منهاج السالكين

منهاج السالكين0%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 131141
تحميل: 5716

توضيحات:

منهاج السالكين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131141 / تحميل: 5716
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

١

٢

منهاج السالكين

حبيب طاهر الشمري

٣

٤

مقدّمة

نُكِب العالم الإسلاميّ بعاديات لو لا العناية الإلهيّة لأتت عليه، فما كان يبقى للإسلام اسم ولا رسم! أخطرها وأمضّها: فتّان أشرب في قلبه الشّيطان؛ فتنشّب في موالاة الفاسقين، وتنشّط في معاداة الصّالحين، وهو في كلّ ذلك متستّر بالدّين، مع ذلاقة في اللّسان يحتبل بها ضعاف النّفوس والعقول في حبائله. فهو بذلك أخوفُ على كيان المسلمين من العدوّ الخارجيّ الزّاحف من هذا الحدب وذاك الصوب؛ لأنّه يُشتّت الجماعة ويشغل بعضها ببعض في اقتتال وحرب كلاميّة.

وقد شهد النّصف الثاني من القرن السابع الهجريّ أحداثاً جساماً عصفت بكيان العالم الإسلاميّ؛ إذ انحدرت يأجوج ومأجوج - المغول - في إعصار لم تثبت إزاءه الممالك والإمارات، وخُرّبت مدن فأصبحت أثراً بعد عين، وتطوّق الأمراء بنير العبوديّة وركعوا صاغرين في حضرة سلطان المغول.

وتوّجت تلك الوقائع بدخول المغول بغداد بيسر، وقتل آخر حاكم عبّاسيّ.

إنّ ما حلّ بساحة بغداد وحاكمها وأسرته، قد مهّد له ضعف حاكميّة هذا البلد الّذي بنى وجوده على أساس من العسف والجور وغصب الحقّ من أهله، واستشراء الفساد في القصر العبّاسيّ الّذي بات بؤرة موبوءة بالدسائس والمؤامرات: الأب يأتمر بابنه، والابن يسعى لقتل أبيه تعينه في ذلك أُمّه، وهكذا الحال بين الأخ وأخيه. وللمرأة يد طولى في تحريك وتثوير الأمور، وللعنصر الأجنبيّ دور ليس بقليل في إفساد سياسة الراعي مع رعيّته؛ فمنه المغنّي ونساء اللّهو وأمّ الحاكم وزوجته، وبعض قادة الجيش، والمتنفّذون.

وقد ذكروا أنّ هولاكو أمر بأن يفرز جميع النّساء اللّواتي باشرهنّ المستعصم وبنوه،

٥

فعزلن عن غيرهنّ فكنّ سبعمائة امرأة أخرجن ومعهنّ ألف وثلاثمائة وصيف وخادم!

وفي كلّ نوبة أمحض الوزيرُ ابنُ العلقميّ المستعصم النُّصح والرأي في معالجة المغول تبادر رجال السّوء ممّن حسد ابن العلقميّ حظوته عند المستعصم، فما يزالون بالمستعصم ليستزلّوه، وهكذا حتّى وقعت النوبة. ولم يكن لبغداد جيش يطمّ عين الشمس كما كان لهولاكو الّذي زادته نشوة انتصاراته في الأصقاع الأخرى عزماً على السياحة في بغداد! حتّى إنّه أرسل إلى المستعصم يطلب منه مجانيق ليدكّ بها بغداد!!

هذه إلماحة إلى ما كان عليه عالمنا المسلم، أشرنا فيها إلى نقاط الضعف حيث كانت عاصمة المسلمين يانعةً ثمارها جاهزة ليقطفها من رامها، مغوليّ أو غير مغوليّ لم تنته الفواجع عند هذا الحدّ، إذ انبعثت الفتنة من الداخل، وما زالت آثارها حتّى عصرنا، متمثّلة اليوم بالحركة الإرهابيّة الّتي أطلق عليها: «الدّعوة الوهّابيّة» نسبة إلى صاحبها: ابن عبد الوهّاب النجديّ الّذي اقتفى أثر ابن تيميّة، وتلميذه ابن قيّم الجوزيّة، وهما قريبا عهد من تلك الحوادث؛ فقد تشطّرا ضرع الشّيطان، وجاءا بأفائك وبدع أصّلا عليها أفكارهما، وكفّرا من خالفهما، وكفّرهما فقهاء عصرهما من مختلف المذاهب. وبموجب ذلك أهينا على أعين الملأ وأودعا السّجن حتّى هلك الأوّل - ابن تيميّة - في قلعة دمشق، وواتت الثاني الفرصة ليمتدّ به العمر سنين أخرى، حاملاً لواء الفتنة وناشراً أفكار أستاذه ومذهبه. ولما كنّا قد تناولنا في بحث «ابن تيميّة: عقيدته وآراؤه» (1) جانب العقيدة التي يقول بها الأستاذ وتلميذه الّتي تفضي إلى القول بالتحيّز وتجسيم ذات الله تعالى، فنقصر بحثنا هنا على بعض آراء وأقوال ابن القيّم هي أصداء آراء شيخه وحذو القذة بالقذة، وبما يناسب العنوان الّذي اخترناه لبحثنا «منهاج السالكين»، ليكون مناسباً لكتابه «مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين». ونقدّم لذلك بتعريف موجز بالرّجُل.

