6%

بالأشياء أزلاً قبل وجوداتها، يُحمل الأَوّل منهما على الوقوع الشهودي المسبوق بالتعلّق الأزلي لا المسبوق بالجهل، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام والقدرة على المقدور؛ إذ لا شكّ في لزوم اعتبار القدرة قبل الشيء، وضرورة بطلان وجودها بعد وجود المقدور، فافهم واغتنم، وكأنّ الرواية ناظرة إلى بطلان قول مَن نفى علمه تعالى بالأشياء الجزئية بما هي جزئية، فإنّه اكتفى بالعلم الكلّي دون الجزئي كما مرّ، والثاني منهما على نفي العلم المستلزم لوجود المعلوم، لا على نفي مطلق العلم؛ ولذا صرّح الإمام عليه‌السلام - على تقدير صحّة الرواية - بأنّه تعالى ذات علامة، وأنّ العلم ذاته.

فقد تلخّص أنّ الله تعالى عالم أزلاً بجميع الأشياء وأحوالها وخصوصياتها. نعم، إنّه تعالى غير عالم بالأشياء أزلاً على نحو ظرفية الأزل للأشياء، وهذا من قبيل القضية السالبة بانتفاء الموضوع، بل هو عالم بعدمها أزلاً وبوجودها في أوقاتها، فالأزلي هو العلم دون المعلوم، فإن كان مراد الأحسائي هذا المعنى - كما ربّما يظهر من بعض كلماته - فهو ممّا لا شك فيه عندنا.

ثمّ إنّه ربّما يورد على القول بتعلّق علمه أزلاً بالحوادث، بأنّه يستلزم وجوبها، وإلاّ لجاز ألاّ يوجد فينقلب العلم جهلاً.

أقول: وجوابه ما مرّ منّا في مبحث القدرة.

التاسع: إنّه لا يعلم الأُمور الحاضرة، وشبّهوه بكونه تعالى قادراً قالوا: كما إنّه لا يقدر على الموجود فكذلك، لا يعلم الموجود. نسبه ابن الراوندي إلى معمّر بن عبّاد أحد شيوخ الأشاعرة، كما نقله الأحسائي في شرح العرشية (1) ، وقد دريت أنّ الممكن حدوثاً وبقاءً محتاج إلى فيض ربّه والتفات خالقه، فكيف لا يعلم مَن خلق؟ فهذه الآراء الخبيثة والأنظار السخيفة، كلّها مخالفة للعقل والشرع، والصحيح ما عرفت منّا وله الحمد.

واعلم أنّ أكثر هذه الأقوال المنحرفة عن الحق، إنّما نشأت من قياس علمه تعالى بعلمنا، وعلى هذا لا جواب مقنع لها، وهؤلاء القائلون الذين ضلوا وأضلوا، نسوا وغفلوا عن استحالة الإحاطة بكنه الواجب اللامحدود لإنسان محدود وجوده وعلمه.

الجهة الرابعة: في بيان العلم الإجمالي للحكماء

قسّم جماعة كثيرة من الفلاسفة علم الواجب إلى الإجمالي والتفصيلي، بل يظهر من السبزواري أنّ هذا التقسيم ممّا اتّفق عليه الكل، حيث قال (2) : والعلم الإجمالي الكمالي المتّفق

____________________

(1) شرح العرشية / 62.

(2) شرح المنظومة / 164.