أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)23%

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 243

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53380 / تحميل: 7304
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٥ / مدرسة أهل البيت عليهم السلام الأخلاقيّة

هي المدرسة التربويّة الكبرى، والجامعة الأخلاقيّة العظمى للخلق الكريم، وكريم الأخلاق، لكلّ من أراد الاتّصاف بالصفات الحسنة، والسجايا الطيّبة التي يحبّها الله تعالى، ويندب إليها الإسلام، ويحكم بحسنها العقل. ممّا تؤدي إلى طيب الحياة، والفوز بالنجاة، وتثمر شرف النفس، والضمير النفيس، وتوفّر خير الدُّنيا وسعادة الآخرة.

ونحن نتشرّف في هذه المدرسة الربّانيّة، بدراسات نموذجيّة، من أخلاق أهل البيت عليهم السلام، التي بيّنها لسان العصمة بصيغة الدّعاء، من خلال حديث واحد من أحاديثهم الشريفة.

وهو حديث دعاء مكارم الأخلاق، الذي هو الدعاء العشرون من أدعية الصحيفة الكاملة المباركة السجّاديّة، الملقّبة بإنجيل أهل البيت، وزبور آل محمّد صلى الله عليه وآله.

لسيّد الساجدين، وزين العابدين، وفخر المتهجّدين، الإمام علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

ولولاها ولولا أدعية أهل البيت عليهم السلام لم نعرف كيف نخاطب ربّنا، وكيف نناجي خالقنا، وكيف نطلب منه حوائجنا، وهو ملك الملوك، وربّ السلاطين.

١٠١

نعم، إنّها كتابٌ رائع ومنشورٌ بارع، لمعرفة التوحيد والنبوّة والإمامة وسائر المعارف العامّة.

والصحيفة المباركة السجّاديّة من الكتب الشريفة المعتبرة المشتملة على ٥٤ دعاءً من أدعية الإمام السجّاد عليه السلام، بسندٍ شريف ينتهي إلى الإمام الباقر عليه السلام، وزيد الشهيد رضوان الله عليه.

وشهد بصحّتها الإمام الصادق عليه السلام كما تلاحظه في مقدّمتها.

وهي من المتواترات عند الأصحاب كما أفاده المحقّق الطهراني قدس سره (١) .

وأضاف الدكتور محفوظ أنّه قد حظى ـ السند ـ بالتواتر حتّى زاد على ستّة وخمسين ألفاً، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الأسناد بالاسناد (٢) .

وأفاد السيّد الأمين أنّه قد تعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام (٣) .

فالسند قطعي علمي لا يقبل الشكّ والترديد.

هذا، مضافاً إلى أنّ علوّ متنها، وفصاحة ألفاظها، وسموّ مضامينها دالّة على صدورها من بحر العصمة ومعدن الإمامة وأهل بيت النبوّة سلام الله عليهم أجمعين.

لذلك علّق الدكتور محفوظ عليها بقوله: ـ

(نثرٌ رائع، واُسلوبٌ ناصع من أجناس المنثور، ونمطٌ بديع من أفانين التعبير، وطرف بارعة من أنواع البيان، ومسلك مُعجب من بلاغات النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام التي لم يَرْقَ إليها غير طيرهم، ولم تَسْمُ إليها سوى أقلامهم.

__________________

(١) الذريعة / ج ١٥ / ص ١٨.

(٢) مجلّة البلاغ / العدد ٧ من السنة الاُولى / ص ٥٤.

(٣) حياة الإمام زين العابدين عليه السلام / ج ٢ / ص ١١٧.

١٠٢

فالدّعاء أدبٌ جميل، وحديثٌ مبارك، ولغةٌ غنيّة، ودينٌ قيّم، وبلاغةٌ عبقريّة، إلهيّة المسحة، نبويّة العبقة) (١) .

وأضاف العلّامة القرشي أنّ الصحيفة المباركة احتوت على حقائق علميّة لم تكن معروفة في عصر الإمام عليه السلام، ممّا تشهد بصدورها من أهل بيت وحي السماء عليهم السلام.

نظير قوله عليه السلام في الدّعاء على أعداء المسلمين بقوله:

«اللَّهُمَّ وامزج مياههم وأطعمتهم بالوباء» (٢) .

فهي تشير إلى الحقيقة العلميّة التي اكتشفت في العصور الأخيرة بأنّ جراثيم الوباء المعروفة بالكوليرا تأتي عن طريق الماء، وتنتقل عن طريق الغذاء (٣) .

فالصحيفة المباركة من حيث التقييم السندي في أعلى مراتب الصحّة والاعتبار.

وأمّا من حيث المتن فهو نورٌ إلهي، وعلمٌ نبويّ، وكلامٌ معسوميّ، ككلام جدّه أمير المؤمنين عليه السلام.. دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق.. والوجدان شاهدٌ بالعيان.

والدّعاء العشرون من هذه الصحيفة الشريفة هو دعاء مكارم الأخلاق، الذي هو قمّة في الأخلاق الكريمة التي تربّي الجيل الصالح، وتصنع الإنسان المتّقي المخلوق، وتسمو بالإنسان إلى الفضائل النفسيّة، والمكارم الروحيّة، والمعالي الأخلاقيّة.

وترى هذا الدّعاء الشريف قد جمع بين الركيزتين الأساسيّتين في حُسن الأخلاق..

جمع بين صفات تهذيب النفس، إلهاماً من قوله تعالى: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (٤) ، وبين

__________________

(١) مجلّة البلاغ / العدد ٦ من السنة الاُولى / ص ٥٦.