ودعاؤنا إليك ربّنا في كلّ آن: ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) صراط محمّد صلواتك عليه وعلى آله، وأوليائه الصّالحين، وثبّتنا بالقول الثابت واهدنا ربّنا إلى الطيّب من القول إنّك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم.

____________________

(1) بحث لم نفرغ بعد من إتمامه.

٦

الفصل الأوّل

ترجمة ابن قيّم الجوزيّة

هو محمّد بن أبي بكر بن أيّوب بن سعد الزَّرْعيّ (1) الدِّمشقيّ. ولد بمدينة دمشق سنة 691 هـ، وتوفّي بها سنة 751 هـ. (2)

وعن وجه تسميته: «ابن قيّم الجوزيّة» فذلك لأنّ أباه كان قيِّماً على مدرسة «الجوزيّة» في دمشق. (3)

مذهبه: كان ابن القيّم حنبليّ المذهب، وكذلك كانت أسرته. ولما كان أستاذه - ابن تيميّة - حنبليّ النشأة، فمن المؤكّد أن يظهر أثر ذلك في عقيدة ابن القيّم وآرائه الفقهيّة!

دراسته: درس ابن القيّم وتتلمذ على علماء عصره، من علماء المذهب الحنبليّ. إلاّ أنّه أشرب في نفسه الولع بابن تيميّة والإكبار له، فتعشّق آراءه وفتاواه الّتي تكاد تشكّل مذهباً مستقلاًّ! فطاله بعض ما حلّ بساحة ابن تيميّة من نقمة وعقاب.

قال الشوكانيّ: «العلاّمة الكبير المجتهد المطلق المصنّف المشهور، ولد سنة 691 هـ، وسمع من ابن تيميّة، ودرس بالصدريّة، وأمّ بالجوزيّة، وأخذ الفرائض عن أبيه وتبحّر في معرفة مذاهب السّلف، وأخذ الأصول عن الصفيّ الهنديّ، وابن تيميّة، حتّى كان لا يخرج

____________________

(1) نسبة إلى أزرع في جنوبي سوريا.

(2) مدارج السّالكين لابن القيّم 1: 5.

(3) الفوائد لابن القيّم 5. وفي كتاب «ابن تيميّة، حياته وعصره، لمحمّد أبو زهرة ص 526: كان أبوه قيّم الجوزيّة، ثمّ أطلق القول عن الإضافة فقيل ابن القيّم».

٧

عن شيء من أقواله؛ بل ينتصر له في جميع ذلك. وهو الذي نشر علمه بما صنّف من التصانيف الحسنة المقبولة». (1)

وذكر أبو زهرة: «إنّه كان القائمَ على تركة شيخه من بعده من حيث التحرير والتأليف والمجادلة والمناظرة، وهو أصغر من ابن تيميّة بنحو ثلاثين سنة، فكان ابن تيميّة منه بمنزلة الوالد الشّفيق. وقد نشأ حنبليّاً كشيخه». (2)

ولما كان عصره مشحوناً بالصراعات والفتن، ولم يكن شيخه بمنأىً عن ذلك؛ فمضافاً إلى فتنته الّتي أثارها في حقل العقيدة والفتوى، وحوقق لأجلها أكثر من مرّة وسجن مرّات عدّة؛ كان آخرها أنّه لم يخرج من غيابة السجن إلاّ وهو جسد من غير روح.

ولم يكن ابن تيميّة منصفاً وهو يخوض مثل هذه المعركة، فقد وظّف قلمه لشتم فريق من المسلمين هم الشّيعة أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام والعجب منه أنّه لم ينله أحدٌ منهم بشيء من الأذى.

ولم يقف عند حدّ السّباب المقذع الّذي طفحت به مصنّفاته كلّها، وإنّما وصمهم بما ليس فيهم ولقد أفرد بعضها مثل «منهاج السُّنّة» في أربعة أجزاء، لتكذيب الأحاديث المشتهرة ممّا جاء في فضائل عليّ عليه‌السلام ، وجعل ذلك وصلة للإيقاع بالشّيعة.

أمّا عمليّاً: فإنّ ابن تيميّة لما أخفق في محاولته التقرّب إلى التتار، عمد إلى إقناع النّاصر في تجهيزجيش قاده ابن تيميّة نفسه، فقتل الكثير من الشّيعة في الجبل السّوريّ، وخرّب بيوتهم، وأبار أشجارهم.

فلا غرو أن يثني ابن القيّم وسادته لإحياء روح شيخه من خلال استكماله منهجيّة ما كتب وصنّف.

ويتّضح هذا الأثر السّلبيّ فيما كتبه في الفرق الإسلاميّة: «وعني عناية خاصّة بدراسة الفرق الإسلاميّة برعاية شيخه ابن تيميّة، حيث أخذ عنه الكثير، ولازمه طوال حياته، وأولع في كتاباته وانكبّ على دراستها وقام بتهذيبها وتبويبها ونشرها بين النّاس. وكان

____________________

(1) البدر الطّالع لمحمّد بن عليّ الشوكانيّ 2: 143.

(2) ابن تيميّة حياته وعصره، أبو زهرة: 526.

٨

ينتصر له في جميع ما يصدر عنه». (1) غمس ابن القيّم قلمه في دواة ابن تيميّة، فنال من علماء عصره، وقفا أثر شيخه في مسألة شدّ الرِّحال لزيارة مرقد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع غرور ظاهر فيما كان يصرّح به أو يخطّه.

