الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 77756
تحميل: 4793

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77756 / تحميل: 4793
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطّاب أنه مرّ من مقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم مقام خليل ربّنا؟ قال: بلى قال: أفلا نتخذه مصلّى فلم نلبث إلا يسيرا حتى نزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)(1) .

قال: (وما كان لنبي..) الآية روى أحمد وغيره عن أنس قال استشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقال أبوبكر: نري أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله (لو لا كتاب من الله سبق) الآية.

ههنا إعراض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمر، والذين يجعلون هذا من الموافقات لا يفقهون كلام الله تعالى، فإنّه سبحانه عزّ وجلّ يقول (وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم) ولم يقل وما كان الله ليعذّبهم وعمر فيهم!.

أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن بن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وقال بن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطّاب إلا نزل القرآن على نحو مما قال عمر(2) .

قلت: نعم؛ ابن عمر يروي في فضائل أبيه عمر، ويجرّ النّار إلى قرصه، وعندنا في المغرب العربي مثل يقول: لا يمدح العروس إلا أمّها أو فمها!).

ورووا أنّ عمر بن الخطّاب شتمه أعرابيّ من المشركين فشتمه عمر وهمّ بقتله فكاد أن يثير فتنة فنزلت هذه الآية (قل للذين آمنوا يغفروا...)(3) .

أقول: حتّى حين يشتم عمر ينزل قرآن يؤيّده.

____________________

(1) لباب النقول، في أسباب النزول، السيوطي، ج 1 ص 17.

(2) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 318 تحت رقم 6895.

(3) تفسير مقاتل بن سليمان، ج 2 ص 261 وتفسير السمعاني ج 3 ص 249 وتفسير البغوي ج 3 ص 119 وتفسير النسفي ج 4 ص 130 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج 3 ص 464 وتفسير العز بن عبد السلام، ج 2 ص 221 وتفسير القرطبي ن ج 10 ص 276 وتفسير القرطبي ج 16 ص 156 وتفسير البيضاوي، ج 5 ص 170 والتحرير والتنوير، ج 1 ص 2470.

٢٨١

وقال مجاهد: (وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن)(1) .

قال مقاتل والزجاج: (كان عمر عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أنزلت عليه هذه الآية فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هكذا أنزلت عليّ)؛ فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

وعن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: (كان عمر بن الخطّاب يقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجب نساءك، قالت فلم يفعل، قالت وكان أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع؛ فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر وهو في المسجد فقال: قد عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت فانزل الله عزوجل الحجاب(3) .

أقول: وكأن نزول القرآن الكريم قضية إلحاح وإصرار!

قال ابن حجر: وقد كان عمر يعدّ نزول آية الحجاب من موافقاته(4) .

وقال ابن تيمية: (وليس في أولياء هذه الأمّة من يأخذ عن الله سبحانه شيئا بلا واسطة نبيّ أفضل من عمر، ومع هذا فكلّ ما يرد عليه بدون واسطة النبيّ عليه أن يعتبره بما جاء به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه ردّه، كما كان عمر بن الخطّاب يفعل فإنّه كان إذا وقع له شيء وجاءت السنّة بخلافه ترك ما عنده لما جاءت به السنّة حت كانت المرأة إذا نازعته فيما قاله بآية من كتاب الله ترك ما رآه لما دلّ عليه النّص، وهذا هو الواجب عليه وعلى كل من آمن بالله ورسوله؛ فإنّ ما جاء به الرّسول معصوم أن يستقرّ فيه خطأ قد فرض الله على خلقه تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وأمّا ما يرد على قلوب الأولياء فليس معصوما وليس عليهم تصديقه بل وليس لهم العمل بشيء منه إذا خالف الكتاب والسنة(5) .

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 290.

(2) تفسير السمرقندي، ج 2 ص 476..

(3) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 271 تحت رقم 26374.

(4) فتح الباري ج 1 ص 249.

(5) الصفدية، ابن تيمية، ج 1 ص 253.

٢٨٢

مواقف متناقضة

كثرت تناقضات عمر بن الخطاب في الفتوى وغيرها حتى قال الإمام علي عليه السلام في حقه: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس أن من يكون خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون أشبه الناس به هديا، وهو ما لم يوفق إليه عمر، فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتناقض، لا في أقواله ولا في أفعاله، وكان عمر بن الخطّاب على خلاف ذلك تماما. بل يمكن أن يقال إن النّسبة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر بن الخطّاب هي النّسبة بين المتوازيين لا يلتقيان أبدا؛ وهذه نماذج من تلك التّناقضات التي وقع فيها الخليفة ولم يراجع عنها حتى خرج من الدنيا.

