منهاج السالكين

منهاج السالكين14%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142368 / تحميل: 6754
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

احمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن السندي عن الطفاوي به(١) .

٧٦ - الحسين بن يزيد بن محمد بن عبدالملك النوفلي(٢)

نوفل النخع مولاهم(٣) ،

____________________

(١) فيه كلام بأحمد بن محمد بن يحيى وإبن شاذان من مشايخ النجاشي وعلي بن السندي.وفي الفهرست ٥٣ / ١٨٥: الحسن بن راشد، له كتاب أخبرنا به أحمد بن أبي جيد عن أبن الوليد عن الصفار عن علي بن السندي عن الحسن بن راشد.قلت: الطريق صحيح بناء‌ا على وثاقة إبن أبي جيد من مشايخ النجاشي، وعلي بن السندي، فلم يثبت وثاقته إلا بأمور لا تخلو عن النظر ولعله يأتي بعض الكلام فيه في علي بن اسماعيل الميثمي.

(٢) وفي رجال إبن داود: الحسين بن يزد بن عبدالملك النوفلي وسيأتي ما يؤيده.

(٣) ولعله كان نخعيا بالولاء لبني الذين نزلوا الكوفة ووفدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم آخر الوفود في مأتي رجل سنة أحد عشرة وهم من القحطانية وبنو نوفل من القحطانية مساكنهم بغوطة دمشق وبنو نوفل بطن من بني عبد مناف من قريش من العدنانية فقد سكن عقب نوفل بن الحارث منهم المدينة والبصرة وبغداد. لاحظ لسان العرب، ونهاية الارب ومعجم قبائل العرب والجمهرة وغير ذلك من كتب أنساب العرب فلعلك تجد أكثر مما وقفنا عليه من ذلك.ثم إن كان النوفلي هذا من ولد نوفل بن الحارث فقد كان صحابيا ولد له على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنه عبدالله وأسر ببدر وأفدى نفسه برماحه التي بجده وأسلم، وكان أسن من أسلم من بني هاشم واخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين العباس، وشهد معهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكة، وحنين، والطائف، ذكروه في كتب طبقات الصحابة وغيرها كما في طبقات ابن سعد ج ٤ / ٤٤ وأسد الغابة ج ٥ / ٤٦. ويأتي في الحسين بن بسطام عن الشريف أبي الحسين صالح بن الحسين النوفلي عن أبيه عنه. وكان المغيرة بن نوفل من أصحاب عليعليه‌السلام ذكره الشيخ في أصحابه وبقي بعده وكان مع الحسين بن عليعليهما‌السلام فأصابه مرض في الطريق، فعزم عليه الحسينعليه‌السلام أن يرجع فرجع فلما بلغه قتله رثاه. ذكره مع رثائه المرزباني في معجم الشعراء ج ٢ / ٢٧٢. وكان عبدالملك بن المغيرة بن نوفل أبومحمد النوفلي المدني من رواة الحديث ذكره في تهذيب التهذيب ج ٦ / ٤٢٥ وذكر أنه: روى عن عليعليه‌السلام وجماعة، وروى عنه إبناه نوفل، ويزيد وجماعة وعن ابن معين والنسائي وابن حبان توثيقه. وكان يزيد بن عبدالملك النوفلي من رواة الحديث ضعفه العامة بروايات له في فضل عليعليه‌السلام منها حديث رد الشمس وعدوه من المناكير.مات سنة خمس وستين ومائة ذكره في تهذيب التهذيب ج ٦ (ص ٦٢٥). (*)

(*)

٢١

٢٢

أبوعبدالله(١) ، كان شاعرا أديبا وسكن الري ومات بها.وقال قوم من القميين: انه غلا في آخر عمره والله أعلم، وما رأينا له رواية تدل على هذا(٢) .

____________________

(١) وكني ايضا بأبي محمد كما في التهذيب ج ٣ / ٢٥٣.وفي لسان الميزان ج ٢ / ٣١٧: الحسين بن يزيد روى عن جعفر الصادقعليه‌السلام وله حديث في الدار قطني. وعد البرقي (ص ٥٤) والشيخ (ص ٣٧٣) الحسين بن يزيد النوفلي النخعي من أصحاب الرضاعليه‌السلام .

(٢) قال المحقق (ره) في نكت النهاية في باب المضاربة / ٢٩ في جواب إشكال: هذه رواية النوفلي عن السكوني وهما عاميان لايعمل بما ينفردان به. قلت: تفرد المحقق (ره) في تضعيفه بذلك في هذا الموضع وإلا فقد طعن فيما اذا طعن في رواية السكوني بكون السكوني عاميا ولم يتعرض للنوفلي أصلا، ولذا عد عدم الطعن في النوفلي فيما رواه عن السكوني مع إختصاصه به دليلا على أنه غير مطعون بوجه وإلا وجهه الاصحاب إلى النوفلي أيضا. بل توثيق المحقق (ره) للسكوني في باب النفاس معتذرا عن وجه العمل بروايته، مع ان في طريق هذه الرواية: النوفلي، يدل على كونه أيضا ثقة.توثيقه: لم اقف على التوثيق أو مدح للحسين بن يزيد النوفلي إلا ما ذكره الفخر في الايضاح ج ١ ص ٤٠٣ حيث عد رواية ابراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني في ثمن الميتة من الموثق، فيدل على توثيقه لهؤلاء جميعا، وما في المعتبر في النفاس ص ٦٧ من لاعتماد على رواية السكوني مصرحا: بانه عامي لكنه ثقة. حيث دل دفع توقهم ضعفها بذلك مع أن في طريقها النوفلي على أنه ثقة، إذ لو كان النوفلي غير ثقة كانت الرواية ضعيفة وان كان السكوني ثقة. وربما يؤيد وثاقة النوفلي بتصحيح طريق هو فيه، وبرواية الاجلة عنه مثل العباس بن معروف، والحسن بن علي الكوفي، وعلي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عنه كثيرا، ومحمد ابن أحمد بن يحيى بل رواية الثاني عنه في تفسيره ربما تشير إلى وثاقته على ما تقدم الكلام فيمن روى عنه في التفسير كما ان عدم إستثناء رواية الثالث عنه تعد إمارة عليها على كلام في ذلك ذكرناه في محله. وقد روى إبن قولويه عن النوفلي في كامل الزيارات ص ٩٨. (*)

٢٣

له كتاب التقية، أخبرنا إبن شاذان عن احمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال حدثنا إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي به، وله كتاب السنة(١) .

____________________

(١) فيه كلام تارة بابن شاذان من مشايخه، وأخرى بأحمد بن محمد بن يحيى فلم يوثق صريحا وإنما استفيد من أمور لا تخلو عن النظر كما تقدم ويأتي ايضا. وفي الفهرست (ص ٥٩): الحسين بن يزيد النوفلي له كتاب اخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة عن احمد بن أبي عبدالله.قلت: طريقه ضعيف بابي المفضل وبابن بطة كما يأتي في ترجمتهما نعم للشيخ طريق صحيحة إليه في الموارد المتفرقة من كتابيه. (*)

٢٤

٧٧ - الحسين بن أبي سعيد هاشم ابن حيان المكاري أبوعبدالله(١)

كان (هو - خ ن)،

____________________

(١) وفي رجال إبن داود (ص ٤٤٣): وفي نسخة: الحسن. وفي الخلاصة (ص ٢١٤) الحسن بن أبي سعيد. وقد ذكره غير واحد من المتأخرين في الحسن والحسن معا وجعل لكل مميزا، ووثق كلا منهما.وذكر في المتن العنوان: الحسين ولكن قال: الحسن ثقة في حديثه. والنسخ الموجودة عندنا، وعند صاحب المجمع، وغيره هكذا إلا أن اشتباه الناسخ عن خط النجاشي مع عدم تميزه هو الاظهر.والمذكور في مواضع من رجال الكشي: إبن أبي سعيد المكاري، لكن الموجود في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ / ٢١٣ في حديث دخول جماعة من الواقفة على الرضاعليه‌السلام واحتجاجه (ع) معهم: الحسن بن أبى سعيد المكاري، وفي أصول الكافي باب دعوات موجزة ج ٢ / ٥٨٤ وفي كتاب الزكاة من فروعه باب معرفة الجود والسخاء‌ج ١ / ١٧٣: الحسين بن أبي سعيد المكاري وج ٢ / ١٣٨ عن بعض أصحابنا عن إبن أبي سعيد المكاري عن الرضاعليه‌السلام وفي أصوله باب النص على أمير المؤمنينعليه‌السلام ج ١ / ٢٩٦ عن علي عن أبي حمزة عن إبن أبي سعيد عن أبان بن تغلب وفي مواضع منه ومواضع من التهذيب: الحسين بن هاشم. ثم إنه ليس تكنية النجاشي له بأبى عبدالله إمارة كونه الحسين بدعوى ان المسمين بالحسن مكنون بأبي محمد والمسلمين بالحسين مكنون بأبي عبدالله بقرينة عدم ندرة ذلك، إذ هي غير تامة وناشئة عن قلة التأمل في كنيتهما فلا حظ وأذعن. (*)

٢٥

وأبوه وجهين في الواقفة(١) . وكان الحسن ثقة في حديثه(٢) .

____________________

(١) يأتي ترجمته مستقلا وكذا ما يدل على وقفه

(٢) ان صح كونه من رؤساء الواقفة، وأيضا ما ورد فيه من الذموم فكيف يكون ثقة في حديثه إذ ليس حالهم كسائر الواقفة والفطحية وغيرهم ممن كان مخطئا في الاعتقاد، ثقة في حديثه. قال الشيخ في كتاب الغيبة في إبطال مذهبهم بعد ذكر الاخبار الواردة في سبب القول بالوقف من الطمع في الدنيا (ص ٤٦): فكيف يوثق بروايات هؤلاء القوم وهذه أقوالهم واقوال السلف الصالح فيهم. وفي (ص ٤٤) قال: واذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء كيف يوثق برواياتهم أو يعول عليها. وقد عدرحمه‌الله (ص ٣٦) من هولاء: البطائني، وعثمان إبن عيسى، والقندي، وإبن المكاري وغيرهم. وقال في (ص ٤٢): فروى الثقات ان أول من أظهر هذا الاعتقاد: علي بن أبى حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوا، فبذلوا لهم شيئا مما إختانوه من الاموال نحو حمزة بن بزيع، وإبن المكاري، وكرام الخثعمي وأمثالهم. قلت: ولم يؤيد وثاقته في الحديث برواية الاجلة عنه، إلا أن يقال ان المراد بابن المكاري في هذه الذموم هو أبوه: هاشم بن حيان ويأتي الكلام فيه انشاء الله. (*)

٢٦

ذكره أبوعمرو الكشي في جملة الواقفة(١) وذكر فيه ذموما وليس هذا موضع ذكر ذلك(٢) .

____________________

(١) ذكره ص ٢٩٠ وقال: حدثني حمدويه قال حدثنا الحسن بن موسى قال كان إبن أبي المكاري واقفيا.

