20%

لاختياره، والثاني يدل على أنّ أفعاله محكمة متقنة، فلا خلل، ولا فساد، ولا قبح، ولا نقص، في أفعاله تعالى.

تفريع وتكميل: في أدلّة النظام العقلي الحاضر

بعد ما تقرّر أنّ أفعاله تعالى على أفضل ما ينبغي أن تكون، وأكمل ما يمكن أن تصدر عنه، بحيث لا يتصوّر مرتبة أرقى ممّا هي عليه، فقد ظهر أنّه لا يمكن وجود نظام أحسن وأكمل من النظام الفعلي الحاضر، فإنّه على آخر درجة من درجات الكمال، وكأنّه ظاهر لا يحتاج إلى بيان أزيد ممّا تقدّم.

ولهذا المطلب أدلة أُخرى ذكرها الفلاسفة وغيرهم، إلاّ أنّها بين ما يرجع إلى المختار، وبين ما لا يتمّ على أُصولنا المبرهن عليها، ونحن نذكر وجهين منها:

الأَوّل: ما عن الغزالي من أنّه لا يمكن أن يوجد العالم أحسن ممّا هو عليه؛ لأنّه لو أمكن ذلك ولم يعلم الصانع المختار أنّه ممكن إيجاد ما هو أحسن، فيتناهى علمه المحيط بالكلّيات والجزئيات، وإن علم ولم يفعل مع القدرة عليه فهو يناقض جوده الشامل لجميع الموجودات.

واستحسنه العربي في محكي فتوحاته، ثمّ الحكيم الشيرازي في أسفاره، فقال في ربوبياتها: وهو كلام برهاني، فإنّ الباري - جلّ شأنه - غير متناهي القوة، تام الجود والفيض، فكلّ ما لا يكون له مادّة، ولا يحتاج إلى استعداد خاصّ، ولا أيضاً له مضادّ ممانع، فهو بمجرّد إمكانه الذاتي فائض عنه تعالى على وجه الإبداع، ومجموع النظام له ماهية واحدة كلية، وصورة نوعية وحدانية بلا مادّة، وكل ما لا مادّة له نوعه منحصر في شخصه... فلم يمكن أفضل من هذا النظام نوعاً ولا شخصاً. انتهى.

أقول: حديث الجود ليس بخطابي، فإنّه واجب عليه بحسب حكمته كما مرّ، نعم ليس بواجب عنه على ما سلف في بحث اختياره، فقول الغزالي راجع إلى المختار.

وأمّا ما أتى به صاحب الأسفار فهو ضعيف، فإنّ فرض العالم بمجموعه موجوداً واحداً غير مادي، مجرّد خيال ينفع الشعراء ولا وزن له في المباحث العقلية، وربّما سنفصّل القول فيه في بعض مسائل التوحيد إن شاء الله.

الثاني: ما ذكره اللاهيجي (1) ناقلاً عن الحكماء، ومحصّله: أنّ الواجب الوجود خير محض، فإنّ الخير ليس إلاّ فعلية الوجود وكمالاته وتماميتهما، والشر فقدان الوجود أو كمالاته، وواجب الوجود عين الوجود، وتامّ الوجود، وكامل في وجوده وكمالاته، فهو خير محض ولا

____________________

(1) گوهر مراد / 224.