منهاج السالكين

منهاج السالكين14%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142330 / تحميل: 6750
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والطّواف في رحابه حجّ، وذكره موعظة.

بسندٍ عن عبد الله بن مسعود، قال قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «النظر إلى وجه عليّ عبادة». (١)

وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة أنّ النبيّ قال: «النظر إلى وجه عليّ

____________________

= لكونه وارث علم النبوّة، وهو من دعاة الهدى للأمّة يجنّب النّاس المكاره والمعاطب، ويرشدهم إلى سبيل الخير والصّلاح، ويدعوهم إلى ما دعاهم الله إليه ورسوله، وينهاهم عمّا نهاهم الله عنه ورسوله، فيكونون بين يدي العالم كالأسير بين يدي مالكه، لا يتّهمه في أمر ولا نهي ويكون عند رؤيته كالنّاظر إلى وجه رسول الله، والجالس بين يديه ولا ينظر إليه شزرا ولا يرفع صوته بين يديه. «والنّظر إلى المصحف عبادة» من حيث معرفة وجوب حرمته وجلالته وإكرامه وإعظامه، وتأمّله إلى الأمر والنّهي، والندب والاستحباب، وسؤال الله تعالى الرّحمة عند ذكر الرّحمة والجنّة، والاستعاذة بالله من النّار والفتن والشّرور عند ذكرها، فيفرّغ سرّه وجوارحه عند النّظر في كتاب الله، ويدّبر آياته ويتفكّر في عبره وتبيانه، فيكون من العابدين بقراءته ومن العائذين بالنظر إليه «والنّظر غلى وجه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عبادة» إذا كان النظر إليه بعين الاحترام والتبجيل والإكرام أنه سفير بين الله عزّ وجلّ وبين عبده، وله المكانة العظيمة لاختيار الله تعالى إيّاه لرسالته واطّلاعه على أسرار الحقّ.

وكذلك «النظر إلى الكعبة عبادة» وهي حجارة بناها البنّاها إمّا من أهل الإيمان، وغمّا من أهل الشّرك وهي إنّما النظر إليه عبادة من حيث إنّها نسبت إلى الله عزّ وجلّ بالتخصيص والتشريف، وأنّها بيت الله وموضع نظره من أرضه ومهبط وحيه ورحمته وحياطة ملائكته ومحلّ أنبيائه ورسله، ومائدة وليمته في أرضه الّتي دعا النّاس إليها، وأوجب عليهم حجّها؛ فإنّ النّاظر إليها كالناظر إلى الله عزّ وجلّ، فينظر إليها بالتعظيم والتوقير، ويلوذ بها ويطوف حولها، ويتمسّح بأركانها كما يفعل العبد الذليل بين يدي المولى الجليل، يرجو فضله ويخاف من المجازاة لعدله.

«وأمّا النظر إلى وجه عليّ فإنّه عبادة» من حيث إنّه ابن عمّ الرسول، وزوج البتول، ووالد السبطين الحسن والحسين، وأخو الرسول، ووصيّه، وباب علمه، والمبلّغ عنه، والمجاهد بين يديه، والذّابّ عنه، والمجلي الكرب عنه، والباذل نفسه لله تعالى ولرسوله... ويدلّ على فضل النظر إليه على فضل النظر إلى الكعبة: أنّ النّبيّ وقف حيال الكعبة، وقال: «ما أجلّك وما أشرفك وما أعظمك عند الله! والمؤمن عند الله أعظم وأشرف منك». وهذا يدلّ على أنّ النظر إلى وجه عليّ أفضل من النظر إلى الكعبة.

(١) المناقب للخوارزميّ: ٣٦١؛ المستدرك للحاكم ٣: ١٤١؛ حلية الأولياء ٥: ٥٨؛ ميزان الاعتدال للذهبيّ ٤: ٤٠١؛ لسان الميزان لابن حجر ٦: ١٧٨.

٤١

عبادة». (١)

وعن أبي هريرة، قال: رأيت معاذ بن جبل يديم النظر إلى عليّ بن أبي طالب، فقلت: ما لك تديم النظر إلى عليّ كأنّك لم تره؟! فقال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة». (٢)

وعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وواثلة بن الأسقع - وبطرقٍ عدّة - عن عمران بن حصين: «النظر إلى عليّ عبادة». (٣)

وعن معمر، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: رأيت أبابكر يكثر النظر إلى وجه عليّ؛ فقلت له: يا أبه، أراك تكثر النظر إلى وجه عليّ! فقال: يا بنيّة، سمعت رسول الله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة» (٤) .

الحجّ إلى عليّ

بسند عن أبي ذرّ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل عليّ فيكم - أو قال: في هذه الأمّة - كمثل الكعبة المستورة - أو المشهورة -، النظر إليها عبادة، والحجّ إليها فريضة» (٥) .

وفيه رمز لعلوّ منزلة عليّ السامقة؛ فقصد البيت الحرام والطّواف بالكعبة فريضة لمن استطاع إليه سبيلاً، ويجزئ فيه مرّة في العمر. أمّا الطّواف بعليّ فلا، ذلك أنّه خليفة رسولالله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنه يستمدّ المسلم معالم دينه، وهو سبيل النجاة ولما كان عليه‌السلام بهذه المنزلة

____________________

(١) خلية الأولياء ٢: ١٨٢؛ منتخب كنز العمّال ٥: ٣٠؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٠٧؛ لسان الميزان ١: ٢٤٢.

(٢) تاريخ بغداد ٢: ٥١؛ ميزان الاعتدال ٣: ٤٨٤؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٠٧.

(٣) مناقب الإام عليّ: ٢٠٩؛ ينابيع المودّة: ٩٠؛ الرياض النّضرة ٢: ٢١٩؛ البداية والنهاية ٧: ٣٥٧؛ تاريخ الخلفاء: ٦٦؛ كفاية الطّالب: ١٦١؛ المناقب للخوارزميّ: ٣٦٢.

(٤) مناقب الامام عليّ: ٢١١؛ ترجمة الإمام عليّ ٢: ٣٩١؛ تاريخ بغداد ٢: ٥١؛ كفاية الطّالب: ١٦١، ٣٦٢.

(٥) كفاية الطّالب: ١٦١؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ١٠٧؛ كنز العمّال ٦: ١٥٨؛ مجمع الزوائد ٩: ١١٩؛ الرياض النضرة ٢: ٢١٩.

٤٢

لم يكن عليه أن يأتي غيره، وإنّما عليهم أن يشدّوا الرّحال إليه فيأتوه، فهو بذلك بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي، ويقصد ولا يقصد. إنّه منار الهدى وصراط الله المستقيم.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «أنت بمنزلة الكعبة: تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك» (١) .

وبعد أن قامت الحجّة وتمّت الرسالة بتبليغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رسالة الباري عزّ وجلّ بتنصيب الوصيّ عليّ عليه‌السلام ؛ فإنّ موالاة عليّ وآله من تمام موالاة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسعي في ساحتهم كالسعي بين الصفا والمروة، وهم سفينة النجاة لأمّة محمّد بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصراطهم هو الصّراط المستقيم.

أخرج الشريف الرضيّ بسند عال، قال: حدّثني أبو محمّد هارون بن موسى، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدّثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي موسى، قال: حدّثني أبيجعفر، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني الحسين بن عليٍّ، عن أبيه امير المؤمنين عليه‌السلام ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ مثلكم في النّاس مثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، فمن أحبّكم يا عليّ نجا، ومن أبغضكم ورفض محبّتكم هوى في النّار. ومثلكم يا عليّ مثل بيت الله الحرام: من دخله كان آمنا منكم، فمن أحبّكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النّار، ومن أبغضكم ألقي في النّار. يا عليّ ( وَللّهِ‏ِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ومن كان له عذر فله عذره، ومن كان فقيراً فله عذره، ومن كان مريضاً فله عذره، والله لا يعذر غنيّاً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبّتكم» (٢) .

____________________

(١) أسد الغابة ٤: ١١٢.

(٢) خصائص امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للشريف الرضيّ: ٤٨. ومصادر حديث السفينة كثيرة، =

٤٣

ذكر عليّ عبادة

يقفل الحاجّ راجعاً من بيت الله، ونفسه توّاقة لفعل الخير؛ إذ خلع لباس الدّنيا واتّزر لباسا أبيض غير مخيط، لباس مودّع لها مقبل على آخرته، قد رجم شيطان نفسه ونحر شهواتها، وسعى بين المروة والصفا، على خطى الأنبياء... يذكر ذلك بما يردعه من مقارفة حرام، ويزيده طاعة لمولاه. وذكر عليّ عليه‌السلام مقرون بذكر أخيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله تعالى أمير المؤمنين بذكر النبيّ والصّلاة عليه وتعظيمه، والنبيّ نهى عن الصلاة المبتورة، فذكر عليّ والصّلاة عليه عبادة. (١)

وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله «ذكر عليّ بن أبي طالب عبادة». (٢)

____________________

= وبألفاظ عدّة، فنذكر مصادره من غير ألفاظه فمن شاء رجع إليها؛ كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل - فضائل الحسنين - حديث ٥٥؛ المعرفة والتاريخ للفسويّ ١: ٥٣٨ و ٢٩٦؛ المعارف: لابن فيتبة ٢٥٢؛ تفسير ابن كثير ٤: ١١٤ ذيل آية المودّة؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٠ و ١٦٣؛ علل الدار قطنيّ ٦: ٢٢٦؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ٦: ١٨٦ / ٥٣٨٦؛ المعجم الصغير ١: ٢٢؛ مناقب ابن المغازليّ ١٣٢ ح ١٧٣ و ١٣٣ ح ١٧٥ و ١٣٤ ح ١٧٧؛ ميزان الاعتدال حديث ١٨٢٦؛ تاريخ بغداد ١٢: ١٩؛ الكنى والأسماء للدولابيّ ١: ١٣٧ ترجمة ٢٤١.

(١) ينابيع المودّة: ٧، عن جواهر العقدين والصّواعق المحرقة: روي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟

قال: تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد وتسكتون، بل قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد).

وأخرج الفسويّ عن إسرائيل عن جابر عن محمّد بن عليّ عن أبي مسعود قال: لو صلّيت صلاةً لا أصلّي على آل محمّد لرأيت صلاتي لا تتمّ. المعرفة والتاريخ: للفسويّ ١: ٢٩٦.

(٢) المناقب للخوارزميّ: ٣٦٢؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٠٦؛ كفاية الطّالب: ١٦١؛ الجامع الصغير للسيوطيّ ١: ٥٨٣؛ البداية والنهاية ٧: ٣٥٧؛ منتخب كنز العمّال ٥: ٣٠.

٤٤

عليّ زينة المجالس

لكلّ مجلس زينة، وزينة مجالس المؤمنين ذكر علي عليه‌السلام .

جعفر بن برقان، قال: بلغني أنّ عائشة كانت تقول: زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ. (١)

عليّ عليه‌السلام ، نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وعليّ هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نصّ على ذلك الوحي المبين، كما في آية المباهلة:

( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .

والشواهد قائمة على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام لمباهلة النّصارى، فغلبهم بهم. ولو علم الله أنّ في الأرض أكرم منهم لأمر رسوله أن يباهلهم بهم. فكان الحسن والحسين ابني رسول الله، وفاطمة نساءه، وعليّ نفسه. (٣)

____________________

(١) مناقب الإمام عليّ: ٢١١؛ ذخائر العقبى: ٩٥؛ الرياض النضرة ٢: ٢١٩.

(٢) آل عمران / ٦١.

