أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)15%

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 243

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53372 / تحميل: 7302
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها لأمرٍ دبّر بليل، أو أنّه ما يبالي بما يقول.

أوليس المسعودي المتوفى ٣٤٦هـ يقول في التنبيه والأشراف ص٢٢١: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم؟!

أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة ٣٢٩هـ؟ وقبله فرات بن ابراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر...

فالكتب هذه الفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ (٣٥٢).

أوليس الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة ٢٥٩هـ وذكر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه - المتوفى سنة ٢٠٣ - يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

والامام الصادق المتوفى سنة ١٤٨هـ قد علّم أصحابه بذلك كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيداً...

هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوّراه بدعة مغزوّة إلى معزّ الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

الغدير: ١/٢٨٧ - ٢٨٩، نهاية الأرب: ١/١٧٧، الخطط: ٢/٢٢٢.

ولزيادة الإطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيّد هاشم البحراني، عبقات الانوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني، منهج في الانتماء المذهبي: ٩٠ - ١٥٦، الغدير في التراث لاسلامي للعلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيّد محمد جواد الشبيري، ومصادر أخرى كثيرة.

٤١

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين: ٣٣٦هـ - ٤١٣هـ

٤٢

سنة ٣٣٦هـ:

فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقيل: مولده سنة ٣٣٨هـ.

قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.

ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.

وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ

٤٣

طرف من كفّتي الميزان.

وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.

قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.

قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره - بدرب رياح - يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.

فهرست ابن النديم: ١٧٨، رجال النجاشي: ٣٩٩ - ٤٠٣ ترجمة رقم ١٠٦٧، تاريخ بغداد: ٣/٢٣١، المنتظم: ٨/١١ - ١٢، العبر: ٣/١١٤ - ١٥٥، مرآة الجنان: ٣/٢٨.

سنة ٣٣٨هـ:

فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.

٤٤

المنتظم: ٦/٣٦٣ - ٣٦٤، البداية والنهاية: ١١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/٣٤٥.

الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.

معجم البلدان: ٤/٤٤٨، المنجد: ٨٥٦.

وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!

سنة ٣٤٠هـ:

فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.

البداية والنهاية: ١١/٢٢٤.

سنة ٣٤٥هـ:

فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل

٤٥

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.

الكامل في التاريخ: ٨/٥١٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٠.

وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة ٣٢٨هـ، وملك طبرستان سنة ٣٣٦هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة ٣٣٦، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.

نهاية الأرب: ٢٦/١٧٥ - ١٧٩.

ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!

وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.

سنة ٣٤٦هـ:

فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة ٣٤٦هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.

المنتظم ٦/٣٨٤، البداية والنهاية: ١١/٢٣٢.

٤٦

سنة ٣٤٨ هـ:

فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.

المنتظم: ٦/٣٩٠، الكامل في التاريخ: ٨/٥٢٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٤، شذرات الذهب: ٢/٣٧٦.

وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.

معجم البلدان: ٥/٣٠٨.

سنة ٣٤٩هـ:

فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.

المنتظم: ٦/٣٩٤ - ٣٩٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٣٣، دول الاسلام: ١٩٣، البداية والنهاية: ١١/٢٣٦، النجوم الزاهرة: ٣/٣٢٣، العبر: ٢/٢٨٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٢ - ٣٤٣، تاريخ الاسلام: ٢٣١ حوادث ووفيات ٣٤١هـ - ٣٥٠هـ، شذرات الذهب

٤٧

٢/٣٧٩.

والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.

معجم البلدان: ٤/٤٠٦.

ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.

معجم البلدان: ١/٣٦٢ - ٣٦٣.

ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة ٣٣٤هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.

المنتظم: ٧/٣٨ - ٣٩، نهاية الأرب: ٢٦/١٨٢ - ١٩٢.

وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا

٤٨

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.

سنة ٢٥٣هـ:

فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.

الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٤، البداية والنهاية: ١١/٢٤١.

وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.

سنة ٣٥٢هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.

وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.

ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم

٤٩

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.

وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.

وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.

وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!

أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.

المنتظم: ٧/١٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، تاريخ الاسلام: ١١ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، العبر: ٢/٢٩٤، دول الاسلام: ١٩٥،

٥٠

البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٣٩٧، شذرات الذهب: ٣/٩، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٤.

وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة - وهويوم عيد غدير خم - أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.

وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!

وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!

ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.

المنتظم: ٧/١٦، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩ - ٥٥٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، شذرات الذهب: ٣/٩، البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٤٠٠، تاريخ الاسلام: ١٢ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، دول الاسلام: ١٩٥ - ١٩٦.

٥١

سنة ٣٥٣هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.

المنتظم: ٧/١٩، الكامل في التاريخ: ٨/٥٥٨، تاريخ الاسلام: ١٣ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، البداية والنهاية: ١١/٢٥٣، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٦.

وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.

معجم البلدان: ٤/٣٧٦.

وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!

سنة ٣٥٤هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.

٥٢

وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.

وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!

وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!

والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.

المنتظم: ٧/٢٣، تاريخ الاسلام: ١٧ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٩، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.

البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.

وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم

٥٣

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.

وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!

وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!

ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!

ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.

ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن منع المغالات في صداق النساء؟!

ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.

واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!

وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.

وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم...

وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.

٥٤

المنتظم: ٧/٢٤، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

سنة ٣٥٥هـ:

فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.

وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

المنتظم: ٧/٣٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٠، النجوم الزاهرة: ٤/١١.

سنة ٣٥٦هـ:

فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.

المنتظم: ٧/٤٨، مرآة الجنان: ٢/٣٥٨، العبر: ٢/٢٠٣، تاريخ الاسلام: ٣٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، شذرات الذهب: ٣/١٨، البداية والنهاية: ١١/٢٦٢، النجوم الزاهرة: ٤/١٤.

سنة ٣٥٧هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.

٥٥

المنتظم: ٧/٤٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥، النجوم الزاهرة: ٤/١٨، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.

المنتظم: ٧/٤٣، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥.

سنة ٣٥٨هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.

وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...

الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!

المنتظم: ٧/٤٧، الكامل في التاريخ: ٨/٦٠٠، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.

٥٦

المنتظم: ٧/٤٧، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

سنة ٣٥٩هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....

وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....

وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!

المنتظم: ٧/٥١، تاريخ الاسلام: ٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٧، النجوم الزاهرة: ٤/٥٦.

سنة ٣٦٠هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.

قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة....

ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).

المنتظم: ٧/٥٣، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧، تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

٥٧

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.

تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧.

سنة ٣٦١هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.

قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....

وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.

ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.

المنتظم: ٧/٧٥، النجوم الزاهرة: ٤/٦٢، تاريخ الاسلام: ٢٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

الكامل في التاريخ: ٨/٦١٩، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة ٣٠٤هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،

٥٨

ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة ٤٠٠هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.

المنتظم ٧/٢٤٧، الكامل في التاريخ: ٩/١٨٢.

والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة ٣٦٣هـ وعمره تسع وخمسون سنة.

وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.

سنة ٣٦٢هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:

فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.

وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.

٥٩

البداية والنهاية: ١١/٢٧٣، النجوم الزاهرة: ٤/٦٥.

وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.

وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة ٣٤٤هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٣٥٦هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة ٣٦٧هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.

نهاية الأرب ٢٦/١٩٤ - ٢١٠.

وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.

شذرات الذهب: ٣/٤٨.

وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصّب للسنّة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

(١٧)

واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي

واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي

  استقلال الخير: عدّة قليلاً، واعتبار ما صدر من الإنسان من الخيرات شيئاً يسيراً، وإن كان في الواقع كثيراً، سواء الخير من أقواله أم أفعاله.

  واستكثار الشرّ: عدّة كثيراً، وإن كان في الواقع قليلاً نادراً، سواء في قول الشرّ أم عمله.

وهذه من الخصال المحمودة التي هي حيلةٌ وزينة.

ليس فقط لا يحدّث الإنسان الناس بخيراته وأعماله الخيّرة، بل يعدّها عنه نفسه نزراً يسيراً.

وفي مقابله إن صدر منه شيرٌ قليل، ليس فحسب لا يتهاون به، بل يعدّه عند نفسه كثيراً.

وهذا الاستقلال والاستكثار مفيدان غاية الفائدة في تهذيب النفس، وتزكية الروح، وذلك:

  أمّا استقلال الخير من نفسه، ففائدته عدم استيلاء العُجب عليه.

