منهاج السالكين

منهاج السالكين9%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142247 / تحميل: 6742
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

١

٢

منهاج السالكين

حبيب طاهر الشمري

٣

٤

مقدّمة

نُكِب العالم الإسلاميّ بعاديات لو لا العناية الإلهيّة لأتت عليه، فما كان يبقى للإسلام اسم ولا رسم! أخطرها وأمضّها: فتّان أشرب في قلبه الشّيطان؛ فتنشّب في موالاة الفاسقين، وتنشّط في معاداة الصّالحين، وهو في كلّ ذلك متستّر بالدّين، مع ذلاقة في اللّسان يحتبل بها ضعاف النّفوس والعقول في حبائله. فهو بذلك أخوفُ على كيان المسلمين من العدوّ الخارجيّ الزّاحف من هذا الحدب وذاك الصوب؛ لأنّه يُشتّت الجماعة ويشغل بعضها ببعض في اقتتال وحرب كلاميّة.

وقد شهد النّصف الثاني من القرن السابع الهجريّ أحداثاً جساماً عصفت بكيان العالم الإسلاميّ؛ إذ انحدرت يأجوج ومأجوج - المغول - في إعصار لم تثبت إزاءه الممالك والإمارات، وخُرّبت مدن فأصبحت أثراً بعد عين، وتطوّق الأمراء بنير العبوديّة وركعوا صاغرين في حضرة سلطان المغول.

وتوّجت تلك الوقائع بدخول المغول بغداد بيسر، وقتل آخر حاكم عبّاسيّ.

إنّ ما حلّ بساحة بغداد وحاكمها وأسرته، قد مهّد له ضعف حاكميّة هذا البلد الّذي بنى وجوده على أساس من العسف والجور وغصب الحقّ من أهله، واستشراء الفساد في القصر العبّاسيّ الّذي بات بؤرة موبوءة بالدسائس والمؤامرات: الأب يأتمر بابنه، والابن يسعى لقتل أبيه تعينه في ذلك أُمّه، وهكذا الحال بين الأخ وأخيه. وللمرأة يد طولى في تحريك وتثوير الأمور، وللعنصر الأجنبيّ دور ليس بقليل في إفساد سياسة الراعي مع رعيّته؛ فمنه المغنّي ونساء اللّهو وأمّ الحاكم وزوجته، وبعض قادة الجيش، والمتنفّذون.

وقد ذكروا أنّ هولاكو أمر بأن يفرز جميع النّساء اللّواتي باشرهنّ المستعصم وبنوه،

٥

فعزلن عن غيرهنّ فكنّ سبعمائة امرأة أخرجن ومعهنّ ألف وثلاثمائة وصيف وخادم!

وفي كلّ نوبة أمحض الوزيرُ ابنُ العلقميّ المستعصم النُّصح والرأي في معالجة المغول تبادر رجال السّوء ممّن حسد ابن العلقميّ حظوته عند المستعصم، فما يزالون بالمستعصم ليستزلّوه، وهكذا حتّى وقعت النوبة. ولم يكن لبغداد جيش يطمّ عين الشمس كما كان لهولاكو الّذي زادته نشوة انتصاراته في الأصقاع الأخرى عزماً على السياحة في بغداد! حتّى إنّه أرسل إلى المستعصم يطلب منه مجانيق ليدكّ بها بغداد!!

هذه إلماحة إلى ما كان عليه عالمنا المسلم، أشرنا فيها إلى نقاط الضعف حيث كانت عاصمة المسلمين يانعةً ثمارها جاهزة ليقطفها من رامها، مغوليّ أو غير مغوليّ لم تنته الفواجع عند هذا الحدّ، إذ انبعثت الفتنة من الداخل، وما زالت آثارها حتّى عصرنا، متمثّلة اليوم بالحركة الإرهابيّة الّتي أطلق عليها: «الدّعوة الوهّابيّة» نسبة إلى صاحبها: ابن عبد الوهّاب النجديّ الّذي اقتفى أثر ابن تيميّة، وتلميذه ابن قيّم الجوزيّة، وهما قريبا عهد من تلك الحوادث؛ فقد تشطّرا ضرع الشّيطان، وجاءا بأفائك وبدع أصّلا عليها أفكارهما، وكفّرا من خالفهما، وكفّرهما فقهاء عصرهما من مختلف المذاهب. وبموجب ذلك أهينا على أعين الملأ وأودعا السّجن حتّى هلك الأوّل - ابن تيميّة - في قلعة دمشق، وواتت الثاني الفرصة ليمتدّ به العمر سنين أخرى، حاملاً لواء الفتنة وناشراً أفكار أستاذه ومذهبه. ولما كنّا قد تناولنا في بحث «ابن تيميّة: عقيدته وآراؤه» (١) جانب العقيدة التي يقول بها الأستاذ وتلميذه الّتي تفضي إلى القول بالتحيّز وتجسيم ذات الله تعالى، فنقصر بحثنا هنا على بعض آراء وأقوال ابن القيّم هي أصداء آراء شيخه وحذو القذة بالقذة، وبما يناسب العنوان الّذي اخترناه لبحثنا «منهاج السالكين»، ليكون مناسباً لكتابه «مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين». ونقدّم لذلك بتعريف موجز بالرّجُل.

ودعاؤنا إليك ربّنا في كلّ آن: ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) صراط محمّد صلواتك عليه وعلى آله، وأوليائه الصّالحين، وثبّتنا بالقول الثابت واهدنا ربّنا إلى الطيّب من القول إنّك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم.

____________________

(١) بحث لم نفرغ بعد من إتمامه.

٦

الفصل الأوّل

ترجمة ابن قيّم الجوزيّة

هو محمّد بن أبي بكر بن أيّوب بن سعد الزَّرْعيّ (١) الدِّمشقيّ. ولد بمدينة دمشق سنة ٦٩١ هـ، وتوفّي بها سنة ٧٥١ هـ. (٢)

وعن وجه تسميته: «ابن قيّم الجوزيّة» فذلك لأنّ أباه كان قيِّماً على مدرسة «الجوزيّة» في دمشق. (٣)

مذهبه: كان ابن القيّم حنبليّ المذهب، وكذلك كانت أسرته. ولما كان أستاذه - ابن تيميّة - حنبليّ النشأة، فمن المؤكّد أن يظهر أثر ذلك في عقيدة ابن القيّم وآرائه الفقهيّة!

دراسته: درس ابن القيّم وتتلمذ على علماء عصره، من علماء المذهب الحنبليّ. إلاّ أنّه أشرب في نفسه الولع بابن تيميّة والإكبار له، فتعشّق آراءه وفتاواه الّتي تكاد تشكّل مذهباً مستقلاًّ! فطاله بعض ما حلّ بساحة ابن تيميّة من نقمة وعقاب.

قال الشوكانيّ: «العلاّمة الكبير المجتهد المطلق المصنّف المشهور، ولد سنة ٦٩١ هـ، وسمع من ابن تيميّة، ودرس بالصدريّة، وأمّ بالجوزيّة، وأخذ الفرائض عن أبيه وتبحّر في معرفة مذاهب السّلف، وأخذ الأصول عن الصفيّ الهنديّ، وابن تيميّة، حتّى كان لا يخرج

____________________

(١) نسبة إلى أزرع في جنوبي سوريا.

(٢) مدارج السّالكين لابن القيّم ١: ٥.

(٣) الفوائد لابن القيّم ٥. وفي كتاب «ابن تيميّة، حياته وعصره، لمحمّد أبو زهرة ص ٥٢٦: كان أبوه قيّم الجوزيّة، ثمّ أطلق القول عن الإضافة فقيل ابن القيّم».

٧

عن شيء من أقواله؛ بل ينتصر له في جميع ذلك. وهو الذي نشر علمه بما صنّف من التصانيف الحسنة المقبولة». (١)

وذكر أبو زهرة: «إنّه كان القائمَ على تركة شيخه من بعده من حيث التحرير والتأليف والمجادلة والمناظرة، وهو أصغر من ابن تيميّة بنحو ثلاثين سنة، فكان ابن تيميّة منه بمنزلة الوالد الشّفيق. وقد نشأ حنبليّاً كشيخه». (٢)

ولما كان عصره مشحوناً بالصراعات والفتن، ولم يكن شيخه بمنأىً عن ذلك؛ فمضافاً إلى فتنته الّتي أثارها في حقل العقيدة والفتوى، وحوقق لأجلها أكثر من مرّة وسجن مرّات عدّة؛ كان آخرها أنّه لم يخرج من غيابة السجن إلاّ وهو جسد من غير روح.

ولم يكن ابن تيميّة منصفاً وهو يخوض مثل هذه المعركة، فقد وظّف قلمه لشتم فريق من المسلمين هم الشّيعة أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام والعجب منه أنّه لم ينله أحدٌ منهم بشيء من الأذى.

ولم يقف عند حدّ السّباب المقذع الّذي طفحت به مصنّفاته كلّها، وإنّما وصمهم بما ليس فيهم ولقد أفرد بعضها مثل «منهاج السُّنّة» في أربعة أجزاء، لتكذيب الأحاديث المشتهرة ممّا جاء في فضائل عليّ عليه‌السلام ، وجعل ذلك وصلة للإيقاع بالشّيعة.

أمّا عمليّاً: فإنّ ابن تيميّة لما أخفق في محاولته التقرّب إلى التتار، عمد إلى إقناع النّاصر في تجهيزجيش قاده ابن تيميّة نفسه، فقتل الكثير من الشّيعة في الجبل السّوريّ، وخرّب بيوتهم، وأبار أشجارهم.

فلا غرو أن يثني ابن القيّم وسادته لإحياء روح شيخه من خلال استكماله منهجيّة ما كتب وصنّف.

ويتّضح هذا الأثر السّلبيّ فيما كتبه في الفرق الإسلاميّة: «وعني عناية خاصّة بدراسة الفرق الإسلاميّة برعاية شيخه ابن تيميّة، حيث أخذ عنه الكثير، ولازمه طوال حياته، وأولع في كتاباته وانكبّ على دراستها وقام بتهذيبها وتبويبها ونشرها بين النّاس. وكان

____________________

(١) البدر الطّالع لمحمّد بن عليّ الشوكانيّ ٢: ١٤٣.

(٢) ابن تيميّة حياته وعصره، أبو زهرة: ٥٢٦.

٨

ينتصر له في جميع ما يصدر عنه». (١) غمس ابن القيّم قلمه في دواة ابن تيميّة، فنال من علماء عصره، وقفا أثر شيخه في مسألة شدّ الرِّحال لزيارة مرقد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع غرور ظاهر فيما كان يصرّح به أو يخطّه.

قال الذّهبيّ في «المختصر»: «جلس مرّة لإنكار شدِّ الرِّحال لزيارة قبر الخليل، ثمّ تصدّر للاشتغال ونشر العلم، ولكنّه معجب برأيه جريء على أمور». (٢)

وعن السرّ جرأة ابن القيّم هذه، قال الشوكانيّ:

«ونعمت الجرأة! وأظنّها سرت إليه من بركة ملازمته لشيخه ابن تيميّة، في السرّاء والضّرّاء، والقيام معه في محنته ومؤاساته بنفسه، وطول تردّده إليه، فإنّه ما زال ملازماً له من سنة «٧١٢» إلى تاريخ وفاته.

وحكي عنه قبل موته بمدّة: «أنّه رأى شيخه ابن تيميّة في المنام، وأنّه سأله عن منزلته، فقال: إنّه أنزل فوق فلان وفلان، وسمّى له بعض الأكابر، ولكن أنت في طبقة ابن خزيمة». (٣)

السجن: تصدّى له علماء عصره فنالوا منه مثلما نال منهم، وصدرت الفتاوى بوجوب حبسه مع ابن تيميّة، فحبس وعذّب وأهين، وطيف به على جمل مضروباً بالدّرّة، فلمّا مات ابن تيميّة أفرج عنه. (٤)

ولقد كان الشوكانيّ صادقاً في تفسيره مسلك ابن القيّم، وتعليله لمنهجه الفكريّ، في قوله: «... سرت إليه من بركة ملازمته لشيخه ابن تيميّة...»، إذ جمع شتات نفسه وتفكيره للإقذاع والرمي بالأفائك، ليس لمن راماه بنبل التفسيق وقرعه بالعصيّ على رؤوس

____________________

(١) مدارج السّالكين ١: ٥ (مقدّمة المحقّق).