عن إسماعيل عن قيس قال رأيت عمر بن الخطّاب وهو يجلس والنّاس معه وبيده جريدة وهو يقول: (أيّها النّاس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه يقول إنّي لم آلكم نصحا. قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصّحيفة التي فيها استخلاف عمر)(2)

هذا في ما يخصّ كتاب أبي بكر، لكن موقفه من كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على خلاف ذلك تماما، علما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحى إليه وأبوبكر لا يوحى إليه.

قال القرطبيّ وفي البخاريّ عن عبد الله بن عبّاس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فينزل على ابن أخيه الحر بن قيس بت حصن وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا الحديث وقد مضى في آخر الأعراف وفي صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحرث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملته على أهل الوادي؟ فقال:

____________________

(1) نهج البلاغة، ج 1 ص 30 - 31.

(2) تاريخ الطبري ج 2 ص 618.

٢٨٣

ابن أبزى فقال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى! قال: إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين(1) .

أقول: تناقض عمر ههنا في كونه كان ينوي أن يستخلف سالم مولى أبي حذيفة - وهو مولى - على كلّ المسبلمين، وهو هنا يتعجّب من استخلاف مولى على أهل مكّة خاصة!

وروى البغويّ عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ أبا هريرة قال: لما توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب فقال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلاّ الله عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقّه وحسابه على الله)؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصّلاة والزّكاة فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلاّ أن قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق(2) .

أقول هذا اعتقاد عمر: إذا شرح صدر أبي بكر لشيء فهو الحقّ، أمّا حينما ينشرح صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو يهجر والعياذ بالله تعالى.

وعن النّعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاجّ وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما فزجرهم عمر بن الخطّاب وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهويوم الجمعة ولكن إذا صلّيت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله عزوجل: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) إلى قوله: (والله لا يهدي القوم

____________________

(1) تفسير القرطبي، ج 17 ص 251.

(2) تفسير البغوي، ج 1 ص 16.

٢٨٤

الظالمين).(1)

أقول: عمر بن الخطاب ينهى النّاس عن رفع الصّوت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنه لا يلتزم بذلك، ولا يبالي أن يرفع الصّوت عند رسول الله نفسه في آخر حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

وعن الزّهري أنّ عمر بن الخطّاب قال: إن وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم(2) .

أقول: لكنّ عمر تعلّل في دفع الخلافة عن عليّ عليه السلام بقوله: (والله لو وليها لانتقضت عليه من أقطار الأرض)! وكان أولى به ألا تأخذه في الله لومة لائم.

قال الآلوسي: وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنه قال: لو وجدت فيه (أي الحرم) قاتل الخطّاب ما مسسته حتى يخرج منه(3) .

هذا كلام فيه نطر فإن المسلمين يرون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ولم يرع حرمة فاطمة عليها السلام يوم السّقيفة، وبيتها أعظم حرمة من الكعبة، لأنّه كان يؤوي أربعة مطهّرين بنصّ الكتاب العزيز، وعمر بن الخطّاب نفسه يصلّي عليهم يوميّا في كلّ صلواته حين يقول (اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد).

وأخرج عبد بنحميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد فقال: هم العاكفون(4) .

هذا رأي عمر في من ينام في المسجد، ومن يطالع كتب الفقه الإسلامي يجد فيها كلاما مخالفا لما يذهب إليه عمر.

وقد ردّ عمر كثيرا مما حكم به أبوبكر كما هو معلوم في شأن السّبي وغيره، بل ذهب إلى الطعن في نفس خلافة أبي بكر فقال عنها (فلتة).

____________________

(1) تفسير البغوي، ج 1 ص 22.

(2) التاريخ الكبير، البخاري، ج 4 ص 19 وتاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 22 ص 317. والدر المنثور، السيوطي، ج 3 ص 104.

(3) روح المعاني، الآلوسي، ج 4 ص 6.

(4) فتح القدير، الشوكاني، ج 1 ص 221.

٢٨٥

قال عمر بعد أن طعن: (إن أقام هؤلاء النفر الستة أكثر من ثلاثة أيام لم ينصبوا لهم رجلا منهم ويسمعوا له ويطيعوا فاضربوا أعناقهم. وإن اختلفوا وأجمع منهم ثلاثة ولم يجمع معهم الباقون، فاضربوا أعناق الثّلاثة الذين ليس فيهم عبد الرّحمن بن عوف. وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان فاضربوا أعناق الاثنين)!!

ذلك ما قاله بعدما شهد للستة المعنيين بالإيمان، وأشعر في كلامه أنّهم أفضل من الباقين، وهو ما اعتمدت عليه مدرسة الخلفاء في ترتيب الأفضليّة. وذكر عمر فيما ذكر أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي وهو عنهم راض! فهل يحلّ قتل من توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنه راض؟ ومن أين جاء عمر بالأجل (ثلاثة أيام)؟ ولو فرضنا أنّهم لم يصلوا إلى نتيجة في ثلاثة أيّام، ولو فرضنا أن النّزاع بينهم طال أكثر من ثلاثة أيّام، أكان أبو طلحة يضرب رؤوسهم؟ وهل كان يحلّ له ذلك؟ ولو فرضنا أنّه ضرب أعناقهم، ما يكون حكمهم عند الله تعالى وفي المقتولين خمسة من أهل بدر ومن المبشّرين بالجنّة؟!

