الموقف الثالث
في صفاته الفعلية
قالت اليهود: ( يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (1) فهو كلّ يوم في شأن جديد، وإحداث بديع لم يكن، يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، ولا رادع عن فعله، ولا مانع من قضائه، فله الإحياء والإمحاء، والرحم والغفران، والغضب والجود، والرزق والتدبير، والكفالة والهداية، والفصل والوصل، والإغناء والحفظ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يُحصى، فسبحان الذي يفعل ما يشاء، ولا يفعل ما يشاء أحد غيره (2) .
وقد مضى أنّ انحصار الصفات في الثمانية بلا أساس، غير أنّ التعرّض والبحث يخصّ بعضها دون الجميع؛ إمّا لأجل الأهمية، أو لوقوع الخلاف فيه.
ثمّ إنّ الفلاسفة اصطلحوا على تخصيص لفظ (الإبداع)، بإفادة موجود غير مسبوق بالمادة والمدّة كالعقول، وقالوا: إنّه أفضل أنحاء الإيجاد.
والتكوين، بإفادة شيء مسبوق بالمادةّ كالماديات.
والإحداث بإفادة شيء مسبوق بالمدّة كالحوادث اليومية.
والاختراع بإيجاد شيء بلا مِثال له في الخارج.
وأمّا الفعل والخلق والصنع فهي بمعنىً واحد أعم.
ويطلقون على جميع الموجودات الممكنة ألفاظ المخلوق والمصنوع والمفعول. كما ذكره المحقّق اللاهيجي (3) .
ولكن في شرح المنظومة (4) : المفعول إمّا أن يكون مسبوقاً بالمادّة والمدّة وهو الكائن، وإمّا أن لا يكون مسبوقاً بشيء منهما وهو المبتدَع، وإمّا أن يكون بالمادّة وهو المخترَع، وإمّا عكسه فاحتمال في بادي الرأي غير متحقّق في الخارج، ومثّل للثالث بالفَلك والفلكيات، فإنّها مسبوقة بالمادة دون الزمان المتأخّر عن حركة الفَلك المتأخّرة عن نفسه.
أقول: لا مشاحّة في الاصطلاح، غير أنّ الصحيح مسبوقية نوع فعله بالعدم، كما سيأتي بحثه إن شاء الله.
____________________
(1) المائدة 5 / 64.
(2) مأخوذ من حديث معتبر سنداً.
(3) گوهر مراد / 200.
(4) شرح المنظومة / 181.