(٢) الصحيفة المباركة السجّاديّة / الدعاء الأوّل.

(٣) حياة الإمام زين العابدين عليه السلام / ج ٢ / ص ١٢٥.

(٤) سورة الشمس / الآيات ٧ ـ ١٠.

١٠٣

صفات حُسن المعاشرة مع الغير، إقتباساً من قوله عزّ اسمه: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (١) .

فتلاحظ على صعيد تهذيب النفس بدأ بقوله عليه السلام: ـ

(اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،

وَبَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الْإِيمَانِ،

وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ،

وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ...

وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ،

وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلا تُفْسِدْ عِبادَتِي بِالْعُجْبِ،

وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرِ وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ،

وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ...).

وتلاحظ على صعيد حُسن المعاشرة يستمرّ الدّعاء إلى قوله عليه السلام: ـ

(اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،وَ

سَدِّدْنِي لِأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ،

وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ،

وَأُثِيبَ مِنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ،

وّ أُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ،

وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ،

وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ...).

فأدّبوا عليهم السلام أصحابهم وشيعتهم، وأرشدوا جميع الناس إلى كلا الأدبين: أدب

__________________

(١) سورة فصّلت: الآية ٣٤.

١٠٤

التزكية، وأدب المعاشرة.

وهذا الدّعاء المبارك يشتمل على عشرين فقرة.

وفقراتها تبتدأ بالصلوات على محمّد وآله الطاهرين التي هي وسيلة لاستجابة الدّعاء، وبركة العطاء، والفوز بأكمل الفضل والفضيلة، ممّا توجب اقتران هذا الدّعاء للداعي بالاستجابة، وحصول الآثار الطيّبة (١) .

ونحن نقتطف أزاهير عَطِرة من هذه الروضة الزاهرة، ونستلهم منها دروساً أخلاقيّة، ومعالم روحيّة.

فنستعرض كلّ جملةِ كريمة، من الفقرة الثامنة التي جمعت بين الركيزتين تهذيب النفس، وحُسن المعاشرة، واشتملت على عشرين جملة كَمَلا.

سائلين المولى العليّ القدير توفيق الاهتداء بهُداهم، والاستنارة بسيرتهم، والاتّصاف بأخلاقهم، والله تعالى وليّ التوفيق.

__________________

(١) لاحظ فضل الصلوات في كتاب وصايا الرسول لزوج البتول عليهم السلام / ص ١٢٤.

١٠٥

١٠٦

اللَهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلَّنِي بِحِلْيَةِ

الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ

هذه إحدى الدروس الأخلاقيّة الرفيعة، في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، التي هي مدرسة السماء في الأرض، وكتابها زبور آل محمّد: الصحيفة السجّاديّة، ومعلّمها حجّة الله وزين العباد الإمام السجّاد عليه السلام الذي هو مثال الأخلاق الطيّبة، والصِّفات الكريمة، ومكارم الأخلاق، يعلّمنا عليه السلام بالدّعاء والعمل أن نتحلّى بحلية الصالحين، ونتزيّن بزينة المتّقين.

والحلية هي: ما يتزيّن به الإنسان كالخاتم، والسيف، والمجوهرات، والذهب والفضّة.

والصالحون هم: القائمون بما يلزمهم من الحقوق الإلهيّة، وحقوق الناس، ويتركون المعاصي والمحرّمات.

إذ العمل الصالح هو أداء الفرائض وحقوق الناس، ترك المناهي والمحرّمات.

فالصالح هو من يعمل هذه الأعمال الصالحة.

وقد بشّرهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: ـ

( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ

١٠٧

أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

والصلاح هذا من أجلّ الصفات الحميدة التي وُصف بها أولياء الله المقرّبون، كما تلاحظه في زيارة سيّدنا أبي الفضل العبّاس عليه السلام المرويّ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام جاء فيها: ـ

(السلامُ عليك أيّها العبد الصالح...).

وفُسّر الذين يعملون الصالحات في تعبير القرآن الكريم بأمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وخواصّ شيعتهم كحمزة، وجعفر، وعبيدة، وسلمان رضوان الله عليهم.

وقد بشَّر الله تعالى المؤمنين العاملين عمل الصالحات بأزهى البشائر، وأعظم الفضائل في الدُّنيا والآخرة، كما تلاحظها في آيات القرآن الباهرة (٢) حتّى عرّفهم بأنّهم هم الذين يرثون الأرض، ونسبهم إلى نفسه، وشرّفهم بأنّهم عباده في قوله تعالى: ـ

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٣) .

فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أن يحلينا الله تعالى بحلية الصالحين وزينتهم، ويلبسنا ملبسهم الجميل الذي يسترهم عن العيوب، حتّى تحصل لنا الأهليّة الكاملة، ويتولّانا الله بولايته العظمى التي وعدها بقوله عزّ اسمه: ـ

( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّـهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (٤) .

والزينة: أعمّ من الحلية، فهي تعمّ الحلية وتشمل حتّى اللّباس.

__________________

(١) سورة النحل: الآية ٩٧.

(٢) راجع هذه الآيات المباركة وبشائرها الزاهرة في كتاب شيعة أهل البيت عليهم السلام / الفصل الخامس.

(٣) سورة الأنبياء: الآية ١٠٥.

(٤) سورة الأعراف: الآية ١٩٦.

١٠٨

فتُطلق الزينة على ما يُتزيّن به من حُليّ ولباس غيرهما.

والمتّقون: هم المتّصفون بالتقوى،

وهي في اللّغة بمعنى: الصيانة، وفي العرف بمعنى فعل الواجبات، وترك المحرّمات.