(٣) مسند أحمد ١: ١٨٥؛ صحيح مسلم ٧: ١٢٠ - ١٢١؛ الجامع الصحيح للترمذيّ ٤: ٢٩٣ - ٢٩٤؛ أسباب النزول: ٦٨؛ دلائل النبوّة لأبي نعيم: ١٢٤؛ تذكرة الخواصّ: ١٧؛ الإصابة ٢: ٥١٩؛ مصابيح البغويّ ٢: ٢٧٧؛ المستدرك للحاكم ٣: ١٥٠؛ كفاية الطّالب: ١٤٢؛ تفسير الطبريّ ٣: ٢١٢؛ الصّواعق: ٧٢؛ شواهد التنزيل ١: ١٢٨؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٦٣؛ تفسير ابن كثير ١: ٣٧١؛ فتح القدير ١: ٣١٦؛ الدرّ المنثور ٢: ٣٨ - ٣٩؛ جامع الأصول لابن الأثير ٩: ٤٦٩؛ البداية والنهاية ٥: ٥٣؛ الرياض النضرة ٢: ٢٤٨؛ تيسير فرات: ٢٩؛ سعد السعود لابن طاووس: ٩١ - ٩٢؛ تفسير مقاتل بن سليمان «٨٠ - ١٥٠ هـ) ١: ١٧٤؛ كتاب الولاية لابن عقدة ١٨٦ ومواضع اُخرى؛ تفسير الثعلبيّ «الكشف والبيان» ٣: ٨٥؛ مناقب عليّ بن أبي طالب: لابن مردويه ٢٢٦ - ٢٢٨ ح ٣٢٠ - ٣٢٢؛ الطرائف في معرفة الطوائف: لابن طاووس ٤٥؛ أحكام القرآن: لابن العربيّ ١: ٣٢١؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ٣: ٦٢٧.

٤٥

عليّ من معاجز النّبيّ

لقد كانت المباهلة بالوجوه المقدّسة عند الله تعالى: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين؛ أوقع في قلوب نصارى نجران وأبلغ في الإعجاز لهم من المباهلة بكتاب الله المجيد، فأظهروا العجز عن المباهلة وأقرّوا بالخراج، فكان أهل البيت عليهم‌السلام معجزة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ وبذلك قاموا مقام القرآن في الإعجاز الذي هو دليلنا على تصديق الأنبياء من قبل، ومن ثمّ تصديق الكتب التي جاؤوا بها ولو لا أنّ القرآن ذكرهم وصدّق كتبهم لما كان يلزمنا ذلك. ولما كان أهل البيت دلالة على تصديق نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ القرآن من عند الله سبحانه، فكانوا بذلك بمقام الأنبياء رتبة ورفعة، لا وحياً ونبوّة. وهم مفتاح الرّحمة؛ عنعبد الله بن عبّاس: سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه (١) ، قال: «سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه» (٢) . فلو وقع لآدم من العلم أنّ السؤال بغيرهم أوجب أو أنّه يقوم مقام ذلك لفعله، فات سببهم حينئذ أوثق ومنزلتهم أعلى.

النّبي والوصيّ في منازل الطّاعة

ولما كانت نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف نفس وأعظم قدر، وجب لعليّ عليه‌السلام من الشرف والإعظام ما وجب لرسول الله، وحقّ له من الطّاعة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعضّد ذلك إضافة لما تقدّم، قوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ، وهي خاصّة بعليّ. (٤)

____________________

(١) وذلك قوله تعالى ( فَتَلَقّى‏ آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) الآية. «البقرة / ٣٧».

(٢) مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٦٣؛ الدرّ المنثور ١: ٦٠؛ ينابيع المودّة: ٩٧.

(٣) المائدة: ٥٥.

(٤) تفسير الطبريّ ٦: ١٦٥؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ٣١١؛ البداية والنهاية ٧: ٣٥؛ المناقب للخوارزميّ: ١٨٧؛ شواهد التنزيل: ٢٣٣؛ كنز العمّال ٦: ٤٠٥؛ تذكرة الخواصّ: ٢٠٧؛ مجمع البيان ٢: ٢١٠ =

٤٦

وعليّ عليه‌السلام تجب طاعته، كذلك لأنّه داخل في الصّراط المستقيم الذي لا تقبل من مسلم صلاة إلاّ إذا دعا ربّه بالهداية إليه ( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (١) . فمن هذا شأنه، ليس كثيرا عليه ردّ الشمس له.

ومن يتوقّف فيه، فإمّا أن يكون توقّفه من حيث الإمكان، أو من حيث الواقع. والأوّل باعتبار أنّه خروج على النظام وسنّة الله تعالى في مخلوقاته، وهذا مردود من حيث إنّه غيرخارج عن سنن الله الكونيّة، بل هو جارٍ وفق إرادة الله سبحانه وحكمته، وتحقيقاً للمصالح الواقعة في مشيئته عزّ وجلّ. أمّا من حيث الواقع، فقد جرت أمور خارقة لطبائع الأشياء لأنبياء وغير أنبياء، بما في ذلك توقّف الشّمس وانشقاق القمر؛ فقد حبس الله تعالى الشّمس لأحد أنبيائه بعد أن دعاه وهو في حال جهاد، كما حبسها ليوشع عليه‌السلام . وانشقّ القمر يوم ولد رسول الله، وضربت النّجوم بعضها بعضاً، وغيض ماء بحيرة ساوة، ونبع الماء من بين أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانفلق البحر لموسى عليه‌السلام ، فسلكه ومن معه، فلمّا جاوزه انطبق على فرعون وجنده فكانوا من المغرقين.

____________________

= عن الثعلبيّ، الدرّ المنثور ٢: ٢٩٤؛ ذخائر العقبى: ١٠٢؛ الرياض النضرة ٢: ٣٠٢؛ جامع الأصول لابن الأثير ٩: ٤٧٨؛ أنساب الأشراف ٢: ١٥٠؛ أسباب النزول: ١٤٨؛ تفسير الحبريّ: ٤٣٨، تفسير فرات ٣٨؛ مناقب أمير المؤمنين للكوفيّ ١: ١٧٥ / ٨٥؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣: ٤٣١؛ فرائد السّمطين ١: ١٨٩؛ العمدة: ابن البطريق ١١٩؛ لباب النقول ٩٠ و ٩١؛ الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨؛ تفسير ابن كثير ٢: ٧١؛ فتح القدير ٢: ٥٠؛ كفاية الطّالب ٢٥٠؛ معرفة علوم الحديث للحاكم ١٠٢؛ غاية المرام ١٠٤، ١٠٩ ومواضع أخرى، البداية والنهاية ٧: ٣٥٧؛ الذّرّيّة الطّاهرة: الدولابيّ (٢٢٤ - ٣١٠  هـ): ١٠٩ / ١١٤؛ تفسير القرطبيّ ٩: ٣٣٦؛ سعد السعود: ٧٠؛ أمالي الطوسيّ ١: ٥٨؛ تفسير غرائب القرآن للنيسابوريّ ٦: ١٦٧؛ مجمع البيان: الطبرسيّ ٢: ٢١٠؛ نظم درر السّمطين ٨٧؛ تفسير العيّاشيّ ١: ٣٢٧؛ كتاب الولاية: ابن عقدة ٢٥٣ - ٢٥٤؛ مطالب السؤول ٣١؛ شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ٣: ٢٧٥؛ الفصول المهمّة  ١٢٣؛ الصواعق المحرقة ٢٤؛ ينابيع المودّة ٢١٢؛ نور الأبصار ٧٧؛ أحكام القرآن للجصّاص ٢: ٥٤٢؛ معالم التنزيل: الفرّاء الشافعيّ - بهامش تفسير الخازن - ٢: ٥٥؛ الكشّاف: الزمخشريّ الحنفيّ ١: ٤٢٢؛ تفسير النسفيّ بهامش الخازن ١: ٤٩٦؛ تفسير الخازن ١: ٤٩٦؛ تفسير البحر المحيط: أبو حيّان الأندلسيّ ٣: ٥١٤؛ التسهيل في علوم التنزيل ١: ١٨١؛ تفسير البيضاويّ الشافعيّ ١: ٣٤٥.

(١) التمس معنى الصراط المستقيم، ومصادر ذلك في معرض ردّنا على ابن القيّم، من هذا البحث.

٤٧

وأوتي سليمان عليه‌السلام من الآيات الباهرات وخوارق العادات ما لا يحصى. وكانت النّار الّتي أوقدها نمرود برداً وسلاماً على إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وهذا مخالف للسنّة الكونيّة بما جعل للنّار من طبيعة الإحراق.

ثمّ إنّ ردّ الشّمس أو حبسها هنا قد يكون معجزةً للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو كرامة لعليّ عليه‌السلام ، وعليّ ليس أقلّ شأناً من يوشع؛ لقوّة إيمانه ويقينه، ولعظم آصرته وقرابته القريبة من رسول الله، وأنّه نفسه، ومعجزته في تصديق نبوّته، كما في حديث المباهلة.

وتظافر الرّوايات، يعضّد بعضها الآخر، دليل صدق على وقوع ردّ الشّمس. وللحافظ الگنجي كلام لطيف في ذلك، قال: «نعتضد بالله ونقول: منكر ذلك إمّا أن ينكره من حيث الإمكان، أو من حيث صحّة النقل من عدالة الرّواة. أمّا القسم الأوّل، فإنّ المتكلّم فيه أحد رجلين: إمّا أن يثبت الشّرائع أو ينفيها. فأمّا نفاتها كالدّهريّة والفلاسفة والمنجّمين فلا كلام معهم. وأمّا مثبتوها فلا يتمكّنون من ذلك؛ للحديث الّذي خرّجه مسلم في صحيحه في حبس الشّمس. عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (غزانبيّ من الأنبياء حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللّهمّ احبسها ليّ شيئاً، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه).

قلتُ - أي الگنجيّ -: هذا حديث متّفق على صحّته، رواه البخاريّ في الغلول، وأخرجه مسلم في الجهاد، كما سقناه. (١)

قال: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده (٢) ، وقال: إنّ الشّمس حبست ليوشع بن نون عليه‌السلام . ورواه الطبرانيّ في معجمه. ولا يخلو إمّا أن يكون ذلك معجزةً لموسى عليه‌السلام أو ليوشع عليه‌السلام ح فإن كان لموسى عليه‌السلام فنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل وعليّ عليه‌السلام أقرب إليه من يوشع إلى موسى. وإن كان معجزةً ليوشع عليه‌السلام فإن كان نبيّاً فعليّ مثله، وإنلم يكن نبيّاً فعليّ أفضل منه، إذ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» وفي لفظ آخر أنبياء بني إسرائيل

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٢ حديث ١١٩؛ صحيح مسلم ٢: ٤٩؛ مسند أحمد ٢: ٣١٨؛ كفاية الطّالب: ٣٨٢، حديث ١٠٥٨.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٢: ٣١٨.

٤٨

وحذف الكاف لقوّة المشابهة».

والمعنى: إنّ أنبياء بني إسرائيل دعاة إلى الله سبحانه، بالوعظ والزّجر والتحذير والترغيب والترهيب. وعلماء أمّته صلى‌الله‌عليه‌وآله قائمون في هذا المقام، منخرطون في سلك هذا النظام وعليّ عليه‌السلام أولى النّاس بهذا النصّ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ». (١)

وأمّا القسم الثاني، وهو الإنكار من حيث العدالة من نقل ذلك وذكره في كتابه فقد عّه جماعة من العلماء في معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم ابن سبع ذكره في «شفاء الصدور» وحكم بصحّته، ومنهم القاضي عياض ذكره في «الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢٤٠»، وحكى فيه عن الطحاويّ أنّه ذكر ذلك في «مشكل الآثار ٢: ٨ و ٤: ٣٨٨».

