان من الضروريّ جدّاً تسليط الضوء في صورة عامّة وقراءة سريعة لشخصيّة هذا الرجل - ابن تيميه - وآرائه باعتباره محور الفتنة القائمة ومودها.

ولا يعنينا في هذا الصدد إثبات كفره أو براءته من هذه التهمة، بل يكفي أن يكون متّهماً بذلك من فريقٍ معتبر من أئمّة المسلمين وعلمائهم أو أن يكون مخطئاً أخطاءً شنيعة تدمّر المجتمع والفكر الإسلاميّ في نظر جمهور الأئمّة في عصره والعصور التالية - حتّى وإن لم يكفر - لإثبات خطورة فكره وآرائه الشاذّة وسلوكه المنحرف على جمهور الأمّة من بعده، كما يكفي ذلك جدّاً كي نطالب علماء المسلمين بتنقية التراث الإسلامي والعلوم الإسلاميّة من كلّ ما أدخله ابن تيميّه وتلاميذه من آراء ومعتقدات باطلة، وذلك خطوة أساسيّة ومقدّمة لابدّ منها...»(١) .

وقال تحت عنوان (منهج الحِصْني في ردّ بِدع ابن تَيمِيه)

«وسع الإمام الحصني من كلامه في التنزيه وعلاج مرض التشبيه والتحذير منه، وكذا في فتاواه بخصوص التوسّل وشدّ الرحال إلى زيارة سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم،

____________________

(١) مقدّمة كتاب دفع شبه من شبّه وتمرّد، أبوبكر الحصني ١٨، دار المصطفى.

١٦٩

وذلك لمسيس حاجة العوام إلى هذه النقاط واستعرض الباقي استعراضاً سريعاً في إشارة إلى أنّها من جملة بِدعه.

والغرض من كلّ ذلك هو إسقاط إمامة ابن تيميه ومرجعيّته عند عوامّ المسلمين وإيضاح أن متّبعه من العوام لن يُغنيه عند الله أنّه قد أخذ بقول أحد العلماء - ابن تيميه - وهو يتقلّد في عنقه مسؤوليّة فتواه، إذ إنّ ذلك يكون مع علماء الآخرة فقط الذين هم على الصراط المستقيم.

أما علماء السوء وأهل البدعة فبعد أن يتبيّن لكلّ أحد بهذا الكتاب أو غيره، أنّهم تركوا الصراط المستقيم واتّبعوا السبل الأخرى عن يمينه ويساره فلا يغني اتّباعهم عند الله شيئاً حتّى لو نطقوا بما ظاهره الصواب، فإن كان حقّاً [افتراضاً] فقد قاله الله ورسوله ونقلته لنا جمهور الأمّة المعصومة، فنحن متّبعون لقول الله وقول رسوله وليس لهم؛ وإن نطقوا بالباطل - وما أكثره - فنحن أوّل من ينكره وما أشبه ذلك بقول الحقّ سبحانه:( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ، أي أنّهم كاذبون حتّى وإن قالوا: (نشهد إنّك لَرسولُ الله).

فعدالة هؤلاء المبتدعة ساقطة ولا يحلّ تقليدهم ولا النقل عنهم. والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل»(٢) .

____________________

(١) المنافقون: ١.

(٢) مقدّمة دفع شُبَه من شبّه ٤٠.

١٧٠

بعد أن أنزلهم منزلة المنافقين! فلا يجوز لمسلم يخاف يوم المعاد متابعتهم؛ إذ المنافقون يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والعداء لله ولرسوله وللمؤمنين، ويترصّدون المؤمنين ويتربّصون بهم الدوائر، ويظهرون بسمت المؤمنين، ويتحرّون من الكلام ما يُظنّ معه أنّهم مؤمنين( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنّهُمْ خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوّ فَاحْذَرْهُمْ ) (١) .

وانّ من تبعهم فقد خسر خسرانا مبينا، ذلك( إِنّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ ) (٢) .

وأشدّ الأقوام تمرّسا في الكفر والنّفاق: الأعراب، كما حكاه القرآن الكريم:( الْأَعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَاأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى‏ رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٣) .

وليس أشدّ غلظة وأكثر خطراً على الإسلام من أعراب نجد، وقد ذكرنا أن قبائل نجد قد تأخّر إسلامها حتّى العام التاسع، «ويُسمّى عام الوفود»، ذلك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فتح مكّة، ورأت قريش أنّها غُلبت فأظهرت إسلامها، حينها راحت القبائل تضرب نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تُعلن إسلامها. ولقد كانت مُزينة أوّل مَن وفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك أنّهم وفدوا في رجب سنة خمس، فكان ذلك فضيلة

____________________

(١) المنافقون: ٤.