وأحسن تعريف له هو ما في الحديث الصادقي الشريف: ـ

(أن لا يفقدك حيث أمَرَك، ولا يجدك حيث نهاك) (١) .

ولباس المتّقين هو الذي يزيّنهم، وهو أحسن لباس ساتر للإنسان، يستر العيوب والعورات، ويصون عن القبائح والمحرّمات.

قال تعالى:

( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (٢) .

والتقوى هي تلك الصفة الفُضلى، والمزيّة الكبرى التي بها النجاة، في هذه الحياة وبعد الممات.

وقد أكّدت وحثّت عليها آيات الكتاب، وبيّنت فضلها وأهميّتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام (٣) .

فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أيضاً أن يزيّننا الله تعالى ويُلبسنا زينة المتّقين، بعد سؤال حلية الصالحين.

وركيزة البحث في هذا الفصل هو أنّه: ـ

ما هي حليةُ الصالحين وزينةُ المتّقين؟

الجواب: هي هذه الصفات العشرون التي ذكرها الإمام عليه السلام تلواً يعني: ـ بسط

__________________

(١) سفينة البجار / ج ٨ / ص ٥٥٨.

(٢) سورة الأعراف: الآية ٢٦.

(٣) راجع لمعرفتها كتاب ينابيع الحكمة / ج ٥ / ص ٢٧٣.

١٠٩

العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة.. إلخ ممّا يأتي ذكرها آتياً.

فهي الصفات الحسنة، والقيم المتقنة التي هي ملاكات حلية أهل الصلاح، وزينة أهل التقوى.

بل هي مقوّمات الصلاح والتقوى.

فإذا أردنا أن نكون من الصالحين والمتّقين..

وأردنا أن نتّصف بحليتهم وزينتهم..

يلزم علينا أن نتّصف بهذه الصفات، ونلتزم بهذه المكرمات.

فهذه الصفات تجعل الإنسان تقيّاً صالحاً، ومتحليّاً بزينة المتّقين والصالحين، وأخلاقهم الطيّبة، ومكارم صفاتهم الحسنة.

فلنعدّدها ونبيّنها، آملين توفيق امتثالها بعون الله تعالى.

وهي في الدعاء الشريف كما يلي: ـ

١١٠

(١)

هي بَسطِ العَدل

البسط هو: النشر، واستُعير للشمول المطلق، وبَثّ العدل في الخلق.

والعدل هو: الاعتدال، والتوسّط بين الإفراط والتفريط، ووضع الشيء في موضعه.

قال في مجمع البحرين (١) : ـ العدل خلاف الجور، ولغةً هو: التسوية بين الشيئين، والعدل: القصد في الاُمور.

وهو صفة جليلة، توجب مناعة النفس، والردع عن الظلم، والتحفيز على أداء الحقوق والواجبات.

والعدل مدار كلّ خير، وبه قامت السماوات والأرض، وهو الموجود في كلّ شيءٍ من المخلوقات من العالَم العُلوي إلى العالَم السُفلي.

فمن مجرّات السماء إلى طبقات الأرض كلّها وُضعت على العدل..

تلاحظ أنّ عين الشمس التي هي في حجمها ملايين الكيلومترات المكعّبة من السماء خُلقت على العدل.

__________________

(١) مجمع البحرين / ص ٤٨٣.

١١١

والسائل النفطي التي هي في مقدارها ملايين الكيلوغرامات تحت الأرض خُلقت على العدل.

وحتّى المكروبات إنّما تضرّ بميزان، وعلى حساب عدم الإفراط والتفريط، وبمقدار الاحتماء عنها وعدم الاحتماء.

وبسط العدل هو نشره وإعماله في جميع المجالات، وفي جميع الأقوال والأفعال في الحياة.

ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين عدلهم المبسوط المنتشر، الموجود في جميع اُمورهم وفي كلّ حياتهم.

وبحقّ هو زينة وجمال، ورداء محبوبٌ وجميل، وقد فُطرت النفوس على حبّ العدل والإنصاف، وبغض الظلم والجور، في جميع الشرائع والاُمم، وفي مختلف الفئات والطبقات.

وقد نُدب إليه ورغّب فيه بل اُمر به في دين الإسلام، في كتابه وسنّته.

ففي القرآن الكريم: ـ

قال تعالى: ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) .

وفي الأحاديث المباركة:

عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (إنّ العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق، ونصبه لإقامة الحقّ، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه) (٢) .

وفي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله: ـ

يا عليّ، ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك، وما أحببته لنفسِكَ فاحببه لأحيك

__________________

(١) سورة النحل: الآية ٩٠.

(٢) غرر الحكم / ص ٢٢٢ / ح ٨٨.

١١٢

تكُن عادلاً في حكمك، مقسِطاً في عدلك، محبوباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض) (١) .

عن الإمام الصادق عليه السلام: ـ

أنَه سُئِلَ عن صفة العدل في الرجل؟

فقال: إذا غضَّ طرفَه عن المحارم، ولسانه عن المآثم، وكفّه عن المظالم (٢) .

عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال:

عدلُ ساعة خيرٌ من عبادة ستّين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها،

وجور ساعة في حكم أشدّ وأعظم عند الله من معاصي ستّين سنة (٣) .

وجاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وهو يريد بعض غزواته، فأخذ بغَرزِ راحلته ـ أي ركابها ـ فقال: يا رسول الله علّمني عملاً أدخل به الجنّة؟

فقال: ـ ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأتهِ إليهم، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، خلّ سبيل الراحلة (٤) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، وما أوسع العدل إذا عُدل فيه ـ أي في الأمر ـ وإن قلّ (٥) .

