الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 77773
تحميل: 4794

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77773 / تحميل: 4794
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كالبدوي فقال: يا رسول الله إنّ قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام وكنت حدّثتهم إن أسلموا أتاهم الرّزق وأصابتهم سنة وشدّة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا؛ فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت. فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليّا فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء. قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمّد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: لا يا يهودي، ولكنّي أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا يسمي حائط بني فلان قلت: نعم. فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا فأعطاها الرّجل فقال: أعجل عليهم وأعنهم بها. قال زيد بن سعنة: فلمّا كان قبل محلّ الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: ألا تقضيني يا محمّد حقّي؟ فو الله ما علمتكم يا بني عبد المطّلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثمّ رماني ببصره وقال: يا عدوّ الله! تقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فو الذي بعثه بالحقّ لو لا ما أحاذر قوّته لضربت بسيفي رأسك، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسّم ثمّ قال: يا عمر، أنا وهو كنّا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التّباعة. اذهب يا عمر فأعطه حقّه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته)(1) .

أقول:

قول النبيرضي‌الله‌عنه رعته صريح في أنّ عمر عنّف الرّجل بمحضره الشّريف، وهذا أمر غير مقبول، ولو كان مقبولا لما نزل قرآن يقول( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ ) ، غير أنّ عمر لم يلتفت إلى هذه الآية أبدا، وقد بقي يقدم بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى كان ما كان في رزية الخميس. والمغزى الثاني يستشفّ من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنا وهو

____________________

(1) الأحاديث الطوال، الطبراني ص 23.

١٤١

كنّا أحوج إلى غير هذا) وهذا يعني أنّ عمر جانب الصواب وتسكّع في الخطإ! ثمّ انظر إليه يقول: (لضربت بسيفي رأسك) وسائل نفسك أين كان هذا السّيف يوم أحد ويوم خيبر ويوم حنين ويوم الأحزاب؟!!

وفي تفسير الزمخشري: كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لثقيف: لا يعشرون ولا يحشرون فقالوا: ولا يجبون. فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قالوا للكاتب: اكتب: ولا يجبون، والكاتب ينظر إلى رسول الله فقام عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فسلّ سيفه وقال: أسعرتم قلب نبيّنا يا معشر ثقيف أسعر الله قلوبكم نارا! فقالوا: لسنا نكلّم إيّاك، إنّما نكلّم محمّد!. فنزلت( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (1) .

أقول:

وأنت ترى كيف تعاملوا معه ببرود بعد أن سلّ سيفه لعلمهم أنّ سيفه وسيفا من خشب بمنزلة واحدة. وقالوا له ببساطة ووضوح: (لسنا نكلّم إيّاك)، لأنّ ثقافة الكرسيّ لم تكن يومها قد أحاطت به تلك الهالة! ثمّ ما أسهل سلّ السيوف خارج ميدان الحرب!

قال ابن عاشور: وفي كلام عمر بن الخطّاب في صحيح البخاريّ أنّه قال للنّسوة اللاتي كنّ بحضرة النّبيّ فلمّا دخل عمر ابتدرن الحجاب لما رأينه يا عدوّات أنفسهن(2) .

وفي حديث عمر بن الخطّاب أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أن يعطيه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ فإذا جاءني شيء قضيته، فقال عمر: يا رسول الله ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول عمر. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا. فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرف في وجهه البشر لقول الأنصاري ثمّ قال: بهذا أمرت. رواه الترمذي في كتاب الشمائل(3) .

____________________

(1) الكشاف، الزمخشري، ج 1 ص 692 والتفسير الكبير، الرازي، ج 21 ص 17.

(2) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 1005.

(3) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 4430.

١٤٢

أقول:

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يبيّن للنّاس ما كلّفهم الله تعالى وما لم يكلّفهم، لأنّه أعلم بذلك، وليس لهم أن يبيّنوا له شيئا، لأنّهم بين يديه بمنزلة الأعمى بين يدي البصير. لكنّ عمر لا يكتفي بالتدخّل في ما لا يعنيه مع الآخرين، بل يسمح لنفسه أن يشير على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لا يليق، وذلك واضح في قول الراوي فكره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول عمر. وهذه الواقعة دليل على بعد عمر بن الخطّاب من الكرم والسّخاء. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا أمرت يعني أنه خلاف ما ذهب إليه عمر بن الخطاب المحدّث، فيبدو أن خطّ الاتصال هذه المرة كان منقطعا، فانتهزها الشيطان وقذف على سان عمر ما قذف.

وفي معجم الطبراني عن نافع عن ابن عمر عن عمررضي‌الله‌عنه أنّه قال: يا أيّها النّاس اتّهموا الرّأي على الدّين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيي اجتهاد فو الله ما آلو عن الحقّ وذلك يوم أبي جندل والكتاب بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل مكّة فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا ترانا قد صدّقناك بما تقول؟ ولكنّك تكتب باسمك اللّهمّ، فرضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيت حت قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تراني أرضى وتأبى أنت؟ قال: فرضيت(1) .