وكان أحمد بن صالح - شيخ البخاريّ - يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حديث أسماء بنت عميس في ردّ الشّمس؛ لأنّه من علامات نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد شفى الصدور الإمام الحافظ أبو الفتح الموصليّ في جمع طرقه في كتاب مفرد، ورواه الحافظ أبو عبد الله الحاكم...» (٢) .

____________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢: ٣٣٩؛ أنساب الأشراف للبلاذريّ ٢: ٩٧؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٥؛ ذخائر العقبى: ٨٣؛ المناقب للخوارزميّ: ٨١؛ فضائل الصحابة لابن حنبل ٢: ٥٨؛ سنن ابن ماجة ٢: ٧٧٤، مناقب الكوفي ٢: ٥٠٥ / ١١٢٩؛ مناقب الخوارزميّ ٨٣: ٧١؛ فرائد السمطين ١: ١٦٧ / ١٤١ باب ٣٥؛ الجامع لابن وهب: ٦٦ ح ١٣٠ و ٧٠ ح ١٣٦؛ تاريخ الإسلام ٣: ٦٣٨؛ المعيار والموازنة: الإسكافيّ: ٣٠٠ - ٣٠٤؛ تاريخ الخلفاء: السيوطيّ ١٧١؛ الاستيعاب ٣: ٤٠؛ حلية الأولياء ١: ٦٥؛ نهاية الأرب ٢٠: ٦ مقتل الحسين للخوارزميّ: ٤٥.

علماً أنّ المصادر الّتي ذكرناها قد أوردت الحديث في أكثر من موضع.

وللحديث ألفاظ اُخرى نذكر بعضها: ابن عبّاس قال: «إذا حدّثنا ثقة بفتيا عن عليّ لم نتجاوزها». تاريخ الإسلام ٣: ٦٣٨؛ طبقات ابن سعد ٢: ٣٣٨؛ الاستيعاب ٣: ٤٠؛ تاريخ الخلفاء ١٧١.

وقال ابن مسعود: «كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة عليّ». طبقات ابن سعد ٢: ٣٣٩؛ مستدرك الحاكم ٣: ١٣٥؛ تاريخ الإسلام ٣: ٦٣٨. ابن عبّاس قال: قال عمر: «عليّ أقضانا، وأبيّ أقرؤنا». الذهبيّ ٣: ٦٣٨، ابن سعد ٢: ٣٣٩؛ حلية ١: ٦٥؛ الاستيعاب ٣: ٣٩ و ٤١. سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد بن المسيّب قال: سمعت عمر يقول: اللّهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها عليّ بن أبي طالب حيّاً». مقتل الحسين: ٤٥.

(٢) كفاية الطّالب: ٣٨٧.

٤٩

المثبتون لحديث ردّ الشّمس

وقائمة العلماء المحقّقين الأثبات ممّن كتبوا في حديث ردّ الشّمس لعليّ عليه‌السلام وذكروا هذه الواقعة على أنّها من معجزات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ كرامة وفضيلة لأخيه عليّ عليه‌السلام ، تدحض أفائك ابن تيميّة وتكذيبه لهذا الحديث الّذي صار أشهر من إشراق الشّمس دليلاً عليها، وتقمع ابن القيّم الّذي قفا نفس الأثر لنفسِ علل وأسقام شيخه. ونذكر هنا بعضاً من هذا الجمع الجمّ:

يوسف بن فرغليّ بن عبد الله البغداديّ سبط أبي الفرج عبد الرّحمن بن الجوزيّ الحنفيّ له ردّ على جدّه في تكذيبه للحديث جاء فيه:... فإن قيل فقد قال جدّك في «الموضوعات»: هذا حديث موضوع بلا شكّ، وروايته مضطربة؛ فإنّ في إسناده أحمد بن داود وليس بشيء، وكذا فيه فضل بن مرزوق وهو ضعيف، وجماعة منهم عبد الرّحمن بن شريك ضعّفه أبو حاتم؛ وقال جدّك: أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة فإنّه كان رافضيّاً. ولو سلّم فصلاة العصر صارت قضاء بغيبوبة الشّمس، فرجوع الشّمس لا يفيد لأنّها - أي الصّلاة - لا تصير أداءً. قالوا: وفي الصحيح أنّ الشّمس لم تحبس على أحدٍ إلاّ على يوشع بن نون.

والجواب: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع» بلا شكّ دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر؛ لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثقات الّذين لا مغمز فيهم وليس في إسناده أحدٌ ممّن ضعّفه. وقد رواه أبو هريرة أيضاً، أخرجه عنه ابن مردويه، فيحتمل أنّ الّذين أشار إليهم في طريق أبي هريرة. وكذا قول جدّي «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة من باب الظنّ والشّكّ، لا من باب القطع واليقين. وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها ولا يتعرّض للصّحابة بمدحٍ ولا بذمٍّ، فنسبوه إلى الرّفض.

وقوله: «صارت صلاة العصر قضاءً» قلنا: أرباب العقول السليمة والفطر الصحيحة لا يعتقدون أنّها غابة ثمّ عادت، وإنّما وقفت عن سيرها المعتاد. ولو ردّت على الحقيقة لم يكن عجباً؛ لأنّ ذلك يكون معجزةً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامةً لعليٍّ عليه‌السلام ، وقد حبست بالإجماع ليوشع، ولا يخلو إمّا أن يكون ذلك معجزةً لموسى أو كرامة ليوشع؛ فإن كان

٥٠

لموسى فنبيّنا أفضل منه، وإن كان ليوشع فعليّ أفضل منه. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل». وهذا في حقّ الآحاد، فما ظنّك بعليّ؟! والدليل عليه أيضاً ما ذكر أحمد في الفضائل: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصّدّيقون ثلاثه: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار وهو مؤمن آل ياسين، وعليّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم» (١) وحزقيل كان نبيّاً من أنبياء

____________________

(١) ذكره ابن عساكر في «تاريخ دمشق ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام ٢: ٢٨٢ حديث ٨٠٥»، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، ولكن قال: حزبيل - بالباء - بدلاً من حزقيل. وأخرجه أبو نعيمفي كتاب معرفة الصحابة، ترجمة امير المؤمنين عليه‌السلام ص ٢٢.

ورواه ابن المغازليّ بنفس السند في مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ص ٢٤٥ - ٢٤٦ حديث ٢٩٣، وفيه: «حبيب ابن موسى النّجّار مؤمن آل يس، وخربيل - بالرّاء من غير نقطة - مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم».

وبسندٍ آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الّذي قال: ( يَا قَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) [ سورة يس: ٢٠ ] وخربيل مؤمن آل فرعون الّذي قال: ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللّهُ ) [ غافر: ٢٨ ] وعليّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم». نفس المصدر ص ٢٤٦ - ٢٤٧ حديث ٢٩٤. وأخرجه الحسكانيّ في «شواهد التنزيل» ٢: ٢٢٤ ط ١ - بطرقٍ كثيرة. وأخرجه أحمد بن حنبل في «المناقب» ص ١٥٦ حديث ١٩٣ وص ١٩٤ حديث ٢٣٩. وأخرجه القندوزيّ عن أحمد، وأبي نعيم، وابن المغازليّ؛ بالإسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيّوب الأنصاريّ، في «ينابيع المودّة» الباب الثاني والأربعون ص ١٢٤. وأخرجه عن كتاب «المناقب» لأحمد حنبل، في الباب السادس والخمسين من ينابيعه ص ٢٠٢، قال: وقد روى أحمد بن حنبل في كتاب المناقب أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الّذي قال: يا قوم اتّبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون الّذي قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم». وأخرجه عن أحمد: المحبّ الطبريّ في «ذخائر العقبى ص ٥٩» وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة ٢: ٤٥١» والمتّقيّ الهنديّ في «منتخب كنز العمّال ٥: ٣١».

وفي كفاية الطّالب، الباب ٢٤ ص ١٢٣: «سبّاق الأمم ثلاثة، وهم الصّدّيقون»، وفي السّيرة الحلبيّة ١: ٢٧٠: «سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب ياسين، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم». وفي «العرائس» للثعلبيّ ص ٩٩: قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب يس، وعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه بالجنّة، وهو أفضلهم». ونفس المصدر صفحة ١٠٧: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين:...، وعليّ مؤمن آل محمّد، وهو أفضلهم». وفي صفحة ٢٢٨: أخبرنا أبوبكر الخمشاويّ بإسناده عن ابن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سبّاق الأمم...، وعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهو =

٥١

بني إسرائيل مثل يوشع؛ فدلّ على فضل عليّ على أنبياء بني إسرائيل، وفي وقوف الشّمس يقول الصّاحب بن عبّاد كافي الكفاة:

من كمولاي عليّ

والوغى تحمي لظاها

من يصيد الصّيد فيها

بالظّبى حين انتضاها

من له في كل يوم

وقعات لا تضاها

كم وكم حرب ضروس

سدّ بالمرهف فاها

اذكروا أفعال بدر

لست أبغي ما سواها

اذكروا غزوة أحد

إنّه شمس ضحاها

اذكروا حرب حنين

إنّه بدر دجاها

اذكروا الأحزاب قدما

إنّه ليث شراها

اذكروا مهجة عمرو

كيف أفناها شجاها

اذكروا أمر براءة

واصدقوني من تلاها

اذكروا من زوجه الز

هراء قد طاب ثراها

حاله حالة هارون

لموسى، فافهماها

أعلى حبّ عليّ لا

مني القوم سفاها

أوّل النّاس صلاةً

جعل التقوى حلاها

ردّت الشّمس عليه

بعدما غاب سناها

وفي الباب حكاية عجيبة حدّثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق، قالوا: شاهدنا أبا منصور المظفّر بن أردشير العباديّ الواعظ، وقد جلس بالتاجيّة مدرسة بباب أبرز، محلة ببغداد وكان بعد العصر، وذكر حديث ردّ الشمس لعليّ عليه‌السلام ، وطرّزه بعبارته ونمّقه بألفاظه،

____________________

= أفضلهم». وعن معاذة العدويّة، قالت: سمع عليّاً على المنبر يقول: أنا الصّدّيق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر» «أنساب الأشراف ٢: ١٤٦ حديث ١٤٦، وينابيع المودّة ص ٢٠٢، وحديث ٨٨ من تاريخ ابن عساكر.

٥٢

ثمّ ذكر فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، فنشأت سحابة غطّت الشّمس حتّى ظنّ النّاس أنّها قد غابت، فقام أبو منصور على المنبر قائماً وأومى إلى الشّمس وأنشد:

لا تغربي يا شمس حتّى ينتهي

مدحي لآل المصطفى ولنجله

واثني عنانك إن أردت ثناءهم

أنسيت إن كان الوقوف لأجله

إن كان للمولى وقوفك فليكن

هذا الوقوف لخيله ولرجله

قالوا: فانجاب السحاب عن الشّمس، وطلعت. (١)

ما أبين المذهبين وما هذا البون الشاسع بين الرجلين! كأن لم تجمعهما وشيجة، وكأنّهما مشرق ومغرب! فابن الجوزيّ عرف عنه النّصب، فكذّب الحديث وأنكره، ودليله: التشكيك في رواته وتضعيفهم واتّهام ابن عقدة بالرّفض! وما ذنب ابن عقدة إلاّ أنّه يروي فضائل أهل البيت عليهم‌السلام . إلاّ أنّ سبطه قاده دليل العقل والفطرة السليمة إلى بطلان دعوى جدّه، وثبت له بعد التحرّي وثاقة رواة حديث الشّمس وعدالتهم، فدافع عن صحّة مذهب ومنهج ابن عقدة. وكذلك قاده استدلاله المنطقيّ إلى فضل عليّ على أنبياء بني إسرائيل، وكما أنّ الشّمس حبست ليوشع، فعليّ أولى بذلك. وممّن ذكره فأثبته:

الموفّق بن أحمد المكّيّ الخوارزميّ المعروف بأخطب خوارزم، المتوفّى سنة ٥٦٨ هـ، في كتابه المناقب ص ٣٠٦ حديث ٣٠١ و ٣٠٢، من طريقين، عن أسماء بنت عميس. كما أفرد لذلك كتاباً سمّاه: ردّ الشّمس لأمير المؤمنين.