(٢) منها ما رواه ص ٢٩٠ عن حمدويه عن الحسن بن موسى قال رواه علي بن عمر الزيات عن إبن أبي سعيد المكاري قال دخل على الرضاعليه‌السلام فقال له: فتحت بابك للناس وقعدت للناس تفتيهم ولم يكن أبوك يفعل هذا قال: ليس علي من هارون بأس، فقال له أطفئ الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك ويلك أما علمت الحديث. ورواه بعده بسند آخر عن بعض أصحابنا قال: دخل إبن المكاري على الرضاعليه‌السلام وذكر نحوه. ورواه الكليني في النوادر من كتاب عتق الكافي ج ٢ / ١٣٨ والشيخ في التهذيب ج ٨ / ٢٣١. وفي دخوله على الرضاعليه‌السلام واحتجاجه عليه روايات أوردناها في كتابنا في أخبار الرواة. ومنها قول أبي الحسن الرضاعليه‌السلام له: ما اخالك تقبل منى ولست من غنمي. وذلك لما أراد أن يسأله عن مسألة كما في الحديث المتقدم وأيضا في التهذيب ج ٨ / ٣١٨.ومنها ما رواه الكشي (ص ٢٥٥) عن علي بن محمد عن محمد ابن أحمد عن أبي عبدالله الرازي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن الفضل عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قلت جعلت فداك اني خلفت ابن أبي حمزة، وإبن مهران، وإبن أبي سعيد ح المكاري أشد أهل الدنيا عداوة لك فقالعليه‌السلام لي: ما ضرك من ضل إذا إهتديت إنهم كذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبوا أمير المؤمنينعليه‌السلام وكذبوا فلانا وفلانا وكذبوا جعفرا وموسى ولي بآبائيعليهم‌السلام اسوة.

الحديث. ومنها نزول الفقر بابن أبي سعيد المكاري ونزول بلاء عظيم ما الله به عليم. ومات ولم عنده مبيت ليلة كما في خبر الكشي ص ٢٩٠ والكافي ج ٢ / ١٣٨، والتهذيب ج ٨ / ٢٣١. هذا ولكن ذكرنا في الشرح على الكشي قصور هذه الروايات الواردة في ذمه سندا، بل ودلالة على ضعفه في الحديث فانها واردة في ذمه مذهبا. وروى الراوندي في الخرائج في معجزات أبي جعفر الجوادعليه‌السلام (ص ٢٠٨) عن إبن أورمه عن الحسين المكاري قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام ببغداد وهو على ما كان من أمره فقلت في نفسى. هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبدا وأنا أعرف مطعمه قال: فأطرق رأسهعليه‌السلام ثم رفعه وقد اصفر لونه فقال: يا حسين خبز الشعير وملح جريش في حرم جدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحب إلي مما تراني فيه. (*)

٢٧

له كتاب نوادر كبير أخبرنا أحمد بن عبدالواحد قال حدثنا علي ابن حبشي عن حميد قال حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة به(١) .

٧٨ - الحسين بن بسطام

وقال أبوعبدالله عياش: هو الحسين بن بسطام بن سابور الزيات(٢) .

____________________

(١) فيه كلام بابن حبشي فلم يوثق إلا أنه من مشايخ التلعكبري وبابن عبدالواحد فهو من مشايخ النجاشى وتقدم لكلام في توثيقهم.

(٢) كما في لسان الميزان ج ٢ / ٢٧٥. وفيما يأتي في ترجمة أخيه. (*)

٢٨

له، ولاخيه أبى عتاب(١) كتاب جمعاه في الطب كثير الفوائد والمنافع على طريق الطب في الاطعمة ومنافعها والرقي والعوذ. قال إبن عياش(٢) أخبرناه الشريف أبوالحسين صالح بن الحسين النوفلي(٣) قال حدثنا أبى قال حدثنا أبوعتاب، والحسين جميعا به.

____________________

(١) هو: عبدالله بن بسطام الاتي رجمته وذكر كتابهما في بابه. قال في الخلاصة (ص ٢٩) بسطام بن سابور الزيات أبوالحسين الواسطي مولى الخ. وروى في الوسائل والمستدرك عن كتابهما.

(٢) هو أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم أبوعبدالله الجوهرى الاتي ترجمته وفيها قول الماتنرحمه‌الله : رأيت هذا الشيخ وكان صديقالي ولوالدي سمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنبته الخ. قلت: ولذا ترى النجاشي لايروى عنه في هذا الكتاب بقوله: أخبرنا او حدثنا ونحو ذلك بل يقول عند حكاية أمر او ترجمة او رواية كتاب عنه: قال إبن عياش كما في ترجمة الحسن بن محمد، وبكر إبن أحمد، وعبيد بن كثير، ورومي بن زرارة وغيرهم، وهكذا فيما يحكيه عن بعض مشايخه الذي ورد فيه طعن وذلك إحتياطا منهرحمه‌الله في الحديث والرواية، أو عولا منه على ما وجده في كتاب هؤلاء المطعونين من مشايخه

٢٩

٧٩ - الحسن بن علي بن زياد الوشابجلي

كوفي(١) قال أبوعمرو(٢) : ويكنى بأبي محمد(٣)

____________________

(١) كما في فضد الايضاح بهامش لسان الميزان ٢ / ٣٣٥ وفي الفهرست (ص ٥٤): الحسن بن علي بن زياد الوشا الكوفي. ولكن قال الشيخ عند ذكره في أصحاب الرضاعليه‌السلام (ص ٣٧١): يكني أبا محمد، وكان يدعى انه عربي كوفي، له كتاب. قلت: هذا يشعر بنوع تأمل منهرحمه‌الله في كونه كوفيا. وفي عيون الاخبار ج ٢ / ٢٢٩ في حديث حضوره مع جماعة وإستئذانهم للدخول على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام مع ما جمعه من المسائل في كتاب ليختبره بها: فنادى أيكم الحسن بن علي بن بنت إلياس البغدادي؟ فقمت إليه فقلت أنا الحسن بن علي الحديث. وستأتي الاشارة إلى ما ورد فيه.وكان منزلة واهله بالكوفة كما يدل عليه ما في قرب الاسناد (ص ١٤١).

(٢) لم يذكر أبوعمرو الكشيرحمه‌الله له ترجمة مستقلة. ولم أحضر ذكره اياه إلا في يونس بن بيان(٢٣٢)، وفى أبي بكر الحضرمي(٢٦٢) وليس في المقامين إلا ذكر اسمه فقط بلا تكنية.ولا يبعد كون قول النجاشي: قال أبوعمرو. مصحف: قاله أبوعمرو. ثم إن في تعليقهرحمه‌الله كونه بجليا كوفيا على أبي عمرو الكشي إيماء بعدم الجزم به كما تقدم عن الشيخ إلا أنه لم اجد ذلك أيضا في رجال الكشي فلا حظ.

(٣) كما في أصحاب الرضاعليه‌السلام من رجال الشيخ(٣٧١) وفي نضد الايضاح بهامش لسان الميزان ج ٢/ ٣٣٥ وفي رجال البرقي(٥١) وفي يب ج ٩ / ٢٣٥. (*)

٣٠

الوشاء(١) وهو إبن بنت إلياس الصيرفي(٢) خزاز(٣) من أصحاب الرضاعليه‌السلام (٤) ،

____________________

(١) قال الشيخ في أصحاب الرضاعليه‌السلام (٣٧١): ويعرف بالوشا وفي أصحاب الهادي (ع)(٤١٢) الحسن بن علي الوشا. وفي الكشي في يونس بن ظبيان(٢٣٢): الحسن بن علي بن الوشا إبن بنت إلياس

(٢) وفى نضد الايضاح: وهو المدعو بابن بنت إلياس الصيرفى وفي الفهرست: ويقال له إبن بنت إلياس: وفي رجال الشيخ(٣٧١): وهو إبن بنت إلياس (الصيرفي - خ). ويأتي في ترجمة إلياس قوله: وهو جد الحسن بن علي بن بنت إلياس وفي مشيخة الصدوق: المعروف بابن بنت إلياس.وفى ترجمة رقيم بن إلياس: وهو خال الحسن إبن علي بن بنت الياس. (٣) وفى النسخة المطبوعة: الخزاز، خير، من الخ. وفي أصحاب الرضا (ع) من رجال البرقي والشيخ: الخزاز. وفي الفهرست الوشاء الكوفي، ويقال له: الخزاز، وفي لسان الميزان ج ٢ / ٢٣٥: الوشاء الكوفي الخزاز. وفي التهذيب ج ٤ / ١٤٩. الحسن بن علي بن زياد، وهو الوشاء الخزاز، وهو ابن بنت إلياس. وفي كثير من رواياته: الوشاء. ثم ان كون الحسن بن علي خزازا يبيع الخز، وثيابه، أو الثياب المغشوشة بالخز والابريسم، وايضا وشاء‌ا: بايع الثياب الملونة والمنقشة لا محذور فيه فلا يكون قرينة على التعدد باختلاف الالقاب فلا حظ كما سيأتي.

(٤) طبقته - روى عن أبى عبداللهعليه‌السلام كما في التهذيب ج ٢ = ٢٠٩ خبر / ٨٢٠ وروى بواسطة جماعة من أصحابه عنه (ع).مثل جده إلياس كما يأتي، ومحمد بن حمران، واحمد بن محمد، والحسين بن المختار القلانسي، وحماد بن عثمان، وجميل بن دراج وعبدالله بن سنان فقد روى عنه كثيرا، وبشر بن طرخان النخاس الكوفي، وداود بن سرحان وغيرهم. فقد أدركرحمه‌الله تسعمائة شيخ من أصحاب الصادقعليه‌السلام وسمع منهم في جامع الكوفة. وذكره البرقي في أصحاب الكاظمعليه‌السلام (٥١) قال: ابومحمد الحسن بن علي بن زياد ابن بنت إلياس. وروى عنه (ع) كما في قرب الاسناد ج ١ / ١٤١. ورأى جعفر بن علي بن السري بعد ما أصابه الخبل بدعاء أبي الحسن موسىعليه‌السلام كما في التهذيب. ج ٩ ص ٢٣٥. وذكره الشيخ في اصحاب الرضاعليه‌السلام (٣٧١) قال: الحسن بن علي الخزاز، ويعرف بالوشاء وهو إبن بنت إلياس يكنى أبا محمد، وكان يدعي انه عربي كوفي له كتاب. وقال البرقي في اصحاب الرضاعليه‌السلام ومن نشأ في عصره(٥٥): الحسن بن علي الخزاز. قلت: ذكر البرقي اياه في أصحاب الكاظم تارة، وفى أصحاب الرضا ومن نشأ في عصره أخرى مع اختلاف يسير كما عرفت ربما يوهم التعدد وليس كذلك، فقد جمع غير واحد بين الوشاء وبين الخزاز وبين إنه بنت إلياس كما عرفت فلا وجه لاحتمال التعدد. وفى التهذيب ج ٤ / ١٤٩ خبر ٤١٧: أبوالعباس أحمد بن محمد إبن سعيد عن عقدة الحافظ الهمداني عن أبي جعفر محمد بن المفضل بن إبراهيم الاشعري قال: حدثنا الحسن بن علي بن زياد وهو الوشا الخزاز، وهو إبن بنت إلياس، وكان وقف ثمرجع فقطع، عن عبدالكريم بن عمر الخثعمي الخ.وأما ذكر البرقي إياه في أصحاب الرضا (ع) ومن نشأ في عصره فلا يكون دليلا في قبال ما عرفت ولا يكون كل من ذكره هناك ممن نشأ في عصره فلا حظ. وروى جماعة عن الحسن بن علي الوشا عن أبي الحسن الرضا (ع) منهم أحمد بن محمدبن عيسى فروى عنه عنه (ع) كثيرا جدا، ومعاوية ابن حكيم، ومحمد بن المفضل بن إبراهيم أبوجعفر الاشعري، وعبدالله ابن الصلت، وعلي بن محمد، وعبدالله بن إبراهيم الاحمر، ومعلى بن محمد، وأبوالخير صالح بن أبي حماد، والحسين بن سعيد، وعبدالله إبن محمد بن خالد، ويعقوب بن يزيد، وسهل بن زياد، وعبدالله بن موسى، ذكرناهم مع ذكر مواضع رواياتهم عنه عن الرضا (ع) في طبقات أصحابه (ع). ولم أقف على من ذكره في أصحاب أبي جعفر الجواد (ع)، ولا على روايته عنه (ع) فيما أحضره نعم ذكره الشيخ في أصحاب الهادي (ع)(٤١٢) قال: الحسن بن علي الوشا. ولم أحضر روايته عنهعليه‌السلام ايضا. (*)

٣١

٣٢

وكان من وجوه هذه الطائفة(١) .

