6%

الشيرازي، حيث أورد على الحجة بأنّها مبنيّة على انعكاس الموجبة الكلّية كنفسها فلاحظ.

فقد تلخّص: أنّ ما تخيّلوه من تقسيم العلم إلى الإجمالي والتفصيلي، وجعل الأَوّل عين ذاته تعالى ضعيف البنيان، منهم الأساس، باطل الأركان، وسيأتي أنّ ما ذكروه حول العلم التفصيلي أيضاً لا يبتني على ركن وثيق، فإذن وجب الرجوع إلى ما قرّرناه من أنّ الله عالم بجميع الأشياء أزلاً قبل وجودها تفصيلاً، وسنبرهن على أنّ هذا العلم عين ذاته المقدّسة.

وأمّا كيفية هذا العلم، وأنّه كيف يتعلّق بالمعلوم؟ فهي خارجة عن قدرة نفوسنا وسلطة علومنا ( وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (1) .

وحيث إنّ هذا العلم عين ذاته فقد امتنع كونه حصولياً أو حضورياً؛ لامتناع اتّحاد الصور أو الموجودات الخارجية مع الذات الواجبة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومَن قال بأحدهما فإنّما هو في علمه التفصيلي الزائدة على ذاته بزعمه كما ستعرفه.

ثمّ إنّ هذا العلم الإجمالي لا يكفي لتحقيق هذا النظام الأجمل الموجود، فإنّه يقتضي العلم التفصيلي المتقدّم كما لا يخفى. وهذا الإشكال يجري في التقريب الأَوّل بلا خفاء.

وأمّا في الثاني؛ فلأنّا نقول: إنّ القائل به وإن يسند النظام إلى الصور المذكورة؛ إلاّ أنّها أيضاً تحتاج في صدورها عن الواجب إلى علم سابق عليها، وما قيل: من أنّ علمه بذاته يكفي لصدورها فهو ممّا لا برهان عليه.

وأمّا في الثالث؛ فلأجل أنّ العلم المفروض مجمل وبسيط، فلا يفي لفاعليته التامّة الكاملة الاختيارية، فتأمّل.

الجهة الخامسة: في العلم التفصيلي للحكماء.

معلومية الشيء إمّا بمجرّد حضور ذاته وعدم غيبتها، أو بتوسّط صورته، والأَوّل هو العلم الحضوري، والثاني هو العلم الحصولي، وكلا العلمينِ فينا متحقّق، فإنّا نعلم ذاتنا بنفس ذاتنا، والصور المرتسمة في أذهاننا بنفس تلك الصور، ونعلم الأشياء الخارجية بصورها وهذا واضح، وإنّما الكلام في العلم التفصيلي الثابت للواجب تعالى، وأنّه حصولي أو حضوري؟

فيه خلاف شديد، فذهب أرسطو وغيره وتوابع المشّائين - منهم الشيخان: أبو النصر الفارابي وابن سينا، وتلميذه بهمنيار وكثير من المتأخرين - إلى الأَوّل وتخيّل ارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيها، وسلك السهروردي (بل في الأسفار: وحكم بصحة هذه الطريقة كل مَن أتى بعده) الثاني وأنّ الأشياء - سواء كانت مجرّدات أو مادّيات، مركّبات أو

____________________

(1) الإسراء 17/ 85.