الفريدة السادسة
في رحمته
الفرق بين الرحمن والرحيم
قد وصف الله نفسه بالرحمن والرحيم، وهما مشتقان من الرحمة، وهي - كما في القاموس - الرقّة والمغفرة والتعطّف، وعليه فليست الرقّة مأخوذة في مفهومها، حتى لا يكون استعمالها في حقّه تعالى حقيقياً، كما يظهر من مجمع البحرين، وإلى الأَوّل ذهب بعض السادة الأفذاذ من أساتذتنا الأعلام في تفسيره (1)، وقال: إنّ الرقّة من لوازم الرحمة في البشر.
ثمّ إنّه لا شك أنّ لفظة الرحمن لا تُطلق على غيره بخلاف الرحيم؛ وعلّله الشهيد الثاني قدّس سره (2) بأنّ معنى الرحمن المنعِم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، وليس الوجه فيه كونها من الصفات الغالبة؛ لأنّه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع انتهى.
أقول: إنكار الجواز بحسب الوضع مشكل، نعم لا شكّ فيه بحسب الشرع، بل هو بمنزلة العلم في حقه تعالى؛ ولذا لا يقال: رحمان بنا أو بالناس، وقد استعمل في القرآن المجيد في غير مورد من دون اعتبار الوصفية كقوله تعالى: ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (3) وقوله: ( وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ ) (4) وقوله: ( إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ ) وغيرها.
وأمّا ما نقله الصدوق قدّس سره، من أنّ قوماً جوّزوا أن يقال للرجل: رحمان، فهو باطل وخطأ.
ثمّ إنّ الفرق بين الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية بوجهين:
1 - ما قاله الشهيد رحمهالله من أنّ تعقيب الرحمن بالرحيم من قبيل التتميم، فإنّه لمّا دلّ الرحمن على جلائل النِعم وأُصولها ذكر الرحيم؛ ليتناول ما خرج منها، لكنّه ليس بوجه وجيه.
2 - ما ذكره أُستاذنا المتقدّم - دام ظله - من أنّ الفارق بين الصفتين، أنّ الرحيم يدلّ على لزوم الرحمة للذات وعدم انفكاكها عنها، والرحمن يدلّ على ثبوت الرحمة فقط... إلخ؛ وذلك لِما
____________________
(1) البيان / 300.
(2) ديباجة شرح اللمعة.
(3) يس 36 / 52.
(4) يس 36 / 15.