(٢) البدر الطّالع ٢: ١٤٣.

(٣) نفس المصدر ٢: ١٤٥. «ابن خزيمة هو عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاريّ الأوسيّ. تابعيّ، مدنيّ. يروي عن أبيه، وابن عبّاس. روى عنه هشام بن عروة والزّهريّ. مات سنة خمس ومائة. وثّقه العجليّ: تاريخ الثّقات ٣٥٣ / ١٢١١ ووثّقه النّسائيّ، وابن حبّان: تاريخ البخاريّ الكبير ٣: ٢ / ٤٩٨؛ الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم الرّازيّ ٣: ١: ٣٦٥؛ الثّقات: ابن حبّان ٢: ٤٠٢ / ٣٠٧١؛ والتقريب لابن حجر العسقلانيّ، ترجمة ٤٨٤٤».

(٤) نفس المصدر؛ مدارج السّالكين ١: ٥ (مقدّمة المحقّق).

٩

الأشهاد؛ وإنّما صرف همّه في ذلك للشّيعة وإمامهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والمنافحة الباطلة عن الشجرة الملعونة في القرآن: «بنو أميّة»، ورجال السّوء من أنصارهم، أمثال عمرو بن العاص أليست هذه هي بركة ملازمته لشيخه وهذا هو منهج شيخه فيما صنّف؟!

وعُمدة ابن القيّم فيما يسطّر: «قاله الإمام أحمد بن حنبل، وتبعه ابن الجوزيّ في «الموضوعات». وإنّ الشيخ ابن تيميّة قد أطال في بيان بطلان حديث كذا أيّما إطالة في كتابه «منهاج السّنّة»، وتابعه في ذلك من تلامذته الحفّاظ الأئمّة: الذهبي، وابن كثير». فالماء واحد، والحادي هو الحادي!

مصنّفات ابن القيّم

ترك ابن القيّم مجموعة ليست بالقليلة من الكتب ضمّنها أحكاماً شرعيّة، كان ابن تيميّة، والمترجم له يفتيان بها. وعقيدتهما في ذات الله تعالى، وعالم البرزخ؛ وما أثاراه من مسألة زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأولياء.. ترتكز على أسس حنبليّة، وتخالف المذاهب الأخرى مخالفة شديدة، حتّى يصحّ أن يقال: إنّ ما جاءا به يشكّل مذهباً جديداً مستقلاًّ وربّما صحّت تسميته بالمذهب التّيميّ، نسبة إلى ابن تيميّة.

وتبقى مسألة الإساءة للمسلمين الشّيعة وشتمهم هي السمة الغالبة الملموسة في كلّ ما سطّر وطرّس. وممّا خلف: اجتماع الجيوش الإسلاميّة على حرب المعطّلة والجهميّة، إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، إغاثة اللّهفان في حكم طلاق الغضبان، إغاثة اللّهفان من مصايد الشّيطان، تحفة الودود في أحكام المولود، تفسير المعوّذتين، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشّافي، الرّوح، زاد المعاد في هدي خير العباد، شفاء العليل، الطّرُق الحكميّة في السياسة الشرعيّة، الفوائد، الكافية الشّافية في الفرقة النّاجية، مدارج السّالكين، مفتاح دار السعادة، هداية الحيارى، الوابل الصيّب من الكلم الطيّب، الرّسالة التبوكيّة، وغيرها. وجميع هذه الكتب مطبوع .

١٠

الفصل الثاني

مطارحات فكريّة في آثار ابن قيّم الجوزيّة

حان أن نجول في تآليف ابن القيّم وننظر في دعاواه.

قال في كتابه ( المنار المنيف في الصحيح والضّعيف ): حديث «أكذَبُ النّاس الصبّاغون والصوّاغون» (١) ، قال: يقول فيه ابن تيميّة: والحسُّ يردُّ هذا الحديث، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم، كالرّافضة فإنّهم أكذب خَلْق الله» (٢) . قيل: ما ظنّك بجارِك؟ قال: ظنّي بنفسي.

إنّ المرء ليتساءل: أيّ ملازمة بين هذا الحديث وبين الشّيعة؟ فالمنهج العلميّ يقتضي صدق الحديث أو طرحه لضعف سنده ومتنه. أمّا أن نحمّله ما لا يحتمل ونجعل منه وسيلة لتحقيق مآرب سوء، فهو الإفك والبهتان عينه؛ وبعلّة الورشان يأكل رطب المشان! (٣)

وإلاّ فإنّهما لو صدقا - وقلّما صدقا - فهل يشقّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسمّي الرّوافض كما سمّى بني أميّة والخوارج والنّاكثين والقاسطين؟!

ودليل ابن القيّم على أنّ الشّيعة أكذب خلق الله، ما رفع به شيخه (٤) عقيرته كالملدوغ

____________________

(١) المنار المنيف ٥٢، حديث رقم (٦٠).

(٢) نفس المصدر؛ منهاج السُّنّة لابن تيميّة ١: ١٣؛ علم الحديث له: ٤٦٥.

(٣) الورشان: طائر يشبه الحمام. والمشان: نوع من التّمر - من أطيبه. أي أنّ الصّائد بحجّة سعيه في أثر الصّيد يدخل بين النَّخل فيأكل التمر. يضرب لمن يظهر شيئاً والمراد منه شيء آخر.

(٤) في منهاج السّنّة ١: ١٣: إنّ الرّافضة أكذبُ الطّوائف، وإنّ أصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد!

١١

يقذف خيار المسلمين بأشدّ القوارص الّتي هو أولى بها لتحقّقها فيه واشتهاره بها. إنّ الشّيعة الّذين وصمهم ابن تيميّة بالكذب، وشايعه ابن القيّم على ذلك، ينصّ فقههم على أنّ من الكبائر: الشّرك بالله تعالى، والكبر، والمحاربة لأولياء الله تعالى، والغيبة، وشهادة الزّور، وإنكار ما نزّل الله تعالى، والكذب، والبهتان.. وما إليها.

فأيّ واحد منها لم يكن من خصال الرّجلين - ابن تيميّة، وابن القيّم - وكأنّها طباع مركوزة في نسيج نفسيهما؟! ألم يصفهما من عاصرهما ومن جاء بعد، بالتّيه والكبر؟! وأيّ حرب لأولياء الله تعالى أكثر من تلك الفتنة الّتي أثاراها في تحريم شدّ الرّحال لزيارة البقاع المباركة الطّاهرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآله الطّاهرين، والتنقيص من المراتب التي رتّبها الله تعالى وأنزلهم منازلها؟! ولقد طفح كيلهما بالسبّ والغيبة لجمهور واسع من المؤمنين وعلمائهم؛ الحيّ منهم والميّت على سواء! وأيّ شهادة زور أعظم من النعيق بفضائل معاوية، ويزيد، وعمرو بن العاص.. ووضع الأحاديث بفضائلهم؟! وهو كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو من الكبائر، مع نفيهما لكلّ حديث ثابت محقّق عند الفرقاء جميعاً يثلب عصابة الزّيغ والضّلال.

وهما وإن لم ينكرا ما أنزل الله تعالى، لكنّهما صرفا القول العزيز لغير مناسبته، وأولاه لتصديق ما ادّعياه، وكذّبا أن يكون قد نزل شيء في عليّ عليه‌السلام خاصّة.

وهذه وغيرها من خصال ابن تيميّة وابن القيّم، أسخطت عليهما علماء عصرهما من المذاهب الثلاثة: الشّافعيّ، والمالكيّ، والحنفيّ، فحكموا عليهما بالفسق تارة وبالزّندقة والكفر أخرى، ولم ينتصر لهما حتّى القاضي الحنبليّ. لقد نهانا الباري سبحانه عن قبول شهادة الفاسق في قوله: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى‏ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) . (١)

وقد ألزم علماء المذاهب ابن تيميّة بالنّفاق لقوله: إنّ عليّاً عليه‌السلام أسلم صبيّاً لا يدري ما يقول! وإنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول.

وإنّه لمن العجب أن نجد في عيبة هذا المائن - ابن تيميّة - شيئاً من الإقرار بفضيلة من

____________________

(١) الحجرات / ٦.

١٢

فضائل أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، فكيف إذن لو أراد أن يذكر شيعتهم؟! قال: «والرّافضة والجهميّة هم الباب للملحدين، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله، وآيات كتابه المبين». (١)

وقال: «هم من أضلّ النّاس عن سواء السّبيل، وهم من أكذب النّاس في النّقليّات ومن أجهل النّاس في العقليّات». (٢)

وما هذا الضّلال والجهل في العقليّات الّذي يدّعيه إلاّ أنّهم أسّسوا مدرستهم على ما أسّس عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أي الإسلام النّقيّ من شوائب تجسيم الله تعالى وتبعيضه وجعله في حيّزٍ معيّنٍ وجهةٍ يشار إليها، وأنّه سبحانه ينزل من سماء لأخرى ليصعد إليها، ويجالس أحمد بن حنبل و عبد الوهّاب الورّاق، يأكلان ويشربان بين يديه، وأنّ ضيغماً وسفيان الثوريّ (٣) يزوران الله تعالى متى شاءا وهي أمور يراها الشّيعة وعقلاء المسلمين من المذاهب الأخرى خرافات وإساءة للدّين وتجرّؤاً على ذات الله سبحانه وتعالى.

وابن تيميّة الّذي نعته أنصاره بشيخ الإسلام، والمجتهد المطلق، والإمام، فإنّه إذا اختصّ أحد علماء الشّيعة بالخطاب هدرت شقشقته بما لا يليق بعوامّ النّاس. قال ابن تيميّة في نعته لكتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة): «وهو خليق بأن يسمّى: منهاج النّدامة»؟ (٤)

وفي مؤلّفه العلاّمة الحلّيّ الحسن بن يوسف بن المطهّر - المعاصر لابن تيميّة - قال: «كما إنّ من ادّعى الطّهارة، وهو من الّذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم، بل من أهل الجبت والطّاغوت والنّفاق. كان وصفه بالنّجاسة والتكدير، أولى من وصفه بالتّطهير». (٥)

وإنّا لنربأ بأنفسنا أن ننساق، فنسفّ كما فعل ابن تيميّة في منهاج ضلاله، ولكن نستلّ من جدول أصحاب الرّدود على ابن تيميّة، ردّ العلاّمة الحلّيّ لما بلغه تصنيف ابن تيميّة

____________________

(١) منهاج السّنّة ١: ٣.

(٢) نفس المصدر.

(٣) استعرضنا ذلك مع مصادره في فصل آتٍ.

(٤) منهاج السُّنّة ١: ٥.

(٥) نفس المصدر.

١٣

«منهاج السّنّة» وسبابه له، فما زاد أن قال: «لو كان يفهم ما أقول أجبته». (١)

وقال في شعر: (٢)

لو كنت تعلم كما علم الورى

طُرّاً لصرتَ صديق كلّ العالم

لكن جهلت فقلت إنّ جميع من

يهوى خلاف هواك ليس بعالم

ونذكر ما قاله ابن حجر العسقلانيّ في ترجمته حيث قال: «وافترق النّاسُ فيه شيعاً، فمنهم مَن نسبه إلى التجسيم، لما ذكره في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك قوله: إنّ اليد والقدم والسّاق والوجه صفات حقيقيّة لله، وإنّه مستو على العرش بذاته.. فألزم بأنّه يقول بتحيّزٍ في ذات الله.

«ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يُستغاث به.

وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

«ومنهم من ينسبه إلى النّفاق، لقوله: أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيّاً، والصبيّ لا يصحّ إسلامه على قولٍ. ولقوله: إنّه كان مخذولاً حيث ما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرّياسة لا للدّيانة، وإنّه كان يحبّ الرّياسة!