أقول: في رأيي أنّ تلك كانت مسرحيّة لتمرير المؤامرة بسلام، فإنّ عبد الرّحمن بن عوف كان أمين سرّ عمر، وكان كثير الخلوات به، وكان متزوّجا من ثلاث نسوة من بني أميّة. وحينما أغمي على أبي بكر أثناء كتابة الوصيّة (وأذكّر أنّه لم يسمح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته الوصيّة) كتب عثمان بن عفان من تلقاء نفسه (إنّي استخلفت عليكم عمر...) فهل كان عثمان يقرأ في قلب أبي بكر؟

رأي عمر في من يستحق الولاية

ولعمر بن الخطّاب أيضا كلام في هذا المعنى رواه ابن عساكر عن عثمان بن مقسم قال: قال المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال بلى! قال: عبد الله بن عمر. قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فاكفّنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أولّيه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(1) .

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 31 ص 178.

٢٨٦

عمر يعلم بخاتمة عثمان

قال ابن أبي الحديد: ثم أقبل (عمر) على عثمان، فقال: هيها إليك! كأنّي بك قد قلّد تك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك، فحملت بني أميّة وبنى أبى معيط على رقاب النّاس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا. والله لئن فعلوا لتفعلنّ، ولئن فعلت ليفعلنّ، ثمّ أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن. ذكر هذا الخبر كلّه شيخنا أبو عثمان في كتاب السّفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، وذكر ابو عثمان في هذا الكتاب عقب رواية هذا الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التّيميّ عن أبيه عن سعيد بن المسيّب عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر ابن الخطّاب يقول لأهل الشورى: إنّكم إن تعاونتم وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام(1) !

أقول: انظر إلى قوله: (كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر) يتبيّن لك أنّ قريشا لم تكن تنظر إلى الخلافة أنّها مسألة شرعيّة ومنصب إلهيّ، وإنّما كانت تراها قضيّة قرشيّة بحتة، ولقريش ان تولّي من تشاء، وأنت تعلم أنّ قريشا قد حاربت الإسلام بكل ما أوتيت، ولم تدخل فيه إلاّ مكرهة بعد فتح مكّة، فمن أين صارت الخلافة قضيّة قرشيّة؟!! وأمّا عبارة الأئمّة من قريش التي يرفعونها ورقة فيتو كلّما جرى حديث عن الخلافة فهي محرّفة تعارضها أحاديث متواترة منها حديث الغدير وحديث الثّقلين. والأئمّة من عترة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة لا ينازعهم إلا هالك، ولو كان عمر بن الخطّاب يعتقد فعلا أنّ الأئمّة من قريش لما قال أمام النّاس (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته)! لكنها السّياسة، والسّذّج من المسلمين يعزون الكلام السّابق وما جرى مجراه إلى فراسة عمر وينسون دوره في حياكته!.

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 186.

٢٨٧

اعتراف عمر بحق علي عليه السلام في الخلافة

عن ابن عباس: قال كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطّلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر، فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما الأمر منّا دون النّاس! فقال إليكم يا بني عبد المطلب أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب! فتأخّرت وتقدّم هنيهة فقال: سر لا سرت، وقال: أعد عليّ كلامك، فقلت: إنّما ذكرت شيئا فرددت عليك جوابه ولو سكتّ سكتنا؛ فقال: إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها! قال: فأردت أن أقول كان رسول الله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ن أفتستصغره أنت وصاحبك؟ فقال: لا جرم فكيف ترى، والله ما نقطع أمرا دونه ولا نعمل شيئا حت نستأذنه(1) .

وعن محمّد بن كعب عن ابن عمر قال: قال عمر لأصحاب الشورى: لله درهم لو ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ وإن حمل علي عنقه بالسّيف قال: فقلت تعلم ذلك منه ولا تولّيه؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني(2) ...

مواقف محرجة

قال الحسن بن عليّ يوما لعمر بن الخطّاب: (انزل عن منبر أبي)، فقال عمر: (هذا منبر أبيك)(3) .

وقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب كان يكبّر في قبّته فيكبّر أهل السّوق بتكبيره حتى ترتج منى تكبيرا(4) .

____________________

(1) محاضرات الأدباء، الراغب الأصفهاني، ج 2 ص 495 و 496.

(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 101 تحت رقم 4526.

(3) ترجمة عليّ من تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 4 ص 321.

(4) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 143.

٢٨٨

أقول: يرفع صوته بالتّكبير وينهى غيره عن ذلك.