الحافظ أحمد بن صالح المصريّ - شيخ البخاريّ - المتوفّى سنة ٢٤٨ هـ رواه بطريقين، عن أسماء بنت عميس، وقال: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء. وقد رواه الطحاويّ في: مشكل الآثار - سيأتي -، والقاضي عياض في «الشفا بتعريف حقوق المصطفى ص ٢٤٠» من طريق الطحاويّ بالسندين اللّذين في «مشكل الآثار». وكذلك السيوطيّ في «اللاّلئ ١: ٣٣٩».

الحافظ جلال الدّين السّيوطيّ، المتوفّى سنة ٩٩١ هـ ذكره في كتابه «الخصائص الكبرى ٢: ١٣٧»، باب ردّ الشّمس بعد غروبها لعليّ رضى الله عنه» حديث أسماء عن ابن منده،

____________________

(١) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: ٥٣ - ٥٦. وذكرها الشبلنجيّ مع اختلاف نذكره في محلّه.

٥٣

وابن شاهين، والطبرانيّ، وقال: صحيح. وعن ابن مردويه، عن أبي هريرة، وبسندٍ عن جابر، وقال: قال الطبرانيّ فيه: حسن.

وللسيوطيّ «كشف اللّبس عن حديث ردّ الشّمس»، تكلّم فيه عن الحديث بتوسّع وإفاضة.

وفي الجزء الأوّل من كتابه «اللاّلي المصنوعة» ذكره بطرقه المتعدّدة، وحكم بصحّتها متناً وسنداً، وأنّ الحديث من أعلام النّبوّة والكرامة لأمير المؤمنين عليه‌السلام . ذكره في ص ٣٣٦ عن فضيلبن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن عن فاطمة بنت الحسن عن أسماء بنت عميس. ونفس الصفحة عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب عن أسماء. ونفس الصفحة عن أبي هريرة. وفي ص ٣٣٧ عن الحسين بن عليّ. وفي ص ٣٣٨ عن أبي هريرة، وفي ص ٣٤٠ عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام . وفي ص ٣٤١ عن أبي ذرّ في حديث الشورى....

المناشدة يوم الشّورى

ناشد اميرالمؤمنين عليّ عليه‌السلام ، الجماعة الذين عيّنهم عمر بن الخطّاب ليختاروا من بينهم خليفة، وقد ذكرها جمع من الحفّاظ. وقد ذكر بعضهم شطراً منها، كما في الاستيعاب ٣: ٣٥، وميزان الاعتدال ١: ٤٤١، ولسان الميزان ٢: ١٥٧، وتهذيب التهذيب ٣: ٣٠٤ و كفاية الطّالب للگنجيّ الشافعيّ ٣٨٦، وأخطب خوارزم في: المناقب ٣٠١؛ من طريق أبي ذرّ.

وذكرها بطولها الجوينيّ في كتابه: فرائد السمطين ١: ٣١٩، الباب الثامن والخمسون، حديث ٢٥١، ذكرها عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ومن طرق عدّة تنتهي بالصحابيّ عامر بن واثلة الكنانيّ، ذكرها جميعاً ابن عقدة (ت ٣٣٢  هـ) كما في كتاب الولاية ١٦٣ - ١٧٨ وكذلك ذكره الفقيه ابن المغازليّ الشّافعيّ، في كتابه: مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ١١٢ - ١١٨، حديث ١٥٥.

وآثرنا جمع فقرات المناشدة في طرقها المتعدّدة، فكان من ذلك ما رواه الصّحابيّ الجليل أبوذرّ الغفاريّ، والصّحابيّ أو الطّفيل عامر بن واثلة:

٥٤

قال عليّ عليه‌السلام : لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميّكم يغيّر ذلك. ثمّ قال: أنشدكم بالله أيّها النّفر جميعاً! أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: اللّهمّ لا. (١)

قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّي لست بنبيّ؟ قالوا: اللّهمّ لا. (٢)

____________________

(١) تكلّمنا عن سابقة أمير المؤمنين عليّ إلى الإسلام، فيما سبق بما فيه كفاية.

(٢) ولقد كذّب شيخ ابن القيّم وأستاذه: ابن تيمية، حديث مؤاخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام . قال: «إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة! والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤاخ أحداً». منهاج السنّة: ابن تيمية ٤: ٩٦. وكذّبه في الجزء الثالث صفحة ١٧. ولم يقم دليلا واحداً في تكذيب أحاديث المؤاخاة لعليّ؛ ولم يذكر مع من قد آخى؟!

قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: «تآخوا في الله أخوين أخوين» ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين  ورسول ربّ العالمين الّذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين. «السّيرة النبويّة لابن هشام ٢: ١٥١؛ السيرة النبويّة لابن كثير ٢: ٣٢٤؛ السّيرة الحلبيّة ١٠١؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦ ح الفتاوى الحديثيّة لابن حجر ٤٢». وكم كان دقيقاً ابن إسحاق، يقضاً! إذ أورد هذه العبارة الحذرة: «فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل» ليؤكّد أمراً في منتهى الأهمّيّة «المؤاخاة». وثمّة أمر آخر: إنّ ابن كثير من تلامذة ابن تيميّة، معاصر له ومتأثّر بأفكاره، ومع ذلك فقد ذكره في كتابيه السّيرة، والبداية والنهاية.

ومن طرق عدّة: آخى رسول الله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر و عمر، وفلان وفلان، فجاء عليّ رضي الله عنه فقال: آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله: «أنت أخي في الدنيا والآخرة». جامع الترمذيّ ٢: ٢١٣؛ الاستيعاب ٣: ٣٥؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥ / ٤٢٨٨؛ الرياض النضرة ٢: ١٦٧ وقال صفحة ٢١٢: ومن أدلّ دليل على عظم منزلة عليّ عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صنيعه في المؤاخاة فإنّه جعل يضمّ الشكل إلى الشكل يؤلّف بينهما، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر... الحديث.

وعن سعد بن حذيفة بن اليمان، قال: آخى رسول الله بين أصحابه الأنصار والمهاجرين، فكان يؤاخي بين الرجل ونظيره، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». قال حذيفة: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المسلمين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الّذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعليّ بن أبي طالب أخوان.

أمالي الشيخ الطوسيّ ٢٣؛ مناقب ابن المغازليّ ٣٨؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ ينابيع المودّة ٥٧.

ولحديث المؤاخاة طرق كثيرة وألفاظ عديدة، ورواته علية الصّحابة وأعيان التّابعين، هذه طائفة منهم: =

٥٥

____________________

= امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن والحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، أبو بكر، ومعاذ بن جبل، عثمان بن عفّان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن مسعود، أبوذرّ الغفاريّ، أبو سعيد الخدري، سلمان الفارسيّ، عبد الله بن عبّاس، أسماء بنت عميس (اُخت ميمونة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . هاجرت الهجرتين وصلّت القبلتين. روى عنها عمر بن الخطّاب، وأبو موسى الأشعريّ، وعروة بن الزبير...). «الاستيعاب ٤: ٢٣٦؛ الاصابة ٤: ٢٣١؛ رجال الطوسيّ ٣٤». أم سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلى الغفاريّة «كانت تخرج مع النبيّ في غزواته تداوي الجرحى وتقوم على المرضى «اسد الغابة ٧: ٢٥٩». أبو الطفيل عامر بن واثلة، عباد بن عبد الله، زيد بن ابي أوفى، عبد الله بن أبي أوفى، عكرمة مولى ابن عبّاس، عمر بن عليّ بن أبي طالب، حذيفة بن أسيد، زيد بن وهب، عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشميّ، محمّد الباقر، جعفر الصادق، عليّ بن موسى الرضا، سعيد بن جبير، سعيد بن المسيّب، الحسن البصريّ، زيد بن عليّ، مجاهد....

طائفة من حديث المؤاخاة بألفاظه المختلفة:

* زيد بن أبي أوفى، قال: لما آخى النبيّ بين أصحابه قال عليّ: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري؛ فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله: «والّذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من مسوى، غير أنّه لا نبيّ بعدي ح وأنت أخي ووارثي». قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: «ما ورث الأنبياء من قبلي». قال: وما ورث الأنبياء من قبلك؟ قال: «كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثمّ تلا رسول الله ( إِخْوَاناً عَلَى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) الحجر: ٤٧. الرياض النضرة ٢: ٢٠٩؛ كنز العمّال ٦: ٣٩٠؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٢ وسمّاه: زيد بن أبي أوفى.

عبد الله بن أبي أوفى. ولفظه مثل لفظ أخيه زيد بن أبي أوفى، إلاّ أنّ فيه «... وإنّك وابنيك معي في قصري في الجنّة». مناقب أمير المؤمنين: محمّد بن سليمان الكوفي ١: ٣٧٣ / ٢٣٩؛ تفسير فرات ح ٣٠٤.

عبد الله بن عمر: عثمان بن أبي شيبة بنسده عن جميع بن عمير التيميّ، عن عبد الله بن عمر قال: آخى رسول الله بين أصحابه: آخى بين أبي بكر و عمر، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان، وبين طلحة والزبير. قال: فقال عليّ: يا رسول الله! قد آخيت بين أصحابك، فمن أخي؟ قال: يا عليّ أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة. (مناقب الكوفي ١: ٣٦٥ / ٢٢٨؛ الترمذي في الحديث ٩ من مناقب عليّ من كتاب المناقب ٥: ٣٠٠.

عن الحسن البصريّ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: «عليّ أخي عليّ أخي». مناقب الكوفي =

٥٦

____________________

= ١: ٣٨٨ / ٢٥٨.

- عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: بينا أنا مع رسول الله في نخل بالمدينة وهو يطلب عليّاً إذ انتهى إلى حائط فأطلع فيه فنظر إلى عليّ وهو يعمل في الأرض وقد اغبرّ فقال: ما ألوم الناس أن يكنّوك بأبي تراب. قال ابن عمر: فلقد رايت عليّاً تمعّر وجهه وتغيّر لونه واشتدّ ذلك عليه، فقال النبيّ: ألا أرضيك يا عليّ؟ قال: بلى يا رسول الله؛ قال: أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، تقضي ديني وتبرئ ذمّتي. من أحبّك في حياة منّي فقد قضى نحبه، ومن أحبّك في حياة منك بعدي فقد ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه الله يوم الفزع الأكبر. ومن مات وهو يبغضك يا عليّ مات ميتةً جاهليّةً يهوديّا أو نصرانيّا ويحاسبه الله بما عمل في الإسلام. ثمّ قال ابن عمر: لقد سمّاهالله في أكثر من ثلاثين آية سمّاه فيها كلّها مؤمناً. مناقب الكوفي ١: ٣٧٧ / ٢٤٥. ومثله متناً وسنداً في المعجم الكبير للطبرانيّ ١٢: ٣٢١ / ١٣٥٤٩؛ مجمع الزوائد ٩: ١٢١. وقريب منه في فضائل عليّ، من فضائل أحمد ١٧٠ ح ٢٤٠؛ مسند أبي يعلى الموصليّ ١: ٤٠٢ / ٢٦٨. - وبسندٍ عن ابن عمر قال: حين آخى رسول الله بين أصحابه جاء عليّ تدمع عيناه فقال: ما لي لم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ فقال: «أنت أخي في الدنيا والآخرة». سنن الترمذيّ ٢: ٢٩٩؛ مستدرك الصحيحين ٣: ١٤؛ مناقب ابن المغازليّ ٣٧؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٢. وقريب منه في كفاية الطّالب ١٩٤، وقال: هذا حديث حسن عالٍ صحيح. فإذا أردت أن تعلم قرب منزلته من رسول الله، تأمّل صنعه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضمّ الشكل إلى الشكل والمثل غلى المثل، فيؤلّف بينم غلى أن آخى بين أبي بكر وعمر، وادّخر عليّاً لنفسه واختصّه بأخوّته. وناهيك بها من فضيلة وشرف.

