أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)30%

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 243

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53362 / تحميل: 7298
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

٦٢

٦٣

٦٤

٦٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الاستعانة

نحمدك يا من أَطلع في فلك الهداية شمس النبوة ، وقمر الولاية ، ونصلي على قطب مداره وآله ، أهلّة سماء الإهتداء ، ونسلّم تسليماً كثيراً. وبعد :

فيقول أقل الخلائق محمد المشتهر بهاء الدين العاملي عامله الله بإحسانه : هذه الحديقة الثالثة والأربعون من كتابنا الموسوم بحدائق الصالحين في شرح صحيفة مولانا وإمامنا قبلة أهل الحق واليقين علي بن الحسين زين العابدين سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، تتضمن شرح الدعاء الثالث والأربعين ، وهودعاؤهعليه‌السلام  عند الاستهلال أمليتها مع وفور الملال ، لتوزع البال ، واختلال الحال ، راجياً من الله تعالى أن يوفقني لإِكمال بقية الحدائق ، إنَّه مفيض الخير وملهم الحقائق.

وكان من دعائهعليه‌السلام  إذا نظر إلى الهلال :

سمّي هلالاً لجريان عادتهم برفع الأصوات عند رؤيته ، مأخوذ من الإهلال ، وهو رفع الصوت ، ومنه قولهم : أَهلّ المعتمر ، إذا رفع صوته بالتلبية ، واستهل الصبي إذا صاح عند الولادة.

وقد اضطربوا في تحديد الوقت الذي يسمّى فيه بهذا الاسم ، فقال في

٦٦

 « الصحاح » : الهلال أول ليلة ، والثانية والثالثة ، ثمّ هو قمر(١) .

وزاد صاحب القاموس فقال [٤ / أ] : الهلال غرة القمر ، أو إلى ليلتين ، أوإلى ثلاث ، أو إلى سبع ، ولليلتين من آخر الشهر ستّ وعشرين وسبع وعشرين ، وفي غيرذلك قمر(٢) . إنتهى.

قال الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي(٣) نور الله مرقده ـ في تفسيره الموسوم بمجمع البيان عند قوله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (٤) ـ : اختلفوا في أنه إلى كم يسمّى هلالاً ، وإلى كم يسمى قمراً؟.

فقال بعضهم : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ، ثمّ لا يسمّى هلالاً إلى ان يعود في الشهر الثاني.

و قال آخرون : يسمّى هلالاً ثلاث ليال ، ثمّ يسمّى قمراً.

و قال آخرون : يسمّى هلالاً حتى يحجّر ، وتحجيره أن يستدير بخيط دقيق ؛ وهذا قول الأصمعي(٥) .

________________________

(١) صحاح اللغة ٥ : ١٨٥١ مادة ( هلل ).

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٧١ مادة ( هلل ).

(٣) الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، أبو علي الطبرسي ، أمين الإِسلام ، عالم فاضل ، مفسر فقيه ، ثقة جليل القدر ، بيته بيت علم ومعرفة ، فولده مؤلف مكارم الأخلاق ، وسبطه صاحب المشكاة ، وهكذا سائر أقاربه. روى عن جمع منهم : أبو علي بن الشيخ الطوسي ، وعبد الجبار بن علي المقرىء. وممن عنه روى ابن شهر أشوب ، ومنتجب الدين ، والقطب الراوندي ، والدروستي. له مصنفات كثيرة منها : مجمع البيان ، جوامع الجامع ، اعلام الورى. مات سنة ٤٨ هـ = ١١٥٣ م في سبزوار ، وحمل جثمانه إلى المشهد الرضوي.

انظر : رياض العلماء ٤ : ٣٤٠ / روضات الجنات ٥ : ٣٥٧ ت٥٤٤ / الكنى والألقاب ٢ : ٤٤٤ / أعيان الشيعة ٨ : ٣٣٩٨ / تنقيح المقال ٢ : ٧ ت ٩٤٦١ / شهداء الفضيلة : ٤٥ / مجالس المؤمنين ١ : ٤٩٠ / مستدرك الوسائل ( الخاتمة ) ٣ : ٣٨٧ / معالم العلماء : ١٣٥ ت ٩٢٠ / المقابر : ١٠ / نقد الرجال : ٣٦٦.

(٤) البقرة ، مدنية ، ٢ : ١٨٩.

(٥) أبو سعيد ، عبد الملك بن قريب ـ بضم القاف ، وقيل عاصم ـ بن علي بن أصمع الباهلي

٦٧

وقال بعضهم : يسمّى هلالاً حتى يبهر ضوؤه سواد الليل ، ثم يقال قمراً ، وهذا يكون في الليلة السابعة(١). إنتهى كلامه زيد إكرامه.

ولا يخفى أن قوله ـ وهذا يكون إلى آخره ـ يخالف بظاهره(٢) قول صاحب القاموس « أو إلى سبع » ، ووجه التوفيق بينهما غيرخفّي(٣) .

قالوا : وإنّما يسمى بعد الهلال قمراً لبياضه ، فإن الأقمر هو الأبيض(٤) .

و قيل : لأنَّه يقمر الكواكب ، أي يغلبها بزيادة النور.

ويسمّى في الليلة الرابعة عشرة بدراً ، قال في الصحاح : سمّي بذلك لمبادرته الشمس في الطلوع كأنه يعجلها المغيب(٥) .

وقال بعضهم : سمي بدراً لكماله ، تشبيهاً له بالبدرة الكاملة وهي عشرة آلاف درهم(٦) .

________________________

البصري ، عالم لغوي ، راوية لشعر ألعرب ، لقب بشيطان الشعر ، يحفظ عشرة آلاف ارجوزة ، روى عن سليمان التميمي ، وأبي عمرو بن العلا ، ومسعر بن كدام ، وسلمة بن بلال ، وكثيرغيرهم ؛ وعنه حدث أبو عبيد ، ويحيى بن معين ، وإسحاق الموصلي ، وسلمة بن عاصم ، وأبوحاتم السجستاني ، وأبو العيناء ، وخلق كثير. كان قليل الرواية للحديث ، مكثر التأليف ، له : الإبل ، الأضداد ، خلق الانسان ، المترادف ، الفرق ، الشاء ، الوحوش وغيرها. مات سنة ٢١٦ هـ = ٨٣١ م.

انظر : تاريخ بغداد ١٠ : ٤١٠ ت ٥٥٧٦ / الأنساب : ٤٢ ، أ / وفيات الأعيان ٣ : ١٧٠ ت٣٧٩ / ميزان الاعتدال ٢ : ٦٦٢ ت ٥٢٤٠ / مرآة الجنان ٢ : ٦٤ / طبقات القراء ١ : ٤٧٠ ت ١٩٦٥ / تهذيب التهديب ٦ : ٣٦٨ ت ٧٧١ / بغية الوعاة ٢ : ١١٢ ت ١٥٧٣ / سيرأعلام النبلاء ١٠ : ١٧٥ت ٣٢ / أخبارأصفهان ٢ : ١٣٠.

(١) مجمع البيان ١ : ٢٨٣. وفي هامش الأصل : الإشارة إلى بهر ضوئه سواد الليل « منه » قدس سره.

(٢) إذ الظاهر خروج ما بعد ( حتى ) عمَّا قبلها ، ويؤيده أن بهر ضوئه سواد الليل يمتد ليالي كثيرة ليس هوفيها هلالاً ألبتة « منه ». هامش الأصل.

(٣) بجعل ما بعد ( حتى ) داخلاً فيما قبلها ، وإرادة البهر في الليلة الاُولى منه فقط ، أعني السابعة « منه ». قدس سره ، هامش المخطوطة.

(٤) أنظر : الصحاح ٢ : ٧٩٨ ـ ٧٩٩ ، القاموس المحيط : ٥٩٨ ، مادة ( قمر ) فيهما.

(٥) الصحاح ٢ : ٥٨٦ ، مادة ( بَدَرَ ).

(٦) أنظر : تاج العروس ٣ : ٣٤ ـ ٣٥.

٦٨

مقدمة :

لا ريب في استحباب الدعاء عند رؤية الهلال ، تأسياً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد فعله أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، والأئمة من ولده سلام الله عليهم(١) [٤ / ب]

و ذهب ابن أبي عقيل(٢) رحمه‌الله  إلى وجوب الدعاء عند رؤية هلال شهررمضان(٣) .

و هو قول نادر لا نعلم له فيه موافقاً ، وربما حمل قوله بالوجوب على إرادة تأكيد الاستحباب صوناً له عن مخالفة الجمهور.

والدعاء الذي أوجبه هو هذا :

« الحمد لله الذي خلقتي وخلقك ، وقدَّر منازلك ، وجعلك مواقيت للناس ؛ اللّهمّ أهلّه علينا إهلالاً مباركاً ؛ اللهم أدخله علينابالسلامة والإسلام ، واليقين والإيمان ، والبر والتقوى ، والتوفيق لما

________________________

(١) راجع : الكافي ٤ : ٧٠ ، باب ما يقال في مستقبل شهر رمضان ، الأحاديث ١ ـ ٨ / من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٢ باب ٢٩ ، القول عند رؤية هلال شهر رمضان ، ألأحاديث ٢٦٨ ـ ٢٧٠ / التهذيب ٤ : ١٩٦ باب ٥٠ ، الدعاء عند طلوع الهلال ، الأحاديث ٥٦٢ ـ ٥٦٤ / أمالي الصدوق : ٤٨حديث ١ / عيون أخبار الرضاعليه‌السلام  ٢ : ٧١ حديث ٣٢٩ / أمالي الشيخ الطوسي٢ : ١٠٩.