____________________

(١) ويأتي أيضا قول الماتن: " وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة ". ولعل الاصحاب إنما لم يصرحوا بتوثيقه إستغناء‌ا فليس كل ثقة عينا ووجها من عيون هذه الطائفة ووجوهها إذ لم يكن وجها وعينا لدنياه أو لرئاسته، بل كان لعلمه وورعه وثقته وقد صرح بعض أصحابنا بأن المدح بمثل ذلك إنما يكون فيمن يستغنى عن توثيقه لشهرته ووضوح حاله.ويشير إلى ذلك إكثار الثقات الاجلة الرواية عنه مثل أحمد بن محمد بن عيسى، ويعقوب بن يزيد، وأيوب بن نوح، ومحمد بن عيسى وعبدالله بن الصلت، ومحمد بن يحيى الخزاز، وعلي بن الحسن بن فضال والحسين بن سعيد ونظرائهم وهو، من رواة كامل الزيارات، وتفسير علي بن إبراهيم، ويشير إلى مكانته عناية أبي الحسن الرضا (ع) له في بعث الرسول اليه إكتابه بما ينتهي إلى معرفته وهدايته كما سيأتي. واما مذهبه فهو وإن وقف أياما لشبهة إلا انه لما سافر إلى خراسان في تجارة في أيام مجيئ أبي الحسن الرضا (ع) اليه فقد نور الله قلبه كما صرح هوبذلك وذلك بابتداء الاحسان من الرضا (ع) إليه حيث بعث رسوله مع رقعة إليه عند قدومه إلى مرو، ونزوله في بعض منازلها يطلب منه حبرة من ثياب الوشى يصفها من موضع كذا وكذا ومن ضرب كذا، فتعجب الحسن بن علي الوشا ثم قال: ومن أخبر أبا الحسن (ع) بقدومي وأنا قدمت أنفا، وما عندي ثوب وشي. وفي رواية: فقلت: ما معي منها شئ. وفي رواية: فكتبت إليه (ع)، وقلت للرسول: ليس عندي ثوب بهذه الصفة، وما أعرف هذا الضرب من الثياب، فأعاد الرسول إلي وقال فاطلبه فأعدت إليه الرسول وقلت: ليس عندي من هذا الضرب شئ فأعاد إلي الرسول: أطلبه فانه عندك منه. وفي رواية: فقال: يقول لك: بلى هو في موضع كذا وكذا ورزمته كذا وكذا، فطلبته حيث قال: فوجدته في أسفل الرزمة. وفي الرواية: وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم، ولم أشعر به ولم أعرف مكانه.وفي رواية: وقد كان أبضع مني رجل ثوبا منها، وأمرني ببيعه وكنت قد نسيته، فطلبت كل شئ كان معي، فوجدته في سفط (أي موضع الثياب) تحت الثياب كلها. فبعث به إليه (ع) وكتب إليه كتابا وذكر ان عنده مسائل يريد أن يسأله عنها، فخرج إليه جواب تلك المسائل التي أراد أن يسألها ولم يظهرها بعد، وعند ذلك هداه الله ثم أراد أن يفتش عن أمره (ع) ويختبره كي يثبت على ولايته ويقطع عليه بما جمعه من المسائل في كتاب. وروى الصدوق في العيون ج ٢ / ٢٢٨ في الصحيح عنه قال كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن (ع) وجمعتها في كتاب مما روى عن آبائهعليهم‌السلام وغير ذلك، وأحببت أن أثبت في أمره واختبره، فحملت الكتاب في كمي، وصرت إلى منزله وأردت أن أخذ منه خلوة فأنا وله الكتاب، فجلست ناحية، وأنا متفكر في طلب الاذن عليه وبالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا ذلك في الفكرة في الاحتيال للدخول عليه - إذ أنا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب، فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشا ابن بنت إلياس البغدادي، فقمت إليه، فقلت: أنا الحسن بن علي، فما حاجتك؟ فقال: هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك، فهاك خذه، فأخذته، وتنحيت ناحية، فقرأته، فاذا والله فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف. قلت: وقد نور الله قلبه بالايمان ورزقه من ولاية أبي الحسن الرضا (ع) حتى دعا الواقفة إلى معرفته وولايته (ع). وقد أخرجنا ما ورد في كيفية معرفته وسببها وما وقع بعد ذلك في كتابنا في أخبار الرواة. وإن شئت فلا حظ أصول الكافي ج ١ / ٣٥٤ وعيون الاخبار ج ٢ / ٢٢٩ والخرائج في الدلالات على الائمة(٢٤٥) وكتاب الغيبة للطوسي(٥٢) في أخبار الواقفة وغير ذلك. (*)

٣٣

٣٤

٣٥

روى عن جده إلياس(١) قال: لما حضرته الوفاة قال لنا: إشهدوا علي وليست ساعة الكذب هذه الساعة: لسمعت أبا عبدالله (ع) يقول: (والله لايموت عبد يحب الله والرسول ويتولى الائمةعليهم‌السلام فتمسه النار) ثم أعاد الثانية والثالثة من غير أن أسأله. أخبرنا بذلك: علي بن أحمد عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الوشا. أخبرني ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بها الحسن بن علي الوشا، فسئلته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلا، وأبان بن عثمان الاحمر،(٢) فأخرجهما إلى فقلت له: أحب أن تجيزها لي فقال لي: يا رحمك الله وما عجلتك؟ إذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال لو علمت ان هذا الحديث يكون لي هذا الطلب لا ستكثرت منه، فاني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حدثنى جعفر بن محمد

____________________

(١) يأتي ترجمته رقم(٢٧١). والطريق صحيح بناء على وثاقة علي بن أحمد من مشايخه.

(٢) هذا طريق آخر إلى كتابهما فلا حظ. (*)

٣٦

عليهما‌السلام (١) . وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة وله كتب منها ثواب الحج والمناسك، والنوادر. اخبرنا إبن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن الوشاء بكتبه. وله مسائل الرضاعليه‌السلام (٢) . أخبرنا ابن شاذان عن علي بن حاتم عن أحمد بن إدريس عن محمد ابن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشاء بكتابه مسائل الرضا (ع)(٣)

____________________

(١) ذكر جماعة منهم لمفيدرحمه‌الله في الارشاد عدد أصحاب أبي عبدالله (ع) ومن روى عنه فقال في ص٢٧١: فأن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على إختلافهم في الاراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل. قلت: هذا العدد الكثير ممن أدركهم الوشا من أصحابه قليل من كثير جدا ممن لم يدركهم من الكوفيين وغيرهم وقد ألف جماعة كثيرة من شيوخ أصحابنا كتبا في طبقات أصحابه ممن روى عنه الحديث وقد أنهاهم أعظم شيوخ أصحاب الحديث أبوالعباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ إلى أربعة آلاف وذكر في ترجمة كل حديثا. عنه عن أبي عبداللهعليه‌السلام إلا أنه مما يتأسف عليه عدم وجود نسخة من هذا المؤلف الضخم ولم يبلغ ما جمعه شيخ الطائفة في طبقات أصحابه من الرجال إلى هذا العدد وإن ذكر في مقدمته إنه ذكر ما ذكره إبن عقدة وما لم يذكره قلت: نشكر الله تعالى على ما وفقناه لانهاء عددهم إلى اكثر من أربعة آلاف من أصحابه وممن روى عنه (ع) مع ذكر رواية مسندة عنه عنه (ع) لو ظفرنا بها وإشارة إلى من روى عنه عنهعليه‌السلام في كتابنا الكبير في طبقات من روى الحديث عن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الائمة الاثنى عشر من خلفائه الطاهرينعليهم‌السلام (٢) فيه اشكال باحمد بن محمد بن يحيى فلم يصرح بتوثيق وان استفيد من امور(٣) صحيح على كلام بابن شاذان من مشايخ النجاشي. وفى الفهرست(٥٤): له كتاب اخبرنا به عدة من أصحابنا = = عن أبي المفضل عن إبن بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن علي الوشا قلت: طريقه ضعيف بأبي المفضل، وبابن بطة كما يأتي في ترجمتهما وروى الشيخ عنه في التهذيب ج ٩ / ٢٤٦ ولم يذكر طريقه اليه في مشيخته ولعله عول على ما في الفهرست. وروى الصدوق في المشيخة رقم(٢١٤) عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى وابراهيم إبن هاشم جميعا عن الحسن بن علي الوشا المعروف بابن بنت الياس. قلت: طريقه صحيح رواته الثقات الاجلاء. ثم إن كتابه المسائل هو ما جمعه الوشا من المسائل مما روى عن الائمة الطاهرين وغيرهم ليسئلها عن الرضا (ع) ويختبره بها قبل ما يقطع عليه كما أشرنا اليه وقد روى الكتاب أيضا شيخنا الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أبي الخير صالح بن أبي حماد عن الحسن بن علي الوشا. والطريق حسن على كلام بصالح إبن أبي حماد كما يأتي في ترجمته.

(*)

٣٧

٨٠ - الحسن بن علي بن النعمان

مولى بني هاشم(١) أبوه علي بن النعمان الاعلم(٢) ،

____________________

(١) وهكذا ذكره الشيخ في الفهرست(٥٤) وذكره في أصحاب العسكري (ع) من رجاله(٤٣٠) وقال: كوفي. ويأتي في ترجمة أبيه: أن ابنه الحسن بن علي وابنه أحمد رويا الحديث. وقال الكشي في داود إبن النعمان(٣٦): وهو عم الحسن بن علي بن النعمان. ثم ان قوله: " مولى بني هاشم " يفسر ما يأتي في أبيه من قوله: " الا علم النخعي أبو الحسن مولاهم، كوفي ".

(٢) ذكرهرحمه‌الله انه أبوه ثانيا إما لنفي إحتمال تعدد علي إبن النعمان مولى بني هاشم وعلي بن النعمان الاعلم النخعي الكوفي فعلى هذا فالجملة مبتداء وخبروكل ما ذكر بعده فهو للحسن ويؤيده ان توثيق الاب في المقام مع أنه يأتي أيضا في ترجمة نفسه تكرار، بلا وجه، وإما للتنبيه على عدم وثاقة الابن. ويبعد الثاني قوله: له كتاب الخ. فانه عليه كان الاوجه ان يقول: ولكن له كتاب الخ. إستدراكا لمدحه بأبيه المشعر بعدم مدح ولا توثيق له بنفسه. (*)

٣٨

ثقة، ثبت(١) له كتاب نوادر، صحيح الحديث كثير الفوائد اخبرني إبن نوح عن البزوفري قال حدثنا أحمد بن ادريس عن الصفار عنه بكتابه(٢)

____________________

(١) قد عرفت ان الظاهر كون التوثيق للحسن وكذا مدحه بكونه ثبتا وبكتابه وبحديثه وهذا هو الظاهر من العلامة في الخلاصة وابن داود وجماعة من المحققين فدعوى كونه للاب بل واحتماله ضعيف.وقد روى عنه أجلة الحديث مثل سعد بن عبدالله، والصفار، ومحمدبن أحمد بن يحيى مع انه لم يستثن روايته عنه كما في يب ج ٥ في فقه زيادات الحج وصا ج ٢ / ٣٣٤.

