قد قضى العقل بحدوث الممكنات قاطبةً، وأنّ كلّ ممكن موجود لابدّ من مسبوقيّته بالعدم غير المجامع لوجوده، وأمّا الشرع فهو أيضاً كذلك، ودلالته عليه من وجوه:
الأَوّل: دعوى إجماع الأنبياء والأوصياء عليه، كما عن السيد الداماد قدّس سره في قبساته (1) ، وهو الظاهر من صاحب الأسفار أيضاً.
أقول: وهي محتاجة إلى علم الغيب؛ إذ لا طريق لنا إلى نبيّاً من الأنبياء (سلام الله عليهم) قال بحدوث العالَم بالمعنى المتنازع فيه، فضلاً عن إحراز اتّفاق جميعهم على ذلك، مع أنّه إن تمّ لدلّ على نفي العقول أيضاً، ولا يلتزم به مدّعي الإجماع نفسه.
الثاني: إجماع المِلل الأربع عليه، وهم اليهود والنصارى والمجوس والمسلمون، ادّعاه جمع من المتكلّمين، كالشهرستاني في كتاب نهاية الإقدام، وصحّحه المحقّق الطوسي (2) ، وادّعاه أيضاً العلاّمة الحلي قدّس سره لكن على حدوث الأجسام فقط (3) إلاّ أن يقال: العقول غير ثابتة، أو غير ممكنة عند الملّيين، وحدوث الأجسام هو حدوث العالَم، وممّن ادّعاه أيضاً العلاّمة المجلسي، وكذلك في المواقف وشرحها (4) ، والإصبهاني في شرح طوالع الأنوار للبيضاوي (المسمّى بمطالع الأنظار) وكذا غيرهم.
لكن الجزم بهذه النسبة مشكل، بل غير ممكن، فإنّ المنقول عن اليهود أنّ الواجب في الجهة كبقية الأجسام، وهو مماس للصفحة العليا من العرش، ويجوز عليه الحركة والانتقال وتبدّل الجهات (5)، أَليس هذا التزاماً بقِدم الجهة والعرش؟ وهذا هو مذهب محمد بن كرام من أهل السُنة بعينه.
وأمّا النصارى فقولهم بالقدماء الثلاثة مشهور (6) .
وأمّا المجوس فمنهم مَن قال بالقدماء الخمسة، وهي: النفس، والخلأ، والزمان، والهيولى، والواجب، واختاره ابن زكريا الرازي، ومنهم مَن قال بقِدم النور والظلمة، ومنهم مَن قال بقِدم الباري والشيطان، ومنهم مَن قال بقِدم الكواكب السبعة، ومنهم مَن قال بأزلية الطبائع
____________________
(1) البحار 14 / 49 الطبعة القديمة.
(2) المصدر نفسه.
(3) شرح التجريد / 100.
(4) شرح المواقف 2 / 490.
(5) شرح المواقف 3 / 16.
(6) لاحظ الفصل في المِلل 1 / 48.