الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 77768
تحميل: 4794

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77768 / تحميل: 4794
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسيكون بعدكم زمان يكون للعامل لله تعالى فيه أجران(1) .

أقول:

فأين حديث خير القرون إذاً؟

وعن أبي عمران الجوني قال: أهدى أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه هدية فيها سلال فاستفتح عمر سلّة منها فذاقها وقال: ردّوه ردوه لا تراه أو لا تذوقه قريش فتذابح عليه(2) .

أقول:

هذا مبلغ قريش من التديّن في نظر عمر، تذابح على الحلاوة.

عن خارجة بن زيد؛ قال: كان عمر بن الخطّاب كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل(3) .

أقول:

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يستخلف إذا خرج لغزو أو غيره، فإذا رجع عادت الأجواء إلى ما كانت عليه قبل سفره، ولا حدائق نغل ولا هم يحزنون.

وعن الشعبي: أنّ عمر بن الخطّاب أخذ من رجل فرسا على سوم يحمل عليه رجلا فعطب الفرس فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلا فقال الرّجل: صاحب بيني وبينك شريحا العراقيّ، فأتيا شريحا فقال: يا أمير المؤمنين أخذته صحيحا سليما على سوم فعليك أن تردّه سليما كما أخذته قال: فأعجبه ما قال، ثمّ بعثه قاضيا، ثم قال: ما وجدت في كتاب الله فالزم السّنّة، فإن لم يك في السّنّة فاجتهد رأي(4) .

____________________

(1) حلية الأولياء، ج 1 ص 264.

(2) في حلية الأولياء، ج 2 ص 314.

(3) أخبار القضاة، محمد بن خلف بن حيان، ج 1 ص 108.

(4) أخبار القضاة، محمد بن خلف بن حيان، ج 2 ص 189.

٤٢١

أقول:

وهذا يعني أنّ عمر بن الخطّاب كان يرى أنّه ليس على القاضي أن يرجع إلى من هو أعلم منه فيما أشكل عليه، وهذا مخالف لكتاب الله تعالى( فَسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ ) .

وعن عبد الملك بن عمير عمّن سمع ابن عباس أنّ عمر بن الخطّاب قال: عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخمر وأثمان الخنازير! ألم يعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم أن يأكلوها فجملوها فباعوها وأكلوها أثمانها(1) .

هذه شهادة من عمر ابن الخطاب أن في عماله من لا يبالي ما الحلال وما الحرام.

قالوا: ولما نقب بيت مال المسلمين قال عمر بن الخطاب لعامله هناك: انقله إلى المسجد فلا يزال المسجد فيه مصلّى(2) أي ليتولى حراسته ومقيلا للعزّاب ومبيتا للغرباء..

أقول:

قولهم (نقب بيت مال المسلمين) يعني أنّ السطو على البنوك كان موجودا على عهد عمر. وعهد عمر هو عهد الصحابة والتابعين، أو عهد خير القرون! على أن في قوله ومبيتا للغرباء لا يمنع أن يكون الغرباء أيضا من المنقبين.

وعن أبي وائل عن يسار بن نمير قال: قال عمر بن الخطّاب: إنّ الرّجل لياتيني فيسألني فأحلف أن لا أعطيه [!] ثمّ يبدو لي فأعطيه، فاذا أمرتك أن تكفّر عنّي فأطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع من القمح أو صاع من شعير أو تمر. سنده صحيح(3) .

ويسار بن نمير هذا مولى عمر بن الخطّاب القرشي، وهو خازن عمر. روى عنه أبو

____________________

(1) السنن الصغرى للبيهقي (نسخة الأعظمي) ج 5 ص 382 رقم 2114.

(2) أضواء البيان، ج 8 ص 327.

(3) سنن سعيد بن منصور، ج 4 ص 1535 رقم 785.

٤٢٢

وائل شقيق بن سلمة وأبو عاصم الغطفاني.

قالوا في ترجمة هنيّ: هنيّ مولى عمر بن الخطاب، وكان عامل عمر على الحمى. روى عنمولاه عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وشهد معه صفين [!] وعن أبي بكر الصديق. روى عنه ابنه عمير بن هنيّ وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وقيل إن الذي يروي عن عمرو بن العاص ويروي عنه أبو جعفر رجل آخر مولى لعمرو بن العاص فالله أعلم له ذكر في صحيح البخاري في حديث زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى.. الحديث(1) .