أقول:

تأمّل قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تراني أرضى وتأبى أنت) يتبيّن لك أنّ الرجل يتصرّف وكأن له وصاية على الإسلام، بل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا، وإلاّ فأي معنى لاعتراضه بعد أن رضي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن هو؟ ومن الذي أذن الله أن يتكلم باسم المسلمين ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي يرزق في هذه الدنيا؟

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر إذ نهى النّساء عن البكاء: دعهنّ يا عمر، فإنّ النّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب.

____________________

(1) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 72 رقم 82.

١٤٣

أقول:

انظر كيف يتصرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون استئذان(1) . وفي قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (النّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب) إشارة إلى أن عمر غافل عن الإحساس بهذه الأمور، ولهذا هجم فيما بعد على بيت فاطمة عليها السلام والنّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب!

قال ابن حبان: فلما طلع (سعد بن معاذ) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه. قال عمر: سيدنا الله! قال أنزلوه فأنزلوه فقال له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احكم فيهم قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتقسم أموالهم. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله(2) .

أقول:

إنّما قال عمر سيدنا حسدا لسعد بن معاذ، فإنّ سيادة يشهد بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مدفوعة، وقول عمر سيدنا الله يوهم أنّ غير الله لا يوصف بالسّيادة وهو اعتقاد غير صحيح بدليل قوله تعالى:( وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصّالِحِينَ ) (3) وقوله تعالى( وَأَلْفَيَا سَيّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) (4) . على أنّهم نسبوا إلى عمر قوله (أبوبكر سيّدنا أعتق بلالا سيدنا)(5) . فكيف ينفرد الله تعالى بالسيادة حينما تنسب السيادة إلى سعد بن معاذ ثم يشاركه فيها أبوبكر وبلال وصاحب القولين واحد؟! لكن الذي لا شك فيه هو أنّ عمر بن الخطاب لم تطب نفسه للأنصار يوما من الأيام ولا أدلّ على ذلك من قصة غلامه والغلام الأنصاري والهتاف المفرّق يومها حتى تدخّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه وقال قولته الشّهيرة: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)؟!

____________________

(1) الاستذكار، ج 3 ص 71.

(2) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 500.

(3) آل عمران: 39.

(4) يوسف: 25.

(5) سير أعلام النبلاء الذهبي ج 1 ص 349 والرياض النضرة محب الدين الطبري ج 2 ص 24 والصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي ج 1 ص 196.

١٤٤

قال السيوطي: وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أنّ الأقرع بن حابس قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبوبكر: يا رسول الله استعمله على قومه! فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله! فتكلّما عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلاّ خلافي، قال: ما أردت خلافك! فنزلت هذه الآية( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ ) (1) فكان عمر بعد ذلك إذا تكلّم عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه.

أقول:

بل رفع صوته يوم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لى فراش الموت بقوله (غلبه الوجع) و (إنّه يهجر) على رواية أخرى، وقد تفنّن المدافعون عنه في محاولة التبرير والتوجيه، واختاروا أن يكونوا في صفّه على أن يكونوا في صف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

وعن نافع يعنى ابن عمر عن بن أبي مليكة قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه يعنى قوله تعالى( لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ ) (2) .

قال ابن كثير: ثمّ أتى [عمر] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أو لسنا مسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام تعطي الدّنيّة في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيّعني؛ وكان عمررضي‌الله‌عنه يقول: ما زلت أصوم وأتصدّق وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافةكلامي الذي تكلّمته يومئذ حتّى رجوت أن يكون خيرا(3) .

أقول:

هذا اعتراف منه أنّه كان يومها على خطإ لكنّه - مع بالغ الأسف - بقي يخالف

____________________

(1) الحجرات: 2.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 4 تحت رقم 16151.

(3) البداية والنهاية، ج 4 ص 168.

١٤٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته كما خالفه بعد وفاته، وخرج من الدّنيا مصرّا على مخالفته!

وتعجّب عمر من فصاحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: يا رسول الله مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفّظنيها فحفظتها(1) .

أقول:

أين عمر بن الخطّاب من تدبّر قوله تعالى( وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) ؟ وما أيسر لغة إسماعيل في جنب ما علّم تعالى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى النسائي وفي خصائص أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان لنفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما: سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ. فتكلّم في ذلك النّاس، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ، وقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته ولكنّي أمرت فاتّبعته(2) .

