منهاج السالكين

منهاج السالكين14%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142353 / تحميل: 6754
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون اثنا عشر أميراً »، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1) .

وفي صحيح مسلم: «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2) .

وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال: « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3) .

ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور، وهي:

1 - إن عدد الاُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.

قد يقال: ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام، والجواب واضح جداً؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاُمّة.

بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،

____________

(1) صحيح البخاري 4: 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1: 272/19، والخصال 2: 469 و 475.

(2) صحيح مسلم 2: 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.

(3) مسند أحمد 5: 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1: 270/16.

٨١

ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.

ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه: «قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء، وان قدّر أنّهم على الولاء، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز، كذا في المرقاة»(1) .

2 - إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ) (2) .

3 - إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.

وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه: «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان».(3) .

وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني

____________

(1) عون المعبود 11: 262 شرح الحديث 4259.

(2) المائدة: 5/12.

(3) صحيح مسلم 2: 121.

٨٢

عشر(1) !!

وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث. إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.

إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم - أُمويين أو عباسيين - باتفاق المسلمين.

وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحققين: إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « كلّهم من بني هاشم »، في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية: لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم. ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية؛ لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم...

ويؤيد هذا المعنى - أي: أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل

____________

(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1: 13 - 15 من القسم الاَول، وتفسير ابن كثير 2: 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2: 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11: 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2: 85.

٨٣

بيته - ويرجّحه حديث الثقلين »(1) .

ولايخفى أنّ حديث: (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى، فقال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2) .

فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً، لا إلى ان تقوم الساعة!!

النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح المراد

بالخلفاء الاثني عشر:

لاَجل متابعة الاَدلة الاُخرى التي توضح المراد بحديث: (الخلفاء اثنا عشر)، وتُعيِّن لنا شخص الاِمام المهدي باسمه ونسبه وحسبه؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الاَهمية، بحيث لو تدّبره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه، ولاكتفى

____________

(1) ينابيع المودة 3: 105 باب 77 في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.

(2) بحث حول المهدي/الشهيد محمد باقر الصدر: 54 - 55.

٨٤

بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر.

وأعني بهذا الاَمر تاريخنا الاسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت على اقصاء عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السلطة اقصاءً تامّاً، فضلاً عما اقترفته تلك الانظمة - الاُموية والعباسية - من الاُمور الفادحة بحق الذرية الطاهرة.

ومن البداهة ان يعزّ النص على الاَئمة الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحيٍ من الحكّام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأوشكت ان تبيد أولاد البتول عليهم السلام، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم.

ومن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين عليه السلام، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر، اللّهم إلاّ ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه. وعلى الرغم من هذا الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

ولايصحّ في الاَفهام شيءٌ

إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

وهذا مما لاينبغي اغفاله، ونحن نستعرض باختصار بعض الاحاديث المبينة لمعنى (الخلفاء اثنا عشر).

1 - في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الاِمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه التصريح باسماء الاَئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهم السلام.

٨٥

قال القندوزي بعد روايته: «وأخرجه الحمويني»(1) أي: صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي.

2 - وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان: (في بيان الاَئمة الاثني عشر باسمائهم). أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الاَئمة باسمائهم، وأولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام(2) ، ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أوصيائه عليهم السلام )(3) .

3 - وفيه أيضاً، عن جابر بن عبدالله الانصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياجابر إنَّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي ثم الحسن، ثم الحسين...» ثم ذكر الاَئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً بالامام المهدي بن الحسن العسكري عليهم السلام(4) .

4 - وفي كمال الدين: «حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى؛ وابراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: دخلتُ على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاَوصياء، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاث منهم محمد، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم»(5) .

ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب إلى آخر

____________

(1) ينابيع المودة 3: 161 ب 93.

(2) ينابيع المودة 3: 99.

(3) ينابيع المودة 3: 212 باب 93.

(4) ينابيع المودة 3: 170 باب 94.

(5) كمال الدين 1: 313/4 باب 28.

٨٦

السند المتقدم.

وقد يقال: ان السند غير حجة من وجهين:

الاَول: إنَّ الحسين بن أحمد بن ادريس في السند الاول، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا.

قلتُ: هما من مشايخ الاجازة، ولم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضياً عليه، ومن البداهة ان لايقال للفاسق (رضي الله عنه) بل يقال ذلك للرجل الجليل، ولو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة، فإنّه من البعيد كل البعد ان يتفق كل منهما على الكذب على أبيه؛ لانهما رويا الحديث عن أبويهما.

ومما يدل على صدقهما ان الكليني أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري(1) ، والمشايخ الثلاثة الاُوَل في هذا السند من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق.

الثاني: إنَّ أبا الجارود قد طعن عليه فالسند ليس بحجة.

والجواب: إنّ أبا الجارود تابعي، ومن أين للتابعي أن يعلم بأنّ في اسماء الاَوصياء عليهم السلام ثلاثة باسم محمد، وأربعة باسم علي؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع، وقد مات أبو الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين، على أنّ الشيخ المفيد قد وثقه في رسالته العددية(2) .

____________

(1) أُصول الكافي 1: 532/ح 9 باب 126.

(2) سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد/جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العددية) - طبع بيروت - 9: 25، فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الاِمام الباقر عليه السلام، ومن الاَعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لايطعن عليهم ولاطريق الى ذم واحد منهم، على حد تعبيره رحمه الله.

٨٧

هذا، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول الباب بهذا السند قال: «حدثني أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعاً، عن ابي الحسن صالح بن حماد والحسن بن طريف، عن بكر بن صالح.

وحدثنا أبي، ومحمد بن موسى المتوكل، ومحمد بن علي ماجيلويه، وأحمد بن علي بن ابراهيم، والحسن بن ابراهيم بن ناتانة، وأحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام.. الحديث».

والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف. ولايضر ضعفه هنا لاَنّه من غير المعقول ان يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به، ثم لايكون المخبر - بعد ذلك - صادقاً، فالرجل روى عن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام فمن أين له ان يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي عليه السلام؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يدرك الاَئمة (الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام )، ويدلك على هذا إنّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الاول، هو ابن أبي عمير(ت/217 هـ)، ومن في طبقته.

5 - ما في كفاية الاَثر في النص على الاَئمة الاثني عشر للخزاز - من أعلام القرن الرابع الهجري -: فقد خصص كتابه كلّه في الاَحاديث الواردة في النص على الاَئمة الاثني عشر باسمائهم، ولامجال لنقل رواياته، ولكن لابأس بنقل ما جاء في مقدمة الكتاب، قال: «وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم عليهم السلام من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين مثل: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وأبي سعيد

٨٨

الخدري، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر ابن عبدالله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة بن الاَسقع، وأبي أيوب الاَنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الاَنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين عليهم السلام.

ومن النساء: أُم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أعقبه بذكر الاَخبار التي وردت عن الاَئمة صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الاَئمة ونص كل واحد منهم على الذي بعده؛ ليعلموا - إن انصفوا - ويدينوا به، ولايكونوا كما قال الله سبحانه:( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (2) » الجاثية: 17.

6 - وأخرج في كمال الدين: عن محمد بن علي بن ماجيلويه، ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن الحسن الصفار.

وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: « كنتُ أنا وأبو بصير، ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزلٍ بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « نحن اثنا عشر مهدياً ». فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعتُ ذلك من أبي عبدالله عليه السلام؟ فحلف مرة أو مرتين انه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر عليه السلام »(2) .

____________

(1) كفاية الاَثر/الخزاز: 8 - 9 من المقدمة..

(2) كمال الدين 2: 335/6 وذيل الحديث نفسه أيضاً.

٨٩

وأخرجه الكليني عن محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران بتمام ألفاظه(1) .

وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمل في وثاقته فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلى جنبه الثقة المأمون، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث: (الخلفاء اثنا عشر).

7 - وفي الكافي بسند صحيح جداً: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: « أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي عليه السلام وهو متكئ على يد سلمان...» وفيه ذكر الاَئمة الاثني عشر جميعاً عليهم السلام ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام(2) .

قال الكليني: «وحدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبي هاشم مثله سواء. قال محمد بن يحيى: فقلتُ لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددتُ ان هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبدالله! قال، فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين»(3) .

