منهاج السالكين

منهاج السالكين19%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142215 / تحميل: 6737
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

معروف يمشي على الماء ويطير في الهواء

إنّ عبادة معروف وزهده وعرفانه كلّ ذلك هيّأه أن يتربّع ذروة سنام الكرامات، ويشاطر أولي العزم المعجزات! فموسى عليه‌السلام قد فلق الله تعالى له البحر ليجوزه بمن تبعه من بني إسرائيل، ومعروف يجمع الله له طرفي الماء ليتخطّاها!

قال ابن شيرويه: كنت أجالس معروف الكرخيّ كثيراً، فلمّا كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا، فقلت له: يا أبا محفوظ! بلغني أنّك تمشي على الماء! فقال لي: ما مشيت على الماء، ولكن إذا هممت بالعبور جمع لي طرفاها، فأتخطّاها. (١)

وعن محمّد بن مخلّد قال: قرئ على الحسن بن عبد الوهّاب - وأنا أسمع - قال: سمعت ابي يقول: قالوا إنّ معروفاً الكرخيّ يمشي على الماء، لو قيل لي إنّه يمشي في الهواء لصدّقت. (٢)

معروف يمطر السّماء

بلغت كرامة معروف عند الله تعالى: أن تتغيّر الأنواء بفضل دعائه فيأمر السّماء في الصّيف فتمطر. عن يعقوب ابن أخي معروف، قال: قالوا لمعروف: يا أبا محفوظ، لو سألت الله أن يمطرنا! قال: وكان يوماً صائفاً شديد الحرّ. قال: ارفعوا إذاً ثيابكم. فما استتمّوا رفع ثيابهم حتّى جاء المطر. (٣)

في ضيافة كليم الله

قال أبو جعفر السّقّاء صاحب بشر بن الحارث: رأيت بشراً الحافي ومعروف الكرخيّ وهما جائيان - أي قادمان - فقلت: من أين؟ فقالا: من جنّة الفردوس، زرنا كليم الله

____________________

(١) تاريخ بغداد ٣: ٢٠٦.

(٢) نفس المصدر ١٣: ٢٠٧.

(٣) نفس المصدر.

١٤١

موسى. (١)

كرامات بشر الحافي

بشر الحافي، من طبقة معروف الكرخيّ، وأحمد بن حنبل. (٢) وقد ذكروا لبشر كرامات

____________________

(١) الرّوح / ٤١.

(٢) عاش ثلاثتهم وماتوا في النّصف الأوّل من القرن الثالث الهجريّ، ببغداد. مع جامعة في المشيخة والتلمذة ووحدة الأصول والمبادئ.

وفي ترجمة بشر جاء: هو بشر بن الحارث بن عبد الرّحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان، مروزيّ من مرو، موطن ولادة أحمد. وسكن الحافي بغداد، وتوفّي بها سنة ٢٢٧. يعرف بالحافي ويكنّى أبا نصر. سمع شريك، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزّهريّ، وحمّاد بن زيد. روى عنه أحمد بن حنبل، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ويحيى بن أكثم القاضي، وإبراهيم بن إسحاق الحربيّ (الطبقات الكبرى لابن سعد ٧: ٣٤٢؛ المعارف لابن قتيبة: ٣٩٢؛ تاريخ الطّبريّ ٩: ١١٨؛ تاريخ بغداد ٧: ٦٧؛ وفيات الأعيان ١: ٣٢؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١٠٥؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٤: ٩٩).

وقيل: كان بشر يلحن ولا يعرف العربيّة (تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١٠٨).

ولم يكن بشر في أوّل أمره حسن السّيرة، فقد ذكروا: كان بشر بن الحارث شاطراً (وجمعه شطّار، وهي جماعة ظهرت وانتشرت ببغداد وغيرها، ويعرفون في مصر الفتوّة كانوا يمارسون إيذاء النّاس والتعدّي عليهم) يجرح بالحديد. وكان سبب توبته أنّه وجد قرطاساً في أتون حمّام فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم». فعظم ذلك عليه، ورفع طرفه إلى السّماء، وقال: سيّدي، اسمك هاهنا ملقىً! فرفعه من الأرض، وقلع عنه السحاة - أي قشر موضع الاسم - الّتي هو فيها، وأتى عطّاراً، فاشترى بدرهم غالية - أي طيباً - ولطخ تلك السحاة بالغالية، فأدخله شقّ حائط وانصرف إلى زجّاج كان يجالسه، فقال له الزجّاج: والله يا أخي لقد رأيت لك في هذه الليلة رؤيا ما رأيت أحسن منها، ولست أقول لك، حتّى تحدّثني ما فعلت في هذه الأيّام فيما بينك وبين الله تعالى. فقال: ما فعلت شيئاً أعلمه، غير أنّي أجتزت اليوم بأتون حمّام، فذكره. فقال الزجّاج: رأيت كأنّ قائلاً يقول لي في المنام: قل لبشر: ترفع اسماً لنا من الأرض إجلالاً أن يداس! لننوّهنّ باسمك في الدنيا والآخرة (المصادر السابقة).

ولقد كان أحمد يطريه كثيراً، قال محمّد بن المثنّى: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هذا الرجل؟ فقال لي: أيّ الرجال؟ فقلت له: بشر، فقال لي: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال (تاريخ بغداد ٧: ٧٢).

ويبدو من سيرة أحمد، وبشر أنّهما مولعان بسفيان الثوريّ، قال أحمد: إن كان رجل تأدّب بمذهب رجل - يعني سفيان الثوريّ - ففاقه، لقلت بشر، لو لا ما سبق لسفيان الثوريّ من السنّ والعلم (تاريخ بغداد ٧: ٧٢).

١٤٢

من جنس كرامات معروف، وأحمد، وطبقتهما وكلّها يحوم في دائرة الرؤية - رؤية الله تعالى - وتكليمه سبحانه لهم في اليقظة والمنام، وخرق العادة ممّا يباهي الشّمس وحبسها.

نصف الجنّة لبشر الحافي

قال أبو جعفر السّقّاء: رأيت بشر بن الحارث في النّوم، فقلت: أبا نصر، ما فعل الله بك؟ قال: ألطفني ورحمني، وقال لي: يا بشر! لو سجدت لي في الدّنيا على الجمر، ما أدّيت شكر ما حشوت قلوب عبادي منك. وأباح لي نصف الجنّة فأسرح فيها حيث شئت، ووعدني أن يغفر لمن تبع جنازتي. (١)

لعلّ هذه النّعم والمنازل الرّفيعة لبشر، مقابل العمل الصالح الّذي لم يفعله لا نبيّ ولا وصيّ نبيّ! ذلك حينما رفع الحافي تلك الورقة الّتي وجدها في أتون الحمّام وفيها اسم الله تعالى، فرفع الله ذكره!

رسول الله إلى الحافي

تثبيتاً من الله تعالى لوليّه الحافي، وكيما يطمئنّ قلبه، بعث إليه رسولاً يبلّغه رسالة من لدنه تعالى: عبد الله بن حنبل قال: حدّثني أبو حفص عمر بن أخت بشر بن الحارث، قال: حدّثتني أمّي قالت: جاء رجل إلى الباب فدّقه، فأجابه بشر: من هذا؟ قال: أريد بشراً فخرج إليه، فقال له: حاجتك، عافاك الله! فقال له: أنت بشر؟ فقال: نعم، حاجتك؟ فقال: إنّي رأيت ربّ العزّة تعالى في المنام وهو يقول لي: اذهب إلى بشر، فقل له: يا بشر لو سجدت لي على الجمر ما أدّيت شكري فيما قد بثثت لك في النّاس. فقال له: أنت رأيت هذا؟! فقال: نعم، رأيته ليلتين متواليتين. فقال: لا تخبر به أحداً. (٢)

____________________

(١) الروح / ٤١.

(٢) تاريخ بغداد ٧: ٧٨؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٤: ١٠٨؛ المنتظم لأبي الفرج ١١: ١٢٤، ولم يقل عنه موضوع كما قال عن ردّ الشمس لعليّ بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٤٣

إنّهم يزعمون أنّ الله تعالى يرى يوم القيامة! فكيف رآه هذا الرّجل، وعلى أيّ صورة تمثّل له - جلّ وعلا عن ذلك -؟ أم أنّ الشّيطان كان من وراء ذلك؟! ولم يجعل الله سبحانه واسطة بينه وبين أوليائه من نظراء الحافي، ألم يكن حريّاً أن يتجلّى للفاضل دون المفضول؟!

الجنّ تنوح على بشر

لقد كان خبر وفاة الحافي صاعقاً! ليس على المؤمنين البشر ممّن سحرتهم شخصيّة بشر وإنّما حلّت المصيبة لذلك بساحة الجنّ. قال أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث: كنت أسمع الجنّ تنوح على خالي في البيت الّذي كان يكون فيه غير مرّة. (١)

حبّ الحافي شفاعة

ولمن فاته أجر تشييع الحافي غدت محبّته شفاعة تغفر معها الذّنوب، وذلك لخطر منزلة الحافي عند الله تعالى! قال القاسم بن منبّه: رأيت بشر بن الحارث في النّوم، فقلت: ما فعل الله بك يا بشر؟ قال: قد غفر لي، وقال لي: يا بشر! قد غفرت لك ولمن تبع جنازتك. فقلت: يا ربّ ولكلّ من أحبّني؟! قال: ولكلّ من أحبّك إلى يوم القيامة. (٢)

عوج بن عنق

كان الحافي قليل الرّواية للغاية في الحديث. قال الخطيب: وكان - الحافي - كثير الحديث، إلاّ أنّه لم ينصب نفسه للرّواية، وكان يكرهها، ودفن كتبه لأجل ذلك، وكلّ ما سمع منه فإنّما هو على سبيل المذاكرة. (٣)

وفي الحلية: قال رجل لبشر: يا أبا نصر! ما تقول لله غداً إذا لقيته وسألك لم لا تحدّث؟

____________________

(١) تاريخ بغداد ٧: ٨٠؛ تهذيب الكمال ٤: ١٠٩.

(٢) نفس المصدر.

(٣) تاريخ بغداد ٧: ٦٧؛ تهذيب الكمال ٤: ١٠٢.

١٤٤

قال: أقول يا ربّ، كانت نفسي تشتهي أن تحدّث، فامتنعت من أن أحدّث ولم أعطها شهوتها. (١)

فقد صرف بشر همّته للزّهد والعبادة ومعرفة ما يقرّبه إلى الله سبحانه، فتحرّز من رواية الحديث، إلاّ أنّه لم يتحرّج من الحديث عن: «عوج بن عنق»! قال جعفر البردانيّ: سمعت بشر بن الحارث يقول: إنّ عوج بن عنق، كان يأتي البحر فيخوضه برجله، ويحتطب السّاج. وكان أوّل من دلّ على السّاج وجلبه. وكان يأخذ من البحر حوتاً بيده، فيشويه في عين الشّمس. (٢)

بيد أنّ بشراً لم يذكر نسب عوج بن عنق، أجنّيّ هو أم من الإنس؟ أعجميّ أم عربيّ؟ من ولد سام أم من ولد حام؟ أين ولد وفي أيّ بلد مات؟ وهل ترك من بعده خلفاً، أم أنّهم بادوا؟!

