ابن تيميه الجزء ٣

ابن تيميه25%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 238

  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41946 / تحميل: 6450
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

«القصيدة الجلجليّة»، فما أشبه اليوم بالبارحة.

وإذا كان لبس الحرير حراماً على الرجال، فإنّه يجوز عند الضرورة كما لو كان لعلاج مرض. كيف والفقيه لم يتّخذه لباساً وإنّما وضع على رأسه قطعةً منه تواريها العمامة، فهل مثل هذا الفعل منكر يحقّ للعامّة أن تنكره، ويتابعهم القاضي فيسجنه ويعزّره؟ ويُترك ابن تيميه في بغضائه المتوارث يحرّم زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويُجسّم ذات الله سبحانه، ويُبعّضه ويصفه بنفسه؟! إلاّ أنّ الله تعالى لبالمرصاد: إذ مات ابن تيميه سجين فتنته.

٣٧ - الحافظ الشيخ زين الدين عبد الرحمان بن رجب الحنبلي (ت ٧٩٥ هـ).

قال الشيخ أبوبكر الحصني الشافعي: «وكان الشيخ زين الدين بن رجب الحنبلي ممّن يعتقد كفر ابن تَيمِيه، وله عليه الردّ، وكان يقول بأعلى صوته في بعض المجالس: معذور السبكي - يعني في تكفيره -(١) ».

٣٨ - الإمام الشيخ محمّد بن عرفة التونسي المالكي (ت ٨٠٣ هـ).

قال الشيخ الكتّاني: «ومن أشنع ما نُقل عن ابن تيميه أيضاً قوله في حقّ شفاء القاضي عياض(٢) : غَلا هذا المـُغَيربي، وقد قال في ذلك شيخ الإسلام بإفريقية الإمام العلَم أبو عبد الله بن عرفة:

شفاء عياض في كمال نبيّنا

كواصف ضوء الشمس ناظر قرصها

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٢١٤ - ٢١٥.

(٢) يريد بذلك: كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى اليَحْصُبي.

٤١

فلا عَرو في تبليغه كنه وصفه

وفي عجزه عن وصفه كنه شخصها

وإن شئت تشبيها بذكر إمارة

بأصل ببرهان مبين لنقصها

وهذا بقول قيل عن زائغ: غلا

عياض فتبّت ذاته عن محيصها(١)

تعليق: القاضي عياض عالم فقيه، ألّف في حق الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاباً سمّاه الشفا بتعريف حقوق المصطفى، عرض من جملة ما عرض له مسألة زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوسيلة والشفاعة...، ممّا هو إجماع الأُمّة. فإن قال ابن تيميه هذا غلوّ؛ قلنا: فضحتَ نفك بنصبك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا لعليّعليه‌السلام فقط! ومن قبل هذا وذاك تعرّضت لذات الله تعالى، فلا بدّ إذن أن تتعرّض لرسوله ولأوليائه، فحسبك من خصماء يوم تُفضح السرائر.

٣٩ - الإمام الحافظ القاضي زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت ٨٠٤ هـ).

ذكر تلميذه بدر الدين العيني في كتابه (عُمدة القاري) نقلاً عنه: «وقال شيخنا زين الدين: وأمّا تقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرّك، وكذلك تقبيل أيدي الصالحين وأرجلهم فهو حسن محمود باعتبار القصد والنّية، وقد سأل أبو هريرة الحسنرضي‌الله‌عنه ، أن يكشف له المكان الذي قبّله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان ثابت البناني لا يدع يدّ أنسرضي‌الله‌عنه حتّى يقبّلها ويقول: يدٌ مسّت يدَ

____________________

(١) فهرس الفهارس، محمّد عبد الحي الكتاني، ١: ٣٧٨، الطبعة الثانية، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٤٠٢ هـ.

٤٢

رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم.

وقال أيضاً: وأخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خطّ ابن ناصر وغيره من الحفّاظ، أنّ الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، وتقبيل منبره فقال: لا بأس بذلك. قال: فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيميه فصار يتعجب من ذلك ويقول: أحمد جليلٌ عندي، يقولُه؟ هذا كلامُه أو معنى كلامه.

وقال: وأيّ عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنّه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به؟! وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم، فكيف بمقادير الصحابة، وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟!

ولقد أحسن مجنون ليلى حيث يقول:

أمُرّ على الديار ديار ليلى

أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفْنَ قلبي

و لكن حُبُّ من سكن الديارا»(١)

٤٠ - الشيخ أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي (ت ٨٠٥ هـ).

قال عنه السخاوي: «... وصرّح عن نفسه بأنّه يبغض ابن تيميه لما كان يُخالف فيه من المسائل»(٢) .

____________________

(١) عُمدة القارئ، بدر الدين العيني، ٩: ٣٤٩، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٢٤ هـ.

(٢) الضوء اللامع، السخاوي، ١: ١٠٧، دار الكتاب الإسلامي، مصر.

٤٣

٤١ - الإمام أبوبكر بن محمّدالحِصْني الدمشقي الشافعي (٧٥٢ - ٨٢٩ هـ).

كان شديداً في الردّ على ابن تيميه، وله في ذلك أكثر من مصنّف، من ذلك كتابه «دفعُ الشّبه».

تكلّم فيه عن كفر من خاض في الصفات وشبّه الله تعالى بخلقه قال: «وقد بالغ في الكفر من ألحق صفة الحقّ بالخلق، وأدرج نفسه في جريدة السامرة واليهود الذين هم أشدّ عداوة للّذين آمنوا(١) .

وذكر بعد الفصل المتقدّم، أن قال: وكنتُ قد عزمت على أن أقتصر على ذلك؛ لأنّ في بعض ما ذكرته وقاية من المقت والمهالك.

ثمّ قيل لي وكُرِّر علَيَّ: إنّ أهل التشبيه والتجسيم والمزدرين بسيّد الأوّلين والآخرين - تبعاً لهم لسلالة القردة والخنازير - لهم وجود وفيهم كثرة، وقد أخذوا بعقول كثير من الناس؛ لما يزيِّنون لهم من الإطراء على قدوتهم، ويزخرفون لهم بالأقوال والأفعال، ويُموِّهون لهم بإظهار التنسّك... ممّا يُحسّن في قلوب كثير من الرجال، لا سيّما العوامّ المائلين مع كلّ ريح أتباع الدجّال؛ فانقادوا لهم بسبب ذلك، وأوقعوهم في أسر المهالك. فرأيتُ بسبب هذه المكايد والخزعبلات أن أتعرّض لسوء عقيدتهم؛ قمعاً لهذا الزائغ عن طريق الحقّ، وهم الأئمّة الأربعة المقتدى بهم والمعوّل عليهم في جميع الأعصار والأقطار...

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٤١.