والمراد بالحيرة هنا: غيبة الاِمام المهدي عليه السلام في سنة 260 هـ، وهي

____________

(1) أُصول الكافي 1: 534 - 535/20 باب 126. وقد عدّه المجلسي في مرآة العقول 6: 235 حديثاً مجهولاً!

وهو اشتباه قطعاً، لتوفر النص على وثاقة رجال سند الكافي جميعاً من قبل الشيخ والنجاشي وجميع من تأخر عنهما. والظاهر انه اشتبه بمحمد بن عمران مولى أبي جعفرعليه السلام الذي لم يرد نص في توثيقه، وهو لايضر وجوده لوجود الثقة معه واحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام من جهة أبي بصير فأي ضير في ان يُسمع الحديث من الصادق عليه السلام أيضاً.

(2) أُصول الكافي 1: 525/1 باب 126.

(3) أُصول الكافي 1: 526/2 باب 126.

٩٠

السنة التي توفي فيها الاِمام العسكري، وما قاله محمد بن يحيى لايوجب طعناً على أحمد بن أبي عبدالله البرقي؛ لثقته بالاتفاق، فكأن محمد بن يحيى تمنى أن يكون من حدّث شيخه الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الاِمام العسكري أو الاِمام الهادي عليهما السلام وليس البرقي الذي عاش إلى سنة 274هـ، أو 280 هـ، على قول آخر؛ لاَن الاِخبار عن شيء قبل وقوعه، وتحقق ذلك الشيء على طبق الخبر يعد من الاعجاز الذي لايحتاج في قوة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدد رواته، اذ لامجال لتكذيبه بأي حال من الاحوال وان لم يروَ إلاّ بسند واحد.

فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.

ولا يخفى على أحد بان المخبر - الذي لم يوثق - عن شيء قبل وقوعه، لايشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف، أو تحققه على طبق خبره؛ لاَنه كاشف عن صدقه، حتى وان لم توثقه كتب الرجال(1) .

ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق بسند صحيح، عن أبان بن عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبدالله بن جعفر الطيار، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه النص على الاِمام عليٍّ وبعده ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم علي بن الحسين، ثمّ محمد الباقر عليهم السلام ثمّ، قال: «ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين»(2) .

____________

(1) وأما مع توفر وثاقة المخبر فلا يشترط ذلك بالاتفاق؛ إذ المفروض صدقه، وليس بعد الصدق إلاّ مطابقة الخبر للواقع كمسألة نزول عيسى وظهور المهدي وفتنة الدجال ونحوها، وان لم يتحقق شيء منها بعد.

(2) أُصول الكافي 1: 529/4 باب 126، وكمال الدين 1: 270/15 باب 24، والخصال 2: 477/41 من أبواب الاثني عشر.

٩١

فضعف أبان بن أبي عياش لايضر هنا لاِخباره عن واقع قد تحقق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته، وفي كمال الدين للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز، ولكن من لاخبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه!! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل اكتمال التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر بأزمان بعيدة.

وينطبق هذا الاعجاز على غالبية أخبار غيبة الاِمام الثاني عشر عليه السلام كما شهد بذلك الصدوق، فقال: «إنَّ الاَئمة عليهم السلام قد اخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل ان تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الاَئمة عليهم السلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالاُصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد اخرجت ما حضرني من الاخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللُّب والتحصيل. أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الاَمر كما ذكروا، وتحقق كما وضعوا من كذبهم! على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الاَوّل، فلم يبقَ في ذلك إلاّ أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألّفوه في أُصولهم وبذلك وشبهه فلج الحقّ وزهق الباطل، إن الباطل كان

٩٢

زهوقا»(1) انتهى.

ولايخفى أنّ الاُصول التي أشار لها الصدوق متواترة النسبة إلى اصحابها عنده، كتواتر نسبة كمال الدين إلى الصدوق عندنا، وهذا يعني أنّ اخبار الغيبة حتى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو لايقدح بصحتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتج باخبار الشيعة الامامية إلاّ بما صح سنده مطلقاً إلى الاِمام عليه السلام، أو إلى من أخبر بالواقع الاِمامي قبل اكتمال تسلسله التاريخي وإنْ لم تعرف وثاقته.

المهدي من أولاد الحسين، وأنه التاسع من ولده عليهم السلام:

إنَّ هذه النتيجة وان ثبتت فيما تقدم إلاّ انه لابدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتج بها بعض أعلام أهل السنة أولاً، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار، وهي:

1 - الحديث المروي عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيّوب الانصاري، وابن عباس، وعلي الهلالي - بألفاظ مختلفة - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاَولين ولايدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت - إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم - ومنا مهدي الاُمّة الذي يصلي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال: من هذا مهدي الاُمّة»(2) .

____________

(1) كمال الدين 1: 19 من مقدمة المصنّف.

(2) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: 501 - 502 باب 9، والفصول المهمة/لابن الصباغ المالكي: 295 - 296 فصل/120، وفضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودة: 49 باب 94، وقد صرّح في معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام 1: 145/77 بكثرة طرق هذا الحديث وانها ربما بلغت نحو مجلد.

٩٣

2 - في عقد الدرر للمقدسي الشافعي: روى خبراً عن علي عليه السلام جاء فيه: إنّ المهدي «من ولد الحسين، ألا فمن تولى غيره لعنه الله»(1) .

وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال: «ونختم هذا الفصل بشيء من كلام الاِمام علي هازم الاَبطال فيما تضمنه من الاَهوال الشديدة والاُمور الصعاب وخروج الاِمام المهدي مفرج الكروب، ومفرق الاَحزاب» ثم ذكر الحديث.

3 - وفي عقد الدرر: أيضاً عن جابر بن يزيد، عن الاِمام الباقر عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «والمهدي ياجابر رجل من ولد الحسين»(2) .

4 - وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الاِمام علي عليه السلام: « وبنا تُختم لا بكم ». قال: «اشارة الى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام، وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم - إلى أن قال - وروى قاضي القضاة رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي عليه السلام، إنّه ذكر المهدي وقال: إنّه من ولد الحسين عليه السلام، وذكر حِليتَه فقال: رجل أجلى الجبين، اقنى الاَنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامة.

وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث»(3) انتهى.

5 - وفي ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي: بسنده عن

____________

(1) عقد الدرر: 132 باب 4 فصل 2.

(2) عقد الدرر: 126 باب 4 فصل 2.

(3) شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد 1: 281 - 282 شرح الخطبة رقم/16.

٩٤

الحسين عليه السلام قال: «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجلسني على فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صلبك ياحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء»(1) .

6 - وفي الينابيع عن مناقب الخوارزمي أيضاً، بسنده عن سلمان قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّ الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة أبو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم»(2) .

وحديث سلمان رضي الله عنه رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في غاية الصحة، قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أنت امام ابن امام أبو الاَئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم»(4) .

ورواه الصدوق، عن أبيه، عن علي بن ابراهيم كما في الكافي سنداً

____________

(1) ينابيع المودة 3: 168 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 167 باب 94.

(3) الخصال 2: 475/38 أبواب الاثني عشر، وكمال الدين 1: 262/9 باب 24.

(4) أُصول الكافي 1: 533/15 باب 126.

٩٥

ومتناً(1) .

وليس في واحد من رجال السند من يُشك في جلالته، أو يُرتاب في نقله.

8 - وفي الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي: بسنده عن الاَصبغ بن نباته، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2) .

المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام

سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الاِمام المهدي والاَخبار بغيبته قبل وقوعها، وهي:هي:هي:

1 - ما رواه الصدوق بسند صحيح، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: «قلت للرضا عليه السلام: انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السلام: ما منا أحد اختلفت اليه الكتب، وسُئل عن المسائل، وأشارت إليه الاَصابع، وحُملت إليه الاَموال، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه»(3) .

وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة الاِمام المهدي عليه السلام من

____________

(1) الخصال 2: 480/50 أبواب الاثني عشر.

(2) ينابيع المودة 3: 162 باب 94، ورواه في 2: 83 في المودة العاشرة، تحت عنوان (في عدد الاَئمة وان المهدي منهم عليهم السلام).

