منهاج السالكين

منهاج السالكين14%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142331 / تحميل: 6750
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الضيعة على مخلفي، فأقرأ و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها( ١) ، و اما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء، فأقرأ و العاقبة للمتقين( ٢ ) ، و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ و حيل بينهم و بين ما يشتهون( ٣) .

«ليقتحم» الاقتحام ارتكاب الشديد، قال تعالى: فلا اقتحم العقبة( ٤ ) و قال الشاعر:

أقول و الناقة بي تقحم

و أنا منها مكلئز معصم

ويحك ما اسم امها يا علكم( ٥)

قالوا: الناقة النادة تسكن اذا سمّيت امها، و الجمل الناد اذا سمي أبوه.

«غفلته و يستلب» افتعال من السلب أي: يختلس «غرته» و لعمر اللّه كان خال مؤمني اخواننا كان كما وصفهعليه‌السلام شيطانا ثانيا يأتي المرء من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته، فقال خطيبهم في (أول تاريخ بغداده): معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبيّ، فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.

و كيف كان فقال الجزري في (كامله) مع نصبه: لم يذكر الطبري في استلحاق معاوية لزياد حقيقة الحال، انما ذكر حكاية جرت بعد استلحاقه، و أنا أذكر سبب ذلك و كيفيته فان من الامور المشهورة الكبيرة في الاسلام و كان استلحاقه أول ما ردت به أحكام الشريعة علانية، فان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) هود: ٦.

(٢) الاعراف: ١٢٨ و القصص: ٨٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٨، و الآية ٥٤ من سورة سبأ.

(٤) البلد: ١١.

(٥) أورده أساس البلاغة: ٣٥٦، مادة (قحم) و لسان العرب ١٢: ٤٦٤، مادة (قحم).

٦١

قضى بالولد للفراش، و للعاهر الحجر و كان ابتداء حاله ان سمية ام زياد كانت لدهقان زند رود بكسكر، فمرض الدهقان، فدعا الحرث بن كلدة الطبيب الثقفي، فعالجه فبرأ، فوهبه سمية فولدت عند الحرث أبا بكرة و اسمه نفيع فلم يقر به ثم ولدت نافعا، فلم يقر به أيضا، فلما نزل أبو بكرة الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حصر الطائف قال الحرث لنافع: أنت ولدي، و كان الحرث زوّج سمية من غلام له اسمه عبيد و هو رومي، فولدت له زيادا و كان أبو سفيان بن حرب سار في الجاهلية الى الطائف فنزل على خمّار يقال له أبو مريم السلولي.

الى أن قال: فلما رأى معاوية أن يستميل زيادا باستلحاقه، و أحضر الناس و حضر من يشهد لزياد و كان فيمن حضر أبو مريم فقال له معاوية:

بم تشهد؟ قال: أنا أشهد ان أبا سفيان حضر عندي و طلب مني بغيّا، فقلت له:

ليس عندي إلاّ سمية. فقال: ايتني بها على قذرها و وضرها، فأتيته بها، فخلا معها، ثم خرجت من عنده و ان اسكتيها ليقطران منيا، فقال له زياد: مهلا أبا مريم، انما بعثت شاهدا، و لم تبعث شاتما، فاستلحقه معاوية( ١) .

و في (العقد): أول دعيّ كان في الاسلام و اشتهر زياد بن عبيد دعيّ معاوية، و كانت سمية ولدت زيادا و أبا بكرة و نافعا، فكان زياد ينسب في قريش، و أبو بكرة في العرب، و نافع في الموالي، فقال فيهم يزيد بن مفرغ:

ان زيادا و نافعا و ابا

بكرة عندي من أعجب العجب

ان رجالا ثلاثة خلقوا

من رحم انثى مخالفي النسب

ذا قرشي فيما يقول و ذا

مولى و هذا ابن عمّه عربي

و في (الاستيعاب): كان أبو بكرة يقول: انا من اخوانكم في الدين و ان

____________________

(١) كامل ابن الأثير ٣: ٤٤٣، سنة ٤٤.

٦٢

أبي الناس إلاّ ان تسبوني فأنا نفيع بن مسروح( ١) .

و في (تاريخ الطبري): آل أبي بكرة ردهم المهدي في سنة (١٦٠) من نسبهم في ثقيف الى نفيع بن مسروح( ٢ ) . قلت: يفهم منه انهم انتسبوا الى الحرث بن كلدة الثقفي حتى ردهم.

«و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة» أي: فجأة «من حديث النفس» أي: الحكاية عن شخصه.

و في (نسب قريش مصعب الزبيري): المنذر بن الزبير هو الّذي شهد على قول عليعليه‌السلام في زياد، قال: سمعت أبا سفيان بن حرب مقدم زياد من تستر من عند أبي موسى حين قدم على عمر و أمره أن يتكلم يخبر الناس بفتح تستر، فقام زياد فتكلم فأبلغ، فعجب الناس من بيانه و قالوا: ان ابن أبي عبيد لخطيب. قال عليعليه‌السلام : فسمع ذلك أبو سفيان فأقبل عليّ و قال: ليس بابن عبيد و أنا و اللّه أبوه ما أقره في رحم امه غيري. قلت: فما يمنعك عنه؟ قال: خوف هذا يعني عمر فكان آل زياد يشكرون ذلك للمنذر، و كان المنذر منقطعا الى معاوية، و أوصى معاوية أن يحضر غسله و أمر له بمال، فكتب يزيد الى عبيد اللّه، فدفعه إليه، و أقطعه الدار التي تنسب الى الزبير بكلاء البصرة، و أقطعه منزلا بالبصرة، ثم بدا ليزيد فكتب الى عبيد اللّه يأمره بحبس ذلك المال عن المنذر و ان لا يدع المنذر يخرج من البصرة، و ذلك حين خالفه عبد اللّه بن الزبير، فخاف ان يلحق بأخيه فيكون ذلك المال عونا له، فأرسل إليه ابن زياد فأخبره الخبر و قال: قد أجلتك ثلاثا و خذ من وراء أجلي ما شئت، فانطلق المنذر قبل مكة و سار سيرا شديدا قال الراجز:

____________________

(١) الاستيعاب ٤: ٢٣.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣، سنة ١٦٠.

٦٣

تركن بالرمل قياما حسرا

لو يتكلمن اشتكين المنذرا

فكان مع أخيه حتى قتل في حصار الحصين بن نمير حصار ابن الزبير الأول. «و نزغة من نزغات الشيطان» في (الأساس): نزغه اذا طعنه و نخسه، و من المجاز «نزغه الشيطان» كأنه ينخسه ليحثه على المعاصي( ١) .

«لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها ارث» قال الشاعر:

زياد لست أدري من أبوه

و لكن الحمار أبو زياد

العرب تكنّي الحمار بأبي زياد، و قال آخر:

حمار في الكتابة يدّعيها

كدعوى آل حرب في زياد

و في (تاريخ الطبري): ذكر علي بن سليمان ان أباه حدثه قال: حضرت المهدي و هو ينظر في المظالم، اذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب، فقال له: من أنت؟ قال: ابن عمك. قال: أي: ابن عمي أنت؟

فانتسب الى زياد، فقال له المهدي: يا ابن سمية الزانية متى كنت ابن عمي، و غضب و امر به، فوجى‏ء في عنقه و اخرج الى أن قال: فأمر المهدي بالكتاب الى هارون والي البصرة من قبله أن يخرج آل زياد من قريش و ديوانهم و العرب.

الى أن قال: ثم ان آل زياد بعد ذلك رشوا الديوان حتى ردهم الى ما كانوا عليه. الى أن قال بعد ذكر نسخة كتاب المهدي في كون استلحاق معاوية لزياد على خلاف كتاب اللّه و سنة رسوله: فلما وصل الكتاب الى محمد بن سليمان وقّع بانفاذه، ثم كلّم فيهم، فكف عنهم، و قد كان كتب الى عبد الملك بن أيوب النميري بمثل ما كتب به الى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس،

____________________

(١) أساس البلاغة: ٤٥٣، مادة (نزغ).

٦٤

و كراهته ان يخرج أحد من قومه الى غيرهم( ١) .

و في العقد: لما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و نصر بن الحجاج عند معاوية في عبد اللّه بن حجاج مولى خالد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر مجلسه حتى يحتفل، فجلس معاوية و قد تلفع بمطرف خز أخضر و أمر بحجر فأدني منه و ألقى عليه طرف المطرف، ثم اذن لهما و قد احتفل المجلس فقال نصر: أخي و ابن أبي عهد إلى إنّه منه، و قال عبد الرحمن: مولاي و ابن عبد أبي و أمته ولد على فراشه. فقال معاوية: خذ هذا الحجر و كشف عنه فادفعه الى نصر، و قال: هذا مالك في حكم النبيّ. فقال نصر: أ فلا أجريت هذا الحكم في زياد. قال: ذاك حكم معاوية و هذا حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و قال ابن أبي الحديد: قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة: ابتزازه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، و قتله حجرا و يا ويله من حجر و أصحاب حجر، و استلحاقه زيادا مراغمة لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش و للعاهر الحجر( ٢) .

و قال: روى الشرقي بن القطامي ان سعيد بن أبي سرح مولى حبيب بن عبد شمس كان من شيعة عليعليه‌السلام ، فلما قدم زياد الكوفة طلبه و أخافه، فأتى الحسنعليه‌السلام مستجيرا به، فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته، فحبسهم، و أخذ ماله، و نقض داره، فكتب الحسن الى زياد: عمدت الى رجل من المسلمين له مالهم و عليه ما عليهم، فهدمت داره، و أخذت ماله، و حبست أهله و عياله، فاذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، و اردد عليه عياله، و ماله و شفعني فيه فقد أجرته.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣ ٣٦٦ سنة ١٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٣.

٦٥

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان الى الحسن بن فاطمة: أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، و أنت طالب حاجة، و أنا سلطان و أنت سوقة، و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته، كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي، و رضى منك بذلك، و أيم اللّه لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك، و ان نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك، و ان أحب لحم علي ان آكله للحم الّذي أنت منه، فسلمه بجريرته الى من هو أولى به منك، فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، و ان قتلته لم أقتله إلاّ لحبه أباك الفاسق.

فلما ورد الكتاب على الحسنعليه‌السلام تبسم و كتب بذلك الى معاوية و جعل كتاب زياد عطفه و كتب جواب زياد كلمتين لا ثالثة لهما «من الحسن بن فاطمة الى زياد بن سمية، اما بعد فان رسول اللّه قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر».