٤٤

وقد بالغ جمع من الأخيار من المتعبّدين وغيرهم من العلماء، كأهل مكّة وغيرها، أن أذكر ما وقع لهذا الرجل من الحيدة عن طريق هذه الأئمّة... فاستخرت الله - عزّ وجلّ - في ذلك، ثمّ قلت: لا أبا لك! وتأمّلت ما حصل وحدث بسببه من الإغواء والمهالك، فلم يسعني عند ذلك أن أكتم ما علمت، وإلاّ ألجمتُ بلجام من نار ومقت.

وها أنا أذكر الرجل...، وأذكر بعض ما انطوى باطنه الخبيث عليه، وما عوّل في الإفساد بالتصريح أو الإشارة إليه.

وله مصنّفات أُخر لا يمكن أن يطّلع عليها إلاّ من تحقّق أنّه على عقيدته الخبيثة...»(١) .

قال: «قال بعض العلماء من الحنابلة في الجامع الأُموي في ملأ من الناس: لو اطّلع الحصني - صاحب هذا الكلام - على ما اطّلعنا عليه من كلامه، لأخرجه من قبره وأحرقه! وأكّد هؤلاء أن أتعرّض لبعض ما وقفتُ عليه، وما أفتى به مخالفاً لجميع المذاهب، وما خُطِئ فيه وما انتُقد عليه، وأذكر بعض ما اتّفق له من المجالس والمناظرات وما جاءت به المراسيم العاليات.

وأتعرّض لبعض ما سلكه من المكايد التي ظنّ بسببها أنّه تخلّص من ضرب السياط والحبوس وغير ذلك من الإرهانات(٢) .

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٧٥ - ٧٦.

(٢) نفسه، ٧٦.

٤٥

انتساب ابن تيميه إلى مذهب أحمد بن حنبل!

فأوّل شيء سلكه من المكر والخدع أن انتمى إلى مذهب الإمام أحمد، وشرع يطلب العلم ويتعبّد، فمالت إليه قلوب المشايخ...، ثمّ شرع ينظر في كلام العلماء، ويعلّق في مسودّاته حتّى ظنّ أنّه صار له قوّة في التصنيف والمناظرة، وأخذ يدوّن ويذكر أنّه جاءه استفتاء من بلد كذا، وليس لذلك حقيقة، فيكتب عليها صورة الجواب، ويذكر ما لا يُنتقد عليه، وفي بعضها ما يمكن أن يُنتقد، إلاّ أنّه يُشير إليه على وجه التلبيس...(١) ».

خداعه لعوامّ الناس

فكان إذا جاءه أحد يسأله عن مسألة، قال له، عاودني فيها، فإذا جاءه قال: هذه مسألة مشكلة! ولكن لك عندي مخرج أقوله لك بشرط، فيقول: أنا أوفي لك. فيقول: أن تكتم عليّ، فيعطيه العهود والمواثيق على ذلك، فيفتيه بما فيه فرجه؛ حتّى صار له بذلك أتباع كثيرة يقومون بنصرته أن لو عرض له عارض.

ثمّ إنّه علم أنّ ذلك لا يخلّصه، فكان إذا كان في بعض المجالس، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! قد انفتقت فتوق من أنواع المفاسد يبعد ارتتاقها، ولو كان لي حكمٌ لكنتُ أجعل فلاناً وزيراً، وفلاناً محتبساً، وفلاناً دويداراً، وفلاناً أمير

____________________

(١) دفع الشّبه، ٧٦ - ٧٧.

٤٦

البلد، فيسمع أولئك وفي قلوبهم من تلك المناصب، فكانوا يقومون في نُصرته(١) .

إنّ الذي ذكره الحصني، أنّ ابن تيميه تستّر أوّلاً بالمذهب الحنبلي الذي هو مذهب أكثر أهل دمشق، ثمّ أظهر نفسه بمظهر العلماء من خلال الكذب وكتابة استفتاءات يزعم أنّها جاءته من بلدان، والحال ليس كذلك. وهو لا يجيب حتّى يتوثّق من السائل أن يكتم عليه فيفتيه بالباطل الذي يفرّج له أمره! ثمّ هو يثير عواطف أتباعه أنّه لو صار حاكماً لجعل فلاناً من أتباعه في المنصب كذا، وفلاناً كذا...، وبهذا الخداع جمع له أتباعاً من الجهلة المشبّهة المجسّمة - كما ذكر الحصني، ممّا أثار حفيظة العلماء وفيهم الحنابلة، ممّا يوقفنا على حقيقة الرجل.

محايلته للعلماء

قال: ثمّ اعلم: أنّ مثل هؤلاء لا يقدرون على مقاومة إذا قاموا في نحره؛ فجعل له مخلصاً منهم؛ بأن ينظر إلى مَن الأمر إليه في ذلك المجلس، فيقول له: ما عقيدة إمامك، فإذا قال: كذا وكذا، قال: أشهد أنّها حقّ، وأنا مخطئ، واشهدوا أنّي على عقيدة إمامك؛ وهذا كان سبب عدم إراقة دمه، فإذا انفضّ المجلس أشاع أتباعه أنّ الحقّ في جهته ومعه، وأنّه قطع الجميع؛ ألا ترون كيف خرج سالماً حتّى حصل بسبب ذلك افتتان خلق كثير، لا سيّما من العوامّ.

فلمّا تكرّر ذلك منه علموا أنّه إنّما يفعل ذلك خديعة ومكراً، فكانوا مع قوله

____________________

(١) نفسه، ٧٧.

٤٧

ذلك يسجنونه، ولم يزل ينتقل من سجن إلى سجن حتّى أهلكه الله - عزّ وجلّ - في سجن الزندقة والكفر(١) .

التزام ابن تيميه للتقيّة

قال: ومن قواعده المقرّرة عنده، وجرى عليها أتباعه، التوقّي بكلّ ممكن حقّاً كان أو باطلاً ولو بالأيمان الفاجرة؛ سواء كانت بالله أو بغيره»(٢) .

إنّ موضوع التقيّة، من المسائل التي يرفع الوهّابيّون عقيرتهم بها، متّهمين بها أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وأنّها من خصوصيّاتهم، غير ملتفتين إلى القرآن الكريم وقد نطق بها، وكذلك الأحاديث الصحيحة، حقنا للدم وحفظاً للنفس والمصالح الأكبر؛ لو توقّف كلّ ذلك على هذا المخرج «التقيّة» من غير أن يوجبه، إلاّ إذا تعلّق ذلك بمصلحة الإسلام والمجتمع.

وهم يذكرون ذلك والكثكثُ في أفواههم والعار في إمامهم الذي تارةً يشهد على نفسه أنّه شافعيّ، فإذا انفضّ المجلس حركه شيطانه فعاد إلى إثارة الفتن، فإذا حُوقق قال: ما أردتُ هذا وإنما أردتُ كذا، حتّى وصفوه بالعصفور الذي يفرّ من غُصنٍ إلى غصن.