قال الذّهبيّ في «المختصر»: «جلس مرّة لإنكار شدِّ الرِّحال لزيارة قبر الخليل، ثمّ تصدّر للاشتغال ونشر العلم، ولكنّه معجب برأيه جريء على أمور». (2)

وعن السرّ جرأة ابن القيّم هذه، قال الشوكانيّ:

«ونعمت الجرأة! وأظنّها سرت إليه من بركة ملازمته لشيخه ابن تيميّة، في السرّاء والضّرّاء، والقيام معه في محنته ومؤاساته بنفسه، وطول تردّده إليه، فإنّه ما زال ملازماً له من سنة «712» إلى تاريخ وفاته.

وحكي عنه قبل موته بمدّة: «أنّه رأى شيخه ابن تيميّة في المنام، وأنّه سأله عن منزلته، فقال: إنّه أنزل فوق فلان وفلان، وسمّى له بعض الأكابر، ولكن أنت في طبقة ابن خزيمة». (3)

السجن: تصدّى له علماء عصره فنالوا منه مثلما نال منهم، وصدرت الفتاوى بوجوب حبسه مع ابن تيميّة، فحبس وعذّب وأهين، وطيف به على جمل مضروباً بالدّرّة، فلمّا مات ابن تيميّة أفرج عنه. (4)

ولقد كان الشوكانيّ صادقاً في تفسيره مسلك ابن القيّم، وتعليله لمنهجه الفكريّ، في قوله: «... سرت إليه من بركة ملازمته لشيخه ابن تيميّة...»، إذ جمع شتات نفسه وتفكيره للإقذاع والرمي بالأفائك، ليس لمن راماه بنبل التفسيق وقرعه بالعصيّ على رؤوس

____________________

(1) مدارج السّالكين 1: 5 (مقدّمة المحقّق).

(2) البدر الطّالع 2: 143.

(3) نفس المصدر 2: 145. «ابن خزيمة هو عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاريّ الأوسيّ. تابعيّ، مدنيّ. يروي عن أبيه، وابن عبّاس. روى عنه هشام بن عروة والزّهريّ. مات سنة خمس ومائة. وثّقه العجليّ: تاريخ الثّقات 353 / 1211 ووثّقه النّسائيّ، وابن حبّان: تاريخ البخاريّ الكبير 3: 2 / 498؛ الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم الرّازيّ 3: 1: 365؛ الثّقات: ابن حبّان 2: 402 / 3071؛ والتقريب لابن حجر العسقلانيّ، ترجمة 4844».

(4) نفس المصدر؛ مدارج السّالكين 1: 5 (مقدّمة المحقّق).

٩

الأشهاد؛ وإنّما صرف همّه في ذلك للشّيعة وإمامهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والمنافحة الباطلة عن الشجرة الملعونة في القرآن: «بنو أميّة»، ورجال السّوء من أنصارهم، أمثال عمرو بن العاص أليست هذه هي بركة ملازمته لشيخه وهذا هو منهج شيخه فيما صنّف؟!

وعُمدة ابن القيّم فيما يسطّر: «قاله الإمام أحمد بن حنبل، وتبعه ابن الجوزيّ في «الموضوعات». وإنّ الشيخ ابن تيميّة قد أطال في بيان بطلان حديث كذا أيّما إطالة في كتابه «منهاج السّنّة»، وتابعه في ذلك من تلامذته الحفّاظ الأئمّة: الذهبي، وابن كثير». فالماء واحد، والحادي هو الحادي!

مصنّفات ابن القيّم

ترك ابن القيّم مجموعة ليست بالقليلة من الكتب ضمّنها أحكاماً شرعيّة، كان ابن تيميّة، والمترجم له يفتيان بها. وعقيدتهما في ذات الله تعالى، وعالم البرزخ؛ وما أثاراه من مسألة زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأولياء.. ترتكز على أسس حنبليّة، وتخالف المذاهب الأخرى مخالفة شديدة، حتّى يصحّ أن يقال: إنّ ما جاءا به يشكّل مذهباً جديداً مستقلاًّ وربّما صحّت تسميته بالمذهب التّيميّ، نسبة إلى ابن تيميّة.

وتبقى مسألة الإساءة للمسلمين الشّيعة وشتمهم هي السمة الغالبة الملموسة في كلّ ما سطّر وطرّس. وممّا خلف: اجتماع الجيوش الإسلاميّة على حرب المعطّلة والجهميّة، إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، إغاثة اللّهفان في حكم طلاق الغضبان، إغاثة اللّهفان من مصايد الشّيطان، تحفة الودود في أحكام المولود، تفسير المعوّذتين، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشّافي، الرّوح، زاد المعاد في هدي خير العباد، شفاء العليل، الطّرُق الحكميّة في السياسة الشرعيّة، الفوائد، الكافية الشّافية في الفرقة النّاجية، مدارج السّالكين، مفتاح دار السعادة، هداية الحيارى، الوابل الصيّب من الكلم الطيّب، الرّسالة التبوكيّة، وغيرها. وجميع هذه الكتب مطبوع .

١٠

الفصل الثاني

مطارحات فكريّة في آثار ابن قيّم الجوزيّة

حان أن نجول في تآليف ابن القيّم وننظر في دعاواه.