(٢) الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني ، أبو محمد الحذاء ، فقيه متكلم ، جليل القدر ، من وجوه أصحابنا ، ثقة ، من أوائل من استعمل ألنظر ، وبحث الأصول والفروع عند ابتداء الغيبة الكبرى ، يعدّ من مشايخ جعفر بن قولويه ، يعبر عنه وابن الجنيد ، في كتب الفقه ، بالقديمين ، له : ألمتمسك بحبل آل الرسول ، والكر والفر في الإمامة. من أعيان المائة الرابعة ، ومن معاصري الشيخ الكليني ، انظر : رجال النجاشي : ٤٨ رقم ١٠٠ / الفهرس للشيخ : ٥٤ رقم ١٩٣ و ١٩٤ رقم ٨٨٦ / رياض العلماء ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٩ / أعيان الشيعة ٥ : ١٥٧ / أمل الآمل ٢ : ٦١ ، ٦٨ ، ٧٤ / السرائر : ٩٩ / تنقيح ألمقال ١ : ٢٩١ ، رقم ٢٥١٩ / روضات الجنّات ٢ : ٢٥٩ رقم ١٩٣ / المقابيس : ٧ / نقد الرجال : ٩٣ رقم ٩٢ ، معالم العلماء : ٣٧ رقم ٢٢٢ / الخلاصة : ٤٠رقم ٩.

(٣) حكاه عنه العلامة في المختلف : ٢٣٦.

٦٩

تحبّ وترضى ».

وكأنَّه ـ قدّس الله روحه ـ وجد الأمر بهذا الدعاء في بعض الروايات فحمله على الوجوب ، كما هو مقرر في الأُصول ، ولم يلتفت إلى تفرده بين الأصحاب رضوان الله عليهم بهذا الحكم.

وهذا كحكمه ـرحمه‌الله  ـ بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة ما لم يتغير(١) ، ولا يعرف به قائل ، من أصحابنا رضي الله عنهم ، سواه.

و حسن الظن به ـ أعلى الله قدره ـ يعطي أنه لم ينعقد في عصره إجماع على ما يخالف مذهبه في المسألتين ، أو أنَّه انعقد ولم يصل إليه ، والله أعلم بحقيقة الحال.

تتمّة :

يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالاً ، والأولى عدم تاخيره عن الاُولى ، عملاً بالمتيقن المتفق عليه لغة وعرفاً. فإن لم يتيسَّر فعن الثانية؟ لقول أكثر أهل اللغة بالامتداد إليها ؛ فإن فاتت فعن الثالثة ؛ لقول كثير منهم بانّها آخرلياليه.

و أما ما ذكره صاحب القاموس ، وشيخنا الشيخ أبو عليرحمه‌الله  ـ من إطلاق الهلال عليه إلى السابعة ـ(٢) فهو خلاف المشهور لغة وعرفاً ، وكأنَّه مجاز ، من قبيل إطلاقه عليه في الليلتين الأخيرتين ، والله أعلم.

________________________

(١) انفرد العمانيقدس‌سره بفتاوى نادرة ، أوردها الفقهاء وأغلب من ترجم له ، منها : قوله بعدم نجاسة الماء القليل بمجرد الملاقاة. ومنها : عدم نجاسة ماء البئر بمجرد الملاقاة. ومنها : جواز تفريق ألسورة من دون الحمد على ركعات السنن. وغيرها انظر : ذكرى الشيعة : ١٩٥ ، المسألة الخامسة / والمختلف : ١ ، ٤.

(٢) تقدم كلامهما في صحيفة : ٦٦.

٧٠

تبصرة :

حكم العلّامة(١) ـ أعلى الله مقامه ـ باستحباب الترائي للهلال ليلتي الثلاثين من شعبان وشهررمضان على الأعيان ، وبوجوبه فيهما على الكفاية.

واستدلَّ ـ طاب ثراه على الوجوب ـ بأن الصوم [٥ / ] واجب في أول شهررمضان ، وكذا الإفطار في العيد ، فيجب التوصل إلى معرفة وقتهما ، لأنَّ ما لايتم الواجب إلَّا به فهو واجب(٢) . هذا كلامه زيد إكرامه.

و أقول : للبحث فيه مجال ، لأنَّه إنَّما يجب صوم ما يعلم أو يظنّ أنّه من شهر رمضان ، لا ما يشك في كونه منه ، وهكذا إنما يجب إفطار ما يعلم أو يظنّ أنَّه العيد ، لا ما يشكّ في أنه هو(٣) ، كيف والأغلب في الشهر أن يكون تامّاً(٤) ، كما يشهد به التتبع؟!.

________________________

(١) الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، الشهير بالعلّامة ، حاله في الجلالة ، والفقاهة ، والوثاقة ، ووفور العلم في الفنون ، مشهود لها ، كفاه فخراً تلقيبه بالعلّامة ، أول من قسم الأخبار إلى أربعة اقسام. له مؤلفات منها : الخلاصة في الرجال ، منتهى ألمطلب ، تحرير الأحكام ، المختلف ، نهاية الوصول ، الألفين في الإمامة ، مختصر شرح نهج البلاغة ، القواعيد وغيرها. توفي سنة ٧٢٦ = ١٣٢٥ م ونقل جثمانه الشريف إلى النجف الأشرف ، ودفن عند المنارة اليسرى للداخل للحرم العلوي الشريف ومرقده الطاهر يزار ويتبرك به.

انظر : رجال العلامة : ٤٥ رقم ٥٢ / روضات الجنات ٢ : ٢٦٩ رقم ١٩٨ / تنقيح المقال ١ : ٣١٤رقم ٢٧٩٤ / الدرر الكامنة ٢ : ٤٩ رقم ١٥٧٨ وأيضاً ٢ : ٧١ رقم ١٦١٨ / لسان الميزان ٢ : ٣١٧رقم ١٢٩٥ / مرآة الجنان ٤ : ٢٧٦ رجال أبن داود : ٧٨ رقم ٤٦٦ / لؤلؤة البحرين : ٢١٠رقم ٨٢ / رجال بحر العلوم ٢ : ٢٥٧ / نقد الرجال : ٩٩ رقم ١٧٥ / امل الآمل : ١ / ٨١ رقم ٢٢٤ / رياض العلماء ١ : ٣٥٨ / جامع الرواة ١ : ٢٣٠ / مصفى المقال : ١٣١.

(٢) انظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٨ في الفصل السابع من أقسام الصوم / منتهى المطلب ٢ : ٥٩٠.

(٣) وأيضاً فدليله لوتم لدل على الوجوب العيني ، فتامل ،( منه ). قدس سره ، هامش المخطرط.

(٤) وأما ما يوجد في بعض الروايات ، « من أنّ شعبان لا يتم أبداً ورمضان لا ينقص أبداً » فلم يقل به علماؤنا رضي الله عنهم ، وإنّما هو قول بعض الحشوية ، والقول به لا يجامع القول بوجوب الترائي للهلال ليلتي الثلاثين من الشهرين. فلا استحباب ،( منه ). قدس سره ، هامش الأصل.

٧١

هداية :

ا لأدعية المأثورة عند النظر إلى الهلال كثيرة ، فبعضها يعمّ كلّ الشهور ، وبعضها يختص بشهر رمضان.

فمن القسم الأول :

ما رواه الشيخ الصدوق ، عماد الإسلام ، محمد بن علي بن بابويه(١) رحمه‌الله  في كتاب من لا يحضره الفقيه ؛ ورواه أيضا شيخ الطائفة ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(٢) عطر الله تربته ، في كتاب تهذيب الأخبار ، ومصباح المتهجد ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام  أنه قال : « إذا رأيت الهلال فلا تبرح ، وقل :

( اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ، وفتحه ونوره ، ونصره ، وبركته ، وطهوره ورزقه ؛ وأسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ

________________________

(١) أبو جعفر ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، رئيس المحدثين ، جليل القدر ، حافظ للحديث ، ثبت ، بصير بالرجال ، كفاه فخراً ولادته بدعاء الحجة عجّل الله فرجه ، نزل الري ، وورد بغداد سنة ٣٥٥ ، حدَّث بها ، وسمع منه جمع كثيرمن الفريقين ، له اكثرمن ٣٠٠ مصنفاً ، رحل إلى الأمصار لطلب الحديث ، حتى بلغ عدد شيوخه اكثر من ٢٥٠ شيخاً ، تخرجعليه جمع من أعيان الطائفة ووجوهها ، أمثال الشيخ المفيد ، والتلعكبري ، وابن القصار ، والنجاشي ، والمرتضى ، من كتبه : من لا يحضره الفقيه ، التوحيد ، كمال الدين ، الأمالي ، عيون الأخبار ، الخصال ، مات سنة ٣٨١ = ٩٩١ م.