مصابيح السنّة للبغويّ ٤: ١٧٣ / ٤٧٦٩؛ الترمذيّ ٥: ٣٣٦ / ٣٧٢١؛ اللفظ له، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٠؛ الكامل لابن عديّ ٢: ٥٨٨؛ كنز العمّال ١٣: ١٦٧ / ٣٦٥٠٧.

- أيضاً عن عبد الله بن عمر قال: إنّ رسول الله قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فدعي له عثمان فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي: فدعي له عليّ بن أبي طالب، فستره بثوب وانكبّ عليه، فلمّا خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علّمني ألف باب، يفتح كلّ باب ألف باب.

مختصر تاريخ دمشق ١٨: ١٨؛ البداية والنهاية ٨: ٣٦٠. والأحاديث عن ابن عمر في مؤاخاة النبيّ لعليّ كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

ابن عبّاس: أخرج ابن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبد الله بن نمير عن حجّاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عبّاس أنّ النبيّ قال لعليّ:

«أنت أخي وصاحبي». المصنّف: ابن أبي شيبة ٧: ٥٠٨. =

٥٧

____________________

= * أبو رافع مولى رسول الله. قال: آخى رسول الله بين المسلمين ذات يوم فقال: يؤاخي كلّ واحد منكم أخاه، فإن تقف دابّته في سفره أو عقرت أردفه وأعان بعضهم بعضاً. فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحذيفة...، وضرب بيده إلى عليّ وقال: «أنا أخوك وأنت أخي». فكان عليّ إذا أعجبه شيء قال: أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يدّعيها إلاّ كاذب. مناقب الكوفي ١: ٣٩١ / ٢٦٤. وله شواهد من أحاديث علي عليه‌السلام .

بسندٍ عن جابر قال: قال رسول الله: (مكتوب على باب الجنّة: محمّد رسول الله، عليّ أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات والأرض». مناقب الكوفي ١: ٤١٥ / ٢٨٥؛ موضّح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغداديّ ١: ٤٤١؛ تاريخ بغداد ٧: ٣٨٧؛ الفضائل لأحمد ٢٦٢؛ شواهد التنزيل ٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠٣ و ٣٠٤؛ مختصر تاريخ دمشق حديث ٩٢٦ و ٨٦٤؛ المناقب للخوارزميّ ٨٧؛ تذكرة الخواصّ ١٤؛ حلية الأولياء ٧: ٢٥٦؛ مجمع الزوائد ٩: ١١١؛ كنز العمّال ٦: ٣٩٩؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ١: ٣٨؛ المعجم الأوسط ٦: ٢٣٤ / ٥٤٩٤؛ المناقب لابن المغازليّ ٩١ / ١٣٤؛ أمالي الصدوق، المجلس ١٨ حديث ١، الخصال له ٦٣٨ حديث ١١. وله شاهد من حديث ابن عبّاس وأنس وأبي الحمراء، لاحظ شواهد التنزيل ٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠٣ و ٣٠٤؛ وحديث ٩٢٦ و ٨٦٤ من مختصر تاريخ دمشق.

- عن جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيّب، قالا: إنّ رسول الله آخى بين أصحابه، فبقي رسول الله، وأبو بكر وعمر و عليّ، فآخى بينأبي بكر وعمر و قال لعليّ: «أنت أخي وأنا أخوك، فإنناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يدّعيها بعدك إلاّ كذّاب» مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٢٠؛ الرياض النضرة ٢: ٢٠٩؛ كنز العمّال ٦: ٣٩٠.

ومثله عن يعلى بن مرّة بن وهب الثقفيّ الصحابي الجليل. مختصر تاريخ دمشق ١٧: ١٣١٦.

ولابن عبد البرّ القرطبيّ المالكيّ كلام في الحديث قال: آخى رسول الله بين المهاجرين ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كلّ واحدة منهما لعليّ: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» وآخى بينه وبين نفسه، ولذلك قال عليّ: «أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب». وبذلك احتجّ على عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد، وذلك حينما جعلها عمر شورى، فقال لهم: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري؟» قالوا: اللّهمّ لا، الاستيعاب: ابن عبد البرّ ٣: ٣٥.

في حديث طويل عن ابن عبّاس وفيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ: «أنت أخي وصاحبي». مسند أحمد ١: ٣٨١ / ٢٠٤١ - مسند ابن عبّاس. - عبد الرزّاق عن معمر عن أيّوب عن عكرمة: أنّ أسماء بنت عميس قالت: =

٥٨

____________________

= لما أهديت فاطمة إلى عليّ لم نجد في بيته إلاّ رملاً مبسوطا ووسادة حشوها ليف وجرّة وكوزاً، فأرسل النبيّ إلى عليّ: «لا تحدثن حدثا حتّى آتيك». فجاء النبيّ فقال: «أثمّ أخي؟». فقالت أمّ أيمن: يا نبيّ الله، هو أخوك وزوّجته؟ وكان نبيّ الله آخى بين أصحابه وآخى بين عليّ ونفسه؛ فقال: «إنّ ذلك يكون يا أمّ أيمن». المصنّف: عبد الرزاق الصنعانيّ «١٢٦ - ١١ هـ) ٥: ٣٣٧ / ٩٨٤٤؛ أنساب الأشراف ٢: ٣٧٨. وله شاهد من حديث امير المؤمنين: محمّد بن راشد، عن عيسى بن عبد الله بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه عمر بن عليّ، عن عليّ قال: جاء رسول الله ذات ليلة يطلبني فقال: يا أمّ أيمن أين أخي؟ فقالت له: من أخوك؟ قال: عليّ قال: أخوك وتزوّجه ابنتك؟ قال: نعم، أما والله لقد زوّجتها كفوا شريفاً في الدنيا والآخرة، ومن المقرّبين «مناقب الكوفي ١: ٣٦٨ / ٢٣١».

- عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عبّاس: أنّ عليّاً قال في حياة النبيّ: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ ) - آل عمران: ١٤٤ -، والله لا ننقلب على أعقابنا أبداً بعد أن هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارثه، فمن أحقّ به منّي؟!

مناقب الكوفي ١: ٣٩٦ / ٢٦٨؛ خصائص النّسائيّ ١٣٠ ح ٦٥؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٤؛ المستدرك على الصحيحين ٣: ١٢٦؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٠٧ / ١٧٦، وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة ١: ٢٣؛ فرائد السمطين ١: ٢٤٤ باب ٤٤؛ الفضائل لأحمد، حديث ٢٣٢؛ أمالي الطوسيّ ح ١٠٩٩؛ مرسلاً: تفسير فرات ح ٨٠؛ الرياض النضرة ٢: ٣٠٠؛ بشارة المصطفى ٧: ٢٠٨؛ الاحتجاج حديث ١١٠.

عن أبي الزبير عن جابر قال: كنّا عند النبيّ فاقبل عليّ بن أبي طالب، فأقبل النبيّ علينا وقال: قد جاءكم أخي، ثمّ التفت إلى عليّ فضربه بيده وقال: والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعيّة وأقسمكم بالسويّة وأعظمكم عند الله مزيّة، فنزل قوله تعالى: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) * - البيّنة: ٧.

تفسير الحبري ٥٣٩ ح ٣؛ تفسير الطبريّ ٣٠: ١٤٦؛ حلية الأولياء ١: ٦٦؛ مناقب الخوارزميّ ١١١ - ١١٢؛ الصواعق المحرقة ٩٦؛ كفاية الطالب ٢٤٤ - ٢٤٥؛ الدرّ المنثور ٦: ٣٧٩؛ تفسير فرات ٢١٩؛ أمالي الطوسيّ ٢٥٧؛ كتاب الأربعين ح ٢٨؛ البرهان ٤: ٤٩١؛ الفضائل لأحمد ح ٧٢؛ أنساب الأشراف ١: ٣٥٨.

زيد بن أرقم: المدائنيّ بسنده عن أبي حرب بن أبي الأسود - الدؤليّ - عن أبيه عن زيد بن أرقم قال: «آخى رسول الله بين أصحابه فقال عليّ: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟ فقال: أنت أخي، أما ترضى أن تدعى إذا دعيت، وتكسى إذا كسيت، وتدخل الجنّة إذا دخلت؟» قال: بلى يا رسول الله. (أنساب الأشراف =

٥٩

____________________

= ٢: ٣٧٨)

سلمان الفارسي (المحمدي): عن أنس قال: كنّا لا نجترئ أن نسأل النبيّ: إلى من يسند أمرنا ممن بقي بعده، فلمّا نزلت ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ) - الفتح: ١، قلنا لسلمان: سل النبي إلى من تسند أمرنا بعدك؟ فسأله، فسكت عنه أياما ثم قال: يا سلمان ألا أخبرك عما سألتني؟ قال: بلى فداك أبي وأمّي. قال: «إن عليّاً أخي ووزيري وخير من أترك من بعدي، ينجزموعودي ويقضي ديني». مناقب الكوفي١: ٣٩٩ / ٢٧٠؛ شواهد التنزيل ١: ٣٧٣ / ٥١٥، مسند سلمان الفارسي من المعجم الكبير ٦: ٢٧١؛ الفضائل لأحمد ١١٨ ح ١٧٤ ن المؤتلف والمختلف ١٠٣؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٤؛ الكامل لابن عدي ٦: ٣٩٧. ومثل الحديث السابق: عن عبيد الله بن موسى العبشي، عن مطر، عن أنس بن مالك، شواهد التنزيل ١: ٣٧٣ / ٥١٦.

حديث العشيرة:

لما نزل قوله تعالى: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) - الشعراء: ٢١٤.

فبسند عن أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ: أن رجلا قال لعلي: يا امير المؤمنين لم ورثتابن عمّك دون عمك؟ قال: جمع رسول الله بني عبد المطلب، كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق. قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتّى شبعوا، وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمسّ ولم يشرب. فقال: يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة،وقد رأيتم من هذه الآية ما رايتم، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم غليه أحد. قال: فقمت - وكنت أصغر القوم سنّا - فقال: اجلس. قال: ثمّ قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم غليه، فيقول لي: اجلس، حتّى كانت الثالثة، ضرب يده على يدي.

فقال: فلذلك ورثت ابن عمي دون عمي.

ويرد الحديث بطرق اخرى وألفاظ اخرى وفيها: «أخي وصاحبي وخليفتي...».

