مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 434
المشاهدات: 6008
تحميل: 2160


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6008 / تحميل: 2160
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهعليه‌السلام إن الله يحب الرفق ويعين عليه فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها ـ فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها.

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

« ويعين عليه » أي يهيئ أسباب الرفق أو يعين بسبب الرفق أو معه أو كائنا عليه على سائر الأمور كما مر والتفريعبقوله عليه‌السلام : فإذا ركبتم ، للتنبيه على أن الرفق مطلوب حتى مع الحيوانات ، وقال في المغرب :العجف بالتحريك الهزال والأعجف المهزول والأنثى العجفاء ، والعجفاء يجمع على عجف كصماء على صم ، انتهى.

وقوله : فأنزلوها منازلها أولا ، يحتمل وجهين : « الأول » أن يكون المراد الإنزال المعنوي أي راعوا حالها في إنزالها المنازل ، والمراد في الثاني المعنى الحقيقي والثاني : أن يكون الأول مجملا والثاني تفصيلا وتعيينا لمحل ذلك الحكم ، وعلى التقديرين الفاء فيقوله : فإن كانت للتفصيل ، وفي المصباحالجدب هو المحل لفظا ومعنى وهو انقطاع المطر ويبس الأرض يقال : جدب البلد بالضم جدوبة فهو جدب وجديب وأرض جدبة وجدوب وأجدبت إجدابا فهي مجدبة ، وقال الجوهري :نجوت نجاءا ممدودا أي أسرعت وسبقت ، والناجية والنجاة الناقة السريعة تنجو بمن ركبها ، والبعير ناج ، والخصب بالكسر نقيض الجدب ، وقد أخصبت الأرض ومكان مخصب وخصيب ، وأخصب القوم أي صاروا إلى الخصب.

قوله : فأنزلوها منازلها ، أي منازلها اللائقة بحالها من حيث الماء والكلاء ، أو المراد بها المنازل المقررة في الأسفار ، أي لا تسيروا عليها أكثر من المنازل المقررة كجعل المنزلين منزلا لضعف الدابة ، وإنما يجوز ذلك مع جدب الأرض فإن مصلحتها أيضا في ذلك.

٢٤١

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان الرفق خلقا يرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه.

١٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله رفيق يحب الرفق ومن رفقه بكم تسليل أضغانكم ومضادة قلوبكم وإنه ليريد تحويل العبد عن الأمر فيتركه عليه حتى يحوله بالناسخ كراهية تثاقل الحق عليه.

_________________________________________

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

الحديث الرابع عشر : مرسل.

وقد عرفت الوجوه في حله ، وكان الأنسب هنا عطف مضادة علي أضغانكم إشارة إلى قوله تعالى : «لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ »(١) ويحتمل أيضا العطف على التسليل بالإضافة إلى المفعول كما مر.

قوله : كراهية تثاقل الحق عليه ، قيل : الكراهية علة لتحويله بالناسخ والحق الأمر المنسوخ ، ووجه التثاقل أن النفس يثقل عليها الأمر المكرر وينشط بالأمر الجديد أو علة لتحويله بالناسخ دون جمعه معه ، مع أن في كلا الأمرين صلاح العبد إلا أن الرفق يقتضي النسخ لئلا يتثاقل الحق عليه ، انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في الوجهين ، أما الأول فلان ترك المعتاد أشق على النفس ولذا كانت الأمم يثقل عليهم قبول الشرائع المتجددة وإن كانت أسهل وكانوا يرغبون إلى ما ألفوا به ومضوا عليه من طريقة آبائهم ، نعم قد كان بعض الشرائع الناسخة أسهل من المنسوخة كعدة الوفاة نقلهم فيها من السنة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام ، وكثبات القدم في الجهاد من العشرة إلى النصف لكن أكثرها كان أشق.

وأما الثاني ففي غالب الأمر لا يمكن الجمع بين الناسخ والمنسوخ لتضادهما

__________________

(١) سورة الأنفال. ٦٣.

٢٤٢

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه.

١٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن الحسن بن الحسين ، عن فضيل بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس.

باب التواضع

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه

_________________________________________

كالقبلتين والعدتين والحكمين في الجهاد وتحليل الخمر وتحريمه ، وإباحة الجماع في ليالي شهر رمضان وعدمها ، والأكل والشرب فيها بعد النوم وعدمهما ، نعم قد يتصور نادرا كصوم عاشوراء وصوم شهر رمضان إن ثبت ذلك فالأوجه ما ذكرنا سابقا.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

ويقال :اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضا ، ويدل على فضل الرفق لا سيما في المصطحبين المترافقين.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

ومضمونه مجرب ووجهه ظاهر.