انظر : الفهرست : ١٥٦ رقم ٦٩٥ / رجال النجاشي : ٣٨٩ رقم ١٠٤٩ / معالم العلماء : ١١١ رقم ٧٦٤ / رجال بن داود : ١٧٩ رقم ١٤٥٥ / رجال العلامة : ١٤٧ رقم / ٤٤ / روضات الجنات ٦ : ١٣٢ رقم ٥٧٤ / تنقيح المقال ٣ : ١٥٤ رقم ١١١٠٤ / أمل الآمل ٢ : ٢٨٣ / تاريخ بغداد ٣ : ٨٩ رقم ١٠٧٨ رجال بحر العلوم ٣ : ١٩٢ ، وغيرها كثير.

(٢) أبو جعفر الطوسي ، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ، نسبة إلى طوس خراسان ، شيخ الإمامية بلا منازع ، ووجههم ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين صدوق ، له اليد الطولى في الأخبار ، والرجال ، والفقه. له اكئر من ٤٠ مؤلفاً لا زالت تحتل المكانة السامية بين آلاف المؤلفات ، غرة ناصعة في جبين الدهر ، منها : كتاب الخلاف ، الأبواب في الرجال ، التهذيب ، الاستبصار ، التبيان في التفسير ، الاقتصاد وغيرها روى عن ابن الحاشر ، وابن الصلت الاهوازي ، وابن الغضائري ، وابن الجنيد ، وشيخ الأمة المفيد ، وغيرهم. أخذ عنه

٧٢

بك من شر ما فيه وشر ما بعده ؛ اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والبركة ، والتوفيق لما تحب وترضى ) » (١) .

و منه ما رواه الشيخ الصدوق أيضاً ، في كتاب عيون أخبار الرضاعليه‌السلام  ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام  قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الهلال قال : «أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتصرف في ملكوت الجبروت بالتقدير ، ربي وربك الله. أللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والإحسان ، وكما بلَّغتنا أوله فبلّغنا آخره ، واجعله شهراً مباركاً ، تمحو فيه السيئات ، وتثبت لنا فيه الحسنات ، وترفع لنا فيه الدرجات ، يا عظيم الخيرات ) »(٢) .

و منه ما أورده السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس(٣) قدس الله نفسه ، ونوّر رمسه ، في كتاب الزوائد

________________________

جمع منهم ولده ، وابن شهر آشوب ، وابن البراج ، وحسكا ، وأبو الصلاح ، والطبري ، والآبي ، والطرابلسي ، توفي سنة ٤٦٠ هـ = ١٠٦٧ م ودفن بداره في النجف الأشرف.

انظر : البداية والنهاية ١٢ : ٩٧ / لسان الميزان ٥ : ١٣٥ رقم ٤٥٢ / الكامل ١٠ : ٢٤ / المنتظم ٨ : ١٧٣ / جامع الرواة ٢ : ٩٢ / مقابيس الأنوار : ٤ / معالم العلماء : ١١٤ رقم ٧٦٦ / تنقيح المقال ٣ : ١٠٤ رقم ٨٠٥٦٣ / الخلاصة : ١٤٨ رقم ٤٦ / رجال النجاشي : ٤٠٣ رقم ١٠٦٨ / الفهرست للطوسي : ١٥٩ رقم ٦٩٩.

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٢ حديث ٢٦٨ / التهذيب ٤ : ١٩٧ حديث ٥٦٤ / ومصباح المتهجد : ٤٨٦ وفيهما هكذا( والبركة والتقوى والتوفيق ).

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٧١ حديث ٣٢٩.

(٣) رضي الدين ، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسني العلوي ، البيان والقلم أعجز من أن يذكره بشيء ، إذ جلالته وفضله ، وزهده وعبادته ، وعظم منزلته شيء لا يحاط به.كان كثير ألحفظ ، نقي الكلام ، شاعراً بليغاً ، له مصنفات كثيرة منها : فرج ألهموم ، رسالة في الإجازات ، مصباح الزائر ، فرحة ألناظر ، الطرائف ، الطرف ، غياث سلطان الورى لسكان الثرى ، وغيرها كثير ، مات سنة ٦٦٤ هـ = ١٢٦٥ م.

انظر : روضات الجنات ٤ : ٣٢٥رقم ٤٠٥ / عمدة الطالب : ٢١٩ / تنقيح المقال ٢ : ٣١٠ رقم ٨٥٢٩ / المقابيس : ١٢ / نقد الرجال : ٢٤٤ رقم ٢٤١ / جامع الرواة ٢ : ٦٠٣ / رياض العلماء ٤ : ١٦١ / لؤلؤة البحرين : ٢٣٥ رقم ٨٤ / خاتمة المستدرك ٣ : ٤٦٧ / معجم رجال الحديث

٧٣

والفوائد(١) . وهو أن يقول عند رؤيته [ ٦ / ] : «ربي وربك الله رب العالمين. اللهمَّ صلّ على محمد وآل محمد ، وأهله علينا وعلى أهل بيوتاتنا ، وأشياعنا بأمن وإيمان ، وسلامة وإسلام ، وبرّ وتقوى ، وعافية مجللة ، ورزق واسع حسن ، وفراغ من الشغل ، واكفنا بالقليل من النوم ، ووفقنا للمسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه ؛ اللهم بارك لنا في شهرناهذا ، وارزقنا بركته وخيره ، وعونه وغُنمه ، ونُوره ويُمنه ، ورحمته ومغفرته ، واصرف عنَّا شره وضره ، وبلاءه وفتنته ؛ اللهمّ ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل ، أو مغفرة أو رحمة فأجعل نصيبنا منه الاكثر ، وحظّنا فيه الأوفر » (٢) .

ومنه ما أورده أيضاً في الكتاب المذكور وهو أن يقول عند رؤيته :

« الله أكبر ـ ثلاثا ـ ربي وربك الله لا إله إلَّا هو رب العالمين ،

________________________

١٢ : ١٨٨ / الأعلام ٥ : ٢٦ / معجم المؤلفين ٧ : ٢٤٨ وغيرها.

(١) اختلفت الآراء في مؤلف الكتاب( الزوائد والفوائد ) ، وكذا في اسمه ، حيث ورد تارة : الزوائدوالفوائد ، وأخرى : زوائد الفوائد.

وأما المؤلف فقد نسبه العلامة المجلسي في البحار ١ : ١٣ ، وصاحب الروضات ٤ : ٣٣٨ ، وشيخ الذريعة ١٢ : ٥٩ ، الى رضي الدين علي بن علي بن طاووس ، اي « الابن ». واليه مال السيد المشكاة كما حكى عن مقدمته للصحيفة السجادية.

ونسبه الشيخ البهائي لرضي الدين علي بن طاووس « الأب » كما هنا وفي موضع آخر وهو واضح.

ثم إن ما نسبه صاحب الروضات الى الشيخ البهائي من نسبته الكتاب الى الابن في الحديقة الهلالية فهو كما ترى. ولا أعلم كيف استفاد ذلك من هذه العبارة الصريحة.

والحق موقوف على الحصول على نسخة كاملة للكتاب لمعرفة المؤلف إذ النسخة ألموجودة في جامعة طهران ـ على ما جاء وصفها في فهرستها للمخطوطات ١ : ١٢٧ ـ ناقصة الأول والآخر ، والكاتب امي والنسخة مغلوطة جدا ، ومع هذه الصفات لا يمكن الركون والاعتماد في النسبة عليها.

هذا كلّه اضافة إلى ما كرره في الإقبال من النقل عن كتاب الزوائد والفوائد صريحاً.

ومع اعتراف شيخ الذريعة قدس سره بذلك لا أعرف وجها لحمله كلام ابن طاووس على إرادة المعنى اللغوي الوصفي وصرفه عن ظاهره حيث يقول السيد في عمل ذي الحجة ما لفظه : [ وقد ذكرنا في كتاب الزوائد والفوائد في عمل ] تلاحظ.

(٢) الزوائد والفوائد : مخطوط ، ألإقبال : ١٨.

٧٤

ا لحمد لله الذي خلقني وخلقك ، وقدّرك منازل ، وجعلك اية للعالمين ، يباهي الله بك الملائكة ؛ الّلهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والغبطة والسرور ، والبهجة والحبور ، وثبتنا على طاعتك ، والمسلارعة فيما يرضيك ؛ اللهم بارك لنا في شهرناهذا ، وارزقنا خيره وبركته ، ويمنه وعونه وقوته ، واصرف عناشره وبلاءه وفتنته ، برحمتك يا أرحم الراحمين » (١) .

و من القسم الثاني :

ما رواه ركن الملة ، ثقة الإسلام ، محمد بن يعقوب الكليني(٢) ـ سقى الله ضريحه صوب الرضوان ـ في كتاب الكافي ؛ ورواه آية الله العلَّآمة طاب ثراه في التذكرة ، ومنتهى المطلب ؛ عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام  قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أهل شهررمضاناستقبل القبلة ورفع يديه فقال: ( الّلهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والعافية المجللة ، والرّزق الواسع ، ودفع الأسقام ؛ اللهمّ ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، وسلّمه لنا ،

________________________

(١) الزوائد والفوائد : مخطوط ، الإقبال : ١٩.