«ونسبه قوم إلى أنّه - أي ابن تيميّة - يسعى في الإمامة الكبرى.. وكان إذا حوقق وألزم، يقول: لم أرد هذا إنّما أردتُ كذا، فيذكر احتمالاً بعيداً». (٣) وليس أدلّ على نفاق هذا الرّجل من ثلبه لأمير المؤمنين عليه‌السلام والمساواة بينه وبين معاوية ويزيد وأضرابهما! وقوله: إنّ الشيعيّ لا يمكنه إثبات إيمان عليّ وأنّه من أهل الجنّة، ما لم يثبت ذلك لمعاوية ويزيد وأسلافهما!

قال: «إنّ الرّافضيّ لا يمكنه أن يثبت إيمان عليّ وعدالته وأنّه من أهل الجنّة فضلاً عن إمامته إن لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان، وإلاّ فمتى أراد إثبات ذلك لعليّ وحده لم

____________________

(١) الخلاصة، للعلاّمة الحلّيّ: ١٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الدّرر الكامنة، لابن حجر العسقلانيّ ١: ١٥٥. وقد ذكرنا جملة واسعة من علماء المذاهب المختلفة في عصره ممّن ردّ عليه، في بحث «ابن تيميّة حياته وأفكاره».

١٤

تُساعده الأدلّة...». (١)

وقال: «الرّافضة تعجز عن إثبات إيمان عليّ وعدالته مع كونهم على مذهب الرّافضة، ولا يمكنهم ذلك إلاّ إذا صاروا من أهل السّنّة، فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده فقد تواتر ذلك عن هؤلاء، بل تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم». (٢) ولكن متى كفر عليّ عليه‌السلام لكي يؤمن وقد تحدّر من صلب طاهر هو كافل وناصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، شيخ قريش وشريفها وما توفّي إلاّ بعد أن أفرغ وسعه في حماية الدّين الحنيف الذي آمن به. وانتشب في رحم زكيّ، فأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيّة الهاشميّة، كافلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقائمة مقام أمّه، أسلمت وبايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أوّل من بايع من النّساء. روى الزّبير بن العوّام، قال: «سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو النّساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية ( يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) (٣) الآية فكانت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب أوّل امرأة بايعت» (٤) .

وهاجرت إلى المدينة، فكانت أوّل امرأة تهاجر إلى رسول الله؛ عن جعفر بن محمّد: «إنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت من مكّة إلى المدينة على قدميها، وكانت أبرّ النّاس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٥)

«وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؛ فقالت:

____________________

(١) منهاج السّنّة ١: ١٦٢.

(٢) نفس المصدر ١: ١٦٣.

(٣) الممتحنة: ١٢.

(٤) المناقب للخوارزميّ: ٢٧٧ حديث ٢٦٤؛ شرح نهج البلاغة ١: ١٤.

(٥) المناقب للخوارزميّ: ٢٧٧؛ شرح نهج البلاغة ١: ١٤. وفي كتاب نسب قريش، للمصعب الزبيريّ (١٥٦ - ٢٣٦ هـ): ٤٠ «هي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميٍّ؛ وقد أسلمت وهاجرت إلى النبيّ، وماتت بالمدينة، وشهدها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ». وفي تهذيب الكمال: المزيّ ٢٠: ٤٧٣: «فاطمة بنت أسد بن هاشم الهاشميّة، وهي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميّ. أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفّيت في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلّى عليها ونزل في قبرها».

١٥

واسوأتاه! فقال لها: إنّي أسأل الله أن يبعثكِ كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر؛ فقالت: واضعفاه، فقال: إنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك». (١)

وتوفيّت بالمدينة ودفنت بها، وكفّنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقميصه، واضطجع في قبرها وجزّاها خيراً. ولما سئل عن ذلك قال: «إنّه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها»، وكان يسمّيها: «أمّي».

وعن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ، دخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجلس عند رأسها فقال: «رحمك الله يا أمّي؛ كنتِ أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيّب الطّعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله تعالى والدّار الآخرة». (٢)

ولقد عصمها الله تعالى بابنها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من أن تسجد للأصنام: «كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم، وعليّ رضي الله عنه في بطنها لم يمكّنها، يضع رجله على بطنها ويلصق ظهره بظهرها ويمنعها من ذلك، ولذلك يقال عند ذكره: كرّم الله وجهه، أي عن أن يسجد لصنم». (٣)

وعليّ عليه‌السلام أوّل مولود ولد في الكعبة، وما ولد قبله أحد فيها. (٤) وعليّ أبو الكوثر الذي

____________________

(١) المصدر السابق؛ وتذكرة الخواصّ: ٢٠.

(٢) الاستيعاب ٤: ٣٨١؛ الإصابة ٤: ٣٨٠؛ أسد الغابة ٧: ٢١٧؛ المناقب للخوارزميّ: ٤٦ - ٤٨.

(٣) نور الأبصار، للشبلنجيّ: ١٥٦.

(٤) المـُجدي، للعمريّ: ١١؛ العمدة في عيون صحاح الأخبار، لابن البطريق: ١٢؛ وفي تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ: ٢٠: وروي «أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه‌السلام ، فضربها الطّلق، ففتح لها باب الكعبة فدخلت فوضعته فيها».

وبسند عال، أخرج ابنُ المغازليّ في مناقبه ص (٦ - ٧) خبر ولادة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الكعبة، قال: «أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع - يبيع السّمك، ثقة توفّي ببغداد سنة خمسين وأربعمائة (تاريخ بغداد ٣: ١٠٦)، قال أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد الكاتب، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر ابن محمّد بن سلم الختّليّ، قال: حدّثني عمر بن أحمد بن روح الساجيّ حدّثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلويّ، قال: حدّثني محمّد بن سعيد الدارميّ حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ =

١٦

أعطاه الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وعليّ زوج الطّاهرة البتول فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، زوّجه إيّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر السّماء، بعد أن سبقه في خطبتها آخرون، فردّهم

____________________

= بن الحسين، قال: كنت جالساً مع أبي ونحن زائرون قبر جدّنا عليه‌السلام ، وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة العجلان من بني ساعدة فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟ فقالت: إي والله! حدّثتني أمّي أمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعديّ أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبوطالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه.

فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض. فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم الله؛ قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أركحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب: «عليّاً»، وحمله النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أدّاه إلى منزلها.

قال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : فو الله ما سمعت بشيء قطّ إلاّ وهذا أحسن منه.

وفي الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: ٣٠: ولد عليّ عليه‌السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب الفرد سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقبل البعث باثنتي عشرة سنة. ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته. وكان عليّ هاشميّاً من هاشميَّين، وأوّل من ولده هاشم مرّتين».

ونفس المصدر: ومن كتاب المناقب لأبي العالي الفقيه المالكيّ روى خبراً يرفعه إلى عليّ بن الحسين... وذكر خبر زيدة بنت قريبة السّاعديّة. وفي غاية المرام لهاشم البحرانيّ ١٣: بسندٍ عن الإمام الصادق عن آبائه: قال: «كان العبّاس بن عبد المطّلب، ويزيد بن قعنب، جالسين ما بين فريق من بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكانت حاملاً بأميرالمؤمنين لتسعة أشهر وكان يوم التّمام، قال: فوقفت بإزاء بيت الله الحرام وقد أخذها الطّلق، فرمت بطرفها نحو السّماء، وقالت: أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرّسول وبكلّ نبيٍّ من أنبيائك وبكلّ كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وأنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبحقّ هذا المولود الّذي في أحشائي الّذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه - وأنا مؤمنة أنّه أحد آياتك ودلائلك - لما يسّرت عليّ ولادتي. قال العبّاس بن عبد المطّلب، ويزيد بن قعنب: فلمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدّعاء، رأينا قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثمّ عادت الفتحة بإذن الله، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله تعالى. وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام، ثمّ انفتح الباب من الموضع الذي دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعليّ على يديها...» والحديث طويل.

١٧

النبيّ معرضاً عنهم بأنّ أمر زواجها من أمر الله تعالى. (١)

«وكان ممّا أنعم الله به على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه كان في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الإسلام». (٢)

فكان عليّ أوّل مَن آمنَ برسول الله وصلّى معه، وصدّق بما جاءه من الله تعالى، وهو يومئذٍ ابنُ عشر سنين. (٣) صلّى النبيّ يومَ الإثنين، وصلّى عليّ يومَ الثلاثاء. (٤) عن ابن

____________________

(١) المناقب للخوارزميّ: ٣٣٥ - ٣٥٤؛ ينابيع المودّة للقندوزيّ: ١٧٥؛ الطبقات الكبرى لابن سعد ٨: ١٩ - ٢٥؛ ذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ: ٣٢؛ حلية الأولياء ٢: ٧٥؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٣٤٤؛ أُسد الغابة ١: ٢٠٦؛ كفاية الطّالب للكنجيّ (في عدّة مواضع).

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام ١: ٢٦٢. وسيرة ابن إسحاق «محمّد بن إسحاق بن يسار ٨٥ - ١٥١ هـ) المسمّاة: كتاب السِّيَر والمغازي، ١٣٧.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام ١: ٢٦٢؛ تفسير الثعلبيّ: ٢١٠؛ اسد الغابة ٤: ١٧. وسيرة ابن اسحاق ١٣٧: يونس - بن بكير - عن ابن إسحاق قال: حدّثني عبد الله بن أبي نجيح قال: أسلم عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين.

وسيرة ابن إسحاق ١٣٨: يونس بن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: أوّل الرجال إسلاماً عليّ بن أبي طالب ثمّ الرهط الثلاثة: أبوذرّ، وبريدة ن وابن عمٍّ لأبي ذرّ.

(٤) شواهد التنزيل للحسكانيّ ٢: ١٢٦ حديث: ٨٢٠؛ صحيح الترمذيّ ٥: ٦٤٠؛ المناقب للخوارزميّ: ٥٧؛ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام عليّ ١: ٤٨ حديث ٧١. وفي سيرة ابن إسحاق ١٣٧: يونس عن ابن إسحاق قال: حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكنديّ، قال: حدّثني إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جدّه عفيف أنّه قال: كنتُ امرءاً تاجراً فقدِمتُ أيّام منى، أيّام الحجّ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرءاً تاجراً، فأتيتُه أبتاع منه وأبيعه؛ قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأة، فقامت تصلّي معه، وخرج غلام، فقام يصلّي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدّين، إنّ هذا الدّين ما ندري ما هو؟ فقال العبّاس: هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليّ بن أبي طالب آمن به؛ قال العفيف: فليتني آمنتُ يومئذ وكنت أكون ثانياً.

والإجماع منعقد على سابقة عليّ عليه‌السلام إلى الإسلام وأنّه أوّل مَن صلّى مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ هو وخديجة رضوان الله تعالى عليها.

عبد الرزّاق الصنعانيّ (ت ٢١١ هـ) قال: قال معمر: أخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال: كان أوّل مَن آمن به عليّ بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة، أو ستّ عشرة. (المصنّف: عبد الرزّاق ٥: ٢١٩). قال: وأخبرني =

١٨

____________________

= عثمان الجزريّ، عن مقسم عن ابن عبّاس قال: عليّ أوّل من أسلم. (المصنّف ٥: ٢١٩).

وعنه ذكره المزّيّ في «تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨١، ونقل قوله الثاني وفيه: «وعمره ثاني عشرة، أو ستّ عشرة». (تهذيب الكمال ٤٨٢). ابن سعد (ت ٢٣٠  هـ) قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، ويزيد بن هارون، وعفّان ابن مسلم؛ عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي حمزة مولى الأنصاريّ عن زيد بن أرقم قال: أوّل من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عليّ، قال عفّان بن مسلم: أوّل من صلّى. (الطبقات الكبرى: ابن سعد ٣: ٢١). وأنت تعلم أن لا صلاة بلا إسلام! إذا كان الوحي في الدعوة إلى التوحيد، ثمّ جاءت الفرائض والأحكام. وحتّى على كونه عليه‌السلام أوّل من صلّى؛ فهو أوّل من سبق إلى الإيمان، وهو تأويل ما كان يصدح به ويصرّح ك أنا أوّل مَن صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلّيت معه سبع سنين، وفي قول كذا سنه..؛ وقول رسول الله: «صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين...،لم يكن معي من أسلم من الرّجال غيرُه...» وقد ذكرنا الحديث صفحة ١٨ بطوله. ابن سعد، قال: أخبرنا محمّد بن عمر - الواقديّ ت ٢٠٧ هـ - قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع وإسحاق بن حازم عن أبي نجيح عن مجاهد: أوّل من صلّى عليّ وهو ابن عشر سنين. (الطبقات الكبرى ٣: ٢١). وبسنده عن عُمارة بن غزيّة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن زرارة قال: أسلم عليّ وهو ابن تسع سنين. (الطبقات الكبرى ٣: ٢١).