باب التواضع

الحديث الأول : ضعيف.

والنجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبالشين المعجمة لقب ملك الحبشة والمراد هنا الذي أسلم وآمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسمه أصحمة بن بحر ، أسلم قبل الفتح ومات قبله صلى عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاء خبر موته ، وقد ذكرنا جمل أحواله في كتابنا الكبير.

٢٤٣

فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب قال فقال جعفرعليه‌السلام فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال :

الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عينه ألا أبشركم فقلت بلى أيها الملك فقال إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد

_________________________________________

وقال الفيروزآبادي : النجاشي بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح : أصحمة ملك الحبشة ، انتهى.

وجعفر بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان أكبر منهعليه‌السلام بعشر سنين وهو من كبار الصحابة ومن الشهداء الأولين وهو صاحب الهجرتين هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، واستشهد يوم مؤتة سنة ثمان ، وله إحدى وأربعون سنة فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ، وقطعت يداه في الحرب فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة فلقب ذا الجناحين ، وقال الجوهري :ثوب خلق أي بال ، يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس والجمع خلقان ، انتهى.

« فأشفقنا منه » أي خفنا عن حاله ومما رأينا منه أن يكون أصابه سوء ، يقال : أشفق منه أي خاف وحذر وأشفق عليه أي عطف عليه ، والعين الجاسوس« وأهلك عدوه » أي السبعين الذين قتلوا ، منهم أبو جهل وعتبة وشيبة وأسر أيضا سبعون ، وبدر اسم موضع بين مكة والمدينة وهو إلى المدينة أقرب ، ويقال : هو منها على ثمانية وعشرين فرسخا ، وعن الشعبي أنه اسم بئر هناك ، قال : وسميت بدرا لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر كذا في المصباح ، وقال :الأراك شجر من الخمط يستاك بقضبانه ، الواحدة أراكة ويقال : هي شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة

٢٤٤

يقال له : بدر كثير الأراك لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر أيها الملك فما لي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان فقال له يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسىعليه‌السلام أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله عز وجل لي نعمة ـ بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدثت لله هذا التواضع فلما بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

العود ، ولها ثمر في عناقيد يسمى البرين يملأ العنقود الكف.

« لكأني أنظر إليه » أي هو في بالي كأني أنظر إليه الآن ، وحيث للتعليل ، ويحتمل المكان بدلا من الضمير ، وبنو ضمرة بفتح الضاد وسكون الميم رهط عمر وبن أمية الضمري ، وقيل : لكأني ، حكاية كلام العين وهو بعيد ، بل هو إشارة إلى ما ذكروا أن والد النجاشي كان ملك الحبشة ولم يكن له ولد غيره ، وكان للنجاشي عم له اثنا عشر ولدا وأهل الحبشة قتلوا والد النجاشي وأطاعوا عمه وجعلوه ملكا وكان النجاشي في خدمة عمه ، فقالت الحبشة للملك : إنا لا نأمن هذا الولد أن يتسلط علينا يوما ويطلب منا دم والده فاقتله قال الملك : قتلتم والده بالأمس وأقتل ولده اليوم ، أنا لا أرضى بذلك وإن أردتم بيعوه من رجل غريب يخرجه من دياركم ففعلوا ذلك فبعد زمان أصيب الملك بصاعقة فمات ولم يكن أحد من أولاده قابلا للسلطنة فاضطروا إلى أن أتوا وأخذوا النجاشي من سيده قهرا بلا ثمن وردوه إلى بلادهم وملكوه عليهم فجاء سيده وادعى عليهم ورفع أمره إلى النجاشي وهو لا يعرفه فحكم له عليهم ، وقال : أعطوه أما الغلام وإما الثمن ، فأدوا إليه الثمن.

والتواضع هو إظهار الخشوع والخضوع والذل والافتقار إليه تعالى عند ملاحظة عظمته وعند تجدد نعمه تعالى أو تذكرها ، ولذا استحبت سجدة الشكر في هذه الأمة ، وورد مثل هذا التذلل بلبس أخس الثياب وأخشنها وإيصال مكارم البدن إلى التراب في بعض صلوات الحاجة.

