6%

الفصل الثاني

في علمه تعالى

واستيفاء المرام فيه من بيان جهات:

الجهة الأُولى: في إثبات أصل علمه تعالى

ونستخدم له وجوهاً من الدلائل:

الأَوّل: إنّ العلم له ممكن وما أمكن في حقه واجب له كما تقدّم.

الثاني: إنّ العلم الإمكاني موجود ولابدّ من استناده إلى العلم الواجب؛ بداهة عدم حصول العلم من غير العلم، فإذا كان ما بالغير هو العلم، فلابدّ وأن يكون ما به الغير أيضاً هو العلم، ومعلوم أنّ العلم الواجب ليس إلاّ للذات الواجبة.

الثالث: إنّ الممكنات مستندة إليه حدوثاً وبقاءً كما مرّ، ومن الضروري أنّ المفيض المختار لا يكون إلاّ عالماً بفعله وفيضه ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1) .

الرابع: إنّا ندرك أنّ جملةً من الأشياء الموجودة على كمال الإتقان والإحكام، ففاعلها عالم؛ بداهة عدم صدور هذه المحكمات العجيبة عن الجاهل، وهذا الوجه قوي جداً، فإنّ الصغرى حسية والكبرى ضرورية، فإنّا نذعن - بأوّل التفات - بأنّ الجاهل البَدوي لا يتمكّن من التدريس في الجوامع العلمية، وأنّ البِناء العالي لا يتكوّن من التُرب المثارة بالأهوية.

فالواجب الصانع لمّا فعل أفعالاً محكمة متقنة، نذعن إذعاناً اضطرارياً بأنّه عالم.

وهم ودفع

نوقش في البرهان الثالث بصدور الفعل القليل عن النائم والغافل، مع أنّهما قادرين عند المعتزلة وكثير من الأشاعرة؛ إذ لو جاز ذلك لجاز صدور الكثير أيضاً، فإنّ حكم الشيء حكم مثله، ومن الظاهر أنّهما غير عالمينِ، فالإيجاد لا يدل على العلم.

أقول: ويتوجه عليه:

أوّلاً: إنّ معنى المختار مَن له الفعل والترك، ويرجّح أحدهما على الآخر، ومن الظاهر أنّ

____________________

(1) الملك 67 / 14.