أقول:

نعم، هذا عامل عمر على الحمى يشهد صفين مع الفئة الباغية! وانظر إلى قوله: (روى عنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين)، يقصدون الإمام الباقر عليه السلام، وكأنّ الإمام عليه السلام بحاجة إلى أن يروي عن الأجانب! وكيف يستسيغ الإمام المطهّر الرّواية عمّن حضر صفّين مع أعداء عليّ عليه السلام؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! وإنّما جاء في طبقات ابن سعد ما يلي: أخبرنا خالد بن مخلد قال حدثني سليمان بن بلال قال حدثني جعفر بن محمد قال: سمعت رجلا من الأنصار يحدّث أبي عن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أوّل شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عمّارا أبدا، إن قتلناه فنحن كما يقولون؛ فلمّا كان يوم صفّين ذهبت أنظر في القتلى فإذا عمّار بن ياسر مقتول، قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلّمك. فقام إليّ فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقتله الفئة الباغية. فقلت: هو ذا والله مقتول. فقال: هذا باطل! فقلت: بصر به عيني مقتول. قال: فانطلق فأرنيه؛ فذهبت به فأوقفته عليه فساعة رآه انتقع لونه ثمّ أعرض في شقّ وقال: إنّما قتله الذي خرج به(2) .

____________________

(1) تهذيب الكمال، ج 30 ص 319 رقم 6608.

(2) الطبقات الكبرى ج 3 ص 253.

٤٢٣

وأنت تراه يقول: (سمعت رجلا من الأنصار يحدّث أبي عن عني)، فالمحدّث رجل من الأنصار، والمحدّث هو الإمام الباقر عليه السلام، وموضوع الحديث قتل عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه . وليس هذا ممّا يقال فيه (روى عنه) لأنّهم إنّما يقولون ذلك فيما يخصّ حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن ابن سيرين قال: كان عمر إذا استعمل رجلا كتب في عهده: اسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم قال: فلما استعمل حذيفة كتب في عهده أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم(1) .

أقول:

لماذا هذا التخصيص؟ وكلّهم عدول، وكلّهم كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

قال ابن تيمية: وأما سائر المساجد فبين العلماء نزاع في جواز تغييرها للمصلحة وجعلها غير مسجد، كما فعل عمر بن الخطّاب بمسجد الكوفة لما بدّله وجعل المسجد مكانا آخر وصار الأوّل حوانيت التّمارين وهذا مذهب الإمام أحمد وغيره(2) .

وقد مثّل ابن تيمية لتولية الفاجر بفعل عمر بن الخطّاب فقال: إلاّ أن يمكن الجمع بين الأمرين فيفعل حينئذ تمام الواجب كما كان عمر بن الخطّاب يستعمل من فيه فجور لرجحان المصحلة في عمله، ثمّ يزيل فجوره بقوّته وعدله(3) .

ومع أن الله تعالى يقول: ( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتّقِينَ كَالْفُجّارِ) ، ويقول: ( إِنّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ويقول ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ) إلا أنّ عمر بن الخطّاب لا يتردّد في تولية من يعجبه! واعجب لابن تيمية يقول عن عمر: يزيل الفجور!

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 544 رقم 33716، وتاريخ مدينة دمشق ج 12 ص 286.

(2) مجموع الفتاوى، ابن تيمية ج 27 ص 54.

(3) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 35 ص 31.

٤٢٤

قالوا: كان عمر بن الخطّاب يأمر الناس عقب الحجّ أن يذهبوا إلى بلادهم لئلاّ يضيقوا على أهل مكة(1) .

أقول:

ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يأمر بذلك، فإن يكن هذا اجتهادا من عمر فإنّ الله تعالى لن يحاسب الناس وفق اجتهادات عمر، لأنه سبحانه وتعالى يقول:( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) . وأما الاستشهاد بقوله تعالى( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (2) . فيحتاج إلى إثبات أنّ الحاكم هو وليّ الأمر سواء جاءت به السّقيفة أو الدّبّابة أو الانقلاب العسكري، وساعتها يغدو واجبا على المسلمين طاعة (أبو رقيبة) و (السّادات) و (جعفر النّميري) و (معاوية ولد الطايع) وآخرين.

وقال السيوطي (تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 116): وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال عمر: هان شيء أصلح به قوما أن أبدلهم أميرا مكان أمير.