ولعلّه من قوم عاد. أخرج ابن عساكر عن الزّهريّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل ربّه أن يريه رجلاً من قوم عاد، فأراه رجلاً رجلاه في المدينه ورأسه بذي الحليفة! (٣)

أثقال الجرّاح تفزع أهل الجنّة

قال ابن القيّم: لما مات رجاء بن حيوة (٤) رأته امرأة عابدةٌ، فقالت: يا أبا المقدام، إلام

____________________

(١) حلية الأولياء لأبي نعيم ٨: ٣٥٥.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٦: ١١٢؛ حلية الأولياء لأبي نعيم ٨: ٣٥١.

(٣) الخصائص الكبرى للسيوطيّ ٢: ١٥٢. وذو الحليفة: موضع بينه وبين المدينة ستّة أميال. وفي كتاب العرائس للثّعلبيّ ص ١٣٦ قال: قال ابن عمر: كان طول عوج بن عنق ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعاً بالذراع الأوّل! وكان عوج يحتجز السّحب، ويشرب منه الماء، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشّمس، يرفعه إليها ثمّ يأكله.

(٤) هو رجاء بن حيوة بن جرول - وقيل: جندل، وخنزل - بن الأحنف بن السّمط بن المرئ القيس الكنديّ يكنّى أبا المقدام. عداده في أهل الشّام، مات سنة ١١٣ هـ. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرّحمن بن غنم الأشعري، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وورّاد كاتب المغيرة بن شعبة، وأبي الدّرداء. الطبقات الكبرى لابن سعد ٧: ٤٥٤؛ طبقات خليفة بن =

١٤٥

صرتم؟ قال: إلى خير، ولكن فزعنا بعدكم فزعةً ظننّا أنّ القيامة قد قامت. قالت: قلت: وممّ ذلك؟ قال: دخل الجرّاح وأصحابه الجنّة بأثقالهم، حتّى ازدحموا على بابها. (١) جنّة عرضها السماوات والأرض؛ هلاّ جعل بابها مناسباً لها في السّعة كيما يدخلها الجرّاح وفيلقه من غير جلبة؟! وهل خلت الجنّة ممّا تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، حتّى يحمل الجرّاح وأصحابه أثقال دنياهم يستعينوا بها في حياتهم الجديدة؟! ثمّ كيف وصل ذلك الحطام إلى الجنّة - الّتي لم تفتّح أبوابها بعد، وإنّما ما بعد البعث - أتراه قد دفن معهم؟!

ضيغم يزور الله

ومن وحي روحه قال: «لما ماتت رابعة، رأتها امرأة فقالت: ما فعل أبو مالك؛ تعني ضيغماً؟ فقالت: يزور الله تبارك وتعالى متى شاء. (٢)

ضيوف الرّحمن

وقال ابن القيّم: وكان شعبة (٣) بن الحجّاج، ومسعر (٤) بن كدام، حافظين جليلين. قال أبو أحمد البريديّ: فرأيتهما بعد موتهما، فقلت: أبا بسطام، ما فعل الله بك؟ فقال: وفّقك الله

____________________

خيّاط ٥٦٦؛ المعارف ٤٧٢؛ حلية الأولياء ٥: ١٧٠؛ وفيات الأعيان ٢: ٦٠؛ شذرات الذّهب ١: ١٤٥؛ تهذيب التهذيب لابن حجر ٣: ٢٦٥؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ٤: ٢٤٩؛ تهذيب الكمال ٩: ١٥١.

(١) الرّوح: ٣٤.

(٢) نفس المصدر ٣٥.

(٣) شعبة بن الحجّاج بن الورد، أبو بسطام العتكيّ، مولاهم. واسطيّ الأصل بصريّ الدّار. ولد سنة ثلاث وسبعين، ومات سنة ستّين ومائة. قال أحمد بن حنبل: كان شعبة أمّة وحده في هذا الشأن - يعني علم الرّجال - وبصره في الحديث وتثبّته، وتنقيته للرّجال، وكان شاعراً. قال يزيد بن زريع: قدم علينا شعبة البصرة ورأيه رأي سوءٍ خبيث، يعني الترفّض! فما زلنا به حتّى ترك قوله وصار معنا. تاريخ بغداد ٩: ٢٥٥ - ٢٦٦.

(٤) مسعر بن كدام الهلاليّ العامريّ، أبو سلمة الكوفيّ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٤٦١؛ طبقات ابن سعد ٦: ٣٦٤؛ حلية الأولياء ٧: ٢١٠.وكان السليمانيّ يقول: كان من المرجئة (الميزان للذهبي جـ ٤، رقم ٨٤٧٠).

١٤٦

لحفظ ما أقول:

حباني إلهي في الجنان بقبّة

لها ألف باب من لجين وجوهراً

وقال لي الرّحمن: يا شعبة الّذي

تبحّر في جمع العلوم فأكثرا

تنعّم بقربي، إنّني عنك ذو رضى

وعن عبدي القّوام في اللّيل مسعرا

كفى مسعراً عزّاً بأن سيزورني

وأكشف عن وجهي الكريم لينظرا

وهذا فعالي بالّذين تنسّكوا

ولم يألفوا في سالف الدّهر منكرا (١)

إذا كان شعبة قد نال قصب السّبق هذا لعلمه ولتركه الترفّض فصار من القوم، فما بال مسعر يتنعّم بنفس الحظوة، وهو من المرجئة؟!

ويجد المطالع والباحث في أصول ومعتقدات ومؤلّفات ابن القيّم إصراراً واضحاً على الأخذ بمبدأ التجسيم والتشبيه والرؤية، ولذا أين وجد ضالّته المنشودة في هذا الباب: عند شعبة أو مسعر أو غيرهما، إلاّ وجمعه من غير رويّة!

مناقب إبراهيم (٢) بن أدهم

ذكروا لإبراهيم بن أدهم كرامات ومناقب، كلّ واحدة منها تبزّ رواة ردّ الشّمس ويباريهم في حقل التحدّي! وتصكّ الآذان وتقرع القلوب فتأخذ بمجامعها؛ فأيّها أوقع في النّفوس وأبلغ: رواية الرّوافض أم هذا الحقل اليانع من فواضل ابن أدهم الزّاهي؟!

____________________

(١) الروح: ٤٠.

(٢) إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجليّ، وقيل: التّميميّ، أبو إسحاق البلخيّ. هرب من أبي مسلم الخراسانيّ فجاء إلى الشّام. قال خلف بن تميم: سألت إبراهيم بن أدهم: منذكم قدمت الشّام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة، وما جئت لرباط ولالجهاد. فقلت: لم جئت؟ قال: جئت أشبع من خبز الحلال.

روى عن سفيان الثّوري، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجّاج، والأوزاعيّ، ومقاتل، ومنصور بن المعتمر، وموسى بن عقبة. وروى عنه: سفيان الثّوريّ، وهو من أقرانه، والأوزاعيّ، وقطن بن صالح الدّمشقيّ. قال في الميزان ٣: ٣٩١: أحد الكذّابين ومات إبراهيم بن أدهم سنة ١٦٢. حلية الأولياء ٧: ٣٦٧؛ معجم البلدان لياقوت ٣: ١٩٦؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٢: ٢٧ - ٣٧؛ والوافي بالوفيات للصّفديّ ٥: ٣١٨.

١٤٧

مائده المسيح

قال عديّ الصيّاد - من أهل جبلة -: سمعت يزيد بن قيس، يحلف بالله أنّه كان ينظر إلى إبراهيم بن أدهم، وهو على شطّ البحر في وقت الإفطار، فيرى مائدة توضع بين يديه لا يدري من وضعها، ثمّ يراه يقوم فينصرف حتّى يدخل جبلة وما معه شيء (١) !

هنيئاً للزهّاد أن تخدمهم ملائكة الرّحمن بموائد الجنان في الدّنيا ولهم في الآخرة مزيد، في حين يظلّ عليّ وآله ثلاثة أيّام سغباً خمص البطون لا يفطرون إلاّ على الماء، فهلاّ نزلت عليهم مائدة ابن أدهم؟!

أبو قبيس في طاعة ابن أدهم

كنّا نقرأ في كتب التاريخ والسّيرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقف على جبل أحد، ومعه أبو بكر، وعثمان، فتحرّك الجبل، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكن فما عليك إلاّ نبيّ وصدّيق وشهيد، فسكن الجبل. ولم يدر في خلدنا ولا طرأ في خلجات خواطرنا أن يرث أحد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كراماته ومعاجزه، مثلما لم يرثه أحد في تركته، ولأجله كذّبوا بضعته الطّاهرة الزّهراء عليها‌السلام في دعواها بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وهبها «فدكاً». إلاّ أنّ إبراهيم بن أدهم وأمثاله من المتزهّدين قد آتاهم الله تعالى من الفضل أنّهم ورثة الأنبياء. فالجبل والبحر دائبان في طاعة ابن أدهم.

قال عيسى بن حازم: حدّثني إبراهيم بن أدهم، قال: لو أنّ مؤمناً قال لذاك الجبل زل لزال. قال فتحرّك أبو قبيس، فقال: اسكن، إنّي لم أعنك. قال: فسكن. (٢)

البحر مسخّر لابن أدهم

قال خلف بن تميم: كان إبراهيم بن أدهم في البحر، فعصفت الرّيح واشتدّت، وإبراهيم

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٣.

(٢) نفس المصدر ٨: ٤.

١٤٨

ملفوف في كسائه، فقال له رجل: يا هذا! ما ترى ما نحن فيه من هذا الهول، وأنت نائم في كسائك؟! قال: فكشف إبراهيم رأسه ثمّ رفع رأسه إلى السّماء، فقال: اللّهمّ قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. قال: فسكن البحر حتّى صار كالدّهن. (١)

ملك الغاب

قال خلف بن تميم: كنّا مع إبراهيم بن أدهم في سفر له، فأتاه النّاس فقالوا: إنّ الأسد قد وقف على طريقنا. قال: فأتاه، فقال: يا أبا الحارث! إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإن لم تكن أمرت فينا بشيء فتنحّ عن طريقنا. قال: فمضى وهو يهمهم. (٢)

إنّ الجبل له أذن واعية، يسمع كلام ابن أدهم فيزول من مكانه ويعود إليه بدعائه! والأسد يفهم كلام هذا الرّجل فيتنحّى بعيداً، والله تعالى يجيب دعائه، فيسكن البحر بعد هيجانه وتهدأ الرّيح من بعد عصف شديد، وتنزل عليه مائدة من السّماء لتكون عيداً له ولمن سلك سبيله. لكن إذا دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الله تعالى ليحبس الشّمس أو يردّها من بعد مغيب فهذا ممّا لا يعقل، وإن هذا إلاّ اختلاق!