تفسير الحبري: ٣٤٧ / ٨٥؛ دلائل النبوة للبيهقي ٤٠١؛ مسند أحمد ١ / ١١١؛ الفضائل لأحمد: ٩١؛ تفسير الطبري ١٩: ٧٤ - ٧٥؛ الكامل لابن الأثير ٢: ٤١؛ خصائص النسائي ٨٦؛ صحيح مسلم ١: ١١٨ ح ٣٥٥؛ تاريخ الطبري ٢: ٦٣؛ تفسير البغوي (معالم التنزيل) ٥: ١٠٥؛ شواهد التنزيل ١: ٥٤٢؛ كفاية الطالب ١٧٧؛ تفسير الثعلبيّ ٧: ١٨٢؛ التفسير الكبير ١٢: ٢٦؛ مناقب ابن المغازليّ ٢٦١؛ الولاية لابن عقدة ١٦١؛ شرح المعتزلي لنهج البلاغة ١٣: ٢١٠؛ نظم درر السمطين ٨٢؛ عيون أخبار الرضا: ابن بابويه ٢: ٢٠٩، مجمع البيان ٤: ٢٠٦، أمالي الطوسيّ ٥٨٢ - المجلس ٢٤، مناقب أل أبي طالب: ابن شهر اشوب ٢: ٣١، العمدة لابن البطريق ٧٦ ن تذكرة الخواص ٣٨، الصواعق المحرقة ١٥٧، تفسير القمي ٢: ١٢٤، أسرار الامامة، الحسن بن علي الطبري ٢٨١، منهاج الكرامة، العلامة الحلي ١٤٧، ١٤٨، كنز العمال ٦: ٣٩٦، بحار الأنوار ١٨: ١٧٨؛ =

٦٠

الضيعة على مخلفي، فأقرأ و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها( ١) ، و اما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء، فأقرأ و العاقبة للمتقين( ٢ ) ، و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ و حيل بينهم و بين ما يشتهون( ٣) .

«ليقتحم» الاقتحام ارتكاب الشديد، قال تعالى: فلا اقتحم العقبة( ٤ ) و قال الشاعر:

أقول و الناقة بي تقحم

و أنا منها مكلئز معصم

ويحك ما اسم امها يا علكم( ٥)

قالوا: الناقة النادة تسكن اذا سمّيت امها، و الجمل الناد اذا سمي أبوه.

«غفلته و يستلب» افتعال من السلب أي: يختلس «غرته» و لعمر اللّه كان خال مؤمني اخواننا كان كما وصفهعليه‌السلام شيطانا ثانيا يأتي المرء من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته، فقال خطيبهم في (أول تاريخ بغداده): معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبيّ، فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.

و كيف كان فقال الجزري في (كامله) مع نصبه: لم يذكر الطبري في استلحاق معاوية لزياد حقيقة الحال، انما ذكر حكاية جرت بعد استلحاقه، و أنا أذكر سبب ذلك و كيفيته فان من الامور المشهورة الكبيرة في الاسلام و كان استلحاقه أول ما ردت به أحكام الشريعة علانية، فان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) هود: ٦.

(٢) الاعراف: ١٢٨ و القصص: ٨٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٨، و الآية ٥٤ من سورة سبأ.

(٤) البلد: ١١.

(٥) أورده أساس البلاغة: ٣٥٦، مادة (قحم) و لسان العرب ١٢: ٤٦٤، مادة (قحم).

٦١

قضى بالولد للفراش، و للعاهر الحجر و كان ابتداء حاله ان سمية ام زياد كانت لدهقان زند رود بكسكر، فمرض الدهقان، فدعا الحرث بن كلدة الطبيب الثقفي، فعالجه فبرأ، فوهبه سمية فولدت عند الحرث أبا بكرة و اسمه نفيع فلم يقر به ثم ولدت نافعا، فلم يقر به أيضا، فلما نزل أبو بكرة الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حصر الطائف قال الحرث لنافع: أنت ولدي، و كان الحرث زوّج سمية من غلام له اسمه عبيد و هو رومي، فولدت له زيادا و كان أبو سفيان بن حرب سار في الجاهلية الى الطائف فنزل على خمّار يقال له أبو مريم السلولي.

الى أن قال: فلما رأى معاوية أن يستميل زيادا باستلحاقه، و أحضر الناس و حضر من يشهد لزياد و كان فيمن حضر أبو مريم فقال له معاوية:

بم تشهد؟ قال: أنا أشهد ان أبا سفيان حضر عندي و طلب مني بغيّا، فقلت له:

ليس عندي إلاّ سمية. فقال: ايتني بها على قذرها و وضرها، فأتيته بها، فخلا معها، ثم خرجت من عنده و ان اسكتيها ليقطران منيا، فقال له زياد: مهلا أبا مريم، انما بعثت شاهدا، و لم تبعث شاتما، فاستلحقه معاوية( ١) .

و في (العقد): أول دعيّ كان في الاسلام و اشتهر زياد بن عبيد دعيّ معاوية، و كانت سمية ولدت زيادا و أبا بكرة و نافعا، فكان زياد ينسب في قريش، و أبو بكرة في العرب، و نافع في الموالي، فقال فيهم يزيد بن مفرغ:

ان زيادا و نافعا و ابا

بكرة عندي من أعجب العجب

ان رجالا ثلاثة خلقوا

من رحم انثى مخالفي النسب

ذا قرشي فيما يقول و ذا

مولى و هذا ابن عمّه عربي

و في (الاستيعاب): كان أبو بكرة يقول: انا من اخوانكم في الدين و ان

____________________

(١) كامل ابن الأثير ٣: ٤٤٣، سنة ٤٤.

٦٢

أبي الناس إلاّ ان تسبوني فأنا نفيع بن مسروح( ١) .

و في (تاريخ الطبري): آل أبي بكرة ردهم المهدي في سنة (١٦٠) من نسبهم في ثقيف الى نفيع بن مسروح( ٢ ) . قلت: يفهم منه انهم انتسبوا الى الحرث بن كلدة الثقفي حتى ردهم.

«و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة» أي: فجأة «من حديث النفس» أي: الحكاية عن شخصه.

و في (نسب قريش مصعب الزبيري): المنذر بن الزبير هو الّذي شهد على قول عليعليه‌السلام في زياد، قال: سمعت أبا سفيان بن حرب مقدم زياد من تستر من عند أبي موسى حين قدم على عمر و أمره أن يتكلم يخبر الناس بفتح تستر، فقام زياد فتكلم فأبلغ، فعجب الناس من بيانه و قالوا: ان ابن أبي عبيد لخطيب. قال عليعليه‌السلام : فسمع ذلك أبو سفيان فأقبل عليّ و قال: ليس بابن عبيد و أنا و اللّه أبوه ما أقره في رحم امه غيري. قلت: فما يمنعك عنه؟ قال: خوف هذا يعني عمر فكان آل زياد يشكرون ذلك للمنذر، و كان المنذر منقطعا الى معاوية، و أوصى معاوية أن يحضر غسله و أمر له بمال، فكتب يزيد الى عبيد اللّه، فدفعه إليه، و أقطعه الدار التي تنسب الى الزبير بكلاء البصرة، و أقطعه منزلا بالبصرة، ثم بدا ليزيد فكتب الى عبيد اللّه يأمره بحبس ذلك المال عن المنذر و ان لا يدع المنذر يخرج من البصرة، و ذلك حين خالفه عبد اللّه بن الزبير، فخاف ان يلحق بأخيه فيكون ذلك المال عونا له، فأرسل إليه ابن زياد فأخبره الخبر و قال: قد أجلتك ثلاثا و خذ من وراء أجلي ما شئت، فانطلق المنذر قبل مكة و سار سيرا شديدا قال الراجز:

____________________

(١) الاستيعاب ٤: ٢٣.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣، سنة ١٦٠.

٦٣

تركن بالرمل قياما حسرا

لو يتكلمن اشتكين المنذرا

فكان مع أخيه حتى قتل في حصار الحصين بن نمير حصار ابن الزبير الأول. «و نزغة من نزغات الشيطان» في (الأساس): نزغه اذا طعنه و نخسه، و من المجاز «نزغه الشيطان» كأنه ينخسه ليحثه على المعاصي( ١) .

«لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها ارث» قال الشاعر:

زياد لست أدري من أبوه

و لكن الحمار أبو زياد

العرب تكنّي الحمار بأبي زياد، و قال آخر:

حمار في الكتابة يدّعيها

كدعوى آل حرب في زياد

و في (تاريخ الطبري): ذكر علي بن سليمان ان أباه حدثه قال: حضرت المهدي و هو ينظر في المظالم، اذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب، فقال له: من أنت؟ قال: ابن عمك. قال: أي: ابن عمي أنت؟

فانتسب الى زياد، فقال له المهدي: يا ابن سمية الزانية متى كنت ابن عمي، و غضب و امر به، فوجى‏ء في عنقه و اخرج الى أن قال: فأمر المهدي بالكتاب الى هارون والي البصرة من قبله أن يخرج آل زياد من قريش و ديوانهم و العرب.

الى أن قال: ثم ان آل زياد بعد ذلك رشوا الديوان حتى ردهم الى ما كانوا عليه. الى أن قال بعد ذكر نسخة كتاب المهدي في كون استلحاق معاوية لزياد على خلاف كتاب اللّه و سنة رسوله: فلما وصل الكتاب الى محمد بن سليمان وقّع بانفاذه، ثم كلّم فيهم، فكف عنهم، و قد كان كتب الى عبد الملك بن أيوب النميري بمثل ما كتب به الى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس،

____________________

(١) أساس البلاغة: ٤٥٣، مادة (نزغ).

٦٤

و كراهته ان يخرج أحد من قومه الى غيرهم( ١) .

و في العقد: لما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و نصر بن الحجاج عند معاوية في عبد اللّه بن حجاج مولى خالد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر مجلسه حتى يحتفل، فجلس معاوية و قد تلفع بمطرف خز أخضر و أمر بحجر فأدني منه و ألقى عليه طرف المطرف، ثم اذن لهما و قد احتفل المجلس فقال نصر: أخي و ابن أبي عهد إلى إنّه منه، و قال عبد الرحمن: مولاي و ابن عبد أبي و أمته ولد على فراشه. فقال معاوية: خذ هذا الحجر و كشف عنه فادفعه الى نصر، و قال: هذا مالك في حكم النبيّ. فقال نصر: أ فلا أجريت هذا الحكم في زياد. قال: ذاك حكم معاوية و هذا حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و قال ابن أبي الحديد: قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة: ابتزازه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، و قتله حجرا و يا ويله من حجر و أصحاب حجر، و استلحاقه زيادا مراغمة لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش و للعاهر الحجر( ٢) .

و قال: روى الشرقي بن القطامي ان سعيد بن أبي سرح مولى حبيب بن عبد شمس كان من شيعة عليعليه‌السلام ، فلما قدم زياد الكوفة طلبه و أخافه، فأتى الحسنعليه‌السلام مستجيرا به، فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته، فحبسهم، و أخذ ماله، و نقض داره، فكتب الحسن الى زياد: عمدت الى رجل من المسلمين له مالهم و عليه ما عليهم، فهدمت داره، و أخذت ماله، و حبست أهله و عياله، فاذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، و اردد عليه عياله، و ماله و شفعني فيه فقد أجرته.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣ ٣٦٦ سنة ١٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٣.

٦٥

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان الى الحسن بن فاطمة: أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، و أنت طالب حاجة، و أنا سلطان و أنت سوقة، و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته، كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي، و رضى منك بذلك، و أيم اللّه لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك، و ان نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك، و ان أحب لحم علي ان آكله للحم الّذي أنت منه، فسلمه بجريرته الى من هو أولى به منك، فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، و ان قتلته لم أقتله إلاّ لحبه أباك الفاسق.