أقول:

ما معنى تكلّم الناس؟ ومن هؤلاء الناس الذين تكلموا؟ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه قائلكم صريح في أنّ أفعاله وتصرّفاته التي يفترض أنّها أقسام السّنّة (القول والفعل والتّقرير) كانت محلّ انتقاد بعض الصّحابة، فمن هم بالذّات؟ الرّواية لا تسمّيهم بأسمائهم، لكنّ القرائن المنفصلة تشخّصهم لكلّ من تتّبع سيرة من كثرت اعتراضاتهم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يردّ عليهم ويخطّئهم، ويبيّن لهم وجه الخطإ، ومع ذلك فقد استمرّوا في انتقاد تصرّفاته بدليل قول قائلهم أو قائليهم في تأميره أسامة بن زيد على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار، وهناك أيضا خرج

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق ج 53 ص 103 والخصائص الكبرى ج 1 ص 108 وج 2 ص 308 جزء ابن غطريف ج 1 ص 94 والشمائل الشريفة ج 1 ص 45.

(2) خصائص أمير المؤمنين، ص 73.

١٤٦

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجرّ رجليه إلى المسجد وخطب فيهم وخطّأهم في ما ذهبوا إليه، ولكن ما تغني الآيات والنّذر...

أشرف أبو سفيان (يوم أحد) فقال(1) : أفي القوم محمّد؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجيبوه فقال: أفي القومابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه فقال: أفي القومابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك قال أبو سفيان: أعل هبل...(2) .

أقول:

قوله لم يملك عمر نفسه يعني غلبته نفسه وهذا يعني أنّ رصيده في جهاد النفس قريب من الصّفر خصوصا بعد أن قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجيبوه ولا خلاف بين المسلمين في وجوب العمل بقوله تعالى( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) فعمر بن الخطاب في المقام مخالف لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نماذج من اعتراضات عمر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اعتراضات عمر بن الخطّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة، اعترض عليه في حياته، وخالفه بعد وفاته، ويبقى المسلم متحيّرا في مبرّرات تلك الاعتراضات؛ هل كان عمر بن الخطاب شريكا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رسالته؟ هل كان لعمر بن الخطاب اتّصال بالسّماء أقوى من اتّصال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ هل كان عمر أحرص على الإسلام والمسلمين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قول الله تعالى( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ

____________________

(1) صحيح البخاريّ ج 4 ص 1486.

(2) وقد ورد بخصوص هذه القصّة ما يخالف ما جاء في البخاريّ وذلك في المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 324: فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل أعل هبل أعل هبل! يعني آلهته. أينبن أبي كبشة أين بن أبي قحافة أين بن الخطّاب فقال عمر يا رسول الله ألا أجيبه قال: بلى فلما قال أعل هبل قال عمر: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: يا ابن الخطّاب، إنّه يوم الصّمت. فعاد فقال: أين ابن كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين بن الخطّاب؟ فقال عمر: هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر! فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول والحرب سجال. فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النّار. قال: إنّكم لتزمون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا. ثمّ قال أبو سفيان: أما إنّكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا. ثم أدركته حميّة الجاهليّة فقال: أما إنه إذا كان ذلك لم نكرهه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

١٤٧

عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) ؟ ومن حقّ الباحث المسلم - أو الباحث غير المسلم إن كان الإسلام يحرّم البحث في أحوال عمر - أقول: من حقّه أن يتوقّف عند هذا ويتأمّل. ومع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغضب من تصرّفات عمر ويخطّئه في تلك الوقائع والأحداث إلاّ أنّ عمر تمادى في الاعتراضات حتى آخر لحظة من عمر النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكأنّه لم يقرأ قوله تعالى( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ ) ولا قوله تعالى( مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (1) ولا قوله تعالى( فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (2) ولا قوله تعالى( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (3) وآيات كثيرة في هذا الباب؛ لابدّ أنّ عمر بن الخطّاب قرأها ولو مرّة، لكنّ الذي لا شكّ فيه أنّه لم يتدبّر الآيات ولم يفهم معانيها. ولو أنّه فهمها لأثمر ذلك الفهم طاع بدل المخالفة، وانقيادا بدل الاعتراض، وتسليما تامّا بدل الجدال.

ولم يترك عمر مخالفته للنبي بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهذا القوشجيّ الحنفيّ يذكر في شرح التّجريد في مبحث الإمامة ما نصّه أنّ عمر قال وهو على المنبر: أيّها النّاس ثلاث كنّ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ: متعة النّساء. ومتعة الحجّ. وحيّ على خير العمل. ثمّ راح القوشجيّ يبرّر فعل عمر ويلتمس له العذر إذ يعتبره في ذلك مجتهدا فقال: إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع(4) .

يقول القوشجي: (مخالفة المجتهد لمثله)! وإذا، فرسول الله وعمر مثلان! هذا رأي متكلّمين من أهل القبلة في رجلين أحدهما بشّرت به الأنبياء والكتب السماوية(5) ،

____________________

(1) النساء: 80.

(2) النور: 63.