قال في كتابه ( المنار المنيف في الصحيح والضّعيف ): حديث «أكذَبُ النّاس الصبّاغون والصوّاغون» (1) ، قال: يقول فيه ابن تيميّة: والحسُّ يردُّ هذا الحديث، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم، كالرّافضة فإنّهم أكذب خَلْق الله» (2) . قيل: ما ظنّك بجارِك؟ قال: ظنّي بنفسي.

إنّ المرء ليتساءل: أيّ ملازمة بين هذا الحديث وبين الشّيعة؟ فالمنهج العلميّ يقتضي صدق الحديث أو طرحه لضعف سنده ومتنه. أمّا أن نحمّله ما لا يحتمل ونجعل منه وسيلة لتحقيق مآرب سوء، فهو الإفك والبهتان عينه؛ وبعلّة الورشان يأكل رطب المشان! (3)

وإلاّ فإنّهما لو صدقا - وقلّما صدقا - فهل يشقّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسمّي الرّوافض كما سمّى بني أميّة والخوارج والنّاكثين والقاسطين؟!

ودليل ابن القيّم على أنّ الشّيعة أكذب خلق الله، ما رفع به شيخه (4) عقيرته كالملدوغ

____________________

(1) المنار المنيف 52، حديث رقم (60).

(2) نفس المصدر؛ منهاج السُّنّة لابن تيميّة 1: 13؛ علم الحديث له: 465.

(3) الورشان: طائر يشبه الحمام. والمشان: نوع من التّمر - من أطيبه. أي أنّ الصّائد بحجّة سعيه في أثر الصّيد يدخل بين النَّخل فيأكل التمر. يضرب لمن يظهر شيئاً والمراد منه شيء آخر.

(4) في منهاج السّنّة 1: 13: إنّ الرّافضة أكذبُ الطّوائف، وإنّ أصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد!

١١

يقذف خيار المسلمين بأشدّ القوارص الّتي هو أولى بها لتحقّقها فيه واشتهاره بها. إنّ الشّيعة الّذين وصمهم ابن تيميّة بالكذب، وشايعه ابن القيّم على ذلك، ينصّ فقههم على أنّ من الكبائر: الشّرك بالله تعالى، والكبر، والمحاربة لأولياء الله تعالى، والغيبة، وشهادة الزّور، وإنكار ما نزّل الله تعالى، والكذب، والبهتان.. وما إليها.

فأيّ واحد منها لم يكن من خصال الرّجلين - ابن تيميّة، وابن القيّم - وكأنّها طباع مركوزة في نسيج نفسيهما؟! ألم يصفهما من عاصرهما ومن جاء بعد، بالتّيه والكبر؟! وأيّ حرب لأولياء الله تعالى أكثر من تلك الفتنة الّتي أثاراها في تحريم شدّ الرّحال لزيارة البقاع المباركة الطّاهرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآله الطّاهرين، والتنقيص من المراتب التي رتّبها الله تعالى وأنزلهم منازلها؟! ولقد طفح كيلهما بالسبّ والغيبة لجمهور واسع من المؤمنين وعلمائهم؛ الحيّ منهم والميّت على سواء! وأيّ شهادة زور أعظم من النعيق بفضائل معاوية، ويزيد، وعمرو بن العاص.. ووضع الأحاديث بفضائلهم؟! وهو كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو من الكبائر، مع نفيهما لكلّ حديث ثابت محقّق عند الفرقاء جميعاً يثلب عصابة الزّيغ والضّلال.

وهما وإن لم ينكرا ما أنزل الله تعالى، لكنّهما صرفا القول العزيز لغير مناسبته، وأولاه لتصديق ما ادّعياه، وكذّبا أن يكون قد نزل شيء في عليّ عليه‌السلام خاصّة.

وهذه وغيرها من خصال ابن تيميّة وابن القيّم، أسخطت عليهما علماء عصرهما من المذاهب الثلاثة: الشّافعيّ، والمالكيّ، والحنفيّ، فحكموا عليهما بالفسق تارة وبالزّندقة والكفر أخرى، ولم ينتصر لهما حتّى القاضي الحنبليّ. لقد نهانا الباري سبحانه عن قبول شهادة الفاسق في قوله: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى‏ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) . (1)

وقد ألزم علماء المذاهب ابن تيميّة بالنّفاق لقوله: إنّ عليّاً عليه‌السلام أسلم صبيّاً لا يدري ما يقول! وإنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول.

وإنّه لمن العجب أن نجد في عيبة هذا المائن - ابن تيميّة - شيئاً من الإقرار بفضيلة من

____________________

(1) الحجرات / 6.

١٢

فضائل أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، فكيف إذن لو أراد أن يذكر شيعتهم؟! قال: «والرّافضة والجهميّة هم الباب للملحدين، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله، وآيات كتابه المبين». (1)

وقال: «هم من أضلّ النّاس عن سواء السّبيل، وهم من أكذب النّاس في النّقليّات ومن أجهل النّاس في العقليّات». (2)

وما هذا الضّلال والجهل في العقليّات الّذي يدّعيه إلاّ أنّهم أسّسوا مدرستهم على ما أسّس عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أي الإسلام النّقيّ من شوائب تجسيم الله تعالى وتبعيضه وجعله في حيّزٍ معيّنٍ وجهةٍ يشار إليها، وأنّه سبحانه ينزل من سماء لأخرى ليصعد إليها، ويجالس أحمد بن حنبل و عبد الوهّاب الورّاق، يأكلان ويشربان بين يديه، وأنّ ضيغماً وسفيان الثوريّ (3) يزوران الله تعالى متى شاءا وهي أمور يراها الشّيعة وعقلاء المسلمين من المذاهب الأخرى خرافات وإساءة للدّين وتجرّؤاً على ذات الله سبحانه وتعالى.