(3) كمال الدين 2: 370/1 باب 35.

٩٦

أُمور لايعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح: « إنّ المهدي هو من يقول الناس: لم يولد بعد »!

فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب، عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: صاحب هذا الامر من يقول الناس: لم يولد بعد»(1) .

2 - ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر عن الباقر عليه السلام: «يكون هذا الاَمر في أصغرنا سناً»(2) . وفيه اشارة إلى الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.

3 - ما رواه الكليني بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن في صاحب هذا الامر شبهاً من يوسف عليه السلام - إلى أن قال - فما تنكر هذه الاُمّة أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف، أنْ يمشي في اسواقهم، ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف، قالوا: أَإِنك لاَنت يوسف؟ قال: أنا يوسف»(3) .

4 - في ينابيع المودة: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم».

وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب

____________

(1) كمال الدين 2: 360/2 باب 34، وأخرجه من طرق أُخرى أيضاً في نفس الباب.

(2) عقد الدرر: 188 باب 6.

(3) أُصول الكافي 1: 336/4 باب 80.

٩٧

الاَربعين لاَبي نعيم الاصبهاني(1) .

5 - وفيه: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «إنَّ الاِمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة»(2) .

6 - وفي اُصول الكافي بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال، قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ]، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.. الخ»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: « للقائم غيبتان: احداهما قصيرة، والاُخرى طويلة، والغيبة الاُولى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والاُخرى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(4) .

____________

(1) ينابيع المودة 3: 166 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 115 - 116 باب 80 مصرحاً بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي.

(3) أُصول الكافي 1: 337/5 باب 80، وانظر كمال الدين 2: 342/24 باب 33 و2: 346/32 ب 33 بسند آخر، والاول أجود.

(4) أُصول الكافي 1: 340/19 باب 80.

٩٨

وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الاِمام الصادق عليه السلام لوثاقة رواته جميعاً، ودلالته على الاِمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار.

8 - وفي كمال الدين بسند صحيح: «حدثنا أبي رضي الله عنه، حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: يتمسكون بالاَمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(1)

9 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها»(2) .

أقول: لم يغب من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام سوى المهدي بالاتفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.

وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لاشائبة فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.

10 - وفي كمال الدين: «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما؛ قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري وأحمد بن ادريس؛ قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار، وعبدالله بن عامر بن سعد

____________

(1) كمال الدين 2: 350/44 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 338/10 باب 80، وأخرجه في نفس الباب من طريق صحيح عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن مسلم 1: 340/15.

٩٩

الاشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إيّاكم والتنويه، أما والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولاينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الاِيمان وأيّده بروح منه...»(1)

ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( 183 هـ ) وحاله غير معلوم، وفي وثاقة المفضل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260 هـ).

وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد بن المساور، عن المفضل أيضاً(2) ، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى:

كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن حماد بن عيسى، عن اسحاق بن جرير، عن عبدالله بن سنان قال: «دخلت انا وأبي على أبي عبدالله عليه السلام فقال: فكيف انتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى..»(3) .

____________

(1) كمال الدين 2: 347/35 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 336/3 باب 80.

(3) كمال الدين 2: 348/40 باب 33.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الله، أو لست من أهلك؟ قال: «إنّكِ على خير، إنّك على خير» (١) .

ومن طرق عدّة، عن محمّد بن بشر، عن زكريّا، عن مصعب بن شيبة، عن صفيّة بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات غداة وعليه مرط (٢) مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣) .

حديث أمّ سلمة:

الحبريّ (٤) ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن أبي شهاب الخيّاط، قال: أخبرني عوف

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٦٥. وسئلت عائشة عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه، فقالت: وما عسيت أن أقول فيه، وهو أحبّ النّاس إلى رسول الله، لقد رأيت رسول الله جمع شملته على عليّ وفاطمة والحسن والحسين وقال: «هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» قيل لها: فكيف سرت إليه؟ قالت: أنا نادمة، وكان ذلك قدراً مقدوراً. (المحاسن والمساوئ للبيهقيّ ٢٩٨). ويبدو أنّ أمّ المؤمنين قدريّة! فهي تظهر النّدم على ما صنعته يوم الجمل ثمّ تردّ الفعل إلى الله! تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فكيف يقدّر سبحانه على عبدٍ فعلاً يندم العبد من فعله؟!

(٢) مرط: كساء يؤتزر به. ومرحّل:موشّى منقوش عليه صور رحال الإبل.

(٣) صحيح مسلم ٧: ١٣٠؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٧؛ التلخيص للذهبيّ - بذيل مستدرك الصحيحين -، ينابيع المودّة: ١٠٧؛ كفاية الطالب: ٣٧٣ - ٣٧٥، وفي صفحة ٥٤ قال: «الصحيح أنّ أهل البيت عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام ، كما رواه مسلم بإسناده عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله معه...» وذكر بقيّة الحديث عن صفيّة، عن عائشة. ثمّ عقّب قائلاً: وهذا دليل على أنّ أهل البيت هم الّذين ناداهم الله بقوله: أهل البيت، وأدخلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المرط. قال: وأيضاً روى مسلم بإسناده أنّه لما نزلت آية المباهلة دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي». وأخرجه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتّابعين. ذكره أحمد بن حنبل في المسند ١: ١٨٥، من طرق كثيرة. وفي تفسير الخازن ٣: ٤٦٧ مثله، وقال: أخرجه مسلم.

(٤) أبو عبد الله الحسين بن الحكم بن مسلم الحبريّ المتوفّى سنه ٢٨٦ هـ. محدّث مفسّر، له: تفسير الحبريّ.

٢٤١

الأعرابيّ، عن أبي المعدّل عطيّة الطّفاويّ، عن أبيه، عن أمّ سلمة، قالت: كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في البيت، فقالت الخادم: هذا عليّ وفاطمة معهما الحسن والحسين قائمين بالسّدّة (١) . فقال: قومي تنحّي عن أهل بيتي. فقمت، فجلست في ناحية، فأذن لهم فدخلوا، فقبّل فاطمة واعتنقها، وقبّل عليّاً واعتنقه، وضمّ إليه الحسن والحسين صبيّين صغيرين، ثمّ أغدف عليهم خميصةً (٢) له سوداء، وقال: اللّهمّ إليك لا إلى النّار. فقلت: وأنا يا رسول الله؟! قال: وأنت على خير (٣) .

إن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّ المؤمنين: «قومي تنحّي عن أهل بيتي» له من الدلالة ما لا يمكن إنكارها؛ فأهل بيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أصحاب الكساء: عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، لا يشركهم أحد من أزواجه ولا من غير أزواجه. وهذا وحده عال في شأنهم وصدق صراطهم؛ فكيف إذا أنضاف اليه تطهيرهم من لدن العليّ المتعال؟! فهل لحاطب ليل بعدئذ أن لا يقول: الصّراط المستقيم هو صراط آل محمّد عليهم‌السلام ؟!

وأخرج أحمد بن حنبل، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أمّ سلمة، أمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة (٤) فيها حريرة (٥) فدخلت بها عليه، فقال لها: «ادعي زوجك وابنيك». قالت: فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة، وهو على منامة له على دكّان تحته كساء خيبريّ. قالت: وأنا أصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السّماء، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وخاصّتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا». قالت:

____________________

(١) السّدّة: باب الدّار.

(٢) أغدف: أرسل عليهم. والخميصة: كساء مربّع.

(٣) تفسير الحبريّ: ٣٠٤ - ٣٠٥؛ تفسير فرات الكوفيّ: ١٢١؛ والكنى والأسماء للدولابيّ ٢: ٢٥٤/٢٦١٩ و ٢٥٥/٢٦٢٣.

(٤) إناء من فخار.

(٥) الحريرة: حساء من دقيق يطبخ باللّبن.

٢٤٢

فأدخلت راسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: «إنّك إلى خبر، إنّك إلى خير» (١) .

وقال: قال عبد الملك: وحدّثني أبو ليلى عن أمّ سلمة مثل حديث عطاء سواء. قال عبد الملك: وحدّثني داود بن أبي عوف الجحّاف، عن حوشب (٢) ، عن أمّ سلمة بمثله سواء (٣) .