فلما قرأ معاوية كتاب زياد الى الحسنعليه‌السلام ضاقت به الشام، و كتب الى زياد ان الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه اليك في ابن سرح، فأكثرت العجب منك، و علمت ان لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية، فأما الّذي من أبي سفيان فحلم و حزم، و أما الّذي من سمية فما يكون من رأي مثلها، من ذلك كتابك الى الحسن تشتم أباه و تعرض له بالفسق، و لعمري انك الأولى بالفسق من أبيه، فأما ان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، فان ذلك لا يضعك لو عقلت، و أما تسلطه عليك بالأمر، فحق لمثل الحسن أن يتسلّط، و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك، فحظ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك، و أما كتابك الى الحسن باسمه و اسم امه و لا تنسبه الى أبيه، فان الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان و الى أي ام وكلته

٦٦

لا ام لك، أما علمت انها فاطمة بنت رسول اللّه، فذلك أفخر له لو كنت تعقل، و كتب شعرا من جملته:

أما حسن فابن الّذي كان قبله

اذا سار الموت حيث يسير

و هل يلد الرئبال إلاّ نظيره

و ذا حسن شبه له و نظير

و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا

بأمر لقالوا يذبل و ثبير

فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد، و ابن له داره، و أردد عليه ماله و لا تعرض له( ١) .

و قال: كتبت عائشة الى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه، ان كتبت زياد ابن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و ان كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت، فكتبت من ام المؤمنين الى ابنها زياد، فلما قرأه ضحك، و قال: لقد لقيت من هذا العنوان نصبا( ٢) .

قلت: و في (فتوح البلاذري) في انهار البصرة و من نسبت إليه قال ابو اليقظان: نسب نهر مرة الى مرة بن ابي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر و كان سريا سأل عائشة ان تكتب له الى زياد و تبدأ به في عنوان كتابها، فكتبت له و عنونته «الى زياد بن أبي سفيان من عائشة ام المؤمنين»، فلما رأى زياد أنها قد كاتبته و نسبته الى ابي سفيان سر بذلك و أكرم مرة و ألطفه و قال للناس: هذا كتاب ام المؤمنين إلى في مرة و عرض الكتاب عليهم ليقرأوا عنوانه، ثم اقطعه مائة جريب على نهر الابلة و أمر فحفر لها نهرا فنسب إليه( ٣) .

«و المتعلق بها كالواغل» قال الجوهري: الواغل في الشراب مثل الوارش

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٢٠٤.

(٣) فتوح البلدان: ٣٥٤.

٦٧

في الطعام، قال امرؤالقيس:

و اليوم فاشرب غير مستحقب

اثما من اللّه و لا واغل

و قال ابن دريد: الواغل الداخل في القوم و هم يشربون و لم يدع إليه، كما ان الوارش و الراشن الداخل الى القوم و هم يأكلون و لم يدع إليه.

«المدفّع» قال الجوهري: المدفع بالتشديد الفقير و الذليل، لأن كلا يدفعه عن نفسه. و قال ابن دريد: الضيف المدفع الذي يتدافعه الحي فيحيله هذا على هذا، و رجل مدفّع اذا دفع عن نسبه.

في (الأغاني): كان الحجاج ينفي آل زياد من آل ابي سفيان و يقول:

آل أبي سفيان سته حمش

و آل زياد رسح خدل

و معنى «سته» ضخم الالية و مقابلها «الرسح»، و «الحمش» دقة الساق و مقابله «الخدل» و المراد أن السفيانيين ذوو أستاه عظيمة، و أسوق دقيقة، و الزياديين بالعكس.

و في (أنساب البلاذري) قال عقيبة الأسدي:

نجار فهر مبين في توسّمهم

لكن نجار زياد غير معروف

لستم قريشا و لكن أنتم نبط

صهب اللحى و النواصي ضهية الليف

فكان ابن زياد يذكر هذا البيت و يقول كذب ابن الفاعلة( ١) .

«و النوط» قال الجوهري: كل ما علق من شي‏ء فهو نوط، و في المثل «عاط بغير أنواط» أي: يتناول و ليس هناك شي‏ء معلق، و هذا نحو قولهم: «كالحادي و ليس له بعير» و «تجشأ لقمان من غير شبع»

____________________

(١) انساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٨

«المذبذب» أي: المتحرك.

لما كتبوا الشهود على حجر كان فيهم «ابن بزيعة»، و هو شداد بن المنذر الذهلي، قال زياد: ألقوا هذا من الشهود، اما لهذا أب ينسب إليه، فقال:

ويلي على ابن الزانية، أو ليست أمه أعرف من أبيه، و اللّه ما ينسب إلاّ الى امة سمية.

و أتي زياد بعروة بن ادية و هو أول من سل سيفه من الخوارج و كان نجا من النهروان فسأله عن معاوية، فسبه سبّا قبيحا، ثم سأله عن نفسه، فقال: أو لك لزنية، و آخرك لدعوة، و أنت بعد عاص لربك، فأمر زياد به فضربت عنقه. و لكن في (أنساب البلاذري): أمر فقطعوا يديه و رجليه ثم امر بصلبه( ١) .

و فيه: كان عروة هرب فطلبه أشد طلب و جعل فيه جعلا، فوجد في سرب في دار، فقرأ عبيد اللّه قصته أنا وجدنا عروة يشرب في دار، فضحك و قال: كذبتم ليته كان يشرب. فقال له بعض من حضر: انما وجد بسرب( ٢) .

في (البلاغات): أتى زياد بامرأة من الخوارج، فلما همّ بقتلها تسترت بثوبها، فقال لها زياد: أ تسترين و قد هتك اللّه سترك، و أهلكك و أهلك قومك.

قالت: أي و اللّه أ تستر و لكن اللّه أبدى عورة امك على لسانك إذ أقررت بأن أبا سفيان زنى بها.

و أتى عبيد اللّه بن زياد بامرأة من الخوارج، فقطع رجلا لها، ثم قطع رجلها الاخرى و جذبها، فوضعت يدها على فرجها، فقال: لتسترينه. فقالت:

لكن سمية امك لم تكن تستره.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٨٢ و ٨٩.

(٢) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٩

و في (شعراء ابن قتيبة): لما هجا ابن مفرغ عباد بن زياد أخذه عبيد اللّه بن زياد، و سقاه الزبد في النبيذ، و حمله على بعير، و قرن به خنزيره، و أمشاه بطنه مشيا شديدا، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصي‏ء، فكلما صاءت قال ابن مفرغ:

ضجّت سمية لما مسّها القرن

لا تجزعي انّ شرّ الشيمة الجزع

فطيف به في أزقة البصرة و جعل الناس يقولون له: اين چيست؟ أي: ما هذا؟

و هو يقول:

اين است نبيد است

سميه رو سفيد است

فلما ألح عليه ما يخرج قيل لعبيد اللّه انه يموت، فأمر به فانزل و اغتسل، فلما خرج من الماء قال:

يغسل الماء ما فعلت و قولي

راسخ منك في العظام البوالي

و في (العقد): قال زياد ما هجيت ببيت أشد عليّ من قول الشاعر:

فكّر ففي ذاك ان فكّرت معتبر

هل نلت مكرمة إلاّ بتأمير

عاشت سمية ما عاشت و ما علمت

ان ابنها من قريش في الجماهير

و في (الاستيعاب) في زياد: دخل بنو امية على معاوية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم أيام استلحق زيادا، فقال له عبد الرحمن: يا معاوية لو لم تجد إلاّ الزنج لاستكثرت بهم علينا يعني على بني أبي العاص قلّة و ذلّة. فقال معاوية لأخيه مروان: أخرج عنّا هذا الخليع، أ لم يبلغني شعره فيّ و في زياد:

ألا أبلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما تأتي اليدان

أ تغضب ان يقال أبوك عفّ

و ترضى أن يقال أبوك زان

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان

٧٠

و قال لمروان: لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضى عنه، فأتاه و أنشده:

اليك أبا المغيرة تبت مما

جرى بالشام من جور اللسان

زياد من أبي سفيان غصن

تهادى ناضرا بين الجنان

أراك أخا و عمّا و ابن عمّ

فما أدري بعيني من تراني

و أنت زياد في آل حرب

أحبّ إلي من وسطى بناني

فكتب له رضى، فأخذه و ذهب به الى معاوية، فلما قرأه قال: قبح اللّه زيادا أ لم يتنبه له إذ قال:

و أنت زياد في آل حرب( ١ ) و الى قول عبد الرحمن ينظر من قال في ابن أبي دؤاد كما في (تاريخ بغداد):

الى كم تجعل الاعراب طرا

ذوي الارحام منك بكلّ واد

تضم على لصوصهم جناحا

لتثبت دعوة لك في أياد

فأقسم ان رحمك في أياد

كرحم بني امية من زياد

أي: في كونه كرحم الفيل من ولد الاتان.

و في (تاريخ الطبري) بعد ذكر أمر عبيد اللّه بن زياد بقتل مسلم قال مسلم لعبيد اللّه: أما و اللّه يا ابن زياد لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني( ٢) .

و فيه في دخول أهل بيت الحسينعليه‌السلام مجلس يزيد قال ابو مخنف:

ثم دعا يزيد بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٥٧٠ و ٥٧٣ و ٥٧٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٨٣ سنة ٦٠.

٧١

هذا بكم و لا بعث بكم هكذا( ١) .

و في (الوفيات): خرج المأمون يوما من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بصري اني تزوجت بامرأة من آل زياد و ان أبا الرازي فرّق بيننا و قال:

هي امرأة من قريش. فكتب إليه: بلغني ما كان من الزيادية و خلعك اياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت اليك العرب في أنسابها، و متى وكلتك قريش يا ابن اللخناء بأن تلصق بها من ليس منها، فخل بين الرجل و امرأته، فلئن كان زياد من قريش انه لابن سمية بغي عاهرة لا يفتخر بقرابتها، و لا يتطاول بولادتها، و لئن كان ابن عبيد لقد باء بأمر عظيم إذ ادعي الى غير أبيه بحظ تعجله، و ملك قهره.

(فلما قرأ زياد الكتاب) هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و لكن في (ابن أبي الحديد و الخطية) (كتابه)( ٢) .

قول المصنّف: (قوله عليه السلام الواغل) هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم و الخطية): «قوله كالواغل المدفّع الواغل» و في (ابن أبي الحديد) «الواغل»( ٣) .

(هو الذي يهجم على الشرب) بالفتح جمع شارب، كصحب جمع صاحب (ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا).

و في (تاريخ الطبري) أقبل مالك و عقيل و هما اللذان صارا نديمي جذيمة يريد انه من الشام، فلما كانا ببعض الطريق نزلا منزلا و معهما قينة لهما يقال لها أم عمرو، فقدمت اليهما طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل فتى

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٣ سنة ٦١.

(٢) كذا في شرح ابن ميثم ٥: ٩٦، و لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧ مثل المصرية.

(٣) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٨.

٧٢

عريان شاحب قد تلبد شعره، و طالت أظفاره، و ساءت حاله و هو عمرو بن عدي ابن اخت جذيمة الذي استطارته الجن، فضرب له جذيمة في الآفاق لا يقدر عليه فجاء حتى جلس ناحية منهما، فمد يده يريد الطعام، فناولته القينة كراعا، فأكلها، ثم مد يده اليها، فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها و أوكت زقها، فقال عمرو بن عدي:

صددت الكأس عنّا ام عمرو

و كان الكأس مجراها اليمينا

و ما شر الثلاثة ام عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

فسأله مالك و عقيل من أنت؟ فعرّف نفسه، فقالا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس منه الخ( ١) .