(٢) كالصحيح على اشكال بأحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري فلم يوثق إلا أن التلعكبري روى عنه.وفي الفهرست: له كتاب نوادر الحديث كثير الفوائد اخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن إبن بطة عن أحمد بن أبي عبدالله والصفار جميعا عنه. قلت: طريقه ضعيف بأبي المفضل وبابن بطة.ثم ان الظاهر سقوط كلمة (صحيح) بعد نوادر بقرينة المتن لكن النسخ خالية عنها. وروى الصدوق في المشيخة (رقم ٣٢٧) عن أبيه ومحمد بن الحسن (رحمها الله) عن سعد بن عبدالله عن الحسن بن علي بن النعمان. قلت: طريقه صحيح رواته أجلاء الثقات. (*)

٣٩

٨١ - الحسن بن علي بن بقاح(١)

كوفي ثقة مشهور(٢) صحيح الحديث(٣) ،

____________________

(١) وهو الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح كما يأتي في الحسن بن علي بن يقطين روايته كتابه بواسطة صالح مولى علي بن يقطين، وروى كتاب معاذ بن ثابت الجوهري كما في الفهرست(١٦٨) وفيه: المعروف بابن بقاح. وهو ايضا الازدي، فروى في التهذيب ج ٧ / ٣٧٠ والاستبصار ج ٣ / ٢٣١ عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن الحسن ابن علي بن يوسف الازدي عن عاصم بن حميد، وذلك بقرينة روايته بهذا الاسناد عن معاذ بن ثابت كثيرا.

(٢) روى عنه الاجلة مثل علي بن الحسن بن فضال كثيرا، ومحمد ابن الحسين، وأبوجعفر احمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن علي الكوفي، والحسن بن الحسين اللؤلؤي، وعلي بن الحسن الميثمي، والحسن ابن مئيل، اسحاق بن بنان، والحسن بن موسى الخشاب، ومحمد ابن بكر بن جناح.

(٣) الظاهر أن المدح بكونه صحيح الحديث بوجه مطلق إنما يصح إذا خلت أحاديثه من الغلو والتخليط، والمناكير، والشذوذ، والاضطراب، ولم يروها عن الضعاف، أو المجاهيل، او الغلاة او أصحاب المذاهب الباطلة، أومن لا يبالي بالحديث، وهذا لما يظهر من طعن الاصحاب في بعض الرواة بشئ من ذلك إلا أن يكون المدح لكتابه وان كتابه صحيح الحديث فانه حينئذ لاينافي كونه مطعونا في مذهبه ولذا ترى أن الماتن قال في الحسن بن عبيد الله العبدي كما يأتي: انه طعن عليه ورمى بالغلو.ومع هذا قال: له كتب صحيحة الحديث وتحقيق ذلك مع ذكر من ذكر بهذا المدح ذكرناه في محل آخر. (*)

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث

ابن القيِّم وعالم الأرواح

إذا كبر على ابن القيّم ردّ الشّمس لعليّ عليه‌السلام ، فافترى على الشّيعة إذ جعل الحديث خاصّاً بهم ورماهم بالكذب لذلك، فإنّه ولج عالم الأرواح.. ذلك العالم المجهول، فألّف فيه كتاباً سمّاه «الرّوح»، حشاه من الخرافات الّتي اعتبرها كرامات مسلّمات! فهذا له نصف الجنّة ثمناً لزهده وعبادته، والأنبياء والنّاس جميعاً لهم النّصف الآخر منها! وآخر يجالس الله تعالى، يأكل ويشرب بين يديه! وثالث أشغل الملائكة سنيناً في نسج حلّته، وإنّ الله تعالى قد انتقم لأحد عباده لأنّ فلاناً شتمه، فسخّر روح فلان وهو نائم لتحمل سكّيناً فتذبح الشّاتم من الأذن إلى الأذن.

ويمضي مكبّاً على وجهه يسرد القصص ويؤسّس عليها ما يراه علماً؛ ففلان ينتقل من بغداد إلى بيت الله الحرام، ويشرب من ماء زمزم، ثمّ يعود بنفس اللّيلة إلى بغداد، وكأنّه عفريت الجنّ الّذي جاء بعرش بلقيس فوضعه بين يدي سليمان نبيّ الله. وفلان العابد يمشي على الماء ويطير في الهواء من غير جناحين. وفلان العابد استجابة دعائه أسرع من البرق الخاطف، يغيّر الأنواء وأحوال الطّبيعة ويحيي الموتى!

وهو إذ يرفض حديث ردّ الشّمس، لم ينكر هذا الحشد الهائل من الخرافات ممّا لم يجر به قلم رافضيّ! وإنّما هي من هملجات مشيخة ابن القيّم وأبناء جلدته، وكلّ واحد منها يضاهي ردّ الشّمس أو حبسها. وهذه نظرة في كتابات هؤلاء وأخبارهم:

١٢١

كرامات أحمد بن حنبل (١) : لقد حاول هؤلاء أو يستروا أنفسهم بدعوى التّسنّن، وكأنّ

____________________

(١) أحمد بن محمّد بن حنبل، مروزيّ الأصل، قدمت أمّه بغداد وهي حامل فولدته ونشأ بها. تاريخ بغداد ٤: ٤١٢.

قال صالح بن أحمد بن حنبل: ولد - يعني أباه - في سنة أربع وستّين ومائة، وجيء به من ومرو حملاً. مناقب أحمد بن حنبل لابن الجوزيّ ص ١٣.

وقد ولي جدّه حنبل بن هلال سرخس، وكان من أبناء الدعوة، أي العبّاسيّة.

سمع من إسماعيل بن عليّة، ويحيى بن سعيد القطّان، وأبي داود الطيالسيّ، ووكيع بن الجرّاح، وسفيان بن عيينة، ومحمّد بن إدريس الشّافعيّ، وابراهيم بن سعد الزّهريّ، وعبد الرزّاق بن همام، وأبي مسهر الدمشقيّ، وعليّ بن عيّاش، وبشر بن شعيب الحمصيّين... وآخرين.

وروى عنه ابناه: صالح، وعبد الله، وابن عمّه حنبل بن إسحاق، والبخاريّ، ومسلم، وإبراهيم الحربيّ، وموسى بن هارون، وأبو بكر المروزيّ، ويعقوب بن شيبة، وأبو داود السجستانيّ؛ وأبو حاتم الرازيان. تاريخ بغداد ٤: ٤١٢ - ٤١٣؛ مناقب أحمد ٣٣ - ١٠٦.

توفّي أحمد بن حنبل سنة إحد وأربعين ومائتين. قال عبد الوهّاب الورّاق: ما بلغنا أنّه كان للمسلمين جمع أكثر منهم على جنازة أحمد بن حنبل إلاّ جنازة في بني إسرائيل. تاريخ بغداد ٤: ٤٢٢؛ مناقب أحمد: ٤١٦.

وفي عدد من صلّى على أحمد يقول أبو زرعة: إنّ المتوكّل أمر أن يمسح الموضع الّذي وقف عليه النّاس حيث صلّى على أحمد بن حنبل، فبلغ مصلّى ألف ألف وخمس مائة ألف. وعن الحسن المقانعيّ، قال: كنت ببغداد فإذا بشيخ وشاب وعليهما طمران من شعر، فسلّمت عليهما، وقلت لهما: أراكما من غير هذا البلد! قالا: نعم، نحن من جبل اللكام، حضرنا جنازة أحمد بن حنبل، وما بقي أحد من الأولياء إلاّ شاهد هذا المكان، مناقب أحمد: ٤١٧.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده، فجعل يغرق ثمّ يفيق ثمّ يفتح عينيه ويقول بيده هكذا: لا بعد، لا بعد، ثلاث مرّات. فلمّا كان في الثالثة قلت: يا أبه أيّ شيء هذا؟ فقال: غبليس لعنه الله قائم حذائي عاضّ - في مختصر تاريخ دمشق ٣: ٢٥٣: قائماً بحذائي عاضّاً - على أنامله يقول لي: يا أحمد فتّني، وأنا أقول له: لا بعد، حتّى أموت. مناقب أحمد: ٤٠٨.

ولعلّه يعني أنّ إبليس كان يلتمس من أحمد أن يطلق أساره فيأبى أحمد! قال الوركانيّ جار أحمد بن حنبل: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنّوح في أربعة أصناف من النّاس: المسلمين، واليهود، والنّصارى، والمجوس. وأسلم يوم مات عشرون ألفاً من اليهود والنّصارى والمجوس. تاريخ بغداد ٤: ٤٢٣؛ مناقب أحمد: ٤٢٠؛ مختصر تاريخ دمشق ٣: ٢٥٥. =

١٢٢

____________________

= وقال أبو بكر المروزيّ: قال رجل بطرسوس: أنا من اليمن، وكانت لي بنت مصابة، فجئت بالعزّامين فعزموا عليها، ففارقها الجنّيّ على أن لا يعاود. فعاود بعد سنة فقلت: أليس قد فارقت على أن لا تعاود؟ قال: بلى، ولكن مات اليوم رجل بالعراق يقال له أحمد بن حنبل، فذهبت الجنّ كلّها تصلّي عليه إلاّ المردة وأنا منهم، ولست أعود بعد يومي هذا، فما عاد مناقب أحمد ٤٢٠.

جملة من اعتقاداته : كان أحمد بن حنبل يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

أمّا مذهبه في الصّفات قال عبد الله بن أحمد: قال أبي هذه الأحاديث - أي أحاديث الصّفات - نرويها كما جاءت. وإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أهل الجنّة يرون ربّهم. مناقب أحمد: ١٥٦؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٨: ٨٧؛ وقال: إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد رأى ربّه. مناقب أحمد: ١٧٢.

قال أحمد: أصول السّنّة عندنا التمسّك بما كان عليه الصّحابة، وترك البدع، وليس في السّنّة قياس، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والإيمان بالرؤية - أي رؤية الله سبحانه - يوم القيامة، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والكلام فيه بدعة - أي الكلام في تأويل الأحاديث بما يناسب ذات الله المقدّسة من غير تمسّك بالظّاهر الّذي يفضي إلى التجسيم والتبعيض والتحديد - ولكن نؤمن به على ظاهرة ولا نناظر فيه أحداً، وإنّ الله يكلّم العباد يوم القيامة، ليس بينهم وبينه ترجمان. مناقب أحمد ١٧٣؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٨: ٨٧.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلّم الله موسى لم يتكلّم بصوت. فقال أبي: بلى تكلّم بصوت. هذه الأحاديث نرويها كما جاءت، أي من غير تأويل.

قال: غذا تكلّم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، فيخرّون سجّداً (تاريخ الإسلام ١٨: ٨٨). وقال: حديث ابن مسعود «إذا تكلّم الله سمع له صوت كمرّ السّلسلة على الصّفوان» قال: وهذا الجهميّة تنكره، وهؤلاء كفّار يريدون أن يموّهوا على النّاس (تاريخ الإسلام ١٨: ٨٨).