وابن تيميّة الّذي نعته أنصاره بشيخ الإسلام، والمجتهد المطلق، والإمام، فإنّه إذا اختصّ أحد علماء الشّيعة بالخطاب هدرت شقشقته بما لا يليق بعوامّ النّاس. قال ابن تيميّة في نعته لكتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة): «وهو خليق بأن يسمّى: منهاج النّدامة»؟ (4)

وفي مؤلّفه العلاّمة الحلّيّ الحسن بن يوسف بن المطهّر - المعاصر لابن تيميّة - قال: «كما إنّ من ادّعى الطّهارة، وهو من الّذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم، بل من أهل الجبت والطّاغوت والنّفاق. كان وصفه بالنّجاسة والتكدير، أولى من وصفه بالتّطهير». (5)

وإنّا لنربأ بأنفسنا أن ننساق، فنسفّ كما فعل ابن تيميّة في منهاج ضلاله، ولكن نستلّ من جدول أصحاب الرّدود على ابن تيميّة، ردّ العلاّمة الحلّيّ لما بلغه تصنيف ابن تيميّة

____________________

(1) منهاج السّنّة 1: 3.

(2) نفس المصدر.

(3) استعرضنا ذلك مع مصادره في فصل آتٍ.

(4) منهاج السُّنّة 1: 5.

(5) نفس المصدر.

١٣

«منهاج السّنّة» وسبابه له، فما زاد أن قال: «لو كان يفهم ما أقول أجبته». (1)

وقال في شعر: (2)

لو كنت تعلم كما علم الورى

طُرّاً لصرتَ صديق كلّ العالم

لكن جهلت فقلت إنّ جميع من

يهوى خلاف هواك ليس بعالم

ونذكر ما قاله ابن حجر العسقلانيّ في ترجمته حيث قال: «وافترق النّاسُ فيه شيعاً، فمنهم مَن نسبه إلى التجسيم، لما ذكره في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك قوله: إنّ اليد والقدم والسّاق والوجه صفات حقيقيّة لله، وإنّه مستو على العرش بذاته.. فألزم بأنّه يقول بتحيّزٍ في ذات الله.

«ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يُستغاث به.

وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

«ومنهم من ينسبه إلى النّفاق، لقوله: أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيّاً، والصبيّ لا يصحّ إسلامه على قولٍ. ولقوله: إنّه كان مخذولاً حيث ما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرّياسة لا للدّيانة، وإنّه كان يحبّ الرّياسة!

«ونسبه قوم إلى أنّه - أي ابن تيميّة - يسعى في الإمامة الكبرى.. وكان إذا حوقق وألزم، يقول: لم أرد هذا إنّما أردتُ كذا، فيذكر احتمالاً بعيداً». (3) وليس أدلّ على نفاق هذا الرّجل من ثلبه لأمير المؤمنين عليه‌السلام والمساواة بينه وبين معاوية ويزيد وأضرابهما! وقوله: إنّ الشيعيّ لا يمكنه إثبات إيمان عليّ وأنّه من أهل الجنّة، ما لم يثبت ذلك لمعاوية ويزيد وأسلافهما!

قال: «إنّ الرّافضيّ لا يمكنه أن يثبت إيمان عليّ وعدالته وأنّه من أهل الجنّة فضلاً عن إمامته إن لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان، وإلاّ فمتى أراد إثبات ذلك لعليّ وحده لم

____________________

(1) الخلاصة، للعلاّمة الحلّيّ: 14.

(2) نفس المصدر.

(3) الدّرر الكامنة، لابن حجر العسقلانيّ 1: 155. وقد ذكرنا جملة واسعة من علماء المذاهب المختلفة في عصره ممّن ردّ عليه، في بحث «ابن تيميّة حياته وأفكاره».

١٤

تُساعده الأدلّة...». (1)

وقال: «الرّافضة تعجز عن إثبات إيمان عليّ وعدالته مع كونهم على مذهب الرّافضة، ولا يمكنهم ذلك إلاّ إذا صاروا من أهل السّنّة، فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده فقد تواتر ذلك عن هؤلاء، بل تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم». (2) ولكن متى كفر عليّ عليه‌السلام لكي يؤمن وقد تحدّر من صلب طاهر هو كافل وناصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، شيخ قريش وشريفها وما توفّي إلاّ بعد أن أفرغ وسعه في حماية الدّين الحنيف الذي آمن به. وانتشب في رحم زكيّ، فأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيّة الهاشميّة، كافلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقائمة مقام أمّه، أسلمت وبايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أوّل من بايع من النّساء. روى الزّبير بن العوّام، قال: «سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو النّساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية ( يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) (3) الآية فكانت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب أوّل امرأة بايعت» (4) .