قال ابن أبي الحديد: ومحمد بن مسلمة بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حادثة ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الحارثي المتوفى 43 بالمدينة، من أنصار عمر بن الخطّاب ومن ملازميه واعتزل الخروج مع الإمام علي عليه السلام فلم يشهد الجمل ولا صفّين، ولاّه عمر على صدقات جهينة، وكان عند عمر معدّاً لكشف الأمور المعضلة في البلاد، وهو كان رسوله في الكشف عن سعد بن أبي وقّاص حين بنا القصر بالكوفة(3) .

____________________

(1) دقائق التفسير، ابن تيمية، ج 2 ص 48.

(2) النساء: 59.

(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 6 ص 48.

٤٢٥

أقول:

وذكر ابن أبي الحديد أيضا أن سعد بن إبراهيم روى أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم، وأن محمد بن مسلمة كان معهم، وأنّه هو الذي كسر سيف الزبير(1) . ويفهم من ذلك أنّ محمّد بن مسلمة كان المدير العامّ لجهاز المخابرات في عهد عمر بن الخطاب.

وعن تميم بن سلمة قال: قدم عمر بن الخطّاب من سفر فقبّل يده أبو عبيدة بن الجرّاح ثمّ خلوا يتناجيان حتى بكيا جميعا(2) .

أقول:

ما هو الحديث الذي أبكى الرجلين، ولماذا يبكيهما دون غيرهما؟!.

عن أبي بكرة بن أبي موسى ان أبا موسى أتى عمر بن الخطّاب بعد العشاء قال فقال له عمر بن الخطّاب ما جاء بك؟ قال: جئت أتحدّث إليك. قال: هذه الساعة؟ قال: إنّه فقه! فجلس عمر فتحدّثا ليلا طويلا حسبته قال ثمّ إنّ أبا موسى قال الصلاة يا أمير المؤمنين قال إنّا في صلاة(3) .

مع بيت المال

وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كان عمر يحلف على أيمان ثلاث يقول: والله ما أحد أحقّ بهذا المال من أحد، وما أنا بأحقّ به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلاّ وله في هذا المال نصيب إلا عبدا مملوكا ولكنّا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالرّجل وبلاؤه في الإسلام والرّجل وقدمه في الإسلام والرّجل وغناؤه في الإسلام والرّجل وحاجته، ووالله لئن بقيت لهم ليأتينّ الرّاعي بجبل صنعاء حظّه من هذا المال وهو يرعى مكانه(4) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 6 ص 48.

(2) الجامع في الحديث، ج 1 ص 259 رقم 173.

(3) مصنف ابن أبي شيبة ج 2 ص 79 رقم 6693.

(4) مسند أحمد بن حنبل جص 42 رقم 292.

٤٢٦

أقول:

هذا التقسيم مخالف لما كانت عليه سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنّ عمر لا يدري ما يقول حين يصرّح أنه والله ما أحد أحقّ بهذا المال من أحد ثم يقول بعد ذلك ولكنّا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالرّجل وبلاؤه في الإسلام..؛ وهذه المنازل التي يتحدث عنها تتعلق بالآخرة لا بالدنيا. ولو كانت تتعلق بالدنيا لكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول من يعمل بذلك، ولم يفعل، بل عامل الناس على أساس العدل، وأما الأجر والثواب فمسألة أخرى. ومن جهة ثانية فإن ذيل كلام عمر هذا يفيد أنّ عمر كان ينوي تغيير سياسته المالية إن بقي، لكنّه لم يبق، فلم يغيّر، ولعلّ هذا الكلام هو الذي عجّل بقتله بغضّ النظر عمّا نسبوه إلى أبي لؤلؤة.

وعن الزّهريّ عن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين خرج من فتنة بن الزّبير أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى لمن تراه؟ قال: هو لنا لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا منه شيئا رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك(1) .

عن زيد بن ثابت قال: كان عمر يستخلفني على المدينة فو الله ما رجع من مغيب قطّ إلاّ قطع لي حديقة من نخل(2) .