غاية الزهد

ما أكثر قصص انقلاب الأشياء وتحوّلها إلى اُخر، تكريماً لفلان أو فلان، بما يقضي حاجته، وربّما حدثت معجزة في صدق سيرته.

قال عيسى بن حازم: إنّ إبراهيم بن أدهم خرج في غزاة، فحدّثته نفسه أن يقترض من أحد أصحابه، ثمّ ناب إلى الله واعتذر وطلب حاجته منه سبحانه، فإذا أربعمائة دينار، فتناول منها ديناراً فقط. (٣)

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٥.

(٢) نفس المصدر ٨: ٤.

(٣) نفس المصدر ٨: ٦.

١٤٩

البلّوط يصير رطباً

قال محمّد بن منصور الطّوسيّ: حدّثنا أبو النضر، قال: كان إبراهيم بن أدهم يأخذ الرّطب من شجرة البلّوط. (١)

ومن قبل، أوحى سبحانه إلى مريم عليها‌السلام أن تهزّ جذع النّخلة فتساقط عليها الرّطب جنيّاً، فأكلت مريّاً!

كرامة معلّم الغناء

يبدو أنّ لأصحاب الرذائل منازل وفواضل كما هو للأتقياء والأفاضل! فهذا مثلاً الماجشون (٢) الّذي لا حظّ له من العلم إلاّ أنّه كان معلّماً للغناء، واتّخاذ القيان.

أمّا الكرامة الّتي أثبتوها للماجشون فهي من جنس ذلك الهذيان والغثيان الذي شاع في تلك العهود، ولا تسيغها أذن إلاّ من فم قينة على ضرب طبل وعود!

____________________

(١) حلية الأولياء ٨: ٣.

(٢) أبو يوسف يعقوب بن أبي سلمة، واسم أبي سلمة: دينار، وقيل ميمون. ويلقّب: الماجشون، القرشيّ التّيميّ، مولى آل المنكدر. سمع عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعمر بن عبد العزيز، ومحمّد بن المنكدر، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبا هريرة. روى عنه ابناه: عبد العزيز، ويوسف، وابن أخيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة. مات سنة أربع وستّين ومائة. قال مصعب الزّبيريّ إنّما سمّي الماجشون للونه. وقال البخاريّ: الماجشون بالفارسيّة: المورّد.

قال مصعب: وكان يعلّم الغناء ويتّخذ القيان ظاهراً أمره في ذلك. وكان يجالس عروة بن الزّبير، وعمر بن عبد العزيز في إمرته. وكان الماجشون أوّل من علّم الغناء من أهل المروءة بالمدينة، وكان يكون مع عمر بن عبد العزيز في ولاية عمر على المدينة، وكان يأنس إليه. وكان الماجشون يعين ربيعة على أبي الزّناد، لأنّ أبا الزّناد يعادي ربيعة.

وكان أبو الزناد يقول: مثلي ومثل الماجشون مثل ذئب كان يلحّ على أهل قرية فيأكل صبيانهم، فاجتمعوا له وخرجوا في طلبه، فهرب منهم وانقطع عنهم، إلاّ صاحب فخّار، فإنّه ألحّ في طلبه، فوقف له الذئب، فقال: هؤلاء أعذرهم، فأنت مالي ولك؟! ما كسرت لك فخّارةً قطّ. والماجشون ما كسرت له كبراً (أي طبلاً) ولا بربطاً (أي عوداً للغناء). وفيات الأعيان لابن خلّكان ٦: ٣٧٦؛ تاريخ الإسلام ٥: ١٩؛ سير أعلام النبلاء ٥: ٣٧٠؛ شذرات الذهب ١: ٢٥٩؛ تهذيب التهذيب ١١: ٣٨٩.

١٥٠

«أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة بالإسناد عن ابن الماجشون، قال: عرج بروح الماجشون، فوضعناه على سرير الغسل، فدخل غاسل إليه يغسّله فرأى عرقاً في أسفل قدمه يتحرّك، فأقبل علينا وقال: أرى عرقاً يتحرّك ولا أرى أن أعجّل عليه! فاعتللنا على النّاس بالأمر الّذي رأيناه وفي الغدجاء النّاس، وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله، فاعتذرنا إلى النّاس فمكث ثلاثاً على حاله والنّاس يتردّدون إليه ليصلّوا عليه، ثمّ استوى جالساً وقال: ايتوني بسويق، فأتي به فشربه فقلنا له: خبّرنا، ما رأيت؟ فقال: نعم عرج بروحي فصعد بي الملك، حتّى أتى سماء الدّنيا، فاستفتح ففتح له، ثمّ عرج هكذا في السّموات حتّى انتهى إلى السّماء السّابعة، فقيل له: من معك؟ قال: الماجشون. فقيل له: لم يأن له بعد، بقي من عمره كذا وكذا سنةً، وكذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعة ثمّ هبط فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الّذي معي: من هذا؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قلت: إنّه لقريب من رسول الله! فقال: إنّه عمل بالحقّ في زمن الجور، وإنّهما عملا بالحقّ في زمن الحقّ». (١)

ليس من إشكال أن ينال الماجشون هذه المنزلة الرفيعة والكرامة العظيمة جزاءً وثواباً للبرّ الّذي كان يقوم به والعمل الصالح الّذي ضرب به القدح المعلّى ألا وهو اقتناء القيان وتعليم أهل المروءة (كذا) الغناء والضرب بالعود والطنبور فلا عدم الشيطان أولياءً!

إلاّ أنّ الإشكال هو: هل إنّ ملك الموت مستقلّ في عمله وحركته، فاشتبه عليه أوان قبض روح الماجشون؟ أم إنّ الاشتباه من الآمر وهو الله؟! تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(١) نفس المصدر، ومرآة الجنان لليافعيّ ١: ٣٥١؛ تهذيب الكمال للمزيّ ٣٢: ٣٣٨، وقال: روى له مسلم، وأبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ. وله ترجمة في الكاشف للذهبيّ ٣: رقم ٦٤٩٩؛ الجرح والتعديل ٩ رقم ٨٦٣؛ تاريخ البخاريّ الكبير ٨ رقم ٣٤٤٧؛ طبقات خليفة ٤٦٧ وقال: الماجشون - بضمّ الجيم والشين.

١٥١

جيوش الخليفة تسير على صفحة الماء

تتكرّر أخبار الّذين يمطرون السّماء، وتعبر جيوشهم على صفحة الماء مثل سيرها على أديم الأرض المعبّدة. عن أبي هريرة، وأنس، قالا: «جهّز عمر بن الخطّاب جيشاً واستعمل عليهم العلاء (١) بن الحضرميّ، وكنت في غزاته، فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفّوا آثار الماء - أي درسوا آثار الماء ومحوها - والحرّ شديد، فجهدنا العطش ودوابّنا وذلك يوم الجمعة، فلمّا مالت الشّمس لغروبها صلّى بنا ركعتين، ثمّ مدّيده إلى السّماء، وما نرى في السّماء شيئاً، قال: فو الله ما حطّ يده حتّى بعث الله ريحاً وأنشأ سحاباً، وأفرغت حتّى ملأت الغدر والشّعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثمّ أتينا عدوّنا وقد جاوزوا خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم يا حليم يا كريم. ثمّ قال: أجيزوا باسم الله. قال: فأجزنان ما يبلّ الماء حوافر دوابّنا...» (٢) .

لا ينبئك مثل خبير، ولكن: لم القسم سواء من أبي هريرة خليفة الحضرميّ في ولاية البحرين، أو أنس وما أدراك ما أنس؟!، وكلاهما ثقة وأيّ ثقة! - وكفى بهما أن تغطّي أحاديثهما صفحة السّيرة والفقه لكثرتها الكاثرة. وإذا كان الحضرميّ مجاب الدّعوة حتّى يركم سحاباً ويمطره! ويخرج البحر عن طوره فتجتازه تلك الجموع بخيلها وجمالها وأحمالها، فلم لا تبتلّ حوافر دوابّهم كما بتلّت أجساد المجاهدين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدماء نحورهم وكسرت رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستجاب الله تعالى دعاء نبيّه فحقّق له النّصر

____________________

(١) العلاء بن الحضرميّ، من حضرموت؛ واسم الحضرميّ: عبد الله بن عباد، ويقال ابن عماد، وقيل غير ذلك؛ حليف بني أميّة. توفّي والياً على البحرين فاستعمل عمر بعده أبا هريرة.

أخته الصعبة بنت الحضرميّ، تزوّجها أبو سفيان وطلّقها فخلف عليها عبيد الله بن عثمان التيميّ، فولدت له طلحة بن عبيد الله التيميّ، قتله مروان بن الحكم يوم الجمل في عسكر عائشة! وأخو العلاء هو عامر بن الحضرميّ قتل يوم بدر كافراً، وأخوهما عمرو بن الحضرميّ أيضاً قتل مشركاً. الاستيعاب ٣: ١٤٦ - ١٤٧، الإصابة ٢: ٤٩٨؛ المحبّر لابن حبيب ١٢٦؛ طبقات خليفة ٤٢؛ طبقات ابن سعد ٤: ٣٥٩؛ أسد الغابة ٤: ٧٤ - ٧٥؛ سيرة ابن هشام ٢: ٢٧٥، ٣١١، ٣٦٥.

(٢) البداية والنهاية ٦: ١٥٥، وفي الاستيعاب، والإصابة، وأسد الغابة أوجزوا الخبر قالوا: خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها. قالوا: وكان مجاب الدّعوة.

١٥٢

ولكن بعد أن صدّق المسلمون الجهاد وقدّموا قرابين الشّهادة؟! اللّهمّ إلاّ أن يكون ابن الحضرميّ أفضل عند الله من نبيّه! فصدّقوا استجابة دعائه على نحو ما تقدّم، ولم يصدّقوا استجابة دعاء النّبيّ في حبس الشّمس!

قصّة أخرى

ورووا مثل ذلك عن سعد بن أبي وقّاص الذي نعتوه كذلك أنّه مجاب الدّعوة. قالوا: أرسل عمر بن الخطّاب جيشاً إلى مدائن كسرى، فلمّا بلغوا شاطئ الدّجلة لم يجدوا سفينةً، فقال سعد بن أبي وقّاص وهو أمير السريّة، وخالد بن الوليد: يا بحر! إنّك تجري بأمر الله، فبحرمة محمّد وعدل عمر إلاّ ما خلّيتنا والعبور. فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتلّ حوافرها (١) !