وأيّ شيء تقولون عن إمامكم الذي يأخذ العهود والمواثيق على مَن

____________________

(١) دفع الشُّبه، مصدر سابق، ٧٨.

(٢) نفسه.

٤٨

يستفتيه، فإذا اطمأنّ إليه أفتاه؟

ابن تيميه مدلّس مزوّر

«ثم اعلم قبل الخوض في ذكر بعض ما وقع منه وانتقد: أنّه يذكر في بعض مصنّفاته كلام رجل من أهل الحقّ، ويدسّ في غضونه شيئاً من معتقده الفاسد، فيجري عليه الغبيّ بمعرفة كلام أهل الحقّ فيهلك، وقد هلك بسبب ذلك خَلق كثير.

وأعمق من ذلك أنّه يذكر: أنّ ذلك الرجل ذكر ذلك في الكتاب الفلاني، وليس لذلك الكتاب حقيقة! وإنّما قصده بذلك انفضاض المجلس، ويؤكّد قوله بأن يقول: ما يبعد أنّ ذلك الكتاب عند فلان، ويسمّي شخصاً بعيد المسافة، كلّ ذلك خديعة ومكر وتلبيس لأجل خلاص نفسه، ولا يحيق المكر السيّئ إلاّ بأهله.

ولهذا لم يزل فيهم التعازير والضرب بالسياط وقطع الأعناق والحبوس، مع تكتّمهم ما يعتقدونه والمبالغة في التكتّم؛ حتّى أنّهم لا ينطقون بشيء من عقائدهم الخبيثة إلاّ في الأماكن الخفيّة، بعد التحرّز وغلق الأبواب والنطق بما هم عليه بالمخافتة، ويقولون: إنّ للحيطان آذاناً»(١) .

أيّها التيميون، يا أعراب القرن الخامس عشر هجريّ، هذه هي السلفيّة التي

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٧٩.

٤٩

تكافحون لأجلها وتستحلّون دماء المسلمين شيخاً كبيراً وعجوزاً تتوكّأ وطفلاً لا يملك حولاً ولا قوّة، فتفجّرون أنفسكم بينهم لتحيلونهم أشلاءً مقطّعة، وتُخربون مساجدهم على رؤوسهم. وهم يُصلّون للهِ الواحد الأحد؛ وأنتم منشغلون بل منصرفون إلى النّهب والقتل.

ولكن:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) ، - الحجرات: ١٤ -.

وأين كنتم عن فقهاء وقضاة المذاهب الحنبليّ والشافعيّ والمالكيّ والحنفيّ؛ إذ قطعوا رقابكم وعزّروكم...، وإمامكم الذي ظلتم عليه عاكفين يأمركم أن لا تنطقوا بشيء من عقائدكم إلاّ في الأماكن الخفيّة بعد غلْق الأبواب، فإنّ للحيطان آذاناً. فإذا خفي حالكم - ولم يخف إلاّ على أضرابكم الحمقى حصَب جهنّم - فلم يخف على الله تعالى الذي هو لكم بالمرصاد:( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى‏ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (١) .

فكذلك حال ابن تَيمِيه، إذ حَكَمه قُضاة المذاهب الأربعة بالفِسق والزندقة والكفر، وعزّروه وطيف به وبتلميذه ابن زفيل مضروبين بالدرّة، وما زالا ينتقلان من سجن إلى سجن حتّى هلك إمامكم في سجن قلعة دمشق. وما هي إلاّ طيفُ حياة إذا أفقتم جمعكم الله تعالى، وهو حكم عدل، ليجمع بينكم وبين اُسوتكم

____________________

(١) النساء: ١٠٨.

٥٠

ابن تَيمِيه، فحيثما كان كنتم.

أساليب التيمية في خداع المسلمين

قال: ومن جملة مكرهم وتحيّلهم: أنّ الكبير منهم - يعني ابن تيميه - المشار إليه في هذه الخبائث، له أتباع يُظهرون له العلم والعظمة والتعبّد والتعفّف؛ يخدعون بذلك أرباب الأموال، لا سيما الغرباء، فيدفع ذلك الغريب إلى ذلك الشيخ شيئاً، فيأبى ويُظهر التعفّف، فيزداد ذلك الرجل حرصاً على الدفع، فلا يأخذ منه إلاّ بعد جهد، فيأخذها ذلك الخبيث، ولا عليه من اطّلاع الله تعالى على خبث طويّته، ويدفع بعضها إلى بعض أتباعه وإلى غيرهم، ويتمتّع هو وخواصّه بالباقي...

ومن جملة مكرهم من هذا النوع أن يكسو عشرة مساكين قمصاناً أو غيرها، ثمّ يقولون: انظروا هذا الرجل كيف يجيئه الفتوح فيؤثركم بها وغيركم، ويترك نفسه وعياله وأصدقاءه، وهكذا كان السَّلَف، ويكون قد أخذ أضعاف ما دفع، وكثير من الناس في غفلة من هذا. ولو لا أنّ ذلك من جملة النصيحة، لمَا ذكرتُه ولما تعرّضت له، وكان ما في نفسي شاغلاً عن ذلك، إلاّ أنّه كما قال ابن عبّاس، بسبب نَجْدة الحَروريّ المبتدع: «لو لا أن أكتم علماً لمَا كتبتُ إليه»(١) ؛ يعني

____________________

(١) صحيح مسلم، في الجهاد والسير، رقم ٣٣٧٧، وسنن أبي داود في الجهاد، رقم ٢٣٥١.

٥١

جواب ما كتب إليه بأن يعلمه مسائل»(١) .

[ التحذير من عقائد التيمية أهل الزيغ ]

قال: «وإذا تمهّد لك أيّها الراغب في فكاك نفسك من ربقة عقائد أهل الزيغ الضّالين المضلّين، والاقتداء بأهل السلامة في الدين.

فاعلم: أنّي نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبّع ما تشابه في الكتاب والسُّنّة ابتغاء الفتنة، وتبعه على ذلك خَلْق من العوامّ وغيرهم ممّن أراد الله - عزّ وجلّ - إهلاكه؛ فوجدتُ فيه ما لا أقدر على النطق به(٢) ، ولا لي أنامل تُطاوعني على رسمه وتسطيره؛ لما فيه من تكذيب ربّ العالمين في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراء بأصفيائه المنتجبين وخلفائهم الراشدين وأتباعهم الموفّقين.

فعدلتُ عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمّة المتّقون، وما اتّفقوا عليه من تبديعه وإخراجه ببعضه من الدين(٣) ! فمنه ما دُوّن في المصنّفات، ومنه ما جاءت به المراسيم العاليات، وأجمع عليه علماء عصره ممّن يُرجع إليهم في الأمور الملمّات والقضايا المهمّات، وتضمّنه الفتاوي الزكيّات من دنس أهل الجهالات،

____________________

(١) دفع الشُّبه، ٨٠.