و كان من آثار سيرة عمر مع بيت المال أن تخبّط أقوام في الفقر إلى درجة خطيرة، وتقلب أقوام في الثراء حتى بطروا. فقد ذكروا أنّ الحطيئة هجا الزّبرقان بن بدر فشكاه إلى عمر بن الخطاب، فدعاه عمر ثم أمر بسجنه، فكتب إليه الحطيئة من السّجن أبياتا من الشعر يستعطفه فيها، وأخبر عمر برقّة حاله وقلّة نصرة قومه له فدعاه وجرى بينهما حوار؛ قال عرم للحطيئة: ويحك يا جرول لم تهجو المسلمين؟ قال: لخصال احتوتني،

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل، جص 320.

(2) كنز العمال ج 4 ص 243 تحت رقم 11677.

٤٢٧

إحداهنّ إنّما هي نملة تدب على لساني، وأخرى إنما هي كسب عيالي بعد، وثالثة أنّ الزبرقان ذو يسار في قومي وقد عرف رقة حالي وكثرة عيالي فلم يعطف عليّ وأحوجني إلى المسألة، فلمّا سألته حرمني يا أمير المؤمنين، والسّؤال ثمن لكلّ نوال، وكنت أراه يتمرّغ في مال الله ورسوله وأنا أتشحّط في الفقر والعيلة، وكنت أراه يتجشأ جشاء البعير وأنا أتقفّر فتات خبز الشّعير في رحلي مع عيالي، ويا أمير المؤمنين، من عجز عن القوت كان أعجز منه عن السكوت. فدمعت عينا عمر وقال: كم رأس مالك من العيال؟ فعدّهم عليه، فأمر لهم بطعام وكسوة ونفقة ما يكفيه سنة وقال له إذا احتجت فعد إلينا فلك عندنا مثلها فقال جرول: جزاك الله(1) .

وفي مصنّف ابن أبي شيبة: قال (عمر): يا عتبة، إنّا ننحر كلّ يوم جزورا، فأمّا ودكها وأطايبها فلمن حضر من آفاق المسلمين، وأمّا عنقها فلآل عمر(2) .

أقول:

كلّ يوم عنق جزور لآل عمر من بيت المال!

____________________

(1) كنز العمال ج 3 ص 339.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 460.

٤٢٨

الفصل السابع

أحوال عمر مع معاصريه

٤٢٩

٤٣٠

كيف تعامل عمر مع الصحابة والتابعين؟

هذا سؤال يجيب عنه الخليفة بعده عثمان بن عفان الأموي، فقد قال عثمان يوما: لقد وطئكم ابن الخطاب برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم(1) .. وعليه، فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) فإن عمر بن الخطّاب شديد عليهم عنيف إلى درجة أن عثمان يشهد أنه وطئهم برجله، وهذه كلمة عظيمة، لأنّه لا يحلّ لأحد أن يطأ برجله أقواما انطوت صدورهم على كلمة لا إله إلا الله، ولم يذكر التاريخ أنّ عمر بن الخطّاب وطئ الكفار في ساحات الحرب، ولا بد من مناقشة هذا وإن رغمت أنوف. فالإسلام لم يكن يوما من الأيام دين قريش، وإنما هو دين الله تعالى يريد به إنقاذ البشرية من الضلال والهلاك، والناس فيه على قدر إيمانهم وأعمالهم. والإيمان كلّ الإيمان في طاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير قيد أو شرط، والعمل الصالح طرقه وشعبه كثيرة، ومن أعلاها وأعظمها عند الله تعالى الجهاد في سبيل الله. وحتى لا يشكّ أحد في ذلك أخبر الله تعالى عباده أنّه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله ويفضّلهم على غيرهم. فمن ذاك قوله تعالى( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (2) ، وقوله تعالى( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى‏ وَفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى‏ الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً ) (3) . ومن صفات المؤمنين الذين يحبهم الله تعالى ويحبونه أنهم أذلة على المؤمنين:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ

____________________

(1) تاريخ الطبري، ج 3 ص 377 والكامل في التاريخ، ج 2 ص 8 والمنتظم، ج 2 ص 80 وتاريخ الرسل والملوك، ج 2 ص 469 والبداية والنهاية، ج 7 ص 189 ونهاية الأرب في فنون الأدب، ج 5 ص 311.

(2) الصف: 4.

(3) النساء: 95.

٤٣١

عَلِيمٌ ) (1) . فأين عمر من هذا إذا كان يطأ المؤمنين برجله لأنه حاكمن بينما كان يفرّ من المشركين في الحرب بسرعة الأروى كما يشهد به هو نفسه. إن الذي يطأ المؤمنين برجله ويفرّ من المشركين بكلتا رجليه هو على العكس تماما من قوله تعالى( أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ ) .