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

العدل أحلى من الشهد، وألين من الزَبَد، وأطيب ريحاً من المسك (٦) .

__________________

(١) تحف العقول / ص ١٩.

(٢) مستدرك الوسائل / ج ١١ / ص ٣١٧ / ح ٣.

(٣) جامع الأخبار / ص ١٥٤ / ح ١١٦.

(٤) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ١٤٦ / ح ١٠.

(٥) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ١٤٦ / ح ١١.

(٦) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ١٤٧ / ح ١٥.

١١٣

هذا ما يستفاد منه منتهى فضيلة العدل، ومفخرة الاعتدال، وسموّ هذه الصفة الشريفة.

واعلم أنّ للعدل هذا صدورٌ عديدة أفادها العلماء تتلخّص فيما يلي: ـ

١) عدل الإنسان مع الله تعالى..

وذلك بالإيمان به، وتوحيده وعدم الشرك به، والإخلاص له، وتصديقه، وأطاعته، وتصديق أنبيائه، وأوصياء أنبيائه الحجج على خلقه (١) .

٢) عدل الإنسان مع والديه..

بأن يطيعهم ويحسن إليهم، ولا يقول لهم أفٍّ ولا ينهرهما، ولا يكلّفهما أن يسألاه شيئاً ممّا يحتاجان إليه، ولا يسمّيهما باسمهما، ولا يمشي أمامهما، ولا يجلس قبلهما، ولا يستسبّ لهما، ويصوم ويصلّي ويحجّ عنهما، ويقضي دينهما، ويستغفر لهما، ويبرّهما حيّين وميّتين (٢) .

٣) عدل الإنسان مع ولده..

وذلك بأن يُحسن اسمه وتربيته، ويرى نفسه مسؤولاً عن حُسن أدبه، والدلالة على ربّه، والمعونة له على الطاعة، ويعمل معه عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه، ومعاقب على الإساءة إليه (٣) .

٤) عدل الإنسان مع زوجته..

بأن يعلم أنّ الله عزّوجلّ جعلها له سَكَناً واُنساً ونعمةُ، فيكرمها، ويُرفق بها، ويُنفق عليها، ويطعمها، ويكسوها، ويعاشرها بالمعروف (٤) .

__________________

(١) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج ٧٤ / ص ٣.

(٢) لاحظ سفينة البحار / ج ٨ / ص ٥٨٥.

(٣) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج ٧٤ / ص ١٥.

(٤) لاحظ أمالي الشيخ الصدوق / المجلس ٩٥ / ص ٣٧٠.

١١٤

٥) عدل الإنسان مع نفسه..

ويكون ذلك بتهيئة الفوز والنجاة لنفسه، وسوقها إلى الكمالات، وهدايتها إلى الطاعات، وصونها عن الذنوب والمعاصي، وتزكيتها بالعمل الإلهي.

وطريق ذلك الفوز والنجاة الالتزام بالاُمور التالية: ـ

الأوّل: معرفة اُصول الدِّين وفروعه، والعلم بالتكاليف: الحلال والحرام (١) .

الثاني: العمل بالواجبات وترك المحرّمات ليحصل على التقوى (٣) .

الثالث: الاتّصاف بصفات المؤمنين المبشّرين في كتاب الله تعالى في سورة المؤمنين بالفلاح (٣) .

فإذا عمل الإنسان مع نفسه بهذه المفاصل كان عادلاً مع نفسه، هادياً لها إلى سعادته، متحليّاً بحلية الصالحين وزينة المتّقين، وممّن بشّره الله تعالى بالفوز والفلاح بقوله عزّ اسمه في القرآن الكريم (٤) : ـ

( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

٦) عدل الإنسان مع المجتمع والآخرين..

ويكون ذلك برعاية حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم، وحسن الأخلاق معهم،

__________________

(١) ينابيع الحكمة / ج ٤ / ص ١٩١.

(٢) بحار الأنوار / ج ٦٩ / ص ٢٧٧ / ح ١٢.

(٣) كنز الدقائق / ج ٩ / ص ١٥٧.

(٤) سورة المؤمنون / الآيات ١ ـ ١١.

١١٥

ومداراتهم، والعطف عليهم، وسائر الحقوق الاُخرى التي تلاحظها في رسالة الحقوق الجامعة لسيّد الساجدين الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام (١) .

٧) عدل الحكّام في أحكامهم..

وذلك برعاية الحدود التي عيّنها الله تعالى، ورسوله، وخلفاؤه.. ممّا قرّره الشارع المقدّس في الحكومة والقضاء.

والنموذج المثالي منه هو ما عيّنه وطبّقه أقضى الاُمّة وأعدلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمر به في عهده الشريف الجامع إلى الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه حين ولّاه مصر (٢) الذي هو أرقى دستور سامي، وأوفى منشورٍ عالمي في الحكومة والقضاء، والضامن للحياة العادلة والمدنيّة الفاضلة، لجميع الشعوب وكلّ الطبقات.

هذه أنواع العدل التي برعاياتها تسعد الحياة، ويحصل الفوز بعد الممات، ويسود السلام، ويشيع الرخاء في الأنام.

هذا.. والمثل الأعلى الأوفى لبسط العدل هم أهل البيت عليهم السلام، حيث كان ملأ حياتهم، وفي جميع اُمورهم على أقصى العدل، وأوفى القسط.