لقد حكم أحمد على من ينزّه الله تعالى عن صفات البشر بالكفر! وكان أحمد شديداً على الجهميّة على ما رأينا من نعتهم بالكفر. ومن أقواله فيهم: إذا صلّيت وبجنبك جهميّ فأعد! مناقب أحمد ١٥٧. وهو إذ يدعو إلى الإرجاء فيما غاب من الأمور، فإنّه يحكم بالكفر على الواقفة - أي الّذين يقولون: القرآن كتاب الله، ويتوقّفون عن القول إنذه غير مخلوق - ففي الإرجاء قال: من صفة المؤمن من أهل السّنّة والجماعة إرجاء ما غاب عنه من الأمور إلى الله (مناقب أحمد ١٥٦). وفي الواقفة قال سلمة بن شبيب: دخلت على أحمد بن حنبل فقلت: ما تقول فيمن يقول القرآن كلام الله؟ فقال أحمد: من لم يقل كلام الله غير مخلوق فهو كافر. وقال سلمة: قلت لأحمد: الواقفة كفّار؟ فقال: كفّار «نفس المصدر». وقال أحمد: افترقت الجهميّة على ثلاث فرق، فرقة قالوا: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله، وسكتوا، وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق. ثمّ قال: لا يصلّى خلف مَن =

١٢٣

____________________

= قال القرآن مخلوق، ولا خلف واقفيّ ولا خلف لفظيّ.

(نفس المصدر ١٥٩).

مهاجمة أحمد للفرق الإسلاميّة: ولم يقف أحمد في حملته الشديدة على من ذكرنا. فلقد أشعل فتيل المعركة الكلاميّة مع المعتزلة والشّيعة، إلاّ أنّ حملته كانت أشد على الشّيعة الّذين نعتهم بالرّوافض. وهو ما يفسّر حماسة ابن تيميّة في حربه الكلاميّة مع هؤلاء. في المعتزلة قال أحمد: علماء المعتزلة زنادقة. (مناقب أحمد ١٥٨). وفي الشّيعة قال: إنّهم قالوا: إنّ عليّاً أفضل من أبي بكر، وإنّ إسلام عليّ أقدم من إسلام أبي بكر. فمن زعم أنّ عليّا أفضل من أبي بكر فقد ردّ الكتاب والسّنّة. ومن زعم أنّ إسلام عليّ كان أقدم من إسلام أبي بكر فقد أخطأ؛ لأنّ أبا بكر أسلم وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، وعليّ يومئذ ابن سبع سنين لم تجر عليه الأحكام والحدود والفرائص! (مناقب أحمد ١٦٩).

إنّ الّذي أجرى الأحكام والحدود والفرائض على عليّ عليه‌السلام هو الله ورسوله، لا أحمد وغيره. فمن ردّ ذلك فقد ردّ الكتاب والسّنّة! ولقد نطق عيسى عليه‌السلام بالنبوّة وهو في المهد صبيّ! والكلام مبسوط في كتب أئمّة المذاهب، ولم يختلفوا في أنّ عليّاً ليس أوّل من أسلم فحسب، وإنّما لم يكفر يوما لكي يسلم، ولم يسجد قطّ لصنم من أصنام قريش ولا غيرها، ولذا قالوا فيه: كرّم الله وجهه. أمّا مسألة التفضيل فليس هذا محلّ الكلام فيها، إلاّ أنّه لابدّ من القول وجازة: إنّ عليّاً نفس رسول الله قرآنا وسنّة - وقد عرضنا لهذه القضيّة في كتابنا هذا - ولا يعدل رسول الله أحد، فكيف يفضله؟!

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: كان أبي يقول: لا تصلّي خلف رافضيّ (مناقب أحمد ١٥٩). وأحمد إذ ينعت الشيعيّ بالرّفض، فإنّه ينفي عنه صفة الإسلام! مناقب أحمد ١٦٥.

أحمد وأئمّة المذاهب: تنقّص أحمد من أئمّة المذاهب، إلاّ أستاذه الشّافعيّ. قال إبراهيم الحربيّ: سمعت أحمد بن حنبل - وسئل عن مالك - فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف. وسئل عن الأوزاعيّ، فقال: حديث ضعيف ورأي ضعيف. وسئل عن أبي حنيفة، فقال: لا رأي ولا حديث. وسئل عن الشّافعيّ، فقال: حديث صحيح ورأي صحيح (تاريخ بغداد ١٣: ٤١٦).

وكان أحمد يقول: كان أبو حنيفة يكذب (نفس المصدر). وقال يوسف بن الحسين: سألت أحمد بن حنبل عن شيوخ الرّيّ، فقال: خمسة أدعو لهم في دبر كلّ صلاة: أبواي، والشّافعيّ، وأبو زرعة، وآخر ذهب عنّي اسمه. (مناقب أحمد ٢٨٦). وقال القاضي محمّد بن محمّد بن إدريس الشّافعيّ: قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد الستّة الّذين أدعو لهم سحراً (مناقب أحمد ٢٨٦).

وكان الشّافعيّ يطري أحمد بن حنبل. من ذلك: إنّ الشّافعيّ قال عند قدومه إلى مصر من العراق: ما خلّفت =

١٢٤

____________________

= أحداً بالعراق يشبه أحمد بن حنبل. المصدر السابق ١٠٧. وله فيه أقوال كثيرة، انظر المصدر.

قوله بالعرش: ومن معتقداته أنّ الله تعالى كائن على عرشه، وهذا ما خالفته فيه المعتزلة والشّيعة؛ لأنّه عندهم يعني تحديد ذات الله تعالى في حيّز يشار إليه.

قال حنبل بن إسحاق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ربّنا تبارك وتعالى على العرش بلا حدّ ولا صفة (تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٨: ٨٨).

قال الذهبيّ: معنى قوله بلا صفة أي بلا كيفيّة ولا وصف (نفس المصدر).

وقال محمّد بن إبراهيم القيسيّ: قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك أنّه قيل له: كيف نعرف ربّنا؟ قال: في السّماء السّابعة على عرشه. قال أحمد: هكذا هو عندنا. (نفس المصدر).

عقيدته في أفعال العباد: ويبدو أنّ أحمد بن حنبل يذهب مذهب الجبريّة في تفسير أفعال العباد. قال في صفة المؤمن: يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشرّه، وحلوه ومرّه من الله، وأنّ الله خلق الجنّة قبل خلق الخلق؛ وخلق للجنّة أهلاً، وخلق للنّار أهلاً (مناقب أحمد ١٦٩).

قال إسحاق بن إبراهيم: حضرت رجلا سأل أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - فقال: يا أبا عبد الله، إجماع المسلمين على الإيمان خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم. قال: ولا نكفّر أحداً بذنب؟ فقال أبو عبد الله: اسكت، من ترك الصّلاة فقد كفر، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر (تاريخ الإسلام ١٨: ٨٨).

من خلال المحاورة الأخيرة تتجلّى عقيدة أحمد بن حنبل في أفعال العباد، وأنّه يأخذ بمبدأ مدرسة أهل الجبر. فإنّ الرجل قد رتّب أثراً على جواب أحمد لسؤاله أنّ الخير والشرّ مقدّران من الله تعالى على عباده! فأشكل عليه أن لا يمكن والحال هذه تكفير أحد بذنب، وهو النتيجة المنطقيّة، ممّا أثار حفيظة أحمد الّذي يعتقد أنّ القول بخلق القرآن ذنب ما بعده ذنب، ومن قال به فقد كفر! ولتسويغ القول مازج بينه وبين ترك الصّلاة.

وقد أرتج باب لم، وكيف؟ وعطّل العقل عن الجواب عن ذلك وعن غيره. قال: «ومن السّنّة اللاّزمة الّتي من ترك منها خصلة ولم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها، لا يقال لم ولا كيف؟ إنّما هو التصديق والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث وبلغه عقله فقد كفى ذلك، فعليه الإيمان والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلّها. وإن نبت - أي نفرت - عن الأسماع، واستوحش منها المستمع، فإنّما عليه الإيمان بها وأن لا يردّ منها حرفا واحداً؛ فإنّ الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السّنن مكروه منهيّ عنه لا يكون صاحبه - وإن أصاب بكلامه السّنّة - من أهل السّنّة (مناقب أحمد ١٧١ - ١٧٢).

وكان من معتقد أحمد بن حنبل: وجوب لزوم جانب السلطان ومؤازرته، برّاً كان أم فاجراً «والسّنّة الّتي =

١٢٥

السّنّة تكون في اختلاق الكرامات لرفع شأن أشخاص! ولما كانت الأرض الّتي نبت فيها هؤلاء حنبليّة، فقد ذكروا لأحمد بن حنبل شمائل هي أشرف من الشّمس وأسنى من كرامة ردّها. وكذلك لما كان عصرهم يمور بالفتن والصراعات المذهبيّة، يغذّي ذلك

____________________

= توفّي عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّلها: الرّضى بقضاء الله والتسليم لأمره، والإيمان بالقدر خيره وشرّه، والجهاد مع كلّ خليفة برّ وفاجر، والصّبر تحت لواء السّلطان على ما كان منه من عدل أو جور، ولا يخرج على الأمراء بالسّيف وإن جاروا. ومن خرج على إمام من أئمّة المسلمين وقد كان النّاس اجتمعوا عليه وأقرّوا له بالخلافة بأيّ وجه كان، بالرّضى أو بالغلبة، فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهليّة» (مناقب أحمد ١٧٥ - ١٧٦).

مذهبه في الصّحابة: بالغ أحمد بن حنبل في تعريف الصّحابيّ وتبجيله، فخلط حقّاً بباطل! وظهر أثر ذلك جليّاً في أتباعه: أبو الفرج بن الجوزيّ، وابن تيميّة، وابن القيّم... حتّى جعلوا عليّاً عليه‌السلام ، ومعاوية، ويزيد، وابن النّابغة عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة في كفّتي ميزان متعادل! فالصّحابي عنده هو من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سنّة، أو شهراً، أو يوماً، أو ساعةً، أو رآه، فهو من أصحابه (مناقب أحمد ١٦١).

ورتّب على ذلك أثراً عظيماً، ذلك أنّ الصّحابيّ أفضل من التّابعيّ ولو كان الأخير أعظم في عمل الخير من الأوّل، وأن الصّحابيّ مصون غير مسؤول! ولا يرتضى عمل حتّى يقترن بالرضى عن كلّ الصّحابة! قال: «له - أي الصّحابيّ - من الصّحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الّذين لم يروه. ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الّذين صحبوا النبيّ ورأوه وسمعوا منه أفضل؛ لصحبتهم، من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير. ومن انتقص أحدا من أصحاب رسول الله، أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساويه، كان مبتدعاً حتّى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً (مناقب أحمد: ١٦١).

وحين سئل عن عليّ عليه‌السلام ، ومعاوية، قال: ما أقول فيهم إلاّ الحسنى، وقال: رحمهم الله أجمعين - أي الصحابة. ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعريّ، والمغيرة كلّهم وصفهم الله تعالى في كتابه فقال: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) نفس المصدر ١٦٤.

مذهبه في تفضيل الصّحابة : قال يعقوب بن إسحاق: سمعت أحمد بن حنبل - وسئل عن التفضيل - فقال على حديث ابن عمر: أبو بكر وعمر وعثمان. والخلافة، على حديث سفينة: أبو بكر وعمر و عثمان وعليّ نفس المصدر ١٥٩.

