تعالى عقلية لا تعبّدية محضة؛ إذ الفاعل المختار ما لم يتصوّر الشيء بحدوده لا يطلبه؛ لعدم ترتّب غرضه عليه بعد، كما لا يخفى.
وأمّا ما عن أمير المؤمنين عليهالسلام (1) ، من تفسير القضاء والقدر بالأمر بالطاعة، والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه والخذلان لمَن عصاه، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وأنّ كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره بأعمالنا... إلخ، فهو لا ينافي ما ذكرنا؛ لأنّ مصداق القدر في الأفعال الاختيارية للمكلّفين من وجهتها التشريعية ليس إلاّ ذلك، فكأنّ الإمام عليهالسلام لم يكن في مقام بيان تقدير الأفعال بما هي تكوينية، بل بما هي متعلّقة للتكليف، كما يظهر من ملاحظة صدر الرواية، ولا شك أنّ جميع ما ذكره عليهالسلام قدر وقضاء.
وبالجملة، حمل الأمر والنهي وغيرهما - في هذه الرواية - على القضاء، ليس من الحمل الذاتي والحصر المفهومي، بل من الحمل الشائع الصناعي.
وأمّا القضاء فهو الحكم البتّي المستتبع للإمضاء غالباً، فهو بمنزلة القصد فينا، وإنّما قلنا غالباً؛ للجمع بين هذه الروايات ونحوها، وبين ما دلّ على أنّ الدعاء - وكذا غيره - يردّ القضاء.
والخلاصة: أنّه يُكتب في اللوح المحفوظ أَوّلاً أنّ الشيء الفلاني يوجد، ثمّ يكتب توكيده وإتمامه، فكأنّ الأَوّل مقتضٍ لوجود الشيء والثاني شرطه، ثمّ يُكتب حدوده من خواصه وأَوّله وآخره وغيرها من تشخّصاته، ثمّ يُكتب الحكم البتّي على إيجاده، فالأَوّل هو المشيئة، والثاني هو الإرادة، والثالث هو القدر، والرابع هو القضاء، والخامس أعني - الإيجاد والإمضاء - هو الإرادة المبحوث عنها في الفريدة الأُولى.
قال الأديب الطريحي في مجمع البحرين في كلمة المشيئة: قال بعض أفاضل العلماء: المشيئة والإرادة والقدر والقضاء كلّها بمعنى النقش في اللوح المحفوظ، وهي من صفات الفعل لا الذات... إلخ.
وسيأتي مزيد تصحيحه أيضاً، ثمّ إنّ إتقان هذه الفريدة وإيضاحها، موقوف على البحث عن مسائل مهمّة أخرى لا يمكن إهمالها، فنقول وبالله الاعتصام:
المستفاد من الكتاب والسُنة أنّ لله - في عالم الكون - كتاباً ذكر فيه جميع الأشياء بتفاصيلها، وقد اشتهر اسمه - على حدّ تفسير القرآن المجيد - باللوح المحفوظ، وإليك نبذة من
____________________
(1) بحار الأنوار 5 / 96، 126.