(٢) عجب! فليتأمّل التيميون ذلك.

(٣) يريد: أنّ الفقهاء قد أخرجوا ابن تيميه من الدين ببعض بدعه، فكيف وماذا يكون حكمه بكلّ بدعه؟!

٥٢

ولم يختلف عليه أحد، كما اشتهر بالقراءة والمناداة على رؤوس الأشهاد في المجامع الجامعة، حتّى شاع وذاع، واتّسع به الباع حتّى في الفوات(١) .

ثمّ تعرّض لعقيدته في ذات الله العليّ، وكلامه في الاستواء وقوله الممقوت: (واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا)! وقوله: «إنّ الله معنا حقيقةً، وهو فوق العرش حقيقة»(٢) وغير ذلك من الهذيان ممّا ليس هذا موضع التوسّع فيه. ونختم كلام الإمام الحصني في حقّ ابن تيميه بقوله:

«...، لا يستغرب فيه ما قاله بعض الأئمّة عنه: من أنّه زنديق مطلق، وسبب قوله ذلك أنّه تتبّع كلامه فلم يقف له على اعتقاد؛ حتّى أنّه في مواضع عديدة يُكفّر فرقة ويضلّلها وفي آخر يعتقد ما قالته أو بعضه، مع أنّ كتبه مشحونة بالتشبيه والتجسيم، والإشارة إلى الازدراء بالنبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ن والشيخين وتكفير عبد الله بن عبّاس، وأنّه من الملحدين، وجعل عبد الله بن عمر من المجرمين وأنّه ضالّ مبتدع، ذكر ذلك في كتاب له سمّاه: (الصراط المستقيم) والردّ على أهل الجحيم.

وقد وقفتُ في كلامه على المواضع التي كفّر فيها الأئمّة الأربعة وكان بعض أتباعه يقول: إنّه أخرج زيف الأئمّة الأربعة! يريد بذلك إصلاح هذه الأُمّة؛ لأنّها

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٨٣.

(٢) نفسه، ٨٩.

٥٣

تابعة لهذه الأئمّة في جميع الأقطار والأمصار، وليس وراء ذلك زندقة»(١) .

وردّ عليه العلماء المحقّقون.

وسجنه حكّام الشريعة الأقدمون ونُودي بدمشق أن لا ينظر أحدٌ في كلامه وكتبه، وهرب كلٌّ من أتباعه ومَن هو على مذهبه واعتقاده والعجب كلُّ العجب من جُهّال حنابلة هذا الزمان يغضبون إذا قيل لهم: (أخطأ ابن تيميه)، وربّما اعتقد بعضهم أنّ قائل ذلك ملحد، ولا يغضبون إذا قيل لهم: أخطأ الشافعي وأبو حنيفة ومالك والإمام أحمد.

اللّهمّ اشهد أنّي بريء من كلّ مجسّم ومشبّه ومعطّل وإباحيّ وحلوليّ واتّحادي وزنديق وملحد ومن كلّ من خالف اعتقاد أهل السنّة والجماعة.

وبرئ من كلّ من منع زيارة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ومن سدّ الرّحل إليه ومن زيارة قبور الأنبياء والمرسلين هلُمّ معي أيّها الحنبليّ، وأيّها الشافعيّ، ويا مَن هو حنفيّ أو مالكيّ، نساءل التيميين وعصابات الوهّابيّين أفراخ السامرة واليهود: إن كنتم أعرضتم عن المذاهب الأربعة وكفّرتموهم تبعاً لإمامكم الذي قدحت فتنته في القرن الثامن الهجريّ، وهلك بسببها زنديقاً كافراً؛ فمالكم وللسّلفيّة والسّلف الصالح تلوذون بهم وتصفون أنفسكم بهذا اللّفظ وقد كفّرتم أحمدَ، ومالكاً، وأبا حنيفة، والشافعيّ؟! وليس هذا منكم بأكبر من النَّيْل

____________________

(١) دفع الشّبه، ١٢٥ - ١٢٦.

٥٤

من ذات الله تعالى عمّا تصف أفواهكم، ومن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الخلفاء الراشدين...، فأيّ سَلَف صالح تزعمون؟!

اللّهمّ اشهد عليهم وعلى مَن ينتصر لهم، فإنّا نبتهل إليك أن تجعل لعنتك على الكاذبين.

قال: «ولهم دواهي أخر لو نطقوا بها لأحرقهم الناس في لحظةٍ واحدة»(١) .

٤٢ - الإمام قاضي القضاة الشيخ نجم الدين عمر بن حجي بن أحمد السعدي الشافعي المقتول سنة ٨٣٠ هـ.

سُئل عن ابن تَيمِيه، فأجاب:

«هذا الرجل المسؤول عنه في الاستفتاء كان عالماً متعبّداً، ولكنّه ضلّ في مسائل متعدّدة عن الطريق المستقيم والمنهج القويم، لا جرَم سُجن بسجن الشرع الشريف بعد الترسيم وأفضى به إعجابه بنفسه إلى الجنوح إلى التجسيم الذي ابتدعته اليهود الذين أشركوا بالواحد الأحد. وتغالى فيه أصحابه وأتباعه حتّى قدّموه على جميع الأئمّة وعلى علماء الأمّة. وهجر مذهب الإمام أحمد الذي اتّباعه بالإجماع أولى وأحمد، والأولياء والصالحين.

اللّهمّ وإنّي أسألك وأتوسّل إليك بسيّد الأوّلين والآخرين رسول ربّ العالمين والأولياء والصالحين أن يُحييني على الإسلام وتُميتني على الإيمان على اعتقاد أهل السنّة والجماعة سالماً من اعتقاد أهل الزيغ والضلال والبدع

____________________

(١) دفع الشّبه، مصدر سابق، ٢١٥.

٥٥

والإضلال»(١) .

إن هذا العالم الشافعيّ المحقّق لم يقف في جوابه عن ابن تيميه عند حدود ضلاله وخروجه عن الدين وسجنه لذلك، وإنّ عقيدته في الله تعالى، هي عقيدة اليهود وهي التجسيم، وغلوّ أصحابه فيه وتقديمهم إيّاه على الأئمّة الأربع؛ وإنّما أشهد الله تعالى على براءته من عقيدة ابن تيميه سواء في ذات الله جلّ وعلا، أو في زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصّالحين، والتوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأولياء...، وكلّ ذلك منع منه ابن تيميه وجعله بدعةً وشركاً!

٤٣ - الإمام الشيخ محمّد بن محمّد العلاء البخاري الحنفيّ (ت ٨٤١ هـ).