ومن ذلك ما في حديث المناقب عن عدل أمير المؤمنين عليه السلام أنّه: ـ

قَدِمَ عليه عقيل فقال للحسن: ـ اكسُ عمّك، فكساه قميصاً من قميصه ورداءً من أرديته.

فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبزٌ وملح، فقال عقيل: ليس إلّا ما أرى؟

فقال: أوليسَ هذا من نعمة الله، وله الحمد كثيراً.

فقال: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي، حتّى أرحل عنك.

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ٢ ـ ٢١.

(٢) نهج البلاغة / الكتاب رقم ٥٣ / الطبعة المصريّة.

١١٦

قال: فكم دَينُك يا أبا يزيد؟

قال: مائة ألف درهم.

فقال: لا والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتّى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنّه لابدّ للعيال من شيء لأعطيتُك كلّه.

فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطاءك؟

فقال: وما أنا وأنت فيه إلّا بمنزلة رجلٍ من المسلمين، وكانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة، مشرفين على صناديق أهل السوق، فقال له عليّ عليه السلام: إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخُذ ما فيه.

فقال: وما في هذه الصناديق؟

قال: فيما أموال التجّار.

قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين، وأعطيك أموالهم...؟

وزاد في حديث الصواعق المحرقة أنّه ثمّ قال عقيل: آتينّ معاوية.

فقال عليّ عليه السلام: أنت وذاك.

فأتى عقيل معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثمّ قال له: إصعد المنبر فاذكر ما أولاك به ع ليّ وما أوليتك.

فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ـ

أيّها الناس إنّي اُخبركم عليّاً عليه على دينه فاختار دينه، وإنّي أردتُ معاوية على دينه فاختارني على دينه (١) .

وعدل أمير المؤمنين عليه السلام في جميع حياته ومجالاته ممّا لا يختلف فيه إثنان.

وهو القائل: (وَاللَهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ

__________________

(١) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة / ج ٣ / ص ٢٢.

١١٧

مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ...) (١) .

وهو القائل أيضاً: (وَاللَهَ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَهَ فِي نَمْلَةٍ جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ).

هذه هي الصفة الإلهيّة، والخُلق الربّاني العدل الذي هو من أشرف الفضائل.

وهؤلاء أهل البيت عليهم السلام الذي هم المَثَل الأعلى لهذه المزيّة، والصفة السنيّة.

وعلينا أن نسير في هداههم في جميع أفعالنا وأقوالنا، وفي جميع اُمور حياتنا.

أقول: وما أبعد ما بين عدل عليّ عليه السلام هذا وبين جشع عثمان واستئثاره بأموال المسلمين لنفسه ولقومه يخضم مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، ويتصرّف فيه كيف شاء ولمَن شاء بلا رادعٍ ولا مانع حتّى اعترض عليه الناس.

فقال في جوابهم بلا حياء ولا إباء: ـ (هذا مال الله أعطيته من شئت وأمنعه من شئت) (٢) .

وتلاحظ صورة وافية من قطايعه وما أعطاه من بيت مال المسلمين لمن يهواهم من قومه وأتباعه مجموعةً وأتباعه مجموعةً في كتاب الغدير الشريف (٣) ، ممّا أثبته نفس العامّة في كتبهم.

وهذه جملةً منها نذكر نصّاً في الجدول التالي، ليُعرف ماذا حدث في ميزان العدل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويُعرف شيءٌ من عدل عليّ عليه السلام وظلم غيره: ـ

العطايا والمبالغ بدينار ذهب

الشخص

٠٠٠ / ٥٠٠

مروان بن الحكم (صهره)

٠٠٠ / ١٠٠

عبد الله بن أبي سرح (أخوه الرضاعي)

__________________

(١) نهج البلاغة / الخطبة ٢٢٤.

(٢) أنساب الأشراف / ج ٥ / ص ٨٨.

(٣) الغدير / ج ٨ / ص ٢٨٦.

١١٨

٠٠٠ / ٢٠٠

طلحة

٠٠٠ / ٥٦٠ / ٢

عبد الرحمن بن عوف

٠٠٠ / ٥٠٠

يعلى بن اُميّة

٠٠٠ / ١٠٠

زيد بن ثابت (مدافعه)

٠٠٠ / ١٥٠

عطيّة لنفسه

٠٠٠ / ٢٠٠

عطيّة اُخرى لنفسه

٠٠٠ / ٣١٠ / ٤ دينار

المجموع

العطايا والمبلغ بدرهم فضّة

الشخص

٠٠٠ / ٣٠٠

الحكم بن أبي العاص (عمّه)

٠٠٠ / ٠٢٠ / ٢

آل الحكم

٠٠٠ / ٣٠٠

الحارث بن الحكم (ابن عمّه وصهره)

٠٠٠ / ١٠٠

سعيد بن العاص

٠٠٠ / ١٠٠

الوليد بن عُقبة (أخوه لاُمّه)

٠٠٠ / ٣٠٠

عبد الله بن خالد (صهره)

٠٠٠ / ٦٠٠

عبد الله بن خالد (صهره)

٠٠٠ / ٢٠٠

أبو سفيان

٠٠٠ / ١٠٠

مروان بن الحكم (صهره)

٠٠٠ / ٢٠٠ / ٢

طلحة

٠٠٠ / ٠٠٠ / ٣٠

طلحة أيضاً

٠٠٠ / ٨٠٠ / ٥٩

الزبير

١١٩

٠٠٠ / ٢٥٠

سعد بن أبي وقّاص

٠٠٠ / ٥٠٠ / ٣٠

عطيّة لنفسه

٠٠٠ / ٧٧٠ / ١٢٦ درهم

المجموع

أموال عثمان حين موته

عين المال

٠٠٠ / ١٥٠

دينار ذهب

٠٠٠ / ٥٠٠ / ٣٠

درهم فضّة

٠٠٠ / ١

بعير في الربذة

٠٠٠ / ٢٠٠

دينار صدقات ببراويس وخيبر ووادي القرى

٠٠٠ / ١

عبيد

عدداً كثيراً من الحدائق، والعيون، والخيل في المدينة، وداراً فخمة، وضياعاً في حُنين تقدّر بمائة ألف دينار كما ذكره المؤرّخ المسعودي في مروج الذهب / ج ١ / ص ٤٣٣.