(٢) النساء: ١٤٥.

(٣) التوبة: ٩٧.

١٧١

لهم، إذ جعل لهم رسول الله الهجرة في دارهم وقال: «أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم»، فرجعوا إلى بلادهم(١) .

وذلك أنّهم وفدوا قبل الفتح، وقد قال تعالى:( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) (٢) .

و للخصائص التي انطبعت بها القبائل النجديّة، فإنّ القرآن الكريم ذكرها في أربع سور: التوبة - أو براءة -، وهي سورة السيف والسورة الوحيدة التي نزلت من غير بسملة «بسم الله الرحمان الرحيم» التي هي أمان، وقد ذكر الأعراب فيها في ستّ آيات كلّها ذمّ شديد للأعراب، إلاّ قوله تعالى( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتّخِذُ مَايُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرّسُولِ أَلاَ إِنّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ ) (٣) الآية.

قال ابن عبّاس: «هم مزينة، وجهينة، وأسلم». وهذه القبائل خارج نجد.

وسورة الأحزاب، وسورة الفتح، وسورة الحجرات.

____________________

(١) طبقات ابن سعد ١: ٢٢٢، ومسند أحمد ٤: ٥٥، وفتح الباري ١٣: ٤١، والمعجم الكبير للطبراني ٧: ٢٦.

(٢) الحديد: ١٠.

(٣) التوبة: ٩٩.

١٧٢

وُفود نجد - وفد أسد

سنة تسع قدم وفد بني أسد بن خزيمة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، متدرّعا خيلاء الجاهليّة وقد ضمّ الوفد طلحة بن خويلد، الذي تنبّأ بعد ذلك وشكّل خطرا على الإسلام حيث تبعته قبائل نجديّة مثل أسد، وغطفان... وغيرها.

وضمّ الوفدُ كذلك: حضرميّ بن عامر الذي قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتيناك نتدرّعُ الليل البهيم، في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا.

فنزلت فيهم( يَمُنّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَ تَمُنّوا عَلَيّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) الآية.

قال مقاتل:( يَمُنّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) نزلت في أناس من الأعراب من بني أسد بن خزيمة، قدموا على النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فقالوا: جئناك وأتيناك بأهلنا طائعين عفواً على غير قتال، وتركنا الأموال والعشائر، وكلّ قبيلة في العرب قاتلوك حتّى أسلموا، فلنا عليك حقّ، فاعرف لنا ذلك، فنزلت:( يَمُنّونَ عَلَيْكَ ) يا محمّد( أَنْ أَسْلَمُوا ) (٢) ...

إنّ القرآن الكريم يفضح القوم ويكشف دخائلهم، في الدرّ المنثور، عن مجاهد في قوله تعالى( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ

____________________

(١) الحجرات: ١٧.

(٢) تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ٣: ٢٦٥. والمصنّف لابن أبي شيبة (١٢/٢٠٥) وطبقات ابن سعد ١: ٢٢٣.

١٧٣

الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (١) الآية. قال: هم أعراب بني أسد بن خزيمة؛ و «أسلمنا» قال: استسلمنا مخافة القتل والسبي(٢) .

وفي قوله تعالى( الْأَعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَاأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى‏ رَسُولِهِ ) (٣) ، الآية. قال: أخرج أبو الشيخ عن الكلبي: إنّها نزلت في أسد وغَطفان(٤) .

وذكر الواحدي في أسباب النزول، قال: قوله تعالى:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنّا ) الآية. نزلت في أعرابٍ من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السّر، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنوفلان، فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنّون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية(٥) .

وفدُتميم

في العام نفسه - التاسع - قدم وفد تميم، فيهم عطارد بن حاجب بن زرارة

____________________

(١) الحجرات: ١٤.

(٢) الدرّ المنثور، للسيوطي ٧: ٥٨٢.

(٣) التوبة: ٩٧.

(٤) الدر المنثور ٤: ٢٦٦.

(٥) أسباب النزول، للواحدي ٢٦٦.

١٧٤

ابن عُدُس التميميّ، والأقرع بن حابس التميميّ، والزّبرقان بن بدر التميميّ، في وفد عظيم من تميم.