(٢) أبو جعفر الرازي ، محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، المشهور بثقة الإسلام ، شيخ الطائفة ووجههم في الري ، القلم عاجز عن بيان فضله ، وجلالة قدره ، وورعه وعلو منزلته ، هو اشهر.

من أن يحيط به بيان ، له كتب منها الكافي اشهرها ، أحد الاصول الحديثية المعتمدة لدى الطائفة ، صنفه في عشرين سنة ، يعد من مجددي المذهب على رأس المائة الثالثة ، توفي والصيمري آخر السفراء في سنة واحدة ، وسميت بسنة تناثر النجوم.

مات ببغداد سنة ٣٢٨ = ٩٣٩ م ودفن في بقعة على يسار العابر من الرصافة.

انظر : تنقيح المقال ٣ : ٢٠١ رقم ١١٥٤٠ / رجال بحر العلوم ٣ : ٣٢٥ / رجال الشيخ : ٤٩٥ رقم ٢٧ / الفهرست : ١٣٥ رقم ٥٩١ / رجال النجاشي : ٣٧٧ / ١٠٢٦ / فلك النجاة : ٣٣٧ / جامع الأصول ١١ : ٣٢٣ / روضات الجنات ٦ : ١٠٨ رقم ٨ / تاج العروس ٩ : مادة كلين / عوائد الأيام : ٢٩٧ / الكامل ٦ : ٢٧٤ / لسان الميزان ٥ : ٤٣٣ رقم ١٤١٩ / وانظر مقدمة الكافي بقلم البحاثة الأستاذ حسين محفوظ في طبعة ١٣٨٨ لدار الكتب الاسلامية.

٧٥

وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه ) (١) .

و منه ما أورده الشيخ الصدوق طاب ثراه في كتاب من لا يحضره الفقيه أيضاً ، نقلا عن أبيهرضي‌الله‌عنه في الرسالة ـ وذكر السيد الجليل الطاهر المشار إليه [٧ / ] أنّه مروي عن الصادقعليه‌السلام  ـ قال : إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ، ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عزّ وجلّ وخاطب الهلال ، وقل :« ربي وربك الله رب العالمين ؛ اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والمسارعة إلى ما تحب وترضى ؛اللّهمَّ بارك لنا في شهرنا هذا ، وارزقنا عونه وخيره ، واصرف عنّاضرّه وشرّه ، وبلاءه وفتنته » (٢) .

تنبيه :

يستفاد من هذه الروايات بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها حال قراءة الدعاء عند رؤية الهلال :

فمنها : أن تكون قراءة الدعاء قبل الانتقال من المكان الذي رأى فيه الهلال ، كما تضمنته الرواية الأول ، فإن قولهعليه‌السلام  « لا تبرح » أي لا تَزُل عن مكانك الذي رأيته فيه(٣) .

و منها : استقبال القبلة حال الدعاء ، كما تضمنه الحديث المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنَّه كان يفعل ذلك(٤) .

و منها : رفع اليدين إلى الله عزَّ وجلَّ وقت قراءة الدعاء ، كما تضمنه الحديثان الأخيران(٥) .

________________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ حديث ١ / تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٨ / منتهى المطلب ٢ : ٥٩٠ وفي المصادر هكذا ( اللهم سلمه لنا ) / الفقيه ٢ : ٦٢ حديث ٢٦٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٢ ذيل الحديث ٢٦٩ ، والاقبال : ١٨.

(٣) انظرصحيفة ٧١ ، وهي ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٤) انظر صحيفة ٧٤ ، وهي رواية الامام الباقرعليه‌السلام .

(٥) انظر صحيفة ٧٤ ، ٧٥ وهما روايتا الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

٧٦

ولا خصوصية لهذين الأمرين بهلال شهر رمضان ، وإن تضمن الخبران انّ فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك كان في هلاله ، وكذلك أمر الصادقعليه‌السلام  بذلك ، بل لا خصوصية لهما بدعاء الهلال ، فانهما يعمّان كلدعاء [ ٨ / ].

و منها : أن لا يشير إلى الهلال بيده ولا برأسه ، ولا بشيء من جوارحه ، كما تضمنته الرواية الأخيرة(١) ، ولعلّ هذا أيضا غيرمختص بهلال شهر رمضان.

و منها : أن يخاطب الهلال بالدعاء ، ولعل المراد خطابه بما يتعلق به من الألفاظ ، نحو « ربي وربك الله رب العالمين » وكأوَّل الدعاء الذي أوجبه ابن أبي عقيلرحمه‌الله  (٢) ، وكاكثر ألفاظ هذا الدعاء الذي نحن بصدد شرحه.

و قد يُظنّ التنافي بين مخاطبة الهلال واستقبال القبلة في البلاد التي قبلتها على سمت المشرق.

وليس بشيء ، لأنَّ الخطاب ليس إلَّا توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، وهو لا يستلزم مواجهة المخاطب واستقباله ، إذ قد يخاطب الإنسان من هو وراءه.

ويمكن أن يقال : استقبال الداعي الهلال وقت قراءة ما يتعلق بمخاطبته من فصول الدعاء ، واستقبال القبلة في الفصول الاُخر.

وأما رفع اليدين فالظاهر أنَّه في جميع الفصول ، وإن كان تخصيصه بما عدا الفصول المخاطب بها الهلال غير بعيد ، والله أعلم.

تذكرة فيها تبصرة :

قد عرفت أنَّه يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالاً ، ولو قيل بامتداد ذلك إلى ثلاث ليال لم يكن بعيدا ، فلو نذر قراءة دعاء الهلال عند

________________________

(١) انظر صحيفة ٧٥. وهي رواية الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) انظر صحيفة ٦٨ ، و ٧٣.

٧٧

رؤيته ، وقلنا بالمجازية فيما فوق الثلاث [٩ / أ] ، لم تجب عليه القراءة برؤيته فيما فوقها ، حملاً للمطلق على الحقيقة ؛ وهل تشرع؟ ألظاهر نعم إن رآه في تتمة السبع ، رعاية لجانب الاحتياط ، أما فيما فوقها فلا ، لأنه تشريع.

و لو رآه يوم الثلاثين فلا وجوب على الظاهر لعدم تسميته حينئذٍ هلالاً.

و ما في حسنة حماد بن عثمان(١) ـ عن الصادقعليه‌السلام  من إطلاق إسالهلال عليه قبل الغروب(٢) ـ لعله مجاز ، إذ الأصل عدم النقل.

ولو لم يره حتى مضت الثلاث فاتفق وصوله إلى بقعة شرقية هو فيها هلال فرآه هناك لم يبعد القود بوجوبه عليه حينئذٍ ، كما لا يبعد القول بوجوب الصوم على من رأى هلال شهر رمضان فصام ثلاثين ثم سافر إلى بلد مضى فيه من شهررمضان تسعة وعشرون ولم يُر فيه الهلال ليلة الثلاثين ، وهو مختار العلامة طاب ثراه في القواعد(٣) .

وقد استدلَّ عليه ـ ولده فخر المحققين(٤) رحمه‌الله  في الإيضاح بأنَّ

________________________

(١) حمَّاد بن عثمان بن زياد الرواسي ، الملقب بالناب ، من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم والرضا: ، من الثقات الأجلاء ، وهكذا اخوته ، فهم من بيت فضل وعلم من خيار الشيعة ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأقرّوا له بالفقه ، لم يختلف في توثيقه اثنان ، روى عنه ابن أبي عمير ، والوشّاء ، والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة ، وغيرهم مات سنة ١٩٠ هـ =٨٠٥ م.

راجع : تنقيح المقال ١ : ٣٦٥ رقم ٣٣١٣ / رجال الشيخ : ١٧٣ رقم ١٣٩ و ٣٤٦ رقم ٢ و ٣٧١رقم ١ / الفهرست : ٦٠ رقم ٢٣٠ / الخلاصة : ٥٦ رقم ٣ / جامع الرواة ١ : ٢٧١ / مجمع الرجال ٢ : ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٦ حديث ٤٨٨ / والاستبصار ٢ : ٧٣ حديث ٢٢٥ ألكافي ٤ : ٧٨ حديث ١٠. والغروب اشارة الى آخر الشهر.

(٣) قواعد الأحكام : ٦٩ ـ ٧٠.

(٤) أبو طالب ، محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، فخر المحققين وجه وجوه الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، جيد التصنيف لما امتاز به من وفور العلم والفقاهة ، وطول الباع في كثير من ألعلوم ، أوصى اليه والده العلامة في آخر القواعد ـ الذي صنفه له ولمَّا يبلغ العاشرة ـ باتمام ما بقي ناقصاً من كتبه ، بلغ رتبة الاجتهاد في العاشرة من عمره ، له مصنفات

٧٨

الاعتبار في الأهلَّة بالموضع الذي فيه الشخص ألآن لا بموضع كان يسكنه ، وإلاَّ لوجب على الغائب عن بلده الصوم برؤية الهلال في بلده ، وهو باطل إجماعاً(١) ، هذا ملخص كلامه.