«كان يُسئل عن مقالات ابن تيميه التي انفرد بها فيجيب بما ظهر له من الخطأ، وينفر عنه قلبه إلى أن استحكم ذلك عليه فصرّح بتبديعه ثمّ تكفيره، ثمّ صار يُصرّح في مجلسه أنّ مَن أطلق على ابن تيميه أنّه شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر»(٢) .

فماذا يقول الإمام العلاء لو بُعث من جديد وسمع ما يطلقه أعراب نجد الوهّابيّون على ابن تيميه من تسميات منها: شيخ الإسلام، الإمام المـُطلق...؟!

٤٤ - الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الشافعيّ (ت ٨٥٢ هـ).

تكلّم عن ابن تيميه في أكثر من مصنَّف، من ذلك قوله:

____________________

(١) الفتاوى السهمية، لمجموعة من العلماء ولم تسجّل هويّته.

(٢) البدر الطالع، مصدر سابق، ٢: ١٣٧، والضوء اللامع، السخاوي، ٩: ٢٩٢.

٥٦

«اختلف الناس فيه شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم، لما ذكره في العقيدة الواسطية والحموية وغيرهما، من ذلك قوله:

«إن اليد والقدم والساق والوجه صفاتٌ حقيقيّة لله، وأنّه مستو على العرش بذاته، فقيل له: يلزم من ذلك التحيّز والانقسام، فقال: أنا لا أسلّم أنّ التحيّز والانقسام من خواصّ الأجسام، فاُلزم بأنّه يقول بتحيّزٍ في ذات الله(١) .

ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يُستغاث به. وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان أشدّ الناس عليه في ذلك: النور البكري؛ فإنّه بسبب ذلك قال بعض الحاضرين: يُعزَّر، فقال البكري: لا معنى لهذا القول، فإنّه إن كان تنقيصاً يُقتل، وإنْ لم يكن تنقيصاً لا يُعزَّر(٢) .

ومنهم مَن ينسبه إلى النفاق، لقوله في عليّ ما تقدّم - أي قوله إنّه أسلم صغيراً لا يدري ما يقول -، ولقوله: إنّه كان مخذولاً حيثُ ما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرياسة لا للديانة! ولقوله: إنّه كان يُحبّ الرّياسة، وإنّ عثمان كان يُحبّ المال، ولقوله: أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليّ أسلم صبيّاً والصبي لا يصحّ إسلامه على قول. فألزموه بالنفاق لقوله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: «... ولا يُبغضك إلاّ منافق». وله وقائع شهيرة، وكان إذا

____________________

(١) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، ١: ١٥٥، دار الجيل، بيروت.

(٢) نفسه.

٥٧

حُوقق واُلزم يقول: لم أرد هذا إنّما أردتُ كذا فيذكر احتمالاً بعيداً.(١)

مخالفة الأئمّة الأربعة

قال: وقد خالف الأئمّة الأربعة في عدّة مسائل...، وأقام عدّة سنين لا يفتي بمذهب معيّن...، وأطلق عبارات أحجم عنها غيره.(٢)

قال: «ثمّ نسب أصحابه إلى الغلوّ فيه واقتضى له ذلك العُجب بنفسه حتّى زهى على أبناء جنسه واستشعر أنّه مجتهد، فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم، حتّى انتهى إلى عمر فخطّأه في شيء، فبلغ ذلك الشيخ إبراهيم الرقّي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حقّ عليّ أخطأ في شبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب منها اعتداد المتوفّي عنها زوجها أطول الأجلين، وكان لتعصّبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتّى أنّه سبّ الغزالي، فقام عليه قوم كادوا يقتلونه.

واتّفق أنّ الشيخ نصر المنبجي كان قد تقدّم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه فبلغه أن ابن تيميه يقع في ابن العربي لأنّه كان يعتقد أنّه مستقيم وأنّ الذي يُنسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم مَن يُنكر عليه؛ فأرسل يُنكر عليه وكتب إليه كتاباً طويلاً ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو

____________________

(١) الدرر الكامنة، مصدر سابق ١: ١٥٥ - ١٥٦.

(٢) نفسه ١٥٨ - ١٥٩.

٥٨

حقيقة الإلحاد فعظُم ذلك عليهم وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيّرة وقعت منه في مواعيده وفتاويه فذكروا أنّه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين، فقال كنزولي هذا؛ فنُسب إلى التجسيم، وردّه على مَن توسّل بالنبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أو استغاث، فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة، فجرى عليه ما جرى وحُبس مراراً فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر»(١) .

٤٥ - المفتي الشيخ محمّد بن عبد الله بن خليل البلاطنسي الدمشقي الشافعي المتوفّى (٨٦٣ هـ).

ذكره السخاوي أنّه كان يحطّ على ابن تيميه وأتباعه(٢) ...

٤٦ - القاضي الشيخ حميد الدين محمّد بن أحمد البغداديّ الفرغاني الحنفيّ (ت ٨٦٧ هـ) له كتاب في الردّ على ابن تيميه في الاعتقادات. ذكر ذلك السخاوي(٣) .

٤٧ - الشيخ أحمد بن عمر بن عثمان الخوارزمي الدمشقي الشافعي (ت ٨٦٨ هـ). قال عنه السخاوي: «كان عالماً صالحاً ديّناً مصرّحاً بالحطّ على الطائفة العربية، بل وأتباع ابن تيميه بحيث إنّه قال مجيباً لِمَن سأله عن اعتقاده من

____________________

(١) الدرر الكامنة، مصدر سابق، ١: ١٥٤.

(٢) الضوء اللاّمع، مصدر سابق، ٨/٨٧.

(٣) نفسه.

٥٩

المخالفين له: (اعتقادي زيتونةٌ مباركة لا غربيّةُ ابن عربيّ ولا شرقيّةُ ابن تيميه)»(١) .

والمقصود بالطائفة العربية: أتباع ابن عربي.

٤٨ - الشيخ أحمد زروق المالكي (ت ٨٩٩ هـ).

قال: «ابن تيميه رجل مسلم له باب الحفظ والإتقان، مطعونٌ عليه في عقائد الإيمان، مثلوب بنقصِ العقل فضلاً عن العرفان...»(٢) .

ما عساه يقول عن ابن تيميه أكثر من هذا؟! فقد أبقى له ما كان يظهره ابن تيميه من الشهادتين وهما عنوان المسلم وأمّا الحفظ فهي صفة تلحق المسلم وغيره؛ وإنّما طعنه في العقائد: عقيدته في الله جل شأنه، وفي رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشتّان بينهما:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٣) .