(و النوط المذبذب هو ما يناط) أي: يعلق (برحل الراكب من قعب). قال الجوهري: القعب قدح من خشب مقعر الخ. و في المثل: «أتاك ريان بقعب من لبن»( ٢) .

(أو قدح) قال الجوهري: واحد الأقداح التي للشرب (أو ما أشبه ذلك) من الأمتعة.

(فهو أبدا يتقلقل اذا حث طهره و استعجل سيره) و المراد حال العدو و شبهه، قال حسان:

و أنت دعيّ نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

و يقال للدعي العربي من القوارير و ابن الزئبق و الملصق، قال بشار في عمرو الباهلي:

____________________

(١) تاريخ الطبري ١: ٤٤٢.

(٢) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١: ٤٢ و الزمخشري في المستقصى ١: ٣٧.

٧٣

أرفق بعمرو اذا حركت نسبته

فانه عربي من قوارير

و قال آخر:

و تنقل من والد الى والد

فكان امك أو أباك الزئبق

و قال أبو فراس:

أيها المدعي سليما سفاها

لست منها و لا قلامة ظفر

انما أنت ملصق مثل واو

ألصقت في الهجاء ظلما بعمرو

٨ - الكتاب (٤٣) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ و هو عامله على أردشير خرّة:

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ أَغْضَبْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ‏ءَ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اِعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً أَلاَ وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْ‏ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ أقول: رواه اليعقوبي مع جوابه، ففي (تاريخه): كتب عليعليه‌السلام الى مصقلة و بلغه أنه يفرق و يهب أموال اردشير خره و كان عليها أما بعد، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدقه، انك تقسم في‏ء المسلمين في قومك، و من اعتراك من السألة و الأحزاب و أهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لافتشن عن ذلك تفتيشا شافيا، فإن وجدته حقا لتجدن

٧٤

بنفسك عليّ هوانا، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.

فكتب مصقلة إليهعليه‌السلام : أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين، فليسأل ان كان حقّا فليعجل عزلي بعد نكالي، و كل مملوك لي حر، و علي أيام ربيعة و مضر ان كنت رزأت من عملي دينارا و لا درهما و لا غيرهما منذ وليته الى أن ورد علي كتاب أمير المؤمنين، و لتعلمن أن العزل أهون علي من التهمة. فلما قرأ كتابه قال: ما أظن أبا الفضل إلاّ صادقا( ١) .

و نقل عن (تاريخ ابن واضح) روايته و رواه (أنساب اشراف البلاذري) في عنوان القول في ما كتبهعليه‌السلام الى ولاته( ٢) .

و مر في فصل اخبارهعليه‌السلام بالغيب قوله في مصقلة لما كان اشترى سبي بني ناجية من عامله و أعتقهم و لم يؤد الثمن و هرب الى معاوية قبّح اللّه مصقلة، فعل فعل السادة، و فر فرار العبيد الخ( ٣) .

قول المصنّف: (الى مصقلة) قال البلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان، فأخذوا عليه المضائق، فهلك مع جيشه، فضرب به المثل فقالوا:

حتى يرجع مصقلة من طبرستان( ٤) .

(و هو عامله في أردشير خرّه) قال الحموي: أردشير خرّه اسم مركب معناه بهاء اردشير، و هي من أجل كور فارس، و منها مدينة شيراز( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.

(٢) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٢: ١٦٠، و اما تاريخ ابن واضح فهو نفس كتاب تاريخ اليعقوبي.

(٣) مر في العنوان ١٠ في فصل أخباره (ع) بالملاحم و هو الفصل التاسع.

(٤) فتوح البلدان: ٣٣٠.

(٥) معجم البلدان ١: ١٤٦.

٧٥

و في (أنساب البلاذري): و كان على أردشير خرّه من قبل ابن عباس( ١) .

قولهعليه‌السلام «بلغني عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت الهك و أغضبت امامك» ان اللّه لا يحبّ الخائنين( ٢ ) و ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين( ٣ ) ان اللّه لا يحب كلّ خوّان كفور( ٤ ) ان اللّه لا يحب من كان خوّانا أثيما( ٥ ) و لا تكن للخائنين خصيما( ٦ ) ، و البلاذري بدل «فقد اسخطت الهك و أغضبت امامك».

«فقد أتيت شيئا ادا»( ٧) .

«انك» ليس في نسخة ابن ميثم( ٨ ) «تقسم في‏ء المسلمين» قال الجوهري:

الفي‏ء: الخراج و الغنيمة «الذي حازته» قال الجوهري: من ضم الى نفسه شيئا فقد حازه «رماحهم و خيولهم» أي: حازوه بهما «و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك» هكذا في (المصرية)، و لكن في ثم «اعتماك»، و نسبه ابن أبي الحديد الى رواية( ٩ ) ، و المعنى واحد. قال الجوهري: و اعتميت الشي‏ء اخترته، و هو قلب الاعتيام.

«من أعراب قومك» و في (أنساب البلاذري) بدله «من أعراب بكر بن وائل»( ١ ) ٠.

____________________

(١) انساب الاشراف ٢: ١٦٠.

(٢) الانفال: ٥٨.

(٣) يوسف: ٥٢.

(٤) الحج: ٣٨.

(٥) النساء: ١٠٧.

(٦) النساء: ١٠٥.

(٧) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٨) توجد في نسختنا من شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

(٩) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥: ٩٤ مثل المصريّة.

(١٠) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

٧٦

و في (المروج): استبد سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان بالأموال و قال بعض الايام و كتب به الى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش، فقال له الاشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك( ١) .

«فو الذي فلق الحبة» و في بعض الأدعية «يا فالق الحب و النوى»( ٢) .

«و برأ» أي: خلق «النسمة» أي: الإنسان، و زاد البلاذري: و أحاط بكلّ شي‏ء علما( ٣) .

«لئن كان ذلك حقا لتجدن بك» هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و نقله ابن أبي الحديد: «لك» و نسب «بك» الى رواية( ٤) .

«علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا» و في (عيون ابن قتيبة): كان زياد اذا ولّى رجلا قال له: خذ عهدك و سر الى عملك، و اعلم انك مصروف الى رأس سنتك، و انك تصير الى أربع خلال فاختر لنفسك: انا ان وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك و سلمتك من معرتنا أمانتك، و ان وجدناك خائنا قويا استهنا بقوتك و أحسنا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك و أثقلنا غرمك، و ان جمعت علينا الحرمين جمعنا عليك المضرين، و ان وجدناك أمينا قويا رددناك في عملك و رفعنا لك ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا عقبك.

«فلا تستهن» أي: لا تستخف «بحق ربك» فلا حق فوق حقه «و لا تصلح دنياك بمحق» أي: محو «دينك» فتكون كمن محا نفيسا بخسيس «فتكون من الأخسرين أعمالا» أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٣٧.

(٢) رواه ابن الأثير في النهاية ٣: ٤٧١، مادة (فلق).

(٣) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

٧٧

تجارتهم و ما كانوا مهتدين( ١) .

و في رواية اليعقوبي و البلاذري زيادة الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٣) .

«ألا و ان حق من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفي‏ء سواء» فيه اشارة الى كون عمل عمر في تفضيل الأشراف على خلاف الشريعة (يردون عندي عليه و يصدرون عليه) و لا يمكن تبديله و تغييره.

٩ - الكتاب (٤٠) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ أقول: جعله عقد ابن عبد ربه كتابهعليه‌السلام الى ابن عباس فيما اشتهر عنه من الخيانة لما كان في البصرة، و جعل ما ننقله بعد في العنوان الآتي كتابهعليه‌السلام إليه بعد رحلته من البصرة الى مكة. فقال: روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد ان ابن عباس مر على أبي

____________________

(١) البقرة: ١٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٢، و انساب الأشراف ٢: ١٦١.

(٣) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤.

٧٨

الأسود فقال له: لو كنت من البهائم كنت جملا و لو كنت راعيا ما بلغت. فكتب أبو الأسود الى عليعليه‌السلام : ان اللّه جعلك واليا و مؤتمنا و راعيا مسئولا، و قد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للامة توفر لهم فيأهم و تكفّ نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم و لا ترتشي بشي‏ء في أحكامهم، و ابن عمك قد أكل ما تحت يديه من غير علمك فلم يسعني كتمانك ذلك.

قال: فكتبعليه‌السلام إليه: أما بعد فمثلك نصح الإمام و الامة و والى على الحق و فارق الجور، و قد كتبت لصاحبك بما كتبت إلي فيه و لم أعلمه بكتابك الي، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك جدير و هو حق واجب للّه عليك.

و كتبعليه‌السلام الى ابن عباس: اما بعد، فقد بلغني عنك أمران كنت فعلته فقد أسخطت اللّه و أخزيت امانتك و عصيت امامك و خنت المسلمين، بلغني انك خربت الأرض و أكلت ما تحت يدك، فارفع الي حسابك و اعلم ان حساب اللّه أعظم من حساب الناس.

و في (أنساب البلاذري): قالوا و استعمل عليعليه‌السلام عبد اللّه بن عباس على البصرة، و استعمل أبا الأسود على بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود الخ مثله( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عمّاله) قد عرفت من (مستنده) أن المراد به ابن عباس كالعنوان الآتي، الا ان الكلام في صحته، و لعله لذا أجمله المصنف مع انك عرفت في أوّل الكتاب ان ابن ميثم لم ينقله رأسا.

قولهعليه‌السلام «أما بعد فقد بلغني» بكتابة أبي الأسود، و لم يذكرهعليه‌السلام لئلا

____________________

(١) انساب الأشراف ٢: ١٦٩.

٧٩

يوجب تشديد العداوة بينهما.

«عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت ربك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك» في (عيون ابن قتيبة): دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة و هو أمير البصرة، فقال له: اني قرأت في بعض الكتب عن اللّه تعالى: أيا راعي السوء دفعت اليك غنما سمانا سحاحا، فأكلت اللحم، و شربت اللبن، و ائتدمت بالسمن، و لبست الصوف، و تركتها عظاما تتقعقع.

و فيه أيضا: في كتاب ابرويز الى ابنه: اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فاذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترى‏ء عليك في الكبير.

و فيه أيضا: قال أبرويز لصاحب بيت ماله: اني لا احتملك على خيانة درهم، و لا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك انما تحقن بذلك دمك، و تعمّر به أمانتك، فانك ان خنت قليلا خنت كثيرا، و احترس من الخصلتين:

النقصان فيما تأخذ، و الزيادة فيما تعطي.

«بلغني أنك جردت الأرض» أي: أكلتها كالجراد تأكل نبت الأرض من جردت الجراد الأرض، و به سمي الجراد.

«فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك» لا يخفى لطف الكلام.

و في (العيون): ذكر اعرابي رجلا خائنا فقال: ان الناس يأكلون أماناتهم لقما، و ان فلانا يحسوها حسوا.

و ولّى حارثة بن بدر، فسرق، فكتب إليه أنس الدؤلي:

أحار بن بدر قد وليت ولاية

فكن جرذا فيها تخون و تسرق

و قدم بعض عمّال السلاطين من عمل، فدعا قوما فأطعمهم و جعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال تعالى: سمّاعون

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

معروف يمشي على الماء ويطير في الهواء

إنّ عبادة معروف وزهده وعرفانه كلّ ذلك هيّأه أن يتربّع ذروة سنام الكرامات، ويشاطر أولي العزم المعجزات! فموسى عليه‌السلام قد فلق الله تعالى له البحر ليجوزه بمن تبعه من بني إسرائيل، ومعروف يجمع الله له طرفي الماء ليتخطّاها!

قال ابن شيرويه: كنت أجالس معروف الكرخيّ كثيراً، فلمّا كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا، فقلت له: يا أبا محفوظ! بلغني أنّك تمشي على الماء! فقال لي: ما مشيت على الماء، ولكن إذا هممت بالعبور جمع لي طرفاها، فأتخطّاها. (١)

وعن محمّد بن مخلّد قال: قرئ على الحسن بن عبد الوهّاب - وأنا أسمع - قال: سمعت ابي يقول: قالوا إنّ معروفاً الكرخيّ يمشي على الماء، لو قيل لي إنّه يمشي في الهواء لصدّقت. (٢)

معروف يمطر السّماء

بلغت كرامة معروف عند الله تعالى: أن تتغيّر الأنواء بفضل دعائه فيأمر السّماء في الصّيف فتمطر. عن يعقوب ابن أخي معروف، قال: قالوا لمعروف: يا أبا محفوظ، لو سألت الله أن يمطرنا! قال: وكان يوماً صائفاً شديد الحرّ. قال: ارفعوا إذاً ثيابكم. فما استتمّوا رفع ثيابهم حتّى جاء المطر. (٣)

في ضيافة كليم الله

قال أبو جعفر السّقّاء صاحب بشر بن الحارث: رأيت بشراً الحافي ومعروف الكرخيّ وهما جائيان - أي قادمان - فقلت: من أين؟ فقالا: من جنّة الفردوس، زرنا كليم الله

____________________

(١) تاريخ بغداد ٣: ٢٠٦.

(٢) نفس المصدر ١٣: ٢٠٧.

(٣) نفس المصدر.

١٤١

موسى. (١)

كرامات بشر الحافي

بشر الحافي، من طبقة معروف الكرخيّ، وأحمد بن حنبل. (٢) وقد ذكروا لبشر كرامات

____________________

(١) الرّوح / ٤١.

(٢) عاش ثلاثتهم وماتوا في النّصف الأوّل من القرن الثالث الهجريّ، ببغداد. مع جامعة في المشيخة والتلمذة ووحدة الأصول والمبادئ.

وفي ترجمة بشر جاء: هو بشر بن الحارث بن عبد الرّحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان، مروزيّ من مرو، موطن ولادة أحمد. وسكن الحافي بغداد، وتوفّي بها سنة ٢٢٧. يعرف بالحافي ويكنّى أبا نصر. سمع شريك، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزّهريّ، وحمّاد بن زيد. روى عنه أحمد بن حنبل، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ويحيى بن أكثم القاضي، وإبراهيم بن إسحاق الحربيّ (الطبقات الكبرى لابن سعد ٧: ٣٤٢؛ المعارف لابن قتيبة: ٣٩٢؛ تاريخ الطّبريّ ٩: ١١٨؛ تاريخ بغداد ٧: ٦٧؛ وفيات الأعيان ١: ٣٢؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١٠٥؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٤: ٩٩).

وقيل: كان بشر يلحن ولا يعرف العربيّة (تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١٠٨).

ولم يكن بشر في أوّل أمره حسن السّيرة، فقد ذكروا: كان بشر بن الحارث شاطراً (وجمعه شطّار، وهي جماعة ظهرت وانتشرت ببغداد وغيرها، ويعرفون في مصر الفتوّة كانوا يمارسون إيذاء النّاس والتعدّي عليهم) يجرح بالحديد. وكان سبب توبته أنّه وجد قرطاساً في أتون حمّام فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم». فعظم ذلك عليه، ورفع طرفه إلى السّماء، وقال: سيّدي، اسمك هاهنا ملقىً! فرفعه من الأرض، وقلع عنه السحاة - أي قشر موضع الاسم - الّتي هو فيها، وأتى عطّاراً، فاشترى بدرهم غالية - أي طيباً - ولطخ تلك السحاة بالغالية، فأدخله شقّ حائط وانصرف إلى زجّاج كان يجالسه، فقال له الزجّاج: والله يا أخي لقد رأيت لك في هذه الليلة رؤيا ما رأيت أحسن منها، ولست أقول لك، حتّى تحدّثني ما فعلت في هذه الأيّام فيما بينك وبين الله تعالى. فقال: ما فعلت شيئاً أعلمه، غير أنّي أجتزت اليوم بأتون حمّام، فذكره. فقال الزجّاج: رأيت كأنّ قائلاً يقول لي في المنام: قل لبشر: ترفع اسماً لنا من الأرض إجلالاً أن يداس! لننوّهنّ باسمك في الدنيا والآخرة (المصادر السابقة).

ولقد كان أحمد يطريه كثيراً، قال محمّد بن المثنّى: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هذا الرجل؟ فقال لي: أيّ الرجال؟ فقلت له: بشر، فقال لي: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال (تاريخ بغداد ٧: ٧٢).

ويبدو من سيرة أحمد، وبشر أنّهما مولعان بسفيان الثوريّ، قال أحمد: إن كان رجل تأدّب بمذهب رجل - يعني سفيان الثوريّ - ففاقه، لقلت بشر، لو لا ما سبق لسفيان الثوريّ من السنّ والعلم (تاريخ بغداد ٧: ٧٢).

١٤٢

من جنس كرامات معروف، وأحمد، وطبقتهما وكلّها يحوم في دائرة الرؤية - رؤية الله تعالى - وتكليمه سبحانه لهم في اليقظة والمنام، وخرق العادة ممّا يباهي الشّمس وحبسها.

نصف الجنّة لبشر الحافي

قال أبو جعفر السّقّاء: رأيت بشر بن الحارث في النّوم، فقلت: أبا نصر، ما فعل الله بك؟ قال: ألطفني ورحمني، وقال لي: يا بشر! لو سجدت لي في الدّنيا على الجمر، ما أدّيت شكر ما حشوت قلوب عبادي منك. وأباح لي نصف الجنّة فأسرح فيها حيث شئت، ووعدني أن يغفر لمن تبع جنازتي. (١)

لعلّ هذه النّعم والمنازل الرّفيعة لبشر، مقابل العمل الصالح الّذي لم يفعله لا نبيّ ولا وصيّ نبيّ! ذلك حينما رفع الحافي تلك الورقة الّتي وجدها في أتون الحمّام وفيها اسم الله تعالى، فرفع الله ذكره!

رسول الله إلى الحافي

تثبيتاً من الله تعالى لوليّه الحافي، وكيما يطمئنّ قلبه، بعث إليه رسولاً يبلّغه رسالة من لدنه تعالى: عبد الله بن حنبل قال: حدّثني أبو حفص عمر بن أخت بشر بن الحارث، قال: حدّثتني أمّي قالت: جاء رجل إلى الباب فدّقه، فأجابه بشر: من هذا؟ قال: أريد بشراً فخرج إليه، فقال له: حاجتك، عافاك الله! فقال له: أنت بشر؟ فقال: نعم، حاجتك؟ فقال: إنّي رأيت ربّ العزّة تعالى في المنام وهو يقول لي: اذهب إلى بشر، فقل له: يا بشر لو سجدت لي على الجمر ما أدّيت شكري فيما قد بثثت لك في النّاس. فقال له: أنت رأيت هذا؟! فقال: نعم، رأيته ليلتين متواليتين. فقال: لا تخبر به أحداً. (٢)

____________________

(١) الروح / ٤١.

(٢) تاريخ بغداد ٧: ٧٨؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٤: ١٠٨؛ المنتظم لأبي الفرج ١١: ١٢٤، ولم يقل عنه موضوع كما قال عن ردّ الشمس لعليّ بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٤٣

إنّهم يزعمون أنّ الله تعالى يرى يوم القيامة! فكيف رآه هذا الرّجل، وعلى أيّ صورة تمثّل له - جلّ وعلا عن ذلك -؟ أم أنّ الشّيطان كان من وراء ذلك؟! ولم يجعل الله سبحانه واسطة بينه وبين أوليائه من نظراء الحافي، ألم يكن حريّاً أن يتجلّى للفاضل دون المفضول؟!

الجنّ تنوح على بشر

لقد كان خبر وفاة الحافي صاعقاً! ليس على المؤمنين البشر ممّن سحرتهم شخصيّة بشر وإنّما حلّت المصيبة لذلك بساحة الجنّ. قال أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث: كنت أسمع الجنّ تنوح على خالي في البيت الّذي كان يكون فيه غير مرّة. (١)

حبّ الحافي شفاعة

ولمن فاته أجر تشييع الحافي غدت محبّته شفاعة تغفر معها الذّنوب، وذلك لخطر منزلة الحافي عند الله تعالى! قال القاسم بن منبّه: رأيت بشر بن الحارث في النّوم، فقلت: ما فعل الله بك يا بشر؟ قال: قد غفر لي، وقال لي: يا بشر! قد غفرت لك ولمن تبع جنازتك. فقلت: يا ربّ ولكلّ من أحبّني؟! قال: ولكلّ من أحبّك إلى يوم القيامة. (٢)

عوج بن عنق

كان الحافي قليل الرّواية للغاية في الحديث. قال الخطيب: وكان - الحافي - كثير الحديث، إلاّ أنّه لم ينصب نفسه للرّواية، وكان يكرهها، ودفن كتبه لأجل ذلك، وكلّ ما سمع منه فإنّما هو على سبيل المذاكرة. (٣)

وفي الحلية: قال رجل لبشر: يا أبا نصر! ما تقول لله غداً إذا لقيته وسألك لم لا تحدّث؟

____________________

(١) تاريخ بغداد ٧: ٨٠؛ تهذيب الكمال ٤: ١٠٩.

(٢) نفس المصدر.

(٣) تاريخ بغداد ٧: ٦٧؛ تهذيب الكمال ٤: ١٠٢.