عن حمزة بن صهيب عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنه قال لصهيب: إنّك لرجل لو لا خصال ثلاثة قال: وما هنّ؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم، وفيك سرف في الطّعام. قال: يا أمير المؤمنين، أمّا قولك اكتنيت وليس لك ولد فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاني أبا يحيى. وأمّا قولك أنتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم فإنّي رجل من النّمر بن قاسط استبيت من الموصل بعد أن كنت غلاما قد عرفت أهلي ونسبي، وأما قولك فيك سرف في الطعام فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إنّ خيركم من أطعم الطّعام. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(2) .

أقول:

لا يقصد عمر أنّ صهيبا كثير الأكل، وإنّما يقصد أنّه كثير الإطعام، ولهذا ردّ عليه بالحديث الذي سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليست هذه أوّل مرة فإنّ له مثلها مع سعد بن قيس بن عبادة.

وعن الأوزاعيّ أنه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب كان له يلقى عكرمة بن أبي جهل إلا شتم أبا جهل، فأتى عكرمة رسول الله عليه السلام فذكر ذلك له فقال رسول الله عليه السلام لا يسبّنّ الهالك يؤذى به الحيّ(3) .

أقول:

كان في وسع عكرمة أن يسبّ الخطّاب، فإن الخطّاب أيضا مات على الشّرك،

____________________

(1) المائدة: 54.

(2) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4 ص 278.

(3) الجامع في الحديث ج 2 ص 481 تحت رقم 365.

٤٣٢

و ( مَنِ اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ) ، ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح.

وعن أسامة بن زيد قال: سمعت مكحول الدمشقي يقول: دخل عوف بن مالك الأشجعي على عمر بن الخطّاب وعليه خاتم من ذهب فضرب عمر يده وقال: ارم بهذا! فرمى به. فقال عمر: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأهلكنا خاتمك. ثمّ جاء الغد وعليه خاتم من حديد فقال استبدلت حلية أهل النّار، قال فرمى به. ثم جاء الغد وعليه خاتم من ورق فسكت عنه(1) .

أقول: عوف بن مالك فيه كلام.

وعن نافع قال: بلغ عمر بن الخطّاب أن أناسا يأتون الشّجرة التي بويع تحتها قال فأمر بها فقطعت(2) .

أقول:

هذا يعني أنّه كان هناك خلاف بين عمر وبين كثير من الصّحابة في مسائل ترتبط بالعقيدة.

عن إياس بن دغفل قال: سئل الحسن عن امرأة جعلت عليها أن أخرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين، فقال الحسن تصلي في مسجد قومها فإنها لا تطيق ذلك، لو أدركها عمر بن الخطّاب لأوجع رأسها(3) .

أقول:

ما أقواه وأقدره على ضرب النساء، وما أسهل ضرب النساء.

وعن محمّد بن السائب عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطّاب رأى رجلا يقود بامرأته على بعير ترمي الجمرة قال فعلاها بالدرة إنكارا لركوبها(4) .

____________________

(1) الجامع في الحديث ج 2 ص 690 تحت رقم 594.

(2) مصنف ابن أبي شيبة: ج 2 ص 150 تحت رقم 7545.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 157 تحت رقم 7618.

(4) مصنف ابن أبي شيبة، ج 3 ص 232 تحت رقم 13744..

٤٣٣

أقول:

حتى المحرم في الشهر الحرام في البلد الحرام لا يسلم من درّة عمر.

انظر إلى ذلك الأدب، فهو يضرب المرأة أمام زوجها ويضرب الرجل أمام زوجته فيهتك حرمتهما جميعا وهما في حال أداء شعيرة من شعائر الحجّ!