وصفات هؤلاء مذكورة في القرآن الكريم، من حيث الغلظة والقساوة والردّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

وإذا كان ابن تيميه مطعون في عقيدته! مثلوب بنقص العقل فما قيمة للقلقة الحفظ وهي صفة من صفات الخوارج، فهم عند الحجاج يأتون بآية، فإذا فُهِّموا أنّها ليست في القصد الذي يريدون انتقلوا إلى أُخرى، فإذا دُحضوا في عدم

____________________

(١) نفسه، ٢: ٥٤.

(٢) شواهد الحق في الاستغاثة بسيّد الخلق، يوسف النبهاني، طبعة المكتبة التوفيقية، مصر. (٤٥٣).

(٣) الحجرات: ١٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون اثنا عشر أميراً »، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1) .

وفي صحيح مسلم: «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2) .

وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال: « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3) .

ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور، وهي:

1 - إن عدد الاُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.

قد يقال: ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام، والجواب واضح جداً؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاُمّة.

بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،

____________

(1) صحيح البخاري 4: 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1: 272/19، والخصال 2: 469 و 475.

(2) صحيح مسلم 2: 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.

(3) مسند أحمد 5: 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1: 270/16.

٨١

ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.

ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه: «قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء، وان قدّر أنّهم على الولاء، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز، كذا في المرقاة»(1) .

2 - إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ) (2) .

3 - إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.

وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه: «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان».(3) .

وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني

____________

(1) عون المعبود 11: 262 شرح الحديث 4259.

(2) المائدة: 5/12.

(3) صحيح مسلم 2: 121.

٨٢

عشر(1) !!

وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث. إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.

إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم - أُمويين أو عباسيين - باتفاق المسلمين.

وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحققين: إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « كلّهم من بني هاشم »، في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية: لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم. ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية؛ لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم...

ويؤيد هذا المعنى - أي: أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل

____________

(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1: 13 - 15 من القسم الاَول، وتفسير ابن كثير 2: 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2: 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11: 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2: 85.

٨٣

بيته - ويرجّحه حديث الثقلين »(1) .

ولايخفى أنّ حديث: (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى، فقال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2) .

فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً، لا إلى ان تقوم الساعة!!

النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح المراد

بالخلفاء الاثني عشر:

لاَجل متابعة الاَدلة الاُخرى التي توضح المراد بحديث: (الخلفاء اثنا عشر)، وتُعيِّن لنا شخص الاِمام المهدي باسمه ونسبه وحسبه؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الاَهمية، بحيث لو تدّبره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه، ولاكتفى

____________

(1) ينابيع المودة 3: 105 باب 77 في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.

(2) بحث حول المهدي/الشهيد محمد باقر الصدر: 54 - 55.

٨٤

بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر.

وأعني بهذا الاَمر تاريخنا الاسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت على اقصاء عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السلطة اقصاءً تامّاً، فضلاً عما اقترفته تلك الانظمة - الاُموية والعباسية - من الاُمور الفادحة بحق الذرية الطاهرة.

ومن البداهة ان يعزّ النص على الاَئمة الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحيٍ من الحكّام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأوشكت ان تبيد أولاد البتول عليهم السلام، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم.

ومن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين عليه السلام، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر، اللّهم إلاّ ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه. وعلى الرغم من هذا الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

ولايصحّ في الاَفهام شيءٌ

إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

وهذا مما لاينبغي اغفاله، ونحن نستعرض باختصار بعض الاحاديث المبينة لمعنى (الخلفاء اثنا عشر).

1 - في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الاِمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه التصريح باسماء الاَئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهم السلام.

٨٥

قال القندوزي بعد روايته: «وأخرجه الحمويني»(1) أي: صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي.

2 - وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان: (في بيان الاَئمة الاثني عشر باسمائهم). أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الاَئمة باسمائهم، وأولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام(2) ، ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أوصيائه عليهم السلام )(3) .

3 - وفيه أيضاً، عن جابر بن عبدالله الانصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياجابر إنَّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي ثم الحسن، ثم الحسين...» ثم ذكر الاَئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً بالامام المهدي بن الحسن العسكري عليهم السلام(4) .

4 - وفي كمال الدين: «حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى؛ وابراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: دخلتُ على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاَوصياء، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاث منهم محمد، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم»(5) .

ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب إلى آخر

____________

(1) ينابيع المودة 3: 161 ب 93.

(2) ينابيع المودة 3: 99.

(3) ينابيع المودة 3: 212 باب 93.

(4) ينابيع المودة 3: 170 باب 94.

(5) كمال الدين 1: 313/4 باب 28.

٨٦

السند المتقدم.

وقد يقال: ان السند غير حجة من وجهين:

الاَول: إنَّ الحسين بن أحمد بن ادريس في السند الاول، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا.

قلتُ: هما من مشايخ الاجازة، ولم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضياً عليه، ومن البداهة ان لايقال للفاسق (رضي الله عنه) بل يقال ذلك للرجل الجليل، ولو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة، فإنّه من البعيد كل البعد ان يتفق كل منهما على الكذب على أبيه؛ لانهما رويا الحديث عن أبويهما.

ومما يدل على صدقهما ان الكليني أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري(1) ، والمشايخ الثلاثة الاُوَل في هذا السند من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق.

الثاني: إنَّ أبا الجارود قد طعن عليه فالسند ليس بحجة.

والجواب: إنّ أبا الجارود تابعي، ومن أين للتابعي أن يعلم بأنّ في اسماء الاَوصياء عليهم السلام ثلاثة باسم محمد، وأربعة باسم علي؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع، وقد مات أبو الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين، على أنّ الشيخ المفيد قد وثقه في رسالته العددية(2) .

____________

(1) أُصول الكافي 1: 532/ح 9 باب 126.

(2) سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد/جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العددية) - طبع بيروت - 9: 25، فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الاِمام الباقر عليه السلام، ومن الاَعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لايطعن عليهم ولاطريق الى ذم واحد منهم، على حد تعبيره رحمه الله.

٨٧

هذا، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول الباب بهذا السند قال: «حدثني أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعاً، عن ابي الحسن صالح بن حماد والحسن بن طريف، عن بكر بن صالح.

وحدثنا أبي، ومحمد بن موسى المتوكل، ومحمد بن علي ماجيلويه، وأحمد بن علي بن ابراهيم، والحسن بن ابراهيم بن ناتانة، وأحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام.. الحديث».

والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف. ولايضر ضعفه هنا لاَنّه من غير المعقول ان يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به، ثم لايكون المخبر - بعد ذلك - صادقاً، فالرجل روى عن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام فمن أين له ان يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي عليه السلام؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يدرك الاَئمة (الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام )، ويدلك على هذا إنّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الاول، هو ابن أبي عمير(ت/217 هـ)، ومن في طبقته.