قد يكون تخلّف سعد بن ابي وقّاص عن بيعة امير المؤمنين عليّ عليه‌السلام عن اجتهاد منه، والمجتهد يخطئ ويصيب - كذا - وأنّه كان بعيداً عن مجلس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكن يسمع منه أحاديثه في منزلة عليّ عليه‌السلام وتفضيله وأنّه الوصيّ والخليفة بعده، ولم يحضر بيعة الغدير ولا سمع بها!. ولكن ما هذه الاثنينيّة: المستشفع: سعد أحد العشرة المبشّرة بالجنّة! وخالد صاحب البوائق وعلى رأسها قتله المسلمين من بني يربوع وفيهم مالكبن نويرة الصحابيّ الجليل، ودخوله بزوجة مالك عنوة في اللّيلة ذاتها! وكان عمر يطالب أبا بكر أن يوقع القصاص فيه فيمتنع اجتهاداً ببسالة خالد؛ وكان عليّ يقول لو أنّ لي سلطاناً لقتلت خالداً.

والمستشفع به: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمته عند الله سبحانه، وعدل عمر! ولا نعلّق هنا إلاّ نقول: أيجوز جعل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المعصوم سيّد ولد آدم مطلقاً، وعمر في كفّتي ميزان متعادلة!

وإذا جاز عندهم هذا، وجاز أن يجيب الله سبحانه بحقّهما دعاء سعد وخالد فيبطل مفعول الماء وطبيعته: وهي غرق من يدخل أعماقه ويبلّل ما يلامسه، فهلاّ استجاب سبحانه دعاء نبيّه في ردّ الشمس ليكون أحد معاجزه وكرامةً لوليّه؛ أم ينغضون رؤوسهم

____________________

(١) نزهة المجالس للصفّوريّ ٢: ١٩١.

١٥٣

عتوّاً واستكباراً!

كرامة أخرى لسعد

أخرج ابن الجوزيّ من طريق لبيبة، قال: دعا سعد فقال: يا ربّ إنّ لي بنين صغاراً فأخّر عنّي الموت حتّى يبلغوا، فأخّر عنه الموت عشرين سنة. (١)

ما أعظمها من كرامة لسعد إذ شبّ ابنه عمر بن سعد وبلغ مبلغ الرّجال ليأتمر بأمر يزيد ابن معاوية فيقود الجيش الذي قتل سبط النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته الحسين بن عليّ عليهما‌السلام وأهل بيته! ولا ندري هل يتحمّل سعد بعض وزر ابنه عمر هذا غداً يوم الحساب لدعائه المستجاب وما ترتّب عليه من جريمة شنعاء؟!

دلائل النّبوّة عند ابن كثير

ابن كثير أحد الأبناء الّذين زامنوا الفتن العاصفة فتأثّروا بها وأثّروا، وهم ابن حنبل، وابن الجوزيّ، وابن تيميّة، وابن القيّم، وابن كثير، وخاتمة العقد: ابن عبد الوهّاب التميميّ النّجديّ، وكلّهم يصدرون من مذهب واحد في العقيدة وأصول الدّين وفروعه.

أمعن ابن كثير في ذكر الأخبار الغريبة والشاذّة وأقام من بعضها دلائل على نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

روى ابن كثير عن أبي منظور أنّه قال: «لما فتح الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر، أصابه من سهمه حمار أسود، فكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحمار فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدّي ستّين حماراً كلّهم لم يركبهم إلاّ نبيّ، لم يبق من نسل جدّي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت أتوقّعك أن تركبني. قد كنت قبلك لرجل يهوديّ، وكنت أعثربه، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري. فقال له النّبيّ: سمّيتك يعفور، يا يعفور! قال: لبّيك. قال: أتشتهي الإناث؟

قال: لا. فكان النّبيّ يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرّجل، فيأتي الباب

____________________

(١) صفة الصفوة لابن الجوزيّ ١: ١٤٠.

١٥٤

فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدّار أومأ إليه أن أجب رسول الله. فلمّا قبض النّبيّ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التّيّهان فتردّى فيها فصارت قبره، جزعاً منه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (١)

ليس العجب في رفضهم ما بلغ التواتر حتّى أصبح حقيقةً مسلّماً بها، إنّما العجب تصديقهم وتناقلهم لمثل هذه الترّهات التافهة، فهل هو قصد متعمّد للانتقاص من مقام النّبوّة وفتح باب لكلّ عدوٍّ وجاهل ينفذان منه لخوض الجدال والتشكيك، أم ران على أفئدة فهم لا يفقهون؟!

كرامة شيبان

وذكر ابن كثير كرامةً لرجل سمّاه شيبان ومن كرامته أنّ الله تعالى استجاب له دعاءه فأحيا له حماره الميّت. «روى إبراهيم الحربيّ - صاحب أحمد بن حنبل - من طريق مجالد عن الشعبيّ، قال: خرج رجل من النّخع يقال له: شيبان، في جيش على حمار له في زمن عمر، فوقع الحمار ميّتاً، فدعاه أصحاب ليحملوه ومتاعه فامتنع، فقام فتوضّأ ثمّ قام

____________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ٦: ١٥٠. ولم أجد له ذكراً في كتب السّيرة المعتبرة مثل سيرة ابن اسحاق. وغاية ما ذكر الطّبريّ في تاريخه ٢: ٤٢٢ - ذكر أسماء بغال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله - قال: وحماره يعفور أهداه له المقوقس، وكذلك في مختصر تاريخ دمشق ٢: ٢٥٥. ولم أجد فيما حضرني من مصادر شيئاً يركن إليه في ترجمة «أبي منظور» فإنّ كتب النّسب المعتمدة القديمة مثل «جمهرة النّسب للكلبيّ» و «طبقات خليفة بن خيّاط» و «المحبّر» لابن حبيب، و «كتاب النّسب» لابن سلام، تسكت عنه تماماً. في حين تذكره بعض المصادر على نحو يؤكّد كذب الرواية. ذكر ابن حجر في الإصابة ٤: ١٨٦، قال: «أبو منظور» غير منسوب جاء ذكره في خبر واه أورده أبو موسى من طريق أبي حذيفة عبد الله بن حبيب الهذليّ، عن أبي عبد الله السلميّ، عن أبي منظور قال: لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أظنّه - خيبر أصاب حماراً أسود فكلّمه فتكلّم فقال: ما اسمك؟ قال: يزيد ابن شهاب.. فذكر الحديث بطوله وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه يعفوراً، قال أبو موسى بعد تخريجه: هذا حديث منكر جدّاً إسناداً ومتناً لا أحلّ لأحد أن يرويه عنّي إلاّ مع كلامي عليه، ومثله في أسد الغابة ٦: ٣٠٤. إنّ الحديث ساقط من ناحية السند فكلّ رجاله مجهولون لا ترجمة لهم ولا وجود! وأحسنهم حالاً «أبو منظور» إذ ذكروه ولكنّه غير منسوب وليس له حديث غير هذا! ولم يسلم إلاّ أبو موسى الّذي أورده، ولكنّه ضعّف الحديث ووصفه على ما سمعناه، مع اضطراب متنه. إلاّ أنّ ابن كثير أطلقه وأطال، فلماذا؟!

١٥٥

عند رأسه فقال: اللّهمّ إنّي أسلمت لك طائعاً، وهاجرت في سبيلك مختاراً ابتغاء مرضاتك، وإنّ حماري كان يعينني ويكفيني عن النّاس، فقوّني به ولا تجعل لأحد عليّ منّة غيرك. فنفض الحمار رأسه وقام فشدّ عليه ولحق بأصحابه» (١) .

لا نكذّب ابنكثير ولا غيره ممّن أثبتوا هذه الحادثة، وذلك من خلال الاعتراض على هذا الولع الشديد عند شيبان بحماره، وتعفّفه المفرط عن أن يكون رديف اصحابه وقد خرج معهم غازياً، ولكن مثلما استجاب الله تعالى له دعاءه فأحيا له حماره، فما وجه الغرابة في عودة الشّمس كرامةً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! أم أنّ شيبان هذا أعظم عند الله منزلةً من نبيّه؟!

كرامة معاوية

عن أبي الفتح القوّاس (٢) «أنّه وجد في كتبه جزءاً له في فضائل معاوية وقد قرضته الفأرة، فدعا الله تعالى على الفأرة الّتي قرضته فسقطت من السّقف، ولم تزل تضطرب حتّى ماتت» (٣) !

لم يثبت عندنا صحّة إسلام معاوية بن أبي سفيان، ولا أبيه أبي سفيان؛ إنّما هو الفتح المبين وتحرير بيت الله الحرام من آسار الوثنيّة والشّرك وتحطيم الأصنام، فتحطّمت بذلك العزّة الوهميّة لطواغيت قريش، وعلى رأسهم أبو سفيان الّذي أخذ له العبّاس بن عبد المطّلب أماناً من النّبيّ، وحتّى اللحظة الحرجة هذه فإنّه أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سأله: تشهد أنّي رسول الله؟ قال: أمّا هذه فمنها في القلب شيء!

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى أبا سفيان يقوده ابنه، لعنهما وحذّر ممّا سيكون منهما.

____________________

(١) البداية والنهاية ٦: ١٥٣؛ الإصابة ٢: ١٦٩.

(٢) ترجم له الخطيب البغداديّ في تاريخه، قال: يوسف بن عمر بن مسرور، أبو الفتح القوّاس. سمع البغويّ، وأبابكر بن أبي داود، ومحمّد بن يوسف القاضي وتوفّي سنة ٣٨٥، وحمل إلى قبر أحمد بن حنبل. وكان ثقة صالحاً مأموناً صادقاً زاهداً مستجاب الدّعوة، من الأبدال! قال الدار قطنيّ: كنّا نتبرّك بأبي الفتح القوّاس وهو صبيّ! تاريخ بغداد ١٤: ٣٢٥ - ٣٢٧.

(٣) تاريخ بغداد ١٤: ٣٢٧.

