فضائل وأفضليّات فاطميّة
من اللّطف الإلهي
أنّ الله تعالى بعظمته وجلاله يخاطب عباده على مدى الزمان منذُ بَدء الخليقة، يدعوهم إلى أسباب السعادة والنجاة، ويقدّم لهم الدلائل والبراهين على لسان الوحي تارة، وعلى لسان النبوّات تارةً أخرى، ويُهيّئ لهمُ الشرائع لما فيها طهارتهم من الأرجاس، ونقاؤهم من الموبقات والأدناس، ويؤكّد عليهم ويُذكّرهم، ويُرغّبهم حيناً ويُرهّبهم حيناً آخَر، كلّ ذلك ليدفع بهم إلى جنّات رحمته ولطفه وكرامته.
وكان لله جلّ وعلا على عباده نِعَمٌ عظمى لا تُعَدّ ولا تُتَصوَّر، جاء أعظمها وأشرفها وأهداها وأكرمها متمّثلاً بمحمّدٍ وآل محمّد صلواتُ الله عليه وعليهم، فقدّمهم إلى عباده أنوارَ هداية، وتجليّاتِ لطفٍ وعناية، فدعا إلى ولايتهم، وولايتهم تعني الإخلاصَ في محبّتهم ومودّتهم وطاعتهم، والاقتداءَ بهم دونَ غيرهم. ولكي يتيسّر ذلك للناس عقلاً وقلباً، بيّن الله تبارك وتعالى كثيراً من خصائصهم وفضائلهم ومناقبهم، بل وهدى إلى أفضليّاتهم، جاء ذلك مرّةً على لسان الكتاب العزيز، ومرّةً أخرى على لسان النبيّ الكريم. وقد تناقلت تلك المعالي ألسنةُ الرواة وألسنة الأقلام، وتدرّج ذِكرُ آل الله في الأجيال وما يزال، يُطبّق الآفاق ويُشرق في القراطيس والوقائع، كراماتٍ لا تُنكر، ومعاجزَ في كلّ حقلٍ تُذاع وتُنشَر، حُجّةً بالغةً على العالمين.
وكان من تلك المعالي المقدّسة فضائل الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلّى الله عليه وآله، جاءت بيّنةً نيّرةً تُفصح للعقول والنفوس والضمائر أنّ أهل البيت عليهم السلام لا يُقاس بِهِم أحد، وأنّهم الأسمى والأعلى.. لا يَلحَقُهم لاحق، ولا يفوقُهم فائق، ولا يسبقهم سابق، ولا يطمع في إدراكهم طامع.
مِن المصاديق البيّنَة
• عن الإمام الرضا، عن آبائه عليه وعليهم السلام: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « الحسنُ والحسين خيرُ أهلِ الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمُّهما أفضلُ نساءِ أهل الأرض » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 62:2 / ح 252 ـ الباب 31 ـ عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 19:43 / ح 5 ).
• وفيما قاله النبيّ صلّى الله عليه وآله للإمام عليّ عليه السلام: « يا عليّ، إنّ الله عزّوجلّ أشرَفَ على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثانيةَ فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثمّ اطّلع الثالثة فاختار الأئمّةَ مِن وُلْدِك على رجال العالمين بعدك، ثمّ اطّلع الرابعة فاختارَ فاطمةَ على نساء العالمين » ( الخصال للشيخ الصدوق:206 ـ 207 / ح 25 ـ باب الأربعة، عنه: بحار الأنوار 26:43 / ح 24، تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي:30، نهج الإيمان لابن جبر:228 ـ بتفاوت ).
• ومن كلام للإمام موسى الكاظم عليه السلام مع هارون العباسي في خبر طويل بلغ قصّة مريم: « إنَّ اللهَ آصْطفاكِ وطَهَّركِ وآصطفاكِ على نساءِ العالمين » [ سورة آل عمران:42 ] بالمسيح مِن غير بَشَر. وكذلك اصطفى ربُّنا فاطمةَ وطهّرَها وفَضّلَها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيّدَي شبابِ أهل الجنّة » ( تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّاني:404 ـ عنه: بحار الأنوار 242:10 ).
• وعن ابن عبّاس قال: سألتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقّى آدم مِن ربّه فتاب عليه، فقال: « سأله بحقِّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبتَ علَيّ، فتاب اللهُ عليه » ( معاني الأخبار للشيخ الصدوق:125، تفسير فرات الكوفي:13، أمالي الصدوق:70 / ح 2 ـ المجلس 18، إرشاد القلوب للديلمي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي 47:2، وغيرها كثير ).
• وفي ( المناقب المرتضويّة:46 ـ ط بمبئي الهند ) كتب المير محمّد صالح الكشفي: أورد ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) أنّ القرطبيّ روى عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « وَعَدَني ربّي أنّ مَن أقرّ بِوَحدانيّتي ونُبوّةِ محمّد وبولايةِ عليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين، أن لا يُعذّبَه في القيامة ».
• ورُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « خيرُ هذه الأُمّة مِن بعدي عليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين، مَن قال غيرَ هذا فعَليهِ لعنةُ الله! » ( رسالة الاعتقاد:295 ـ من المخطوط لأبي بكر مؤمن الشيرازي ت 388 هـ ).
• وعن عبدالله بن عمر بن الخطّاب: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « خيرُ رجالكم عليُّ بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخيرُ نسائِكم فاطمةُ بنت محمّد » ( المناقب المرتضوية للكشفي:117 ـ بمبئي، مفتاح النجا للبدخشي:16 ـ من المخطوط، راموز الأحاديث للحنف النقشبندي الخالدي:281 ـ ط قشلة همايون بالآستانة تركيا ).
• وعن عبدالله بن عبّاس: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أفضلُ رجال العالمين في زماني هذا عليّ وأفضلُ العالمين مِن نساء الأوّلين والآخِرين فاطمة » ( المناقب المرتضويّة:113 ـ ط بمبئي ).
• وفي ( مقتل الحسين عليه السلام:96 ـ ط الغري ) روى مؤلّفه الحنفيّ المذهب أبو المؤيد الموفّق بن أحمد الخوارزمي ( ت 568 هـ ) عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « ما مَرَرتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي بشيءٍ مِن ملكوت السماء وعلى شيءٍ مِن ملكوت الحُجُب فوقَها إلاّ وجدتُها مشحونةً بِكِرام ملائكة الله تعالى، يُناجُونني: هنيئاً لك يا محمّد؛ فقد أُعطِيتَ ما لم يُعطَه أحَدٌ قَبلَك ولا يُعطاه أحدٌ بعدَك، أُعطِيتَ عليَّ بن أبي طالبٍ أخاً، وفاطمةَ زوجتَه آبنةً، والحسنَ والحسين أولاداً، ومُحبّيهم شيعةً. يا محمّد، إنّك أفضلُ النبيّين، وعليّاً أفضلُ الوصيّين، وفاطمة سيّدةُ نساء العالمين، والحسن والحسين أكرمُ مَن دَخَل الجِنانَ مِن أولاد المرسَلين، وشيعتُهم أفضل مَن تَضَمّنَتْه عرصاتُ القيامة، واشتملت عليه غُرَفُ الجِنان وقصورها ومنتزهاتها، فلم يزالوا يقولون ذلك في مَصعَدي ومَرجِعي، فلولا أنّ الله حجَبَ عنهم آذان الثقلَين لم يَبقَ أحدٌ إلاّ سَمِعهم ».
• وجاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « لَمّا أُسريَ بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنّة مكتوباً بالذهب: لا إله إلاّ الله، محمّدٌ حبيب الله، عليٌّ وليّ الله، فاطمةُ أَمَة الله، الحسنُ والحسين صفوة الله، على مُبغضيهم لعنةُ الله! » ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي:108 ـ ط الغري، ميزان الاعتدال للذهبي 217:2 ـ ط القاهرة، كفاية الطالب للگنجي الشافعي:276، الجواهر السَّنيّة في الأحاديث القدسيّة للحرّ العاملي:299، وغيرها كثير ).
• وعن عبدالله بن عبّاس رفعه إلى النبيّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « عليكم بِعليّ؛ فإنّ الشمس عن يمينه، والقمر عن يساره ». قال ابن عبّاس: قلنا: يا رسولَ الله، وما هُما ؟! قال: « الحسنُ والحسين، أبوهما ضياءُ الدنيا، وأمُّهما بدرُ الدُّجى » ( ينابيع المودّة لذوي القُربى، للشيخ سليمان القندوزي الحنفي:260 ـ ط إسلامبول، و ج 2 ص 324 / ح 938 ـ المودّة الثانية عشر من الباب 56، ط دار الأسوة ـ إيران، تحقيق السيّد علي أشرف الحسيني ).
• وسأل بُزلُ الهدوي الحسينَ بن روح ( السفير الثالث للإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى ): كم بنات رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قال: أربع، فقال: أيّتهُنّ أفضل ؟ قال: فاطمة عليها السلام، قال: ولِمَ صارت أفضلَ وكانت أصغرَهُنّ سنّاً وأقلَّهنّ صُحبةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قال: قال لخَصلتَينِ خصّها اللهُ بهما: أنّها وَرِثَت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، ونسلُ رسول الله صلّى الله عليه وآله منها. ( الغَيبة للطوسي:388، مناقب آل ابي طالب لابن شهرآشوب 105:3 ـ عنه: بحار الأنوار 37:43 / ح 40 ).