و أقول : فيه بحث ، فإنَّ من اعتبر موضعاً كان يسكنه لم يعتبره من حيث سبق سكناه فيه ، بل من حيث رؤيته الهلال فيه سابقأ ، فكلّفه العمل بمقتضى تلك الرؤية ، فمن أين يلزمه وجوب الصوم على الغائب عن بلده برؤية غيره الهلال فيه؟! فتأمل.

بسط كلام لإبراز مرام :

تحقق أمثال هذه المسائل المبنية على تخالف الآفاق في تقدم طلوع الأهلّة وتأخرها ظاهر ، بناء على ما ثبت من كروية الأرض ، والذين أنكروا كرويتها فقدأنكروا تحققها ، ولم نطلع لهم على شبهة في ذلك فضلا عن دليل.

و الدلائل الآتية المذكورة في المجسطي(٢) ـ وغيره ـ شاهدة بكرويتها ، وان كانت شهادة الدليل الّلمِّي المذكور في الطبيعي مجروحة [٩ / ب].

و قد يتوهم أن القول بكرويّتها خلاف ما عليه أهل الشرع ، وربّما استند ببعض الآيات الكريمة كقوله تعالى :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ

________________________

منها : ايضاح الفوائد ، شرح خطبة القواعد ، الفخرية في النية ، حاشية الارشاد ، الكافية في الكلام ، مات سنة ٧٧١ هـ = ١٣٦٩.

انظر : هدية الأحباب : ٢٨٨ / روضات الجنات ٦ : ٣٣٠ رقم ٥٩١ / جامع الرواة ٢ : ٩٦ تنقيح المقال ٣ : ١٠٦ رقم ١٠٥٨١ / الفوائد الرضوية : ٤٨٦ / خاتمة المستدرك ٣ : ٤٥٩ نقد الرجال : ٣٠٢ رقم ٢٥٣ أمل الآمل ٢ : ٢٦٠ رقم ٧٦٨ / أعيان الشيعة ٩ : ١٥٩.

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

(٢) المجسطي ـ بكسر الميم والطاء وفتح الجيم وتخفيف الياء ـ كلمة يونانية ، اصلها ماجستوس ، اسم لأهم بل لأشرف ما صنّف في عالم الهندسة الفلكية بأدلتها التفصيلية ، وكل من جاء بعد كان عيالاً عليه من دون استثناء ، مؤلفه الحكيم بطليموس الفلوزي ، عُرِّب قديماً بواسطة جمع ، ونقح أيضا وشرح. للتفصيل راجع كشف الظنون ٢ : ١٥٩٤ / ولغة نامه دهخدا ٤١ : ٤٥٥ / وفرهنك جامع فارسي( آنندراج ) ٦ : ٣٨٥٤.

٧٩

فِرَاشاً ) (١) ، وقوله سبحانه :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) (٢) وقوله جلَّ شأنه :( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) (٣) ، وأمثال ذلك ، ولا دلالة في شيء منها على ما ينافي الكروية.

قال في الكشّاف عند تفسير الاية الاُولى ، فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الأرض مسَّطحة وليست بكرّية؟.

قلت : ليس فيه إلَّا أنَّ الناس يفتر شونها كما يفعلون بالمفارش ، وسواءكانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع؛ لعظم حجمها ، واتساع جرمها ، وتباعد أطرافها. وإذا كان متسهّلاً في الجبل وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل(٤) . إنتهى كلامه.

و قال(٥) في التفسير الكبير : من الناس من يزعم أنَّ الشرط في كون الأرض فراشاً أن لا تكون كرة ، فاستدلَّ بهذه الاية على أن الأرض ليست كرة ، وهذا بعيد جدا ، لأنَّ الكرة إذا عظمت جداً كان كل قطعة منها كالسطح(٦) ، انتهى.

و كيف يتوهم متوهم أن القول بكروية الأرض خلاف ما عليه أهل الشرع!! وقد ذهب إليه كثيرمن علماء الإسلام ، وممن قال به صريحاً من فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ العلّامة آية الله ، وولده فخر المحققين قدس سرهما.

________________________

(١) البقرة ، مدنية ، ٢ : ٢٢.

(٢) النبأ ، مكية ، ٧٨ : ٦.

(٣) الغاشية ، مكية ، ٨٨ : ٢٠

(٤) تفسير الكشاف ١ : ٩٤

(٥) أبوعبدالله محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني الرازي ، ابن الخطيب الشافعي الأشعري. العالم الاُصولي المتكلّم المشارك في العلوم. أخذ عن والده والكمال السمناني والجيلي. له التفسير ، المباحثالمشرقية ، الملخّص ، المحصّل. توفي سنة ٦٠٦ هـ = ١٢٠٩ م بهراة.

له ترجمة في : تاريخ الحكماء : ١ ٢٩ / وفيات الأعيان ٤ : ٢٤٨ ت / طبقات السبكي ٥ : ٢٣ / وانظرسيرأعلام النبلاء ٢١ : ٥٠٠ ت ٢٦١ ومصادره.

(٦) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢ : ١٠٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وحقّاً أنّه ليس ولم يكن في تاريخ العالم حاكمٌ مثل أمير المؤمنين عليه السلام. وكذا جميع أهل البيت عليهم السلام كانوا متفضّلين، ومؤثّرين على أنفسهم بالتفضّل لجميع الناس، و «بيُمنهم رُزق الورى».

وعظماء الشيعة وأخيارهم وعلماؤهم جَرَوا على هذه الخصلة الفاضلة، وتعلّموا من أئمّتهم وسادتهم، إيثار الفقراء والمحتاجين على أنفسهم، والتفضّل إليهم، فنالوا بذلك أعظم الأجر، وأرقى درجات الفخر.

خُذ نموذجاً منهم: محمّد بن أبي عمير الأزدي رضوان الله تعالى عليه.

كان له على رجلٍ عشرة آلاف درهم، فذهب ماله ـ أي مال ذلك الرجل ـ وافتقر.

فجاء الرجل وباع داره بعشرة آلاف درهم، وحملها إليه، فدقَّ عليه الباب، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير رحمه الله تعالى..

فقال له الرجل: هذا مالُك الذي لك عليَّ فخذه.

فقال ابن أبي عمير: فمن أين لك هذا المال، ورثتَه؟

قال: لا.

قال: ـ وُهبَ لك؟

قال: لا، ولكنّي بعتُ داري الفلاني لأقضي دَيني.

فقال ابن أبي عمير: حدّثني ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: ـ لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدِّين.

إرفعها، فلا حاجة لي فيها، والله إنّي محتااج في وقتي هذا إلى درهم، وما يدخل ملكي منها درهم» (١) .

وهذا غاية الإيثار والمواساة في سبيل الله وإطاعة لحكم الإمام الصادق عليه السلام

__________________

(١) الكُنى والألقاب / ج ١ / ص ١٩١.

٢٠١

الذي هو حكم الله تعالى، من هذا الرجل الجليل والورع التقيّ الذي كان من أثرياء الشيعة في بغداد لكن اُخذ وحبس لتشيّعه، فأصابه الجهد والضيق العظيم من ذلك، واُخذ كلّ شيء كان له بأمر المأمون العبّاسي، وضُرب مائة خشبة.

وبالرغم من حاجته الماسّة هذه تراه يؤثِر المؤمنين على نفسه، ويقدّم حاجة أخيه على حاجته.

والنموذج الآخر من الإيثار، إيثار الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره:

آثر تلك المرأة المؤمنة الأرملة على نفسه، وهو في غاية الاحتياج إلى المال في حياته، في قضيّته المعروفة التي حدّث بها بعض الأعاظم: ـ

فإنّه في أوّل شبابه، ولعلّه في سنّ العشرين أو قبل العشرين من عمره، جاء إلى كربلاء المقدّسة لحضور درس شريف العلماء أعلى الله مقامه الذي كان يحضره ألف تلميذ، وفيهم المجتهدون.

وكان الشيخ الأنصاري في تلك الأيّام يعيش في فقر مالي، وأزمةٍ اقتصاديّة شديدة، مع أنّ غداءه وعشاءه لم يكن أزيد من خبزٍ ولبن، أو خبز وتمر، أو خبز وملح، وبالرغم من ذلك لم يكن له من المال ما يتكفّل بهذا الطعام، وهذا المقدار من الغذاء.

ففكّر أن يشتغل ويكتسب في بعض ساعات نهاره بشكلٍ لا يزاحم دروسه، علماً بأنّ التكسّب والعمل للعيش مفخرةً للمؤمن، ولا عيب فيه للمرء، بل هو عزّةً له، لذلك عبّر الإمام الصادق عليه السلام لمن تأخّر عن محلّ عمله وقال له: ـ (اُغذُ إلى عزّك).

ولذلك جمع الشيخ الأنصاري مقداراً من الأقفال التي لا مفتاح لها، ومقداراً من المفاتيح التي لا قفل لها بثمنٍ زهيد، لأنّها سلعة ناقصة.