٢٢١

والعجب هو: استعظام العمل الصالح واستكثاره، والإدلال به، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

وهو يوجب سقوط العمل عن القبول، وهو مذموم، كما تلاحظ ذمّه في الأحاديث الشريفة، ومنها: ـ

١ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ بينما موسى عليه السلام جالساً، إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى فسلّم عليه.

فقال له موسى: مَن أنت؟

فقال: أنا إبليس.

فقال له: أنت، فلا قرّب الله دارك.

قال: إنّي جئت لاُسلّم عليك كلمكانك من الله.

فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البُرنس؟

قال: به أختطفُ قلوب بني آدم.

فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه (١).

٢ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال:

قال داود النبيّ عليه السلام: لأعبدنَّ الله عبادة، ولأقرأنَّ قراءةً لم أفعل مثلها قطّ، فدخل في محرابه، ففعل.

فلمّا فرغ من صلاته، إذا هو بضفدع في المحراب، فقال لداود: ـ أعجبَكَ اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟

__________________

(١) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٢٣٧ / ح ٨.

٢٢٢

فقال: نعم.

فقال: لا يعجبنّك، فإنّي اُسبّح لله في كلّ ليلةٍ ألف تسبيحة، يتشعّب لي مع كلّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وأنّي لأكون في قعر الماء فيصوّت الطير في الهواء، فأحسبه جائعاً، فأطفوا له على الماء ليأكلني وما لي من ذنب (١) .

٣ ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

تصعد الحفَظَة بعملِ العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء، له دويٌّ بالتسبيح، والصوم، والحجّ، فيمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له: قِف، فاضرب بهذا العمل وجة صاحِبه وبطنَه، أنا مَلَك العُجب، إنّه كان يعجبُ بنفسه، وأنّه عمل وأدخل نفسه العُجب، أمرني ربّي أن لا أدع عملَه يتجاوزني إلى غيري، فاضرب به وجه صاحبه (٢) .

فاستقلال الإنسان الخير من نفسه يفيد الإنسان التحذّر عن هذا العجب المفسد لذلك العمل الخيّر.

  وأمّا استكثار الشرّ من نفسه، ففائدته عدم التهاون بالمعصية.

والتهاون بالمعصية هو جعلها هيّنةً، وعدم الاهتمام بها، وهو يوجب الجرأة على عصيان الله العظيم، عصيان جبّار السماء والأرض، وهو مذموم ممقوت كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة منها: ـ

١ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرضٍ قرعاء ـ أي لا نبات ولا شجر فيها ـ فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧١ / ص ٢٣٠ / ح ٧.

(٢) مستدرك الوسائل / ج ١ / ص ١٤١ / ح ١٧، ولاحظ قضيّة ابن الماوردي في كون العجب مقروناً بالجهل، في سفينة البحار / ج ٦ / ص ١٥٦.

٢٢٣

فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرضٍ قرعاء، ما بها من حطب.

قال: فليأت كلّ إنسن بما قدر عليه.

فجاؤوا به، حتّى رَمَوا بين يديه بعضه على بعض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب... (١).

٢ ـ حديث أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

(أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه) (٢) .

٣ ـ حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه: ـ

يا أبا ذرّ.. إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة، يخاف أن يقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباباٌ مرَّ على أنفه.

يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ، إنّ نفس المؤمن ارتكاضاً ـ أي اضطراباً ـ من ال خطيئة من العصفور حين يقذف في شَرَكه (٣) .

فإذا استكثر الإنسان الشرّ من نفسه، لم يتهاون به، بل اشتدّ اجتنابه عنه.

فاللّازم علنيا في مكارم أخلاقنا أن نستقلّ الخير من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن كثرت.

وأن نستكثر الشرّ من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن قلّت.

__________________

(١) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٢١٨ / ح ٣.

(٢) غرر الحكم ودرر الكلم / ج ١ / ص ١٩٢ / ح ٣١٨.

(٣) بحار الأنوار / ج ٧٧ / ص ٧٩.

٢٢٤

وفي حديث الإمام الكاظم عليه السلام: ـ

(لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيراً) (١) .

فالمفروض علينا أن نهذّب أنفسنا ونروّضها على هاتين الخصلتين، فنفكّر في خيرات وعبادات ومواعظ أولياء الله تعالى، فتصغر في أعيننا خيرنا وعبادتنا وأقوالنا.