مالك بن إسماعيل، عن أبي إسرائيل الملاّئيّ، عن زبيد عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة أنّ الآية. [آية التّطهير (٣) من سورة الأحزاب] نزلت في بيتها، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين في البيت، فأخذ عباء فجلّلهم بها، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». فقلت: وأنا عند عتبة الباب -: يا رسول الله! وأنا منهم - أو معهم -؟ قال: إنّك لعلى خير» (٤) .

ومالك بن إسماعيل، عن جعفر الأحمر، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة.

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٦: ٢٩٢؛ أسباب النزول للواحديّ ٢٣٩.

(٢) لعلّه شهر بن حوشب الأشعريّ، المتوفّى سنة ثمان وتسعين، وقيل غير ذلك. مختصر تاريخ دمشق ١١:٦؛ تهذيب الكمال ١٢: ٥٨٨؛ المعارف لابن قتيبة ٤٤٨. وسنذكر له حديثاً آخر عن أمّ سلمة.

(٣) مسند أحمد ٦: ٢٩٢.

(٤) تفسير الحبريّ ٣٠٠ ح شواهد التنزيل - بطريق المرزبانيّ، رقم ٧٣١. وفي سنن الترمذيّ ٥: ٣٦١: سفيان عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمه أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جلّل الحسن والحسين وعليّاً وفاطمة كساء، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي، أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «إنّك على خير». وفي الباب عن أنس، وعن أبي سلمة، وأبي الحمراء.

وعن داود بن أبي عوف، قال: حدّثني شهر بن حوشب، قال: أتيت امّ سلمة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأسلّم عليها، فقلت لها: رأيت هذه الآية، يا أمّ المؤمنين: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟ قالت: نزلت وأنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على منامة لنا، تحتنا كساء خيبريّ، فجاءت فاطمة ومعها حسن وحسين، وفخار فيه حريرة، فقال: «وأين ابن عمّك؟». قالت: في البيت. قال: فاذهبي فادعيه». قالت: فدعوته، فأخذ الكساء من تحتنا، فعطفه، فأخذ جميعه بيده. فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» وأنا جالسة خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، فأنا؟ قال: «إنّك على خير». ونزلت هذه الآية: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في النّبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام . تفسير فرات الكوفيّ: ١٢١؛ تفسير الحبريّ: ٢٩٩.

٢٤٣

وعبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أمّ سلمة، قالت: جاءت فاطمة بطعيّم لها إلى أبيها وهو على منام له، فقال: آتيني ابنيّ، وابن عمّك. فقالت: جلّلهم، أو قالت: حوّل عليهم الكساء وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله! وأنا معهم؟ فقال: «أنت زوج النّبيّ، وأنت على - أو إلى خير» (١) .

وعبد الرّحمن بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن أبي يسار، عن أمّ سلمة رضي الله عنها، أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . قالت: فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي». قالت أمّ سلمة: يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنّك أهلي، وهؤلاء أهل بيتي» (٢) .

وعن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة الوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ عن أمّ سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في عليّ: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . قالت: قلت يا رسول الله! ألست من أهل البيت؟ قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النّبيّ». وكان في البيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٣) .

ويروى الحديث عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه مستقيماً

عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي هارون، عن أبي سعيد - أي الخدريّ - قال: نزلت هذه الآية: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) مسند أحمد ٦: ٢٩٢؛ تفسير الحبريّ: ٣٠٢ - ٣٠٣؛ أسباب النزول للواحديّ ٢٣٩؛ شواهد التنزيل للحسكانيّ رقم ٧٣٧؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٢٨؛ مشكل الآثار ١: ٣٣٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٤١٦، ٣: ١٤٦، وبذيله التلخيص للذهبيّ. وفي سنن الترمذيّ ٥: ٣٢٨، عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّ النّبيّ قال: «أنتِ على مكانكِ وأنتِ إلى خَيْرٌ». وفي الباب عن أمّ سلمة، ومعقل بن يسار، وأبي الحمراء، وأنس بن مالك.

(٣) مشكل الآثار ١: ٣٣٤؛ تفسير الحبريّ ٢٩٨؛ شواهد التنزيل برقم ٧١٢ - ٧١٣؛ تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٢٧.

٢٤٤

وعليٍّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، في بيت أمّ سلمة. (١)

وعمران بن مسلم عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في قوله تعالى: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال: جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثمّ أدار عليهم الكساء، فقال: «هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». وأمّ سلمة على الباب، فقالت: يا رسول الله، ألست منهم؟ فقال: «إنّك لعلى خير، أو إلى خير» (٢) .

وسفيان الثوريّ، عن أبي الجحّاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدريّ: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . قال: نزلت في خمسة، في النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٣) .

وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: حين نزلت: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (٤) .

كان يجيء نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر، يقول: الصلاة، رحمكم الله، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٥) .

رواية ابن عبّاس

وممّن روى الحديث، الصّحابيّ الجليل ابن عبّاس:

حبّان، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال: نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليٍّ، وفاطمة والحسن،

____________________

(١) تفسير الحبريّ: ٣٠٦.

(٢) تاريخ بغداد ١٠: ٢٧٨.

(٣) المعجم الكبير ١: ١٢٨؛ المعجم الصغير ١: ١٣٥؛ أسباب النزول للواحديّ: ٢٣٩؛ كفاية الطّالب: ٢٧٦؛ ينابيع المودّة: ١٠٨؛ ذخائر العقبى: ٢٥.

(٤) طه: ١٣٢.

(٥) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٤٢.

٢٤٥

والحسين. قال: والرّجس الشّكّ (١) .

وعن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس، في حديثه مع الرّهط التسعة الذين وقعوا في عليٍّ عليه‌السلام ، فانبرى ابن عبّاس يبكّتهم ويعدّد فضائل عليٍّ عليه‌السلام . قال: ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين وعليّاً وفاطمة عليهم‌السلام ، ومدّ عليهم ثوباً، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً» (٢) .

في رواية ابن مردوية، عن ابن عبّاس: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد نزول هذه الآية، كان يمرّ ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: «السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصّلاة رحمكم الله ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وذلك طيلة سبة أشهر. (٣)

ومن جواب ابن عبّاس ليزيد بن معاوية، وقد كتب إليه يطلب منه أن يدخل في طاعته،! وأن يحثّ النّاس على ذلك: «ثمّ إنّك سألتني أن أحثّ النّاس على طاعتك، وأن أخذّلهم عن ابن الزّبير، فلا مرحبا ولا كرامة! تسألني نصرتك ومودّتك، وقد قتلت ابن عمّي وأهل رسول الله، مصابيح الهدى، ونجوم الدّجى؟! غادر تهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى. أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لقتل الحسين؟! فما زلت وراءه تخيفه حتّى أشخصته إلى العراق؛ عداوةً منك لله ورسوله ولأهل بيته الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً (٤) .

وكتاب ابن عبّاس إلى يزيد طويل، كشف فيه عن سوءات بني أميّة، وأنّ يزيد كان يتحرّك في نفس الدائرة الّتي كان يتحرّك فيها أبوه: الطّلب بثار أهلهم يوم بدر! واتخاذهما دم عثمان وسيلةً لذلك، ويتهدّده ابن عبّاس بعذاب الله الأليم. وقد ثارت ثائرة الرِّعْدِيد

____________________

(١) تفسير الحبريّ: ٣٠٧؛ شواهد التنزيل ٢: ٣٠ رقم ٦٧١.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٢٩؛ مسند أحمد بن حنبل ١: ٣٣١؛ مجمع الزوائد ٩: ١١٩؛ شواهد التنزيل ٢: ٣١ رقم ٦٧٠؛ المستدرك على الصحيحين ٢: ١٣٢؛ كفاية الطّالب: ٢٤٤؛ الرياض النضرة ٢: ٢٦٩؛ تفسير فرات: ١٢٥.

(٣) ما نزل من القرآن في عليّ: ابن مردويه ٣٠١/٤٧٥٤؛ نور الأبصار للشبلنجيّ: ٢٢٦.

(٤) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: ٢٤٨.

٢٤٦

يزيد، فأراد البطش بابن عبّاس، ولكن شغله أمر ابن الزّبير، ثمّ أخذه الله تعالى بعد ذلك بيسير، أخذ عزيز مقتدر.

