وهذا الذي ذكرنا يستفاد من مجموع الروايات الواردة، في باب نفي الجبر والتفويض، وباب القضاء والقدر، يؤيّد ذلك ما في شرح المواقف (1) : والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد، ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال، ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم، بل إلى اختيار العباد وقدرتهم انتهى.
وسيأتي في مبحث عموم إرادته، وهو مبحث الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين، أنّ جميع الأشياء واقع وِفق تقدير الله سبحانه حتى أفعال العباد خلافاً للمعتزلة، ومع ذلك العبد مختار في فعله خلافاً للأشعرية، فالقدر والقضاء لا ينافيان الاختيار كما زعموه، وهذا هو الأمر بين الأمرين، الذي ثبت من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم) وقالت به الإمامية.
والحاصل: أنّ الجبري يُسند جميع القبائح والآثام إلى قدر الله فهو قدري، والتفويضي يسند أَفعاله إلى نفسه وينكر قدره فيها، فهو قدري فتشملهم الروايات، فتأمّل.
قال الصدوق رحمهالله (2) : وسمعت بعض أهل العلم يقول: القضاء على عشرة أوجه: الأَوّل العلم... والثاني: الإعلام... والثالث: الحكم... والرابع: القول... الخامس: الحتم... والسادس: الأمر... السابع: الخلق... الثامن: الفعل... التاسع: الإتمام... العاشر: الفراغ... الحادي عشر: القتل كما في مجمع البحرين.
أقول: الظاهر أنّ هذه المذكورات ليست بمعانٍ موضوع لها اللفظ بالاشتراك اللفظي، بل بعضها داخل في البعض، فذكرها من باب اشتباه المفهوم بالمصداق، وبعضها غير ثابت في نفسه، وللفقهاء فيه اصطلاح آخر، وهو إتيان العمل المؤقّت خارج وقته، ولا يبعد أن يكون معناه الحكم الفصل تكوينياً كان أو اعتبارياً، وبهذا المفهوم الفارد يُستعمل في المعاني المذكورة، وقد عرفت أنّ معنى القضاء الذي هو من أسباب الفعل، هو كتابة الحكم البتّي - ولو من غير جهة الدعاء والصدقة ونحوهما - في اللوح.
ويدلّ على عمومه ما مرّ، ورواية حمزة بن محمد الطيار عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال: (ما من قبض ولا بسط، إلاّ ولله فيه مشيئة وقضاء وابتلاء)، وروايته الأُخرى عنه عليهالسلام قال: (إنّه ليس شيء فيه قبض أو بسط، ممّا أمر الله به أو نهى عنه، إلاّ وفيه لله عزّ وجل ابتلاء وقضاء)، وما في
____________________
(1) شرح المواقف 3 / 145.
(2) توحيد الصدوق، الباب 59.
(3) أُصول الكافي 1 / 152.