5 - ما في كفاية الاَثر في النص على الاَئمة الاثني عشر للخزاز - من أعلام القرن الرابع الهجري -: فقد خصص كتابه كلّه في الاَحاديث الواردة في النص على الاَئمة الاثني عشر باسمائهم، ولامجال لنقل رواياته، ولكن لابأس بنقل ما جاء في مقدمة الكتاب، قال: «وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم عليهم السلام من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين مثل: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وأبي سعيد

٨٨

الخدري، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر ابن عبدالله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة بن الاَسقع، وأبي أيوب الاَنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الاَنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين عليهم السلام.

ومن النساء: أُم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أعقبه بذكر الاَخبار التي وردت عن الاَئمة صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الاَئمة ونص كل واحد منهم على الذي بعده؛ ليعلموا - إن انصفوا - ويدينوا به، ولايكونوا كما قال الله سبحانه:( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (2) » الجاثية: 17.

6 - وأخرج في كمال الدين: عن محمد بن علي بن ماجيلويه، ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن الحسن الصفار.

وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: « كنتُ أنا وأبو بصير، ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزلٍ بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « نحن اثنا عشر مهدياً ». فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعتُ ذلك من أبي عبدالله عليه السلام؟ فحلف مرة أو مرتين انه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر عليه السلام »(2) .

____________

(1) كفاية الاَثر/الخزاز: 8 - 9 من المقدمة..

(2) كمال الدين 2: 335/6 وذيل الحديث نفسه أيضاً.

٨٩

وأخرجه الكليني عن محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران بتمام ألفاظه(1) .

وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمل في وثاقته فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلى جنبه الثقة المأمون، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث: (الخلفاء اثنا عشر).

7 - وفي الكافي بسند صحيح جداً: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: « أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي عليه السلام وهو متكئ على يد سلمان...» وفيه ذكر الاَئمة الاثني عشر جميعاً عليهم السلام ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام(2) .

قال الكليني: «وحدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبي هاشم مثله سواء. قال محمد بن يحيى: فقلتُ لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددتُ ان هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبدالله! قال، فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين»(3) .

والمراد بالحيرة هنا: غيبة الاِمام المهدي عليه السلام في سنة 260 هـ، وهي

____________

(1) أُصول الكافي 1: 534 - 535/20 باب 126. وقد عدّه المجلسي في مرآة العقول 6: 235 حديثاً مجهولاً!

وهو اشتباه قطعاً، لتوفر النص على وثاقة رجال سند الكافي جميعاً من قبل الشيخ والنجاشي وجميع من تأخر عنهما. والظاهر انه اشتبه بمحمد بن عمران مولى أبي جعفرعليه السلام الذي لم يرد نص في توثيقه، وهو لايضر وجوده لوجود الثقة معه واحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام من جهة أبي بصير فأي ضير في ان يُسمع الحديث من الصادق عليه السلام أيضاً.

(2) أُصول الكافي 1: 525/1 باب 126.

(3) أُصول الكافي 1: 526/2 باب 126.

٩٠

السنة التي توفي فيها الاِمام العسكري، وما قاله محمد بن يحيى لايوجب طعناً على أحمد بن أبي عبدالله البرقي؛ لثقته بالاتفاق، فكأن محمد بن يحيى تمنى أن يكون من حدّث شيخه الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الاِمام العسكري أو الاِمام الهادي عليهما السلام وليس البرقي الذي عاش إلى سنة 274هـ، أو 280 هـ، على قول آخر؛ لاَن الاِخبار عن شيء قبل وقوعه، وتحقق ذلك الشيء على طبق الخبر يعد من الاعجاز الذي لايحتاج في قوة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدد رواته، اذ لامجال لتكذيبه بأي حال من الاحوال وان لم يروَ إلاّ بسند واحد.

فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.

ولا يخفى على أحد بان المخبر - الذي لم يوثق - عن شيء قبل وقوعه، لايشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف، أو تحققه على طبق خبره؛ لاَنه كاشف عن صدقه، حتى وان لم توثقه كتب الرجال(1) .

ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق بسند صحيح، عن أبان بن عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبدالله بن جعفر الطيار، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه النص على الاِمام عليٍّ وبعده ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم علي بن الحسين، ثمّ محمد الباقر عليهم السلام ثمّ، قال: «ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين»(2) .

____________

(1) وأما مع توفر وثاقة المخبر فلا يشترط ذلك بالاتفاق؛ إذ المفروض صدقه، وليس بعد الصدق إلاّ مطابقة الخبر للواقع كمسألة نزول عيسى وظهور المهدي وفتنة الدجال ونحوها، وان لم يتحقق شيء منها بعد.

(2) أُصول الكافي 1: 529/4 باب 126، وكمال الدين 1: 270/15 باب 24، والخصال 2: 477/41 من أبواب الاثني عشر.

٩١

فضعف أبان بن أبي عياش لايضر هنا لاِخباره عن واقع قد تحقق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته، وفي كمال الدين للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز، ولكن من لاخبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه!! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل اكتمال التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر بأزمان بعيدة.

وينطبق هذا الاعجاز على غالبية أخبار غيبة الاِمام الثاني عشر عليه السلام كما شهد بذلك الصدوق، فقال: «إنَّ الاَئمة عليهم السلام قد اخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل ان تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الاَئمة عليهم السلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالاُصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد اخرجت ما حضرني من الاخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللُّب والتحصيل. أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الاَمر كما ذكروا، وتحقق كما وضعوا من كذبهم! على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الاَوّل، فلم يبقَ في ذلك إلاّ أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألّفوه في أُصولهم وبذلك وشبهه فلج الحقّ وزهق الباطل، إن الباطل كان

٩٢

زهوقا»(1) انتهى.

ولايخفى أنّ الاُصول التي أشار لها الصدوق متواترة النسبة إلى اصحابها عنده، كتواتر نسبة كمال الدين إلى الصدوق عندنا، وهذا يعني أنّ اخبار الغيبة حتى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو لايقدح بصحتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتج باخبار الشيعة الامامية إلاّ بما صح سنده مطلقاً إلى الاِمام عليه السلام، أو إلى من أخبر بالواقع الاِمامي قبل اكتمال تسلسله التاريخي وإنْ لم تعرف وثاقته.

المهدي من أولاد الحسين، وأنه التاسع من ولده عليهم السلام:

إنَّ هذه النتيجة وان ثبتت فيما تقدم إلاّ انه لابدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتج بها بعض أعلام أهل السنة أولاً، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار، وهي:

1 - الحديث المروي عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيّوب الانصاري، وابن عباس، وعلي الهلالي - بألفاظ مختلفة - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاَولين ولايدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت - إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم - ومنا مهدي الاُمّة الذي يصلي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال: من هذا مهدي الاُمّة»(2) .