وهاجرت إلى المدينة، فكانت أوّل امرأة تهاجر إلى رسول الله؛ عن جعفر بن محمّد: «إنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت من مكّة إلى المدينة على قدميها، وكانت أبرّ النّاس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (5)

«وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؛ فقالت:

____________________

(1) منهاج السّنّة 1: 162.

(2) نفس المصدر 1: 163.

(3) الممتحنة: 12.

(4) المناقب للخوارزميّ: 277 حديث 264؛ شرح نهج البلاغة 1: 14.

(5) المناقب للخوارزميّ: 277؛ شرح نهج البلاغة 1: 14. وفي كتاب نسب قريش، للمصعب الزبيريّ (156 - 236 هـ): 40 «هي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميٍّ؛ وقد أسلمت وهاجرت إلى النبيّ، وماتت بالمدينة، وشهدها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ». وفي تهذيب الكمال: المزيّ 20: 473: «فاطمة بنت أسد بن هاشم الهاشميّة، وهي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميّ. أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفّيت في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلّى عليها ونزل في قبرها».

١٥

واسوأتاه! فقال لها: إنّي أسأل الله أن يبعثكِ كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر؛ فقالت: واضعفاه، فقال: إنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك». (1)

وتوفيّت بالمدينة ودفنت بها، وكفّنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقميصه، واضطجع في قبرها وجزّاها خيراً. ولما سئل عن ذلك قال: «إنّه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها»، وكان يسمّيها: «أمّي».

وعن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ، دخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجلس عند رأسها فقال: «رحمك الله يا أمّي؛ كنتِ أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيّب الطّعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله تعالى والدّار الآخرة». (2)

ولقد عصمها الله تعالى بابنها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من أن تسجد للأصنام: «كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم، وعليّ رضي الله عنه في بطنها لم يمكّنها، يضع رجله على بطنها ويلصق ظهره بظهرها ويمنعها من ذلك، ولذلك يقال عند ذكره: كرّم الله وجهه، أي عن أن يسجد لصنم». (3)

وعليّ عليه‌السلام أوّل مولود ولد في الكعبة، وما ولد قبله أحد فيها. (4) وعليّ أبو الكوثر الذي

____________________

(1) المصدر السابق؛ وتذكرة الخواصّ: 20.

(2) الاستيعاب 4: 381؛ الإصابة 4: 380؛ أسد الغابة 7: 217؛ المناقب للخوارزميّ: 46 - 48.

(3) نور الأبصار، للشبلنجيّ: 156.

(4) المـُجدي، للعمريّ: 11؛ العمدة في عيون صحاح الأخبار، لابن البطريق: 12؛ وفي تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ: 20: وروي «أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه‌السلام ، فضربها الطّلق، ففتح لها باب الكعبة فدخلت فوضعته فيها».

وبسند عال، أخرج ابنُ المغازليّ في مناقبه ص (6 - 7) خبر ولادة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الكعبة، قال: «أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع - يبيع السّمك، ثقة توفّي ببغداد سنة خمسين وأربعمائة (تاريخ بغداد 3: 106)، قال أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد الكاتب، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر ابن محمّد بن سلم الختّليّ، قال: حدّثني عمر بن أحمد بن روح الساجيّ حدّثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلويّ، قال: حدّثني محمّد بن سعيد الدارميّ حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ =

١٦

أعطاه الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وعليّ زوج الطّاهرة البتول فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، زوّجه إيّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر السّماء، بعد أن سبقه في خطبتها آخرون، فردّهم

____________________

= بن الحسين، قال: كنت جالساً مع أبي ونحن زائرون قبر جدّنا عليه‌السلام ، وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة العجلان من بني ساعدة فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟ فقالت: إي والله! حدّثتني أمّي أمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعديّ أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبوطالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه.

فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض. فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم الله؛ قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أركحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب: «عليّاً»، وحمله النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أدّاه إلى منزلها.

قال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : فو الله ما سمعت بشيء قطّ إلاّ وهذا أحسن منه.

وفي الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 30: ولد عليّ عليه‌السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب الفرد سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقبل البعث باثنتي عشرة سنة. ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته. وكان عليّ هاشميّاً من هاشميَّين، وأوّل من ولده هاشم مرّتين».

ونفس المصدر: ومن كتاب المناقب لأبي العالي الفقيه المالكيّ روى خبراً يرفعه إلى عليّ بن الحسين... وذكر خبر زيدة بنت قريبة السّاعديّة. وفي غاية المرام لهاشم البحرانيّ 13: بسندٍ عن الإمام الصادق عن آبائه: قال: «كان العبّاس بن عبد المطّلب، ويزيد بن قعنب، جالسين ما بين فريق من بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكانت حاملاً بأميرالمؤمنين لتسعة أشهر وكان يوم التّمام، قال: فوقفت بإزاء بيت الله الحرام وقد أخذها الطّلق، فرمت بطرفها نحو السّماء، وقالت: أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرّسول وبكلّ نبيٍّ من أنبيائك وبكلّ كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وأنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبحقّ هذا المولود الّذي في أحشائي الّذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه - وأنا مؤمنة أنّه أحد آياتك ودلائلك - لما يسّرت عليّ ولادتي. قال العبّاس بن عبد المطّلب، ويزيد بن قعنب: فلمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدّعاء، رأينا قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثمّ عادت الفتحة بإذن الله، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله تعالى. وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام، ثمّ انفتح الباب من الموضع الذي دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعليّ على يديها...» والحديث طويل.