١٥٦

ولم يثبت لمعاوية فضيلة إلاّ دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: «لا أشبع الله بطنه»! فكان يأكل ولا يشبع. وكان كريماً بالمال بخيلاً بالطّعام يقعد بطنه على فخذيه وفضيلة اُخرى هي خذلانه لعثمان ثمّ خروجه مطالباً بدمه؛ فكانت وقعة صفّين، وما أدراك ما صفّين؟! ومن فضائله: سنّته في سبّ امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وجعل ذلك متمّماً للصّلاة وخطبتها! وقتله الصّالحين مثل حجر بن عديّ الكنديّ وإخوانه ممّا أوجر عليه قلوب أمّهات المسلمين! وتنصيبه ابنه يزيد وليّاً للعهد مع معرفته بحاله. وشتم عليّ عليه‌السلام شتم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ثمّ شتم لله تعالى، كما في أحاديث النّبيّ، ولأنّ عليّاً نفس رسول الله، كما في آية المباهلة وحديث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ومن أين علم القوّاس أنّ الفأرة هي سبب تلف تلك الأوراق العزيزة؟! وهل هلاك الفأرة كرامة لمعاوية أم للقوّاس؟

معاجز يهوديّ!

عن الأوزاعيّ (١) ، قال: أردت بيت المقدس فرافقت يهوديّاً، فلمّا صرنا إلى طبرية نزل فاستخرج ضفدعاً، فشدّ في عنقه خيطاً فصار خنزيراً! فقال: أذهب فأبيعه من هؤلاء النّصارى، فذهب فباعه وجاء بطعام. فركبنا فما سرنا غير بعيد حتّى جاء القوم في الطّلب، فقال لي: أحسبه صار ضفدعاً في أيديهم! قال: فحانت منّي التفاتة فإذا بدنه ناحية ورأسه ناحية. قال فوقفت فجاء القوم فلمّا نظروا إليه فزعوا من السّلطان ورجعوا عنه. قال تقول لي الرأس: رجعوا؟ قال قلت: نعم، قال فالتأم الرأس إلى البدن وركبنا وركب. قال: فقلت:

____________________

(١) عبد الرّحمن بن عمرو يحمد الشّامي روى عن عطاء، وعكرمة، وابن سيرين، والأعمش، وابن حزم، ومكحول الشاميّ، ونافع مولى ابن عمر، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ. روى عنه: سفيان الثّوريّ، وشعبة ابن الحجّاج، وعبد الله بن المبارك، ووكيع، والطّبرانيّ، ويحيى القطّان. ولد سنة ٨٨، وكان مكتبه باليمامة، فلذلك سمع من مشايخ أهل اليمامة، وسكن الشّام ومات سنة ١٥٧. عن عبد الرّحمن بن مهدي: الأئمّة في الحديث أربعة: الأوزاعيّ، ومالك، وسفيان الثّوريّ، وحمّاد بن زيد، طبقات ابن سعد ٧: ٤٨٨؛ تهذيب الكمال ١٧: ٣٠٧؛ طبقات خليفة ٣١٥؛ حلية الأولياء ٦: ١٣٥؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ٦: ٢٢٥؛ وفيات الأعيان ٣: ١٢٧.

١٥٧

لا رافقتك أبداً، اذهب عنّي!» (١) .

هذا هو إمام الحديث: الأوزاعيّ - ولم يكن رافضيّاً - يروي مثل هذه الحكاية!

لعلّ في صحبة الأوزاعيّ لليهوديّ أمراً ليس من شأننا ولا نستطيع استقصاءه؛ فقد يكون لإقامة الدليل له على صحّة الإسلام أو لاتخاذه دليلاً له يوصله إلى بيت المقدس! ولكن ما هذا الّذي ذكره من سلوك صاحبه - اليهوديّ - والذي يرقى إلى معاجز نبيّ الله موسى عليه‌السلام ؟!

معاجز القاسطين

وإذا كان للأولياء من عظيم الشأن عند الله تعالى، فيمطر السماء استجابةً منه سبحانه لدعاء فلان الوليّ، ويجمع ضفتى النهر لوليّه فلان ليعبره من غير عناء... فما بال النّواصب الخوارج لهم من تلكم الرفعة وأعظم؟!

معاجز أبي مسلم (٢) الخولانيّ: جنديّ في عسكر معاوية بن أبي سفيان، ورسوله في حرب صفّين إلى امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فلمّا قطعه امير المؤمنين بالحجّة البالغة، خرج وهو يقول: «الآن طاب الضِّراب»!

فهل كرامات هذا الخارجيّ النّاصبيّ القاسط والّتي تبلغ المعجز، من مبالغته في

____________________

(١) تاريخ بغداد ٦: ٢٩٥.

(٢) اسمه عبد الله بن ثوب، ويقال: ابن ثوّاب...، ويقال: ابن عوف، ويقال: ابن مشكم، ويقال: اسمه يعقوب ابن عوف. الاستيعاب ٤: ١٩٢؛ أسد الغابة ٦: ٢٨٨؛ طبقات ابن سعد ٧: ٤٤٨؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠ - ٢٩٣ أدرك الجاهلية ولم يلق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولقي أبا بكر، فعداده في التّابعين، يعدّ في أهل الشّام. روى عن عمر ابن الخطّاب، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي عبيدة بن الجرّاح، وأبي مسلم الجليليّ معلّم كعب الأحبار؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠. روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وشرحبيل بن مسلم الخولانيّ، وعبد الله بن عروة بن الزّبير، وعطاء الخراسانيّ، وعطاء بن أبي رباح، ومكحول الشّاميّ، وأبو العالية الرّياحيّ وأبو عثمان الخولانيّ؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩٠ - ٢٩١.

قال: «روى له الجماعة سوى البخاريّ»؛ تهذيب الكمال ٣٤: ٢٩١. مات الخولانيّ أيّام يزيد بن معاوية. له حديث حسّنه التّرمذيّ، وقال صحيح: ٠ قال الله تعالى: المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النّبيّون والشّهداء»؛ الترمذي ٢٣٩٠ ولا ندري لم يغبطهم الأنبياء وهم دليل الهداية لهذه المحبّة!

١٥٨

النّصيحة لابن آكلة الأكباد وقتاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟!

روى إسماعيل بن عيّاش، عن شرحبيل بن مسلم الخولانيّ: إنّ الأسود العنسيّ أخذ أبا مسلم الخولانيّ فألقاه في نار عظيمة فلم تضرّه! فأتى أبو مسلم المدينة فبصر به عمر بن الخطّاب فاعتنقه وبكى، ثمّ ذهب به إلى أبي بكر وأجلسه بينهما، وقال: الحمد لله الّذي لم يمتني حتّى أراني في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله». (١)

إنّ نجاة الخولانيّ من النّار تعطيل لسنّة الله تعالى، إذ من طبيعتها إحراق الأشياء من غير مائز؛ أمّا نجاة إبراهيم النّبيّ عليه‌السلام من نار طاغية زمانه «نمرود»، فإنّما هي كرامة لنبيّ من أولي العزم وتثبيت لنبوّته؛ ولم يكن الخولانيّ نبيّاً تصدّق نبوّته المعجزة، ولم يستقم حاله فتكون هذه الكرامة المعجز توكيداً لحرمة المؤمن!

الخولانيّ يخوض دجلة

وأحاديث القوم في كرامات الرّجال كثيرة، تبدأ على وجه البسيطة وتحلّق في الآفاق البعيدة، وفي الأضداد: في فيح النّار ولهيبها، وعلى سطح الماء ونسيمه، وفيهم من يخوض بدابّته الماء الهادر فتخوضه معه الرّجال، وذلك بفضل كرامته ودعائه. ومنهم من يعبّد لجيشه اللّجب وجه البحر فيحيله طريقاً مهيعاً.! قالوا: «أتى أبو مسلم الخولانيّ يوماً على دجلة، وهي ترمي بالخشب من مدّها، فوقف عليها ثمّ حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثمّ نهر دابّته فخاضت الماء، وتبعه النّاس حتّى قطعوا». (٢)

ولا نعظم على ابن عساكر ذكره هذه الكرامة لأبي مسلم الخولانيّ، وقد ذكر له ما هو أعظم! في خبر: «كان أبو مسلم الخولانيّ بيده سبحة يسبّح بها، فنام والسبحة بيده فاستدارت والتفّت على ذراعه وجعلت تسبّح، وهي تقول: سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثّبات» (٣) .

____________________

(١) البداية والنهاية ٨: ١٤٦؛ شذرات الذهب ١: ٧٠؛ الاستيعاب ٤: ١٩٤ وقد شكك به!

(٢) تاريخ دمشق لابن عساكر ٧: ٣١٧.

(٣) نفس المصدر ٧: ٣١٨.

١٥٩

لقد ذكروا في معاجز نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : تسبيح الحصى في كفّه الشريفة. إلاّ أنّ أيادي السّوء امتدّت لتقلب هذه الحقيقة، وتنكر أخرى وتجرّ ثالثةً فتجعل وقوعها وحدوثها كرامة لفئة أو شخص ما؛ عصبيّةً عمياء وربّما لأمر آخر!

وهكذا تعاملوا مع خبر تسبيح الحصى، وليتهم قرنوها بمعجزة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلاّ أنّهم جعلوها خاصّة بهذا الخارجيّ الأمويّ!

ردّ البصر لابن حرب:

«كان سماك بن حرب قد ذهب بصره، فرأى إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه، وقال: اذهب إلى الفرات فتنغمس فيه ثلاثاً. ففعل فأبصر». (١)

____________________

(١) الرّوح: ٢٥٨، جاء في ترجمة سماك: سماك بن حرب بن أوس الذّهليّ. مات سنة ثلاث وعشرين ومائة. رأى المغيرة بن شعبة. وروى عن أخيه إبراهيم بن حرب، وأنس بن مالك، والنّعمان بن بشير، والضّحاك ابن قيس، وعبد الله بن الزّبير بن العوّام، ومصعب بن سعد بن أبي وقّاص، والحسن البصريّ، وطارق بن شهاب، وعامر الشّعبيّ. روى عنه سفيان الثّوريّ، وشريك القاضي، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجّاج، وأبو عوانة، وحمّاد بن سلمة. تاريخ بغداد ٩: ٢١٤؛ الطبقات الكبرى لابن سعد ٦: ٣٢٣؛ أنساب السمعانيّ ٦: ٣٠؛ الكامل في التاريخ ٥: ٢٧٥؛ سير أعلام النبلاء ٥: ٢٤٥؛ تاريخ الإسلام ٥: ٨٤؛ تهذيب التهذيب ٤: ٢٣٢؛ شذرات الذّهب ١: ١٦١؛ تهذيب الكمال ١٢: ١١٥؛ طبقات خليفة ١٦١؛ التاريخ الكبير للبخاريّ ٤ ترجمة ٢٣٨٢، العبر ١: ٢٣٦.

وأخباره مضطربة. عن حمّاد بن سلمة عن سماك، قال: أدركت ثمانين من أصحاب النّبيّ! تاريخ بغداد ٩: ٢١٤. ومثله في: الجرح والتعديل: ٤ ترجمة ١٢٠٣؛ تاريخ البخاريّ، وتهذيب الكمال: ١١٨، وفيه: وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله فردّ عليّ بصري.

