والثالث ممنوع؛ إذ الامتداد الوهمي المذكور عدم بحت، لا تأثير له في توليد المصلحة في طرف المفعول، فإن كان أصلح فهو كذلك أزلاً، فلا يُقاس بالحوادث الزمانية التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف الزمان.
والثاني يصعب قبوله؛ إذ بعد تمامية فاعلية الواجب، وكونه علّةً تامّة، لا يتصوّر تخلّف المعلول عنه، وقدماء الإمامية لم يثبت منهم تجويز هذا المعنى، وعبارة المجلسي المتقدّمة أيضاً غير ظاهرة حقّ الظهور في هذه النسبة إليهم، بل الظاهر منها هو نفي الزمان الموهوم عنه تعالى، فلاحظ.
والأَوّل أُورد عليه، بامتناع انتزاع الأمر التدريجي عن مَن هو بريء من التدرّج والسيلان، اللهم إلاّ أن يقال: إنّ الوجهين المذكورين - الأَوّل والثاني - وإن لم يكونا بثابتين، لكنّهما يوجبان الاحتمال المنافي للدليل المتقدّم، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
هذا الذي ذكره الفلاسفة، وتشعّب المتكلّمون في جوابه إلى شعب، مجرّد تلفيق لا واقع له أصلاً، بل السؤال المذكور فيه غلط لا مسرح له في المقام.
توضيح ذلك: أنّ ما عنه التأثير على قسمين: الفاعل المختار والعلّة الموجبة، والأَوّل كالحيوان؛ إذ له أن يفعل وله أن لا يفعل، والثاني كالأسباب الطبيعية، والسؤال المذكور في الدليل المزبور إنّما يتمشّى على الثاني، فإنّ المؤثّر الطبيعي إمّا علّة تامّة، كالنار بالنسبة إلى الحرارة، والشمس بالنسبة إلى النهار، وإمّا ليس كذلك بل مقتضٍ له يتوقّف تنجّز أثره على شرط أو أمر آخر، كالنار بالقياس إلى الإحراق، والشمس إلى التسخين، وأمّا الفاعل المختار فمهما بلغ شوقه إلى إيجاد الفعل الملائم له فهو متمكّن من الفعل والترك، ولا يجب الفعل عنه أصلاً، فإنّ الوجوب السابق باطل في أفعاله، فالفعل موقوف على إعمال قدرته لا على شوقه.
إذا تقرّر ذلك فنقول: إنّا قد قرّرنا سابقاً أنّ الله تعالى ليس بعلّة موجَبة بفتح الجيم، وحقّقنا أيضاً أنّ إرادته ليست هو علمه بالأصلح، أو نفس ذاته ابتداءً، بلا رجوعها إلى العلم، بل هي حادثة؛ فحينئذٍ له أن فعل وله أن لا يفعل، والسؤال المذكور لا مجرى له في حقّه تعالى كما عرفت، ولنا أن نختار كلاًّ من الشقين فنقول: إنّه تعالى كان مستجمعاً لجميع شرائط التأثير، وعلةً تامة، بمعنى أنّه غير محتاج إلى شيء بحيث إن شاء لفعل، أو نقول: إنّه ليس مستجمعاً لشرائط التأثير، وليس بعلّة تامة، ونعني به أنّ الفعل غير صادر عنه؛ لأنّه لم يرده ولا يمكن صدوره عنه اضطراراً وإيجاباً.
فهذا السؤال - بعد تمهيد الأُصول السالفة الحقّة من اختياره تعالى وحدوث إرادته - ممّا لا