١٤٤

قال: أقول يا ربّ، كانت نفسي تشتهي أن تحدّث، فامتنعت من أن أحدّث ولم أعطها شهوتها. (١)

فقد صرف بشر همّته للزّهد والعبادة ومعرفة ما يقرّبه إلى الله سبحانه، فتحرّز من رواية الحديث، إلاّ أنّه لم يتحرّج من الحديث عن: «عوج بن عنق»! قال جعفر البردانيّ: سمعت بشر بن الحارث يقول: إنّ عوج بن عنق، كان يأتي البحر فيخوضه برجله، ويحتطب السّاج. وكان أوّل من دلّ على السّاج وجلبه. وكان يأخذ من البحر حوتاً بيده، فيشويه في عين الشّمس. (٢)

بيد أنّ بشراً لم يذكر نسب عوج بن عنق، أجنّيّ هو أم من الإنس؟ أعجميّ أم عربيّ؟ من ولد سام أم من ولد حام؟ أين ولد وفي أيّ بلد مات؟ وهل ترك من بعده خلفاً، أم أنّهم بادوا؟!

ولعلّه من قوم عاد. أخرج ابن عساكر عن الزّهريّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل ربّه أن يريه رجلاً من قوم عاد، فأراه رجلاً رجلاه في المدينه ورأسه بذي الحليفة! (٣)

أثقال الجرّاح تفزع أهل الجنّة

قال ابن القيّم: لما مات رجاء بن حيوة (٤) رأته امرأة عابدةٌ، فقالت: يا أبا المقدام، إلام

____________________

(١) حلية الأولياء لأبي نعيم ٨: ٣٥٥.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١١٢؛ حلية الأولياء لأبي نعيم ٨: ٣٥١.

(٣) الخصائص الكبرى للسيوطيّ ٢: ١٥٢. وذو الحليفة: موضع بينه وبين المدينة ستّة أميال. وفي كتاب العرائس للثّعلبيّ ص ١٣٦ قال: قال ابن عمر: كان طول عوج بن عنق ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعاً بالذراع الأوّل! وكان عوج يحتجز السّحب، ويشرب منه الماء، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشّمس، يرفعه إليها ثمّ يأكله.

(٤) هو رجاء بن حيوة بن جرول - وقيل: جندل، وخنزل - بن الأحنف بن السّمط بن المرئ القيس الكنديّ يكنّى أبا المقدام. عداده في أهل الشّام، مات سنة ١١٣ هـ. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرّحمن بن غنم الأشعري، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وورّاد كاتب المغيرة بن شعبة، وأبي الدّرداء. الطبقات الكبرى لابن سعد ٧: ٤٥٤؛ طبقات خليفة بن =

١٤٥

صرتم؟ قال: إلى خير، ولكن فزعنا بعدكم فزعةً ظننّا أنّ القيامة قد قامت. قالت: قلت: وممّ ذلك؟ قال: دخل الجرّاح وأصحابه الجنّة بأثقالهم، حتّى ازدحموا على بابها. (١) جنّة عرضها السماوات والأرض؛ هلاّ جعل بابها مناسباً لها في السّعة كيما يدخلها الجرّاح وفيلقه من غير جلبة؟! وهل خلت الجنّة ممّا تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، حتّى يحمل الجرّاح وأصحابه أثقال دنياهم يستعينوا بها في حياتهم الجديدة؟! ثمّ كيف وصل ذلك الحطام إلى الجنّة - الّتي لم تفتّح أبوابها بعد، وإنّما ما بعد البعث - أتراه قد دفن معهم؟!

ضيغم يزور الله

ومن وحي روحه قال: «لما ماتت رابعة، رأتها امرأة فقالت: ما فعل أبو مالك؛ تعني ضيغماً؟ فقالت: يزور الله تبارك وتعالى متى شاء. (٢)

ضيوف الرّحمن

وقال ابن القيّم: وكان شعبة (٣) بن الحجّاج، ومسعر (٤) بن كدام، حافظين جليلين. قال أبو أحمد البريديّ: فرأيتهما بعد موتهما، فقلت: أبا بسطام، ما فعل الله بك؟ فقال: وفّقك الله

____________________

خيّاط ٥٦٦؛ المعارف ٤٧٢؛ حلية الأولياء ٥: ١٧٠؛ وفيات الأعيان ٢: ٦٠؛ شذرات الذّهب ١: ١٤٥؛ تهذيب التهذيب لابن حجر ٣: ٢٦٥؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ٤: ٢٤٩؛ تهذيب الكمال ٩: ١٥١.

(١) الرّوح: ٣٤.

(٢) نفس المصدر ٣٥.

(٣) شعبة بن الحجّاج بن الورد، أبو بسطام العتكيّ، مولاهم. واسطيّ الأصل بصريّ الدّار. ولد سنة ثلاث وسبعين، ومات سنة ستّين ومائة. قال أحمد بن حنبل: كان شعبة أمّة وحده في هذا الشأن - يعني علم الرّجال - وبصره في الحديث وتثبّته، وتنقيته للرّجال، وكان شاعراً. قال يزيد بن زريع: قدم علينا شعبة البصرة ورأيه رأي سوءٍ خبيث، يعني الترفّض! فما زلنا به حتّى ترك قوله وصار معنا. تاريخ بغداد ٩: ٢٥٥ - ٢٦٦.

(٤) مسعر بن كدام الهلاليّ العامريّ، أبو سلمة الكوفيّ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٤٦١؛ طبقات ابن سعد ٦: ٣٦٤؛ حلية الأولياء ٧: ٢١٠.وكان السليمانيّ يقول: كان من المرجئة (الميزان للذهبي جـ ٤، رقم ٨٤٧٠).

١٤٦

لحفظ ما أقول:

حباني إلهي في الجنان بقبّة

لها ألف باب من لجين وجوهراً

وقال لي الرّحمن: يا شعبة الّذي

تبحّر في جمع العلوم فأكثرا

تنعّم بقربي، إنّني عنك ذو رضى

وعن عبدي القّوام في اللّيل مسعرا

كفى مسعراً عزّاً بأن سيزورني

وأكشف عن وجهي الكريم لينظرا

وهذا فعالي بالّذين تنسّكوا

ولم يألفوا في سالف الدّهر منكرا (١)

إذا كان شعبة قد نال قصب السّبق هذا لعلمه ولتركه الترفّض فصار من القوم، فما بال مسعر يتنعّم بنفس الحظوة، وهو من المرجئة؟!

ويجد المطالع والباحث في أصول ومعتقدات ومؤلّفات ابن القيّم إصراراً واضحاً على الأخذ بمبدأ التجسيم والتشبيه والرؤية، ولذا أين وجد ضالّته المنشودة في هذا الباب: عند شعبة أو مسعر أو غيرهما، إلاّ وجمعه من غير رويّة!

مناقب إبراهيم (٢) بن أدهم

ذكروا لإبراهيم بن أدهم كرامات ومناقب، كلّ واحدة منها تبزّ رواة ردّ الشّمس ويباريهم في حقل التحدّي! وتصكّ الآذان وتقرع القلوب فتأخذ بمجامعها؛ فأيّها أوقع في النّفوس وأبلغ: رواية الرّوافض أم هذا الحقل اليانع من فواضل ابن أدهم الزّاهي؟!

____________________

(١) الروح: ٤٠.

(٢) إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجليّ، وقيل: التّميميّ، أبو إسحاق البلخيّ. هرب من أبي مسلم الخراسانيّ فجاء إلى الشّام. قال خلف بن تميم: سألت إبراهيم بن أدهم: منذكم قدمت الشّام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة، وما جئت لرباط ولالجهاد. فقلت: لم جئت؟ قال: جئت أشبع من خبز الحلال.

روى عن سفيان الثّوري، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجّاج، والأوزاعيّ، ومقاتل، ومنصور بن المعتمر، وموسى بن عقبة. وروى عنه: سفيان الثّوريّ، وهو من أقرانه، والأوزاعيّ، وقطن بن صالح الدّمشقيّ. قال في الميزان ٣: ٣٩١: أحد الكذّابين ومات إبراهيم بن أدهم سنة ١٦٢. حلية الأولياء ٧: ٣٦٧؛ معجم البلدان لياقوت ٣: ١٩٦؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٢: ٢٧ - ٣٧؛ والوافي بالوفيات للصّفديّ ٥: ٣١٨.

١٤٧

مائده المسيح

قال عديّ الصيّاد - من أهل جبلة -: سمعت يزيد بن قيس، يحلف بالله أنّه كان ينظر إلى إبراهيم بن أدهم، وهو على شطّ البحر في وقت الإفطار، فيرى مائدة توضع بين يديه لا يدري من وضعها، ثمّ يراه يقوم فينصرف حتّى يدخل جبلة وما معه شيء (١) !

هنيئاً للزهّاد أن تخدمهم ملائكة الرّحمن بموائد الجنان في الدّنيا ولهم في الآخرة مزيد، في حين يظلّ عليّ وآله ثلاثة أيّام سغباً خمص البطون لا يفطرون إلاّ على الماء، فهلاّ نزلت عليهم مائدة ابن أدهم؟!

أبو قبيس في طاعة ابن أدهم

كنّا نقرأ في كتب التاريخ والسّيرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقف على جبل أحد، ومعه أبو بكر، وعثمان، فتحرّك الجبل، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكن فما عليك إلاّ نبيّ وصدّيق وشهيد، فسكن الجبل. ولم يدر في خلدنا ولا طرأ في خلجات خواطرنا أن يرث أحد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كراماته ومعاجزه، مثلما لم يرثه أحد في تركته، ولأجله كذّبوا بضعته الطّاهرة الزّهراء عليها‌السلام في دعواها بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وهبها «فدكاً». إلاّ أنّ إبراهيم بن أدهم وأمثاله من المتزهّدين قد آتاهم الله تعالى من الفضل أنّهم ورثة الأنبياء. فالجبل والبحر دائبان في طاعة ابن أدهم.

قال عيسى بن حازم: حدّثني إبراهيم بن أدهم، قال: لو أنّ مؤمناً قال لذاك الجبل زل لزال. قال فتحرّك أبو قبيس، فقال: اسكن، إنّي لم أعنك. قال: فسكن. (٢)

البحر مسخّر لابن أدهم

قال خلف بن تميم: كان إبراهيم بن أدهم في البحر، فعصفت الرّيح واشتدّت، وإبراهيم

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٣.

(٢) نفس المصدر ٨: ٤.

١٤٨

ملفوف في كسائه، فقال له رجل: يا هذا! ما ترى ما نحن فيه من هذا الهول، وأنت نائم في كسائك؟! قال: فكشف إبراهيم رأسه ثمّ رفع رأسه إلى السّماء، فقال: اللّهمّ قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. قال: فسكن البحر حتّى صار كالدّهن. (١)

ملك الغاب

قال خلف بن تميم: كنّا مع إبراهيم بن أدهم في سفر له، فأتاه النّاس فقالوا: إنّ الأسد قد وقف على طريقنا. قال: فأتاه، فقال: يا أبا الحارث! إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإن لم تكن أمرت فينا بشيء فتنحّ عن طريقنا. قال: فمضى وهو يهمهم. (٢)

إنّ الجبل له أذن واعية، يسمع كلام ابن أدهم فيزول من مكانه ويعود إليه بدعائه! والأسد يفهم كلام هذا الرّجل فيتنحّى بعيداً، والله تعالى يجيب دعائه، فيسكن البحر بعد هيجانه وتهدأ الرّيح من بعد عصف شديد، وتنزل عليه مائدة من السّماء لتكون عيداً له ولمن سلك سبيله. لكن إذا دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الله تعالى ليحبس الشّمس أو يردّها من بعد مغيب فهذا ممّا لا يعقل، وإن هذا إلاّ اختلاق!