وقال فيه أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث. الجرح والتعديل ٤ ترجمة ١٢٠٣؛ تهذيب الكمال ١٢: ١١٩ وقال عبد الرّحمن بن يوسف بن خراش: في حديثه لين. تاريخ بغداد ٩: ٢١٦؛ تهذيب الكمال ١٢: ٢١. وقال زكريّا بن عديّ، عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث، تهذيب الكمال ١٢: ١٢١. وقال يعقوب بن شيبة: قلت لعليّ بن المدينيّ: رواية سماك عن عكرمة؟ فقال: مضطربة: تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠.

وقال صالح بن محمّد البغداديّ: يضعّف. تاريخ بغداد ٩: ٢١٦؛ تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠. وقال النّسائيّ: ليس به بأس، وفي حديثه شيء؛ تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠.وفي الهامش قال: ونقل مغلطاي وابن حجر عن =

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وروى أبوبصير(١) اشتراط الامن من الآفة في بيع الثمرة، وهو على الندب.

وروى سماعة(٢) جواز بيع الثمرة قبل خروج طلعها مع الصميمة، وهو متروك. ويجوز بيع الكلا المملوك، وليس لمشتريه بيع ما اشتراه بشرط الرعي مع المشتري. ويجوز بأكثر، ولو كان قد عمل فيه جاز، والظاهر أنه على الكراهية، مع أن الراوي سماعة. نعم يشترط تقدير ما يرعاه بما يرفع الجهالة. ولو أعطى الزارع نصف بزره ونصف نفقته على الشركة جاز، ويكون بيعا إن كان قد ظهر، وإلا صلحا.

(٢٥١) درس في النزاع والاقالة

إطلاق الكيل والوزن يحمل على المتعارف في بلد العقد، فإن تعدد فالاغلب، فإن تساويا وجب التعيين فيبطل بدونه، ولو عينا غير المتعارف لزم. والبحث في النقد كذلك. ولو تنازعا في النقد المعين تحالفا، ولو ادعى أحدهما النقد الغالب قيل: يرجح. ولو تنازعا في قدر الثمن حلف البائع مع بقاء المبيع، والمشتري مع تلفه على الاشهر، ونقل الاجماع عليه في الخلاف(٣) ، والرواية(٤) مرسلة، وقال ابن

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب بيع الثمار ح ١٢ ج ١٣ ص ٥.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواببيع الثمار ح ١ ج ١٣ ص ٩.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ٦٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب أحكام العقود ح ١ ج ١٢ ص ٣٨٣.

٢٤١

الجنيد(١) : يحلف المشتري إن كانت في يده أو أحدث فيه حدثا، ويحلف البائع إن كان في يده، ويتخير المشتري بين الاخذ به أو الترك، وقال الحلبي(٤) : يتحالفان إن تنازعا في البيع أو الثمن قبل التقابض ويفسد البيع، ولم يتعرض لما بعد القبض، وقال ابن إدريس(٣) : يحلف صاحب اليد، واحتمل الفاضل(٤) التحالف مطلقا، وحلف المشتري مطلقا، وهما نادران.

ولو تنازعا في قدر المبيع حلف البائع، وفي تعيينه يتحالفان، وكذا في تعيين الثمن المعين أو في جنسه أو في تعيين العوضين، كقوله بعتك العبد بالدار فيقول بعتني الجارية بالبستان.

وعليها يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله(٥) إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادا.

واختلاف الورثة كالمتبائعين، وربما قيل: يحلف ورثة البائع في المبيع وورثة المشتري في الثمن، جريا على قاعدة تقديم المنكر، وقصرا للرواية على موردها.

فروع:

الاول: لو تخالفا في زمان الخيار المشترك تحالفا، ويحتمل العدم، لانهما يملكان الفسخ، والوجه الاول مالم يفسخ أحدهما.

والغرض من اليمين نكول الكاذب ودوام العقد بإحلاف الصادق، فإن

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٩٥.

(٢) الكافي في الفقه: ص ٣٥٥.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٨٣.

(٤) قواعد الاحكام: ج ١ ص ١٥٤.

(٥) سنن البيهقي: ج ٥ ص ٣٣٣.

٢٤٢

حلفا فالفسخ أمر ضروري شرع، لتعذر امضاء العقد.

وعليه يتفرع التحالف في عقد المضاربة، ويجري التحالف في سائر العقود الجارية على هذا النمط.

الثاني: البادي باليمين من يتفقان عليه، فإن اختلفا عين الحاكم، ثم يحلف(١) على النفي خاصة، فإن نكل أحدهما حلف الآخر على الاثبات، ولو جمع بين النفي والاثبات في اليمين فالاقرب منعه، لان موضع الاثبات بعد النكول، ولو نكلا عن اليمين فكحلفهما.

الثالث: إذا حلفا أو نكلا احتمل أن ينفسخ العقد، إذ امضاؤه على وفق اليمين متعذر، وعلى وفق أحدهما تحكم، ويحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان أو أحدهما، أو يرضى أحدهما بدعوى الآخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما وامتنعا من فسخه، لئلا يطول النزاع.

وعلى الانفساخ ينفسخ من حينه لا من أصله، فالنماء لمن كان مالكا، وعلى الفسخ من حين إنشائه، ثم إن تقاربا على الفسخ أو فسخه الحاكم إنفسخ ظاهرا وباطنا، وإن بدر أحدهما، فإن كان المحق فكذلك، وإلا انفسخ ظاهرا.

الرابع: في منع كل منهما من التصرف فيما وصل إليه بعد التنازع تردد، من قيام الملك، وتوقع زواله فهو كالزائل، وأولى بعدم الجواز بعد التحالف لتأكد سبب الزوال، ولو قلنا بالانفساخ منع قطعا.

الخامس: لو تحالفا بعد هلاك العين ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على الاقرب.

ولو عابت فأرشها ولو أبق فالقيمة للحيلولة، ثم يترادان إذا عاد، وإن رهن أو آجر أو كوتب فالعقود باقية، وينتقل إلى القيمة في المكاتبة، وفي الرهن والاجارة وجهان، مبنيان على الحمل على الكتابة أو الاباق.

ولو رضي صاحب العين بتأخير الاخذ إلى فك الرهن أو فراغ الاجارة

____________________

(١) في (ق): ثم الحلف.

٢٤٣

احتمل إجابته، إن تسلم العين وأسقط الضمان وجوزناه، وإلا لم يجب.

السادس: لو تنازعا في قدر الثمن بعد الاقالة أو الفسخ بخيار حلف البائع.

السابع: لو تنازعا في النقد والنسيئة أو قدر الاجل أو اشتراط رهن أو ضمين على المبيع أو الثمن حلف المنكر.

الثامن: لو تنازعا في الصحة والفساد حلف مدعي الصحة، ولو ادعى الصغر أو السفه أو الجنون وقد كان موصوفا بهما احتمل إحلافه، لانه أعرف، وإحلاف الآخر ترجيحا للصحة، ولو كان مدعي النقض الآخر فإحلاف مدعي الصحة هنا أوجه، كما لو قال المشتري للبائع بعتني في صغرك وادعى البائع البلوغ. وأما الاقاله فهي فسخ وليست بيعا في حق المتبائعين ولا غيرهما، سواء كانت قبل القبض أم لا، وسواء كان المبيع عقارا أم غيره، فلا يثبت بها شفعة ولا خيار المجلس، ويصح في الجميع والبعض وإن كان سلما، ومع قيام السلعة أو تلفها، ويغرم المثل أو القيمة. ولا تصح الاقالة بزيادة في الثمن أو نقص، ولا يسقط بها اجرة الدلال والكيال والوزان والناقد. وصورتها أن يقولا تقايلنا أو تفاسخنا أو أقلتك فيقبل الآخر، ولو التمس منه الاقالة فقال أقلتك ففي اعتبار قبول الملتمس هنا نظر، من قيام الالتماس مقامه، ومن عدم علمه بإجابته. نعم لو بدأه فقال أقلتك اعتبر قبول الآخر قطعا، وفي الاكتفاء بالقبول الفعلي هنا احتمال.

٢٤٤

كتاب السلف والسلم

٢٤٥

٢٤٦

وهو العقد على مضمون في الذمة، موصوف بمال معلوم، مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم.

وشرعيته إجماع، وآية الدين(١) نزلت فيه عند ابن عباس(٢) ، وعليه النص(٣) .

وصيغة الايجاب من السلم أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا إلى كذا، والقبول من المسلم إليه قبلت وشبهه، والايجاب من المسلم إليه بالبيع والتمليك أو أسلمت منك كذا، وينعقد البيع بلفظ السلم على الاقرب، ويلحق السلم أحكام البيع كلها(٤) .

ويختص بشروط ستة: الاول: ذكر الجنس، وهو اللفظ الدال على الحقيقة النوعية هنا كالحنطة والشعير، والوصف وهو الفارق بين أصناف ذلك النوع كالصرابة، والحداثة فيبطل السلم مع الاخلال بهما أو بأحدهما. ولو تعذر الوصف بطل أيضا كاللحم والخبز والنبل المنحوت، ولا يمنع مسيس النار من السلم إذا أمكن الوصف.

____________________

(١) البقرة: ٢٨٢.

(٢) تفسير ابن عباس: ص ٤٠.

(٣) صحيح البخاري: ج ٣ ص ١١١.

(٤) في باقي النسخ: بأسرها.

٢٤٧

والمعتبر الاوصاف التي يختلف الثمن بها بما لا يتغابن بمثله. ولا يجب الاستقصاء، فلو استقصى وأدى إلى عسر الوجود بطل، وإلا صح. ولا يشترط ذكر السلامة من العيب فإن الاطلاق يحمل عليه. نعم ذكره مستحب. ويكفي في كل وصف أقل مايطلق عليه، قيل: ويجب ذكر الجودة أو الرداء‌ة بالاجماع، وفيه نظر.

ولا يجوز اشتراط الاجود، أما الاردأ ففيه وجهان: من عدم الوقوف على غايته، ومن أن طلب أردى مما يحضر عيب، فيكفي فيه أن يكون في المرتبة الثانية من الردئ، وهذا القدر معلوم.

ويصح السلم في الحب والتمر واللبن والشحم والطيب والثوب والرقيق والذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس بنوعيه والحيوان واللآلي الصغار دون الكبار والياقوت والفيروزج الزبرجد، لعدم ضبطها، وعظم الاختلاف بإختلاف أوصافها، والاقرب جواز السلم في العقيق وشبهه من الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا. ويجوز السلم في الادوية البسيطة والمركبة إذا علم المتعاقدان بسائطها. وكذا في المختلطة المقصودة الاجزاء، كالعتابي من القطن والحرير والخز الذي فيه الحرير، ولو لم يعلم قدر الخليطين إذا كان ذلك عرفا مطردا، ولو اضطرب وجب معرفة قدرهما.