ونفكّر في نزاهة أولياء الله من الشرور والذنوب في قولٍ أو فعلٍ منهم، فتكثر في أعيينا شرورنا ومعاصينا.

وأهل البيت عليهم السلام لم يكن لهم شرٌّ في الحياة في آنٍ من الآنات، وكانت حياتهم مليئة بالخيرات والطيّبات من أقوالهم وأفعالهم، وبالرغم من ذلك كانوا يستقلّون خير أنفهسم، كما مرّ عليك في حديث الأعرابي الذي وفدَ على الإمام الحسين عليه السلام حين أغناه بأربعة آلاف دينار، ومع ذلك كان يعتذر إليه بقلّة النفقة منه (٢) .

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٣ / ص ٣٤٦.

(٢) بحار الأنوار / ج ٤٤ / ص ١٩٠.

٢٢٥

٢٢٦

(١٨)

وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة

الطاعة هي: موافقة الأمر، وامتثاله والانقياد له.

كامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، فإنّه طاعةٌ لله تعالى.

ودوام الطاعة: استمرارها، مضافاً إلى إيجادها وتحقّقها.

والسعادة العظمى في الدُّنيا والآخرة هي إطاعة الله تعالى، وإطاعة من أمرنا الله تعالى بإطاعتهم.

وهم الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام عليهم السلام فو قوله عزّ اسمه: ـ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) .

وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في تفسير اُولي الأمر بأهل البيت الطيّبين، الأئمّة المعصومين عليهم السلام (٢) .

وهذه الإطاعة فوز الدُّنيا والآخرة، وسعادة الدارين الاُولى والاُخرى.

__________________

(١) سورة النساء: الآية ٥٩.

(٢) لاحظ تفسير البرهان / ج / ص /. وإحقاق الحقّ / ج ٣ / ص ٤٢٤.

٢٢٧

قال تعالى: ( يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (١) .

وقال عزّ اسمه: ـ ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (٢) .

وذكرت الأحاديث الشريفة فضلها وفضيلتها في جملة منها مثل: ـ

١ ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(... إنّ طاعة الله نجاحُ كلّ خيرٍ يُبتغى، ونجاةٌ من كلّ شرٍّ يُتّقى، وإنّ الله العظيم يعصم من أطاعه، ولا يعتصم منه من عصاه) (٣) .

٢ ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (٤) قال عليه السلام: ـ (لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى الله عزّوجلّ نفاه الله عن أبيه.

كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا.

وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت) (٥) .

فإطاعة الله تعالى هو الإكسير الأعظم، والفوز الأتمّ، بخير الدارين، وسعادة النشأتين والاستمرار عليها.

وإطاعة الإنسان لربّه، وللرسول صلى الله عليه وآله، ولأهل البيت عليهم السلام، عجيبة في النتيجة، من حيث إنّها توجب أن يكون الإنسان من أولياء الله المقرّبين، ومن مظاهر قدرة ربّ العالمين، حتّى أنّها توجب نيل الكرامات وإطاعة المخلوقات للإنسان كما تلاحظه في مثل: ـ

١ ـ الصاحبي الجليل سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي

__________________

(١) سورة الأحزاب: الآية ٧١.

(٢) سورة النساء: الآية ٦٩.

(٣) بحار الأنوار / ج ٧٧ / ص ٦٩.

(٤) سورة هود: الآية ٤٦.

(٥) بحار الأنوار / ج ٤٣ / ص ٢٣٠.

٢٢٨

تلاحظها في مثل حديث القدر المغلي (١) ، وحديث طينته (٢) .

٢ ـ جابر الجُعفي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي تجدها في مثل طيّ الأرض له، وسفره إلى أرض السواد (٣) .

وهذه الفقرة من الدّعاء الشريف يُطلب فيها من الله تعالى تكميل تلك المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة: بسط العدل، وكظم الغيظ.. إلخ، بدوام طاعة الله تعالى، وعدم عصيانه.

فإنّ ترك الطاعة وارتكاب المعصية، نقضٌ لتلك المكارم الأخلاقيّة، بل موجبٌ لارتكاب الاُمور المذمومة، والأفعال المحرّمة.

فيُطلب دوام الطاعة في الأوامر والنواهي الإلهيّة، وفي الصفات المرغوبة الأخلاقيّة.

وهذا يحتاج إلى الطلب من الله تعالى؛ لأنّ البقاء على العمل أصعب من نفس إتيان العمل، ومستلزمٌ للصبر وتحمّل المشقّة.