وكانت تلك الأقفال والمفاتيح آنذاك تُصنع باليد، وقد يضيع من أحدٍ مفتاحه فيحتاج إلى مفتاح يرهم لقفله، أو يضيع قفله فيحتاج إلى شراء قفلٍ يناسب

٢٠٢

مفتاحه، فصمّم أن يبيع ما يحتاج إليه الناس من الأقفال والمفاتيح فيربح فيها ويسدّ حاجته.

فاتّخذ لنفسه بساطاً، وبسّط سلعته في مدخل صحن الإمام الحسين عليه السلام في المدخل، وجعل يبيع بمقدار ما يحصّل به قوت ذلك اليوم، ثمّ يجمع بساطه، ويذهب إلى دروسه، وهو آنذاك في أوّل شبابه، ولم يكن معروفاً بالشيخ، بل كان يُدعى: مرتضى.

واتّفق في ذلك الوقت أنّ جمعاً من طلبة النجف الأشرف كانوا يسعون في الحصول على طريقٍ يصلون إلى خدمة مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه، وجعلوا يواصلون الذهاب إلى مسجد السهلة ومسجد الكوفة شوقاً إلى لقائه، ويتوسّلون ويتضرّعون إلى الله تعالى لأجل ذلك، لكن لم ينتج لهم هذه الاُمنية السعيدة، ولم يحصل لهم توفيق التشرّف واللّقاء الميمون.

نعم، النتيجة التي حصلوها هي أنّه أخبرهم أحد الصلحاء الأتقياء أنّ الإمام الحجّة عليه السلام في اليوم الفلاني، وفي الوقت الكذائي، يتواجد في صحن جدّه الإمام الحسين عليه السلام.

ففرحوا بذلك، وتحيّنوا الفرصة، واستعدّوا لذلك، وذهبوا بكلّ شوق في ذلك اليوم إلى كربلاء وحضروا صحن الإمام الحسين عليه السلام، يتصفّحون الوجوه، ويتفحّصون فيمن يناسب نور وجهه وسيماءه أن يكون هو المولى الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

فوصلوا إلى بساط الشيخ الأنصاري في مدخل الصحن الشريف، ورأوا أنّ شخصاً محترماً وجيهاً نورانيّاً، يجذب سيماء وجهه القلوب، جالساً عند الشيخ الأنصاري، والشيخ جالسٌ بكمال التأدّب والاحترام، فجلب نظرَهم هذا المنظر اللطيف، ووقفوا بدون اختيار ينظرون بشوقٍ إلى هذا السيماء الوجيه.

وفي هذه الأثناء، وبينما هم كذلك، جاءت إلى الشيخ الأنصاري امرأة

٢٠٣

تريد شراء قفلٍ منه.

وقالت: إنّي أرملة، ولي أولاد أيتام، وليس لنا ما نصرفه في شراء الطعام سوى هذا القف الذي لا مفتاح له، فاشتره منّي بثمنٍ جيّد، حتّى أصرف ثمنه في شراء طعامٍ للأيتام.

فأخذ الشيخ القفلونظر إليه، ثمّ قال للمرأة: يا مؤمنة هذا القف وحده يسوى فلس، وأنا أرهّم له مفتاحاً يسوى بفلس أيضاً، فإذا كمل القُفل، أنا أشتريه منك بخمس فلوس، كثمن أحسن وأكثر حتّى تستعيني به على أيتامك.

فاشترى منها الشيخ ذلك، وأعطاها خمس فلوس، وهو أحسن ثمنٍ لذلك القفل.

تحمّل الشيخ هذا الثمن، مع أنّه كان يمكنه أن يشتري ذلك القفل منها بفلسٍ واحد ويربح هو ضمناً، لكنّه صنع هذا إنصافاً منه مع تلك الأرملة، وإعانةً منه لاُولئك الأيتام، وإيثاراً لغيره على نفسه.

فأخذت الأرملة ذلك المبلغ، وانصرفت رائحةً، واُولئك الطلبة واقفون وينظرون جيّداً إلى هذه القضيّة المحسنة.

وفي هذا الحين قام ذلك الشخص الجليل المحترم، وودّع الشيخ الأنصاري، والتفت إلى هؤلاء الطلبة وقال لهم بلهجتهم: ـ

(صيروا مثل هذا، صاحب الزمان هو يجي عِدكم) وانصرف، وغاب عنهم.

وهؤلاء الطلبة التفتوا فجأةً إنّ هذا الشخص المحترم من أين كان يعرف إنّا نبحث عن صاحب الزمان عليه السلام ونريد لقاءه، ونحن لم نقل له ما كنّا ننويه.

فأسرعوا إلى جهة مسيره في الصحن المقدّس فوراً، واجتهدوا في طلبه فلم يجدوه.

ونحن نلاحظ أنّ هذا الإيثار من الشيخ كان عملاً محبوباً عند الله تعالى، ومرضيّاً عند أهل البيت عليهم السلام، وموجباً لفوز التشرّف بالتوفيق الأمثل، ولقاء بقيّة الله تعالى بالنحو الأفضل.. رزقنا الله ذلك.

٢٠٤

(١٤)

وترك التعيير

التعيير: تفعيل من العار.. والعار هو كلّ شيء يلزم منه مهانةٌ على الشخص بواسطة ارتكاب ذلك الشيء.

يُقال: عيّرته بكذا، أي نسبته إلى العار فيه، وهو من التنقيص.

والتعيير صفةٌ مذمومة، تستلزم إهانة المؤمن، وإسقاط كرامته، حتّى تعييره بالذنب الذي ارتكبه سرّاً ولم يتجاهر به.

ومن الذي يخلو من الذنب والعيب حتّى يعيّر غيره؟

لذلك ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ مَن عيّر مؤمناً بذنبٍ لم يمت حتّى يركبه (١) ، فالعيوب الخَلقيّة والبدنيّة لا يجوز التعيير فيها كما هو واضح.

فإنّه غيبة مؤمنٍ إن كان غائباً، وإهانته إن كان حاضراً، وكلاهما من المعاصي الكبيرة.

والعيوب الأخلاقيّة والشرعيّة إنّما يحسن النُصح فيها للمذنب، وهو الذي

__________________

(١) يُقال: ركب هذا الأمر يعني ارتكبه وفَعَلَهُ.

٢٠٥

يكون مفيداً، ومؤثّراً فيه، دون التعيير والتشهير، حتّى يُهان المؤمن، ويحدث فيه العناد واللّجاج.

وحتى النقائص الاحكاميّة في ال ناس يحسن الإلطاف في بيانها، وتعليمها، لتكون النتيجة أفضل وأمثل.

وما أجمل وضوع الإمامين الهمامَين الحسن والحسين عليهما السلام في قضيّة تعليم ذلك الرجل الكبير الذي لم يُحسن الوضوء.

حيث توضّئا أمامه بحجّة أن يحكم ذلك الرجل أنّ أيّهما أحسن وضوءاً.

فانتبه الرجل إلى صحّة وضوء أولاد الرسول، ونقصان وضوءه هو، فصحّح وضوء نفسه، وحسّن وضوء الحسنين عليهما السلام.

فمن حيلة الصلحاء، وزينة الأتقياء ترك التعيير.

بل هو من مقوّمات الصلاح والتقوى، إذا كان التعيير إهانة وإذلالاً للمؤمن، وقد وردت الأحاديث المتظافرة في المنع عن إذلال المؤمن وتحقيره، من ذلك: ـ

١ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام: ـ

(قال الله عزّوجلّ: ليأذنَ بحربٍ منّي من أذلَّ عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن) (١) .

٢ ـ حديث الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

(مَن أذلَّ مؤمناً أو حقّره وقلّة ذات يده شهره الله على جسر جهنّم يوم القيامة) (٢) .

٣ ـ حديث تفسير القمّي في قوله تعالى: ـ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ١٤٥ / ب ٥٦ / ح ١٢.

(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ١٤٣ / ب ٥٦ / ح ٥.

٢٠٦

نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ) (١) .

فإنّها نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب، وكانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك أنّ عائشة وحفصة كانتا تُؤذيانها، وتشتمانها، وتقولان لها؛ يا بنت اليهوديّة.

فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال لها: ألا تجيبينهما؟

فقالت: ماذا يا رسول الله؟

قال: ـ قولي أبي هارون نبيّ الله، وعمّي موسى كليم الله، وزوجي محمّد رسول الله، فما تُنكران منّي؟!

فقالت لهما ـ ذلك ـ، فقالتا: هذا علّمك رسول الله، فأنزل الله في ذلك: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ... ) (٢) .

فالصّلحاء والمتّقون يتركون التعييب، ويرفعون العيب ويزيلونه بأحسن تعليم، وأجلّ تكريم، ولا يعيّرون الناس، بل يرشدونهم إلى التنزّه عن العيوب، وترك الذنوب، ويسألون الله تعالى توفيقهم وتوبة المخطئين منهم، كما في وصيّة سيّدنا ورئيس مذهبنا الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن جندب (٣) ، جاء فيها: ـ

(يا ابن جُندب، لا تقُل في المذنبين من أهل دعوتكم ـ أي المؤمنين ـ إلّا خيراً، واستكينوا إلى الله في توفيقهم، وسلوا التوبة لهم.