وعن هلال بن أمية أن عمررضي‌الله‌عنه استعمل عياض بن غنم على الشّام فبلغه أنه اتخذ حماما واتخذ نوابا، فكتب إليه أن يقدم عليه فقدم، فحجبه ثلاثا ثم أذن له ودعا بجبة صوف فقال: البس هذه، وأعطاه كنف الراعي وثلاثمائة شاة وقال: انعق بها! فنعق بها، فلما جاوز هنيهة قال: أقبل. فأقبل يعسى حتى أتاه فقال: اصنع بها كذا وكذا، اذهب. فذهب حتى إذا تباعد ناداه يا عياض أقبل. فلم يزل يردّده حتى عرقه في جبته قال: أوردها علي يوم كذا وكذا؛ فأوردها لذلك اليوم، فخرج عمررضي‌الله‌عنه إليه فقال: انزع عليها؛ فاستقى حتى ملأ الحوض فسقاها، ثم قال: انعق بها، فإذا كان يوم كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حت مضى شهران؛ قال: فاندسّ إلى امرأة عمررضي‌الله‌عنه وكان بينه وبينها قرابة فقال: سلي أمير المؤمنين فيم وجد علي فلما دخل عليها قالت: يا أميرالمؤمنين فيم وجدت على عياض؟ قال: يا عدوّة الله وفيم أنت وهذا ومى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين. قال: فأرسل إليها عياض ما صنعت؟ فقالت: وددت إني لم أعرفك ما زل يوبّخني حتّى تمنيت أنّ الأرض انشقّت فدخلت فيها. قال: فمكث ما شاء الله ثم اندسّ إلى عثمانرضي‌الله‌عنه فقال: سله فيم وجد عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض؟ فقال: إنّه مرّ إليك عياض. فقال: شيخ من شيوخ قريش. قال: فتركه بعد ذلك شهرين أو ثلاثة ثمّ دعاه فقال: هيه اتّخذت نوّابا واتّخذت حمّاما، أتعود؟ قال: لا. قال: ارجع إلى عملك.

عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال لما قدم جعفر من أرض الحبشة لقي عمر بن الخطّاب أسماء بنت عميس فقال لها: سبقناكم بالهجرة ونحن أفضل منكم! فقالت: لا أرجع حتى آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله لقيت عمر فزعم

٤٣٤

أنّه أفضل منّا، وأنّهم سبقونا بالهجرة؛ فقال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل أنت، هاجرتم مرتين. قال إسماعيل فحدثني سعيد بن أبي بردة قال قالت يومئذ لعمر: ما هو كذلك، كنا مطرودين بأرض البغضاء والبعداء وأنتم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعظ جاهلكم ويطعم جائعكم(1) .

أقول: يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسماء بنت عميس: (بل أنت..) جوابا عن سؤالها الذي تضمن قولها عن عمر (زعم أنه أفضل منا)، فيكون معنى الكلام: (أنت ومن معك من مهاجري الحبشة أفضل من عمر..)، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى، لكنّ ثقافة الكرسي تردّ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتجعل عمر الذي تعددت فراراته من المعارك أفضل ممن يصلي عليهم عمر في صلاته حين يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)! فأين يكون محل ثقافة الكرسي من الإعراب في الإسلام؟!

وعن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني أن عمر بن الخطّاب قال: يا أهل الكوفة، أنتم رأس العرب وجمجمتها، وسهمي الذي أرمي به إن أتاني شيء من ها هنا و ها هنا، وإنّي بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود واخترته لكم وآثرتكم به على نفسي إثرة(2) .

أقول:

ومع ذلك يقول عنه كنيف ملئ علما، و الكنيف في لغة العرب معلوم.

وفي مصنف ابن أبي شيبة: عمل عمر بن الخطّاب ففتح الفتوح وجاءته الأموال فقال إن: أبا بكر رأى في هذا الأمر رأيا ولي فيه رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن قاتل معه، ففرض للمهاجرين والأنصار ممّن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف وفرض لمن كان له الإسلام كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف وفرض لأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثني عشر ألفا اثني عشرة ألفا إلا صفية وجويرية فرض لهما ستة آلاف ستة آلاف فأبتا أن تقبلا فقال لهما إنما فرضت لهنّ للهجرة فقالتا: إنما فرضت لهنّ لمكانهنّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولنا مثله؛ فعرف ذلك عمر

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 380 تحت رقم 32198.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 408 تحت رقم 32445.

