دلّ؛ لأنّ الفياضيّة لازم النور، وهذا النور عين المشيّة والشعور) (1) .
أقول: وسيأتي أنّ المشيّة ليست عين وجوده، على أنّ الاستدلال أيضاً غير واضح، فهذا الوجه أيضاً غير تام عندنا.
لا يقال: القادر على الفعل قادر على الترك، وإلاّ كان موجباً؛ ضرورة تساوي القدرة إلى الطرفين، لكن العدم غير مقدور؛ لأنّه أزلي، ولأنّه نفي محض لا يصلح لأن يكون أثراً.
فإنّه يقال: القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل، لا أن يفعل العدم، وأمّا أزلية العدم فهي لا تنافي القدرة؛ لأنّ استمراره بيد القادر، والشبهة سخيفة جداً؛ لأنّها تبطل القدرة مطلقاً، مع أنّها وجدانية ومحسوسة في الحيوان.
وهذه مسألة هامّة جداً، وقد أصبحت من أهم معارك الآراء الفلسفية والأنظار الكلامية، والتضارب فيها شديد جداً بحيث نسبت طائفة إلى الجهل والضلال، وابتليت فرقة بالتكفير والتفسيق.
وتصوير النزاع في هذه المسألة:
أنّ الواجب الوجود هل يتمكن من ترك الفعل أو لا؟ وإن شئت فقل: إنّ ما يصدر عنه هل هو واجب منه أم لا؟ بل يمكنه الترك والفعل معاً، فلا وجوب للفعل منه، وإنّما الوجوب بعد تعلّق إرادته، فإنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
وبكلمة أوضح بياناً: لا شك عند الموحّدين أنّ الله مختار في خلقه وفعله، لكن هل اختياره من سنخ اختيار الحيوان، الذي هو بمعنى له أن يفعل وله أن لا يفعل، أم لا بل هو من سنخ آخر؟
المتكلّمون على الأَوّل، والفلاسفة على الثاني، وحيث إنّ البحث عنه مهم جداً، نبدأ بنقل ما أفاده الباحثون من الطرفين فيها؛ حتى تتّضح المسألة المذكورة حقّ وضوحها، ولنكن حين الاستدلال والاختيار على بصيرة تامّة من أمرنا.
فنقول: قال الفيلسوف الشهير في أسفاره (2): إنّ للقدرة تعرفينِ مشهورين:
أحدهما: صحّة الفعل ومقابله أعني الترك.
وثانيهما: كون الفاعل في ذاته، بحيث إنّ شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
والتفسير الأَوّل للمتكلمين والثاني للفلاسفة، ومن المتأخّرين من ذهب إلى أنّ المعنيين
____________________
(1) منظومة السبزواري / 172.
(2) الأسفار، المجلد الثاني، الفصل الأَوّل من الموقف الرابع، (الطبعة القديمة).