عن سعد بن أبي وقّاص قال: قال: نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي، فأدخل عليّاً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي». ما نزل من القرآن في عليّ: ابن مردويه ٣٠١/٤٧٦، والدرّ المنثور ٥: ١٩٩. وفي الشّفا للقاضي عياض: ٣١، لفظه: «اللّهمّ هؤلاء أهلي».

وفي المعاني الجليلة لآية التطهير، وفيمن هم الّذين شملهم الخطاب الإلهيّ... ذكر في ذلك يوسف النبهانيّ كلاماً طريفاً نذكر هنا بعضه، قال:

قال الإمام أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ في تفسيره: يقول الله تعالى: إنّما يريد الله ليذهب عنكم السّوء والفحشاء يا أهل محمّد، ويطهّركم من الدّنس الّذي يكون في معاصي الله تطهيراً. وروي عن أبي زيد: أنّ الرّجس هاهنا الشّيطان. وذكر أي الطبريّ، بسنده إلى سعيد بن قتادة أنّه قال: قوله: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فهم أهل بيتٍ طهّرهم الله من السّوء وخصّهم برحمة منه.

وقال ابن عطيّة: والرّجس اسم يقع على الإثم والعذاب وعلى النجاسات والنقائص ن فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت.

وقال الإمام النّوويّ: قيل هو الشّكّ، وقيل العذاب، وقيل الإثم. قال الأزهريّ: الرّجس اسم لكل مستقذر، من عمل وغيره (١) .

المحصّلة

من مجموع الأقوال الّتي ذكرها النبهانيّ، فإنّ الآية المباركة قد نصّت على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، عصمةً مطلقة؛ فليس في صراطهم وسوسة شيطان، ولم يدنّسهم إثم ولم يقترفوا معصية، وقد رحمهم الله رحمة خاصّة. فليس فيهم عيب كما في غيرهم، ولم يتنجّسوا بما قارفه الآخرون... فماذا غير كلّ ذلك وسواه من معاني الكمال ليكون

____________________

(١) الشّرف المؤبّد لآل محمّد: يوسف بن إسماعيل النبهانيّ: ٦.

٢٤٧

صراطهم الصّراط المستقيم؟!

أمّا من هم أهل البيت المخاطبون بالآية؟

إنّهم الخمسة أهل العباء. قال النبهانيّ: «واختلف المفسّرون في أهل البيت في هذه الآية، فذهبت طائفة - منهم أبو سعيد الخدريّ وجماعة من التّابعين منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهم، كما نقله الإمام البغويّ، وابن الخازن، وكثير من المفسّرين - إلى أنّهم هنا أهل العباء. وهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم. وذهب جماعة - منهم ابن عبّاس، وعكرمة - إلى أنّهم أزواجه الطّاهرات، قال هؤلاء: الآيات كلّها من قوله: ( يَا أَيّهَا النّبِيّ قُل لِأَزْوَاجِكَ ) (١) إلى قوله: ( إِنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) (٢) منسوق بعضها على بعض، فكيف صار في الوسط كلام لغيرهنّ؟!

وأجاب عن هذا القائلون بأنّ المراد أهل العباء بأنّ الكلام العربيّ يدخله الاستطراد والاعتراض، وهو تخلّلُ الجملة الأجنبيّة بين الكلام المتناسق، كقوله تعالى: ( إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزّةَ أَهْلِهَا أَذِلّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ) (٣) ؛ ( وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيّةٍ ) (٤) . فقوله: وكذلك يفعلون، جملة معترضة من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس. وقوله تعالى: ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) (٥) ، أي: فلا أقسم بمواقع النّجوم إنّه لقرآن، وما بينهما اعتراض على اعتراض. وهو كثير في القرآن وغيره من كلام العرب.

وقد ثبت من طرق عديدة صحيحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء ومعه عليّ وفاطمة وحسن وحسين، قد أخذ كلّ واحد منهما بيد حتّى دخل، فأدنى عليّاً وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لفّ عليهم كساءً، ثمّ تلا هذه الآية: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . وفي رواية: «اللّهمّ

____________________

(١) الأحزاب / ٢٨.

(٢) نفس المصدر ٣٤.

(٣) النّمل / ٣٤.

(٤) نفس المصدر ٣٥.

(٥) الواقعة / ٧٧ - ٧٧.

٢٤٨

هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً». قالت أمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ فقال: «إنّك من أزواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على خير».

وروى أحمد والطّبرانيّ عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة» وروي من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصّلاة أهل البيت، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » . وعن أبي سعيد الخدريّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء أربعين صباحاً - يعني بعد نزول هذه الآية - إلى باب فاطمة، يقول: «السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » . وعن ابن عبّاس: سبعة أشهر، وفي رواية: ثمانية أشهر. وهذا نصّ منه صلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّ المراد من أهل البيت في هذه الآية هم الخمسة (١) .

قال: وقال شيخ الصوفيّة محيي الدّين بن عربيّ رضى الله عنه، في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكّيّة: ولما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عبداً محضاً قد طهّره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرّجس وهو كلّ ما يشينهم، فإنّ الرّجس هو القّذر عند العرب؛ هكذا حكى الفرّاء، قال الله تعالى: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فلا يضاف إليهم إلاّ مطهّر ولا بدّ؛ فإنّ المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فما يضيفون لأنفسهم إلاّ من له حكم الطّهارة والتقديس؛ فهذه شهادة من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان الفارسيّ بالطّهارة والحفظ الإلهيّ والعصمة، حيث قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلمان منّا أهل البيت». وشهد الله لهم بالتّطهير وذهاب الرّجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلاّ مطهّر مقدّس، وحصلت له العناية الربّانيّة الإلهيّة بمجرّد الإضافة، فما ظنّك بأهل البيت في نفوسهم؟! فهم المطهّرون، بل هم عين الطّهارة. فهذه الآية تدلّ على أنّ الله تعالى قد شرك أهل البيت مع

____________________

(١) الشّرف المؤبّد لآل محمّد: يوسف بن إسماعيل النبهانيّ ٦ - ٨.

٢٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في قوله تعالى: ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ ) (١) ، وأيّ وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ؟! فطهّر الله سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمغفرة ممّا هو ذنب بالنسبة إلينا، ولو وقع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكان ذنباً في الصورة لا في المعنى؛ لأنّ الذمّ لا يلحق به على ذلك من الله، ولامنّا شرعاً. فلو كان حكمه حكم الذّنب لصحبه ما يصحب الذّنب من المذمّة، ولم يكن يصدق قوله: ( لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . فدخل الشّرفاء أولاد فاطمة كلّهم رضي الله عنهم - ومن هو من أهل البيت، مثل سلمان الفارسيّ رضى الله عنه - إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران ن فهم المطهّرون اختصاصاً من الله وعنايةً بهم، لشرف محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعناية الله بهم...» (٢) .

وتوسّع الشبلنجيّ في الحديث عن مفهوم أهل البيت، وقال: إنّهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وإنّهم معجزة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودليل نبوّته يوم المباهلة. قال: اختلف في أهل البيت... ويشهد للقول بأنّهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين ما وقع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أراد المباهلة هو ووفد نجران، كما ذكره المفسّرون في تفسير آية المباهلة، وهي قوله تعالى: ( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٣) . قيل: أراد بالأبناء الحسن والحسين، وبالنّساء فاطمة، وبالنّفس نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّاً رضى الله عنه، كذا في تفسير الخازن. ( ثُمّ نَبْتَهِل ) قال ابن عبّاس: قال ابن عبّاس: نتضرّع في الدّعاء، وقيل معناه: نجتهد ونبالغ في الدّعاء، وقيل معناه: نلتعن.

قال المفسّرون لما قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية على وفد نجران، ودعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتّى نرجع وننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك غداً. فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب - وكان كبيرهم وصاحب رأيهم - ما ترى يا عبد المسيح؟ قال: لقد علمتم يا معشر النّصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولئن فعلتم ذلك لنهلكنّ. وفي روايةٍ قال لهم: ما لا عن قوم قطّ نبيّاً إلاّ هلكوا عن آخرهم، فإن أبيتم إلاّ الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم

____________________

(١) الفتح / ٢.

(٢) الشّرف المؤبّد لآل محمّد: ١٢ - ١٣.