غاية الزهد

ما أكثر قصص انقلاب الأشياء وتحوّلها إلى اُخر، تكريماً لفلان أو فلان، بما يقضي حاجته، وربّما حدثت معجزة في صدق سيرته.

قال عيسى بن حازم: إنّ إبراهيم بن أدهم خرج في غزاة، فحدّثته نفسه أن يقترض من أحد أصحابه، ثمّ ناب إلى الله واعتذر وطلب حاجته منه سبحانه، فإذا أربعمائة دينار، فتناول منها ديناراً فقط. (٣)

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٥.

(٢) نفس المصدر ٨: ٤.

(٣) نفس المصدر ٨: ٦.

١٤٩

البلّوط يصير رطباً

قال محمّد بن منصور الطّوسيّ: حدّثنا أبو النضر، قال: كان إبراهيم بن أدهم يأخذ الرّطب من شجرة البلّوط. (١)

ومن قبل، أوحى سبحانه إلى مريم عليها‌السلام أن تهزّ جذع النّخلة فتساقط عليها الرّطب جنيّاً، فأكلت مريّاً!

كرامة معلّم الغناء

يبدو أنّ لأصحاب الرذائل منازل وفواضل كما هو للأتقياء والأفاضل! فهذا مثلاً الماجشون (٢) الّذي لا حظّ له من العلم إلاّ أنّه كان معلّماً للغناء، واتّخاذ القيان.

أمّا الكرامة الّتي أثبتوها للماجشون فهي من جنس ذلك الهذيان والغثيان الذي شاع في تلك العهود، ولا تسيغها أذن إلاّ من فم قينة على ضرب طبل وعود!

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٣.

(٢) أبو يوسف يعقوب بن أبي سلمة، واسم أبي سلمة: دينار، وقيل ميمون. ويلقّب: الماجشون، القرشيّ التّيميّ، مولى آل المنكدر. سمع عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعمر بن عبد العزيز، ومحمّد بن المنكدر، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبا هريرة. روى عنه ابناه: عبد العزيز، ويوسف، وابن أخيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة. مات سنة أربع وستّين ومائة. قال مصعب الزّبيريّ إنّما سمّي الماجشون للونه. وقال البخاريّ: الماجشون بالفارسيّة: المورّد.

قال مصعب: وكان يعلّم الغناء ويتّخذ القيان ظاهراً أمره في ذلك. وكان يجالس عروة بن الزّبير، وعمر بن عبد العزيز في إمرته. وكان الماجشون أوّل من علّم الغناء من أهل المروءة بالمدينة، وكان يكون مع عمر بن عبد العزيز في ولاية عمر على المدينة، وكان يأنس إليه. وكان الماجشون يعين ربيعة على أبي الزّناد، لأنّ أبا الزّناد يعادي ربيعة.

وكان أبو الزناد يقول: مثلي ومثل الماجشون مثل ذئب كان يلحّ على أهل قرية فيأكل صبيانهم، فاجتمعوا له وخرجوا في طلبه، فهرب منهم وانقطع عنهم، إلاّ صاحب فخّار، فإنّه ألحّ في طلبه، فوقف له الذئب، فقال: هؤلاء أعذرهم، فأنت مالي ولك؟! ما كسرت لك فخّارةً قطّ. والماجشون ما كسرت له كبراً (أي طبلاً) ولا بربطاً (أي عوداً للغناء). وفيات الأعيان لابن خلّكان ٦: ٣٧٦؛ تاريخ الإسلام ٥: ١٩؛ سير أعلام النبلاء ٥: ٣٧٠؛ شذرات الذهب ١: ٢٥٩؛ تهذيب التهذيب ١١: ٣٨٩.

١٥٠

«أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة بالإسناد عن ابن الماجشون، قال: عرج بروح الماجشون، فوضعناه على سرير الغسل، فدخل غاسل إليه يغسّله فرأى عرقاً في أسفل قدمه يتحرّك، فأقبل علينا وقال: أرى عرقاً يتحرّك ولا أرى أن أعجّل عليه! فاعتللنا على النّاس بالأمر الّذي رأيناه وفي الغدجاء النّاس، وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله، فاعتذرنا إلى النّاس فمكث ثلاثاً على حاله والنّاس يتردّدون إليه ليصلّوا عليه، ثمّ استوى جالساً وقال: ايتوني بسويق، فأتي به فشربه فقلنا له: خبّرنا، ما رأيت؟ فقال: نعم عرج بروحي فصعد بي الملك، حتّى أتى سماء الدّنيا، فاستفتح ففتح له، ثمّ عرج هكذا في السّموات حتّى انتهى إلى السّماء السّابعة، فقيل له: من معك؟ قال: الماجشون. فقيل له: لم يأن له بعد، بقي من عمره كذا وكذا سنةً، وكذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعة ثمّ هبط فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الّذي معي: من هذا؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قلت: إنّه لقريب من رسول الله! فقال: إنّه عمل بالحقّ في زمن الجور، وإنّهما عملا بالحقّ في زمن الحقّ». (١)

ليس من إشكال أن ينال الماجشون هذه المنزلة الرفيعة والكرامة العظيمة جزاءً وثواباً للبرّ الّذي كان يقوم به والعمل الصالح الّذي ضرب به القدح المعلّى ألا وهو اقتناء القيان وتعليم أهل المروءة (كذا) الغناء والضرب بالعود والطنبور فلا عدم الشيطان أولياءً!

إلاّ أنّ الإشكال هو: هل إنّ ملك الموت مستقلّ في عمله وحركته، فاشتبه عليه أوان قبض روح الماجشون؟ أم إنّ الاشتباه من الآمر وهو الله؟! تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(١) نفس المصدر، ومرآة الجنان لليافعيّ ١: ٣٥١؛ تهذيب الكمال للمزيّ ٣٢: ٣٣٨، وقال: روى له مسلم، وأبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ. وله ترجمة في الكاشف للذهبيّ ٣: رقم ٦٤٩٩؛ الجرح والتعديل ٩ رقم ٨٦٣؛ تاريخ البخاريّ الكبير ٨ رقم ٣٤٤٧؛ طبقات خليفة ٤٦٧ وقال: الماجشون - بضمّ الجيم والشين.

١٥١

جيوش الخليفة تسير على صفحة الماء

تتكرّر أخبار الّذين يمطرون السّماء، وتعبر جيوشهم على صفحة الماء مثل سيرها على أديم الأرض المعبّدة. عن أبي هريرة، وأنس، قالا: «جهّز عمر بن الخطّاب جيشاً واستعمل عليهم العلاء (١) بن الحضرميّ، وكنت في غزاته، فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفّوا آثار الماء - أي درسوا آثار الماء ومحوها - والحرّ شديد، فجهدنا العطش ودوابّنا وذلك يوم الجمعة، فلمّا مالت الشّمس لغروبها صلّى بنا ركعتين، ثمّ مدّيده إلى السّماء، وما نرى في السّماء شيئاً، قال: فو الله ما حطّ يده حتّى بعث الله ريحاً وأنشأ سحاباً، وأفرغت حتّى ملأت الغدر والشّعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثمّ أتينا عدوّنا وقد جاوزوا خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم يا حليم يا كريم. ثمّ قال: أجيزوا باسم الله. قال: فأجزنان ما يبلّ الماء حوافر دوابّنا...» (٢) .

لا ينبئك مثل خبير، ولكن: لم القسم سواء من أبي هريرة خليفة الحضرميّ في ولاية البحرين، أو أنس وما أدراك ما أنس؟!، وكلاهما ثقة وأيّ ثقة! - وكفى بهما أن تغطّي أحاديثهما صفحة السّيرة والفقه لكثرتها الكاثرة. وإذا كان الحضرميّ مجاب الدّعوة حتّى يركم سحاباً ويمطره! ويخرج البحر عن طوره فتجتازه تلك الجموع بخيلها وجمالها وأحمالها، فلم لا تبتلّ حوافر دوابّهم كما بتلّت أجساد المجاهدين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدماء نحورهم وكسرت رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستجاب الله تعالى دعاء نبيّه فحقّق له النّصر

____________________

(١) العلاء بن الحضرميّ، من حضرموت؛ واسم الحضرميّ: عبد الله بن عباد، ويقال ابن عماد، وقيل غير ذلك؛ حليف بني أميّة. توفّي والياً على البحرين فاستعمل عمر بعده أبا هريرة.

أخته الصعبة بنت الحضرميّ، تزوّجها أبو سفيان وطلّقها فخلف عليها عبيد الله بن عثمان التيميّ، فولدت له طلحة بن عبيد الله التيميّ، قتله مروان بن الحكم يوم الجمل في عسكر عائشة! وأخو العلاء هو عامر بن الحضرميّ قتل يوم بدر كافراً، وأخوهما عمرو بن الحضرميّ أيضاً قتل مشركاً. الاستيعاب ٣: ١٤٦ - ١٤٧، الإصابة ٢: ٤٩٨؛ المحبّر لابن حبيب ١٢٦؛ طبقات خليفة ٤٢؛ طبقات ابن سعد ٤: ٣٥٩؛ أسد الغابة ٤: ٧٤ - ٧٥؛ سيرة ابن هشام ٢: ٢٧٥، ٣١١، ٣٦٥.

(٢) البداية والنهاية ٦: ١٥٥، وفي الاستيعاب، والإصابة، وأسد الغابة أوجزوا الخبر قالوا: خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها. قالوا: وكان مجاب الدّعوة.

١٥٢

ولكن بعد أن صدّق المسلمون الجهاد وقدّموا قرابين الشّهادة؟! اللّهمّ إلاّ أن يكون ابن الحضرميّ أفضل عند الله من نبيّه! فصدّقوا استجابة دعائه على نحو ما تقدّم، ولم يصدّقوا استجابة دعاء النّبيّ في حبس الشّمس!

قصّة أخرى

ورووا مثل ذلك عن سعد بن أبي وقّاص الذي نعتوه كذلك أنّه مجاب الدّعوة. قالوا: أرسل عمر بن الخطّاب جيشاً إلى مدائن كسرى، فلمّا بلغوا شاطئ الدّجلة لم يجدوا سفينةً، فقال سعد بن أبي وقّاص وهو أمير السريّة، وخالد بن الوليد: يا بحر! إنّك تجري بأمر الله، فبحرمة محمّد وعدل عمر إلاّ ما خلّيتنا والعبور. فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتلّ حوافرها (١) !