(3) الأحزاب: 36.

(4) شرح تجريد الاعتقاد، القوشجي، ص 484.

(5) في قوله تعالى:( إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِنَ الشّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلّى‏ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (آل عمران 81 - 82).

١٤٨

والثاني عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، يقولون عنهما (مثلان)!

وروى البخاريّ في صحيحه عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال: لما اشتدّ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده قال عمر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلبه الوجع [!](1) وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللّغط قال: قوموا عنّى ولا ينبغي عندي التّنازع فخرج ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه الكتاب(2) .

وفي رواية بكى ابن عبّاس حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه فقال: أتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي التّنازع فقالوا: هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (3) .

أقول:

من هم الذين قالوا؟ وهل يجوزلهم أن يقولوا مثل هذا؟ ولماذا لم يردّ عليهم أحد؟

قال ابن إسحاق: وحدّثني الزّهري، قال حدّثني أنس بن مالك قال: لمّا بويع أبوبكر في السّقيفة وكان الغد، جلس أبوبكر على المنبر، فقام عمر فتكلّم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ممّا وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّي قد كنت أرى [!] أن رسول الله سيدبّر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإنّ الله قد أبقى في كم كتاب الذي به هدى الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإنّ الله قد جمع أمركم على خيركم(4) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثاني اثنين إذ هما في

____________________

(1) ما دخل الوجع بعد قوله تعالى:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ، وهل يريد عمر أن يقول: إن الوجع بلغ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث لم يعد يدري ما يقول؟

(2) صحيح البخاري، ج 1 ص 36 - 37 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

(3) صحيح البخاريّ، ج 5 ص 137. ورواه مسلم أيضا في كتاب الوصية - باب ترك الوصية.

(4) هذا كلام باطل بدليل قول جبريل لرسول الله في تبليغ براءةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك، فلو كان أبوبكر خير الناس بعد رسول الله لما قال جبريل ذلك القول؛ فأبو بكر ليس من رسول الله فضلا عن أن يكون أفضل =

١٤٩

الغار فقوموا فبايعوه، فبايع النّاس أبابكر بيعة العامّة، بعد بيعة السّقيفة(1) .

أقول: إذا كان عمر يرى أن رسول الله سيدبّر أمرهم، فلماذا يقول: (حسبنا كتاب الله)، ما معنى (حسبنا كتاب الله) حين يكون رسول الله بين أظهرهم يدبّر أمرهم؟!

قال ابن كثير: وروى الإمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جدّه قال: كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ من نفسي! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه). فقال عمر: فأنت الآن والله أحبّ إلي من نفسي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الآن يا عمر)(2) .

نفس عمر أحبّ إليه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أصبح أحبّ إليه من نفسه فكيف طابت نفسه بالفرار عنه في المعارك وتركه بين أيدي الأعداء؟! وانظر إلى قولهم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب يتبين لك بعد مكرهم في ما يرومون من اختلاق حميمية تمكّنهم من التّلاعب بمشاعر النّاس. ولنفرض أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل في ذلك المقام (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)، هل كان عمر بن الخطاب و غير رأيه ويقول: (بل أنت أحب إلي من نفسي يا رسول الله)؟

وههنا عبارة لابن حزم تستحقّ أن يتوقّف عندها الباحثون، فإنّه ذكر رواية يصعب العثور عليها في أيّامنا، ولأنّ الراوي موثّق عند غير ابن حزم فإنّ المرء يبقى متحيذرا في المسألة. قال ابن حزم: وأمّا حديث حذيفة فساقط لأنّه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنّه قد روى أخبارا فيها أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاصرضي‌الله‌عنه أراوا قتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلقاءه من العقبة

____________________

= الخلق بعده!

(1) سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ابن هشام الحميري، ج 4 ص 1074.

(2) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 159.

١٥٠

في تبوك وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى واضعه فسقط التعلق به(1) .

والكلام حول الرواية أين ذهبت، لأنّها كانت موجودة على عهد ابن حزم، وليس رواية واحدة، فإنّه يقول روى أخبارا!

وقد ختم عمر بن الخطاب سيرته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيء يخالف قوله فأنت الآن والله أحبّ إلي مننفسي. فعن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى سمعنا صوت المساحي من جوف اللّيل ليلة الأربعاء، وصلّى عليه علي والعبّاسرضي‌الله‌عنه وبنو هاشم، ثم خرجوا ثم دخل المهاجرون ثم الأنصار ثمّ النّاس يصلّون عليه(2) . والمتتبع للروايات التي تتحدث عن دفنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجد أثرا لعمر بن الخطاب، فأين كان عمر؟ وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليه من نفسه فكيف غاب عن دفنه؟

مع أهل البيت عليهم السلام

قال أبو الفداء: فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدّار فلقيته فاطمة وقالت: (غلى أين يا ابن الخطّاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟). قال: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمّة! فخرج عليّ حتّى أتى أبابكر فبايعه. كذا نقله القاضي جمال الدّين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربّه المغربيّ(3) .