فكلّ من قَصَدَنا وتولانا، ولم يوالِ عدوّنا، وقال ما يعلم، وسكت عمّا لا يعلم أو أشكل عليه، فهو من الجنّة) (٤) .

__________________

(١) سورة الحجرات: الآية ١١.

(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ١٤٤ / ب ٥٦ / ح ١٠.

(٣) لاحظ وصيّة الجامعة المباركة في البحار / ج ٧٨ / ص ٢٧٩.

(٤) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ٢٨٠.

٢٠٧

ثمّ إنّ للتعبير أثره السيء في الدُّنيا ـ مضافاً إلى عقوبة الآخرة ـ وهو الابتلاء بنفس ذلك العيب الذي عيّر به، كما صرّح به في الحديث النبويّ المتقدّم، وشواهده في العالم كثيرة، وفيها العِظة والعِبرة.

٢٠٨

(١٥)

والإفضال على غير المستحقّ

هذا معطوف على قوله عليه السلام: ترك التعيير، فالمعنى: ترك الإفضال على غير المستحقّ.

والإفضال: هو التفضّل والابتداء بالإحسان.

يقال: أفضل عليه إفضالاً، وكذا تفضّل عليه تفضّلاً؛ أي تطوَّل عليه، وأحسَنَ إليه ابتداءً.

وغير المستحقّ: هو من لا يستوجب الإفضال والإحسان إليه، بواسطة عدم أهليّته له، أو عدم، حصول أهليّة له بالإحسان إليه، بواسطة كونه فاسداً.

فإنّ الابتداء بالإحسان إلى هكذا شخص تبذيرٌ للمال، وإسرافٌ فيه، وهو مذموم، وقد ينجرّ إلى فساد هذا الشخص، أو فساد عمله، أو ترويج عملٍ فاسدٍ في المجتمع.

ومن الصفات الحسنة في الصالحين والمتّقين أنّه يكون إفضالهم وإحسانهم إلى مستحقّي ذلك واللّائقين له.

فلا يسرفون بإهدار أموالهم في الموارد غير المناسبة..

ومن طرفٍ آخر لا يبخلون بأموالهم في المستحقّين والموارد المناسبة..

٢٠٩

بل هم النمط الأوسط، بعيدون عن الإفراط والتفريط، معتدلون في الإنفاق، يكون إحسانهم وإفضالهم جارياً على المستحقّين.

وهذا هو الممدوح في القرآن الكريم والحديث الشريف..

أمّا في القرآن ال كريم فقد قال تعالى في صفات عبد الرحمن: ـ

( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ) (١) .

فالإسراف هو: التجاوز عن الحدّ كالإنفاق في المعصية، وصرف المال في غير حقّه.

والإقتار هو: البُخل عن الإنفاق في محلّه.

والقوام هو: العدل في الإنفاق، وهو الإنفاق فيما أمرَ الله به وأثاب عليه، والمطلوب المرغوب فيه هو هذا القسم الأخير من الإنفاق، وهو الذي يوصف بكونه بِرّاً وخيراً ومعروفاً، وهو الذي يعقّب خير الدُّنيا والآخرة، بل يكسب الجنّة والنعيم الدائم.

كالإنفاق في بناء المساجد الشريفة، والمراقد المشرّفة، والمدارس الدينيّة، والحسينيّات المباركة، والمستشفيات الخيريّة، وإعانة المحتاجين، وتزويج عزّاب المؤمنين، وطبع ونشر كتب الدِّين، وتأسيس وخدمة مجالس المعصومين عليهم السلام، ونحو ذلك من الاُمور الخيريّة، والأعمال القُربيّة.

وأمّا في الحديث الشريف، ففي صحيحة المفضّل الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(إذا أردت أن تعلم أشقيٌّ الرجل أم سعيد؟ فانطر إلى سَيْبِهِ ـ أي عطاءه ـ ومعروفه إلى من يصنعه.

__________________

(١) سورة الفرقان: الآية ٦٧.

٢١٠

فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنّه إلى خير.

وإن كان يصنعه إلى غير أهله فاعلم أنّه ليس له عند الله خير) (١) .

وعليه، فالإحسان الحَسَن، والإفضال المستحسن هو أن يكون إحساناً إلى من له أهليّة الإحسان، أو من يصير أهلاً بالإنفاق عليه كالمؤلّفة قلوبهم الذين ذُكروا في آية الزكاة الشريفة: ـ ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ... ) (٢) .

وهو قومٌ وحّدوا الله، وخلعوا عبادة الأصنام، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله يتألّفهم ويعرّفهم لكي ما يعرفوا ويعلّمهم كما في حديث الإمام الباقر عليه السلام (٣) .

والقُدوة المُثلى في الإفضال إلى المستحقّ، والإحسان إلى الأهل هم أهل البيت الطاهرين عليهم السلام.

فإنّهم كانو في أعلى درجات التوفيق الإلهي في إنفاقاتهم وخيراتهم وصدقاتهم حيث كانت في المستحقّين، والذين لهم أهليّة إحسان المحسنين، أو يصيرون أهلاً صالحين، كما تلاحظه بوضوح في باب إنفاقاتهم سلام الله عليهم أجمعين، وقد تقدّم شيءٌ منها في فقرة: (وإيثار التفضّل) فراجع.

وحتى صفة الجود والسخاء التي هي من الصفات المثلى بحيث روي أنّه: (شابٌّ سخيٌّ مرهِقٌ في الذنوب أحبّ إلى الله من شيخٍ عابدٍ بخيل) (٤) .

__________________

(١)

(٢) سورة التوبة: الآية ٦٠.

(٣)

(٤) الوسائل / ج ١٢ / ص ٥٤٦ / ح ٧.

٢١١

حتّى هذه الصفة يلزم فيها أن تكون سخاءً في موضعه وفي المورد الحقّ.

ففي حديث الإمام الصادق عليه السلام: ـ

(السخيّ الكريم: الذي يُنفق ماله في حقّ) (١) .

وعليه، فالإحسان حتّى السخاء يلزم فيه أن يكون إلى أهله ومستحقّه حتّى ينتج النتيجة الحسنة، والثواب الأكمل في الآخرة.

أمّا إذا كان إلى غير الأهل وغير المستحقّ فإنّه ينتج النتيجة السيّئة كما قال الشاعر:

ومَن يصنَع المعروفَ في غير أهله

يُلاقي الذي لاقى مُجير اُمّ عامرِ (٢)

فالإفضال والإحسان سواء أكان إحساناً ماليّاً أم عمليّاً يلزم أن يكون إلى من هو أهله، لأنّه من إيصال الحقّ إلى مستحقّه.

وهي صفة مُثلى، يُحمد الإنسان عليها، وتزكو النفس بها.

والمرتبة العُليا من هذه الصفة أن يتنازل الإنسان عن حقّه ويسلّمه إفضالاً إلى من هو أحقّ به.

وهذه المرتبة تحتاج إلى جهاد النفس وعلوّ الروح، كما تلاحظه في قضيّة المرحوم السيّد حسين الكوه كمري، الذي كان من أعاظم العلماء والمدرّسين في النجف الأشرف، ومع ذلك تنازل عن حقّه للشيخ الأنصاري قدس سره في ما ينقل في أحوالهما جاء فيها:

أنّه ذات يوم كان السيّد الكوه كمري عائداً من مكان، ولم يكن قد بقي إلى

__________________

(١) معاني الأخبار / ص ٢٤٣.

(٢) اُمّ عامر: كنية الضبع، الاُنثى، والذكر منه أبو عامر.

وقد أكلت الشخص الذي أجارها من برد الشتاء في خيمته، فضُرب مثلاً في الذي يُجرى على إحسانه إلى غير محلّه بالسوء.

والضبع معروف بشهوته للحوم بني آدم، حتّى أنّه ينبش القبور ليأكل لحم الإنسان، وإذا رأى إنساناً اغتنم الفرصة ليجده نائماً، فيهجم عليه ليأكل لحمه.

٢١٢

حين درسه الخارج أكثر من نصف ساعة..

فرأى أنّ الوقت لا يتّسع للذهاب إلى البيت.. ولذا فضّل أن يجلس في المسجد بانتظار موعد الدرس.

دخل المسجد ولم يكن قد حضر أحد من طلّابه.. ورأى في زاوية المسجد شيخاً عاديّاً جدّاً، جالس مع عدّة طلّاب يدرّسهم، إستمع المرحوم السيّد حسين إلى درسه.. وبمنتهى الغرابة رأى أنّ الشيخ العادي قمّة في التحقيق.. فحمله ذلك على أن يأتي في اليوم التالي مبكِّراً عمداً ويستمع إلى درسه.. جاء واستمع فازداد اقتناعاً بانطباعه الذي كوّنه في اليوم الماضي..