قال ابن كثير في ذكر قصة وفد نصارى نجران: فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا فإنّكم عندنا رضا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائتوني العشيّة أبعث معكم القويّ الأمين فكان عمر بن الخطّاب يقول: ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها! فرحت إلى الظّهر مهجرا فلمّا صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظّهر سلّم ثمّ نظر عن يمينه وشماله فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح فدعاه فقال: (أخرج معهم فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه) قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة)(1) .

أقول: هذا عمر بن الخطّاب يشهد على نفسه بحبّ الإمارة يومها، ويوم خيبر أيضا يقول: (ما أحببت الإمارة إلا يومئذ) فما أكثر التّناقض في كلام عمر مع شهادته على نفسه بحبّ الإمارة، وقد رووا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّا والله لا نولّي هذا الأمر من يحبّه أو من يحرص عليه) فعمر في نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحقّ أن يكون على النّاس، لأنّه يحبّ الإمارة ويحرص عليها، وقد بلغ به حرصه عليها أن أراد تحريق البيت على المطهّرين بنص الكتاب العزيز!..

قال ابن عاشور: أمّا قول عمر بن الخطّاب لا ندع كتاب الله وسنّة نبيّنا لقول امرأة أحفظت أم نسيت. فهو دحض لرواية فاطمة ابنة قيس... فلا تكون معارضة لآية حتى يصار إلى الجمع بالتّخصيص والتّرخيص(2) .

ههنا يقول عمر: كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا، لكنّه يوم الرزيّة قال: حسبنا كتاب الله، وهذا معناه أنّ الاعتقاد بالكتاب والسنّة تابع للمصلحة عند عمر؛ فحينما تكون السنّة منطوية على خلاف ما يهوى عمر يهتف قائلا: حسبنا كتاب الله! ولا يبقى للسنّة مكان.

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 223.

(2) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 4454.

٢٨٩

وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطّاب قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله(1) .

تارة حسبنا كتاب الله، وتارة حسبنا السّنن!

قال الجصّاص: وروى معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثّقفيّ قال: شهدت عمر بن الخطّاب أشرك الإخوة من الأب والأمّ مع الإخوة من الأمّ في الثّلث فقال له رجل: قضيت عام أوّل بخلاف هذا. قال كيف قضيت؟ قال جعلته للأخوة من الأمّ ولم تعط الإخوة من الأب والأمّ شيئا! قال: (تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا)(2) .

أقول: على أيّ أساس كان القضاء الأوّل وعلى أيّ أساس كان القضاء الثّاني؟ أم أنّ الأمر فوضى؟ وكيف اختلف القضاء والموضوع واحد؟!

قال النّحّاس: ومما يحتج به لهذا القول ما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطّاب يقول لعجوز نصرانيّة: (أسلمي أيّتها العجوز تسلمي، إنّ الله بعث محمّدا بالحقّ). قالت العجوز: أنا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب. فقال عمر: اللهمّ اشهد! ثمّ قال: لا إكراه في الدّين(3) .

أقول: إذا كان (لا إكراه في الدين)، فلماذا هدّد عمر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريق بيتها عليها وعلى أولادها وزوجها؟ أفلا كانت عنده فاطمة عليها السّلام بمنزلة هذه العجوز النّصرانيّة فيعاملهما جميعا في ضوء (لا إكراه في الدّين)؟!).

____________________

(1) الدر المنثور ج 2 ص 153 والإتقان في علوم القرآن ج 2 ص 9 وسنن الدارمي ج 1 ص 62 وكنز العمال ج 1 ص 194 وكنز العمال ج 1 ص 196 والانتصار لأصحاب الحديث ج 1 ص 6 وتاريخ بغداد ج 14 ص 286 وقواعد التّحديث ج 1 ص 50 ومفتاح الجنّة ج 1 ص 59 والموافقات ج 4 ص 17 والفقيه والمتفقه ج 1 ص 560 واعتقاد أهل السنة ج 1 ص 123 وذم الكلام وأهله ج 2 ص 32 وجامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 123.

(2) أحكام القرآن للجصاص، ج 3 ص 24.

(3) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ج 1 ص 259.

٢٩٠

وروى ابن عساكر أنّ المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال: بلى! قال: عبد الله بن عمر؛ قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فأكفنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أوليّه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(1) .

فعلى فرض ضعف الحديث الذي رواه الحاكم وغيره، فإنّ لقول عمر عند من يأتمّ به شأن وأيّ شان! وهو عند العامّة (أهل السّنّة والجماعة) قطعا أفضل من معاوية بحيث لا وجه للمقايسة، وابنه عبد الله بن عمر أيضا أفضل من يزيد بن معاوية بحيث لا سبيل إلى المقايسة، ومع ذلك لم يرض عمر أن يولّي ابنه مع وجود من هو خير منه؛ لكنّه عيّن أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأمصار وهو ما سمح لهم بنشر ثقافة معادية لأهل البيت عليهم السلام، وقد تجلّت آثار ذلك فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين، وبشكل خاص في فاجعة كربلاء.

