يسمّى خطيباً، غرضه إرشاد الناس إلى السعادة، وزجرهم عن الشقاوة والهلاكة. والخطابة وإن لا موقع لها في العلوم البرهانية، إلاّ أنّها أعظم شيء تأثيراً في نفوس العوام، فلابدّ من الاعتناء بها في علم الميزان.
رابعها: الشعريات: وهي تتألف من المخيّلات التي هي قضايا لا تذعن النفس بها، ولكن تنفعل بها ترغيباً أو تنفيراً، ولا سيما إذا كانت موزونةً، ويسمّى مستعملها شاعراً.
خامسها: السفسطيات: وهي تتركب من الوهميات والمشبّهات. الأُولى ما يحكم به الوهم في المعقولات قياساً على المحسوسات، مثل: كل موجود متحيّز. ويعرف كذبه بمساعدة العقل، وإلاّ لعدّت من الأَوّليات أو المشهورات، والثانية قضايا كاذبة شُبّهت بالقضايا الصادقة؛ لأجل الاشتباه اللفظي أو المعنوي. والمغالط يُسمّى سفسطياً إن كان في مقابل المبرهن، ومشاغباً إن كان في مقابل الجدلي.
ثم إنّ الاستدلال إمّا من العلة على المعلول، فهو برهان لمّي، وإمّا من المعلول على العلة أو من أحد المعلولين على الآخر، فهو دليل إنّي؛ وإمّا من العلة على نفسها فهو شبه لم، فما أُقيم على إثبات وجود الواجب وسمّوه باللّم فهو من شبه اللّم.
بقي هنا بحوث مهمة
فنقول: بعد الاعتراف بوجود الأشياء الخارجية، والسلامة من الأمراض اللاأدرية والسوفسطائية، يقع الكلام في أنّه هل يُعتمد على إدراكات العقل غير الحسّية؟ وهل يُصدّق العقل في أخباره الكلّية أم لا، بل المعتبر هو الإدراكات الحسية فقط؟
ذهب المتأخّرون من البحّاث الغربيين إلى الثاني؛ بحجّة أنّ المسائل العقلية الصرفة كثيراً ما يقع فيها الغلط والاشتباه، مع عدم ميزان يُفرّق به بين الصادقة والكاذبة، وأمّا المباحث الحسّية فهي ذات ميزان، فإنّ الإنسان إذا أدرك شيئاً بإحدى حواسّه، يعقبه بتكرير الأمثال وإعادة الأشباه؛ حتى يتّضح المقصود بحيث لا يمسّه شك ولا ترديد.
أقول: الدعوة المذكورة موهومة قطعاً، وهي مستوجبة حرمان الإنسان عن الحقائق الكلّية العقلية، وانحطاط النفس الناطقة عن معراج الكمال والفضيلة إلى هاوية النقصان والجهالة، والحجّة القائمة عليها مزيّفة:
أَوّلاً: بوقوع الخطأ في الحسّ أيضاً كما ذُكرت أمثلته في المطوّلات، فإذن يثبت قول الشكّاكين وإخوانهم بإنكار الحقائق الخارجية مطلقاً. وحلّ الإشكال: أنّ وقوع الاشتباه أحياناً