فلما ورد الكتاب على الحسنعليه‌السلام تبسم و كتب بذلك الى معاوية و جعل كتاب زياد عطفه و كتب جواب زياد كلمتين لا ثالثة لهما «من الحسن بن فاطمة الى زياد بن سمية، اما بعد فان رسول اللّه قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر».

فلما قرأ معاوية كتاب زياد الى الحسنعليه‌السلام ضاقت به الشام، و كتب الى زياد ان الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه اليك في ابن سرح، فأكثرت العجب منك، و علمت ان لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية، فأما الّذي من أبي سفيان فحلم و حزم، و أما الّذي من سمية فما يكون من رأي مثلها، من ذلك كتابك الى الحسن تشتم أباه و تعرض له بالفسق، و لعمري انك الأولى بالفسق من أبيه، فأما ان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، فان ذلك لا يضعك لو عقلت، و أما تسلطه عليك بالأمر، فحق لمثل الحسن أن يتسلّط، و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك، فحظ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك، و أما كتابك الى الحسن باسمه و اسم امه و لا تنسبه الى أبيه، فان الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان و الى أي ام وكلته

٦٦

لا ام لك، أما علمت انها فاطمة بنت رسول اللّه، فذلك أفخر له لو كنت تعقل، و كتب شعرا من جملته:

أما حسن فابن الّذي كان قبله

اذا سار الموت حيث يسير

و هل يلد الرئبال إلاّ نظيره

و ذا حسن شبه له و نظير

و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا

بأمر لقالوا يذبل و ثبير

فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد، و ابن له داره، و أردد عليه ماله و لا تعرض له( ١) .

و قال: كتبت عائشة الى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه، ان كتبت زياد ابن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و ان كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت، فكتبت من ام المؤمنين الى ابنها زياد، فلما قرأه ضحك، و قال: لقد لقيت من هذا العنوان نصبا( ٢) .

قلت: و في (فتوح البلاذري) في انهار البصرة و من نسبت إليه قال ابو اليقظان: نسب نهر مرة الى مرة بن ابي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر و كان سريا سأل عائشة ان تكتب له الى زياد و تبدأ به في عنوان كتابها، فكتبت له و عنونته «الى زياد بن أبي سفيان من عائشة ام المؤمنين»، فلما رأى زياد أنها قد كاتبته و نسبته الى ابي سفيان سر بذلك و أكرم مرة و ألطفه و قال للناس: هذا كتاب ام المؤمنين إلى في مرة و عرض الكتاب عليهم ليقرأوا عنوانه، ثم اقطعه مائة جريب على نهر الابلة و أمر فحفر لها نهرا فنسب إليه( ٣) .

«و المتعلق بها كالواغل» قال الجوهري: الواغل في الشراب مثل الوارش

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٢٠٤.

(٣) فتوح البلدان: ٣٥٤.

٦٧

في الطعام، قال امرؤالقيس:

و اليوم فاشرب غير مستحقب

اثما من اللّه و لا واغل

و قال ابن دريد: الواغل الداخل في القوم و هم يشربون و لم يدع إليه، كما ان الوارش و الراشن الداخل الى القوم و هم يأكلون و لم يدع إليه.

«المدفّع» قال الجوهري: المدفع بالتشديد الفقير و الذليل، لأن كلا يدفعه عن نفسه. و قال ابن دريد: الضيف المدفع الذي يتدافعه الحي فيحيله هذا على هذا، و رجل مدفّع اذا دفع عن نسبه.

في (الأغاني): كان الحجاج ينفي آل زياد من آل ابي سفيان و يقول:

آل أبي سفيان سته حمش

و آل زياد رسح خدل

و معنى «سته» ضخم الالية و مقابلها «الرسح»، و «الحمش» دقة الساق و مقابله «الخدل» و المراد أن السفيانيين ذوو أستاه عظيمة، و أسوق دقيقة، و الزياديين بالعكس.

و في (أنساب البلاذري) قال عقيبة الأسدي:

نجار فهر مبين في توسّمهم

لكن نجار زياد غير معروف

لستم قريشا و لكن أنتم نبط

صهب اللحى و النواصي ضهية الليف

فكان ابن زياد يذكر هذا البيت و يقول كذب ابن الفاعلة( ١) .

«و النوط» قال الجوهري: كل ما علق من شي‏ء فهو نوط، و في المثل «عاط بغير أنواط» أي: يتناول و ليس هناك شي‏ء معلق، و هذا نحو قولهم: «كالحادي و ليس له بعير» و «تجشأ لقمان من غير شبع»

____________________

(١) انساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٨

«المذبذب» أي: المتحرك.

لما كتبوا الشهود على حجر كان فيهم «ابن بزيعة»، و هو شداد بن المنذر الذهلي، قال زياد: ألقوا هذا من الشهود، اما لهذا أب ينسب إليه، فقال:

ويلي على ابن الزانية، أو ليست أمه أعرف من أبيه، و اللّه ما ينسب إلاّ الى امة سمية.

و أتي زياد بعروة بن ادية و هو أول من سل سيفه من الخوارج و كان نجا من النهروان فسأله عن معاوية، فسبه سبّا قبيحا، ثم سأله عن نفسه، فقال: أو لك لزنية، و آخرك لدعوة، و أنت بعد عاص لربك، فأمر زياد به فضربت عنقه. و لكن في (أنساب البلاذري): أمر فقطعوا يديه و رجليه ثم امر بصلبه( ١) .

و فيه: كان عروة هرب فطلبه أشد طلب و جعل فيه جعلا، فوجد في سرب في دار، فقرأ عبيد اللّه قصته أنا وجدنا عروة يشرب في دار، فضحك و قال: كذبتم ليته كان يشرب. فقال له بعض من حضر: انما وجد بسرب( ٢) .

في (البلاغات): أتى زياد بامرأة من الخوارج، فلما همّ بقتلها تسترت بثوبها، فقال لها زياد: أ تسترين و قد هتك اللّه سترك، و أهلكك و أهلك قومك.

قالت: أي و اللّه أ تستر و لكن اللّه أبدى عورة امك على لسانك إذ أقررت بأن أبا سفيان زنى بها.

و أتى عبيد اللّه بن زياد بامرأة من الخوارج، فقطع رجلا لها، ثم قطع رجلها الاخرى و جذبها، فوضعت يدها على فرجها، فقال: لتسترينه. فقالت:

لكن سمية امك لم تكن تستره.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٨٢ و ٨٩.

(٢) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٩

و في (شعراء ابن قتيبة): لما هجا ابن مفرغ عباد بن زياد أخذه عبيد اللّه بن زياد، و سقاه الزبد في النبيذ، و حمله على بعير، و قرن به خنزيره، و أمشاه بطنه مشيا شديدا، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصي‏ء، فكلما صاءت قال ابن مفرغ:

ضجّت سمية لما مسّها القرن

لا تجزعي انّ شرّ الشيمة الجزع

فطيف به في أزقة البصرة و جعل الناس يقولون له: اين چيست؟ أي: ما هذا؟

و هو يقول:

اين است نبيد است

سميه رو سفيد است

فلما ألح عليه ما يخرج قيل لعبيد اللّه انه يموت، فأمر به فانزل و اغتسل، فلما خرج من الماء قال:

يغسل الماء ما فعلت و قولي

راسخ منك في العظام البوالي

و في (العقد): قال زياد ما هجيت ببيت أشد عليّ من قول الشاعر:

فكّر ففي ذاك ان فكّرت معتبر

هل نلت مكرمة إلاّ بتأمير

عاشت سمية ما عاشت و ما علمت

ان ابنها من قريش في الجماهير

و في (الاستيعاب) في زياد: دخل بنو امية على معاوية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم أيام استلحق زيادا، فقال له عبد الرحمن: يا معاوية لو لم تجد إلاّ الزنج لاستكثرت بهم علينا يعني على بني أبي العاص قلّة و ذلّة. فقال معاوية لأخيه مروان: أخرج عنّا هذا الخليع، أ لم يبلغني شعره فيّ و في زياد:

ألا أبلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما تأتي اليدان

أ تغضب ان يقال أبوك عفّ

و ترضى أن يقال أبوك زان

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان

٧٠

و قال لمروان: لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضى عنه، فأتاه و أنشده:

اليك أبا المغيرة تبت مما

جرى بالشام من جور اللسان

زياد من أبي سفيان غصن

تهادى ناضرا بين الجنان

أراك أخا و عمّا و ابن عمّ

فما أدري بعيني من تراني

و أنت زياد في آل حرب

أحبّ إلي من وسطى بناني

فكتب له رضى، فأخذه و ذهب به الى معاوية، فلما قرأه قال: قبح اللّه زيادا أ لم يتنبه له إذ قال:

و أنت زياد في آل حرب( ١ ) و الى قول عبد الرحمن ينظر من قال في ابن أبي دؤاد كما في (تاريخ بغداد):

الى كم تجعل الاعراب طرا

ذوي الارحام منك بكلّ واد

تضم على لصوصهم جناحا

لتثبت دعوة لك في أياد

فأقسم ان رحمك في أياد

كرحم بني امية من زياد

أي: في كونه كرحم الفيل من ولد الاتان.

و في (تاريخ الطبري) بعد ذكر أمر عبيد اللّه بن زياد بقتل مسلم قال مسلم لعبيد اللّه: أما و اللّه يا ابن زياد لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني( ٢) .

و فيه في دخول أهل بيت الحسينعليه‌السلام مجلس يزيد قال ابو مخنف:

ثم دعا يزيد بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٥٧٠ و ٥٧٣ و ٥٧٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٨٣ سنة ٦٠.

٧١

هذا بكم و لا بعث بكم هكذا( ١) .

و في (الوفيات): خرج المأمون يوما من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بصري اني تزوجت بامرأة من آل زياد و ان أبا الرازي فرّق بيننا و قال:

هي امرأة من قريش. فكتب إليه: بلغني ما كان من الزيادية و خلعك اياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت اليك العرب في أنسابها، و متى وكلتك قريش يا ابن اللخناء بأن تلصق بها من ليس منها، فخل بين الرجل و امرأته، فلئن كان زياد من قريش انه لابن سمية بغي عاهرة لا يفتخر بقرابتها، و لا يتطاول بولادتها، و لئن كان ابن عبيد لقد باء بأمر عظيم إذ ادعي الى غير أبيه بحظ تعجله، و ملك قهره.

(فلما قرأ زياد الكتاب) هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و لكن في (ابن أبي الحديد و الخطية) (كتابه)( ٢) .

قول المصنّف: (قوله عليه السلام الواغل) هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم و الخطية): «قوله كالواغل المدفّع الواغل» و في (ابن أبي الحديد) «الواغل»( ٣) .

(هو الذي يهجم على الشرب) بالفتح جمع شارب، كصحب جمع صاحب (ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا).

و في (تاريخ الطبري) أقبل مالك و عقيل و هما اللذان صارا نديمي جذيمة يريد انه من الشام، فلما كانا ببعض الطريق نزلا منزلا و معهما قينة لهما يقال لها أم عمرو، فقدمت اليهما طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل فتى

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٣ سنة ٦١.

(٢) كذا في شرح ابن ميثم ٥: ٩٦، و لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧ مثل المصرية.

(٣) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٨.