ابن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال: سمعت عليّاً يقول: أنا أوّل من صلّى، قال يزيد: أو أسلم. (الطبقات الكبرى ٣: ٢١).

ابن أبي شيبة (ت ٢٣٥  هـ): حدّثنا معاوية بن هشام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن عليم عن سلمان قال: إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب.

(المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٥٠٣ حديث ٤٩ - من فضائل عليّ عليه‌السلام ؛ و ٨: ٣٥٠ / ٢٢٢ و ٨: ٣٢٩ / ٣٣ كتاب الأوائل).

ابن أبي شيبة: شعبة عن سلمة عن حبّة العرني عن عليّ قال: أنا أوّل رجل صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٤٩٨ حديث ٢٢ من فضائل عليّ عليه‌السلام ) وبنفس السند واللفظ، إلاّ أنّ فيه: صلّى مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . (المصنّف لابن أبي شيبة ٨: ٣٣٢ / ٦١).

عبد الله بن إدريس عن أبي مالك الأشجعيّ عن سالم بن ابي الجعد قال: قلت لابنِ الحنفيّة: أبوبكر أوّل القوم إسلاماً؟ قال: لا. (المصنّف: ابن أبي شيبة ٨: ٣٣٢ / ٦٢).

وفي نثر الدّرّ: قيل لابن عبّاس، أو لقتم بن عبّاس: كيف ورث عليّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دونكم؟ فقال: كان أوّلنا به لحوقاً وأشدّنا به لصوقاً. (نثر الدّرّ: الآبي ت ٤٢١ هـ، ١: ٤١٦). المسعوديّ (ت ٣٤٦  هـ): «وتُنُوزع في أوّل مَن آمن به من الذكور، بعد إجماعهم على أنّ أوّل مَن آمن به من الإناث خديجة. فقال فريق منهم: أوّل ذكر آمن به =

١٩

____________________

= عليّ بن أبي طالب، هذا قولُ أهل البيت وشيعتهم؛ وروى ذلك عبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وزيد بن أرقم، في آخرين. (التنبيه والإشراف: المسعودي ١٩٨).

وكفى بهم ونعمت! فأهل البيت المعصوم عليهم‌السلام قد قالوا بسابقة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام إلى الإسلام، وأهل البيت أعرف بما فيه، وسيّدهم عليّ عليه‌السلام نفسه كان يحاجج بهذه الفضيلة كبار القوم فيخبتون له مصدّقين، وعلى هذا نهج أبناؤه الأئمّة عليهم‌السلام ، فما وجدنا مَن يدفعهم عن قولهم هذا.

ورواية ابن عبّاس، وجابر، وزيد - في آخرين - حجّة لدى الجميع، ومتواترة حدّ القطع اليقين. وأمّا شيعتهم فهم خير البريّة، يأتون يوم القيامة راضين مرضيّين؛ فهم بذرة أنبتها الله تعالى ورعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهم شيعة الله ورسوله ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأهل بيته، لا يجفونهم ولا يخرجون عن الحقّ، وسنوافيك بالأدلّة على ذلك. فقولهم حجّة في ذلك. أيضاً المسعوديّ: سنّه - أي سنّ عليّ - يوم أسلم، قال: وتنوزع في سنّه يوم أسلم فقالت فرقة كان سنّه يوم أسلم خمس عشرة سنة، وقال آخرون ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وقيل تسع، وقيل ثمان...

قال: هذا قول من قصد إلى إزالة فضائله، ودفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير، وصبيّ غرير، لا يفرّق بين الفضل والنقصان، ولا يميّز بين الشكّ واليقين، ولا يعرف حقّاً فيطلبه، ولا باطلاً فيجتنبه. (التنبيه والإشراف ١٩٨). ونحن مع المسعوديّ فيما ذكر من سنّ عليّ عليه‌السلام يوم أسلم؛ فقد ذكروا بشأن غزوة بدر: أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عرض أصحابه وردّ من استصغر منهم، فكان ممّن ردّ في ذلك اليوم من المسلمين: عبد الله بن عمر، ورافع بن خديج...؛ علماً أنّ غزوة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فلو كان عمر عليّ عليه‌السلام كما زعموا؛ لاستصغرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما استصغر غيره، فرّده. وبلاء عليّ يوم بدر أشهر من أن يتحدّث عنه، حتّى أنّ الوحي هتف يومئذ بشجاعة عليّ: لافتى إلاّ عليّ، لاسيف إلاّ ذو الفقار. ويقال إنّ الهتاف كان يوم أحد في السنة الثالثة من الهجرة. وفي قول إنّه كان في الوقعتين - تكلّمنا عنه في موضعه -. ويوم الخندق أحجم عسكر المسلمين عن عمرو بن عبد ودّ، الذي اقتحم عليهم خندقهم وطلب البراز فلم يقم إليه إلاّ عليّ عليه‌السلام فقتله، ولم يستصخره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أردفه خلف أبي بكر فأخذ منه سورة براءة فبلّغها، ولم يستصغره إذ أعرض عن أبي بكر، وعن عمر بن الخطّاب لما خطبا إليه بضعته فاطمة عليها‌السلام فأبلغهما إنّ زواجها إلى الله تعالى، فلمّا جاءه عليّ قال له: إنّ جبريل أخبرني الساعة أنّ الله تعالى يأمرني أن أزوّجك فاطمة، فكان الزواج المبارك الطّاهر، ولم يطهّر سبحانه بيتاً غيره.

ولم يستصغره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان يخلو به فيناجيه، ولما أشكلوا عليه انتجاءه إيّاه، وما كان ينبغي لهم ذلك إذ هو من التقديم بين يدي الله ورسوله! أجابهم: ما أنا انتجيته ولكنّ الله انتجاه. =

٢٠

____________________

= ولقد جرى أكثر من حوار بين عمر بن الخطّاب، وابن عبّاس بشأن الاستخلاف تنقّص عمر في كلّ مرّة من بقي من العشرة المبشّرة بالجنّة وحطّ من مقامهم إلاّ عليّاً فوصفه بأعلى الصفات وأنّه أليق بالخلافة ثمّ عاد مستدركاً بأنّ عليّاً فيه دُعابة «أي مُزاجة» وفي اُخرى أنّه أصغر القوم! وقد أبطل ابن عبّاس تلك المقولات ممّا جعل عمر يرجو ابن عبّاس أن لا يحدّث بما جرى بينهما. وقد ذكرنا كلّ ذلك مفصّلاً في كتابنا هذا فراجع.

ولعلّ السرّ في التشكيك في عمره الشريف يوم أسلم: هو ما جرت عليه عادة العرب من تقديم الشيخ على غيره، وهذا ما وقع في سقيفة بني ساعدة وترجمه عمر بن الخطاب في حديثه مع ابن عبّاس؛ فاستغلّت ذلك الأقلام التي استأجرتها الدّعاية الأُمويّة ومن جاء بعدهم من نواصب للنّيلِ من أمير المؤمنين عليه‌السلام لتسلبه كلّ مكرمة وخصوصيّة ووزّعت ألقابه الشريفة التي نطق بها القرآن الكريم والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وزّعتها على هذا وذاك، وأنكرت كثيراً منها أو قلّلت من أهمّيّتها وذلك حينما لم تستطع إنكارها وسلبها... وحتّى لو سلّمنا أنّه أسلم صغيراً؛ فإنّما ذلك زيادة في كرامته إذ تربّى في حضن النبيّ، فلم يتلوّث بكدر الجاهليّة كما حصل لغيره، وكرّم الله وجهه من عبادة الأوثان. فالنقيصة فيمَنْ تنقّصه.

وفي السنة الثالثة من الهجرة ولد الحسن بن عليّ بن أبي طالب. الثّقات: ابن حبّان 1: 82)، فكيف يكون عمره سبع أو.. يوم أسلم؟

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: بايع رسول الله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وهم صغار، ولم يبايع قطّ صغيرٌ إلاّ هم. (العقد الفريد 5: 133). قال ابن حبّان: أوّل مَن آمن برسول الله زوجته خديجة بنت خويلد، ثمّ آمن عليّ بن أبي طالب وصدّقه بما جاء به. (الثّقات 1: 24)

ابن أبي الدنيا: ذكر حديث ابن عفيف الذي ذكره ابن إسحاق مع زيادة واختلاف في بعض الألفاظ، قال: عن ابن أبي يحيى بن عفيف قال: قدمت مكّة في الجاهليّة اُريد شراء بزٍّ وعطر لأهلي، فنزلت على العبّاس، فأنا عنده، وأنا أنظر إلى الكعبة، إذ جاء شابّ فنظر إلى السماء، فتوجّه إلى الكعبة فصلّى، فجاء غلام فقام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما. فقال: يا عبّاس! ما هذا الذي حدث في بلادكم؟ إنّ هذا لأمرٌ عظيم. قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن أخي. وهذا الغلام عليّ بن أبي طالب. وهذه خديجة بنت خويلد. قال فصلّوا. قال: إنّ ابن أخي هذا حدّث حديثاً أنّ ربّه ربّ السموات والأرض، ولا والله ما أعلم على ظهر الأرض على دين هؤلاء غير هؤلاء. (كتاب الأشراف: ابن أبي الدنيا 83).

قال أبو عمر بن عبد البرّ القرطبيّ المالكيّ (ت 463  هـ): روي عن سلمان، وأبي ذرّ، والمقداد، وخبّاب، وجابر، وأبي سعيد الخدريّ، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره. (الاستيعاب: ابن عبد البرّ: 3: 1110؛ ونقله عنه في (تهذيب الكمال 20: 480)، =

٢١

____________________

= وكفى بهؤلاء ومن ذكرنا سابقاً شهادة حقّ وصدق في سابقته عليه السلام.

وقال ابن إسحاق: أوّل مَن آمن باللهِ ورسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرجال: عليّ بن أبي طالب - ذكرناه -، وهو قول ابن شِهاب إلاّ أنّه قال: من الرجال بعد خديجة، وهو قول! الجميع في خديجة رضي الله عنها. «تهذيب الكمال 20: 480». وابن عبد البرّ عالم زمانه وهو مالكيّ فهو غير متّهم في قوله في عليّ؛ إذ هو ليس برافضيّ!

وروى بإسناده عن عكرمة عن ابن عبّاس، قال: لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي لواؤه معه في كلّ زحفٍ، وهو الذي صبر معه حين فرّ عنه غيره، و هو الذي غسله وأدخله قبره. (الاستيعاب، وتهذيب الكمال، عنه 20: 480). والمِزّيّ صاحب التهذيب سلفيّ العقيدة معاصر لابن تيميّة والذهبيّ! شافعيّ المذهب، فقولنا فيه مثل قولنا في المالكيّ ابن عبد البرّ.

قال: وروى بإسناده عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ أوّل من آمن من النّاس بعد خديجة، وقال: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ لصحّته وثقة نقلته. (تهذيب الكمال 20: 481) وروى بإسناده عن عبد السلام بن صالح عن الدّراورديّ، عن عمر مولى غفرة، قال: سئل محمّد بن كعب القرظيّ عن أوّل من أسلم عليّ أو أبوبكر؟ قال: سبحان الله! أوّلهما إسلاماً عليّ. (تهذيب الكمال 20: 481). الذهبيّ (ت 748  هـ): بسنده عن القرظيّ: أوّل من أسلم عليّ. (تاريخ الإسلام: الذهبيّ 3: 624).