٢٤٥

قال لأصحابه إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.

٣ ـ ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أفطر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عشية خميس في مسجد قبا فقال هل من شراب فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعس مخيض بعسل فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال شرابان

_________________________________________

« نزيد صاحبها كثرة » أي في الأموال والأولاد والأعوان في الدنيا وفي الأجر في الآخرة« وأن التواضع » أي عدم التكبر والترفع وإظهار التذلل لله وللمؤمنين يوجب رفع صاحبه في الدنيا والآخرة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« رفعاه » أي بالثناء عليه أو بإعانته في حصول المطالب وتيسر أسباب العزة والرفعة في الدارين وفي التكبر بالعكس فيهما.

الحديث الثالث : كالسابق.

وفي القاموسقباء بالضم ويذكر ويقصر موضع قرب المدينة ، وقال :العساس ككتاب الأقداح العظام والواحد عس بالضم وقال :مخض اللبن يمخضه مثلثة الآتي أخذ زبدة فهو مخيض ، وممخوض بعسل أي ممزوج بعسل ، وقيل : إنما امتنعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن اللبن المخيض الحامض الممزوج بالعسل لا لذة فيه ، فيكون إسرافا ، فالمراد بالتواضع لله الانقياد لأمره في ترك الإسراف ، ولا يخفى بعده.

وروى الحسين بن سعيد في كتاب الزهد هذا الخبر عن ابن أبي عمير عن

٢٤٦

يكتفى بأحدهما من صاحبه لا أشربه ولا أحرمه ولكن أتواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود الحمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله وقال من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته.

_________________________________________

عبد الرحمن عنهعليه‌السلام مثله ، إلا أنه قال : بعس من لبن مخيض بعسل.

وروى البرقي في المحاسن عن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن آبائه قال : دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجد قبا فأتي بإناء فيه لبن حليب مخيض بعسل فشرب منه حسوة أو حسوتين فوضعه ، فقيل : يا رسول الله أتدعه محرما؟ فقال : اللهم إني أتركه تواضعا لله.

ويدل على أن التواضع بترك الأطعمة اللذيذة مستحب ويعارضه أخبار كثيرة ويمكن اختصاصه بالنبي والأئمةعليهم‌السلام كما يظهر من بعض الأخبار ، والاقتصاد :

التوسط وترك الإسراف والتقتير ، والتبذير في الأصل التفريق ويستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعية إسرافا وإتلافا وصرفا في المحرم.

« ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله » لأن كثرة ذكر الموت توجب الزهد في الدنيا والميل إلى الآخرة وترك المعاصي وسائر ما يوجب حبه تعالى.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وهذه الفقرة بدل من الفقرة الأخيرة في الخبر السابق ، وذكر الله أعم أن يكون باللسان أو الجنان ، وأعم من أن يكون بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا أو بتلاوة كتابه أو بذكر شرائعه وأحكامه أو بذكر أنبيائه وحججه ، فإنه قد ورد إذا ذكرنا ذكر الله.

« أظله الله في جنته » أي آواه تحت قصورها وأشجارها أو وقع عليه ظل رحمته ، أو أدخله في كنفه وحمايته ، كما يقال : فلان في ظل فلان.

٢٤٧

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يذكر أنه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ملك فقال إن الله عز وجل يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا قال فنظر إلى جبرئيل وأومأ بيده أن تواضع فقال عبدا متواضعا رسولا فقال الرسول مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا قال ومعه مفاتيح خزائن الأرض.

_________________________________________

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

« قال فنظر إلى جبرئيل » أي قال أبو جعفرعليه‌السلام : فنظر الرسول إلى جبرئيل مستشيرا منه وإن كان عالما وكان لا يحب الملك وكان هذا أيضا من تواضعه« فأومأ » جبرئيلعليه‌السلام بيده« أن تواضع » وأن مفسرة ، ويحتمل أن يكون المستتر في قال راجعا إلى الرسول وإلى بالتشديد ، وكان الأول أظهر كما أنه في مشكاة الأنوار ، قال : فنظر إلى جبرئيلعليه‌السلام فأومأ إليه بيده أن يتواضع ، وعلى التقديرين من « قال » إلى قوله : تواضع ، معترضة« فقال : عبدا » أي اخترت أن أكون عبدا« فقال الرسول » أي الملك« مع أنه » أي الملك أو اختياره« مما عند ربك » أي من القرب والمنزلة والمثوبات والدرجات« قال ومعه » أي قال أبو جعفرعليه‌السلام وكان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح أتى بها ليعطيه إياها إن اختار الملك.

ويحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك ، ومفعول القول محذوفا والواو في قوله : ومعه ، للحال أي قال ذلك ومعه المفاتيح ، وقيل : ضمير قال راجع إلى الرسول أي قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أقبل وإن كان معه المفاتيح ، ولا يخفى ما فيه.

والمفاتيح جمع المفتاح جمع المفتح ، والمفاتيح يمكن حملها على الحقيقة أي أتى بآلة يمكن بها التسلط على خزائن الأرض والاطلاع عليها ، أو يكون تصويرا لتقدير ذلك وتحقيقا للقول بأنك إذا اخترت ذلك كان سهل الحصول لك كهذه المفاتيح تكون بيدك فتفتح بها ، أو يكون الكلام مبنيا على الاستعارة أي أتى بأمور

٢٤٨

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقا وأن لا تحب أن تحمد على التقوى.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن يقطين عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أوحى الله عز وجل إلى موسىعليه‌السلام أن يا موسى أتدري لم اصطفيتك

_________________________________________

يتيسر بها الملك ، وعبر عنها بالمفتاح مجازا كخاتم سليمان وبساطه مثلا وأشباه ذلك مما يسهل معه الاستيلاء على جميع الأرض ، أو العلم بطريق الوصول إليها والقدرة عليها.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« بالمجلس دون المجلس » أي ترضى بمجلس هو أدون من المجلس الذي هو لائق بشرفك بحسب العرف ، أو تجلس أي مجلس اتفق ولا تتقيد بمجلس خاص والأول أظهر« على من تلقى » أي على كل من تلقاه أي من المسلمين واستثني منه التسليم على المرأة الشابة إلا أن يأمن على نفسه ، وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب العشرة إنشاء الله.

« وأن تترك المراء » أي المجادلة والمنازعة وأما إظهار الحق بحيث لا ينتهي إلى المراء فهو حسن بل واجب ، وقيل : إذا كان الغرض الغلبة والتعجيز يكون مراء ، وإن كان الغرض إظهار الحق فليس بمراء.

قال في المصباح : ماريته أمارية مماراة ومراء جادلته ويقال : ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول وتصغيرا للقائل ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا ، انتهى.

« ولا تحب أن تحمد على التقوى » فإن هذا من آثار العجب ، وينافي الإخلاص في العمل كما مر.

الحديث السابع : مرسل.

٢٤٩

بكلامي دون خلقي قال يا رب ولم ذاك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب أو قال على الأرض.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر علي بن الحسين صلوات الله عليه على المجذمين وهو راكب حماره وهم يتغدون فدعوه إلى الغداء فقال أما إني لو لا أني صائم لفعلت فلما

_________________________________________

« بكلامي » أي بأن أكلمك بلا توسط ملك« إني قلبت عبادي » أي اختبرتهم بملاحظة ظواهرهم وبواطنهم ، كناية عن إحاطة علمه سبحانه بهم وبجميع صفاتهم وأحوالهم ، قال في المصباح : قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه ، وقلبت الرداء حولته وجعلت أعلاه أسفله وقلبت الشيء للابتياع قلبا أيضا تصفحته فرأيت داخله وباطنه ، وقلبت الأمر ظهرا لبطن اختبرته ، انتهى.

وقيل : ظهرا بدل عن عبادي واللام في لبطن للغاية فهي بمعنى الواو مع مبالغة« أو قال » الترديد من الراوي ، ويدل على استحباب وضع الخد على التراب أو الأرض بعد الصلاة.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وفي القاموس :الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها ، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها من تقرح جذم كعني فهو مجذوم ومجذم وأجذم ، ووهم الجوهري في منعه ، وكان صومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان واجبا حيث لم يفطر مع الدعوة.

« أن يتألقوا » وفي بعض النسخيتنوقوا (١) أي يتكلفوا فيه ويعملوه لذيذا حسنا ، في القاموس : تأنق فيه عمله بالإتقان كتنوق ، وقال : تنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق ، انتهى.

__________________

(١) كما في المتن.

٢٥٠

صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم.