أقول: ابن عبد ربّه المغربيّ (الأندلسي) صاحب منظومة في تاريخ الخلفاء حذف فيها من قائمة الخلفاء الرّاشدين علي بن أبي طالب عليه السلام وجعل مكانه معاوية(4) ، فهل

____________________

(1) المحلى، ابن حزم، ج 11 ص 224.

(2) سنن البيقهي الكبرى ج 3 ص 409 ومصنف ابن أبي شيبة ج 3 ص 32 ومسند إسحاق بن راهويه، ج 2 ص 429 ومسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 62 وج 6 ص 274 والتمهيد لابن عبد البر، ج 24 ص 396 والتمهيد لابن عبد البر ج 24 ص 401 وشرح الزرقاني ج 2 ص 93 والاستيعاب، ج 1 ص 47 والطبقات الكبرى، ج 2 ص 305 ونصب الراية، ج 2 ص 305 والمبدع ج 2 ص 271 والاستذكار، ج 3 ص 56 وشرح معاني الآثار ج 1 ص 514 ونيل الأوطار ج 4 ص 137 وتاريخ الطبري ج 2 ص 239.

(3) تاريخ أبي الفداء، ج 18 ص 87.

(4) قال المقري التلمساني في ترجمة خلف بن فتح الجبيريّ: (وعليه نزل القاضي منذر بن سعيد بطرطوشة وهو يومئذ يتولى القضاء في الثغور الشّرقيّة قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة فأنزله في بيته الذي كان يسكنه فكان إذا تفرّغ نظر في كتاب أبي على يديه كتاب فيه أرجوزة ابن عبد ربّه يذكر فيها الخلفاء ويجعل معاوية رابعهم ولم يذكر عليّا فيهم ثمّ وصل ذلك بذكر الخلفاء من بني مروان إلى عبد الرحمن بن محمد فلما رأى =

١٥١

يتوقّع منه غير أن يدخل في القصّة ما ليس منها ويدّعي أنّ عليّا عليه السلام بايع أبابكر؟ 1

قال ابن قتيبة في ترجمة عقيل ابن أبي طالب: له دار بالبقيع واسعة كثيرة الأهل، وكان عقيل قذف رجلا من قريش فحدّه عمر بن الخطّاب(1) .

أقول:

من هو الرجل من قريش الذي قذفه عقيل بن أبي طالب؟

معلوم أنّ عقيلا كان نسّابة، عالما بأنساب العرب وقريش خاصّة وهذا ما يسمح له أن يميّز الصريح من اللّصيق، فلا عجب أن تكون لديه قوائم!!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السديّ في قوله تعالى( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ .. ) الآية قال: غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما من الأيّام فقام خطيبا فقال: سلوني فإنّكم لا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به فقام غليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة - وكان يطعن فيه - فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك فلا فدعاه لأبيه. وقام إليه عمر فقبّل رجله [!] وقال: يا رسول الله، رضينا بالله ربّا، وبك نبيّا، وبالقرآن إماما، فاعف عنّا عفا الله عنك؛ فلم يزل به حتّى رضي. فيومئذ قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر وأنزل عليه( قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِن قَبْلِكُمْ ) (2) .

أقول: يوما يقبّل رجله ويوما يلبّبه بتلابيبه! وتلك الأمثال نضربها للناس..، وهو تصرّف عجيب من عمر بن الخطّاب، ومن حقّ كل من يطّلع على هذا الخبر أن يتساءل عن مسارعة عمر إلى تقبيل رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! هل كان عمر يخشى أن يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا يتعلّق بعمر ممّا لا يحبّ عمر أن يطّلع عليه النّاس؟ ولعلّ ذلك ما تشير إليه القصّة كما وردت في مصنّف ابن أبي شيبة فقد ذكر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: سلوني،

____________________

= ذلك منذر غضب وسبّ ابن عبد ربّه وكتب في حاشية الكتاب:

أو ما عليّ - لا برحت ملعّنا - يا ابن الخبيثة عندكم بإمام

ربّ الكساء وخير آل محمّد داني الولاء مقدّم الإسلام

قال أبو عبيد والأبيات بخطّه في حاشية كتاب أبي إلى السّاعة. (نفح الطيب المقري، ج 2 ص 984).

(1) المعارف، ابن قتيبة، ص 204.

(2) الدر المنثور، ج 3 ص 205.

١٥٢

فو الله لا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به؛ قال فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أفي الجنّة أنا أم في النّار؟ قال: لا، بل في النّار. قال: فقام إليه آخر فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة. قال فقام إليه آخر فقال: أعلينا الحجّ في كل عام؟ قال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لهلكتم. قال فقام عمر بن الخطّاب فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولا. يا رسول الله، كنّا حديثي عهد بجاهليّة، فلا تبد سوءاتنا ولا تفضحنا لسرائرنا، واعف عنّا عفا الله عنك قال فسري عنه(1) .