وقال محمّد بن عوف: سألت أحمد بن حنبل: ما تقول في التفضيل؟ فقال: من فضّل عليّاً على أبي بكر فقد طعن على رسول الله! ومن قدّم عليّاً على عمر فقد طعن على رسول الله وعلى أبي بكر! ومن قدّم عليّاً على عثمان فقد طعن على رسول الله وأبي بكر وعمر و على المهاجرين! ولا أحسب يصلح له عمل! نفس المصدر ١٦٢.

١٢٦

السّلطان الحاكم - وقد برزت وقتئذ ظاهرة التصوّف وأدعياء الزّهد - راح كلّ فريق يتغنّى بليلاه!

أحمد في ضيافة الله

قال ابن القيّم: قال عاصم الجزريّ: «رأيت في المنام كأنّي لقي بشر بن الحارث - الصوفيّ المعروف ببشر الحافي - فقلت: من أين يا أبا نصر؟ قال: من علّيّين. قلت: فما فعل أحمد بن حنبل؟ قال: تركته السّاعة مع عبد الوهّاب الورّاق بين يدي الله عزّ وجلّ، يأكلان ويشربان. فقلت له: فأنت؟ قال: علم قلّة رغبتي في الطّعام، فأباحني النّظر إليه» (١) .

إنّ نسك بشر الحافي وزهده بلذائذ الدّنيا قد صحباه إلى الجنّة ونعيمها، فزهد بها فعوّضه الله تعالى النظر إليه جلّ وعلا، فيما كانت كرامة أحمد، وعبد الوهّاب أن يكونا في أعلى المراتب: يأكلان ويشربان بين يدي الله تعالى. وكلّ ذلك من التحيّز والتجسيم الّذي حوقق عليه ابن تيميّة، وابن القيّم.

حلية أحمد

ليست الشّمس بأشرف قدراً عند الله تعالى من الملائكة المقرّبين، إلاّ أنّ ابن القيّم قد أعظم ردّ الشّمس لعليّ عليه‌السلام فأنكره، فيما صدّق الطّرسوسيّ في رؤياه أنّ الملائكة منشغلة بتحلية أحمد!

قال: قال أبو بكر أحمد بن محمّد بن الحجّاج: حدّثني رجل من أهل طرسوس، قال: دعوت الله عزّ وجلّ أن يريني أهل القبور حتّى أسألهم عن أحمد بن حنبل ما فعل الله به؟ فرأيت بعد عشر سنين في المنام كأنّ أهل القبور قد قاموا على قبورهم، فبادروني بالكلام فقالوا: يا هذا! كم تدعو الله عزّ وجلّ أن يريك إيّانا، تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحلّيه الملائكة تحت شجرة طوبى؟! (٢)

____________________

(١) الرّوح: ٤١.

(٢) نفس المصدر ٤٠.

١٢٧

والسؤال: ألم يكن من الأولى لهذا الطّرسوسيّ أن يسأل الله تعالى ليريه منزلة أحمد، من غير أن يجعل بينه وبين الله سبحانه واسطة، فيستغني بذلك عن أهل القبور الّذين أبطأوا عنه في الجواب كلّ تلكم السنين؟! وما هذه القيامة من أهل القبور، أهي القيامة الصّغرى أم نفخ الصّور ففزعوا من دون الأحياء؟! علماً أنّ ابن القيّم يؤكّد في كتابه «الرّوح» أنّ الأجساد تبلى، وتبقى الأرواح! وأيّ حلية هذه الّتي أضنى بها الملائكة أنفسهم على مدار عشر سنين ولم يفرغوا من تجهيز أحمد بها؟!

ثمن الولاء

ما أرخص التضحية إذا كان الثمن هو الكيل بالميزان الأوفى! وما أحلى لسع السّياط إن كان في كلّ سوط ما يقرّب إلى الله تعالى درجة، حتّى إذا مات رأى الله تعالى جهرة، وذلك قبل يوم الحساب، ولا ندري ماذا أعدّ له الله سبحانه يومئذ من النّعيم! قال ابن القيّم قال أحمد بن محمّد اللبدي: رأيت أحمد بن حنبل في النّوم، فقلت: يا أبا عبد الله! ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، ثمّ قال لي: يا أحمد! ضربت فيّ ستّين (١) سوطاً؟ قلت: نعم يا رب، قال: هذا وجهي قد أبحتك فانظر إليه. (٢)

ولم يكن ابن القيّم بدعاً فيما ذكره في روحه «كتاب الرّوح» من الغلوّ في إمامه؛ فقد سبقه إلى ذلك شيوخه: ابن تيميّة وابن الجوزيّ، ونعق بها بعدهم أعراب جفاة. وهذه أمثلة وشواهد.

الله سبحانه وتعالى يزور أحمد بن حنبل

إذا كان ابن القيّم قد رضي لنفسه تصديق ما قد سلف من منامات تعرب عن علوّ شأن أحمد - ومنها الجلوس إلى مآدب الله تعالى، وتنعّمه بالنّظر إليه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً - فإنّ مدرسة التجسيم ذهبت إلى أنّ الله تعالى يبادل أحمد الزيارة. رو ابن الجوزيّ في

____________________

(١) إشارة إلى إمتناع أحمد بن حنبل من القول بخلق القرآن، فجلده المعتصم لذلك.

(٢) الرّوح: ٤٠.

١٢٨

مناقب أحمد، قال: حدّثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربيّ وكان شيخاً صالحاً ن قال: قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدّا قبل دخول رمضان بأيّام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأنّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنّما تمم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث، فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ، قد زارني فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام، فقال عزّ وجلّ: يا أحمد، لأنّك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب. (١)

فما أحرى العلماء أن ينهجوا مذهب أحمد بن حنبل، فلعلّ الباري سبحانه ينعم عليهم بمثل ذلك!

وابن تيميّة، وابن الجوزيّ، وابن القيّم، وأصحاب الفتنة الإرهابيّة: أشياع ابن عبد الوهّاب الّذين انطلقوا من نجد، وحذّر منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما زالوا يمارسون جرائمهم على خطى الخوارج، حذو النّعل بالنّعل، يرتضون الكافر ويحاربون المسلم، وذريعتهم أنّه - أي المسلم - قبوريّ وثنيّ يشدّ الرّحال لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزيارة مراقد أهل بيته عليهم‌السلام ، والأولياء والصالحين، ويحكمون بالشّرك على من يقبّل مرقد أشرف بني آدم مطلقاً: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّهم قد خصّوا قبر أحمد بفضيلة التقبيل!

وإذا كانت قدرة الله تعالى قد تجلّت للجبل فاندكّ الجبل وخرّ موسى صعقاً، فإنّ الله تعالى بذاته يزور قبر أحمد فلا يتحفض إلاّ هذا المقدار اليسير «ساف أو سافين»، وذلك لأنّه يضمّ أحمد الّذي لا ندري أهو في علّيّين كما زعموا، أم في قبره كما ذكروا؟!

لقد جعل الأبناء: ابن حنبل، وابن الجوزيّ، وابن عبد الوهّاب النّجديّ الله تعالى محلاًّ للحوادث، فأحمد يرفع إلى حضرة الربّ يزور الله سبحانه، يحاوره ويتنعّم بالنّظر إليه، ويأكل ويشرب بين يديه. وهذا يعني أنّه جلّ وعلا في جهة يشار إليها، وينطق بحرف وصوت، وله وجه يرى. وهذه كما ترى أبعاض. وهو تعالى ينزل من عند جهته العلويّة إلى حيث أحمد، تكريماً له ومبادلة لزيارته. إنّ النزول والارتفاع وما إليهما... كلّ ذلك

____________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل، ابن الجوزيّ: ٤٥٤.

١٢٩

حوادث، وجميعها جائز في حقّ إمام هذا المذهب لتكريمه؛ أمّا أن تقع كرامة إلهيّة في شأن مخلوق من مخلوقات الله تعالى، بدعاء من نبيّه فهو منكر لا يجوز!

أحمد أعلى من النبيّ منزلة

رفع هؤلاء مقام أحمد على مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ جوّزوا تقبيل قبره وشدّ الرّحال لزيارته، ومن تخلّف عن ذلك فقد جفاه، ومن زاره وتشفّع به عند قبره غفر الله ذنبه. وقد عمّت بركته أهل القبور، فأضاء الله تعالى لهم وغفر لهم، وذلك لمجاورتهم أحمد! ففي الخبر الّذي ذكره ابن الجوزيّ عن الحربيّ، قال: «فأقبلت على لحده - أي أحمد اُقبّله، ثمّ قلت: يا سيّدي! ما السّرّ في أنّه لا يقبّل قبر إلاّ قبرك؟ فقال لي: يا بنيّ ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله؛ لأنّ معي شعرات من شعره. ألا ومن يحبّني يزورني في شهر رمضان، قال ذلك مرّتين (١) .

صحيح أنّه استدرك فجعل ذلك كرامة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأثر الشّعرات الّتي عنده، إلاّ أنّه قد خصّ بالتقبيل قبر أحمد من دون قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يذكر لنا كيف انتقلت الشعرات إليه؟!

وذكروا عن أبي الفرج الهندبائي أنّه قال: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل، فتركته مدّة، فرأيت في المنام قائلاً يقول لي: تركت زيارة قبر إمام السنّة؟!. (٢)

رسول الخضر إلى أحمد

قال سلمة بن شبيب: كنّا مع أحمد بن حنبل جلوساً إذ جاءه رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا فلم نقل شيئاً، فقال: أنا أحمد بن حنبل، ما حاجتك؟! قال: ضربت إليك من أربعمائة فرسخ برّها وبحرها، جاءني الخضر ليلة الجمعة وقال لي: لم لا تخرج إلى أحمد بن حنبل؟! فقلت: لا أعرفه، فقال تأتي بغداد وتسأل عنه، وقل له: إنّ

____________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل لأبي الفرج بن الجوزيّ: ٤٥٤.

(٢) نفس المصدر: ٤٨١؛ تاريخ بغداد للخطيب ٤: ٤٢٣.

١٣٠

ساكن السّماء الّذي على عرشه راض عنك، وسائر الملائكة راضون عنك بما صبّرت نفسك لله عزّ وجلّ. (١)

أترى إذن كيف جعلوا لله تعالى سكناً يأوي إليه هو السّماء، وهو على عرش له هناك! ولأجله كفّروا من تأوّل العرش فقال بأنّه قدرة الله المطلقة العلويّة المسيطرة!

زيارة أحمد حطّة الذنوب

قال ابن الجوزيّ: في صفر سنة ٥٤٢ رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد ابن حنبل غفر له! قال: فلم يبق خاصّ ولا عامّ إلاّ زاره. وعقدت يومئذ ثمّ مجلساً، فاجتمع فيه ألوف من النّاس. (٢)

عوائد زوّار أحمد

وعن جوائز زائري أحمد السّنيّة، ذكر ابن الجوزيّ عن أحمد بن الحسين عن أبيه، قال: قال الشيخ أبو طاهر ميمون: يا بنيّ، رأيت رجلاً بجامع الرّصافة في شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين وأربعمائة، فسألته فقال: قد جئت من ستّمائة فرسخ. فقلت: في أيّ حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة كأنّي في صحراء أو في فضاء عظيم، والخلق قيام وأبواب السّماء قد فتحت، وملائكة تنزل من السّماء تلبس أقواماً ثياباً خضراً ويطير بهم في الهواء، فقلت: من هؤلاء الذين اختصّوا بهذا؟! فقالوا لي: هؤلاء الّذين يزورون أحمد ابن حنبل. فانتبهت، ولم ألبث أن أصلحت أمري، وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء الله. (٣)

إنّ الشّيخ ميمون هذا لم يذكر لنا ما الّذي حلّ بهؤلاء الّذين طير بهم في الهواء: أعادوا إلى الأرض أم دخلوا الفردوس قبل الموت، ومن ثمّ قيام السّاعة؟!