لماذا ولّى الطّلقاء على المسلمين في جميع الأمصار، والطّلقاء - قطعا - دون المهاجرين والأنصار؟! وهو القائل على ما نقله ابن تيمية في مجموع فتاواه) من ولي من أمر المسلمين شيئا فولّى رجلا لمودّة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين)(2) . وسيأتي لاحقا أنه هو نفسه ولّى قدامة بن مظعون لقرابته لا غير، وندم على ذلك وقال بصريح العبارة) لم يبارك لي فيه).

وقال المغيرة بن شعبة أخبرنا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رسالة ربّنا من قتل منّا صار إلى الجنّة. قال عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟! قال بلى(3) .

أقول: ويوم أحد أيضا كان قتلانا في الجنّة وقتلى المشركين في النّار فما بال عمر يفضل الفرار بنفسه وترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء على الثّبات في وجه الأعداء؟! وهل هناك دنية أكبر من الفرار من الزّحف بعد تجاوز الأربعين من العمر؟!

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر - ج 31 ص 178.

(2) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 28، ص 247.

(3) صحيح البخاريّ، ج 3 ص 1037. باب الجنة تحت بارقة السيوف.

٢٩١

قال ابن عبد البرّ في ترجمة أبي بكرة: (وكان من فضلاء الصّحابة، وهو الذي شهد على لمغيرة بن شعبة فبتّ الشّهادة، وجلده عمر حدّ القذف إذ لم تتمّ الشّهادة ثمّ قال له عمر: تب تقبل شهادتك. فقال له: إنّما تستتيبني لتقبل شهادتي؟ قال: أجل. قال: لا جرم، إنّي لا أشهد بين اثنين أبدا ما بقيت في الدّنيا)(1) .

أقول: إذا كان عمر يعتقد أنّ أبا بكرة لم يكذب على المغيرة بن شعبة في شهادته عليه بالزّنّا فكيف يطلب منه أن يكذب نفسه؟ وفي أيّ دين يطلب من الصّادق أن يكذب نفسه؟! وقد تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيحرص على العدالة الشّكلية التي لا علاقة لها بالتّقوى والورع، تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيتخلّى عن عدالته الحقيقيّة مقابل عدالة تمضيها الدّولة، فطلب منه أن يكذب نفسه، وكان جواب أبي بكرة قاسيا حيث أعلمه أنّ الشّهادة ليست مهمّة عنده، وأنه لا يهمّه أن تكذّبه السّلطة الحاكمة طالما هو صادق عند الله تعالى. وقد أصرّ أبو بكرة على موقفه هذا إلى درجة أن سجّله في وصيّته وهو يودّع الدنيا، فشهد أن المغيرة زنى بجارية بني فلان، وأن عمر فرح حين درأ الحدّ عنه. ولو كان أبو بكرة شاكّا في أمر المغيرة لما كتبه في وصيّته، فقد ذكروا أنّه كان مثل النصل من العبادة(2) ، ولا يعقل أن يتعمّد عابد بذاك المستوى ختم عمره بقذف رجل بريء. وأمّا فيما يخصّ الشّهادة التي لم تتمّ، فينبغي أن يقال أنّ عمر بن الخطّاب منع من إتمامها حين لقّن الشاهد الرّابع من طرف خفيّ، وقد ظهر ذلك الشّاهد فيما بعد على حقيقته مجرما سفّاحا لا أثر للرّحمة في قلبه. وقد دفع ثمن تفسيق مسلم لحماية فاجر فشهد على أمّه سميّة بالزّنا وعلى أبيه بالدّياثة(3) .

قال الزّبير: حدّثني محمّد بن سلام قال: أرسل عمر بن الخطّاب إلى الشّفّاء بنت عبد الله العدويّة أن أغدي عليّ. قالت: فغدوت عليه فوجدت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ببابه فدخلنا فتحدّثنا ساعة فدعا بنمط فأعطاها إيّاه ودعا بنمط دونه فأعطانيه قالت: فقلت تربت يداك يا عمر أنا قبلها إسلاما وأنا بنت عمّك دونها وأرسلت إليّ

____________________

(1) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج 1 ص 514.

(2) قال ابن عبد البر: أبي أبو بكرة أن يتوب، وكان مثل النصل من العبادة حتى مات. الاستيعاب ج 1 ص 514.

(3) الشّاهد الرّابع هو زياد بن سعيد الرّومي الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان بأبيه، لكنّ المسلمين أبوا أن يدخلوا مع معاوية في إثمه وقالوا: (زياد بن أبيه).

٢٩٢

وجاءتك من قبل نفسها! فقال: ما كنت رفعت ذلك إلاّ لك، فلما اجتمعتما ذكرت أنّها أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك(1) .