____________

(1) كمال الدين 1: 19 من مقدمة المصنّف.

(2) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: 501 - 502 باب 9، والفصول المهمة/لابن الصباغ المالكي: 295 - 296 فصل/120، وفضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودة: 49 باب 94، وقد صرّح في معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام 1: 145/77 بكثرة طرق هذا الحديث وانها ربما بلغت نحو مجلد.

٩٣

2 - في عقد الدرر للمقدسي الشافعي: روى خبراً عن علي عليه السلام جاء فيه: إنّ المهدي «من ولد الحسين، ألا فمن تولى غيره لعنه الله»(1) .

وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال: «ونختم هذا الفصل بشيء من كلام الاِمام علي هازم الاَبطال فيما تضمنه من الاَهوال الشديدة والاُمور الصعاب وخروج الاِمام المهدي مفرج الكروب، ومفرق الاَحزاب» ثم ذكر الحديث.

3 - وفي عقد الدرر: أيضاً عن جابر بن يزيد، عن الاِمام الباقر عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «والمهدي ياجابر رجل من ولد الحسين»(2) .

4 - وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الاِمام علي عليه السلام: « وبنا تُختم لا بكم ». قال: «اشارة الى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام، وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم - إلى أن قال - وروى قاضي القضاة رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي عليه السلام، إنّه ذكر المهدي وقال: إنّه من ولد الحسين عليه السلام، وذكر حِليتَه فقال: رجل أجلى الجبين، اقنى الاَنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامة.

وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث»(3) انتهى.

5 - وفي ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي: بسنده عن

____________

(1) عقد الدرر: 132 باب 4 فصل 2.

(2) عقد الدرر: 126 باب 4 فصل 2.

(3) شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد 1: 281 - 282 شرح الخطبة رقم/16.

٩٤

الحسين عليه السلام قال: «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجلسني على فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صلبك ياحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء»(1) .

6 - وفي الينابيع عن مناقب الخوارزمي أيضاً، بسنده عن سلمان قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّ الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة أبو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم»(2) .

وحديث سلمان رضي الله عنه رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في غاية الصحة، قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أنت امام ابن امام أبو الاَئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم»(4) .

ورواه الصدوق، عن أبيه، عن علي بن ابراهيم كما في الكافي سنداً

____________

(1) ينابيع المودة 3: 168 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 167 باب 94.

(3) الخصال 2: 475/38 أبواب الاثني عشر، وكمال الدين 1: 262/9 باب 24.

(4) أُصول الكافي 1: 533/15 باب 126.

٩٥

ومتناً(1) .

وليس في واحد من رجال السند من يُشك في جلالته، أو يُرتاب في نقله.

8 - وفي الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي: بسنده عن الاَصبغ بن نباته، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2) .

المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام

سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الاِمام المهدي والاَخبار بغيبته قبل وقوعها، وهي:هي:هي:

1 - ما رواه الصدوق بسند صحيح، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: «قلت للرضا عليه السلام: انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السلام: ما منا أحد اختلفت اليه الكتب، وسُئل عن المسائل، وأشارت إليه الاَصابع، وحُملت إليه الاَموال، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه»(3) .

وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة الاِمام المهدي عليه السلام من

____________

(1) الخصال 2: 480/50 أبواب الاثني عشر.

(2) ينابيع المودة 3: 162 باب 94، ورواه في 2: 83 في المودة العاشرة، تحت عنوان (في عدد الاَئمة وان المهدي منهم عليهم السلام).

(3) كمال الدين 2: 370/1 باب 35.

٩٦

أُمور لايعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح: « إنّ المهدي هو من يقول الناس: لم يولد بعد »!

فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب، عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: صاحب هذا الامر من يقول الناس: لم يولد بعد»(1) .

2 - ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر عن الباقر عليه السلام: «يكون هذا الاَمر في أصغرنا سناً»(2) . وفيه اشارة إلى الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.

3 - ما رواه الكليني بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن في صاحب هذا الامر شبهاً من يوسف عليه السلام - إلى أن قال - فما تنكر هذه الاُمّة أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف، أنْ يمشي في اسواقهم، ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف، قالوا: أَإِنك لاَنت يوسف؟ قال: أنا يوسف»(3) .

4 - في ينابيع المودة: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم».

وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب

____________

(1) كمال الدين 2: 360/2 باب 34، وأخرجه من طرق أُخرى أيضاً في نفس الباب.

(2) عقد الدرر: 188 باب 6.

(3) أُصول الكافي 1: 336/4 باب 80.

٩٧

الاَربعين لاَبي نعيم الاصبهاني(1) .

5 - وفيه: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «إنَّ الاِمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة»(2) .

6 - وفي اُصول الكافي بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال، قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ]، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.. الخ»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: « للقائم غيبتان: احداهما قصيرة، والاُخرى طويلة، والغيبة الاُولى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والاُخرى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(4) .

____________

(1) ينابيع المودة 3: 166 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 115 - 116 باب 80 مصرحاً بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي.

(3) أُصول الكافي 1: 337/5 باب 80، وانظر كمال الدين 2: 342/24 باب 33 و2: 346/32 ب 33 بسند آخر، والاول أجود.

(4) أُصول الكافي 1: 340/19 باب 80.

٩٨

وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الاِمام الصادق عليه السلام لوثاقة رواته جميعاً، ودلالته على الاِمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار.

8 - وفي كمال الدين بسند صحيح: «حدثنا أبي رضي الله عنه، حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: يتمسكون بالاَمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(1)

9 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها»(2) .

أقول: لم يغب من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام سوى المهدي بالاتفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.

وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لاشائبة فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.

10 - وفي كمال الدين: «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما؛ قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري وأحمد بن ادريس؛ قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار، وعبدالله بن عامر بن سعد

____________

(1) كمال الدين 2: 350/44 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 338/10 باب 80، وأخرجه في نفس الباب من طريق صحيح عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن مسلم 1: 340/15.

٩٩

الاشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إيّاكم والتنويه، أما والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولاينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الاِيمان وأيّده بروح منه...»(1)

ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( 183 هـ ) وحاله غير معلوم، وفي وثاقة المفضل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260 هـ).

وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد بن المساور، عن المفضل أيضاً(2) ، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى:

كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن حماد بن عيسى، عن اسحاق بن جرير، عن عبدالله بن سنان قال: «دخلت انا وأبي على أبي عبدالله عليه السلام فقال: فكيف انتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى..»(3) .

____________

(1) كمال الدين 2: 347/35 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 336/3 باب 80.

(3) كمال الدين 2: 348/40 باب 33.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238