لكنّ ابن أبي شيبة حذف من القصّة تقبيل رجل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما حذف غيره عبارة سوءاتنا، ومثل هذا كثير في تراثنا الذّهبي، تراث ثقافة الكرسي.

ثمّ ههنا كلام وهو أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم: (فإنّكم لا تسألونني عن شيء إلاّ أنبأتكم به) فلماذا لم يسألوه عن الخليفة الشّرعيّ من بعده؟! أم أنّ هذه القضيّة لم تكن مهمّة في نظرهم؟!

وعن أمّ الفضل أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام ليلة بمكّة فقال: هل بلّغت؟ يقولها ثلاثا، فقام عمر بن الخطّاب - وكان أوّاها - فقال: اللّهمّ نعم، وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر(2) .

وكان بين عمر بن الخطّاب وبين العبّاس قول فأسرع إليه العبّاس، فجاء عمر النّبيّ فقال: يا نبيّ الله، ألم تر عبّاسا فعل بي وفعل بي، فأردت أن أجيبه فذكرت مكانه منك فكففت عنه! فقال: يرحمك الله إنّ عمّ الرجل صنو أبيه(3) .

أقول: قد عرف العبّاس برجاحة العقل والتّأنّي والتّروّي كما عرف عمر بالتّسرّع والغلظة والجفاء؛ فإن كان عمر صادقا في عرفانه مكان العبّاس من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما باله لم يعرف مكان فاطمة عليها السلام يوم هجم على بيتها وهدّد بتحريق البيت عليها؟! وما باله

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 323.

(2) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 203.

(3) تفسير الصنعاني، ج 2 ص 331.

١٥٣

لم يعرف مكان علي عليه السلام أيضا؟! وليس العبّاس أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهما. وليت عمر شرح ما حصل بدل قوله: (ألم تر عبّاسا فعل بي وفعل بي)، اللّهم إلا أن يكون الإبهام والتّعتيم من الرّواة. ثمّ لا يخفى على القارئ ما في كلام عمر من المنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولعلّ ما حدث في هذه القصّة سبّب موقف عمر من العباس في ما بعد يوم جاءه يكلّمه عن البحرين(1) .

قال النّحّاس (بخصوص صلح الحديبية): وفيه من المشكل أنّه قاضاهم على أنّه من جاءه منهم مسلما ردّه إليهم، حتى نفر جماعة من الصّحابة من هذا منهم عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه حتّى ثبّته أبوبكررضي‌الله‌عنه ؛ وتكلّم العلماء في هذا الفعل، فمنهم من قال فعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا لقلّة أصحابه وكثرة المشركين وأنّه أراد أن يشتغل بغير قريش حتى يقوى أصحابه(2) .

أقول: لا يسلّم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لم يفهم قوله تعالى( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (3) . وما أكبر حرج عمر في الواقعة السّابقة ووقائع أخرى!.

وعن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطّاب قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلّى عليه، فلما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثبت إليه فقلت: يا رسول تصلّي على ابن أبيّ وقد قام يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ أعدّد عليه فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال أخّر عنّى يا عمر؛ فلمّا أكثرت عليه قال: إنّي قد خيّرت فاخترت فلو علمت أنّى لو زدت على السّبعين غفر له لزدت عليها؛ فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انصرف؛ فلم يمكث إلاّ يسيرا حتى نزلت الآيتان من

____________________

(1) في طبقات ابن سعد الكبرى، ج 4 ص 22: عن أبي جعفر محمد بن علي أن العباس جاء إلى عمر فقال له: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقطعني البحرين. قال: من يعلم ذلك؟ قال: المغيرة بن شعبة. فجاء به فشهد له، قال لم يمض له عمر ذلك كأنّه لم يقبل شهادته، فأغلظ العبّاس لعمر؛ فقال عمر: يا عبد الله خذ بيد أبيك! وقال سفيان عن غير عمرو: قال عمر والله يا أبا الفضل لأنا بإسلامك كنت أسرّ منّي بإسلام الخطاب لو أسلم لمرضاة رسول الله.

(2) الناسخ والمنسوخ، النحاس، ج 1 ص 732.

(3) النساء: 65.

١٥٤

براءة( وَلاَ تُصَلّ عَلَى‏ أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلاَتَقُمْ عَلَى‏ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (1) ، فعجبت بعد من جرأتي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ(2) .

وعن سالم بن عبيد الأشجعيّ قال: لما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من أجزع النّاس كلّهم عليه عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه .

أقول: لأجل ذلك لم يحضر لا غسله ولا دفنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! ولم يمنعه جزعه عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهجم على بيت ابنته فاطمة عليها السلام ويهدّد بتحريقه بالنّار!