٠٠٠ / ٣٥٠

المجموع من الدنانير

٠٠٠ / ٥٠٠ / ٣٠ درهم

المجموع من الدراهم

وعلى طبق هذه الجداول يكون ما فرّط فيه عثمان من بيت مال المسلمين يساوي: (٠٠٠ / ٦٦٠ / ٤) دينار ذهب، و (٠٠٠ / ٢٧٠ / ١٥٧) درهم فضّة.

فَمَن المسؤول؟ وأين العدل؟

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لقد مُلئ قلبي منه رُعباً

عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إنَّ مسلم بن عقبة بايع الناس على أنَّهم عبيد ليزيد، ومَن أبى ذلك أمَرَّهُ مُسرف على السيف).

ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجَّاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مُسرف وهو مُغتاظ عليه، فتبرَّأ منه ومِن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه، وقال له: سَلني حوائجك، فلم يسأله في أحد مِمَّن قُدِّم إلى السيف إلاّ شفَّعه فيه، ثمَّ انصرف عنه.

وقيل لمسلم: رأيناك تسبُّ هذا الغُلام وسلفه، فلما أُتي به إليك رفعت منزلته؟!

فقال: ما كان ذلك لرأيٍ مِنِّي لقد مُلئ قلبي منه رُعباً (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤١

إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين

سمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوماً مِن أصحابه يسبُّون أهل الشام أيَّام حربهم بصِفِّين، فقال لهم: (إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سَبِّكم إيَّاهم:

اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم مِن ضلالتهم، حتَّى يعرف الحَقَّ مِن جَهله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٢

سُبْحان الله! تقذف أُمَّه؟!

قال عمرو بن نعمان الجُعفيِّ: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صَديق لا يكاد يُفارقه أين يذهب، فبينا هو يمشي معه في الحذائين، ومعه غُلام له سِنديٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يُريد غُلامه ثلاث مَرَّات فلم يره، فلمَّا نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟

قال فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصكَّ بها جَبهة نفسه، ثمَّ قال: (سبحان الله! تقذف أُمَّه؟! قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً، فإذاً ليس لك ورعٌ!).

فقال: جُعِلت فِداك! إنَّ أُمَّه سِنديَّة مُشركة.

فقال: (أما علمت أنَّ لكلِّ أُمَّة نكاحاً؟! تنحَّ عنِّي).

فما رأيته يمشي معه حتَّى فرَّق الموت بينهما (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٣

الله يُحبُّ المُحسنين

كانت جارية لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) تسكب له الماء، فسقط الإبريق مِن يدها، فشجَّه، فرفع رأسه إليها، فقالت:

إنَّ الله تعالى يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ... ) (آل عمران: 134).

فقال: (كظمت غيظي).

قالت: ( ... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ... ) .

قال: (عفوتُ عنك).

قالت: ( ... وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ... ) .

قال: (اذهبي، فأنت حُرَّة لوجه الله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٤

إصلاح ذات بَيْنِ المُوالين لأبي عبد الله

عن أبي حنيفة سائق الحاج قال:

مَرَّ بنا المُفضَّل وأنا وخَتني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمَّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا مِن عنده، حتَّى إذا استوثق كلُّ واحدٍ مِنَّا مِن صاحبه.

قال: أما إنَّها ليست مِن مالي، ولكنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان مِن أصحابنا في شيءٍ أنْ أصلِح بينهما، وأفتديهما مِن ماله، فهذا مِن مال أبي عبد الله (عليه السلام) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٥

اتَّبع النبي لأفعاله الكريمة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنَّ عليَّاً صاحب رجلاً ذِميَّاً في طريق، فقال له: (الذِّمِّي أين تُريد يا عبد الله؟).

قال: أُريد الكوفة.

فلمَّا عدل الطريق بالذِّمِّي عدل معه عليٌّ، فقال الذِّمِّي له: أليس زعمت تُريد الكوفة؟!

قال: (بلى).

قال الذِّمِّي: فقد تركت الطريق.

قال عليٌّ (عليه السلام): (قد علمت).

فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟!

فقال له علي: (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيُّنا).

فقال له: هكذا أمركم؟!

قال: (نعم).

فقال الذِّمِّي: لا جَرَم، أنَّما اتَّبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أُشهدك أنِّي على دينك، فرجع الذِّمِّي مع عليٍّ، فلمَّا عرفه أسلم (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٦

صَدَّقَتني إذ كذَّبتم وآمنت بي إذ كفرتم

عن علي (عليه السلام) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه وبكى، فقالت عائشة: ما يُبكيك على عجوز حمراء من عجائر بني أسد؟!

فقال: (صَدَّقتي إذ كذَّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عَقمتم).