وفي المنتظم لأبي الفرج ابن الجوزيّ 2: 359؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 147 / 466 ووافقه الذهبيّ في التلخيص؛ السيرة النبويّة لابن كثير 1: 429 - 432؛ الصواعق المحرقة لابن حجر 72: عليّ أوّل من أسلم. والأحاديث كثيرة ومصادرها جمّة في زواج الصدّيقة الطّاهرة فاطمة عليها‌السلام من الصدّيق الطّاهر عليّ عليه‌السلام ، ويرد فيها سابقته إلى الإسلام: أخرج عبد الرزّاق عن وكيع بن الجرّاح قال: «أخبرني شريك عن أبي إسحاق: أنّ عليّاً لما تزوّج فاطمة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لها: «لقد زوّجتكه وإنّه لأوّلُ أصحابي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً». (المصنّف: عبد الرزّاق 5: 341 / 9846). ومن خطبة الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، ليلة شهادة أبيه أمير المؤمنين عليّ: «عن جابر، عن أبي الطفيل، وزيد بن وهب، وعبد الله بن نُجي، وعاصم بن ضمرة، عن الحسن بن عليّ، قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه أحد كان قبله، ولم يخلف بعده مثله وهو عليّ بن أبي طالب، حبيب رسول الله وأخوه» (الذّرّيّة الطّاهرة: الدّولابيّ، 109 - 110 ح 114). وأيضاً الدّولابيّ، بسنده عن جابر، قال: لما قتل عليّ بن أبي طالب قام الحسن خطيباً فقال: لقد قتلتم رجلاً في ليلةٍ نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع فتى موسى؛ والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد يكون بعده» الحديث. (الذّرّيّة الطّاهرة: 115 / 124). مقاتل بن سليمان الأزديّ (ت 150  هـ): قوله تعالى: ( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ =

٢٢

عبّاس، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين، قالوا: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: لم يكن معي من أسلم من الرّجال غيره، وذلك أنّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلاّ الله إلى السماء إلاّ منّي ومن عليّ». (1)

____________________

= جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) - التوبة: 100.

قال: ( السّابِقُونَ ) إلى الإسلام، ( الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ) الّذين صلّوا إلى القبلتين، عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعشر نفر من أهل بدر. (تفسير مقاتل 2: 68؛ البحر المحيط 5: 92؛ تفسير الطبريّ 11: 7؛ الجامع لأحكام القرآن 8: 235؛ الكشّاف 2: 210؛ معاني القرآن للأخفش 2: 336؛ تفسير الفخر الرازيّ 16 / 171؛ إعراب القرآن للنحّاس 2: 37؛ إعراب القرآن للعكبري 2: 11). وذكر ابن عساكر من حديث الفضائل العشرة الخاصّة بعليّ عليه‌السلام قال: قال عمرو بن ميمون: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: إمّا أن تقوم معنا، وإمّا أن تخلونا يا هؤلاء، قال: بل أقوم معكم، فجاء وهو ينفض ثوبه، وهو يقول: أف تف، يقعون في رجل له عشر، وقعوا في رجل، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «..» ثمّ ذكر تلك المناقب وهي أوّل من أسلم، وتبليغه براءة، وطهارته وحديث الكساء، وشراء النّفس بمبيته على فراش النبيّ، وحديث المنزلة، وسدّ الأبواب في المسجد إلاّ باب عليّ، وحديث الغدير، وحديث العشيرة، وحديث الرّاية، وحديث الموالاة دنياً وآخرةً. (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 17: 328 - 329).

قال: وعن أنس، وعن أبي أيوب، قالا: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لقد صلّت الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين، لأنّا كنّا نصلّي ليس معنا أحد يصلّي غيرنا». ثمّ ذكره بلفظ آخر. (مختصر تاريخ دمشق 17: 306). قال: قال أبو سخيلة: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذرّ...، ثم ذكر قول أبي ذرّ له، قال: الزم كتاب الله عزّ وجلّ وعليَّ بن أبي طالب، فأشهدُ أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل». (مختصر تاريخ دمشق 17: 306 - 307).

وعن عبد الرحمن بن عوف: في قوله عزّ وجلّ: ( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ ) ، التوبة 101 - قال: هم عشرة من قريش كان أوّلهم عليّ بن أبي طالب. (مختصر تاريخ دمشق 17: 307).

(1) شواهد التنزيل 2: 125؛ اُسد الغابة 4: 94 (عن أبي أيوب الأنصاريّ)؛ مناقب الإمام عليّ: 14 (عن أنس)؛ المستدرك على الصحيحين 3: 136؛ المناقب للخوارزميّ: 53. وفي المنتظم لأبي الفرج 2: 359 بسندٍ عن حبة العوفي - والصحيح: العرني - قال: قال عليّ عليه‌السلام : لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عبدك قبلي غير نبيِّك - ثلاث مرّاتٍ، لقد صلّيت قبل أن يصلّي النّاس سبعاً. وسنن ابن ماجة - المقدّمة -.

وفي مسند أحمد بن حنبل 1: 160 (ت 241  هـ)، أيضاً عن حبّة العرني، مثله. وأيضاً سنن ابن ماجة (ت 275  هـ)، 1: 44 - المقدّمة، ح 120: عن عبّاد بن عبد الله قال: قال عليّ: أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا =

٢٣

وعليّ من بيت لم يشركه أحد ممّن ذكرهم ابن تيميّة بشرف الانتساب إليه؛ فعليّ من البيت الّذي طهّره الله تطهيراً. عن أبي سعيد الخدريّ قال: لما نزل قوله تعالى: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (1) ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة وعليّ عليهما‌السلام ، تسعة أشهر، في كلّ صلاة فيقول: الصلاة، يرحمكم الله ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) ، (3) وعليّ باسقٌ على أولئك في أنّه نفس (4) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فمن يباهي رسول الله في نفسه؟! وليس لأحد من طيب الأَرُومة ما لعليّ. عن جابر قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا وعليّ من شجرة واحدة، والنّاس من أشجار شتّى». (5)

____________________

= الصدّيق الأكبر. لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب. صلّيت  قبل أن يصلّي النّاس لسبع سنين».

ونختم بذكر بعض المصادر الّتي ذكرت أنّ عليّاً أول من أسلم وصلى من غير ذكر المتون والرواة؛ إذ سنذكر ذلك في مواضع اخرى: (شواهد التنزيل: عبيد الله الحاكم الحسكاني الحنفي (ت 490  هـ) 2: 220 / 936، و 1: 85 و 2: 125؛ تفسير فرات (القرن الرابع): 2؛ تفسير الحبريّ (ت 286  هـ) 237؛ الأوائل: العسكريّ (ت 382): 107 ح معرفة علوم الحديث للحاكم - صاحب المستدرك على الصحيحين -: 102. الموفقيات: الزبير بن بكار (ت 256  هـ): 299، 235، 580، 598؛ الإرشاد: المفيد (ت 413  هـ): 21؛ سنن الترمذي (ت 279  هـ): 5: 304 ح، 3812 و 5: 305؛ الثقات: ابن حبان (ت 354  هـ) 5: 141؛ أنساب الأشراف للبلاذري (القرن الثالث)،: 92 و 93.. ومواضع أخرى؛ مسند أبي داود (ت 204  هـ) 360. مسند أحمد 1: 373 و 99، 3: 495، 5: 499 و 498؛ المحاسن والمساوئ للبيهقيّ: 43؛ وقعة صفّين: نصر بن مزاحم المنقري (ت 207  هـ): 137، 112، 37، 355؛ مسند أبي يعلى 1: 348 / 446؛ معجم الصحابة للبغويّ 418).

(1) طه / 132.

(2) الأحزاب / 33.

(3) شواهد التنزيل 2: 29؛ ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر (حديث 320)؛ المناقب للخوارزميّ: 60 (حديث 29)؛ الدر المنثور للسيوطي 5: 198.

(4) انظر الآثار الواردة المتواترة في آية المباهلة.

(5) المناقب للخوارزمي: 143، حديث (165). ومحمّد بن عمر المازنيّ، عن أبي بكر عبّاد بن صهيب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الناس من أشجار شتّى وأنا وعليّ من شجرة واحدة، أنا أصلها وعليّ فرعها والحسن والحسين اثمارها، وفي قلب كلّ مؤمن من أغصانها». (مناقب أمير المؤمنين لكوفيّ 1: 516 / 364). وعن عليّ قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «شجرة أنا أصلها وعليّ فرعها، والحسن و =

٢٤

وعن سلمان قال: سمعت حبيبي المصطفى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله عزّ وجلّ ن فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه فلم نزل في شيء واحد، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي». (1)

ومجاهد، عن ابن عباس ال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي مني منزلة رأسي من بدني». (2)

وعليّ النّظر إلى وجهه عبادة (3) . عن عائشة قالت: كان أبوبكر يديك النّظر إلى عليّ،

____________________

= الحسين ثمرها، والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيّب إلاّ الطيّب؟ وأنا مدينة العلم، عليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب». (مختصر تاريخ دمشق 18: 17).

وبسندٍ عن حسين بن حسن عن عامر السراج عن سلام الخثعميّ قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ فقلت: يا ابن رسول الله، قول الله تعالى: ( أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّماءِ ) ؟ قال: يا سلام الشجرة محمّد، والفرع عليّ امير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلك الغصن الأئمّة من ولد فاطمة، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت، فإذا مات من شيعتنا رجل تناثر من الشجرة ورقة، فإذا ولد لمحبّينا مولود اخضر مكان تلك الورقة ورقة. فقلت: يا ابن رسول الله، قول الله تعالى: ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ) ، ما يعني؟ قال: يعني الأئمّة تفتي شيعتهم في الحلال والحرام في كلّ حجّ وعمرة. (شواهد التنزيل: الحسكاني الحنفي 1: 311، في تفسير الآيتين 24 - 25 في سورة ابراهيم). وبسنده عن عبد الرزّاق قال، حدثني أبي، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف قال: قال عبد الرحمن يا مينا ألا أحدثك حديثا قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل؟ سمعت رسول الله يقول: أنا شجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها، وحسن وحسين ثمرها، ومحبيهم من أمتي أوراقها. ثم قال: هم في جنة عدن، والذي بعثني بالحق. (شواهد التنزيل 1: 312 / 429، وأمالي الطوسي 18). وبنفس السند مع اختلاف في اللفظ: «أنا الشجرة...، وشيعنا ورقها، و أصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة». شواهد التنزيل 1: 312 / 430.

(1) المناقب للخوارزمي: 145، حديث (169)؛ مناقب الإمام علي لابن المغازلي: 87، فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 662.

(2) المناقب للخوارزمي: 148، مناقب الإمام علي ك 92.

(3) المستدرك للحاكم 3: 141، حلية الأولياء 5: 58 و 2: 182؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2: 51، ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر - عدة مواضع -؛ مناقب الإمام علي: 109؛ المناقب للخوارزمي: 361 - 362؛ المستدرك على الصحيحين 3: 152 / 4682: يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن إبراهيم =

٢٥

فقيل له في ذلك، فقال: سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «النظر إلى علي عبادة». (1)

وعلي مع القرآن، والقرآن مع علي، والحق مع علي، وهو مع الحق، وهو الفاروق بين الحق والباطل، ومفارقته مفارقة لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (2)

وهل الأخ الصاحب في الهجرة والحضر، الفدائي المجاهد مثل الصاحب؟! عن هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الطائف؛ يعرض نفسه على القبائل بعدما وجد من قريش ما وجد روى أبو الحسن المدائني في ذلك: «أنه كان معه في هجرته هذه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وزيد

____________________

= - النخعيّ - عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «النظر إلى وجه علي عبادة». تابعه عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي. وأخرجه عن المسعودي بسنده الثاني عبد الله بن مسعود. (المستدرك عليى الصحينين 37: 152 / 4683)؛ حلية... 362؛ رواه الطبراني في مسند عبد الله بن مسعود 10: 76 / 10006، عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود؛ مجمع الزوائد 9: 119.