٤٣٥

ففرض لهما اثني عشرة ألفا اثني عشرة ألفا، وفرض للعباس اثني عشر ألفا، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف فقال: يا أبت لم زدته علي ألفا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لأبي، وما كان له ما لم يكن لي؟ فقال ك إنّ أبا أسامة كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك وكان أسامة أحبّ إلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك! وفرض لحسن وحسين خمسة آلاف خمسة آلاف وألحقهما بأبيهما لمكانهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال: زيدوه ألفا فقال له محمد بن عبد الله بن جحش: ما كان لأبيه ما لم يكن لآبائنا وما كان له ما لم يكن لنا! فقال: إني فرضت له بأبيه أبي سلمة ألفين وزدته بأمه أم سلمة ألفا فإن كانت لك أم مثل أمه زدتك ألفا. وفرض لأهل مكة وللناس ثمانمائة، ثمانمائة، فجاءه طلحة بن عبيد الله بأخيه عثمان ففرض له ثمانمائة فمر به النضر بن أنس فقال عمر: افرضوا له ألفين. فقال طلحة: جئتك بمثله ففرضت له ثمانمائة درهم وفرضت لهذا ألفين، فقال: إن أبا هذا لقيني يوم أحد فقال لي ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: ما أراه إلا قد قتل! فسلّ سيفه فكسر غمده وقال إن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قتل فإن الله حيّ لا يموت فقاتل حتى قُتل، وهذا يرعى الشّاء في مكان كذا وكذا(1) ...

أقول:

هذا كان يرعى الشاء، وماذا فعل عمر؟! ألم يفرّ ويترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الأعداء عرضة للقتل. ولأن يرعى المرء الشاء أعذر له عند الله من أن يسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأعداء ويفرّ فرار العبيد. ثمّ هو يقول: لا أجعل من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن قاتل معه! فإن كان صادقا في ما يقول، فما باله يؤمّر من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من قاتل معه، والعطاء دون الإمرة بكثير؟!

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 453.

٤٣٦

قال ابن تيمية: وكذلك أبو بكر الصديق قال لعمر بن الخطّاب لما قال له يا خليفة رسول الله تألّف الناس فأخذ بلحيته وقال: (يا ابن الخطّاب أجبارا في الجاهلية خوّارا في الإسلام؟ علام أتألّفهم؟ أعلى حديث مفترى أم على شعر مفتعل(1) ؟!

وأخرج ابن سعد عن الواقدي بسنده إلى ثعلبة بن أبي مالك قال: مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان فضرب على قبره فسطاط في يوم صائف فتكلم الناس في ذلك فقال عثمان: قد ضرب في عهد عمر على زينب بنت جحش فسطاط فهل رأيتم عائبا عاب ذلك(2) .

وقال ابن تيمية: وقد قالوا لعمر بن الخطّاب في أهل الشورى أمّر فلانا وفلانا فجعل يذكر في حقّ كل واحد من الستّة وهم أفضل الأمّة أمرا جعله مانعا له من تعيينه(3) .

أقول:

نعم، لأنه هو نفسه لم يكن فيه أيّ عيب يمنع من تعيينه، بل كان طاهرا مطهّرا معصوما! ثمّ ما هو الأمر المانع في علي عليه السلام؟ زعموا أنّه فيه دعابة، لأن وجهه كان طلقا وفق وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمؤمن بقوله (المؤمن بشره في وجهه)، ولم يكن وجهه عبوسا قمطريرا يوهم بالجدّ، حتى إذا جدّ الجدّ كان همّه الفرار!

قال ابن تيمية: وعمر بن الخطّاب أمر برجل فضّله على أبي بكر أن يجلد لذلك(4) .

أقول:

بناء عليه ينبغي جلد بعض مثقفي عصرنا الذين فضّلوا عمر على أبي بكر وصرحوا بذلك على الفضائيات.

ودخل أبو موسى الأشعري على عمر بن الخطّاب فعرض عليه حساب العراق فأعجبه ذلك قال: أدع كاتبك يقرؤه عليّ. فقال: إنّه لا يدخل المسجد! قال: ولم؟ قال:

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ج 2 ص 42.

(2) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، ج 2 ص 105.

(3) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، جزء 28 ص 231.

(4) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 28 ص 474.

٤٣٧

لأنّه نصرانيّ. فضربه عمر بالدرّة فلو أصابته لأوجعته(1) .

قال ابن تيمية: كان سعد بن أبى وقاص قد بنى له بالكوفة قصرا وقال أقطع عنى النّاس. فأرسل إليه عمر بن الخطّاب محمّد بن مسلمة وأمره أن يحرّقه، فاشترى من نبطيّ حزمة حطب وشرط عليه حملها إلى قصره فحرّقه(2) !

وبلغ عمر بن الخطّاب أنّ قوما يقصدون الصّلاة عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان التي بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحتها فأمر بتلك الشجرة فقطعت(3) .