ولو كان الخليط غير مقصود كالانفحه في الجبن والماء في الخل لم يضر جهالته وإن كان خل الزبيب والتمر، لانه يتبين بذكر حموضة الخل وحدته ونفوده، وليس دهن الورد والبنفسج من المختلطة، لان تزويجه بالمجاورة.

ولنذكر مما يعم البلوى به ثلاثة عشر:

٢٤٨

أحدها: الرقيق، فيذكر فيه الذكورة والانوثة والنوع واللون والسن والقد كالطويل والقصير والربعة، ولو قدر(١) بالاشبار كالخمسة أو الستة احتمل المنع، لافضائه إلى العسر(٢) .

ويحتمل وجوب ذكر الكحل والدعج والزجج وتكلثم الوجه في الجارية وكونها خميصة ريانة اللمس ثقيلة الردف أو أضداد ذلك، لتفاوت الثمن به وعدم عزته. والاقرب وجوب تعيين البكارة أو الثيوبة في الامة، فلو أطلق بطل. ولا يشترط ذكر الملاحة، فلو ذكرها روعي العرف، ويحمل على أقل درجة، ويحتمل البطلان، لعدم إنضباطها فإن مرجعها إلى الاستحسان والشهرة المختلفين باختلاف الطباع.

ولا يجب التعرض لآحاد الاعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه، وربما أدى إلى عزة الوجود. وكذا لو شرط الولد مع الام المقصود بها التسري. ولو قصد بها الخدمة كالزنجية جاز، لقلة التفاوت، وأولى بالجواز اشتراط كونها حاملا، سواء كانت حسناء أو شوهاء، ومنع في المبسوط(٣) منه، لعدم إمكان ضبط ووصفه، ومنع ابن الجنيد(٤) من اشتراط الحمل في الحيوان كله، والوجه الجواز.

ولا يجب وصف الحمل، لانه تابع.

وثانيها: الابل، فيذكر السن كالثني والذكورة والانوثة، واللون كالاسود والاحمر، والصنف كالعرابي والبخاتي، والنتاج إذا كان معروفا عام الوجود كالعبادي.

وثالثها: الخيل، فيذكر الذكورة والانوثة والسن والنوع كالعربي والتركي،

____________________

(١) في (ق): قدره.

(٢) في باقي النسخ: العزة.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٦.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

٢٤٩

واللون، ولو ذكر السيئات كالاغر والمحجل واللطيم جاز وإن لم يجب ذكرها.

ورابعها: البقر والحمير، ويتعرض فيه للسن والنوع والذكورة والانوثة واللون والبلد.

وخامسها: الطير، ويتعرض فيه للنوع واللون، وكبر الجثة أو صغرها، لان سنها غير معلوم، وكل مايعلم سنه يرجع فيها إلى البينة، فإن فقدت فإلى السيد إن كان رقيقا صغيرا: وإلى الرقيق إن كان بالغا، فإن فقد فإلى ظن أهل الخبرة.

وسادسها: زوائد الحيوان، كاللبن واللبأ والسمن والزبد والرايب والصوف والشعر والوبر، فيتعرض في اللبن للنوع كالماعز والمرعى، وإن قصد به الجبن أو الكشك احتمل ذكر الزمان بالصفاء والغيم فإن لهما أثرا بينا في ذينك عند أهله، ويلزم عند الاطلاق حليب يومه وفي اللبأ ذلك ويزيد في اللون والطبخ أو عدمه.

وفي السمن النوع كالبقري واللون والحداثة أو العتاقة، وفي الجبن كل ذلك(١) والرطوبة واليبوسة، وكذا القريش والاقط، وربما وجب في القريش ذكر اليومي أو غيره، لتفاوته بذلك، وفي الزبد جميع ماتقدم، ويتعرض في الصوف والشعر والوبر للنوع والزمان والطول والقصر والنعومة والخشونة والذكورة والانوثة لو ظهر(٢) لهما تأثير في الثمن.

(٢٥٢) درس

وسابعها: الثياب، ويذكر فيه النوع والبلد والعرض والصفاقة والغلظ

____________________

(١) في (م): كذلك.

(٢) في باقي النسخ: إن ظهر.

٢٥٠

والنعومة وأضدادها. ولا يجوز ذكر الوزن لعسره. وله الخام عند الاطلاق، وإن ذكر المقصور جاز، فإن اختلفت البلدان ذكر بلد القصارة، كالبعلبكي والقبطي والروسي. ويجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه وإشباعه أو عدمه. ولا فرق بين المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الاقوى، ومنعه الشيخ(١) إذا صبغه(٢) بعد غزله، لان الصبغ مجهول، ولانه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة. وفي وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه ذلك، لاشتهاره بين أهله وتأثيره في الثمن.

وثامنها: الحرير والكرسف والكتان، ويذكر فيها البلد واللون والنعومة أو الخشونة، ويختص الحرير بالغلظ أو الدقة. ويجوز السلف في جوز القز، فيذكر اللون والطراء‌ة أو اليبس والبلد، وأبطله الشيخ(٣) إذا كان فيه دود، لان الحي يفسد بالخروج، والميت لا يصح بيعه.

قلنا: هو كنوى التمر في بلد لاقيمة له فيه. والكرسف بوجوب ذكر حلجه أو عدمه، وقيل: يحمل الاطلاق على عدمه، وهو بعيد، إلا مع القرينة. ولو أسلف في الغزل وجب ذكر ماسلف واشتراط الغلظ أو الدقة. ولو أسنده إلى غزل امرأة بعينها بطل.

وتاسعها: الحبوب والفواكه والثمار، فيذكر في الحنطة البلد والداثة والعتق واللون والكبر أو الصغر والصرابة أو ضدها. ولا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين، وإن ذكره جاز، وفي الشعير

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٧.

(٢) في باقي النسخ: إذا صبغ.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٨٢.

٢٥١

والقطنية ذلك كله.

وفي التمر، البلد والنوع والكبر والصغر والحداثة أو العتاقة واللون إن اختلف النوع، وفي الرطب ذلك كله، إلا العتاقة، ويجب الفارق(١) ، ولو شرط المنصف أو المذنب لزم. وفي الزبيب، البلد والنوع والكبر والصغر واللون إن اختلف نوعه والمزيت أو غيره، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي عن الحثالة. ولا يجب تناهي الجفاف. وفي الفواكه، البلد والنوع والطراوة أو ضدها واللون إن اختلف.

وفي الجوز، الصنف والكبر والصغر والبلد والحديث أو العتيق، وله منزوع القشرة العليا، وكذا اللوز.

وفي الطلا، البلد والنوع والحديث أو العتيق واللون والصفا والقوام، ويجب كونه مما ذهب ثلثاه فصاعدا، خاليا من الثقل غير المعتاد، وإن ضم إليه ظروفه اشترط كونها مما يصح فيه السلم، فلو كانت من أدم احتمل المنع لعسر وصفه، والاقرب الجواز، لعدم تعلق الغرض بجميع أوصافه.

وفي السيلان والصفر(٢) ، البلد والنوع والقوام، وفي الدبس ذلك.

ولا يمنع منه مسيس النار، ويجوز السلم في المصفر من الرطب والتمر، ويوصف بوصفيهما.

وعاشرها: العسل، فيذكر فيه البلد والزمان واللون، ويحتمل الاطلاق على المصفى لا الشهد، ويحمل المصفى على مالم تمسه النار، إلا أن يشترط ذلك.

وحادي عشرها: الخشب والحطب، فيذكر النوع واليبس والرطوبة والطول والثخن، ولا يجبان في الحطب. نعم يذكر فيه الغلظ أو الدقة والوزن، وفي

____________________

(١) كذا في النسخ والمنقول عنه في الحدائق (المتعارف)، ج ٢٠ ص ٩.

(٢) كذا في النسخ والمنقول عنه في الحدائق (المعصر)، ج ٢٠ ص ٩.

٢٥٢

خشب العريش ذلك، ويريد السمع أو العقد.

وثاني عشرها: الحجر واللبن والآجر، ففي الحجر النوع اللون والقدر والوزن وللطحن يزيد الدقة أو الثخن والبلد، وفي اللبن القالب المشهور، والمكان الذي يضرب فيه، وكذا في الآجر، ويزيد فيه اللون.

وثالث عشرها: الآنية، فيذكر النوع والشكل والقدر والطول والسمك والسعة، وكونه مصبوبا أو مضروبا، والوزن، خلافا للشيخ(١) . ومدار الباب على الامور العرفية، وربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء وخط الفقيه البيان الاجمالي.

(٢٥٣) درس

الشرط الثاني: التقدير بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن وفيما لا يضبط إلا به، وإن جاز بيعه جزافا كالحطب والحجارة.ويجوز السلف في المعدود الذي لايعظم تفاوته بالعدد كالجوز واللون، بخلاف الرمان والبيض فلا يجوز بغير الوزن.ولو جمع بين الوزن والعدد بطل، وإن كان لبنا أو آجرا جاز عند الفاضل(٢) .ولو أسلم في المكيل وزنا أو بالعكس فالوجه الصحة، لرواية(٣) وهب عن الصادق عليه السلام.ويشترط في المكيال والصبخة العمومية، فلو أشار إلى قصعة أو صخرة بطل، ولو عينا مدا أو صبخة من جملة المشهور لغا التعيين، ولايبطل العقد في الاصح.

وكذا لو شرط في البيع، وله مل‌ء المكيال وما يحتمله، بلا هز وزلزلة

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ١٨٤.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٥٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب السلف ح ١ ج ١٣ ص ٦٣.

٢٥٣

ودق ولا وضع كف على جانبه، إلا أن يسمع به الدافع، أو يشترط(١) في العقد إذا لم يتضمن الجهالة.

الشرط الثالث: أن يكون المسلم فيه دينا، لانه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا، فلو أسلم في عين كان بيعا، ولو باع موصوفا كان سلما، نظرا إلى المعنى في الموضعين.وليس المانع من السلف في العين اشتراط الاجل الذي لا يحتمله العين، لان الاصح أنه لا يشترط الاجل.نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند العقد، ولو قصد الحلول ولم يتلفظا به صح أيضا.ولو قصد الاجل اشترط ذكره فيبطل العقد بدونه.ولو أطلق العقد حمل على الحلول.ويشترط في الاجل التعيين بما لا يحتمل الجهالة.

ويحمل الشهور على الاهلة مهما أمكن، ويكمل المنكسر ثلاثين على الاقوى، ويلفق اليوم إذا وقع السلم في أثنائه فيستوفي من آخره بقدر مامضى قبل العقد، سواء كان ذلك اليوم المستوفي منه أطول، أو أقصر، للتسامح في مثله.