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول أرسل إليّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمال فرددته، فلمّا جئته به قال ما حملك أن تردّ ما أرسلت به إليك؟ قال قلت: يا رسول الله أليس قد أخبرتنا أن خيرا لك ألاّ تأخذ من النّاس؟ قال: إنّما ذاك أن تسأل النّاس، وما جاءك من غير مسألة فإنّما رزق رزقه الله(3) .

أقول:

يتردّد هذا السؤال دائما في حوار عمر بن الخطّاب مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (أليس قد قلت لنا؟ أليس قد قلت لنا؟ ومن يسمع هذا يتصوّر أنّه من دقّة عمر في اتّباع أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونواهيه، والأمر على خلاف ذلك تماما. فإنّ الله تعالى أمر عمر بن الخطّاب وغيره من المسلمين أن يطيعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون أي قيد أو شرط ولم يفعل أكثرهم ذلك. ونهاه الله تعالى في سورة الحجرات أن يقدّم بين يدي الله ورسوله، ومع ذلك بقي يعترض على النبي حتى آخر عمره الشّريف ن كما مرّ بك في قصّة رزيّة الخميس التي منع فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة كتاب يضمن للمسلمين ألاّ يضلّوا أبدا! وأمره الله تعالى بمودّة قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستبدل المودّة بالإرهاب وهدّد بتحريق أفضل بيت على الأرض. ونهاه الله تعالى أن يكون في صدره حرج مما يقضي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك

____________________

(1) التوبة: 84.

(2) سنن النسائي، ج 4 ص 67 و 68.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 4 ص 446 رقم 21975 وكنز العمال ج 6 ص 198 والتمهيد لابن عبد البر ج 4 ص 105 والتمهيد لابن عبد البر ج 5 ص 85 وشعب الإيمان ج 3 ص 280.

١٥٥

كان الحرج ظاهرا في أقواله وأفعاله. وأمور أخرى كثيرة.

قالوا: ثمّ قال [النبي] أشيروا عليّ، فقال عمر بن الخطّاب يا رسول الله، إنّها قريش وعزّها! والله ما ذلّت منذ عزّت ولا آمنت منذ كفرت! والله لتقاتلنّك فتأهّب لذلك أهبته وأعدد له عدّته(1) !.

أقول:

يأتي التّعليق على هذا وأمثاله لاحقا في فصل شجاعة عمر.

قال أنس: مرّت بعمر بن الخطّاب جارية متقنعة فعلاها بالدّرّة وقال: يا لكاع، أتتشبهين بالحرائر؟ ألقي القناع(2) .

أقول: أين الضّرر في أن تتقنّع جارية؟! وهل العفّة محصورة في الحرائر؟ وهل تستحقّ الجارية أن يعلوها بالدّرّة لمجرّد أنّها تقنّعت؟ كان يكفيه أن يقول لها: ألقي القناع، وتفهم إن لم تكن صمّاء! فما الحاجة إلى الضرب؟ إضافة غلى ما تشعر به فتاة تضرب أمام الرّجال.

قالوا: أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلى حاطب فأتاه فقال: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاّ وله بمكّة من يمنع عشيرته(3) ، وكنت غريبا في هم، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يدا! وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئا! فصدّقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعذره. فقام عمر بن الخطّاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطّلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم(4) .

____________________

(1) تاريخ الإسلام ج 2 ص 106 ودلائل النبوّة ج 3 ص 107 والدرّ المنثور ج 4 ص 20.

(2) تفسير البغوي، ج 1 ص 376.

(3) هذا يعارض قول عمر السابق (وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني).

(4) تفسير البغوي، ج 1 ص 91.

١٥٦

وهذه قصة تبين بوضوح الفرق الكبير بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر بن الخطاب في معالجة الأزمات السياسية والاجتماعية؛ قالوا:

فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحهم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين! فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه في هم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال قد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منه الأذل ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله وذلك عند فراغ رسول الله من غزوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن وقش فليقتله فقال رسول الله فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي إلى رسول الله حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله من أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على عبد الله بن أبي ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله أو ما بلغك ما قال صاحبكم قال فاي صاحب يا رسول الله قال عبد الله بن أبي قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدية اخرج الأعز منها الأذل قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز

١٥٧

ثم قال: يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى انك قد استلبته ملكا. ثم مشى رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء فلما راح رسول الله هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود وكهفا للمنافقين قد مات ذلك اليوم فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أبي بن سلول ومن كان معه على مثل أمره فقال إذا جاءك المنافقون فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله بأذن زيد فقال هذا الذي أوفى الله بأذنه وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أبيه [حدثنا ابن حميد..] أن عبد الله بن عبد الله بن أبي أتى رسول الله فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي في ما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني وإني أخشى أن تأمر به غيره في قتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر بأدخل النار فقال رسول الله بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا. وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قمه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه ويتوعدونه فقال رسول الله لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم: كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم أمرتني بقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته قال فقال عمر قد والله علمت لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم بركة من أمري(1) .