(1) ترجمة الإمام علي تاريخ بغداد المناقب للخوارزمي ومختصر تاريخ دمشق 18: 7. وعن يونس مولى الرشيد قال: مت واقفا على رأس المأمون وعنده يحيى بن أكثم القاضي، فذكروا عليا وفضله، فقال المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول: رجع عثمان إلى علي فسأله المصير إليه، فصار إليه، فجعل يحدّ النظر إليه، فقال له علي: ما لك يا عثمان! ما لك تحد النظر إلي؟ قال: سمعت رسول يقول: «النظر إلى علي عبادة».

ومختصر تاريخ دمشق 18: 7: وروي عن عمران بن حصين وعن جابر بن عبد الله وعن أنس بن مالك، وغيرهم أن رسول الله قال: «النظر إلى علي عبادة»  وفي المعجم الكبير للطراني - مسند عمران بن حصين - 18: 109 / 207، قال: حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا أبو نجيد عمران بن طليق الضرير، عن أبيه عن جده، قال: رأيت عمران بن حصين يحد النظر غلى علي، فقيل له فقال: سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «النظر إلى علي عبادة. وهو في الباب 37 من فرائد السمطين 1: 181، واللالي المصنوعة 1: 177، و 345؛ مناقب امير المؤمنين للكوفي 1: 293 / 160 و 295 / 165 وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذكر علي عباده». مختصر تاريخ دمشق 18: 8.

وانظر في الأحاديث السابقة: كفاية الطالب 158 - 160؛ ميزان الاعتدال 4: 401، 3: 484؛ لسان الميزان 6: 178، منتخب كنز العمال 5: 30، البداية والنهاية 7: 357، تاريخ الخلفاء: 66، ينابيع المودة 90.

(2) صحيح الترمذي 5: 633، المستدرك للحاكم 3: 124، فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 570، تاريخ بغداد 13: 186، فرائد السمطين للجويني 1: 178، الصواعق المحرقة لابن حجر: 75، أنساب الأشراف 2: 350 و 383، فرائد السمطين 1: 178، الاستيعاب 4: 170، الاصابة 4: 171، اسد الغابة 6: 270.

٢٦

ابن حارثة وقد غاب عن مكة اربعين يوما. وأما هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني عامر بن صعصعة وإخوانهم من قيس عيلان، فإنّه لم يكن معه إلا علي عليه‌السلام وحده، وذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخرج منها فقد مات ناصرك فخرج إلى بني عامر بن صعصعة، ومعه علي عليه‌السلام وحده فعرض نفسه عليهم وسألهم النصر، وتلا عليهم القرآن فلم يجيبوه، فعادا عليهما السلام إلى مكة. وكانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام، وهي أول هجرة هاجرها صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه». (1)

ولم يتخلف اميرالمؤمنين عليه‌السلام عن صحبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هجرته إلى المدينة، وإنما بقي في مكة لتأدية ودائع (2) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع تاديته دورا ما كان غيره مؤهلا أن يؤديه، وهو دور الفدائي المستعد للموت على أن يسلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبات على فراشه ليلة هجرته المباركة، متحملا رمي قريش بالحجارة، حتى إذا دخلوا البيت وكشفوا الغطاء، فإذا هو الشاب الشجاع: علي، فأسقط في أيديهم.

ولقد باهي الله تعالى ملائكته بهذه المكرمة العلوية الشريفة وأنزل بها بيانا، ذلك قوله تعالى: ( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ) . (3) قالوا: لما أراد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الهجرة إلىالمدينة خلف علي بن أبي طالب عليه‌السلام بمكة، لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج غلى الغار - وقد أحاط المشركون بالدّار، أن ينام على فراشه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعل ذلك علي عليه‌السلام ، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل ويكائيل: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخرة، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟! آخيت بينه و بين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من

____________________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي 4: 127 - 128.

(2) رغم حربهم الكلامية، فقد بقيت قريش وغيرها تسمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «الصادق الامين» فتودع أموالها عنده. قال ابن اسحاق: «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته صلى‌الله‌عليه‌وآله السيرة لابن هشام 2: 129.

(3) البقرة: 207. وذكرنا في فصل (ما نزل من القرآن في أهل البيت) بيانا فيمن رواه، ومصادر ذلك.

٢٧

عدوه فنزلا، كان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا علي بن أبي طالب، يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة؟! فأنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متوجه إلى المدينة في شأن عليّ عليه‌السلام : ( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ) (1) . فمن الملائكة آخى سبحانه بين الملكين الكريمين، ومن البشر آخى بين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ففاق عليّ الملكين في هذه المكرمة والمزية وهي الفداء من أجل أخيه إذ تعلق الملكان بالحياة لكنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله شرى نفسه فداء للنبيّ ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ وبذا علا عليّ.

ورواه ابن سبع المغربيّ في: «شفاء الصدور»، في بيان شجاعة عليّ عليه‌السلام ، وقال: علماء العرب أجمعوا على أنّ نوم عليّ على فراش رسول الله أفضل من خروجه معه، وذلك أنّه وطّن نفسه على مفاداته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآثر حياته على حياته، وأظهر شجاعته بين أقرانه. (2)

وعليّ عليه‌السلام داخل في كلّ فضيلة يمدح عليها صاحبها، وخارج من كلّ رذيلة يقدح به صاحبها. عن ابن عبّاس، قال: ليس في القرآن ( يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ) إلاّ وعليّ رأسها وأميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن وما ذكر عليّاً إلاّ بخير». (3) وعليّ هو العلامة المائزة بين المؤمن والمنافق عن أمّ سلمة: قالت: قال رسول

____________________

(1) كفاية الطّالب: 239؛ عن تفسير الثعلبيّ؛ مرآة الجنان 3: 46؛ الفصول المهمة: 33؛ تذكرة الخواصّ ك 41، وفيه شعر لأمير المؤمنين في الحادثة؛ طبقات ابن سعد 1: 227؛ مسند أحمد 1: 330 - 331؛ أنساب الأشراف 2: 106؛ خصائص النّسائيّ 61 - 62؛ إحياء علوم الدين للغزاليّ 3: 252؛ المعجم الكبير 3: 151؛ تفسير الطبريّ 9: 149؛ تفسير الحبريّ 410 ح 9؛ شواهد التنزيل 1: 96؛ تاريخ بغداد 13: 191 - 192؛ أسد الغابة 4: 25؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 329؛ دلائل النبوّة لأبي نعيم 63 - 65؛ مناقب الخوارزميّ 126؛ مجمع الزوائد 9: 19 - 20؛ المستدرك على الصحيحين 3: 5؛ خصائص امير المؤمنين للشريف الرضيّ 26، مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ الشافعيّ 155؛ كنز العمّال 3: 156؛ سنن ابن ماجة 1: 42؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 33؛ أمالي الطوسيّ 83؛ تفسير أبي الفتوح 2: 152؛ تفسير البرهان 1: 207؛ غاية المرام 346.

(2) كفاية الطّالب: 240.

(3) حلية الأولياء 1: 64؛ شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ 1: 21؛ المناقب للخوارزميّ 188؛ كفاية =

٢٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يحبّ عليّا منافق، ولا يبغضه مؤمن». (1)

ومن ثمّ فعليّ «لو أنّ الغياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب؛ ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب» (2) . رواه مجاهد عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

لقد دلّ عليّ عليه‌السلام بذاته على ذاته، وتنزّه عن ابن تيميّة وأمثاله ولم يفتقر غلى من يثبت ساطع أنواره.

أمّا قوله: «إنّ الرّافضة لا يمكنهم إثبات إيمان عليّ إلاّ إذا صاروا من أهل السّنّة». فشنشنة نعرفها من أخزم! فما لابن تيميّة وأهل السّنّة؟!

إنّما أراد بذلك أمرين: أن يثبت إسلامه بنسبة نفسه إلى المسلمين السّنّة بعد أن تقرّر

____________________

= الطالب: 139؛ كنز العمّال للمتّقيّ 15: 94؛ مجمع الزوائد للهيتميّ 9: 112 عن الطبرانيّ؛ تفسير الحبريّ: 234؛ خصائص الوحي المبين لابن البطريق: 119؛ المعجم الكبير 11: 210 / 11687؛ معرفة الصحابة لأبي نعيم 1: 298؛ الأمالي الخميسية للمرشد بالله: 132؛ تفسير فرات: 3؛ ذخائر العقبى 89؛ فضائل الصحابة لأحمد 2: 654؛ نظم درر السمطين للزرنديّ الحنفيّ 89؛ بحار الأنوار 35: 353.

(1) الرياض النضرة 2: 214؛ مسند أحمد بن حنبل 1: 84؛ صحيح الترمذيّ 2: 301؛ المستدرك على الصحيحين 3: 129؛ المحاسن والمساوئ للبيهقيّ 1: 290 ح تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزيّ: 15؛ حلية الأولياء 6: 294؛ تاريخ بغداد 2: 255؛ كفاية الطالب: 69؛ سنن ابن ماجة، المقدمة 114؛ سنن النسائيّ - في الإيمان - 8: 117؛ كتاب الولاية لابن عقدة: 174؛ تفسير فرات: 115؛ تفسير الحبريّ 350؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 137؛ بشارة المصطفى للطبريّ 64، 76 وغيرها؛ مناقب امير المؤمنين للكوفي 2: 342 / 975 و 990 و 991؛ كشف الأستار للبزّار 3: 199؛ مجمع الزوائد 9: 133؛ كتاب الفضائل لأحمد 143 / 208؛ اللالي المصنوعة 1: 184؛ المعجم الأوسط 5: 89 / 4163؛ المصنّف: ابن أبي شيبة 7 / 505 / 64 في فضائل علي؛ صحيح مسلم 1: 86 ح 131 - كتاب الإيمان، معجم الصحابة للبغويّ الشافعيّ 420؛ الإرشاد للمفيد 39؛ مسند أبي يعلى 1 / 251: 291؛ معرفة علوم الحديث للحاكم 180؛ شرح السنة للبغويّ 14: 114 / 3909؛ مسند الحميدي 1: 31 ح 58؛ انساب الأشراف 1: 350؛ أمالي الطوسيّ ح 3 من المجلس 28؛ الشفا 31 - الصواعق المحرقة 75؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ 3: 634؛ الاستيعاب 3: 46 و 47؛ مختصر تاريخ دمشق 18: 15؛ فضائل علي لابن مردويه 115 ح 138. «والمصادر التي ذكرناها تذكر الحديث بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، ثمّ إنّ كثيراً منها ذكرته في أكثر من موضع فآثرنا الاختصار».

(2) المناقب للخوارزميّ: 32؛ فرائد السمطين 1: 16.

٢٩

تفسيقه وتكفيره ونفاقه. والآخر إثارة المسلمين السّنّة ضد إخوانهم المسلمين الشّيعة.

وهل يرتضي السّنّيّ لنفسه أن يناصب عليّاً ويوالي معاوية الخارجيّ المنافق الّذي سبّب بخروجه على إمام زمانه حربا لا نظير لها، لما أريق فيها من دماء المسلمين، وهي حرب صفّين. وابنه يزيد الخمر والفهود والقرود، قاتل أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم الطفّ. ثمذ انعطف على طيبة - المدينة المنوّرة - فأعمل السّيف في رقاب المسلمين وأباحها لجيشه ثلاثة أيّام: قتلا - فلم يسلم الشّيخ والطّفل والرّضيع - ونهبا، وزنى، حتذى حبلت ألف امرأة من غير زوج (1) ، وافتضّ فيها ألف بكر (2) ! وبعد هتك حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هتك حرمة الله تعالى؛ إذ دكّ جيشه الكعبة بالمجانيق وحرّقها! (3) ما هذا الظّنّ بالمسلم السّنيّ الّذي حكم بزندقة ابن تيميّة، وابن القيّم لفساد عقيدتهما في الله تعالى، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . في حين تجمعه مع الشّيعيّ عقيدة التوحيد وهما ينزّهان الله تعالى من أحاديث رؤية الله عيانا، ويجلاّنه من التجسيم والتحيّز، ممّا لغط به ابن تيميّة وابن القيّم. ويؤمن الشذيعيّ ومثله السّنّيّ بوجوب توقير النّبيّ وتعظيمه وشدّ الرّحال لزيارته والاستشفاع به، وأنّ من الجفاء ترك زيارته لمن حجّ البيت الحرام، ومصدر التشريع عندهما القرآن والسّنّة الثابتة وهما يصليّان الخمس، وقبلتهما واحدة هي الكعبة. ولم يثبت عندهما فضيلة لمعاوية إلاّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ». (4)

والشّذرات الرائقة الّتي التمسناها من سنا عليّ العلويّ، لم يَجْرِ بها قلم رافضيّ!