(٣) آل عمران / ٦١.

٢٥٠

فوادعوا الرّجل، وانصرفوا إلى بلادكم. فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ يمشي خلفها، والنّبيّ يقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا. فلمّا رآهم أسقف نجران قال: يا معشر النّصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم». فأبوا ذلك، فقال: «فإنّي أنابذكم (١) » . فقالوا ما لنا في حرب العرب طاقة، ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا، وأن نؤدّي إليك في كلّ سنة ألفي حلّة: ألف في صفر وألف في رجب. زاد في رواية: وثلاثاً وثلاثين درعاً، وثلاثاً وثلاثين بعيراً، وأربعاً وثلاثين فرساً غازية. فصالحهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك، وقال: «والّذي نفسي بيده، إنّ العذاب تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله الطّير على الشّجر، ولما حال الحول على النّصارى كلّهم حتّى هلكوا»؛ انتهى عن الخازن وغيره. وفي «الخطيب» عن عائشة: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ، ثمّ قال: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

قال الشبلنجيّ: وفي ذلك دليل على نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى فضل أهل الكساء (٢) .

قال: ما قدّمناه من أنّ أهل البيت هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين، هو ما جنح إليه - أي مال - الفخر الرّازيّ في تفسيره (٣) ، والزمخشريّ في كشّافه، وعبارته عند تفسير قوله

____________________

(١) أي أناجزكم الحرب.

(٢) نور الأبصار لمؤمن بن حسن الشبلنجيّ: ٢٢٣ - ٢٢٤. (تكلّمنا عن ذلك في حديث ردّ الشّمس).

(٣) التفسير الكبير للفخر الرّازيّ ٢٧: ١٦٦، وعبارته: «آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هم الّذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل. ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ التعلّقات، وهذا كالمعلوم بالنّقل المتواتر، وجب أن يكونوا هم الآل».

٢٥١

تعالى: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) (١) : روي أنّها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما» (٢)

____________________

(١) الشورى / ٢٣.

(٢) الكشّاف للزمخشريّ ٢: ٣٣٩. وأيضاً مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ٣١١؛ كفاية الطّالب ٩١؛ والصواعق المحرقة ١٠١؛ الفضائل لأحمد بن حنبل: ١٠٨؛ تفسير ابن كثير ٤: ١١٢؛ فرائد السّمطين ٢: ١٣؛ شواهد التنزيل ٢: ١٣٠؛ تفسير فرات: ١٤٥؛ سعد السّعود: ١٤٠؛ مجمع الزّوائد ٧: ١٠٣؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٢٦، ٣: ١٥٥ و ٧: ١٠٣؛ ذخائر العقبى: ٢٥؛ نور الأبصار: ٢٢٤ و ٢٢٧؛ مطالب السؤول لابن طلحة الشّافعيّ: ٨؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: ١٢؛ شرح المواهب اللّدنيّة للزرقانيّ: ٧ و ٢١؛ تذكرة الحفّاظ للذهبيّ ٤: ١٤٣٣؛ بغيةالوعاة للسيوطيّ ك ٤١٩؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٧٢؛ العمدة في عيون صحاح الأخبار لابن البطريق: ٢٤ وفي ص ٢٦: قال الثعلبيّ: قيل هم الّذين تحرم عليهم الصّدقة، ويقسّم فيهم الخمس؛ وهم بنو هاشم وبنو المطّلب الذين لم يفترقوا في الجاهليّة والإسلام. يدلّ عليه قوله عزّ وجلّ: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏ حَقّهُ ) ، قال يحيى بن الحسن: هذا الوجه لا يتعدّى عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، فلا يشرك بهم سواهم، إلاّ من كان من نسلهم. يدلّ على ذلك قوله: لم يفترقوا في الجاهليّة والإسلام، وليس يوجد من هو كذلك إلاّ من قال الله تعالى في حقّه: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فمن أذهب الله عنهم الرّجس وطهّره بذلك فهو الّذي لم يفترق في جاهليّة ولا إسلام».

ونفس المصدر: إبراهيم الجرجانيّ، قال: أنشدني الفقيه منصور لنفسه:

إن كان حبّي خمسة

زكيت بهم فرائصي

وبغض من عاداهم

رفضاً، فإنّي رافضي!

وفي ينابيع المودّة للقندوزيّ الحنفيّ ١٠٦، قال: أخرج أحمد في مسنده، بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لما نزلت ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الّذين وجبت لنا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة والحسن والحسين». والسيوطيّ في كتابه إحياء الميت ١٣؛ تفسير النّسفي - بهامش تفسير الخازن ٤: ٩٩٠؛ المعرفة والتاريخ للفسويّ ١: ٢٩٦؛ تفسير الثعلبيّ ٨: ٣١٠.

وذكر الثعلبيّ في تفسيره (٨: ٣١٢): عن إسحاق بن أبي عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نحن ولد عبد المطّلب سادة أهل الجنّة، أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهديّ». وفي تفسيره لآية المودّة، قال: قال بعضهم: معناه أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب. (المصدر نفسه ٣١٠).

قال: ثمّ اختلفوا في قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمر الله تعالى بمودّتهم. عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: لما نزلت: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) الآية، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا =

٢٥٢

____________________

= مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناءهما» (المصدر نفسه ٣١٠؛ مجمع الزوائد ٧: ١٠٣). قال: ودليل هذا التأويل: إسماعيل بن عمرو عن عمر بن موسى عن زيد بن عليّ بن حسين، عن أبيه، عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب قال: «شكوت إلى رسول الله حسد النّاس لي!». فقال: «أما ترضى أن تكون أربعة، أوّل من يدخل الجنّة: أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمالنا، وذرّيّتنا خلف أزواجنا وشيعتنا من ورائنا». (تفسير الثعلبيّ ٨: ٣١١؛ شواهد التنزيل ١: ١٨٥).

«والمصدر نفسه: ٣١٢» قال: قيل هم الذين تحرم عليهم الصدقة، ويقسّم...، إلى قوله: بهامش تفسير الخازن: ٩٩٠.

وللإمام السبط الشهيد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام خطبة خطبها بعد شهادة امير المؤمنين عليه‌السلام ، فعن أبي الطّفيل، قال: خطبنا الحسن بن عليّ عليهما‌السلام بعد وفاة أبيه، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال: خاتم الوصيّين، ووصيّ خاتم الأنبياء، وأمير الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين.

ثمّ قال: أيّها النّاس! لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون؛ لقد كان رسول الله يعطيه الرّاية، فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه. ولقد قبضه الله في الليلة الّتي قبض فيها وصيّ موسى، وعرج بروحه في الليلة الّتي عرج فيها بروح عيسى بن مريم، وفي الليلة التي أنزل الله عزّ وجلّ فيها الفرقان. والله ما ترك ذهبا ولا فضّة، وما في بيت ماله إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأمّ كلثوم. ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ تلا هذه الآية: ( وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ) [ يوسف / ٣٨ ] أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن النّبيّ الدّاعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السرّاج المنير، وأنا ابن الّذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الّذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الّذي أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً. وأنا من أهل البيت الّذين افترض الله تعالى مودّتهم وولايتهم على كلّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) [الشورى ٢٣]، واقتراف الحسنة: «مودّتنا أهل البيت». مقاتل الطّالبيين لأبي الفرج الأصبهانيّ ٤٣-٤٤؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٧٢؛ سنن النّسائي ٦١؛ خصائص امير المؤمنين للنّسائي أيضاً ١٧٢؛ الصواعق المحرقة ١٠١ و ١٣٦؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ ١٦٦؛ مجمع الزوائد ٩: ١٤٦؛ شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ٤: ١١؛ مسند أحمد بن حنبل ١: ١٩٩؛ حلية الأولياء ١: ٦٥؛ الطبقات الكبرى لابن سعد ٣: ٢٦؛ أسد الغابة ٢: ١٤ - ١٥؛ كفاية الطّالب ٩٢ - ٩٣؛ ينابيع المودّة ٨ - ٩ وفيه زيادة بعد قوله: «واقتراف الحسنة: مودّتنا»، قال: ولما نزلت ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً ) [ الأحزاب / ٥٦ ] فقالوا: يا رسول الله، كيف =

٢٥٣

قال الشبلنجيّ: وروي من طرق عديدة صحيحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أخذ كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لفّ عليهم كساءً، ثمّ تلا هذه الآية ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». وفي رواية: «اللّهمّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد، كما جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد». وفي رواية أمّ سلمة، قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي! فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟فقال: «إنّك من أزواج النّبيّ، على خير».