قال ابن إسحاق: «فلمّا دخل الوفد المسجد، نادوا رسول الله من وراء حجراته: أن أخرج إلينا يا محمّد، فآذى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من صياحهم، فخرج إليهم فقالوا: يا محمّد! جئناك نفاخرك فأذَن لشاعرنا وخطيبنا؛ قال: قد أذنت لخطيبكم فليقل، فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له الفضل والمن، وجعلنا أعزّ أهل المشرق(١) وأكثره عدداً، وأيسره عُدّة، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس واُولي فضلهم؟ فمَن فاخرنا فليعدّد مثل ما عدّدنا...»(٢) .

إذن: لم يأتوا مسلمين، وإنّما أتوا يفاخرون بكثرة عددهم وعدّتهم. وبعد أن أجابهم خطيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ثابت بن قيس بن الشمّاس»؛ قام شاعرهم الزّبرقان بن بدر فافتخر بقومه أيّما فخر، فأجابه حسّان بن ثابت «فلمّا فرغ حسّان؛ قال الأقرع بن حابس: إنّ هذا الرجل - أي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لـمُوتّى له(٣) ، خطيبُه أخطبُ من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أحلى من أصواتنا. ثمّ أظهروا الإسلام. وفيهم أنزل الله تعالى( إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ

____________________

(١) مصداق للأحاديث في أنّ أهل المشرق الذين امتنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدعاء لهم بالخير؛ وقال عنهم «أرض الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان».

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٤: ٢١٢.

(٣) أي موفّق.

١٧٥

يَعْقِلُونَ ) (١) .

وما عسانا نرجو من قوم لم يفقهوا من الإسلام شيئاً، إلاّ المباراة بالخطابة والشعر وحلاوة الأصوات! فلمّا غُلبوا في كلّ ذلك؛ قالوا مقالتهم الباردة: إنّ هذا الرجل لموتّى له - أي موفّق -، فلم يقرّوا أنّه وحي، والاّ لقالوا بما يناسب مقام النبوّة لو كانوا يفقهون. فهم ينتقلون من قبيح إلى أقبح! (وبسند عن جابر بن عبد الله، قال: جاء بنو تميم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادوا على الباب يا محمّد اخرج إلينا، فإنّ مدحنا زين وإنّ ذمّنا شين. فسمعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج عليهم وهو يقول: إنّما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمّه شين. فقالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا، نشاعرك ونفاخرك! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا...) ثمّ ذكر عين ما ذكره ابن إسحاق وغيره(٢) .

قال: وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلّى الله عليه «وآله» وسلّم، وأنزل الله هذه الآية( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) (٣) .

وقد أخرج الحكيم الترمذيّ، وغيره في نزول الآية، عن أبي مليكة قال:

____________________

(١) السيرة، لابن هشام ٤: ٢١٢، وتفسير مقاتل ٣: ٢٥٩، وأسباب النزول للواحدي ٢٥٩، وطبقات ابن سعد ١: ٢٢٤، وتفسير ابن زمنين (ت ٣٩٩ هـ) ٢: ٣٦٦.

(٢) أسباب النزول للواحدي ٢٥٩ - ٢٦١.

(٣) الحجرات: ٢. انظر أسباب النزول للواحدي ٢٦١.

١٧٦

كاد الخيّران أن يهلكا: أبوبكر، وعمر، رفعا أصواتهما حين قدم عليه وكب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبوبكر لعمر: ما أردت إلاّ خلافي، قال: ما أردتُ خلافك، فارتفعت أصواتهما، فأنزل الله هذه الآية(١) .

وأخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قدم ركب من بني تميم على النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فقال أبوبكر: أمّر القعقاع بن معبد بن زرارة، فقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس. قال أبوبكر: ما أردت إلاّ خلافي. قال عمر: ما أردتُ خلافك، فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالى( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ ) (٢) .

وذكره ابن كثير في سيرته، قال: ورواه البخاري أيضاً من غير وجه عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخر. وقد ذكرنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى( لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ ) (٣) .

____________________

(١) سنن الترمذيّ ٥: ٦٣ رقم ٣٣١٩، وصحيح البخاريّ ٦: ٤٦، وسنن النّسائيّ ٨: ٢٢٦، ومسند أحمد ٢: ٦، وتفسير الطبريّ حديث ٣١٦٧٣، وأحكام القرآن لابن العربيّ ٤: ١٠٨، وتفسير ابن كثير ٢: ٥٢٧، ومسند أبي يعلى ٦٨١٦، ومعالم التنزيل للبغويّ ١٩٩٠.