إلاّ إذا قلنا: إنّ الوحي رافضيّ!! والصّحابة والتّابعين، والحنفيّ والمالكيّ والشّافعيّ والحنبليّ كلّ أولئك روافض!

____________________

(1) البداية والنهاية لابن كثير 8: 221.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطيّ: 233.

(3) تاريخ الطبريّ 4: 382 - 383؛ الإمامة والسّياسة، ابن قتيبة 2: 9؛ الكامل في التاريخ، ابن الأثير 4: 49؛ شذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ 1: 72؛ الفتوح لابن أعثم 5: 301 - 303.

(4) الاستيعاب 3: 401؛ أسد الغابة 5: 210؛ وفيات الأعيان 1: 59؛ ترجمة النّسائيّ (صاحب السّنن) وفيه قال: «خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وفضائله فقال: أما يرضى ماوية أن يخرج رأسا برأس، حتّى يفضّل؟! ما أعرف له فضيلة إلاّ: لا أشبع الله بطنك»؛ تذكرة الخواصّ 182.

٣٠

لقد كذبا - ابن تيميّة، وابن القيّم - إذا نسبا نفسيهما إلى الحنبليّ، وأحمد بن حنبل هو القائل: «ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام . (1)

أطلنا الوقوف مع إله ابن القيّم الّذي ظلّ عليه عاكفاً؛ فما ابن القيّم إلاّ أصداء ترجيع لابن تيميّة، والحديث عن الثاني هو حديث عن الأوّل، ( وَالّذِي خَبُثَ لاَيَخْرُجُ إِلّا نَكِداً ) . (2)

وشهد شاهدٌ من أهلها:

عمرو بن العاص (3) ، وزير معاوية ومستشاره في الملمّات؛ فقد حفظ له سرير الحكم بحيلته في رفع المصاحف يومَ صِفِّين، يقول في قصيدة بعث بها إلى معاوية:

ولما عصيت إمام الهدى

وفي جيشه كلّ مستفحل

أبا البقر البكم أهل الشآم

لأهل التّقى والحجى اُبتلي؟

فقلت: نعم، قم فإنّي أرى

قتال المفضّل بالأفضل

فبي حاربوا سيّد الأوصياء

بقولي: دم طلّ من نعثل! (4)

وكدت لهم أن أقاموا الرّماح

عليها المصاحف في القسطل

وعَمْرو هو الّذي علّم معاوية، وبُسْر بن أبي أرطاة اتّخاذ عوراتهم مِدرَأً يَقُونَ بها

____________________

(1) تفسير الثعلبيّ: 74؛ شواهد التنزيل 1: 18؛ المستدرك على الصحيحين 3: 107؛ المناقب للخوارزميّ 34؛ ترجمة الإمام عليّمن تاريخ دمشق لابن عساكر 3: 83؛ مختصر تاريخ دمشق 18: 31. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل كنت بين يدي ابي جالساً ذات يوم فجاءت طائفة من الكرخيّين فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، فاكثروا، وذكروا خلافة عليّ بن أبي طالب وزادوا، فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في عليّ والخلافة، وعلى أنّ الخلافة لم تُزيّن عليّاً بل علي زيّنها»؛ مختصر تاريخ دمشق 18: 44.

(2) الأعراف: 58.

(3) هو ابن النّابغة، بغيّ لها راية تؤتى وعمرو - ابنها - يُعزى إلى ستّة! تجد تفاصيله في مكان آخر من البحث.

(4) طُلّ الدم هُدِر ولم يُثأر له. ونعثل اسم لعثمان سمّته به عائشة.

٣١

أنفسهم من صولة حيدرة.

وعلّمتهم كشف سوءاتهم

لردّ الغضنفرة المقبل

وقد خطب الوزير ملكه يذكّره فضله عليه في توطئة الأمور له مع أنّه ليس أهلا لهذا المقام:

ورقيتك المنبر المشمخرّ

بلا حدّ سيف ولا منصل

ولو لم تكن أنت من أهله

وربّ المقام ولم تكمل!

وعن إقراره بالمنزلة العليا لعليّ عليه‌السلام ، واعترافه بيوم الغدير، وأنّهما - معاوية وابن العاص - حطب جهنّم:

نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل!

وحيث رفعناك فوق الرؤوس

نزلنا إلى أسفل الأسفل!

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصّصةً في علي؟!

وفي يوم «خمّ» رقى منبراً

يبلّغ، والرّكب لم يرحل

وفي كفّه كفّه معلنا

ينادي بأمر العزيز العلي:

ألست بكم منكم في النّفوس

بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال: فمن كنت مولى له

فهذا له اليوم نعم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلا

ل وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي

فقاطعهم بي لم يوصل

فبخبخ شيخك لما رأى

عرى عقد حيدر لم تحلل

فقال: وليّكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي

وإنّا وما كان من فعلنا

لفي النّار في الدّرك الأسفل

وما دم عثمان منج لنا

من الله في الموقف المخجل

وإنّ عليّاً غداً خصمنا

ويعتزّ بالله والمرسل

يحاسبنا عن أمور جرت

ونحن عن الحقّ في معزل

٣٢

فما عذرنا يوم كشف الغطا؟!

لك الويل منه غداً، ثمّ لي (1) !

أم سيقولون: ارتدّ ابن العاص فصار رافضيّاً؟!

( كَلّا بَلْ رَانَ عَلَى‏ قُلُوبِهِم مّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (2)

شهادة المغيرة في معاوية

والمغيرة بن شعبة أحد أفراد الهيئة الاستشاريّة لابن هند، يعطيه نصحا فيأخذ مالاً.

حدّث الزّبير (3) بن بكّار، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة، قال: وفدت مع أبي المغيرة على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدّث ثمّ ينصرف إليّ فيذكر ماوية ويعجب بما يرى منه، غذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتمّاً. فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لشيء حدث فينا وفي علمنا. فقلت: ما لي اراك مغتمّاً منذ الليلة؟ فقال يا بنيّ، جئت من عند أخبث الناس. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّاً، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً، فإنّك قد كبرت! ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فو الله ما عنه اليوم شيء تخافه.

فقال: هيهات هيهات!، ملك أخو بني تيم، فعدل وفعل ما فعل. فو الله، ما عدا أن هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر.

ثم ملك أخو بني عديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين. فو الله، ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر.

ثمّ ملك عثمان، فملك رجل لم يك أحد في مثل نسبه (4) وفعل ما فعل وعمل به ما عمل فو الله، ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر ما فعل به. وأنّ أخا بني هاشم يصاح به في كلّ يوم

____________________

(1) ما ذكرناه من شعر ابن العاص، من قصيدة له تسمّى الجلجليّة؛ كتبها إلى معاوية جوابا له على كتابه إليه يطلب خراج مصر ويعاتبه على امتناعه عنه. وروى جملةً منها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2: 522؛ وذكر جلّها الأمينيّ في «الغدير» 2: 114 - 117.

(2) المطفّفين / 14.

(3) والزّبير بن بكار من المعاندين لعليّ عليه‌السلام ، فروايته في أثبت.

(4) وكأنّه بهذا فضّل عثمان على الشّيخين، باعتبار أنّ نسبه مثل نسب معاوية، فكلاهما من أميّة.

٣٣

خمس مرّات: «اشهد أنّ محمّداً رسول الله»، فأيّ عمل يبقى بعد هذا، لا أمّ لك؟! إلاّ دفناً دفناً!! (1)

أم يقولون: صبا المغيرة فصار رافضيّاً، فهو كذّاب يصانع!

( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَى‏ قُلُوبِ الّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ ) (2) .

إنّه أحد الأدلّة - وهي كثيرة - على زندقة معاوية، فهو يرى في حاكميّة الإسلام ملكا، وكذلك كان يراها أبو سفيان، الذي نسب إليه معاوية فصار يدعى: معاوية بن أبي سفيان، ولم يصحّ إسلامهما على ما سنرى ومعاوية مبتئس أن تكون النبوّة التي سمّاها ملك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أوسع من ملك من ذكر، وأنّ ملكه جار شامخ تعلن الشّهادة له خمس مرّات في اليوم. وممّا يفصح عن نظرته الجاهليّة وأنّه ما زال على خطى أبي سفيان في نظرته إلى النّبوّة ومقام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنزاله النّبيّ بمنزلة غيره، ومضى أبعد من ذلك فانتقص منه حين عرّف به: «وأنّ أخا بني هاشم، من غير ما يستحقّه من الخطاب ممّا أدّب به الوحي المسلمين إذا ذكروه فقالوا: النّبيّ، ورسول الله. مع تعظيمه بصلاة الله وملائكته عليه: «اللّهمّ صلّ على محمّد وآله». وإزاء ذلك عرّف بعثمان: «فملك رجل لم يك أحد في مثل نسبه». ولسنا ننكر نسب عثمان ونعلم أنّه أمويّ، ولكن هل نسب عثمان مثل نسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ومتى كان النسب مثل النبوّة في المعيار والموازنة؟! وأيّ صراحة في زندقته من قوله: «دفناً دفناً» أي دفن اسم محمّد! وهذه ورثها يزيد عن أبيه وجدّه إذ تمثّل بشعر الزّنديق ابن الزّبعرى:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل!

وذلك لما وضع بين يديه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام

____________________

(1) كشف اليقين: 474 - 475؛ كشف الغمّة 2: 44.

(2) الرّوم / 59.

٣٤

شهادة معاوية في حق عليّ عليه‌السلام

حدّث الزّبير بن بكار، قال: دخل محقن بن ابي محقن الضبيّ على معاوية فقال: جئتك من عند الأم العرب وأبخل العرب وأعيا العرب وأجبن العرب! قال: ومن هو، يا أخا بني تميم؟ قال: عليّ بن ابي طالب! قال معاوية: اسمعوا يا أهل الشّام، ما يقول أخوكم العراقي! فابتدروه أيّهم ينزل عليه ويكرمه! فلمّا تصدّع النّاس عنه قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه. فقال له: ويحك، يا جاهل، كيف يكون ألأم العرب وأبوه أبوطالب، وجدّه عبد المطلب، وامرأته فاطمة بنت رسول الله؟! وأنى يكون أبخل العرب؟! فو الله لوكان له بيتان؛ بيت تبن وبيت تبر (1) ، لأنفد تبره قبل تبنه وأنّى يكون أجبن العرب؟! فو الله ما التقت فتيان قطّ إلاّ كان فارسهم غير مدافع. وأنى يكون أعيا العرب؟! فو الله ما سنّ البلاغة لقريش غيره. ولما (2) قامت أمّ محقن عنه ألأم وأبخل وأجبن وأعيا لبظر أمّه، فو الله، لو لا ما تعلم لضربت الّذي فيه عيناك. فإيّاك عليك لعنة الله، والعودة إلى مثل ذلك.

قال: والله، أنت أظلم منّي، أيّ شيء قاتلته وهذا محلّه؟!

قال: على خاتمي (3) هذا، حتّى يجوز به أمري.

قال: فحسبك ذلك عوضا من سخطالله، وأليم عذابه. قال: لا يا ابن محقن، ولكنّي أعرف من الله ما جهلت حيث يقول: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْ‏ءٍ ) (4 ) . (5)

أم ينغضون رؤوسهم: إنّ معاوية قد ندم على ما كان منه فرجع غلى عليّ، وترفّض؛ فسقطت بذلك عدالته؟! أو يقولون: إنّ رواية الزّبير بن بكّار لا تثبت وإن علم من حاله أنّه من المعاندين لعليّ، وهذا من الأسباب الّتي لأجلها استقضاه المتوكّل العبّاسيّ أشدّ بني

____________________

(1) التبر: الذهب غير المضروب.

(2) أي أنّ الذي ولدته هذه المرأة وهو محقن بن ابي محقن، أحقّ بهذه النعوت.