١٧

النبيّ معرضاً عنهم بأنّ أمر زواجها من أمر الله تعالى. (1)

«وكان ممّا أنعم الله به على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه كان في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الإسلام». (2)

فكان عليّ أوّل مَن آمنَ برسول الله وصلّى معه، وصدّق بما جاءه من الله تعالى، وهو يومئذٍ ابنُ عشر سنين. (3) صلّى النبيّ يومَ الإثنين، وصلّى عليّ يومَ الثلاثاء. (4) عن ابن

____________________

(1) المناقب للخوارزميّ: 335 - 354؛ ينابيع المودّة للقندوزيّ: 175؛ الطبقات الكبرى لابن سعد 8: 19 - 25؛ ذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ: 32؛ حلية الأولياء 2: 75؛ مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 344؛ أُسد الغابة 1: 206؛ كفاية الطّالب للكنجيّ (في عدّة مواضع).

(2) السيرة النبويّة لابن هشام 1: 262. وسيرة ابن إسحاق «محمّد بن إسحاق بن يسار 85 - 151 هـ) المسمّاة: كتاب السِّيَر والمغازي، 137.

(3) السيرة النبوية لابن هشام 1: 262؛ تفسير الثعلبيّ: 210؛ اسد الغابة 4: 17. وسيرة ابن اسحاق 137: يونس - بن بكير - عن ابن إسحاق قال: حدّثني عبد الله بن أبي نجيح قال: أسلم عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين.

وسيرة ابن إسحاق 138: يونس بن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: أوّل الرجال إسلاماً عليّ بن أبي طالب ثمّ الرهط الثلاثة: أبوذرّ، وبريدة ن وابن عمٍّ لأبي ذرّ.

(4) شواهد التنزيل للحسكانيّ 2: 126 حديث: 820؛ صحيح الترمذيّ 5: 640؛ المناقب للخوارزميّ: 57؛ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام عليّ 1: 48 حديث 71. وفي سيرة ابن إسحاق 137: يونس عن ابن إسحاق قال: حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكنديّ، قال: حدّثني إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جدّه عفيف أنّه قال: كنتُ امرءاً تاجراً فقدِمتُ أيّام منى، أيّام الحجّ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرءاً تاجراً، فأتيتُه أبتاع منه وأبيعه؛ قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأة، فقامت تصلّي معه، وخرج غلام، فقام يصلّي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدّين، إنّ هذا الدّين ما ندري ما هو؟ فقال العبّاس: هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليّ بن أبي طالب آمن به؛ قال العفيف: فليتني آمنتُ يومئذ وكنت أكون ثانياً.

والإجماع منعقد على سابقة عليّ عليه‌السلام إلى الإسلام وأنّه أوّل مَن صلّى مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ هو وخديجة رضوان الله تعالى عليها.

عبد الرزّاق الصنعانيّ (ت 211 هـ) قال: قال معمر: أخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال: كان أوّل مَن آمن به عليّ بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة، أو ستّ عشرة. (المصنّف: عبد الرزّاق 5: 219). قال: وأخبرني =

١٨

____________________

= عثمان الجزريّ، عن مقسم عن ابن عبّاس قال: عليّ أوّل من أسلم. (المصنّف 5: 219).

وعنه ذكره المزّيّ في «تهذيب الكمال 20: 481، ونقل قوله الثاني وفيه: «وعمره ثاني عشرة، أو ستّ عشرة». (تهذيب الكمال 482). ابن سعد (ت 230  هـ) قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، ويزيد بن هارون، وعفّان ابن مسلم؛ عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي حمزة مولى الأنصاريّ عن زيد بن أرقم قال: أوّل من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عليّ، قال عفّان بن مسلم: أوّل من صلّى. (الطبقات الكبرى: ابن سعد 3: 21). وأنت تعلم أن لا صلاة بلا إسلام! إذا كان الوحي في الدعوة إلى التوحيد، ثمّ جاءت الفرائض والأحكام. وحتّى على كونه عليه‌السلام أوّل من صلّى؛ فهو أوّل من سبق إلى الإيمان، وهو تأويل ما كان يصدح به ويصرّح ك أنا أوّل مَن صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلّيت معه سبع سنين، وفي قول كذا سنه..؛ وقول رسول الله: «صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين...،لم يكن معي من أسلم من الرّجال غيرُه...» وقد ذكرنا الحديث صفحة 18 بطوله. ابن سعد، قال: أخبرنا محمّد بن عمر - الواقديّ ت 207 هـ - قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع وإسحاق بن حازم عن أبي نجيح عن مجاهد: أوّل من صلّى عليّ وهو ابن عشر سنين. (الطبقات الكبرى 3: 21). وبسنده عن عُمارة بن غزيّة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن زرارة قال: أسلم عليّ وهو ابن تسع سنين. (الطبقات الكبرى 3: 21).

ابن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال: سمعت عليّاً يقول: أنا أوّل من صلّى، قال يزيد: أو أسلم. (الطبقات الكبرى 3: 21).

ابن أبي شيبة (ت 235  هـ): حدّثنا معاوية بن هشام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن عليم عن سلمان قال: إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب.