(٢) الحجرات: ٢. انظر أسباب النزول للواحدي ٢٥٧.

(٣) السيرة النبويّة لابن كثير، ٤: ٧٩.

١٧٧

وفد بني عامر

تأخّر وفد عامر حتّى العام العاشر، فقدم وفدهم وفيهم عامر بن الطّفيل، وأربد بن قيس، وجبّار بن سلمى، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر بن الطفيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يريد الغدر به، وقد قال له قومه: يا عامر إنّ الناس قد أسلموا فأسلم. قال: والله لقد آليت أن لا أنتهي حتّى تتبع العرب عقبي، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش! ثمّ قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإنّي ساشغل عنك وجهه، فلمّا قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال عامر: يا محمّد! خالني(١) ، قال: «لا والله حتّى تؤمن بالله وحده». قال: يا محمّد! خالني، وجعل يكلّمه وينتظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد أربد لا يحير شيئاً. فلمّا أبى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أما والله لأملأنّها عليك خيلاً ورجالاً، فلمّا خرجوا من عند رسول الله، قال عامر لأربد: يا أربد، أين ما كنتُ أمرتك به؟ قال: لا أبا لك! لا تعجل عليّ، والله ما هممت بالّذي أمرتني به من أمره إلاّ دخلتَ بيني وبين الرّجل حتّى ما أرى غيرك، أفأضربُك بالسيف؟ وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتّى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر الطّاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأةٍ من بني سلول. ثم خرج أصحابه حين واروه فقالوا: يا أربد، ما وراءك؟ قال: لا شيء والله!! لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددتُ أنّه عندي الآن

____________________

(١) خالني: تفرّد لي خالياً حتّى أتحدّث معك.

١٧٨

فأرميه بالنبل حتّى أقتله، فخرج بعد مقالته بيومٍ أو يومين، فأرسل الله تعالى، عليه وعلى جمله صاعقةً فأحرقتهما(١) .

ولعامر بن الطّفيل قصّة مع الإسلام يرجع عهدها إلى شهر صفر من العام الرابع حيث عدى على بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى نجد، فقتلهم وكان عددهم سبعين رجلا من الأنصار يسمّون القرّاء. وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قتلتهم فقال: (اللّهم اشدد وطأتك على مضر. اللّهمّ سنين كسنيّ يوسف)(٢) . وذلك لما كان يواجههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القبائل المضريّة من أعراب تميم، وأسد، وغطفان، وعامر، وفزارة، وضبّة، وغيرها من قبائل نجد.

نجد في السّنّة

لما طبعت به القبائل النجديّة على ما ذكرنا من بعض أخبارها، فقد حفلت السنّنّة بوصفها بكلّ قبيح، إقليماً، وقبائلاً!

أخرج مسلم بسنده عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، قال: «أسلَمُ، وغفارُ، ومزينةُ، وجهينة خيرٌ من بني تميم ومن بني عامر والحليفين بني أسد وغطفان»(٣) .

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٤: ٢١٣.

(٢) نفسه ٣: ١٩٣، والطبقات الكبرى لابن سعد ٢: ٥٢.

(٣) صحيح مسلم ١٦: ٧٦.

١٧٩

وأخرج بسنده عن محمّد بن أبي يعقوب، قال: سمعت عبد الرحمان بن أبي يحدّث عن أبيه: أنّ الأقرع بن حابس (التميمي النجديّ) جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال: إنّما بايعك سرّاق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة، وأحسب جهينة (محمّد الذي شكّ) فقال رسول الله: «أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة - وأحسب جهينة - خيراً من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان، أخابوا وخسروا؟» فقال: نعم. قال: «فو الّذي نفسي بيده إنّهم لأخير منهم»(١) .

وللأقرع هذا ولغيره من مبرّزي أعراب نجد من مواقف الدناءة ما سنذكرها عمّا قريب.

وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن الصّامت، قال: قال أبوذرّ: قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: «غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله»(٢) .

ومثله عن جابر، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

وعن خفاف بن إيماء الغفاريّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في صلاةٍ: «اللّهمّ العن بني لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصيّة عصوا الله ورسوله؛ غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله»(٤) .

____________________

(١) نفسه: ٧٦.

(٢) صحيح مسلم ١٦: ٧٢.

(٣) نفسه.

(٤) نفسه: ٧٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238