____________________

(١) مناقب أحمد ٤٥٩؛ مختصر تاريخ دمشق ٣: ٢٥١.

(٢) البداية والنهاية لابن كثير ١٢: ٣٢٣.

(٣) مناقب أحمد لابن الجوزيّ: ٤٨١.

١٣١

ولم لم تشمل الشّيخ تلك المكرمة الحلميّة العجيبة؟!

بركة أحمد تعمّ أهل القبور

أحمد بن حنبل محض بركة وخير، في حياته ومماته، لزائريه وجيرانه من الموتى! ذكر ابن الجوزيّ في مناقب أحمد، قال: لما مات أحمد بن حنبل راى رجل في منامه كأنّ على كلّ قبر قنديلاً. فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنّه نور لأهل القبور ينوّرهم بنزول هذا الرّجل بين أظهرهم، وقد كان فيهم من يعذّب فرحم. (١)

قال: «مات رجل مخنّث فرئي في النّوم، فقال: قد غفر لي! دفن عندنا أحمد بن حنبل فغفر لأهل القبور» (٢) !

إنّهم بهذا قد أقرّوا لأحمد بن حنبل من الشرف والمكانة الرفيعة ما لم يقرّوا بأقلّ القليل منها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وأحمد إنّما يستمدّ الشّرف بقدر اتّباعه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . فهم ينكرون الاستشفاع بالميّت نبيّاً كان أم غيره، ويحملون على الّذين ينقلون جنائز موتاهم ليجعلوها بجوار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأولياء. إلاّ أنّهم قد منحوا أحمد الشفاعة جميعها! فسعيد حظّ من دفن بجواره، لتشمله بركته وشفاعته، وتغفر له ذنوبه فيصبح من أهل الجنّة بعد أن كان من أهل النّار!

قال: وحكى أبوظاهر الجمّال، قال: قرأت ليلة وأنا في مقبرة أحمد بن حنبل قوله تعالى: ( فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ ) . ثمّ حملتني عيني فسمعت قائلاً يقول: ما فينا شقيّ والحمد لله - ببركة أحمد! (٣)

وما حكاه الجمّال ليس من شأن أهل القبور وعالم البرزخ، إنّما هو عن حال الإنسان يوم القيامة! والآية بتمامها: ( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ ) (٤) . وممّا

____________________

(١) مناقب أحمد: ٤٨٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) سورة هود / ١٠٥.

١٣٢

يؤكّد ذلك أنّ الآية الشريفة مسبوقة بقوله تعالى: ( إِنّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) (١) ، ثمّ قوله تعالى: ( وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلّا لاَِجَلٍ مَعْدُودٍ ) (٢) . إلى قوله تعالى: ( فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ ) (٣) . وعقّب بعد ذلك بشرح حال أصحاب النّار، وأصحاب الجنّة، فظهر من ذلك باطل ما يفترون وزيف ما يبالغون!

حداد الملائكة على موت أحمد

أنكروا أشدّ الإنكار منقبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي هتاف جبرئيل يوم أحد، وذلك لما قتل عليّ عليه‌السلام أصحاب الألوية وصناديد المشركين، فسمعوا هاتفاً يقول:

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ عليّ (٤)

إلاّ أنّ ابن تيميّة الذي وظّف قلمه وجعله وقفاً على إنكار الحقّ وقلب الحقائق، وناضل مستميتاً لإنكار وتكذيب ما لأمير المؤمنين عليه‌السلام من الفضائل، قد عمد إلى هذه الفضيلة فقال فيها: «كذب مفترى» (٥) ! وهم مثلما كذبوا حينما كذّبوا حديث ردّ الشّمس أو حبسها، وجعلوا ذلك من مفتريات الرّوافض ولم يقولوا: إنّه من مفتريات المسلمين حنبليّهم ومالكيّهم وحنفيّهم وشافعيّهم، وصحابيّهم وتابعيّهم، وأمّهات المؤمنين؛ قد ذكروا لرجال فضائل تضاهي الشّمس في علاها، وردّها وتكوير سناها! معيارهم في ذلك أحلام ومنامات يروونها على لسان رجل مجهول أو امرأة نكرة؛ بيد أنّهم رفضوا حديث الهتاف

____________________

(١) هود: ١٠٣.

(٢) نفس المصدر ١٠٤.

(٣) نفس المصدر ١٠٥.

(٤) السّيرة النّبويّة لابن هشام ٣: ١٠٦؛ تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٧؛ الروض الأنف ٢: ١٤٣؛ شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ١: ٩، ونفس المصدر عن أحمد بن حنبل عن ابن عباس ٢: ٢٣٦؛ المناقب للخوارزميّ: ١٠٤؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: ٥٥ - ٥٦؛ التذكرة لسبط بن الجوزيّ: ١٦؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ١٩٧؛ كفاية الطّالب للگنجيّ الشافعيّ: ٢٧٧؛ ذخائر العقبى: ٧٤؛ الرياض النضرة ٢: ١٩٠؛ المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٨٥؛ سنن البيهقيّ ٣: ٢٧٦؛ لسان الميزان ٤: ٤٠٦؛ ميزان الاعتدال ٣: ٣٢٤....

(٥) علم الحديث لابن تيميّة ٥٠٣.

١٣٣

يوم أحد - على اشتهاره في كتب التاريخ والحديث عند المذاهب جميعاً، إلاّ مذهب ابن تيميّة ومن نعق معه - وارتضوا أنّ الملائكة قد أقامت مجلس عزاء في السماوات العلى يوم مات أحمد بن حنبل! قال ابن الجوزيّ: «بلغني عن بعض السّلف القدماء، قال: كانت عندنا عجوز من المتعبّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة، فأصبحت ذات يوم مذعورة، فقالت: جاءني بعض الجنّ في منامي فقال: إنّي قرينك من الجنّ، وإنّ الجنّ استرقت السّمع بتعزية الملائكة بعضها بعضا بموت رجل صالح يقال له أحمد بن حنبل، وتربته في موضع كذا، وإنّ الله يغفر لمن جاوره، فغن استطعت أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي، فإنّي لك ناصح، وإنّك ميّتة بعده بليلة. فماتت كذلك، فعلمنا أنّه منام حقّ» (١) .

والسؤال: من أين علمت الجنّ بيوم وفاة هذه العجوز الصّالحة؟! وكان من بركة هذا الجوار: غرق قبرها بفيض المطر، إذ ذكروا في حوادث سنة ٧٢٥: ومن الآيات أنّ مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه؛ فإنّ الماء دخل في الدّهليز علوّ ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صحّ هذا عندنا. (٢)

الشّهداء يشيّعون أحمد

وكما أقامت الملائكة مجالس العزاء على موت أحمد، فإن الشّهداء أيضا قد تشرّفوا بتشييع أحمد! قال ابن مجمّع بن مسلم: كان لناجار قتل بقزوين، فلمّا كان اللّيلة الّتي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه [أي أخو الجار المقتول] في صبيحتها، فقال: إنّي رأيت رؤيا عجيبة: رأيت أخي اللّيلة في أحسن صورة راكباً على فرس، فقلت له: يا أخي أليس قد قتلت؟ فما جاء بك؟! قال: إنّ الله أمر الشّهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، وكنت فيمن أمر بالحضور. فأرّخنا تلك الليلة، فإذا أحمد بن حنبل مات فيها. (٣)

____________________

(١) مناقب أحمد: ٤٨٣.

(٢) شذرات الذهب ٦: ٦٦؛ مرآة الجنان ٤: ٢٧٣.

(٣) تهذيب الكمال: المزيّ ١: ٤٦٨.

١٣٤

زلزلة عبّادان بموت أحمد

قال أبوبكر النّجاحيّ: لما كان في تلك الغداة الّتي ضرب فيها أحمد بن حنبل - من قبل المعتصم - زلزلنا ونحن بعبّادان» (١) !

وقد ذكروا في كتب السّيرة أنّه لما مات إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كسفت الشّمس، فقال النّاس في ذلك شيئاً، فأوضح النبيّ لهم أنّ الشّمس والقمر من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، والأرض من آيات الله، فلم الزلزلة لما ضرب أحمد؟!

الجنّ تقيم مآتم الحزن على أحمد

شارك صالحو الجنّ الطبيعة اضطرابها، والملائكة حزنها على أحمد! قال صالح بن أحمد بن حنبل: كان أهلنا يذكرون أنّهم يسمعون رنّة لا تشبه رنّة الإنس من دار أبي عبد الله - أحمد - إذا هدأت العيون، بعد وفاته بأربعين صباحاً. (٢)

وقال أحمد بن محمّد الخلاّل: حدّثني أحمد بن محمّد بن محمود، قال: كنت في البحر مقبلاً من ناحية السّند، فقمت في اللّيل فإذا هاتف من ناحية البحر يقول: مات العبد الصالح أحمد بن حنبل! فقلت لبعض من كان معنا: من هذا؟ فقال: هذا من صالحي الجنّ. ومات أحمد تلك الليلة وقال أبو زرعة: كان يقال عندنا بخراسان إنّ الجنّ نعت أحمد بن حنبل قبل موته بأربعين صباحاً! (٣)

أحمد ملك أهل الجنّة

بلغ من علوّ شأن أحمد وخطر منزلته أنّ الله تعالى يقرّبه إلى نفسه ويضع بيده تاج الوفاء على رأسه! والخبر في ذلك يرد من طرق كثيرة من الحنابلة الأوفياء ممّن رأى أحمد في النّوم على تلك الحال! من ذلك: قال زكريّا بن يحيى السّمسار: رأيت أحمد بن حنبل

____________________

(١) تهذيب الكمال: المزيّ ١: ٤٦١.

(٢) مناقب أحمد بن حنبل ٤٢٢.

(٣) نفس المصدر ٤٢١. ولكن كيف علمت الجنّ علم ما هو آتٍ؟!

١٣٥

في المنام على رأسه تاج مرصّع بالجوهر، في رجليه نعلان وهو يخطر بهما. فقلت: أبا عبد الله ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأدناني من نفسه، وتوّجني بيدهبهذا التّاج. وقال لي: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق، قلت: فما هذه الخطرة الّتي لم أعرفها لك في دار الدّنيا؟ قال: هذه مشية الخدّام في دار السّلام (١) !

أحمد قسيم الجنّة

قال عليّ بن الموفّق: «رأيت كأنّي أدخلت الجنّة، فإذا أنا بثلاثة نفر: رجل قاعد على مائدة قد وكّل الله به ملكين، فملك يطعمه وملك يسقيه. وآخر واقف على باب الجنّة ينظر إلى وجوه قوم فيدخلهم الجنّة. وآخر واقف في وسط الجنّة، شاخص ببصره إلى العرش ينظر إلى الرّب. فجئت إلى رضوان، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: أما الأوّل فبشر الحافي وأمّا الواقف في وسط الجنّة فمعروف الكرخيّ وأمّا الواقف على باب الجنّة فأحمد بن حنبل قد أمره الجبّار أن ينظر إلى وجوه أهل السّنّة، فيأخذ بأيديهم فيدخلهم الجنّة» (٢) !