  والمثل الأعلى في دوام الطاعة، وعدم الخروج عنها طرفة عين هم أهل البيت عليهم السلام الذين لم يعصوا ولا يعصون الله تعالى فيما أمرهم، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

لم يخالفوا الله تعالى في صفيرةٍ ولا كبيرة، في شدّةٍ ولا رخاء، حتّى أنّهم لم يفعلوا ما كان الأولى تركه، ولم يتركوا ما كان الأولى فعله.

فاتّصفوا بالعصمة الكبرى والطهارة العظمى، كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنّة مثل: آية التطهير، وأحاديث العصمة المرويّة من طرق الفريقين (٤).

__________________

(١) رجال الكشّي / ص ١٩.

(٢) الاختصاص / ص ٢٢١.

(٣) رجال الكشّي / ص ١٧٢.

(٤) لاحظ تحقيقه ومصادره في كتاب العقائد الحقّة / ص ٣٤٩ / مبحث العصمة.

٢٢٩

فيلزم علينا الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، وتكميلاً للصفات الحسنة التي هي حلية الصالحين وزينة المتّقين، وترويض النفس على الصبر عليها، وعدم إبداء السخط منها، لكي يحصل لنا الكمال بتلك الصفات، والأجر بالصبر عليها، وعدم الندامة من تركها.

فإنّ تركها يوجب الندم، وإظهار السخط منها يوجب الخجل، كما في قضيّة ذلك العالم المحقّق الذي أبدى السخط، ولم يصبر عند تأخير حاجته، فحصلت له الندامة.

فقد حكى بعض السادة الأجلّاء الثقات عن أحد العلماء المحقّقين الذي كان يؤلّف كتاباً في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام الذي هو من أهمّ الوظائف الشرعيّة على علماء الدِّين، وأصحاب القلم من المحقّقين.

فاحتاج هذا العالم في مصادر كتابه إلى كتاب كان نادر الوجود، وكلّما بحث عنه في النجف الأشرف لم يعثر عليه، وكان يعلم أنّه موجود في النجف، لكن لم يعرف أنّه عندَ مَن.

فتوسّل بالإمام أمير الؤمنين عليه السلام أن يهيّئ له ذلك الكتاب، حتّى يستعيره ويستفيد منه وينقل عنه.

ودام التوسّل بالإمام عليه السلام ستّة أشهر متواصلة، لكن لم تحصل له النتيجة.

وبعد هذه المدّة الكثيرة، وبينما هو أمام الضريح المقدّس، وملتصقٌ به، ويتوسّل بالإمام ويطلب منه الكتاب ويقول:

(أنت مولاي، وتعلم بإذن الله تعالى أين يوجد الكتاب، وأنا محتاج إليه، فارشدني إلى موضعه).

بينما هو يقول هذا، إذ سمع من الطرف الآخر من الضريح لمقدّس، شخصاّ

٢٣٠

آخر يطلب من الإمام عليه السلام حاجته، ويبدو من لسانه أنّه شخصٌ قرويّ، ويقول بلهجةٍ حادّة للإمام عليه السلام: ـ

(لو لم تعطني حاجتي لا أزورك بعد هذا أبداً).

ومرّت سبعة أيّام على هذه القضيّة، وبينا أنا أيضاً مقابل للضريح الشريف أطلب حاجتي، إذ سمعت ذلك القروي يقول للأمير عليه السلام بلهجته الخاصّة: ـ

(أروح لك فدوه يا علي، أعطيتني حاجتي، كفو، كفو، كفو).

قال ذلك العالم: لمّا رأيت أنا ذلك هاجت نفسي، وخرجتُ عن الطبيعة، ونفذ صبري، وصرتُ أقول للإمام عليه السلام بخشونة شديدة.

(شنو حاجة هذا المعيدي غير الدُّنيا، تعطيه سريعاً، ولا تعطيني حاجتي وهي للدفاع عنكم وكتابة فضائلكم).

وخرجت من الحرم الشريف شبه الزعلان، وبحالة الغضب ـ وهذا هو محلّ الصبر على الطاعة وعلى تلك المكارم الأخلاقيّة، وامتحان من يدوم له لين العريكة ومن لا يدوم ـ.

ولمّا وصلت إلى داري ندمتُ كثيراً على أنّه لماذا تجاسرت بخدمة الإمام عليه السلام وهو خلاف الأدب.