أقول: هل كانت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة عليه السلام، ومع ذلك فقد بالغ في أذاها حتّى خرجت من الدّنيا ساخطة عليه؟!).

قال ابن حبّان: ثمّ اعتمر عمر وساق معه عشر بدنات ونحرها في منحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه من الصّحابة عبادة بن الصّامت، وأبو ذرّ، وأبو أيّوب، وشدّاد بن أوس، وكان نافع بن عبد الحارث عامله على مكّة فتلقّاه نافع فقال عمر: من خلّف على أهل الوادي فقال: ابن رجل من الموالي. قال عمر: أمولى أيضا؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّه قارئ للقرآن عالم بالفرائض. فقال عمر: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين(2) .

أقول: لماذا يتعجّب عمر من تولية نافع رجلا من الموالي على أهل الوادي وهو نفسه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته؟ كيف يتعجّب من تولية مولى على محلّة ولا يتعجّب من تولية مولى على المسلمين كافّة؟!

وذكر ابن حبّان أيضا أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنما أتخوّف أحد رجلين إمّا رجل يرى أنّه أحقّ بالملك من صاحبه فيقاتله أو رجل يتأوّل القرآن. في كتاب الله الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا معه، ولو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي فقد قرأناها بكتاب الله(3) .

ألم يقل عمر (إذا وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم)(4) ، فما باله يبالي بلوم

____________________

(1) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج 1 ص 606.

(2) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 235.

(3) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 239.

(4) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج 4 ص 19.

٢٩٣

اللاّئمين ويخشى أقوالهم أن يقولوا زاد في كتاب الله.

قال ابن حبّان: أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى بكر فأذنت له، فقال عمر: أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السّلطان منّى! فإذا متّ فاغسلوني، فكفّنوني، ثمّ قفوا بي على بيت عائشة وقولوا: أيلج عمر؟ فان قالت نعم فأدخلوني، وإن أبت فادفنوني بالبقيع(1) .

أقول: يستأذن عند بيت عائشة إحدى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يستأذن عند بيت فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت خير الخلق أجمعين، وقد أمر في القرآن الكريم بمودة آل رسول الله لا بمودة آل أبي قحافة، والله سائله عن هذا التصرّف المتناقض، ولا يؤذن لأحد من أرباب التّبرير أن يدافع عنه يومها. والنقطة الأخرى هي أنّهم رووا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث، وبموجب ذلك حرموا فاطمة عليها السلام ميراثها، وإذا كان الأمر كذلك فمن أين حصلت عائشة على البيت؟! إن كان بالميراث فإن فاطمة أولى؛ وإن كان بالنحلة فلم أخذوا من فاطمة عليها السلام ماكان تحت يدها في حياة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وعلى فرض أن عائشة ورثت فإنها لا ترث إلا التسع من الثّمن، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي عن تسع نساء، والمرأة لا ترث إلا الثّمن مع وجود الولد كما هو مفصّل بدقّة في سورة النساء الشّريفة. وتبقى المسألة محلّ تدبّر.

قال ابن حزم: وقد جاء ما قلناه عن عمررضي‌الله‌عنه نصّا دون تأويل كما أنبأ عبد الله بن ربيع (...) عن بكير بن عبد الله بن الأشجّ أنّ عمر بن الخطّاب قال: (سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسّنن فإنّ أصحاب السّنة أعلم بكتاب الله عز وجل)(2) .

إذا فلماذا قال يوم الرّزيّة حسبنا كتاب الله وها هو ذا يرجع إلى السّنن؟ وهل السّنن إلاّ قول وفعل وتقرير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! ماذا يقول المدافعون عن عمر في هذا وأمثاله؟).

____________________

(1) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 240 وقريب منه في تاريخ الإسلام للذهبي، ج 1 ص 414.

(2) الإحكام، لابن حزم، ج 2 ص 257.

٢٩٤

في حديث ابن عمر عند بن أبي شيبة أنّ أبابكر مرّ بعمر وهو يقول: (ما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وكانوا اظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم فقال: أيّها الرّجل إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول إنك ميّت وإنّهم ميّتون، وقال تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد(1) .

إذا، لماذا يقول حسبنا كتاب الله؟! ما معنى حسبنا كتاب الله في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولماذا عسكر بالجرف ولم يبتعد عن المدينة حين كان في جيش أسامة؟! وأين كانت الملائكة التي تحدّثه عادة وتصوّب قوله وفعله مقابل قول وفعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!).

عن يعلى بن أميةرضي‌الله‌عنه قال طفت مع عمررضي‌الله‌عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال فهل رأيته يستلمه قلت لا قال ما بعد عنك فان لك في رسول الله أسوة حسنة(2) .

أقول: من يسمع هذا الكلام يتصوّر أنّ عمر بن الخطّاب كان مقتديا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ أقواله وأفعاله، متأسيا به في هديه، والحال غير ذلك، فإنّه كان يخالفه في حياته، وتوسّع في مخالفته بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفاصيل ذلك موزّعة في كتب الفرقين.

