الأصل في أفعاله هو تقديره وتدبيره، أُمروا بالإيمان به، وبما أنّ المصالح والمفاسد الواقعية غير معلومة للإنسان، مُنعوا عن الخوض فيه، والله العالم.
مسألة القدر والقضاء ممّا جاءت به جميع الأديان، وليست من خصائص الإسلام كما يقيل، وهي من المسائل التي تَوجّه المسلمون إليها في الصدر الأَوّل، كما يظهر من الآثار، ثمّ اتّسعت دائرتها باتّساع الآراء والأنظار، حتى أصبحت عند الناس من المعضلات التي لا تنحل، والحال أنّ الأمر ليس كذلك كما عرفته من أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين)، لكنّ للباحثين فيها أقولاً، وإليك نبذة منها:
قال خاتم الفلاسفة في كتابه الأسفار: وأمّا القضاء فهي عندهم - أي المشّائين - عبارة عن وجود الصور العقلية لجميع الموجودات، فائضةً عنه تعالى على سبيل الإبداع دفعةً بلا زمان؛ لكونها عندهم من جملة العالَم، ومن أفعال الله المبائنة ذواتها لذاته، وعندنا صور علمية لازمة لذاته بلا جعل وتأثير وتأثّر، وليست من أجزاء العالم؛ إذ ليست لها حيثية عدمية ولا إمكانات واقعية، فالقضاء الربانية - وهي صور علم الله - قديمة بالذات باقية ببقاء الله كما مرّ بيانه.
وأمّا القدر فهو عبارة عن وجود صور الموجودات في عالَم النفسي السماوي على الوجه الجزئي، مطابقةً لِما في موادّها الخارجية الشخصية، مستندةً إلى أسبابها وعللها، واجبةً بها، لازمةً لأوقاتها المعيّنة وأمكنتها المخصوصة. انتهى.
قال الفيّاض اللاهيجي (1) : ولفظا القضاء والقدر ربّما يطلقان بحسب العلم، وربّما بحسب الوجود، فإذا أُطلقا في العلم، كان المراد من القضاء العلم الإجمالي البسيط الذي هو عين الواجب تعالى، ومن القدر الصور العلمية المفصّلة؛ وإذا أُطلقا في الوجود، كان المراد من القضاء المعلول الأَوّل، الذي اشتمل إجمالاً على جميع وجودات ما بعده، والمراد من القدر أعيان الموجودات الكلية والجزئية المتحقّقة في الخارج على سبيل التفصيل.
وعلى كلّ، القدر تفصيل للقضاء، والأقرب إلى التحقيق هو الإطلاق الثاني، أعني الإطلاق بحسب الوجود؛ إذ من الظاهر أنّ القضاء والقدر اعتباران للأشياء باعتبار تعلّق فاعلية الواجب بها، وليس العلم إلاّ اعتبار ظهور الأشياء وانكشافها؛ ولذا أنّ الشارح المحقّق - يعني به العلاّمة الطوسي - والشارح المشكّك - الرازي - كليهما فسّرا لفظ القضاء والقدر في شرح الإشارات بما يطابق الإطلاق الثاني، قال الرازي: وأمّا لفظا القضاء والقدر فنعني بالقضاء معلوله الأَوّل؛ لأنّ
____________________
(1) گوهر مراد / 230، وما ذكرناه ترجمة كلامه بالفارسية.