_________________________________________

« فتغدوا عنده » أي في اليوم الآخر أو أطلق التغدي على التعشي للمشاكلة« وتغدى معهم » هذا ليس بصريح في الأكل معهم في إناء واحد فلا ينافي الأمر بالفرار من المجذوم ، مع أنه يمكن أن يكونوا مستثنين من هذا الحكم لقوة توكلهم وعدم تأثر نفوسهم بأمثال ذلك أو لعلمهم بأن الله لا يبتليهم بأمثال البلايا التي توجب نفرة الخلق.

وفي مشكاة الأنوار عن أبي عبد الله أن علي بن الحسينعليهما‌السلام مر على المجذومين يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فمضى ، ثم قال : إن الله عز وجل لا يحب المتكبرين وكان صائما فرجع إليهم فقال : إني صائم ثم قال : ائتوني في المنزل فأتوه فأطعمهم وأعطاهم ، وزاد فيه ابن أبي عمير أنه بعد منعهم.

ثم اعلم أن الأخبار في العدوي مختلفة ، فسيأتي في الروضة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا عدوي ولا طيرة ، وقد ورد : فر من المجذوم فرارك من الأسد ، وقيل في الجمع بينهما : أن حديث الفرار ليس للوجوب بل للجواز أو الندب احتياطا خوف ما يقع في النفس من العدوي والأكل والمجالسة للدلالة على الجواز ، وأيد ذلك بما روي من طرق العامة عن جابر أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل مع المجذوم ، فقال : آكل ثقة بالله وتوكلا عليه ، ومن طرقهم أيضا أن امرأة سألت بعض أزواجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الفرار من المجذوم فقالت : كلا والله ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا عدوى ، وقد كان لنا مولى أصابه ذلك وكان يأكل في صحافي ويشرب من قداحي وينام على فراشي ، وقال بعض العامة : حديث الأكل ناسخ لحديث الفرار ، ورده بعضهم بأن الأصل عدم النسخ ، على أن الحكم بالنسخ يتوقف على العلم بتأخير حديث الأكل وهو غير معلوم ، وقال بعضهم للجمع : حديث الفرار على تقدير وجوبه إنما كان لخوف أن

٢٥١

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه.

١٠ ـ عنه ، عن ابن فضال ومحسن بن أحمد ، عن يونس بن يعقوب قال نظر أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحيا منه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لو لا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم.

١١ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فيما أوحى الله عز وجل إلى داودعليه‌السلام يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون.

_________________________________________

يقع في العلة بمشية الله فيعتقد أن العدوي حق.

أقول : قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

الحديث التاسع : موثق.

« دون شرفه » أي عند المجلس الذي يقتضي شرفه الجلوس فيه أو أدون منه والأخير أظهر وأحسن.

الحديث العاشر : موثق.

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم وأنه مع ملامة الناس الترك أولى.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

والتواضع ترك التكبر والتذلل لله ولرسوله ولأولي الأمر وللمؤمنين وعدم حب الرفعة والاستيلاء ، وكل ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدين موجبا للقرب كان الآخر موجبا للبعد.

٢٥٢

١٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال دخلت على أبي الحسن موسىعليه‌السلام في السنة التي قبض فيها أبو عبد اللهعليه‌السلام فقلت جعلت فداك ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة فقال يا أبا محمد إن نوحاعليه‌السلام كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء وخلى سبيلها نوحعليه‌السلام فأوحى الله عز وجل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : مرفوع.

«في السنة التي قبض فيها» أي بعد القبض وكان أول إمامته لا قبله كما قيل ، والمراد بفلان أحد الأشراف الذين كانوا يعدون أنفسهم من أقرانه« وكان » أي نوحعليه‌السلام « فيها » أي في السفينة« ما شاء الله من الزمان » أي زمانا طويلا ، ويحتمل أن يكون ما شاء الله اسم كان أي ما شاء الله حفظه من المؤمنين والحيوانات والأشجار والحبوب ، وكل ما يحتاج إليه بنو آدم والأول أظهر ، واختلف في مدة مكثهعليه‌السلام في السفينة فقيل : سبعة أيام كما روي عن الصادقعليه‌السلام ، وفي رواية أخرى مائة وخمسون يوما ، وقيل : ستة أشهر وقيل : خمسة أشهر«وكانت السفينة مأمورة» أي بأمر الله يذهب به حيث أراد ، وقيل : بأمر نوح ، قالوا : كان إذا أراد وقوفها قال : بسم الله ، فوقفت وإذا أراد جريها قال : بسم الله ، فجرت كما قال تعالى : «بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها »(١) .