وفي رواية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أدرج معهم جبريل وميكائيل، وفي رواية أن ذلك الفعل كان في بيت فاطمة، وقد أشار المحبّ الطّبرانيّ إلى أن هذا الفعل تكرّر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن الآيات، زيادة على ما سبق، ما أخرجه الثعلبيّ في تفسير قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً ) (١) . عن جعفر الصادق، أنّه قال: «نحن حبل الله». وأخرج بعضهم عن محمّد الباقر في قوله تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى‏ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) (٢) أنّه قال: «أهل البيت هم النّاس».

وأخرج بعضهم عن محمّد بن الحنفيّة، في قوله تعالى ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ

____________________

= الصّلاة عليك؟ فقال: «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد»، فحقّ على كلّ مسلم أن يصلّي علينا فريضة واجبة. وأحلّ الله خمس الغنيمة لنا كما أحلّ له، وحرّم الصدقة علينا كما حرّم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأخرج جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم المباهلة من الأنفس أبي، ومن البنين أنا وأخي الحسين، ومن النّساء فاطمة أمّي، فنحن أهله ولحمه ودمه، ونحن منه وهو منّا. وهو يأتينا كلّ يوم عند طلوع الفجر، فيقول: «الصّلاة، يرحمكم الله»، وتلا: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وقد قال الله تعالى: ( أَفَمَن كَانَ عَلَى‏ بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ ) [ هود ١٧ ] وأبي الّذي يتلوه وهو شاهد منه. وأمر الله رسوله أن يبلّغ أبي سورة البراءة في موسم الحجّ. وقال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قضى بينه وبين أخيه جعفر ومولاه زيد في ابنة عمّه حمزة: «أمّا أنت يا عليّ فمنّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي»، فكان أبي أوّلهم إيماناً، فهو سابق السّابقين، وفضّل الله السّابقين على المتأخّرين، وفضّل سابق السابقين على السابقين.

(١) آل عمران / ١٠٣.

(٢) النساء / ٥٤.

٢٥٤

سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمنُ وُدّاً ) (١) ، أنّه قال: لا يبقى مؤمن إلاّ وفي قلبه ودّ لعليّ وأهل بيته، وذكر النقّاش أنّها نزلت في عليٍّ رضى الله عنه.

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنّه قال: لما نزلت هذه الآية: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (٢) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ: «هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين».

وعن أنس بن مالك، في قوله تعالى ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) (٣) ، قال: عليّ وفاطمة، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، قال: الحسن والحسين.

وعن محمّد بن سيرين، في قوله تعالى: ( وَهُوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (٤) أنّها نزلت في النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ بن أبي طالب هو ابن عمّ النّبيّ وزوج فاطمة رضي الله عنها، فكان نسباً وصهراً.

قال: ذكر الفخر الرّازيّ أنّ أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصّلاة عليه وعليهم في التشهّد، وفي السّلام، والطّهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبّة. (٥)

____________________

(١) مريم / ٩٦.

(٢) البيّنة / ٧.

(٣) الرّحمن / ٩.

(٤) الفرقان / ٥٤.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرّازيّ ٢٧: ١٦٦، قال: إنّ الدّعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدّعاء خاتمة التشهّد في الصّلاة وهو قوله: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد. وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل؛ فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّد واجب. وقال: إنّ أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد، وفي السّلام...».

لقد أغنانا الفخر الرّازيّ بقوله: «إنّ الدّعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدّعاء خاتمة التشهّد في الصّلاة، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل» عن التعليق والإطناب في بعض ما لأهل البيت عليهم‌السلام من حقّ على أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ بمكانتهم منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ هم أهله من دون غيرهم من قرابته وصحابته، وبالمنزلة الّتي لم ينزلهم إيّاها أحد من البشر، إنّما اطّلع سبحانه إلى أهل الأرض ن فاختار منهم محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّاً، واطّلع أخرى فاختار عليّاً عليه‌السلام وصيّاً لنبيّه وصهراً على ابنته البتول فاطمة الزّهراء عليها‌السلام ، ولم يجد الباري تعالى غير هذا البيت محلاًّ لأعلى مراتب الشّرف، فأكرمهم بالعصمة والطّهارة، وجعلهم أئمّة يهدون بأمره. ومنهم المهديّ المنتظر عليه‌السلام =

٢٥٥

____________________

= الّذي تتطلّع إليه أفئدة المعذّبين في الأرض، لينقذهم من شرور الغرب والشّرق... فإن حفظت الأمّة لهذا البيت حقّه فحقّ نفسها حفظت، ومن أضاعه فحقّ نفسه أضاع، ولن يضرّ الله شيئاً.

وقوله: «وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل»، يعني: لو دخل فيها ذكر غيرهم - أيّاً كان - بطلت الصّلاة. ولا تستقيم الصّلاة إلاّ بالشهادة لله تعالى بالوحدانيّة، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبوديّة لله سبحانه وأنّه نبيّ الله، ثمّ تعظيمه بالصلاة عليه وعلى آله، فوجب لذلك أن يكون صراطهم هو الصّراط المستقيم.

ولسنا بحاجة، بعد الّذي ذكرناه في بحث الاستدلال بآية الطّهارة، للتدليل على أنّ أهل البيت الّذين أمرنا أن نصلّي عليهم في صلاتنا هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وفي تفسير قوله تعالى: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال نظام الدّين الحسن بن محمّد النيسابوريّ في تفسيره غرائب القرآن ورغائب الفرقان، بهامش تفسير الطبريّ، في آية المودّة: كفى شرفاً لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفخراً ختم: التشهّد بذكرهم، والصّلاة عليهم في كلّ صلاة.

وفي ذخائر العقبى ١٩، عن جابر رضى الله عنه أنّه كان يقول: لو صلّيتُ صلاةً لم أصل فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل».

وأخرج الطبرانيّ في الأوسط، وذكره الهيتميّ في مجمع الزوائد ١٠: ١٦٠ عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد».

وفي الإصابة ٣: ٢٨٩ أنّ كدير الضّبيّ كان يصلّي ويقول: اللّهمّ صلّ على النّبيّ والوصيّ.

وفي الصواعق المحرقة ٨٧ قال ابن حجر: قوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً ) ، إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرن الصّلاة على آله بالصّلاة عليه؛ لما سئل عن كيفيّة الصّلاة والسّلام عليه. وقال: وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصّلاة على أهل بيته وبقيّة آله مراد من هذه الآية، وإلاّ لم يسألوا عن الصّلاة على أهل بيته وآله عقب نزول هذه الآية ولم يجابوا بما ذكر، فلمّا أجيبوا به دلّ على أنّ الصّلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه؛ لأنّ القصد من الصّلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم، ومن ثمّ لما دخل من مرّ في الكساء قال: «اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم». وقضيّة استجابة هذا الدّعاء: إنّ الله صلّى عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويروى: «لا تصلّوا عليّ الصّلاة البتراء». فقالوا: وما الصّلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد، وتمسكون! بل قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد نقل عن الإمام الشّافعيّ قوله:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

٢٥٦

كَلِفَ الحنفيّ والمالكيّ والشّافعيّ بحبّ أهل البيت الطّاهر، مع إحساسهم أنّ هذا الوله والشغف بهم عليهم‌السلام يغيض قوماً ويثير حفيظة آخرين، بل إنّ بعضهم دفع في سبيل هذا الولاء ثمناً غالياً، مثلما وقع للنّسائيّ صاحب السّنن الّذي بطشت به عصابة النّصب؛ لأنّه صنّف كتاب «الخصائص» في فضائل امير المؤمنين عليه‌السلام ، فاستشاطوا غيظاً لذلك، وأرادوا منه أن يساوي بين عليٍّ ومعاوية - كما هو منهج ابن تيميّة وابن القيّم - فقال أحدهم: ألا تخرّج فضائل معاوية؟! فقال: أيّ شيء أخرّج؟! «اللّهمّ لا تشبع بطنه»؟! ثم قال: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حتّى يفضّل؟! فتناولته الأيدي والأرجل وأخرج من جامع دمشق على أسوأ حال، ليموت بعد ذلك بقليل. (١)

وامتدّت يد النّصب البغيضة إلى الحافظ الگنجيّ الشّافعيّ لتقتله بتهمة الرّفض! فمضى

____________________

كفا كم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

قال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصّلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملةً، فيوافق أظهر قوليه.