أقول: هذا الكلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكشف عن قصور عمر بن الخطاب في

____________________

(1) تفسير الطبري ج 28 ص 115 وزاد المسير ج 8 ص 271 وفتح الباري ج 8 ص 650.

١٥٨

سياسة الرعية، فإنّه لا يفكّر إلا في ضرب العنق، مع أنه في حالة الحرب أبعد الناس من ضرب الأعناق أو الأذناب، وهذا أمر جدير بالتّأمّل. وقد قال عمر كما في آخر القصة: (قد والله علمت لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم بركة من أمري)! فإذا كان صادقا في ذلك فلماذا لم يستفد من بركة أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم رزية الخميس، ولماذا جبهه بتلك الكلمة التي لا تزال تفرّق المسلمين جيلا بعد جيل، فزعم أنّ حسبه ومن معه كتاب الله، وكأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجنبي عن كتاب الله، وكأنّ رسول الله يريد أن يخلط بكتاب الله ما يعارضه! وكأنه هو أعلم بكتاب الله من رسول الله الذي أنزل عليه!

شجاعة عمر

قالوا: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفّان فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته(1) .

أقول:

هذا عمر يخاف على نفسه من القتل وهو الذي قال: والله لو أمرنا الله قتل أنفسنا لفعلنا!. وانظر إلى قوله: أدلّك وكأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حاجة إلى دلالته. والعجيب أنّهم رووا أنّه في هجرته إلى المدينة هاجر نهارا متحدّيا قريشا!

وفي المستدرك: اقبل عليّرضي‌الله‌عنه نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجهه يتهلّل فقال عمر بن الخطّاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خيرا منها؟ فقال: ضربته فاتّقاني بسوءته،

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 324 والسيرة الحلبية ج 2 ص 700 والسيرة النبوية ج 4 ص 282 والبداية والنهاية ج 4 ص 167 وتاريخ الطبري ج 2 ص 121 ومعتصر المختصر ج 2 ص 369 وشرح مشكل الآثار، ج 14 ص 478، والاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والخلفاء، ج 2 ص 176 وتفسير الطبري، ج 26 ص 86، وتفسير ابن كثير، ج 4 ص 197، وتفسير البغوي، ج 4 ص 193، وتفسير الثعلبي، ج 9 ص 47.

١٥٩

واستحييت ابن عمّي أن أستلبه. وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق(1) .

أقول: وأنت ترى الفارق بين الهمّتين، همّة رجل مشغول بالدّفاع عن دين الله تعالى فلا يلتفت إلى حطام الدّنيا، وهمّة رجل مشغول بدرع لم يقاتل عليها! وفي جواب الإمام علي عليه السلام درس تربويّ عالي المضامين.

وقال [عمر]: فما زلت أضرب الناس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام(2) .

إذا فهو يضرب ويضرب، وهذا شأن كل واحد في الدّفاع عن نفسه، لا يتميّز فيه عمر بن الخطّاب عن غيره، ولم نسمع أنّ رجلا ضرب عليّا أو حمزة عليهما السّلام؛ فأين إعزاز الله الإسلام بعمر؟!

موقف عمر من المتحيّزين

عن سفيان بن عوف قال بعثني أبو عبيدة بن الجراح ليلة غدا من حمص إلى أرض دمشق فقال: أئت عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين وأبلغه مني السّلام، وأخبره بما قد رأيت وعاينت، وبما قد حدّثتنا العيون، وبما استقرّ عندك من كثرة العدوّ والذي رأى المسلمون من الرأي من التنحي؛ وكتب معه: بسم الله الرحمن الرحيم.. فذكر الكتاب. قال سفيان بن عوف: فلمّا أتيت عمر فسلّمت عليه قال: أخبرني بخبر النّاس؛ فأخبرته بصلاحهم ودفع الله عزّ وجل عنهم، قال فأخذ الكتاب فقال لي: ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت: أصلحك الله خرجت من عندهم ليلا بحمص وتركتهم وهم يقولون نصلّي الصّبح ونرتحل إلى دمشق، وقد أجمع رأيهم على ذلك؛ قال فكأنّه كرهه ورأيت ذلك في وجهه، فقال لي: وما رجوعهم عن عوهم وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن! وما تركهم أرضا قد حووها وفتحها الله عليهم فصارت في أيديهم؟! إنّي لأخاف أن يكونوا قد أساءوا الرّأي وجاءوا بالعجز وجرّوا عليهم العدوّ. قال فقلت له:

____________________

(1) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 33.

(2) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 33.

١٦٠