20%

وشدّة الإبهام، ونهاية الإهمال، كما اعترف به اللاهيجي أيضاً حيث قال: بعد ما اختار هذا المسلك وبيّنه تحت عنوان (تكميل عرشي): وهذا هو المراد من كون ذاته تعالى علماً إجمالياً بالأشياء، وعقلاً بسيطاً لها على ما حصّلناه من كلام الشيخ... إلى أن قال: فبالاضطرار لزم القول بالعقل التفصيلي المحقّق بحصول صور المهيات في العاقل، متميّزةً بعضها عن بعض، وعن الوجود في علمه تعالى بالأشياء، وهذا العِلمان هما المشار إليهما بالكلّ الأَوّل والكلّ الثاني في كلام الفارابي في الفصوص (1) ... إلخ فهذا المسلك أيضاً غير مفيد.

هداية

بعد ما بطل هذان المسلكان ولم يتمّا، فلا تتمنّ الوصول إلى الواقع عن بقيّة المسالك الدائرة في بيان علمه بالأشياء أزلاً، وكيفية تعلّقه بها: (چون نديدند حقيقت ره افسانه زدند)، فالذي ينبغي أن يقال في هذا المقام: إنّا قد برهنّا سابقاً على أنّ فعل الفاعل المختار مسبوق بالعلم بالضرورة، فإذن نعلم أنّ الذي خلق هذه الكائنات المختلفة المتعدّدة المتكثرة عالم قطعاً، وإمّا خلق ما خلق عن علم سابق على خلقته بالضرورة العقلية، فقد ثبت أنّه تعالى كان عالماً قبل فعله وخلقه بما يفعله ويخلقه، ولو بلحظة ثبوتاً بتّياً ضرورياً عقلاً، بحيث لا يمسّه شك، فإذا أمكن العلم قبل المعلوم ولو بلحظة فقد أمكن قبله ولو بملايين السنين؛ بداهة عدم تأثير قصر المدّة وطولها في الحكم العقلي من الإمكان والامتناع؛ لأنّ الشيء إن كان ممكناً فهو ممكن أزلاً وأبداً، وإن كان ممتنعاً فهو ممتنع كذلك، ولا يعقل انقلاب الجهات الثلاث عقلاً واتّفاقاً، فإذن نستيقن أنّ العلم بالأشياء قبل كونها ولو بقليل ثابت، وبكثير ممكن، وقد دريت أنّ ما أمكن في حقّه، ولم يمتنع عليه، فهو واجب له، فنستنتج أنّه تعالى عالم بجميع الأشياء تفصيلاً في الأزل.

ولك أن تحصّل النتيجة المذكورة من دون توسيط قاعدة الملازمة المزبورة، بأن تقول: حيث إنّه تعالى فاعل مختار، فهو عالم بفعله قبل فعله كما مرّ، وحينئذٍ نسأل عن حين حدوث هذا العلم؟ وأنّه في أي جزء من الزمان أو غيره حدث؟ فأي جزء اختير فيه حدوث علمه فهو ترجيح بلا مرجّح، بل ترجّح بلا مرجّح، وهو ضروري الاستحالة؛ أو يقال: إنّ العلم عين ذاته كما يأتي برهانه في المقصد الرابع، فلا يمكن القول بحدوثه فيما لا يزال، بل وجب الإذعان بثبوته فيما لم يزل.

وحاصل هذه الطرق الثلاثة - أي قاعدة الملازمة، وحديث الترجّح بلا مرجّح، وقانون العينية - أنّ جميع ما يصدر عن الخلاّق الحكيم المختار، وما سيصدر عنه تعالى إلى الأبد فهو

____________________

(1) الشوارق 2 / 251.