6%

همّه بالشيء، أَوَ تدري ما أراد؟ قال: لا، قال: إتمامه على المشيئة) (1) .

أقول: لعلّ المراد بالهمّ هو ابتداء الفعل كما يفهم من قوله: إتمامه، ومن تصريح الرواية المتقدّمة بذلك، وإلاّ فالهمّ عليه محال، وقد صرّح به في الروايات المتقدّمة أيضاً.

وأمّا الفرق بين المشيئة والإرادة فسيأتي بحثه إن شاء الله.

هذا ما وقفنا عليه من الروايات الدالة على حدوث الإرادة، ولم أجد روايةً - ولو ضعيفة السند والدلالة - على أنّها قديمة، أو عين ذاته تعالى، أو هي راجعة إلى العلم، مع أنّ الصفات الذاتية مصرّح بها في روايات كثيرة، عن أهل العصمة والنبوّة سلام الله عليهم أجمعين.

وأمّا ما ذكره بعض الأماجد (2) من آل كاشف الغطاء - من أنّ الإرادة في لسان أهل البيت تُطلق على معنيين: الخلق الإيجاد، ثمّ العلم حسبما استقصينا من أحاديثهم، واستشهد للثاني برواية نقلها عن الكافي - فهو ممنوع، والموجود في الكافي مغاير لِما نقله في كتابه، على أنّ استعمال الإرادة في العلم أحياناً، لا يُسمن ولا يغني من شيء أصلاً كما لا يخفى، ولا سيما بعد ما صرّح في الرواية الخامسة بتغايرهما.

إزاحة وإنارة

قد تحصّل أنّ الروايات صريحة كما هي الأكثر، أو ظاهرة غاية الظهور في حدوث الإرادة، وجملة منها صحيحة الإسناد، فلا يعتريها شكّ وارتياب، غير أنّ جماعةً من الباحثين كالمحقّق الداماد على ما في الأسفار، والمحدّث المجلسي في البحار ومرآة العقول، وصاحب الأسفار في شرحه على الكافي، والفيض الكاشاني في الوافي، والفيّاض اللاهيجي في الشوارق وگوهر مراد، والشيخ المحقّق محمد حسين في نهاية الدراية وتحفة الحكيم، وغيرهم في غيرها أغمضوا أعينهم عن صراحة هذه الروايات، فوجّهوها بتوجيهات باردة، وحملوها على محامل بعيدة فاسدة، بل بعضها مخالف لصراحة بعض الروايات المذكورة.

وإنّي لا أرى فائدةً في إيرادها وإبطاله، فالمنصف إذا راجعها ولاحظها بالقياس إلى الروايات يجدها موهومةً موهونة، والعجب أنّ الأئمة عليهم‌السلام بيّنوا صفات الذات وعينيتها معها، ولكن لمّا وصل بيانهم إلى الإرادة لم يبيّنوها؛ لعدم استعداد الأذهان كما يقول بعض هؤلاء، أو أنّهم عليهم‌السلام بيّنوا الإرادة الفعلية، وأهملوا ذكر الإرادة الذاتية، مع أنّه لا أثر إلاّ في أوهام هذا القوم. وإن تعجب فعجب من المجلسي قدّس سره، فإنّه مع جموده الجميل على ظواهر الروايات، كيف ترك

____________________

(1) البحار 5 / 122.

(2) الدين والإسلام 1 / 188.