ولو قال إلى سنة فالاجل آخرها، وتحمل على الهلالية إلى أن يعينا الشمسية.

ولو قال إلى رجب أو الجمعة فالاجل أولهما، لصدق الاسم.

ولو عين أول رجب أو آخره حمل على أول جزء منه أو آخره لا على النصفين، ليبطل العقد.

ولو قال في رجب أو في الجمعة تجهل، وجوزه الشيخ(٢) فيحمل على الجزء الاول.

____________________

(١) في باقي النسخ: أو شرطه.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٨٨.

٢٥٤

ويجوز التأجيل بشهور العجم إذا عرفناها، وبالنيروز والمهرجان إذا علماهما، ويحتمل البطلان، لانهما عبارتان عن يومي الاعتدالين بإنتهاء الشمس إلى أول نقطة من الحمل والميزان، وذلك لا يعلم، إلا من الرصدي الذي لا يقبل قوله وحده، واجتماع من يفيد قوله العلم بعيد. وكذا الفصح والخميس والفطير بشرط العلم عند العقد. ولو اقت بالحصاد والصرام وشبههما بطل.

ولا يشترط في الاجل الوقع في الثمن، فلو اقت ببعض يوم جاز، ومنع ابن الجنيد(١) من النقيصة عن ثلاثة أيام، وهو قول الاوزاعي(٢) . ولا ينتهي في الكثرة إلى حد، ومنع ابن الجنيد(٣) من ثلاث سنين، للنهي(٤) عن بيع السنين، ولعله للكراهة. ولو قال إلى الخميس حمل على الاقرب. وكذا إلى ربيع أو جمادي، وإن كان التعيين أولى.

الشرط الرابع: استناد المسلم فيه إلى ما لايختل عادة. ولو أسنده إلى بستان معين أو قرية قليلة بطل.

ولا يلحقه الاسناد إلى بلد معين بالعين، لان القرينة حاصلة وإن كان وجه القضاء متعينا، ولا يضر لعدم انحصاره.

(٢٥٤) درس

الشرط الخامس: قبض الثمن قبل التفرق فيبطل بدونه لو قبض البعض

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٢) المغني: ج ٤ ص ٣٣٠.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب أحكام العقود ح ١ ج ١٢ ص ٣٦٦.

٢٥٥

صح فيه، ويتخير المسلم إليه. ولو فارقا المجلس مصطحبين ثم قبضا صح.

ولو بان المقبوض من غير الجنس أو مستحقا بطل، إلا أن يكون المجلس باقيا، أو يكون الثمن معين.

ولو شرط كون الثمن مؤجلا بطل، لانه من الكالئ بالكالئ، وإن قبض في المجلس لقصر الاجل.

ولو شرط كونه من دين له عليه فالوجه الفساد وفاقا للشيخ(١) ، ولو شرط بعضه منه بطل فيه.

ولو أطلقا ثم تقابضا في المجلس فالظاهر الجواز، ويقع التقاص قهريا إن كان الجنس والوصف واحدا، ويلزم منه كون مورد العقد دينا بدين، ويشكل صحته. ولو شرط تأجيل البعض بطل في الجميع، لجهالة مايوازي المقبوض، ويحتمل الصحة، ويقسط فيما بعد كبيع سلعتين، فيستحق إحداهما، وظاهر ابن الجنيد(٢) جواز تأخير قبض الثمن إلى ثلاثة أيام، وهو متروك.

الشرط السادس: القدرة على التسليم عند الاجل، فلا يضر العجز حال العقد، ولا فيما بينهما، ولا يكفي وجوده في بلد لا يعتاد نقله إليه إلا نادرا، كهدية أو مصادرة. ولوعين بلدا لم يكن وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه. ولو أسلم فيما يعسر وجوده عند الاجل مع إمكانه كالكثير من الفاكهة في البواكير، فإن كان وجوده نادرا بطل، وإن أمكن تحصيله لكن بمشقة(٣) فالوجه الجواز، لالزامه به مع إمكانه، ويحتمل المنع، لانه غرر.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٩٨.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٣) في باقي النسخ: لكن بعد مشقة.

٢٥٦

فرع:

لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيد إلى بلده قبل وجودها في بلده صح، وإن كان يبطل مع الاطلاق، ولا يجب عليه السعي فيها. والفرق بينه وبين البواكير أنها مقصودة عند العقد، بخلاف تغاير البلدان، ولو فرض قصد ذلك البلد صح هذا. ولو انقطع عند الاجل لعارض لم ينفسخ العقد، لان تناول الدفع هذه السنة يقتضيه الاجل ومورد العقد إنما هو الذمة، بل يتخير وليس فوريا، بخلاف خيار الغبن، لان تأخيره انتظار وتأجيل، والاجل لا يلحق بعد العقد.

ولو صرح بالامهال ففي بطلان خياره نظر، من تجدد الحق حالا فحالا فهو كخيار المولى منها، ولانه كتأخير الدين المؤجل، ومن أن الامهال أحد شقي التخيير وقد آثره، وأولى في الابطال ما إذا قال أبطلت خياري، وقول ابن إدريس(١) بعدم الخيار بتعذر المسلم فيه، نادر.

ويجري الخيار لو مات المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه، ولو قبض البعض تخير أيضا، وله أخذ ما قبض، والمطالبة بحصة غيره من الثمن. وفي تخيير المسلم إليه حينئذ وجه قوي، لتبعيض الصفقة عليه. نعم لو كان الانقطاع بتفريطه فلا خيار له.

ولو علم الانقطاع قبل الاجل ففي الخيار وجهان، كالحالف على أكل الطعام غدا فيتلفه قبل الغد.

ولو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله مع المشقة، ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد، وإلا وجب.

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٣١٩.

٢٥٧

ولو اعتاض عن المسلم فيه بعد إنقطاعه جاز إذا كان بغير جنس الثمن، أو به مع المساواة، ويبطل مع الزيادة عند الاكثر، وهو في الرواية(١) أشهر، وقال المفيد(٢) والحليون(٣) : يجوز، وهو ظاهر مرسلة أبان(٤) ، ومكاتبة ابن فضال(٥) .

(٢٥٥) درس في اللواحق

ولا تكفي المشاهدة في الثمن الذي شأنه الاعتبار، خلافا للمرتضى(٦) ، وتوقف الفاضل(٧) في الاكتفاء بها في المذروع، وقطع الشيخ(٨) باشتراط ذرعه، وليس بقوي، كما لا يشترط في البيع.

ويجوز كون الثمن نقدا وعرضا مالم يؤد إلى الربا، ومنع الحسن(٩) من جواز إسلاف غير النقدين ضعيف، وكذا منع ابن الجنيد(١٠) من إسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن في الزيت، ومنع(١١) من إسلاف الجارية.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٩ ج ١٣ ص ٧٠.

(٢) المقنعة: ص ٥٩٦.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٣١٠.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٥ ج ١٣ ص ٦٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٨ ج ١٣ ص ٧٠.

(٦) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهيه): ص ٢٥٣.

(٧) قواعد الاحكام: ج ١ ص ١٣٤.

(٨) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٠.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٦٥.

(١١) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

٢٥٨

ويجوز السلم في الجلود مع المشاهدة عند الشيخ(١) ، قيل: وهو خروج عن السلم، لانه دين، ويمكن جعله من باب نسبة الثمرة إلى بلد.

واعتبار مشاهدة جميع الغنم يكفي عن الامعان في الوصف، لعسره واختلاف خلقته، وعدم دلالة الوزن على القيمة، والرواية(٢) تدل على الجواز إذا أسنده إلى غنم أرض معينة. ويحتمل الجواز فيما قطع قطعا متناسبا، كالنعال السببية فيذكر الطول والعرض والسمك والوزن، والوجه المنع، لعدم تساوي السمك غالبا، وهو أهم المراد منه. وفي اشتراط ذكر مكان التسليم مع كون السلم مؤجلا أقوال ثالثها اشتراطه إذا كان لحمله مؤنة، ورابعها ذكره إذا كانا في مكان قصدهما مفارقته، والاقرب اشتراطه مطلقا. ويجب قبض الموصوف عند الاجل أو الابراء، فإن أبى قبضه الحاكم، فإن تلف أوتعذر الحاكم فمن الممتنع. ولو دفع أجود وجب القبول، خلافا لابن الجنيد(٣) ، لرواية سليمان بن خالد(٤) إذ شرط فيها طيب نفسيهما.

ولا يجب القبض قبل الاجل وإن انتفى الضرر عن المسلم، ولم يتعلق غرض الدافع بغير البراء‌ة.

ويجب خلو الحبوب من التراب والقشر غير المعتاد، وخلو الحنطة من الشعير، إلا أن يذكر اختلاطهما به، ويعفى عن الحبات اليسيرة. ولو أسلم في شاة لبون فله حلبها وتسليمها إلى المسلم.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٩٧.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب السلف ح ٤ ج ١٣ ص ٦١.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب السلف ح ٨ ج ١٣ ص ٦٧.

٢٥٩

ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا ونيا ومطبوخا، وفي الصمغ والطين الارمني والحسيني عليه السلام سادجا ومعمولا سبحا وألواحا.

ولو أسلم حالا فسلم المبيع في المجلس ففي الاكتفاء به عن تسليم الثمن نظر، من خروجه عن بيع الدين بمثله. ولو أحال بالثمن فقبضه البائع قبل التفرق صح، وإلا فلا على الاقرب فيهما. ولو أحال البائع على المشتري اشترط قبض المحتال في المجلس على الاصح، ووجه الجواز أن الاحالة كالقبض. ولو صالح البائع عن الثمن على مال فالاقرب الصحة واشتراط قبض مال الصلح. ويجوز اشتراط الرهن والضمين، وكل سائغ ولو كان أصواف نعجات، مع التعيين على الاقرب. ولو دفع أردا أو أزيد جاز في غير الربوي، وبطل فيه على الاقرب. ولو تنازعا في قبض الثمن قبل التفرق أو بعده حلف مدعي الصحة، ولو أقاما بينة بني على ترجيح الداخل والخارج، وقيل: يقدم بينة القبض لشهادتها على الاثبات.

ولو قال البائع قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق فأنكر المسلم حلف البائع. ولو أسلم أحد الغريمين أو هما فالسلم بحاله، إلا أن يكون المسلم فيه خمرا أو خنزيرا ولم يقبضا فيبطل. ولو أسلم عرضا في عرض ثم جاء بالثمن وهو على الصفات وجب القبول، ولو كانت أمة فلا عقر عليه بوطئها. ويجوز تعدد المسلم فيه في العقد الواحد اختلف الاجل أو اتفق، فلو قبض بعض الثمن وزع على الجميع.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413