وفي رؤيا عبد الرحمن بن يونس: إنّ الله تعالى أعطاه - أحمد - جنّة عدن لا يدخلها إلاّ من أحبّه. (٣)

غضب جهنّم لمعاقبة أحمد

وكما مادت الأرض فزلزلت بأهل عبّادان يوم ضرب أحمد. كذلك غضبت جهنّم.

قال عثمان بن أحمد: حدّثني من أثق به أنّ امرأة رأوها في النّوم وقد شاب صدغها، فقيل لها ما هذا الشّيب؟ قالت: لما ضرب أحمد بن حنبل زفرت جهنّم زفرة لم يبق منّا أحد إلاّ شاب! (٤)

____________________

(١) مناقب أحمد: ٤٣٦.

(٢) نفس المصدر ٤٤٣.

(٣) نفس المصدر ٤٤٧.

(٤) نفس المصدر ٤٧١.

١٣٦

الملائكة تعتذر من أحمد

وأحمد مستثنى من سنّة الله تعالى في سؤال الملكين الكريمين للميّت في القبر. ذكر ابن الجوزيّ في ذلك: عن عبد الله بن أحمد، يقول: رأيت أبي في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم، قالا لي: من ربّك؟ قلت سبحان الله! أما تستحيان منّي؟! فقالا لي: يا أبا عبد الله أعذرنا! بهذا أمرنا (١) .

ألا يعلم أحمد أنّهما مأموران من الله جلّ شأنه؟! وأنّ سؤال القبر حقّ لا يستثنى منه أحد؟! ولم يعتذر الملكلان من وظيفتهما الّتي أمرهما الله تعالى بها؟! وهل في غير الدنيا ألقاب وكنى، وإنّما بعدها الاسم والعمل وحسب؟!

بركة قلم أحمد

كنّا نقرأ في الأحاديث الشريفة أنّ «مداد العلماء أفضل من دماء الشّهداء». ونفيد من ذلك أنّ نفحات العلماء العاملين الصّادقين، منار هداية للأمّة.. أمّا أن يتحوّل قلم العالم ذاته إلى وسيلة تلقيح فهو بعيد يصعب تصديقه. ولو فرض علينا ذلك فبشرط تصديق حديث ردّ الشّمس! قال أبو طالب عليّ بن أحمد: دخلت يوماً على أبي عبد الله - أي أحمد بن حنبل - وهويملي وأنا أكتب، فاندقّ قلمي، فأخذ قلماً فأعطانيه، فجئت بالقلم إلى أبي عليّ الجعفريّ، فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه. فقال لغلامه: خذ القلم فضعه في النّخلة عسى تحمل. فوضعه فيها فحملت! (٢)

ملك البحر يبعث سلامه إلى أحمد

وجد ملك البحر في مصيبة هنديّ فرصة له ليبلّغ سلامه إلى أحمد بن حنبل. عن أبي حفص القاضي، قال: قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند، فقال: إنّي

____________________

(١) مناقب أحمد ٤٥٤.

(٢) نفس المصدر ٢٩٦.

١٣٧

رجل من بحر الهند خرجت أريد الصّين فأصيب مركب، فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر، فقال لي أحدهما: أتحبّ أن يخلّصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منّا السّلام؟ قلت: ومن أحمد؟ ومن أنتما؟ قال: أنا إلياس وهذا الملك الموكّل بجزائر البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت: نعم. فنفضني البحر نفضةً، فإذا أنا بساحل الأبلّة، فقد جئتك أبلّغك منهما السّلام (١) !

رسالة الله تعالى إلى أحمد

وليس بدعاً أن يبعث ملك البحر سلامه إلى أحمد، والله تعالى يكاتبه برقّ مسطور! قالوا: مرض بشر بن الحارث - الحافي - وعادته آمنة الرّمليّة، فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد بن حنبل يعوده كذلك، فنظر إلى آمنة وقال لبشر: اسألها تدعو لنا. فقال لها بشر: ادعي الله لنا. فقالت: اللّهمّ إنّ بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النّار فأجرهما يا أرحم الرّاحمين. قال الإمام أحمد رضى الله عنه: فلمّا كان من اللّيل طرحت إليّ رقعة من الهواء مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرّحيم، قد فعلنا ذلك، ولدينا مزيد! (٢)

لسنا ننكر لأحمد علمه وفضله، وإنّما ننكر على هؤلاء حشدهم الأفائك الّتي يرفضها أحمد ولا تسيء إلاّ إلى قائلها. ولقد ذكروا من عظيم المفاخر ومن جنس ما سلف، لمن هو دون أحمد منزلة وأقلّ خطراً؛ فعن أحمد بن الحكم الصاغانيّ، قال: جاء رجل إلى ابن حميد. قال: إنّي اغتبت أسود بن سالم، فأتيت في منامي فقيل لي: تغتاب وليّاً من أولياء الله لو ركب حائطاً ثمّ قال له: سر، لسار؟! (٣)

ولم يكن أسود هذا إلاّ من طبقة معروف الكرخيّ، وكلاهما لاحظّ لهما إلاّ ما ذكره الخطيب البغداديّ في نعتهما بالعبادة وحبّ الخير، وإطراء أحمد بن حنبل على معروف.

____________________

(١) مناقب أحمد: ١٤٣.

(٢) صفة الصفوة لابن الجوزيّ ٤: ٢٧٨.

(٣) تاريخ بغداد ٧: ٣٧. وأسود بن سالم، أبو محمّد، مات سنة ٢١٣. قال الخطيب البغداديّ: يذكر مع معروف الكرخيّ، لأنّه كان بينهما مؤاخاة ومودّة (نفس المصدر).

١٣٨

كرامات معروف الكرخيّ (١)

انّ لمعروف الكرخيّ من الكرامات ما لو ثبت صحّة بعضها كان حقيقاً أن يتبرّك به، وحقّ لابن القيّم أن يطريه!

كرامة ما أعظمها!

قال محمّد بن منصور (٢) : مضيت يوما إلى معروف الكرخيّ، ثمّ عدت إليه من غد، فرأيت في وجهه أثر شجّة، فهبت أن أسأله عنها، وكان عنده رجل أجرأ عليه منّي، فقال له: يا أبا محمّد كنّا عندك البارحة ومعنا محمّد بن منصور فلم نر في وجهك هذا الأثر! فقال: مضيت البارحة إلى بيت الله الحرام، ثمّ صرت إلى زمزم فشربت منها، فزلّت رجلي فبطح

____________________

(١) في تاريخ بغداد ١٣: ١٩٩: معروف بن الفيرزان، ابو محفوظ العابد المعروف بالكرخيّ. منسوب إلى كرخ بغداد. كان أحد المشتهرين بالزّهد والعزوف عن الدنيا، يغشاه الصّالحون ويتبرّك بلقائه العارفون. وكان يوصف بأنّه مجاب الدّعوة، ويحكى عنه كرامات. وفي ص ٢٠٠: قال إدريس بن عبد الكريم: هو معروف بن الفيرزان وبيني وبينه قرابة، وكان أبوه صابئاً من أهل نهربان من قرى واسط. جاء يحيى بن  معين وأحمد بن حنبل يكتبان عنه. وقال عبد العزيز بن منصور: سمعت جدّي يقول: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر في مجلسه أمر معروف الكرخيّ، فقال بعض: هو قصير العلم. فقال أحمد: أمسك عافاك الله! وهل يراد من العلم إلاّ ما وصل إليه معروف؟! مات معروف سنة ٢٠٤.

(٢) في تاريخ بغداد ٣: ٢٤٧: محمّد بن منصور بن داود بن إبراهيم، أبو جعفر العابد المعروف بالطّوسيّ سمع إسماعيل بن عليّة، وسفيان بن عيينة، وعفّان بن مسلم، ومات ببغداد سنة أربع وخمسين ومائتين. قال أبو بكر المروزيّ: سألت أحمد بن حنبل عن محمّد بن منصور الطّوسيّ، قال: لا أعلم إلاّ خيراً، صاحب صلاة. قلت له: كان يختلف معك إلى عفّان؟ قال: وقبل ذلك.

وقد عدّوا له كرامت منها: إنّ قوماً قالوا له: أيش اليوم عندك؟ قد شكّ النّاس فيه! فقال: اصبروا فدخل البيت ثمّ خرج، فقال: هو عندي يوم عرفة. فعدّوا الأيّام والليالي فكان كما قال. فسئل: من أينعلمت أنّهيوم عرفة؟ قال: دخلت البيت فسالت ربّي، فأراني النّاس في الموقف! (تاريخ بغداد ٣: ٢٤٩).

ومنها: إنّ الطّوسيّ قال: نازلت قوماً من أصحاب الفضيل بن عياض فيما يذكرونه من كرامة المؤمن على الله. فقلت عند ذكر الصالحين تنزل الرّحمة، فمطرنا في تلك السّاعة (نفس المصدر).

ومنها: إنّه قال: رأيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النّوم، فقلت: مرني بشيء حتّى ألزمه. فقال: عليك باليقين (نفس المصدر ٣: ٢٥٠).

١٣٩

وجهي للباب، فهذا الذي ترى من ذلك. (١)

سفرجلة معروف الكرخيّ

في المأثور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه إذا وضع أصابعه في طعام قوم وقال: بسم الله الرّحمن الرّحيم، ودعا بالبركة، أكل القوم وشبعوا وفضل من الطّعام؛ وذلك ببركته وتوكيداً لنبوّته. إلاّ أنّ آثار أسنان معروف تصيّر اللّون الواحد من الطعام مائدة فيها كلّ ما لذّ وطاب! قال سعيد بن عثمان: كنّا عند محمّد بن منصور الطّوسيّ يوماً - وعنده جماعة من أصحاب الحديث، وجماعة من الزهّاد - فسمعته يقول: صمت يوماً وقلت: لا آكل إلاّ حلالاً. فمضى يومي ولم أجد شيئاً فواصلت اليوم الثاني، والثالث، والرابع، حتّى إذا كان عند الفطر قلت: لأجعلنّ فطري اللّيلة عند من يزكّي الله طعامه. فصرت إلى معروف الكرخيّ، فسلّمت عليه وقعدت، حتّى صلّى المغرب وخرج من كان معه في المسجد، فما بقي إلاّ أنا وهو ورجل آخر، فالتفت إليّ، فقال: يا طوسيّ! قلت: لبّيك، فقال لي: تحوّل إلى أخيك فتعشّ معه. فقلت في نفسي: صمت أربعة وأفطر على ما لا أعلم! فقلت: ما بي من عشاء. فسكت عنّي ساعة، ثمّ قال لي: تقدّم إليّ. فتحاملت، وما بي - من شدّة الضّعف - من تحامل، فقعدت عن يساره. فأخذ كفّي اليمنى، فأدخلها إلى كمّه الأيسر، فأخذتُ من كمّه سفرجلةً معضوضة، فأكلتها فوجدت فيها طعم كلّ طعام طيّب، واستغنيت بها عن الماء.

قال: فسأله رجل معنا: حاضراً أنت يا أبا جعفر؟ قال: نعم، وأزيدك أنّي ما أكلت منذ ذلك حلواً ولا غيره إلاّ أصبت فيه طعم تلك السفرجلة. (٢)

____________________

(١) تاريخ بغداد ١٣: ٢٠٢.

(٢) نفس المصدر ١٣: ٢٠١ - ٢٠٢ و ٣: ٢٤٨ - ٢٤٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413