وتكرّر ذلك لعدّة أيّام.. فحصل للمرحوم السيّد حسين اليقين بأنّ هذا الشيخ أعلم منه، وأنّه يلزم أن يستفيد من درسه، وأنّه إذا حضر تلامذته درس هذا الشيخ فيستفيدون أكثر..

هنا رأى نفسه مخيّراً بين التسليم والعناد، بين الآخرة والدنيا.

وفي اليوم التالي عندما جاء طلّابه واجتمعوا قال: أيّها الأحبّة.. اُريد اليوم أن أقول لكم شيئاً جديداً: هذا الشيخ الجالس في ذلك الجانب مع عدّة طلّاب أحقّ منّي بالتدريس، وأنا أستفيد منه، والآن نذهب كلّنا إلى درسه.

والتحق بحلقة درس الشيخ العادي المستشعف الذي كانت آثار الفقر بادية عليه.

هذا الشيخ الرثّ اللّباس هو الذي عُرف فيما بعد باسم الشيخ مرتضى الأنصاري.

فتلاحظ أنّ هذا الإفضال العملي على المستحقّ كيف أنتج تلك الثروة العلميّة التي ظهرت من الشيخ الأنصاري، وبقيت إلى الآن دروساً دينيّة في الحوزات العلميّة.

بل إنّ الإفضال على مستحقّه وأهله هو من صنائع المعروف وعمل الخير الذي يدفع مصارع السوء ويُنجي من الموت في نفس هذه الحياة الدُّنيا، قبل ثواب الآخرة.

كما تجده في قضيّة المرحوم الطبيب المعروف الميرزا خليل الطهراني الذي

٢١٣

نقله المحدّث القمّي قدس سره، وحاصلها: ـ

إنّ الميرزا خليل كان طبيباً ماهراً معروفاً منذ شبابه، وعالج يد امرأةٍ علويّة هنديّة كانت تشكو من الجذام.. المرض العضال، عالجها مجّاناً وقربةً إلى الله تعالى ـ فكان إفضالاً إلى من يستحقّه ـ.

ثمّ إنّه ابتلي نفسه بمرضٍ صعب بحيث لم يمكنه علاج نفسه، وقال له الأطبّاء الآخرون إنّه يعيش مع هذا المرض عشرة أيّام فقط.

وفعلاً استمرّ به المرض إلى اليوم العاشر ـ كما قالوا له ـ واشتدّت حالته الصحّية وتدهورت، حتّى عرض عليه سكرات الموت، بحث اجتمع عليه أهله، ووجّهوه إلى القبلة، وكانوا يبكون عليه.

وفي هذه الأثناء دخلت تلك العلويّة التي عالجها الميرزا خليل وقالت: إنّي توسّلت بجدّي الإمام الحسين عليه السلام لشفاء الميرزا خليل، وبكيت كثيراً حتّى غلبني النوم، فرأيت الإمام عليه السلام في المنام، وطلبت منه شفاءه.

فقال عليه السلام: إنّه قد تمّ عمره، لكن دعونا الله تعالى له واستجاب الله الدّعاء، ويعيش عمراً جديداً إن شاء الله تعالى.

وبمجرّد أن تمّ كلام العلويّة جلس الميرزا خليل صاحياً من تلك السكرات، وفرح الجميع، وسألوه ما الذي حدث؟!

فقال: إنّي رأيت ملكين جاءا لقبض روحي، وأحسستُ بانتزاع روحي من رجلي إلى قريب حنجرتي، لكن دخل شخصٌ الغرفة، وقال لهذين الملكين: ـ

(ردّوه فإنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام تشفّع إلى الله تعالى في عُمرٍ ثانٍ له).

فأحسستُ بعودة روحي إليّ، وحياتي من جديد، فانصرف الملكان، فقمت الآن أراكما بهذه الحالة.

وعاش الميرزا خليل بعد هذا، وعمّر كاملاً ٩٠ سنة، ورزقه الله تعالى خمسة من

٢١٤

الأولاد، كان ثلاثة منهم من العلماء، أحدهم المرجع الديني المعروف الميرزا حسين (١) .

فالإفضال على المستحقّ بارَم للميرزا خليل بهذا الخير العظيم، مضافاً إلى ثواب يوم الدِّين.

فينبغي أن ندعو الله تعالى لتوفيق الحصول على هذه الخصلة، والمكرمة الأخلاقيّة.

__________________

(١) الفوائد الرضويّة / ص ٢٩٣.

٢١٥

٢١٦

(١٦)

والقول بالحقّ وإنْ عَزّ

الحقّ: ضدّ الباطل، وهو الحكم المطابق للواضع.. والشيء الثابت الصحيح.

والعزّة: في أصل معناها ضدّ الذلّة، وتُطلق على الشيء القليل.

يُقال: عزَّ الشيء، إذا قلّ فلم يكد يوجد..

فالشيء العزيز هو القليل، لكن إذا كان مفيداً، ومنه الحديث (عزّ ماؤنا ليلة التاسع من المحرّم).

فالشيء القليل غير المفيد لا يطلق عليه العزيز.

والقول بالحقّ وإن عزّ: هو أن يقول الإنسان الحقّ، ويتكلّم بالكلام الحقّ المفيد، في وقت قلّة القول بالحقّ وعدم إقدام الآخرين عليه.

وقول الحقّ وإن كان قد يقوله جميع الناس، إلّا أنّ قوله الحقّ والتصديع به في حين قلّته هو الذي يكون عزيزاً، وهو زينة المتّقين، وحلية الصالحين، بل هو الذي يتقوّم به الدِّين.

وقد هدى القرآن الكريم إلى التوصية بالحقّ في قوله عزّ اسمه: ـ

( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) (١) .

__________________

(١) سورة العصر: الآية ٣. راجع كنز الدقائق / ج ١٤ / ص ٤٢٧.

٢١٧

وهذه الصفة الجليلة ممّا كان القدوة فيها أيضاً أهل البيت عليهم السلام، وفي الطليعة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، صدعت بالحقّ في حين قلّته، ونبّهت أهل الغفلة في حين تقاعسهم، وبيّنت الحقيقة الجليّة لتبقى على مدى الدهور والعصور.

وذلك في خطبتها المباركة التي دوّت بالحقّ، وشيّدت حقيقة الإسلام، وردعت الباطل لجميع الأنام.

وكذلك في خطبتها لنساء المهاجرين والأنصار..

قالت كلمة الحقّ، ونطقت بحقيقة الدِّين، وكشفت عن رسالة سيّد المرسلين، ودافعت عن حقّ أمير المؤمنين ـ عند إمامٍ جائر ومَن في وراءه سائر، في حين عزّت كلمة الحقّ، والتفّ الناس حوله الباطل.

وخطبتها الشريفة في الأُسس الهامّة في الدِّين، والجديرة بدراستها لجميع المؤمنين، في سبيل معرفة الإسلام المحمّدي والدِّين الأحمدي (١) . وهي المعجزة الخالدة، والآية الباهرة، والحجّة الكاملة التي صَدَعَت بها أمام جميع المسلمين من الأنصار والمهاجرين.

فكانت قمّة الكلام المتّصف بفصاحة النطق، وبلاغة البيان، وقوّة الحجّة، ومتانة الدليل.

بل كانت خطبتها عليها السلام البيان الكامل للدِّين، والدستور الشامل لشريعة سيّد المرسلين، في المحاور التي ركّزت عليها الصدِّيقة الطاهرة عليها السلام من التجليل بساحة ربّ العالمين بصفاته الحُسنى، والتعريف بنعمة الرحمة الإلهيّة المتمثِّلة في أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله، والإشادة بمعالي ومواقف وجهاد ابن عمّها المرتضى عليه السلام،

__________________

(١) الاحتجاج / ج ١ / ص ١٣١.

٢١٨

وتبيين معالم القرآن الكريم وأحكام ربّ العالمين، ثمّ أشارت إلى الانقلاب على الأعقاب، وظهور الظلم والطغيان والغضب والعدوان الذي صدرَ من القوم بعد رحيل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، ثمّ ختمت الخطاب بوعيد العذاب على خذلانهم وعدوانهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون».

وقد سار على طريق أهل البيت عليهم السلام وهُداهم في القول بالحقّ عند عزّته صفوة أصحابهم الكرام كالإثنى عشر صحابي الذين دافعوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عن حقّ أمير المؤمنين عليه السلام، وأنكروا على أبي بكر غصبه للخلافة، فخطبوا واحتجّوا بما تلاحظ مفصّله في حديث الإمام الصادق عليه السلام (١) .

ومن هذه الثلّة الطيّبة المدافعين عن الحقّ بصراحة، والقائلين بالحقّ حين العزّة الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي الذي صدع كيان الباطل الأموي، وزلزل رئيسه الطاغي، وألقمه الحجر، وسقاه الكأس المصبّر، في وروده عليه، وحمل رسالة الأمير عليه السلام إليه كما تلاحظ نصّه الكامل في حديث البحار (٢) .

__________________

(١) الاحتجاج / ج ١ / ص ٩٧، والخصال / ص ٤٦١ / ح ٤.

(٢) بحار الأنوار / ج ٣٣ / ص ٢٨٩ / ب ٢٠ / ح ٥٥٠.

٢١٩

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243