وخصوصاً وبيما أنا كذلك، إذ طرق باب الدار جارٌ لنا، فذهب ولدي وفتح الباب، ودخل عَليَّ جارنا، فرحّبت به، وجلس عندي، ودار الكلام عندنا فقال الجار: نحن في حالة انتقال إلى دارٍ جديد، وقد نظّفنا دارنا الفعلي لنحوّله إلى المشتري، وفي أثناء تنظيف رفوف الدار عثرتُ في الرفّ الأعلى على كتابٍ أنا لا أستفيد منه لأنّي لا أعرف القراءة والكتابة..

فقلتُ لابني: ـ إذهب بهذا الكتاب، واجعله في المسجد.

فقال ابني: ـ لا يا أبه، لا تجعله في المسجد، بل أعطه لجارنا العالم ـ حتّى

٢٣١

يستفيد منه، وهو هذا الكتاب، جئت به إليك هديّة لك.

قال ذلك العالم: فأخذتُ منه الكتاب، فإذا هو نفس الكتاب الذي طلبته من أمير المؤمنين عليه السلام، طلبتُ منه أن يرشدني إليه لأستعيره، لكن ذلك الكريم صلوات الله عليه أهداه لي، وملّكه بدل الاستعارة.

فذهبت واعتذرت من أمير المؤمنين عليه السلام على سوء أدبي، وعدم صبري، وتشكّرت منه على لطفه وإحسانه.

وعليه فالمطلوب تكميل مكارم الأخلاق بدوام الطاعة واستمرارها، وعدم النقض بالمعاصي والمحرّمات، أما بما يخالف الأخلاقيّات.

فيُستدام على الطاعات بصبر، ويستمرّ على المكارم والأخلاقيّات بتحمّل، فيحصل بذلك الكمال الكامل، والفضل الشامل.

٢٣٢

(١٩)

ولزوم الجماعة

اللّزوم هو: الملازمة، وعدم المفارقة.

والجماعة هي: جماعة الناس..

والمراد بها جماعة المؤمنين المتّفقين على المذهب الحقّ، لا كلّ جماعةٍ وإن كانت باطلة.

و «أل» فيها عهديّة، والمعهود في الدّعاء جماعة أهل الحقّ..

نظير «أل» العهديّة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (١) حيث إنّ المعهود فيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

وقوله عليه السالم: (ولزوم الجماعة) معطوف على قوله: (بدوام الطاعة) أي واكمل لي ذلك بلزوم الجماعة.

فتكمل المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة بدوام طاعة الله تعالى والاستمرار عليها، وملازمة جماعة أهل الحقّ وعدم مفارقتهم.

بل عدم مفارقتهم ولو لحظةً واحدة حتّى يدصق التلازم وعدم الافتراق، كما

__________________

(١) سورة الأحزاب: الآية ٦.

٢٣٣

تلاحظه في الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار، فإنّهما لا يفترقان أبداً.

حيث إنّ المفارقة عن الحقّ لا يعني إلّا الدخول في الباطل، فإنّه ليس بعد الحقّ إلّا الضلال.

ويدلّ على كون المراد بالجماعة جماعة أهل الحقّ، الحديث الصادقي الشريف:

(سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جماعة اُمّتك؟

فقال: ـ جماعةُ اُمّتي أهل الحقّ، وإن قلّوا).

وفي حديثٍ آخر: (فقال: من كان على الحقّ، وإن كانوا عشرة) (١) .

فمفاد الدعاء الشريف طلب ملازمة جماعة أهل الحقّ التي هي الفضائل المكمّلة لمكارم الأخلاق، ومعالي الصفات.

فهي التي تكون حلية الصالحين، وزينة المتّقين، وإلّا فملازمة أهل الباطل رذيلة ومعيبة، وليست حلية وزيزنة.

والجدير بالبيان هو معرفة أنّه:

مَن هم جماعة أهل الحقّ الذين يلزم متابعتهم وملازمتهم؟

الجواب: هم الذين بيّنهم الرسول الأعظم، ونصّ عليهم صاحب هذا الدِّين، النبيّ الأمين صلى الله عليه وآله، فقال في الأحاديث المتظافرة المتّفق عليها بين الفريقين: ـ

(عليٌّ مع الحقّ والحقّ معه، يدور حيثما دار) (٢) .