(3) إشارة منه إلى التحكيم وتثبيت ابن العاص له من خلال مهزلة تثبيت الخاتم في إصبعه!

(4) الأعراف / 156.

(5) كشف الغمّة 2: 47؛ كشف اليقين: 475 - 476. (وهذه شهادة من أعتى أعداء الإسلام صاحب الفتنة العظيمة الّتي شقّت صفّ المسلمين وأراقت دماءهم يوم صفّين. وهو بعد إنكاره على هذا الّذي جاء إليه متملّقاً بتنقيص عليّ، عاد إلى الدّفع عن نفسه متعلّلا بالآية الشّريفة).

٣٥

العبّاس عداوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، ولشيعتهم. وبعد: فمن هو أشدّ النّاس كذباً؟

( إِنّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) . (1)

حديث ردّ الشّمس لعليّ عليه‌السلام

كذّب ابن القيّم حديث ردّ الشّمس لعليّ عليه‌السلام ، مقتدياً في ذلك بشيخه ابن تيميّة.وقد عمي فجعل ذلك من روايات الشيعة واتّخذ منه دليلا على كذبهم.قال: «وكذلك روايتهم أنّ الشّمس ردّت لعليّ بعد العصر، والنّاس يشاهدونها. قال: ولا يشتهر هذا أعظم الاشتهار، ولا يعرفه إلاّ أسماء بنت عميس». (2)

من نافلة الكلام أنّ الشّمس وعليّاً عليه‌السلام من موجودات الله تعالى، وبدائع صنعه. ومعلوم أنّ بعض الموجودات أشرف من بعض، وشمس عليّ أشرف وأشرق من هذا الجرم السماويّ - الشّمس - الدائب الحركة في فلك؟ قدّره الخالق تعالى، طائعا من غير اختيار، مجبورا لمشيئة الجبّار: إن شاء فجّره أو أمسك، وإن شاء بعث فيه الحركة أو أسكن.

أمّا سنا عليّ فهو من طهارة مولده وعلوّ شأنه؛ إذ هو وسيّد الكائنات مطلقاً محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من شجرة واحدة، ونفس واحدة، ونور كان بين يدي الرّحمن قبل أن يخلق الشّمس وغيرها، ومن سابقته وحمل الأمانة إيماناً وجهادا وتبليغاً في وقت أشفق منها رجال ونافق آخرون! فما وجه إكبار توقّف الشّمس أو رجوعها لتقرير حقيقة هي شرف وعلوّ منزلة عليّ لتعي ذلك أذن واعية!

( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) (3)

____________________

(1) النّحل / 105.

(2) المنار المنيف: 57، الفصل العاشر (فقرة 83).

وفي هامش المصدر: وكثركلام اللماء فيه بين مثبت له وناف فممّن نفاه: الإمام أحمد، فقال: لا أصل له، وتبعه ابن الجوزيّ في «الموضوعات» والشّيخ ابن تيميّة وأطال في بطلانه في كتابه «منهاج السّنّة» وتابعه من تلامذته الحفّاظ الأئمّة: الذّهبيّ كما في تنزيه الشّريعة، والشّيخ ابن القيّم هنا، وابن كثير في البداية والنّهاية.

(3) هود / 28.

٣٦

حرمة المؤمن

وإذ سلف الكلام في اثنين من موجودات الله تعالى متماثلين في أمر، مختلفين في أمور، فانّ للحجر الأسود شأناً لم يكن للشّمس. عن ابن عبّاس قال: رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يسجد على الحجر. (1)

وعن أبي الطّفيل: رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبّل المحجن. (2)

ولقد قيل في الحجر الأسعد إنّه نزل من الجنّة. عن ابن عبّاس: إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الحجر الأسود من الجنّة». (3) وقد استنّ المسلمون بفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانوا يقبّلون الحجر الأسود، إلاّ أنّه قد عرض لبعضهم شبهة إذ جهلوا علّة تقبيل هذا الحجر والسجود عليه!

عن عابس بن ربيعة، قال: رايت عمر بن الخطّاب قام عند الحجر وقال: والله إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولو لا أنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك ما قبّلتك. فقال له عليّ: بلى؛ هو يضرّ وينفع، ولو علمت ذلك من كتاب الله لعلمت أنّه كما أقول، قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى‏ أَنْفُسِهِمْ ) (4) ، فلمّا أقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ، وأنّهم العبيدُ؛ كتب ميثاقهم في رقّ وألقمه في هذا الحجر، وأنّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان، يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن. (5)

____________________

(1) السّنن الكبرى للبيهقيّ 5: 75.

(2) سنن أبي داود 2: 176؛ سنن ابن ماجة 2: 983؛ صحيح مسلم 2: 893؛ البداية والنهاية 6: 12.

(3) سنن النّسائيّ: 5 - 226؛ الدرّ المنثور 1: 135.

(4) الأعراف / 172.

(5) شرح نهج البلاغة للمعتزليّ 3: 122؛ المستدرك للحاكم 1: 457؛ كنز العمّال 5: 93؛ السيرة الحلبيّة 1: 188؛ الدرّ المنثور 3: 144.

٣٧

الحجر الأسود يمين الله

عن ابن عبّاس، قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض. فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستلم الحجر، فقد بايع الله ورسوله. (1)

حرمة الكعبة

أخرج الطبرانيّ في الأوسط عنجابر، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ للكعبة لسانا وشفتين، وقد اشتكت فقالت: يا ربّ قلّ عوّادي وقلّ زوّاري. فأوحى الله: أنّي خالق بشراً سجّداً يحنّون إليك كما تحنّ الحمامة إلى بيضها». (2)

إذا كانت هذه هي حرمة الكعبة ومنزلتها الرفيعة إذ يطوف بها الحجيج القادمون من كلّ صقع، ملبّين: لبّيك اللّهمّ لبّيك... فهم في بيت الله تعالى، وضيافته وتلك هي رفعة الحجر الأسعد، إذ (هو يمين الله في أرضه، يصافح به عباده) (3) ، يشهد لمن وافى بالموافاة، فإنّ المؤمن أكرم عند الله تعالى من الكعبة. أخرج البيهقيّ عن ابن عبّاس قال: لما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة، قال: «مرحباً بكِ من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك». (4)

وأخرج ابن أبي شيبة، والأزرقيّ عن مكحول: إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لما رأى البيت حين دخل مكّة، رفع يديه وقال: «اللّهمّ زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً، وزد من شرّفه وكرّمه ممّن حجّه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبرّاً». (5)

والأسّ الذي بني عليه هذا المقام الكريم، هو الدّور الرياديّ الّذي اُنيطت مهمّته إليه

____________________

(1) الدرّ المنثور 1: 134؛ في الذّريّة الطاهرة للدولابي 131 ح 160: عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لما أخذ الله ميثاق العباد جعل في الحجر، فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر».

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر 1: 134.

(4) نفس المصدر 1: 132.

(5) نفس المصدر 1: 132.

٣٨

من الباري سبحانه، فهو بفاعليّته هذه على خطى الأنبياء في تبليغ دين الله تعالى، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد على أمّته، وأمّته شاهدة على النّاس ( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) . (1) والآية بيان منه سبحانه لفضل هذه الأمّة على سائر الأمم. ومعنى شهداء على النّاس أي: «لتشهدوا على النّاس بأعمالهم، أو لتكونوا حجّة على النّاس فتبيّنوا لهم الحقّ والدّين، ويكون الرسولُ عليكم شهيداً بما يكون من أعمالكم وحجّة عليكم». (2)

المُحصّلة

إنّ أشرف البقاع على الأرض هي مكّة المكرّمة، ففيها أوّل بيت وضعه الله تعالى لعبادته ( إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ) (3) .

والكعبة هي قطب الرّحى؛ فقد قيل: إنّ أوّل شيء خلقه الله من الأرض موضع الكعبة. (4) ولا نعلم جرماً أشرف من الأرض لما سلف. والمؤمن أكرم وأشرف من الكعبة، فرسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد البشر جميعاً لأنّه خاتم الأنبياء الّذي بشّر به من سبق، ورسالته خاتمة الرسالات، والكتاب الّذي جاء به مهيمن على غيره، ولا تصحّ نبوّة ولا شريعة ماضية ما لم يقرّها القرآن الكريم؛ فمحمّد رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى من جميع المؤمنين بالشّرف الباذخ الّذي لا تطاله الكعبة. والنبيّ هو الّذي حرّر البيت الحرام وطهّر الكعبة من أدران الجاهليّة إذ حطّم الأصنام الّتي نصبتها قريش وغيرها على سطحها؛ فالنّظر إلى وجهه الكريم وتبجيله هو مثلما يكون للكعبة. وكان الّذي باشر عمل ذلك هو عليّ إذ أعلاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منكبيه... فذكروا ذلك في منزلة عليّ وفضائله. (5)

____________________

(1) البقرة / 143.

(2) مجمع البيان 1: 225.

(3) آل عمران / 97.

(4) مختصر مجمع البيان 1: 232.

(5) مسند أحمد بن حنبل 1: 84، 151؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 202 - 203؛ المناقب =

٣٩

وللإمام الشّافعيّ قول منظوم في شرف هذه المكرمة العلويّة العلويّة:

قيل لي: قل لعليّ مدحاً

ذكره يخمد ناراً موصده

قلت: لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذو اللُّبّ إلى أن عبده

والنبيّ المصطفى قال لنا

ليلة المعراج لما صعده

وضع الله بظهري يده

فأحسّ القلب أن قد برده

وعليّ واضع أقدامه

في محلّ وضع الله يده (1)

النظر إلى وجه عليّ عبادة

والنظر إلى الكعبة يذكّر المؤمن بربِّ الكعبة، فيعقد العزم على السير حثيثاً لملاقاة الله تعالى نقيّاً من أدران الدُّنيا، بعد أن اغتسل وقصّر...، فقد عاهد الله سبحانه على إخلاص الرّبوبيّة والعبوديّة؛ وهذه هي الحكمة من تشريع هذه الفريضة العباديّة؛ ولتحرير النّفس من آسارها، وعليّ أشرف من الكعبة وأوقع أثراً في النّفوس؛ فالنظرُ إليه عبادة (2) ،

____________________

= للخوارزميّ: 123؛ المستدرك على الصحيحين 2: 367 و 3: 5؛ خصائص أمير المؤمنين للنّسائيّ: 31؛ صفة الصفوة لابن الجوزيّ 1: 119؛ تاريخ بغداد 13: 302؛ كفاية الطّالب: 257، وقال: هذا حديث حسن ثاب عند أهل النقل؛ الخصائص الكبرى للسيوطيّ 1: 264؛ ذخائر العقبى: 85؛ الرّياض النّضرة 2: 200؛ المواهب اللّدنيّة للقسطلانيّ 1: 204؛ ينابيع المودّة: 139.

واحتفاء المصادر واحتفالها هذا بالحديث كاشف عن حقيقة: أن لم يرتق من النبيّ هذا المرقى إلاّ عليّ وهو واحد من أساليب النبيّ في إعداد عليّ لمنصب الخليفة والوصيّ.

(1) ينابيع المودّة: 140.

(2) أورد الگنجيّ الشّافعيّ في كفايته (ص 158 - 160) رأياً لطيفاً فيفقه ذلك، ونحن نذكره هنا لما فيه من الفائدة، قال: «وفقهه في أنّ النّظر إلى وجه عليّ عبادة، وقد ورد حديث أيضاً أنّ النظر إلى الكعبة عبادة، وقد رويت أيضاً بسندٍ عندي أنّ النظر إلى المصحف عبادة.

وقد ورد أيضاً أنّ النظر إلى وجه العالم عبادة، وقد ورد أيضاً أنّ النظر إلى وجه الوالدين عبادة.

فنقول: يريد به نظر الشّخص البّارّ بوالديه، الرؤوف بهما ن المحبّ لهما من غير إكراه ولا عبوس، ولا رفع صوت ولا تبرّم ولا تقشّف ولا تأنّف، واللطف لهما عبادة. «والنظر إلى وجه العالم عبادة» بمعرفة الفضل له =

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413