قد يكون تخلّف سعد بن ابي وقّاص عن بيعة امير المؤمنين عليّ عليه‌السلام عن اجتهاد منه، والمجتهد يخطئ ويصيب - كذا - وأنّه كان بعيداً عن مجلس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكن يسمع منه أحاديثه في منزلة عليّ عليه‌السلام وتفضيله وأنّه الوصيّ والخليفة بعده، ولم يحضر بيعة الغدير ولا سمع بها!. ولكن ما هذه الاثنينيّة: المستشفع: سعد أحد العشرة المبشّرة بالجنّة! وخالد صاحب البوائق وعلى رأسها قتله المسلمين من بني يربوع وفيهم مالكبن نويرة الصحابيّ الجليل، ودخوله بزوجة مالك عنوة في اللّيلة ذاتها! وكان عمر يطالب أبا بكر أن يوقع القصاص فيه فيمتنع اجتهاداً ببسالة خالد؛ وكان عليّ يقول لو أنّ لي سلطاناً لقتلت خالداً.

والمستشفع به: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمته عند الله سبحانه، وعدل عمر! ولا نعلّق هنا إلاّ نقول: أيجوز جعل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المعصوم سيّد ولد آدم مطلقاً، وعمر في كفّتي ميزان متعادلة!

وإذا جاز عندهم هذا، وجاز أن يجيب الله سبحانه بحقّهما دعاء سعد وخالد فيبطل مفعول الماء وطبيعته: وهي غرق من يدخل أعماقه ويبلّل ما يلامسه، فهلاّ استجاب سبحانه دعاء نبيّه في ردّ الشمس ليكون أحد معاجزه وكرامةً لوليّه؛ أم ينغضون رؤوسهم

____________________

(١) نزهة المجالس للصفّوريّ ٢: ١٩١.

١٥٣

عتوّاً واستكباراً!

كرامة أخرى لسعد

أخرج ابن الجوزيّ من طريق لبيبة، قال: دعا سعد فقال: يا ربّ إنّ لي بنين صغاراً فأخّر عنّي الموت حتّى يبلغوا، فأخّر عنه الموت عشرين سنة. (١)

ما أعظمها من كرامة لسعد إذ شبّ ابنه عمر بن سعد وبلغ مبلغ الرّجال ليأتمر بأمر يزيد ابن معاوية فيقود الجيش الذي قتل سبط النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته الحسين بن عليّ عليهما‌السلام وأهل بيته! ولا ندري هل يتحمّل سعد بعض وزر ابنه عمر هذا غداً يوم الحساب لدعائه المستجاب وما ترتّب عليه من جريمة شنعاء؟!

دلائل النّبوّة عند ابن كثير

ابن كثير أحد الأبناء الّذين زامنوا الفتن العاصفة فتأثّروا بها وأثّروا، وهم ابن حنبل، وابن الجوزيّ، وابن تيميّة، وابن القيّم، وابن كثير، وخاتمة العقد: ابن عبد الوهّاب التميميّ النّجديّ، وكلّهم يصدرون من مذهب واحد في العقيدة وأصول الدّين وفروعه.

أمعن ابن كثير في ذكر الأخبار الغريبة والشاذّة وأقام من بعضها دلائل على نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

روى ابن كثير عن أبي منظور أنّه قال: «لما فتح الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر، أصابه من سهمه حمار أسود، فكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحمار فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدّي ستّين حماراً كلّهم لم يركبهم إلاّ نبيّ، لم يبق من نسل جدّي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت أتوقّعك أن تركبني. قد كنت قبلك لرجل يهوديّ، وكنت أعثربه، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري. فقال له النّبيّ: سمّيتك يعفور، يا يعفور! قال: لبّيك. قال: أتشتهي الإناث؟

قال: لا. فكان النّبيّ يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرّجل، فيأتي الباب

____________________

(١) صفة الصفوة لابن الجوزيّ ١: ١٤٠.

١٥٤

فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدّار أومأ إليه أن أجب رسول الله. فلمّا قبض النّبيّ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التّيّهان فتردّى فيها فصارت قبره، جزعاً منه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (١)

ليس العجب في رفضهم ما بلغ التواتر حتّى أصبح حقيقةً مسلّماً بها، إنّما العجب تصديقهم وتناقلهم لمثل هذه الترّهات التافهة، فهل هو قصد متعمّد للانتقاص من مقام النّبوّة وفتح باب لكلّ عدوٍّ وجاهل ينفذان منه لخوض الجدال والتشكيك، أم ران على أفئدة فهم لا يفقهون؟!

كرامة شيبان

وذكر ابن كثير كرامةً لرجل سمّاه شيبان ومن كرامته أنّ الله تعالى استجاب له دعاءه فأحيا له حماره الميّت. «روى إبراهيم الحربيّ - صاحب أحمد بن حنبل - من طريق مجالد عن الشعبيّ، قال: خرج رجل من النّخع يقال له: شيبان، في جيش على حمار له في زمن عمر، فوقع الحمار ميّتاً، فدعاه أصحاب ليحملوه ومتاعه فامتنع، فقام فتوضّأ ثمّ قام

____________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ٦: ١٥٠. ولم أجد له ذكراً في كتب السّيرة المعتبرة مثل سيرة ابن اسحاق. وغاية ما ذكر الطّبريّ في تاريخه ٢: ٤٢٢ - ذكر أسماء بغال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله - قال: وحماره يعفور أهداه له المقوقس، وكذلك في مختصر تاريخ دمشق ٢: ٢٥٥. ولم أجد فيما حضرني من مصادر شيئاً يركن إليه في ترجمة «أبي منظور» فإنّ كتب النّسب المعتمدة القديمة مثل «جمهرة النّسب للكلبيّ» و «طبقات خليفة بن خيّاط» و «المحبّر» لابن حبيب، و «كتاب النّسب» لابن سلام، تسكت عنه تماماً. في حين تذكره بعض المصادر على نحو يؤكّد كذب الرواية. ذكر ابن حجر في الإصابة ٤: ١٨٦، قال: «أبو منظور» غير منسوب جاء ذكره في خبر واه أورده أبو موسى من طريق أبي حذيفة عبد الله بن حبيب الهذليّ، عن أبي عبد الله السلميّ، عن أبي منظور قال: لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أظنّه - خيبر أصاب حماراً أسود فكلّمه فتكلّم فقال: ما اسمك؟ قال: يزيد ابن شهاب.. فذكر الحديث بطوله وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه يعفوراً، قال أبو موسى بعد تخريجه: هذا حديث منكر جدّاً إسناداً ومتناً لا أحلّ لأحد أن يرويه عنّي إلاّ مع كلامي عليه، ومثله في أسد الغابة ٦: ٣٠٤. إنّ الحديث ساقط من ناحية السند فكلّ رجاله مجهولون لا ترجمة لهم ولا وجود! وأحسنهم حالاً «أبو منظور» إذ ذكروه ولكنّه غير منسوب وليس له حديث غير هذا! ولم يسلم إلاّ أبو موسى الّذي أورده، ولكنّه ضعّف الحديث ووصفه على ما سمعناه، مع اضطراب متنه. إلاّ أنّ ابن كثير أطلقه وأطال، فلماذا؟!

١٥٥

عند رأسه فقال: اللّهمّ إنّي أسلمت لك طائعاً، وهاجرت في سبيلك مختاراً ابتغاء مرضاتك، وإنّ حماري كان يعينني ويكفيني عن النّاس، فقوّني به ولا تجعل لأحد عليّ منّة غيرك. فنفض الحمار رأسه وقام فشدّ عليه ولحق بأصحابه» (١) .

لا نكذّب ابنكثير ولا غيره ممّن أثبتوا هذه الحادثة، وذلك من خلال الاعتراض على هذا الولع الشديد عند شيبان بحماره، وتعفّفه المفرط عن أن يكون رديف اصحابه وقد خرج معهم غازياً، ولكن مثلما استجاب الله تعالى له دعاءه فأحيا له حماره، فما وجه الغرابة في عودة الشّمس كرامةً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! أم أنّ شيبان هذا أعظم عند الله منزلةً من نبيّه؟!

كرامة معاوية

عن أبي الفتح القوّاس (٢) «أنّه وجد في كتبه جزءاً له في فضائل معاوية وقد قرضته الفأرة، فدعا الله تعالى على الفأرة الّتي قرضته فسقطت من السّقف، ولم تزل تضطرب حتّى ماتت» (٣) !

لم يثبت عندنا صحّة إسلام معاوية بن أبي سفيان، ولا أبيه أبي سفيان؛ إنّما هو الفتح المبين وتحرير بيت الله الحرام من آسار الوثنيّة والشّرك وتحطيم الأصنام، فتحطّمت بذلك العزّة الوهميّة لطواغيت قريش، وعلى رأسهم أبو سفيان الّذي أخذ له العبّاس بن عبد المطّلب أماناً من النّبيّ، وحتّى اللحظة الحرجة هذه فإنّه أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سأله: تشهد أنّي رسول الله؟ قال: أمّا هذه فمنها في القلب شيء!

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى أبا سفيان يقوده ابنه، لعنهما وحذّر ممّا سيكون منهما.

____________________

(١) البداية والنهاية ٦: ١٥٣؛ الإصابة ٢: ١٦٩.

(٢) ترجم له الخطيب البغداديّ في تاريخه، قال: يوسف بن عمر بن مسرور، أبو الفتح القوّاس. سمع البغويّ، وأبابكر بن أبي داود، ومحمّد بن يوسف القاضي وتوفّي سنة ٣٨٥، وحمل إلى قبر أحمد بن حنبل. وكان ثقة صالحاً مأموناً صادقاً زاهداً مستجاب الدّعوة، من الأبدال! قال الدار قطنيّ: كنّا نتبرّك بأبي الفتح القوّاس وهو صبيّ! تاريخ بغداد ١٤: ٣٢٥ - ٣٢٧.

(٣) تاريخ بغداد ١٤: ٣٢٧.

١٥٦

ولم يثبت لمعاوية فضيلة إلاّ دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: «لا أشبع الله بطنه»! فكان يأكل ولا يشبع. وكان كريماً بالمال بخيلاً بالطّعام يقعد بطنه على فخذيه وفضيلة اُخرى هي خذلانه لعثمان ثمّ خروجه مطالباً بدمه؛ فكانت وقعة صفّين، وما أدراك ما صفّين؟! ومن فضائله: سنّته في سبّ امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وجعل ذلك متمّماً للصّلاة وخطبتها! وقتله الصّالحين مثل حجر بن عديّ الكنديّ وإخوانه ممّا أوجر عليه قلوب أمّهات المسلمين! وتنصيبه ابنه يزيد وليّاً للعهد مع معرفته بحاله. وشتم عليّ عليه‌السلام شتم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ثمّ شتم لله تعالى، كما في أحاديث النّبيّ، ولأنّ عليّاً نفس رسول الله، كما في آية المباهلة وحديث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ومن أين علم القوّاس أنّ الفأرة هي سبب تلف تلك الأوراق العزيزة؟! وهل هلاك الفأرة كرامة لمعاوية أم للقوّاس؟

معاجز يهوديّ!