« فطافت بالبيت » كأنه لما دخلت السفينة الحرم أحرمعليه‌السلام بعمرة مفردة وطواف النساء للإحلال منها بأن أتى ببقية الأفعال قبله ، والتخصيص لبيان أن في شرعه أيضا كان طواف النساء ، ويحتمل أن يكون في شرعهعليه‌السلام هذا مجزيا عن طواف الزيارة والأول أظهر ، بل يحتمل أن يكون الإحرام للحج وأتى بجميع أفعاله كما سيأتي في هذا الكتاب عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال

__________________

(١) سورة هود : ٤١.

٢٥٣

جبل منكن فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل قال فقال نوحعليه‌السلام عند ذلك يا ماري أتقن وهو

_________________________________________

إن سفينة نوح كانت مأمورة فطافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت مني في أيامها ثم رجعت السفينة وكانت مأمورة وطافت بالبيت طواف النساء ، فهذا الخبر كالتفسير لخبر المتن.

وفي القاموس : طاولني فطلته كنت أطول منه في الطول والطول جميعا وتطاول وتطايل واستطال امتد وارتفع وتفضل وتطاول ، وقال :شمخ الجبل علا وطال ، والرجل بأنفه تكبر ، انتهى.

وهذه الجملة إما على الاستعارة التمثيلية إشارة إلى أن الناس لما ظنوا وقوعها على أطول الجبال وأعظمها ولم يظنوا ذلك بالجودي ، وجعلها الله عليه فكأنها تطاولت وكان الجودي خضع فإذا كان التواضع الخلقي مؤثرا في ذلك فالتواضع الإرادي أولى بذلك ، ويحتمل أن يكون الله تعالى أعطاها في ذلك الوقت الشعور وخاطبها للمصلحة ، فالجميع محمول على الحقيقة ، وقد يقال : للجمادات شعور ضعيف بل لها نفوس أيضا وفهمه مشكل وإن أو ما إليه بعض الآيات والروايات.

قوله عليه‌السلام : وهو جبل عندكم ، أقول : في تفسير العياشي وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له الجودي ، وأقول : اختلفوا في الجودي قال الطبرسي : قال الزجاج : الجودي جبل بناحية آمد وقال غيره : بقرب جزيرة الموصل ، وقال أبو مسلم : الجودي اسم لكل جبل وأرض صلبة ، انتهى.

وأقول : يظهر من بعض الأخبار أنه كان بقرب الكوفة ، ومن بعضها أنها الغري على مشرفه السلام ، والجؤجؤ كهدهد : الصدر ، واللام في الجبل للعهد أي الجودي ، وفي العياشي : فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي فوقعت عليه ، فقال نوح : بارأت قنى ، بارأت قنى ، قال : قلت :

جعلت فداك أي شيء هذا الكلام؟ فقال : اللهم أصلح ، اللهم أصلح ، وأقول : كأنه

٢٥٤

بالسريانية يا رب أصلح قال فظننت أن أبا الحسنعليه‌السلام عرض بنفسه.

١٣ ـ عنه ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم

_________________________________________

ظهر في السفينة اضطراب عند الوقوع على الجودي خافوا منه الغرق ، فلذا شرععليه‌السلام في التضرع والدعاء كما روى علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادقعليه‌السلام إلى أن قال : فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا ، ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال : فرفع نوحعليه‌السلام يده ثم قال : يا رهمان أتقن ، وتفسيرها : رب أحسن ، فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها.

وروى الصدوق في العيون وغيره عن الرضاعليه‌السلام أن نوحاعليه‌السلام لما ركب السفينة أوحى الله عز وجل إليه : يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ثم سلني النجاة أنجك من الغرق ومن آمن معك ، قال : فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ورفع القلس عصفت الريح عليهم فلم يأمن نوح الغرق فأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية : هلوليا ألفا ألفا ياماريا أتقن ، قال : فاستوى القلس واستمرت السفينة ، الخبر.

قوله : عرض بنفسه ، التعريض توجيه الكلام إلى جانب وإرادة جانب آخر وهو خلاف التصريح أي غرضهعليه‌السلام من هذا التمثيل بيان أنه اختار الكبش للتواضع ، وهو مورث للعزة في الدارين ، ويدل على أن اختيار أقل الأمرين في المستحبات إذا كان مستلزما للتواضع أحسن ، مع أن الإخلاص فيه أكثر وعن الرياء والسمعة والتكبر أبعد.