وعن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أن سليمان بن يسار أخبره أن التّوأمة بنت أميّة بن خلف طلّقت البتّة فجعلها عمر بن الخطّاب واحدة. قال وأخبرنا معمر وبن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر أن عمر بن الخطّاب سئل عن رجل طلّق امرأته البتّة فقال الواحدة تبتّ، راجع امرأتك فهي واحدة.

____________________

(1) فتح الباري، ابن حجر العسقلانيّ، ج 8 ص 146.

(2) سنن البيهقي الكبرى ج 5 ص 77 ومصنف عبد الرزاق ج 5 ص 45 ومسند أبي يعلى ج 1 ص 163 ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 37 ومجمع الزوائد ج 3 ص 240 وكنز العمال ج 5 ص 68 والمعرفة والتاريخ ج 2 ص 121 ومجمع الزوائد ج 3 ص 240 وإعلام الموقعين ج 2 ص 293 والدر المنثور، ج 6 ص 584 و أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 97 والأحاديث المختارة ج 1 ص 418 وج 1 ص 419.

٢٩٥

مرة يجعل الواحدة ثلاثا ومرة يجعل الثلاث واحدة!

قال أبو بكر: (من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات وقال: إنك ميت وإنهم ميتون فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبابكر قال: نعم قال عمر: هذا أبوبكر صاحب رسول الله في الغار وثاني اثنين فبايعوه فحينئذ بايعوه(1) !

وعن الحكم بن عتيبة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمر بن الخطّاب على الصدقة فأتى العباس يسأله صدقة ماله قال قد عجلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقة سنتين فرافعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدق عمّي قد تعجلنا منه صدقة سنتين(2) .

في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يثق في العباس!. قال أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر على السعاية فأتى العباس يطلب منه صدقة ماله فأغلظ له فأتى عليا فاستعان به على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تربت يداك أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه إن العباس، سلفنا زكاة العام عاما أول.

أقول:

هذا ما جرى بين عمر والعباس بن عبد المطلب، يوما يكذّبه ويوما يستسقي به!

قال نافع بن الحارث بخصوص قصة المغيرة: رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة. ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعا. فلما نظر إليه عمر قال: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته. وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال زياد: رايت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا. وما أدرى أخالطها أم لا؟ ويقال لم يشهد بشيء. فأمر عمر بالثّلاثة فجلدوا(3) .

____________________

(1) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 1 ص 155.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 377 تحت رقم 10098 وإرواء الغليل [ج 3 - ص 348] و الطبقات الكبرى [ج 4 - ص 26].

(3) فتوح البلدان، البلاذري ج 2 ص 423.

٢٩٦

يقول عمر: أرجو ألاّ يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته، فلماذا أخزى رجلا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمه أبو بكرة وجلده وسلبه عدالته وأبطل شهادته؟! ماذا يقول المنصفون في مثل هذا المقام من الكيل بمكيالين؟.

وعن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان عن عمه أنه سمع عمر بن الخطّاب يقول قيّدوا العلم بالكتاب(1) .

أقول:

وهذا عجيب منه وهو الذي منع من تدوين السنّة فبقي المسلمون إلى زمن متأخّر ليس لهم كتاب في حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

وعن إسماعيل بن خالد عن قيس أنّ عمر بن الخطّاب فرض لأهل بدر لقريبهم ومولاهم في خمسة آلاف خمسة آلاف وقال لأفضّلنّهم على من سواهم.

أقول:

ليته فضّل أهل بدر فيما هو أهمّ من ذلك، وأقصد به المناصب الحسّاسة التي تتعلق بمستقبل دولة الإسلام يومها؛ لكن الذي حصل هو العكس تماما، فقد عيّن عمر على البدريّين طلقاء لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية والعائلية والقبليّة، وقد بدت نتائج ذلك وآثاره فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين والانقسام الذي حصل بين المسلمين والذي لم يلتئم إلى يومنا هذا!

قالوا: فأرسل عمر إلى أبي ذر وإلى سلمان فقال لأبي ذر أنت سمعت هذا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال نعم والله وبعد الوادي واد آخر من نار قال وسأل سلمان فكره أن يخبر بشيء فقال عمر: من يأخذها بما فيها؟ فقال: أبو ذر من سلت الله أنفه وعينيه وأصدع خدّه إلى الأرض(3) .

____________________

(1) مصنّف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 313 تحت رقم 26427.

(2) المعروف أن كتاب موطأ مالك هو أقدم كتاب في الحديث النبوي.

(3) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 420 تحت رقم 32546.