(أهل بيتي مع الحقّ، والحقّ معهم، لا يفارقهم ولا يفارقوه) (٣) .

فمحور الحقّ هم عليٌّ وأهل البيت عليهم السلام، فإذا أردنا أن نعرف أنّه هل هذا الشخص على الحقّ أو على الباطل؟

__________________

(١) رياض السالكين / ص ٢٢٤.

(٢) غاية المرام / ص ٥٣٩.

(٣) إحقاق الحقّ / ج ٩ / ص ٤٧٩.

٢٣٤

يكون المحك هو عليّ عليه السلام.. فإن كان الشخص مع عليّ عليه السلام فهو على حقّ، وإلّا فهو على باطل.

فأمير المؤمنين عليه السلام (هو فارق بين الحقّ والباطل) كما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (١) .

ولذلك عبّر عنه الرسول في واقعة الخندق بالإيمان كلّه، ومنحه أعظم وسام بقوله صلوات الله عليه وآله: ـ (برز الإيمان كلّه).

فكلّه حقّ لأنّ كلّه إيمان، فمن كان معه كان مع الحقّ ومن أهل الإيمان، ومن لم يكن معه فهو على باطل وعلى غير إيمان.

فيتّضح جيّداً أنّ المراد بالجماعة في الدعاء الشريف هم جماعة عليّ وأهل البيت عليهم السلام فهم جماعة أهل الحقّ الذي تكون ملازمتهم فضيلة وحلية.

وقد عقد العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه باباً في البحار في لزوم الجماعة بأحاديث شريفة منها: ـ

حديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟

قال: جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا (٢) .

وفائدة ملازمة أهل البيت عليهم السلام هي سعادة الدُّنيا والآخرة.

ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(إلزموا عليّ بن أبي طالب، فاز من لزمه) (٣) .

__________________

(١) إحقاق الحقّ / ج ٤ / ص ٢٦.

(٢) بحار الأنوار / ج ٢٩ / ص ٦٨ / ب ٣ / ح ١.

(٣) إحقاق الحقّ / ج ٤ / ص ٢٦، و ص ١٤٩.

٢٣٥

وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام: ـ

(مَن لزمنا لزمناه، ومن فارقَنا فارقناه) (١) .

وفي حديث الزيارة الجامعة المباركة: ـ

(فاز مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِم مَن صدّقكم، وهُدي من اعتصم بكم) (٢) .

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا ملازمتهم، ويديم لنا موالاتهم، ويمنّ علينا بالجنّة معهم كما في بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(من أحبَّ أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتولّ عليّاً بعدي، فإنّه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ردى) (٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة / ج ١٨ / ص / ب / ح.

(٢) عيون الأخبار / ج ٢ / ص ٢٧٧.

(٣) أمالي الشيخ الطوسي / ج ٢ / ص ١٠٧.

٢٣٦

(٢٠)

ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع

الرفض هو الترك، والردّ، وعدم القبول.

والبدَع: جمع بدعة، وهي اسمٌ من الابتداع بمعنى الإحداث والإختراع.

قال في المجمع: ـ (البدعة: بالكسر فالسكون: الحدثُ في الدِّين وما ليس له أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة.

وإنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها من نفسه) (١) .

وقال في المرآة: ـ (البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يَرد فيه نصٌّ على الخصوص، ولا كيون داخلاً في بعض المعلومات، أو ورد فيه نهيٌ عنه خصوصاً أو عموماً) (٢) .

ويؤيّده الحديث الشريف: ـ السُنّة ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والبدعة ما اُحدث من بعده) (٣) .

__________________

(١) مجمع البحرين / ص ٣٧٠.

(٢) مرآة الأنوار / ص ٧٨.

(٣) بحار الأنوار / ج ٢ / ص ٢٦٦.

٢٣٧

وعُرّفت في الاصطلاح الفقهي بأنّها هي: ـ

(إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، نظير إدخال التكتّف في الصلاة.

ومثله إخراج ما ثبت في الدٍّين من الدِّين، نظير إسقاط حيَّ على خير العمل من الأذان).

وقد حدثت هذه البِدَع المذمومة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بواسطة الغاصبين والظالمين والمنحرفين.