ويحتمل أن يكون في ذلك تقية أيضا ، ولا يبعد كون الكبش في الهدي والأضحية أفضل لدلالة الأخبار الكثيرة عليه ، وسيأتي القول فيه في محله إن شاء الله تعالى.

الحديث الثالث عشر : مرسل كالموثق وآخره مرسل.

٢٥٥

عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال التواضع أن تعطي الناس ـ ما تحب أن تعطاه.

وفي حديث آخر قال قلت ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا فقال التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس «وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ».

_________________________________________

« أن تعطى الناس » أي من التعظيم والإكرام والعطاء« ما تحب أن تعطاه » منهم في جميع ذلك« التواضع درجات » أي التواضع لله وللخلق درجات أو ذوو درجات باعتبار كمال النفس ونقصها« أن يعرف المرء قدر نفسه » بملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه« بقلب سليم » من الشك والشرك والرياء والعجب والحقد والعداوة والنفاق ، فإنها من أمراض القلب قال تعالى : «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ »(١) « لا يحب أن يأتي إلى أحد » من قبل الله أو من قبله أو الأعم« إلا مثل ما يؤتى إليه » كان المناسب للمعنى المذكور ما ذكرنا « أن يأتي إليه » على المعلوم وكان الظرف فيهما مقدر والتقدير لا يحب أن يأتي إلى أحد بشيء إلا مثل ما يؤتى به إليه ، ويؤيده أنه روي في مشكاة الأنوار نقلا من المحاسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام أنه سأله علي بن سويد المدني عن التواضع الذي إذا فعل العبد كان متواضعا؟ فقال : التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، ولا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يأتون إليه ، إلى آخر الخبر.

ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتيه وتأتيا أي سهلت سبيله ليخرج إلى موضع ، ذكره الجوهري لكنه بعيد« درأها » أي دفعها« بالحسنة » أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى : «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ »(٢) قال البيضاوي : يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠.

(٢) سورة الرعد : ٢٢.

٢٥٦

باب

الحب في الله والبغض في الله

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممن كمل إيمانه.

٢ ـ ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع

_________________________________________

باب الحب في الله والبغض في الله

الحديث الأول : صحيح.

« من أحب لله » أي أحب من أحب لأن الله يحبه وأمر بحبة من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام والصلحاء من المؤمنين لا للأغراض الدنيوية والأطماع الدنية« وأبغض لله » أي أبغض من أبغض لأن الله يبغضه وأمر ببغضه من أئمة الضلالة والكفار والمشركين والمخالفين والظلمة والفجار لمخالفتهم لله تعالى« وأعطى لله » أي أعطى من أمر الله بإعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم خالصا لله من غير رياء ولا سمعة ، وفي بعض النسخ في الله في المواضع فهو أيضا بمعنى لله وفي للتعليل أو بمعنى الحب في سبيل طاعته فيرجع إليه أيضا« فهو ممن كمل إيمانه » لأن ولاية أولياء الله ومعاداة أعدائه وإخلاص العمل عمدة الإيمان وأعظم أركانه.

الحديث الثاني : كالسابق سندا ومتنا.

والعروة ما يكون في الجبل يتمسك به من أراد الصعود وعروة الكوز ونحوه ، والأول هنا أنسب كأنهعليه‌السلام شبه الإيمان بجبل يرتقي به إلى الجنة و

٢٥٧

في الله.

٣ ـ ابن محبوب ، عن أبي جعفر محمد بن النعمان الأحول صاحب الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ود المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن المتحابين

_________________________________________

الدرجات العالية ، والأعمال الإيمانية وأخلاقها بالعري التي تكون فيه يتمسك بها من أراد الصعود عليه ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها »(١) .

والمنع في الله أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه كالحد المنتهى إلى التبذير أو إعطاء الكفار لغير مصلحة والفجار لإعانتهم علي الفجور وأمثال ذلك.

الحديث الثالث : مجهول ، وفي القاموسالود والوداد الحب ويثلثان كالودادة والمودة ، وفي المصباح الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها والجمع شعب مثل غرفة وغرف ، والشعبة من الشيء الطائفة منه ، وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت عن أصلها وتفرقت ويقال : هذه المسألة كثيرة الشعب ، انتهى.