عن الأوزاعيّ (١) ، قال: أردت بيت المقدس فرافقت يهوديّاً، فلمّا صرنا إلى طبرية نزل فاستخرج ضفدعاً، فشدّ في عنقه خيطاً فصار خنزيراً! فقال: أذهب فأبيعه من هؤلاء النّصارى، فذهب فباعه وجاء بطعام. فركبنا فما سرنا غير بعيد حتّى جاء القوم في الطّلب، فقال لي: أحسبه صار ضفدعاً في أيديهم! قال: فحانت منّي التفاتة فإذا بدنه ناحية ورأسه ناحية. قال فوقفت فجاء القوم فلمّا نظروا إليه فزعوا من السّلطان ورجعوا عنه. قال تقول لي الرأس: رجعوا؟ قال قلت: نعم، قال فالتأم الرأس إلى البدن وركبنا وركب. قال: فقلت:

____________________

(١) عبد الرّحمن بن عمرو يحمد الشّامي روى عن عطاء، وعكرمة، وابن سيرين، والأعمش، وابن حزم، ومكحول الشاميّ، ونافع مولى ابن عمر، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ. روى عنه: سفيان الثّوريّ، وشعبة ابن الحجّاج، وعبد الله بن المبارك، ووكيع، والطّبرانيّ، ويحيى القطّان. ولد سنة ٨٨، وكان مكتبه باليمامة، فلذلك سمع من مشايخ أهل اليمامة، وسكن الشّام ومات سنة ١٥٧. عن عبد الرّحمن بن مهدي: الأئمّة في الحديث أربعة: الأوزاعيّ، ومالك، وسفيان الثّوريّ، وحمّاد بن زيد، طبقات ابن سعد ٧: ٤٨٨؛ تهذيب الكمال ١٧: ٣٠٧؛ طبقات خليفة ٣١٥؛ حلية الأولياء ٦: ١٣٥؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ٦: ٢٢٥؛ وفيات الأعيان ٣: ١٢٧.

١٥٧

لا رافقتك أبداً، اذهب عنّي!» (١) .

هذا هو إمام الحديث: الأوزاعيّ - ولم يكن رافضيّاً - يروي مثل هذه الحكاية!

لعلّ في صحبة الأوزاعيّ لليهوديّ أمراً ليس من شأننا ولا نستطيع استقصاءه؛ فقد يكون لإقامة الدليل له على صحّة الإسلام أو لاتخاذه دليلاً له يوصله إلى بيت المقدس! ولكن ما هذا الّذي ذكره من سلوك صاحبه - اليهوديّ - والذي يرقى إلى معاجز نبيّ الله موسى عليه‌السلام ؟!

معاجز القاسطين

وإذا كان للأولياء من عظيم الشأن عند الله تعالى، فيمطر السماء استجابةً منه سبحانه لدعاء فلان الوليّ، ويجمع ضفتى النهر لوليّه فلان ليعبره من غير عناء... فما بال النّواصب الخوارج لهم من تلكم الرفعة وأعظم؟!

معاجز أبي مسلم (٢) الخولانيّ: جنديّ في عسكر معاوية بن أبي سفيان، ورسوله في حرب صفّين إلى امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فلمّا قطعه امير المؤمنين بالحجّة البالغة، خرج وهو يقول: «الآن طاب الضِّراب»!

فهل كرامات هذا الخارجيّ النّاصبيّ القاسط والّتي تبلغ المعجز، من مبالغته في

____________________

(١) تاريخ بغداد ٦: ٢٩٥.

(٢) اسمه عبد الله بن ثوب، ويقال: ابن ثوّاب...، ويقال: ابن عوف، ويقال: ابن مشكم، ويقال: اسمه يعقوب ابن عوف. الاستيعاب ٤: ١٩٢؛ أسد الغابة ٦: ٢٨٨؛ طبقات ابن سعد ٧: ٤٤٨؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠ - ٢٩٣ أدرك الجاهلية ولم يلق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولقي أبا بكر، فعداده في التّابعين، يعدّ في أهل الشّام. روى عن عمر ابن الخطّاب، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي عبيدة بن الجرّاح، وأبي مسلم الجليليّ معلّم كعب الأحبار؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠. روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وشرحبيل بن مسلم الخولانيّ، وعبد الله بن عروة بن الزّبير، وعطاء الخراسانيّ، وعطاء بن أبي رباح، ومكحول الشّاميّ، وأبو العالية الرّياحيّ وأبو عثمان الخولانيّ؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠ - ٢٩١.

قال: «روى له الجماعة سوى البخاريّ»؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩١. مات الخولانيّ أيّام يزيد بن معاوية. له حديث حسّنه التّرمذيّ، وقال صحيح: ٠ قال الله تعالى: المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النّبيّون والشّهداء»؛ الترمذي ٢٣٩٠ ولا ندري لم يغبطهم الأنبياء وهم دليل الهداية لهذه المحبّة!

١٥٨

النّصيحة لابن آكلة الأكباد وقتاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟!

روى إسماعيل بن عيّاش، عن شرحبيل بن مسلم الخولانيّ: إنّ الأسود العنسيّ أخذ أبا مسلم الخولانيّ فألقاه في نار عظيمة فلم تضرّه! فأتى أبو مسلم المدينة فبصر به عمر بن الخطّاب فاعتنقه وبكى، ثمّ ذهب به إلى أبي بكر وأجلسه بينهما، وقال: الحمد لله الّذي لم يمتني حتّى أراني في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله». (١)

إنّ نجاة الخولانيّ من النّار تعطيل لسنّة الله تعالى، إذ من طبيعتها إحراق الأشياء من غير مائز؛ أمّا نجاة إبراهيم النّبيّ عليه‌السلام من نار طاغية زمانه «نمرود»، فإنّما هي كرامة لنبيّ من أولي العزم وتثبيت لنبوّته؛ ولم يكن الخولانيّ نبيّاً تصدّق نبوّته المعجزة، ولم يستقم حاله فتكون هذه الكرامة المعجز توكيداً لحرمة المؤمن!

الخولانيّ يخوض دجلة

وأحاديث القوم في كرامات الرّجال كثيرة، تبدأ على وجه البسيطة وتحلّق في الآفاق البعيدة، وفي الأضداد: في فيح النّار ولهيبها، وعلى سطح الماء ونسيمه، وفيهم من يخوض بدابّته الماء الهادر فتخوضه معه الرّجال، وذلك بفضل كرامته ودعائه. ومنهم من يعبّد لجيشه اللّجب وجه البحر فيحيله طريقاً مهيعاً.! قالوا: «أتى أبو مسلم الخولانيّ يوماً على دجلة، وهي ترمي بالخشب من مدّها، فوقف عليها ثمّ حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثمّ نهر دابّته فخاضت الماء، وتبعه النّاس حتّى قطعوا». (٢)

ولا نعظم على ابن عساكر ذكره هذه الكرامة لأبي مسلم الخولانيّ، وقد ذكر له ما هو أعظم! في خبر: «كان أبو مسلم الخولانيّ بيده سبحة يسبّح بها، فنام والسبحة بيده فاستدارت والتفّت على ذراعه وجعلت تسبّح، وهي تقول: سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثّبات» (٣) .

____________________

(١) البداية والنهاية ٨: ١٤٦؛ شذرات الذهب ١: ٧٠؛ الاستيعاب ٤: ١٩٤ وقد شكك به!

(٢) تاريخ دمشق لابن عساكر ٧: ٣١٧.

(٣) نفس المصدر ٧: ٣١٨.

١٥٩

لقد ذكروا في معاجز نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : تسبيح الحصى في كفّه الشريفة. إلاّ أنّ أيادي السّوء امتدّت لتقلب هذه الحقيقة، وتنكر أخرى وتجرّ ثالثةً فتجعل وقوعها وحدوثها كرامة لفئة أو شخص ما؛ عصبيّةً عمياء وربّما لأمر آخر!

وهكذا تعاملوا مع خبر تسبيح الحصى، وليتهم قرنوها بمعجزة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلاّ أنّهم جعلوها خاصّة بهذا الخارجيّ الأمويّ!

ردّ البصر لابن حرب:

«كان سماك بن حرب قد ذهب بصره، فرأى إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه، وقال: اذهب إلى الفرات فتنغمس فيه ثلاثاً. ففعل فأبصر». (١)

____________________

(١) الرّوح: ٢٥٨، جاء في ترجمة سماك: سماك بن حرب بن أوس الذّهليّ. مات سنة ثلاث وعشرين ومائة. رأى المغيرة بن شعبة. وروى عن أخيه إبراهيم بن حرب، وأنس بن مالك، والنّعمان بن بشير، والضّحاك ابن قيس، وعبد الله بن الزّبير بن العوّام، ومصعب بن سعد بن أبي وقّاص، والحسن البصريّ، وطارق بن شهاب، وعامر الشّعبيّ. روى عنه سفيان الثّوريّ، وشريك القاضي، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجّاج، وأبو عوانة، وحمّاد بن سلمة. تاريخ بغداد ٩: ٢١٤؛ الطبقات الكبرى لابن سعد ٦: ٣٢٣؛ أنساب السمعانيّ ٦: ٣٠؛ الكامل في التاريخ ٥: ٢٧٥؛ سير أعلام النبلاء ٥: ٢٤٥؛ تاريخ الإسلام ٥: ٨٤؛ تهذيب التهذيب ٤: ٢٣٢؛ شذرات الذّهب ١: ١٦١؛ تهذيب الكمال ١٢: ١١٥؛ طبقات خليفة ١٦١؛ التاريخ الكبير للبخاريّ ٤ ترجمة ٢٣٨٢، العبر ١: ٢٣٦.

وأخباره مضطربة. عن حمّاد بن سلمة عن سماك، قال: أدركت ثمانين من أصحاب النّبيّ! تاريخ بغداد ٩: ٢١٤. ومثله في: الجرح والتعديل: ٤ ترجمة ١٢٠٣؛ تاريخ البخاريّ، وتهذيب الكمال: ١١٨، وفيه: وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله فردّ عليّ بصري.

وقال فيه أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث. الجرح والتعديل ٤ ترجمة ١٢٠٣؛ تهذيب الكمال ١٢: ١١٩ وقال عبد الرّحمن بن يوسف بن خراش: في حديثه لين. تاريخ بغداد ٩: ٢١٦؛ تهذيب الكمال ١٢: ٢١. وقال زكريّا بن عديّ، عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث، تهذيب الكمال ١٢: ١٢١. وقال يعقوب بن شيبة: قلت لعليّ بن المدينيّ: رواية سماك عن عكرمة؟ فقال: مضطربة: تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠.

وقال صالح بن محمّد البغداديّ: يضعّف. تاريخ بغداد ٩: ٢١٦؛ تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠. وقال النّسائيّ: ليس به بأس، وفي حديثه شيء؛ تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠.وفي الهامش قال: ونقل مغلطاي وابن حجر عن =

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413