قال ابن تيمية: وقد ضرب عمر بن الخطّاب أبي بن كعب بالدّرّة لما رأى الناس يمشون خلفه فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا ذلّة للتّابع وفتنة للمتبوع(4) .

أقول:

إذا كان الله تعالى يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات فإن عمر بن الخطّاب لا يرى حرجا في ضرب العلماء بالدرة على مرأى من الناس، وكل ذلك باسم الإسلام!

وروى أبو سعيد مولى الأنصار قال: كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء يقول: ارجعوا لعلّ الله يرزقكم صلاة أو تهجّدا، فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي ذر فقال: ما يقعدكم؟قلنا: أردنا أن نذكر الله، فقعد معهم(5) .

وعن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أنّ جيشا من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم، وكان عمر يعقب الجيوش في كلّ عام فشغل عنهم عمر، فلما مرّ الأجل قفل أهل ذلك الثّغر فاشتدّ عليهم وتوعّدهم وهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا عمر، إنّك غفلت عنّا وتركت فينا الذي أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إعقاب بعض الغزية

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 28 ص 643.

(2) مجموع الفتاوى، ابن تيمية ج 35 ص 40.

(3) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج 2 ص 440.

(4) منهاج السنة النبوية، ج 6 ص 256.

(5) الثمر المستطاب، ج 1 ص 76.

٤٣٨

بعضا(1) .

قالوا: عزل عمر خالدا عن إمارة حمص في سنة سبع عشرة، وأقامه للناس، وعقله بعمامته، ونزع قلنسوته عن رأسه وقال: أعلمني، من أين لك هذا المال؟ وذلك أنه أجاز الأشعث ابن قيس بعشرة آلاف درهم، فقال: من الأنفال والسّهمان؟ فقال: لا والله، لا تعمل لي عملا بعد اليوم، وشاطره ماله، وكتب إلى الأمصار بعزله، وقال: إنّ النّاس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه، وأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع(2) .

أقول:

بخصوص هذه القضية اتّهم بعض أقارب خالد(3) عمر بن الخطّاب بالحسد.

قال عمر [لأصحاب الشورى]: أفلا أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا. فقال: أما أنت يا زبير فوعق لقس، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان ويوما شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك، فليت شعري، من يكون للنّاس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمّة، وأنت على هذه الصّفة. ثم أقبل على طلحة وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر فقال له: أقول أم أسكت: قال: قل، فإنّك لا تقول من الخير شيئا، قال: أما إنّي أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائيا بالذي حدث لك، ولقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. - يقول ابن أبي الحديد - قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله تعالى. الكلمة المذكورة أنّ طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي يعنيه حجابهنّ اليوم، وسيموت غدا فننكحهنّ! قال أبو عثمان أيضا: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(1) صحيح أبي داود ج 2 ص 571 * (صحيح الإسناد).

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 180.

(3) هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة.

٤٣٩

مات وهو راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة أنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه! ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا، فكيف هذا! قال: ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب من هذه المقانب، تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وأسهم، وما زهرة والخلافة وأمور الناس! ثم أقبل على عبد الرّحمن بن عوف، فقال: وأما أنت يا عبد الرّحمن فلو وزن نصف إيمان المسلمين بغيمانك لرجح إيمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر! ثم أقبل على عليّ عليه السلام، فقال: لله أنت لو لا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح، والمحجّة البيضاء. ثم أقبل على عثمان، فقال: هيها إليك! كأنّي بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك(1) ، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا. والله لئن فعلوا لتفعلنّ ن ولئن فعلت ليفعلنّ، ثم أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنه كائن. ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر(2) .

أقول:

قول عمر فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن يدلّ على أن عمر يعلم بما تؤول إليه الأمور لو وليها عثمان، ومع ذلك رشّحه، والأمر - كما يقول - لقريش، وقريش تحبّ عثمان، فالمسألة محسومة؛ فأين النّصيحة للمسلمين وهو يفتح باب فتنة لا زال مفتوحا إلى هذه السّاعة؟!

وعن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطّاب وهو يخطب الناس فقال:

____________________

(1) لحبها إياه وليس لتقوى أو جهاد أو علم أو صدق.. هذه معايير قريش. قريش التي لم تحبب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّت عثمان!

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 185 - 186.

٤٤٠