وقد ذكر السيّد الجليل شرف الدِّين أعلى الله مقامه في كتابه الخاصّ بذلك (النصّ والاجتهاد) ٧١ مورداً من بدع الغاصبين، منها: ـ

١ ـ غصب نحلة الزهراء عليها السلام، وبدعتهم أنّ الرسول لم يورّث، وهذه بدعة الأوّل والثاني.

٢ ـ قتل مانعي الزكاة بما جناه خالد بن الوليد في مالك بن نويرة، وهذه بدعة الأوّل.

٣ ـ تحريم متعة الحجّ، ومتعة النساء، وهذه كانت من قِبَل الثاني.

٤ ـ إسقاط طواف النساء من الحجّ.

٥ ـ إسقاط (حيّ على خير العمل) من الأذان.

٦ ـ إدخال الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الصبح.

٧ ـ تشريع الطلاق ثلاثاً مؤبّداً في مجلسٍ واحد.

٨ ـ تشريع صلاة التراويح.

٩ ـ حكم الثاني بسقوط الصلاة عند فقدان الماء.

١٠ ـ تقديم الثالث رأيه على نصوص الكتاب والسنّة، كإتمامه الصلاة في السفر، وإعطاءه الخمس لغير بني هاشم، بل للطريد مروان بن الحكم (١) .

__________________

(١) لاحظ للاستقصاء كتاب الغدير / ج ٦ / فصل نوادر الأثر، خصوصاً الصفحات: ـ ٨٣، ١٠٨، ١٨٧، ٢٨٢، ٢٩٤.

٢٣٨

هذه هي البدع المبتدعة التي يأتي بيان فسادها وذمّها في الأحاديث الشريفة.

وفي هذا الدعاء الشريف يُطلب من الله تعالى التكميل برفض أهل البدع، وتركهم، وعدم القبول منهم.

أي واكمل لي ذلك برفض أهل البدع.

  قوله عليه السلام: ـ (ومستعملي الرأي المخترع) عطفٌ على أهل البدَع، أي واكمل لي ذلك برفض مستعملي الرأي المخترع.

ومستعملي الرأي المخترع هم الذين اخترعوا رأياً من عند أنفسهم، وبناقص عقولهم، ثمّ عملوا به وأفتوا على طبقه، كاختراع القياس في الدِّين.

والرأي المخترع قسمٌ من البدعة، لأنّه إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، خصّص بالذمّ، وأكّد بالردع.

ومذموميّة البدعة واختراع الرأي ممّا تظافرت به الأدلّة المعتبرة، والأحاديث الشريفة.

فتكون صفةً مذمومة منافية للتقوى والصلاح، فيلزم تركها، والابتعاد عنها في سبيل تحصيل التقوى، وتزيين الصالحين.

وممّا ورد في ذمّ البدعة والرأي المخترّع: ـ

١ / حديث الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: ـ

(كلّ بدعة ضلال، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار) (١).

٢ / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله) (٢) .

__________________

(١) اُصول الكافي / ج ١ / ص ٤٥.

(٢) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٢٧٨.

٢٣٩

٣ / حديث أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

(من مشى إلى صاحب بدعةٍ فوقّره، فقد مشى في هدم الإسلام) (١) .

٤ / حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

(من أحدث في الإسلام، أو آوى مُحدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (٢) .

٥ / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس، فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلّا بُعداً، وإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول) (٣) .

وعليه فالبدعة وإحداث الرأي المخترَع من الضلال والباطل، وقد ارتكب أشنعه أهل الخلاف كما ذكر شيٌ منها في الفصل الثالث من كتابنا: شيعة أهل البيت عليهم السلام.

فقد حكى الزمخشري عن يوسف بن أسباط أنّه قال: ردّ أبو حنيفة على النبيّ أربعمائة حديث...

قيل: مثل ماذا؟

قال: مثل هذا: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «للفرس سهمان».

وقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن (٤) .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وآله البُدن.

__________________

(١) عقاب الأعمال / ص ٣٠٧.

(٢) مستدرك الوسائل / ج ١٢ / ص ٣٢٢.

(٣) اُصول الكافي / ج ١ / ص ٥٦ / ح ٧. وفي الحديث ٢٠ (أوّل من قاس إبليس).

(٤) يردّه أنّ سهمي الفرس من غنائم الحرب يكون لنفس الفارس، لعنائه، وتكلّفه مؤونة فرسه، ومأكله واصطبله، لا لنفس الفرس حتّى يكون سهماً للبهيمة كما توهّم.

٢٤٠

241

242

243