(المصنّف: ابن أبي شيبة 7: 503 حديث 49 - من فضائل عليّ عليه‌السلام ؛ و 8: 350 / 222 و 8: 329 / 33 كتاب الأوائل).

ابن أبي شيبة: شعبة عن سلمة عن حبّة العرني عن عليّ قال: أنا أوّل رجل صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(المصنّف: ابن أبي شيبة 7: 498 حديث 22 من فضائل عليّ عليه‌السلام ) وبنفس السند واللفظ، إلاّ أنّ فيه: صلّى مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . (المصنّف لابن أبي شيبة 8: 332 / 61).

عبد الله بن إدريس عن أبي مالك الأشجعيّ عن سالم بن ابي الجعد قال: قلت لابنِ الحنفيّة: أبوبكر أوّل القوم إسلاماً؟ قال: لا. (المصنّف: ابن أبي شيبة 8: 332 / 62).

وفي نثر الدّرّ: قيل لابن عبّاس، أو لقتم بن عبّاس: كيف ورث عليّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دونكم؟ فقال: كان أوّلنا به لحوقاً وأشدّنا به لصوقاً. (نثر الدّرّ: الآبي ت 421 هـ، 1: 416). المسعوديّ (ت 346  هـ): «وتُنُوزع في أوّل مَن آمن به من الذكور، بعد إجماعهم على أنّ أوّل مَن آمن به من الإناث خديجة. فقال فريق منهم: أوّل ذكر آمن به =

١٩

____________________

= عليّ بن أبي طالب، هذا قولُ أهل البيت وشيعتهم؛ وروى ذلك عبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وزيد بن أرقم، في آخرين. (التنبيه والإشراف: المسعودي 198).

وكفى بهم ونعمت! فأهل البيت المعصوم عليهم‌السلام قد قالوا بسابقة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام إلى الإسلام، وأهل البيت أعرف بما فيه، وسيّدهم عليّ عليه‌السلام نفسه كان يحاجج بهذه الفضيلة كبار القوم فيخبتون له مصدّقين، وعلى هذا نهج أبناؤه الأئمّة عليهم‌السلام ، فما وجدنا مَن يدفعهم عن قولهم هذا.

ورواية ابن عبّاس، وجابر، وزيد - في آخرين - حجّة لدى الجميع، ومتواترة حدّ القطع اليقين. وأمّا شيعتهم فهم خير البريّة، يأتون يوم القيامة راضين مرضيّين؛ فهم بذرة أنبتها الله تعالى ورعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهم شيعة الله ورسوله ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأهل بيته، لا يجفونهم ولا يخرجون عن الحقّ، وسنوافيك بالأدلّة على ذلك. فقولهم حجّة في ذلك. أيضاً المسعوديّ: سنّه - أي سنّ عليّ - يوم أسلم، قال: وتنوزع في سنّه يوم أسلم فقالت فرقة كان سنّه يوم أسلم خمس عشرة سنة، وقال آخرون ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وقيل تسع، وقيل ثمان...

قال: هذا قول من قصد إلى إزالة فضائله، ودفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير، وصبيّ غرير، لا يفرّق بين الفضل والنقصان، ولا يميّز بين الشكّ واليقين، ولا يعرف حقّاً فيطلبه، ولا باطلاً فيجتنبه. (التنبيه والإشراف 198). ونحن مع المسعوديّ فيما ذكر من سنّ عليّ عليه‌السلام يوم أسلم؛ فقد ذكروا بشأن غزوة بدر: أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عرض أصحابه وردّ من استصغر منهم، فكان ممّن ردّ في ذلك اليوم من المسلمين: عبد الله بن عمر، ورافع بن خديج...؛ علماً أنّ غزوة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فلو كان عمر عليّ عليه‌السلام كما زعموا؛ لاستصغرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما استصغر غيره، فرّده. وبلاء عليّ يوم بدر أشهر من أن يتحدّث عنه، حتّى أنّ الوحي هتف يومئذ بشجاعة عليّ: لافتى إلاّ عليّ، لاسيف إلاّ ذو الفقار. ويقال إنّ الهتاف كان يوم أحد في السنة الثالثة من الهجرة. وفي قول إنّه كان في الوقعتين - تكلّمنا عنه في موضعه -. ويوم الخندق أحجم عسكر المسلمين عن عمرو بن عبد ودّ، الذي اقتحم عليهم خندقهم وطلب البراز فلم يقم إليه إلاّ عليّ عليه‌السلام فقتله، ولم يستصخره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أردفه خلف أبي بكر فأخذ منه سورة براءة فبلّغها، ولم يستصغره إذ أعرض عن أبي بكر، وعن عمر بن الخطّاب لما خطبا إليه بضعته فاطمة عليها‌السلام فأبلغهما إنّ زواجها إلى الله تعالى، فلمّا جاءه عليّ قال له: إنّ جبريل أخبرني الساعة أنّ الله تعالى يأمرني أن أزوّجك فاطمة، فكان الزواج المبارك الطّاهر، ولم يطهّر سبحانه بيتاً غيره.

ولم يستصغره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان يخلو به فيناجيه، ولما أشكلوا عليه انتجاءه إيّاه، وما كان ينبغي لهم ذلك إذ هو من التقديم بين يدي الله ورسوله! أجابهم: ما أنا انتجيته ولكنّ الله انتجاه. =

٢٠