قالت عائشة: فما زلت أتقرَّب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذكرها (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٧

.. والله هذا يفي بدماء أهل الأرض!

قال أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام): (إنَّ رجلاً جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) برجل يزعم أنَّه قاتل أبيه، فاعترف، فأوجب عليه القِصاص، وسأله أنْ يعفو عنه ليُعظِّم الله ثوابه، فكأنَّ نفسه لم تَطِبْ بذلك.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للمُدَّعي للدَّم - الولي المُستحقُّ للقِصاص ـ: إنْ كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلاً فَهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب.

قال: يا بن رسول الله، له عليَّ حَقٌ، ولكنْ لم يبلغ أنْ أعفو عن قتل والدي.

قال: فتُريد ماذا؟

قال: أُريد القَود، فإنْ أراد لحَقِّه عليَّ أنْ أُصالحه على الدِّيَّة صالحته وعفوت عنه.

فقال علي بن الحسين: فماذا حَقُّه عليك؟

قال يا بن رسول الله: لقَّنني توحيد الله ونبوَّة محمد رسول الله وإمامة عليٍّ والأئمَّة.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): فهذا لا يفي بدم أبيك؟! بلى - والله - هذا يفي بدماء أهل الأرض.

قال عليِّ بن الحسين للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتَّى أبذل لك الدِّيَّة فتنجو بها مِن القتل؟

قال: يا بن رسول الله، أنا مُحتاج إليها وأنت مُستغنٍ عنها؛ فإنَّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليِّه هذا.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): فتستسلم للقتل أحبُّ إليك مِن نزولك عن هذا التلقين قال: بلى - يا بن رسول الله ـ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٨

حاجة المؤمن رحمة مِن الله لمَن طُلِبت منه

عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعِلت فِداك! المؤمن رحمة على المؤمن؟

قال: (نعم).

قلت: وكيف ذاك؟

قال: (أيُّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنَّما ذلك رحمة مِن الله ساقها إليه وسبَّبها له، فإنْ قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإنْ ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها، فإنَّما ردَّ عن نفسه رحمة مِن الله جَلَّ وعَزَّ ساقها إليه، وسبَّبها له وذخر الله عَزَّ وجَلَّ تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتَّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إنْ شاء صرفها إلى نفسه، وإنْ شاء صرفها إلى غيره.

يا إسماعيل، فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة مِن الله قد شُرعت له فإلى مَن ترى يَصرفها؟).

قلت: أظنَّ أنَّه لا يَصرفها عن نفسه.

قال: (لا تظنَّ، ولكنْ استيقن؛ فإنَّه لن يردَّها عن نفسه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٩

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

قال الحسين (عليه السلام): (يا قَنبر، هل بقي مِن مال الحِجاز شيءٌ؟).

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال: (هاتِها؛ جاءها مَن هو أحَقُّ بها منَّا).

ثمَّ نزع بُرْدَته ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده مِن شَقِّ الباب؛ حياءً مِن الأعرابي وأنشأ:

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

واعلم بأنِّي عليك ذو شَفقة (1)

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٠

إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بأرض قَرعاء ما بها مِن حَطب.

قال: فليأت كلُّ إنسان بما قَدِر عليه.

فجاءوا به حتَّى رموا بين يديه بعضه على بعضٍ.

فقال رسول الله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمَّ قال: إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ طالباً ألاَ وإنَّ طالبها يكتب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥١

أنفقوا عليه مِن بيت المال

مَرَّ شيخ كبير مكفوف البصر يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما هذا؟).

قالوا: نصرانيٌّ.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (استعملتموه حتَّى إذا كَبر وعَجز منعتموه! أنفقوا عليه مِن بيت المال) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٢

مَن زار أخاً في الله مُحبَّاً له فقد زار الله ووجبت له الجَنَّة

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنَّ مَلَكاً لقيَ رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتُك في هذه الدار؟

فقال: أخٌ لي فيها أردت أنْ أُسلِّم عليه.

فقال: بينك وبينه رَحمٌ ماسَّة أو نزعتك إليه حاجة.

فقال: ما لي إليه حاجة، غير أنِّي أتعهَّده في الله رَبِّ العالمين، ولا بيني وبينه رَحم ماسَّة أقرب مِن الإسلام.

فقال له المَلَك: إنِّي رسول الله إليك، وهو يُقرؤك السلام، ويقول لك:

إيَّاي زُرت، فقد أوجبتُ لك الجَنَّة.

وقد عافيتك مِن غَضبي ومِن النار، لحُبِّك إيَّاه فيَّ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٣

اتَّبع عليَّاً وحزبه فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه

لمَّا كان يوم صِفِّين، خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال؟

قال: (مَهْلاً رحمك الله).

فلمَّا كان بعد ساعة أعاد (عليه السلام) فأجابه بمِثله.

فأعاد ثالثاً، فبكى أمير المؤمنين، فنظر إليه عمار.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه اليوم الذي وصفني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل أمير المؤمنين عن بَغلته، وعانق عمار، وودَّعه.

ثمَّ قال: (يا أبا اليقظان، جَزاك الله عن الله وعن نبيِّك خيراً، فنِعْمَ الأخُ كنت ونِعْمَ الصاحب كنت).