وشعب الإيمان الأعمال والأخلاق التي يقتضي الإيمان الإتيان بها ، والصفي : الحبيب المصافي وخالص كل شيء.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« إن المتحابين في الله » أي الذين يحب كل منهم الآخرين لمحض رضاء الله

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٢٥٨

في الله يوم القيامة على منابر من نور قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء حتى يعرفوا به فيقال هؤلاء المتحابون في الله.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحب والبغض أمن الإيمان هو فقال وهل الإيمان إلا

_________________________________________

وكونهم من أحباء الله لا للأغراض الباطلة ويكون أضاء لازما ومتعديا يقال : أضاء الشيء وإضاءة غيره ، ذكره في المصباح.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« عن الحب والبغض » أي حب الأئمةعليهم‌السلام وبغض أعدائهم أو الأعم منهما ومن حب المؤمنين والطاعة وبغض المخالفين والمعصية ، والغرض من السؤال إما استعلام أن الاعتقاد بإمامة الأئمةعليهم‌السلام ومحبتهم والتبري عن أعدائهم هل هما من أجزاء الإيمان وأصول الدين كما هو مذهب الإمامية ، أو من فروع الدين والواجبات الخارجة عن حقيقة الإيمان كما ذهب إليه المخالفون ، أو استبانة أن حب أولياء الله وبغض أعدائه هل هما من الأمور الاختيارية التي يقع التكليف بهما أو هما من فعل الله تعالى ، وليس للعبد فيه اختيار فلا يكون مما كلف الله به ، والأول أظهر.

فأجابعليه‌السلام على الاستفهام الإنكاري بأن مدار الإيمان على الحب والبغض ، لأن الاعتقاد بالشيء لا ينفك عن حبه وإنكاره عن بغضه ، أو عمدة الإيمان ولاية الأئمةعليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم إذ بهما يتم الإيمان وبدونهما لا ينفع شيء من العقائد والأعمال كما مر مفصلا ، فكان الإيمان منحصر فيهما أو لما كانا أصل الإيمان وعمدته كيف لم يكونا مكلفا به وكيف لم تكن مباديهما بالاختيار ، والاستشهاد بالآية على الأول ظاهر ، وعلى الثاني فلأنه لما حصر الله تعالى الرشد والصلاح فيهما فلو لم يكونا اختياريين لزم الجبر والتكليف بما لا يطاق ، وهما منفيان بالدلائل العقلية.

٢٥٩

الحب والبغض ثم تلا هذه الآية «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ »(١) .

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم ، عن عمرو بن مدرك الطائي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه أي عرى الإيمان أوثق فقالوا الله ورسوله أعلم

_________________________________________

والنقلية.

وأما الآية فقال الطبرسي (ره):« ولكن «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ » أي جعله أحب الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته وبما وعد من الثواب عليه «وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » بالألطاف الداعية إليه «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ » بما وصف من العقاب عليه وبوجوه الألطاف الصارفة عنه «وَالْفُسُوقَ » أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي «وَالْعِصْيانَ » أي جميع المعاصي ، وقيل : الفسوق الكذب وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام «أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ » يعني الذين وصفهم بالإيمان وزينه في قلوبهم هم المهتدون إلى معالي الأمور ، وقيل : هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى الجنة ، انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد بالكفر الإخلال بالعقائد الإيمانية ، وبالفسوق الكبائر وبالعصيان الصغائر أو الأعم أو بالكفر ترك الإيمان ظاهرا وباطنا ، وبالفسق النفاق وبالعصيان جميع المعاصي ، وقد ورد في أخبار كثيرة قد مر بعضها أن الإيمان أمير المؤمنين وولايته والكفر والفسوق والعصيان الأول والثاني والثالث لعنهم الله ، فيؤيد المعنى الأول الذي ذكرنا في صدر الكلام.

الحديث السادس : مجهول.

والغرض من السؤال امتحان فهم القوم وشدة اهتمامهم باستعلام ما هو الحق في ذلك وبالعمل به وكان اختيار كل منهم فعلا وذكره على سبيل الاحتمال أو الاستفهام ، ولم يكن حكما منهم بأنه كذلك فإنه حينئذ يكون قولا بغير علم

__________________

(١) سورة الحجرات : ٧.

٢٦٠