6%

وأمّا بالنسبة إلى الآخرين فيجوز الخلاف فيه) (1) فهو سقيم؛ إذ كل مسألة عُلمت صحّتها لا يقع فيها الاختلاف من العالمين بها ولو كانت نظريةً غامضة، فلا أثر للميزان المذكور.

الثالث: ما في المواقف وشرحها، (2) من أنّ الضروري هو ما لا يكون تحصيله مقدوراً للمخلوق، فلم يكن الانفكاك عنه أيضاً مقدوراً، وذلك كالمحسوسات بالحواس الظاهرة، فإنّها لا تعرض بمجرد الإحساس المقدور لنا، وإلاّ لَما عرض الغلط، بل تتوقّف على أُمور غير مقدورة، لا نعلم ما هي؟ ومتى حصلت؟ وكيف حصلت؟

والكسبي ما يقابل الضروري، فهو العلم المقدور تحصيله.

والبديهي ما يثبته العقل بمجرّد التفاته إليه من غير استعانة بحسّ أو غيره، فهو أخصّ من الضروري، وأمّا النظري فهو ما يتضمّنه النظر الصحيح.

أقول: هذا مع أنّه تعريف بالأخفى، غير صحيح أيضاً، فإنّ الضروري مقدور بغض البصر، وإرادة النوم، وترك التجربة، والاستماع ونحوها، وما ذكره من التعليل عليل، على أنّ مغايرة النظري مع الكسبي ممّا لم يثبت في اصطلاحهم، مع أنّ تعريف النظري دوري كما لا يخفى.

والصحيح أن يقال: الضروري ما لا يحتاج في حصوله إلى الفكر والتروّي، بخلاف النظري.

البحث الثالث: في الحجج النقلية:

العقل يدرك الشيء بوجهه وتفصيله تارةً وبإجماله وعنوانه أُخرى، كما في الأدلة الإنّية، فإنّه يدرك العلّة من جهة معلولها إدراكاً إجمالياً فيذعن بها، فإذن، لا فرق في الأحكام العقلية بين التفصيلية والإجمالية أصلاً، من حيث تصديقه بها واعتماده عليها.

وتدخل في القسم الثاني أقوال الله تبارك وتعالى، وعباده المعصومين من الجهل والسهو والغلط والكذب، التي هي المناشئ لمخالفة الحكاية من الواقع، فإذا انتفت هذه الأُمور فالخبر صادق لا محالة، بل يضطر العقل إلى الحكم بصحّته وصدقه، وأنّه حق واقع وإن لم يحط بكنهه ولمّه. فالقضية القائلة: قول المعصوم صادق ومطابق للواقع، من الأَوّليات على حدّ قولنا: الممكن مفتقر.

وأمّا لزوم امتثال أمر الواجب القديم، والانبعاث على وِفقه، والانزجار عمّا نهى عنه، فهو إمّا عقلي من باب لزوم شكر المنعم فيدخل في المشهورات، أو فطري من باب دفع الضرر المحتمل وهو استحقاق العقاب، فيندرج في القسم السابع من البرهانيات كما مرّ، ومنه ينبثق

____________________

(1) الشوارق 1 / 126.

(2) شرح المواقف 1 / 60.