وفي صفحة ١٣٩ قال: أخرج الدار قطنيّ والبيهقيّ حديث «من صلّى صلاةً ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه»، وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشّافعيّ رضى الله عنه: إنّ الصّلاة على الآل من واجبات الصّلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي الشّفا للقاضي عياض ٣: ٥٠٥، عن ابن مسعود، عين الحديث السّابق الذي ذكره ابن حجر في الصّواعق المحرقة صفحة ١٣٩.

وفي شرح الشفا للقاضي الخفاجيّ الحنفيّ ٣: ٥٠٦، عن عليٍّ عليه‌السلام : «الدّعاء والصّلاة معلّق بين السّماء والأرض، لا يصعد إلى الله منه شيء حتّى يصلّى عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى آل محمّد».

وفي المعرفة والتاريخ ١: ٢٩٦: عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن سالم، عن سعيد في قوله ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ ) الآية، قال: أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم. والمصدر نفسه: إسرائيل عن جابر عن محمّد بن عليّ، عن أبي مسعود قال: لو صلّيت صلاة لا أصلّي على آل محمّد لرأيت أنّ صلاتي لا تتمّ.

(١) والحادثة مذكورة في كتب الرّجال والتاريخ، ذكرها الصفديّ في الوافي بالوفيات ٦: ٤١٧؛ والذهبيّ في تذكرة الحفّاظ ٢: ٧٠٠؛ والسّبكيّ في طبقات الشّافعيّة الكبرى ٣: ١٦ ح وابن خلّكان في وفيات الأعيان ١: ٧٧؛ والمزّيّ في تهذيب الكمال ١: ٣٣٩، وحكم له بالشهادة.

٢٥٧

شهيداً (١) .

وإذا كان الآخرون - بمن فيهم أئمّة المذاهب - قد سلموا من القتل، فإنّهم لم ينجوا من تهمة الترفّض! حكى أبوبكر البيهقيّ في كتابه الّذي صنّفه في مناقب الإمام الشّافعيّ: أنّ الإمام الشّافعيّ قيل له إنّ أناساً لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة تذكر لأهل البيت؛ فإذا رأوا أحداً يذكر شيئاً من ذلك قالوا: تجاوزوا عن هذا فهو رافضيّ! فأنشأ الشّافعيّ رحمه الله تعالى يقول:

إذا في مجلسٍ نذكر عليّاً

وسبطيه وفاطمة الزكيّه

يقال: تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرّافضيّه!

برئت إلى المهيمن من أناسٍ

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه (٢)

فالشّافعيّ لا يجد حرجاً أن يرمى بتهمة الرفض ومشايعة صراط أهل البيت، وهو على جلالته يبرأ من أعدائهم وشانئيهم وله أيضاً:

قالوا: ترفّضت؟ قلت: كلاّ

ما الرّفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت - غير شكٍّ

خير إمام وخير هادي

إن كان حبّ الوليّ رفضاً

فإنّني أرفض العباد (٣)

وله أيضاً شعر يفيض حبّاً لهم عليهم‌السلام ومكابدة من أولئك الّذين يقفون معاثر في صراط السّالكين، يلبّسون عليهم الّذي ألبسه عليهم إبليس، ويهتف متحدّياً أنّه رافضيّ، ونعمت التهمة!:

يا راكباً قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذ فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبّ آل محمّدٍ

فليشهد الثّقلان أنّي رافضي! (٤)

____________________

(١) انظر سيرة الگنجيّ ومعاناته، وقصّة شهادته، وما قالته الأقلام الحاقدة في شأنه، في مقدّمة كتاب «كتفاية الطّالب في مناقب عليّ بن أبي طالب».

(٢) نور الأبصار: ٢٣٢.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

٢٥٨

وله رحمه الله تعالى قول يعرب عن عقيدته في الوسيلة؛ فأهل البيت عليهم‌السلام وسيلته إلى الله تعالى، وبشفاعتهم يرجو الجواز إلى الجنّة؛ فصراطهم صراط الله المستقيم، وهي أمور نافضل ابن تيميّة وتلامذته لإنكارها. قال الشافعيّ:

آل النّبيّ ذريعتي

وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم أعطى غداً

بيدي اليمن صحيفتي (١)

وعلى نسق أشعار الشّافعيّ وعقيدته في أهل البيت عليهم‌السلام من وجوب ولائهم، والأخذ بسببهم، والتزام صراطهم... ذكر ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة ص ١٣ لأحدهم:

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في «الشورى» وفي«هل أتى» أتت

وفي «سورة الأحزاب» يعرفها التالي

وهم آل بيت المصطفى، فودادهم

على النّاس مفروض بحكم وإسجال

وذكر لآخر:

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً

تمسّك في أخراه بالسّبب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مناقباً

محاسنهم تجلى، وآثارهم تروى

موالاتهم فرض وحبّهم هدىً

وطاعتهم ودّ وودّهم تقوى

وفي الصواعق المحرقة ١٠١، قول لابن العربيّ، منه:

رأيت ولائي آل طه فريضةً

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى

بتبليغه، «إلاّ المودّة في القربى»

وله أيضاً:

فلا تعدل بأهل البيت خلقاً

فأهل البيت هم أهل السّياده

فبغضهم من الإنسان خسر

حقيقيّ، وحبّهم عباده

وذكر الشبلنجيّ قصّة إشراق الشّمس بعد أن ركنت إلى الغروب والّتي ذكرها ذكره سبط ابن الجوزي، مع اختلاف اقتضى إيرادها، قال:

وحكي أن بعض الوعّاظ أطنب في مدح آل البيت الشريف وذكر فضائلهم، حتّى

____________________

(١) نور الأبصار: ٢٣٢.

٢٥٩

كادت الشّمس أن تغرب، فالتفت إلى الشّمس، وقال مخاطباً لها:

لا تغربي يا شمس حتّى ينقضي

مدحي لآل محمّدٍ ولنسله

واثني عنانك إن أردت ثناءهم

أنسيت إذ كان الوقوف لأجله؟!

إن كان للمولى وقوفك فليكن

هذا الوقوف لفرعه ولنجله

فطلعت الشّمس، وحصل في ذلك المجلس أنس كثير وسرور عظيم. انتهى من «درر الأصداف»، وما أحسن ما قاله أبوالفضل الواعظ رضى الله عنه.

حبّ آل النّبيّ خالط عظمي

وجرى في مفاصلي، فاعذروني!

أنا والله مغرم بهواهم

علّلوني بذكرهم علّلوني!

وما أحسن قول ابن الورديّ ناظم «البهجة»:

يا أهل بيت النّبيّ، من بذلت

في حبّكم روحه فما غبنا

من جاءكم يطلب الحديث له

قولوا: لنا البيت، والحديث لنا (١)

وشاعر أهل البيت عليهم‌السلام أبو محمّد سفيان بن مصعب العبديّ مثل حال زميله السيّد الحميريّ المتوفّى سنة ١٧٨، ينهلان من نمير فرات الصادق عليه‌السلام ، ويصوغان من مبادئ وعقائد أهل البيت عقود جمان، ويتزلّفان إلى الله تعالى بمحض ولائهم عليهم‌السلام . فمن جيّد شعر العبديّ - وفيه إشارة إلى بعض ما جاء بحقّهم في القرآن الكريم - قوله:

آلُ النّبيّ محمّدٍ

أهل الفضائل والمناقب

المرشدون من العمى

والمنقذون من اللّوازب

الصّادقون النّاطقون

السّابقون إلى الرّغائب

فولاؤهم فرض من الرّ

حمن في القرآن واجب

وهم الصراط، فمستقيـ

ـم فوقه ناج وناكب

صدّيقة خلقت لصدّ

يقٍ شريفٍ في المناسب

فقوله «الصّادقون» إشارة إلى قوله تعالى: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ

____________________

(١) نور الأبصار: ٢٣٣ - ٢٣٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413