٧٢

عريان شاحب قد تلبد شعره، و طالت أظفاره، و ساءت حاله و هو عمرو بن عدي ابن اخت جذيمة الذي استطارته الجن، فضرب له جذيمة في الآفاق لا يقدر عليه فجاء حتى جلس ناحية منهما، فمد يده يريد الطعام، فناولته القينة كراعا، فأكلها، ثم مد يده اليها، فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها و أوكت زقها، فقال عمرو بن عدي:

صددت الكأس عنّا ام عمرو

و كان الكأس مجراها اليمينا

و ما شر الثلاثة ام عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

فسأله مالك و عقيل من أنت؟ فعرّف نفسه، فقالا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس منه الخ( ١) .

(و النوط المذبذب هو ما يناط) أي: يعلق (برحل الراكب من قعب). قال الجوهري: القعب قدح من خشب مقعر الخ. و في المثل: «أتاك ريان بقعب من لبن»( ٢) .

(أو قدح) قال الجوهري: واحد الأقداح التي للشرب (أو ما أشبه ذلك) من الأمتعة.

(فهو أبدا يتقلقل اذا حث طهره و استعجل سيره) و المراد حال العدو و شبهه، قال حسان:

و أنت دعيّ نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

و يقال للدعي العربي من القوارير و ابن الزئبق و الملصق، قال بشار في عمرو الباهلي:

____________________

(١) تاريخ الطبري ١: ٤٤٢.

(٢) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١: ٤٢ و الزمخشري في المستقصى ١: ٣٧.

٧٣

أرفق بعمرو اذا حركت نسبته

فانه عربي من قوارير

و قال آخر:

و تنقل من والد الى والد

فكان امك أو أباك الزئبق

و قال أبو فراس:

أيها المدعي سليما سفاها

لست منها و لا قلامة ظفر

انما أنت ملصق مثل واو

ألصقت في الهجاء ظلما بعمرو

٨ - الكتاب (٤٣) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ و هو عامله على أردشير خرّة:

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ أَغْضَبْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ‏ءَ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اِعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً أَلاَ وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْ‏ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ أقول: رواه اليعقوبي مع جوابه، ففي (تاريخه): كتب عليعليه‌السلام الى مصقلة و بلغه أنه يفرق و يهب أموال اردشير خره و كان عليها أما بعد، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدقه، انك تقسم في‏ء المسلمين في قومك، و من اعتراك من السألة و الأحزاب و أهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لافتشن عن ذلك تفتيشا شافيا، فإن وجدته حقا لتجدن

٧٤

بنفسك عليّ هوانا، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.

فكتب مصقلة إليهعليه‌السلام : أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين، فليسأل ان كان حقّا فليعجل عزلي بعد نكالي، و كل مملوك لي حر، و علي أيام ربيعة و مضر ان كنت رزأت من عملي دينارا و لا درهما و لا غيرهما منذ وليته الى أن ورد علي كتاب أمير المؤمنين، و لتعلمن أن العزل أهون علي من التهمة. فلما قرأ كتابه قال: ما أظن أبا الفضل إلاّ صادقا( ١) .

و نقل عن (تاريخ ابن واضح) روايته و رواه (أنساب اشراف البلاذري) في عنوان القول في ما كتبهعليه‌السلام الى ولاته( ٢) .

و مر في فصل اخبارهعليه‌السلام بالغيب قوله في مصقلة لما كان اشترى سبي بني ناجية من عامله و أعتقهم و لم يؤد الثمن و هرب الى معاوية قبّح اللّه مصقلة، فعل فعل السادة، و فر فرار العبيد الخ( ٣) .

قول المصنّف: (الى مصقلة) قال البلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان، فأخذوا عليه المضائق، فهلك مع جيشه، فضرب به المثل فقالوا:

حتى يرجع مصقلة من طبرستان( ٤) .

(و هو عامله في أردشير خرّه) قال الحموي: أردشير خرّه اسم مركب معناه بهاء اردشير، و هي من أجل كور فارس، و منها مدينة شيراز( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.

(٢) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٢: ١٦٠، و اما تاريخ ابن واضح فهو نفس كتاب تاريخ اليعقوبي.

(٣) مر في العنوان ١٠ في فصل أخباره (ع) بالملاحم و هو الفصل التاسع.

(٤) فتوح البلدان: ٣٣٠.

(٥) معجم البلدان ١: ١٤٦.

٧٥

و في (أنساب البلاذري): و كان على أردشير خرّه من قبل ابن عباس( ١) .

قولهعليه‌السلام «بلغني عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت الهك و أغضبت امامك» ان اللّه لا يحبّ الخائنين( ٢ ) و ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين( ٣ ) ان اللّه لا يحب كلّ خوّان كفور( ٤ ) ان اللّه لا يحب من كان خوّانا أثيما( ٥ ) و لا تكن للخائنين خصيما( ٦ ) ، و البلاذري بدل «فقد اسخطت الهك و أغضبت امامك».

«فقد أتيت شيئا ادا»( ٧) .

«انك» ليس في نسخة ابن ميثم( ٨ ) «تقسم في‏ء المسلمين» قال الجوهري:

الفي‏ء: الخراج و الغنيمة «الذي حازته» قال الجوهري: من ضم الى نفسه شيئا فقد حازه «رماحهم و خيولهم» أي: حازوه بهما «و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك» هكذا في (المصرية)، و لكن في ثم «اعتماك»، و نسبه ابن أبي الحديد الى رواية( ٩ ) ، و المعنى واحد. قال الجوهري: و اعتميت الشي‏ء اخترته، و هو قلب الاعتيام.

«من أعراب قومك» و في (أنساب البلاذري) بدله «من أعراب بكر بن وائل»( ١ ) ٠.

____________________

(١) انساب الاشراف ٢: ١٦٠.

(٢) الانفال: ٥٨.

(٣) يوسف: ٥٢.

(٤) الحج: ٣٨.

(٥) النساء: ١٠٧.

(٦) النساء: ١٠٥.

(٧) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٨) توجد في نسختنا من شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

(٩) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥: ٩٤ مثل المصريّة.

(١٠) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

٧٦

و في (المروج): استبد سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان بالأموال و قال بعض الايام و كتب به الى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش، فقال له الاشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك( ١) .

«فو الذي فلق الحبة» و في بعض الأدعية «يا فالق الحب و النوى»( ٢) .

«و برأ» أي: خلق «النسمة» أي: الإنسان، و زاد البلاذري: و أحاط بكلّ شي‏ء علما( ٣) .

«لئن كان ذلك حقا لتجدن بك» هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و نقله ابن أبي الحديد: «لك» و نسب «بك» الى رواية( ٤) .

«علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا» و في (عيون ابن قتيبة): كان زياد اذا ولّى رجلا قال له: خذ عهدك و سر الى عملك، و اعلم انك مصروف الى رأس سنتك، و انك تصير الى أربع خلال فاختر لنفسك: انا ان وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك و سلمتك من معرتنا أمانتك، و ان وجدناك خائنا قويا استهنا بقوتك و أحسنا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك و أثقلنا غرمك، و ان جمعت علينا الحرمين جمعنا عليك المضرين، و ان وجدناك أمينا قويا رددناك في عملك و رفعنا لك ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا عقبك.

«فلا تستهن» أي: لا تستخف «بحق ربك» فلا حق فوق حقه «و لا تصلح دنياك بمحق» أي: محو «دينك» فتكون كمن محا نفيسا بخسيس «فتكون من الأخسرين أعمالا» أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٣٧.

(٢) رواه ابن الأثير في النهاية ٣: ٤٧١، مادة (فلق).

(٣) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

٧٧

تجارتهم و ما كانوا مهتدين( ١) .

و في رواية اليعقوبي و البلاذري زيادة الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٣) .

«ألا و ان حق من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفي‏ء سواء» فيه اشارة الى كون عمل عمر في تفضيل الأشراف على خلاف الشريعة (يردون عندي عليه و يصدرون عليه) و لا يمكن تبديله و تغييره.

٩ - الكتاب (٤٠) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ أقول: جعله عقد ابن عبد ربه كتابهعليه‌السلام الى ابن عباس فيما اشتهر عنه من الخيانة لما كان في البصرة، و جعل ما ننقله بعد في العنوان الآتي كتابهعليه‌السلام إليه بعد رحلته من البصرة الى مكة. فقال: روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد ان ابن عباس مر على أبي

____________________

(١) البقرة: ١٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٢، و انساب الأشراف ٢: ١٦١.

(٣) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤.

٧٨

الأسود فقال له: لو كنت من البهائم كنت جملا و لو كنت راعيا ما بلغت. فكتب أبو الأسود الى عليعليه‌السلام : ان اللّه جعلك واليا و مؤتمنا و راعيا مسئولا، و قد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للامة توفر لهم فيأهم و تكفّ نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم و لا ترتشي بشي‏ء في أحكامهم، و ابن عمك قد أكل ما تحت يديه من غير علمك فلم يسعني كتمانك ذلك.

قال: فكتبعليه‌السلام إليه: أما بعد فمثلك نصح الإمام و الامة و والى على الحق و فارق الجور، و قد كتبت لصاحبك بما كتبت إلي فيه و لم أعلمه بكتابك الي، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك جدير و هو حق واجب للّه عليك.

و كتبعليه‌السلام الى ابن عباس: اما بعد، فقد بلغني عنك أمران كنت فعلته فقد أسخطت اللّه و أخزيت امانتك و عصيت امامك و خنت المسلمين، بلغني انك خربت الأرض و أكلت ما تحت يدك، فارفع الي حسابك و اعلم ان حساب اللّه أعظم من حساب الناس.

و في (أنساب البلاذري): قالوا و استعمل عليعليه‌السلام عبد اللّه بن عباس على البصرة، و استعمل أبا الأسود على بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود الخ مثله( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عمّاله) قد عرفت من (مستنده) أن المراد به ابن عباس كالعنوان الآتي، الا ان الكلام في صحته، و لعله لذا أجمله المصنف مع انك عرفت في أوّل الكتاب ان ابن ميثم لم ينقله رأسا.

قولهعليه‌السلام «أما بعد فقد بلغني» بكتابة أبي الأسود، و لم يذكرهعليه‌السلام لئلا

____________________

(١) انساب الأشراف ٢: ١٦٩.

٧٩

يوجب تشديد العداوة بينهما.

«عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت ربك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك» في (عيون ابن قتيبة): دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة و هو أمير البصرة، فقال له: اني قرأت في بعض الكتب عن اللّه تعالى: أيا راعي السوء دفعت اليك غنما سمانا سحاحا، فأكلت اللحم، و شربت اللبن، و ائتدمت بالسمن، و لبست الصوف، و تركتها عظاما تتقعقع.

و فيه أيضا: في كتاب ابرويز الى ابنه: اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فاذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترى‏ء عليك في الكبير.

و فيه أيضا: قال أبرويز لصاحب بيت ماله: اني لا احتملك على خيانة درهم، و لا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك انما تحقن بذلك دمك، و تعمّر به أمانتك، فانك ان خنت قليلا خنت كثيرا، و احترس من الخصلتين:

النقصان فيما تأخذ، و الزيادة فيما تعطي.

«بلغني أنك جردت الأرض» أي: أكلتها كالجراد تأكل نبت الأرض من جردت الجراد الأرض، و به سمي الجراد.

«فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك» لا يخفى لطف الكلام.

و في (العيون): ذكر اعرابي رجلا خائنا فقال: ان الناس يأكلون أماناتهم لقما، و ان فلانا يحسوها حسوا.

و ولّى حارثة بن بدر، فسرق، فكتب إليه أنس الدؤلي:

أحار بن بدر قد وليت ولاية

فكن جرذا فيها تخون و تسرق

و قدم بعض عمّال السلاطين من عمل، فدعا قوما فأطعمهم و جعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال تعالى: سمّاعون

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413