ثمَّ بكى (عليه السلام) وبكى عمار ثمَّ قال: والله - يا أمير المؤمنين - ما تبعتك إلاَّ ببصيرة، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم حُنين:

(يا عمار، ستكون بعدي فِتنة وإذا كان ذلك فاتَّبع عليَّاً وحزبه؛ فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٤

لاستجابة الدعاء لا بُدَّ مِن الطريق الذي أمر الله به

عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) قال:

(مَرَّ موسى بن عمران برجل، وهو رافع يده إلى السماء يدعو الله، فانطلق موسى في حاجته، فغاب سبعة أيَّام، ثمَّ رجع إليه وهو رافع يده إلى السماء، فقال:

يا رب، هذا عبدك رافع يديه إليك يسألك حاجة مُنذ سبعة أيَّام لا تستجيب له.

[ قال: ] فأوحى الله إليه:

يا موسى، لو دعاني حتَّى تسقط يداه أو ينقطع لسانه ما استجبت له حتَّى يأتيني مِن الباب الذي أمرته) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٥

لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة..

جاء رجل مِن الأنصار يسأل أبا عبد الله حاجة، فقال (عليه السلام):

(يا أخا الأنصار، صِنْ وجهك عن بِذْلَة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنِّي آتٍ فيها ما هو سارُّك إنْ شاء الله).

فكتب: يا أبا عبد الله، إنَّ لفلان عليَّ خمسمئة دينار وقد ألحَّ عليَّ، فكلِّمه يُنظرني إلى مَيسرة، فلمَّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرُّقعة، دخل إلى منزله، فأخرج صُرَّة فيها ألف دينار، وقال (عليه السلام) له:

(أمَّا خمسمئة فاقض بها ذِمَّتك، وأمَّا خمسمئة فاستعن بها على دهرك؛ لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دَيْن أو مُروءة أو حسب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٦

إذا وجَدْنا بذلنا وإذا فقدنا شكرنا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه مَرَّ يوماً على قوم، فرآهم أصحَّاء جالسين في زاوية المسجد، فقال (عليه السلام): (مَن أنتم؟).

قالوا: نحن المُتوكِّلون.

قال (عليه السلام): (لا، بلْ أنتم المُتأكِّلة، فإنْ كُنتم مُتوكِّلين، فما بلغ توكُّلكم؟).

قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا.

قال (عليه السلام): (هكذا تفعل الكلاب عندنا).

قالوا: فما نفعل؟

قال: (كما نفعل).

قالوا: كيف تفعل؟

قال (عليه السلام): (إذا وجَدْنا بذلنا، وإذا فقدْنَا شكرنا) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٧

لا تدعُ سِوى الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لمَّا أمر المَلِك بحبس يوسف في السِّجن، ألهمه الله تبارك وتعالى تأويل الرُّؤيا، فكان يُعبِّر لأهل السِّجن رؤياهم.

فقال صاحباه له: إنَّا رأينا رؤيا فعبِّرها لنا.

فقال: وما رأيتُما؟

قال أحدهما: إنِّي أراني أحمل فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه.

وقال الآخر: إنِّي رأيت أنَّي أسقي المَلِك خمر.

ففسَّر لهما رؤياهما بما في الكتاب، ثمَّ قال - للذي ظنَّ أنَّه ناجٍ منهما ـ: اذكُرني عند رَبِّك.

قال: ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله تعالى: ( ... فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ... ) .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال الله ليوسف:

ألستُ الذي حبَّبتك إلى أبيك، وفضَّلتك على الناس بالحُسن؟! أوَ لستُ الذي سُقْت إليك السيَّارة وأنقذتك، وأخرجتك مِن الجُبِّ؟! أوَ لستُ الذي صرفت عنك كيد النِّسوة؟! فما حَمَلك على أنْ تدعو مَخلوقاً هو دوني؟! فالبث بما قلت بضع سنين ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٨

.. وعِزَّتي وجَلالي لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّلٍ غيري

عن محمد بن عجلان قال: أصابتني فاقة شديدة وضائقة، ولا صديق لمَضيق، ولزمني دَيْنٌ ثقيل وغَريم يُلحُّ بقضائه، فتوجَّهت نحو دار الحسن بن زيد - وهو يومئذٍ أمير المدينة - لمعرفة كانت بيني وبينه، وشَعر بذلك مِن حالي محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكانت بيني وبينه قديمُ معرفة، فلَقيني في الطريق، فأخذ بيدي، وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمَن يقدر على ذلك وهو أجود الأجودين، فالتمسْ ما تؤمله مِن قِبَله، فإنِّي سمعت ابن عمِّي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يُحدِّث عن أبيه عن جَدِّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه: وعِزَّتي وجلالي، لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّل غيري بالإياس، ولأكسونَّه ثوب المَذلَّة ولأُبعدنَّه مِن فَرَجي وفَضلي، أيؤمِّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي؟! أو يرجو سواي وأنا الغنيُّ الجَواد؟!).

فقلت له: يا ابن رسول الله، أعِدْ عليَّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً، فقلت: لا والله، لا سألت بعد هذا حاجة، فما لبثت أنْ جاءني الله برزق وفضل مِن عنده (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٩

.. اللَّهمَّ لا تكلني إلى نفسي طَرفة عين أبد..

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت أُمِّ سَلمة في ليلتها، ففقدته مِن الفراش، فدخلها مِن ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتَّى انتهت إليه، وهو في جانبٍ مِن البيت قائم رافع يديه يبكي، وهو يقول:

اللَّهمَّ، لا تنزع مِنَّي صالح ما أعطيتني أبداً.

اللَّهمَّ، ولا تكلني إلى نفسي طَرْفة عين أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُشمِت بي عدوَّاً ولا حاسداً أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُرِدْني في سوءٍ استنقذتني منه أبداً) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243