٢٩٧

أقول: بعد هذا يجتهد في صرف الأمر عن عليّ عليه السلام حتّى وهو على فراش الموت. ويقول: لا أتحمّلها حيّا وميتا، وهو قد تحمّلها تمام التّحمّل لأنه حسم قضيتها بطريقته، فحدّد المهلة وعدد المرشّحين والحكم الفصل فيها، وهل هناك تحمّل أكبر من هذا؟!

وعن موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن عمر بن الخطّاب خطب الناس في الجابية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من أحبّ أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن أحبّ أ يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أحبّ أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني خازنا وقاسما.

أقول:

لا يدرى أين تصنف هذه المغالطات وما شابهها، فإنّ عمر يقول (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن)، وطالما استخرج له علي عليه السلام الحلول بعد أن يئس غيره! فالرجل عن عمد يلبّس على نفسه وعلى المسلمين وهو يعرف باب مدينة العلم كما يعرف أبناءه.

فوثب عمر بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنّك لمقصّه منه؟ قال: أي والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه، أنا لا أقصه منه وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقص من نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم من حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتيعوهم(1) !

أقول:

يقول هذا وهو صاحب الدرة يضرب النساء والرجال على حد سواء!.

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: قال عمر بن

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 461.

٢٩٨

الخطّاب: (ما في شيء من أمر الجاهلية غير شيئين غير أني لست أبالي أي المسلمين أنكحت وأيّهن نكحت)(1) . وروى أيضا عن ابن جريج قال (أخبرني إبراهيم بن أبي بكر أن عمر بن الخطّاب كان يشدد في الأكفاء)(2) . والجمع بين القولين كما ترى! فهو يشدّد من جهة، ولا يبالي من جهة.

قالوا: قال عمر: (ألا وإنّه بلغني أنّ فلانا قال لو قد مات عمر بايعت فلانا! فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنّه لا بيعة له ولا للذي بايعه)(3) .

أقول:

فهل كانت بيعته لأبي بكر عن مشورة من المسلمين؟!

قال ابن حبان: انقلب عبد الرحمن بن عوف إلى منزله بمنى في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب فقال: إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا قال عمر إني قائم العشيّة في النّاس وأحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.

أقول:

أليس ذلك ما فعله عمر وأبو عبيدة؟ بايعا أبوبكر من دون مشورة من المسلمين؟!

وفي صحيح ابن حبان: قال أبو حاتم: (قول عمر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ولكن الله وقى شرها يريد أن بيعة أبي بكر كان ابتداؤها من غير ملأ والشيء الذي يكون عن غير ملأ يقال له الفلتة وقد يتوقع فيما لا يجتمع عليه الملأ الشرّ)(4) .

وعن معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: قال عمر لا تبغضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطول عليهم ما هم فيه ويكون أحدكم قاصا ويطول عليهم ما هم فيه(5) .

يقول هذا وهو الذي يصلّي بهم الصبح فيقرآ سورة يوسف وسورة الكهف!!

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 152 تحت رقم 10321.

(2) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 152 تحت رقم 10322.

(3) صحيح ابن حبان، ج 2 ص 148.

(4) صحيح ابن حبان، ج 2 ص 157.

(5) مصنف ابن أبي شيبة ج 5 ص 321 تحت رقم 26517.

٢٩٩

روايات عمر

قال السيوطي: (روى له عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثا روى عنه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبوذر وعمرو بن عنبسة وابنه عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأنس وأبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وأبو سعيد الخدري وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم)(1) .

وعن ابن علية عن رجاء بن أبي سلمة قال بلغني أنّ معاوية كان يقول عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فإنّه كان قد أخاف النّاس في الحديث عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

لا تعليق!

وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطّاب قال: حدثت أن موسى أو عيسى قال يا ربّ ما علامة رضاك عن خلقك؟ قال أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم، وأحبسه إبان حصادهم، وأجعل أمورهم إلى حلمائهم وفيئهم في أيدي سمحائهم. قال: يا ربّ فما علامة السّخط؟ قال: أن أنزل عليهم الغيث إبّان حصادهم وأحبسه إبّان زرعهم واجعل أمورهم إلى سفهائهم وفيئهم في أيدي بخلائهم(3) . والله تعالى أعلم.

يقول عمر بن الخطّاب: (حدّثت) بالمبنيّ للمجهول، ولا يبعد أن يكون المحدّث كعب الأحبار! وقد امتنع القطر حتى أجدبت الأرض في خلافة عمر، وعام الرّمادة هو عام الرّمادة، فإن يكن ما حدّثه عمر صحيحا فقد كان الله ساخطا على أهل المدينة في خلافته، وهو من أهل المدينة! وإذا كان الأمر كذلك فإنّه لا يخفى مقتضى عبارة (واجعل أمورهم إلى سفهائهم)، وقد كانت الأمور عام الرمادة وقبله وبعده بيد عمر!

____________________

(1) تاريخ الخلفاء ج 1 ص 109.

(2) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 7.

(3) الدر المنثور ج 3 ص 359.

٣٠٠