6%

الفائدة الرابعة

في وجوب النظر (1)

الكلام تارةً في أصل وجوب النظر، وأُخرى في أنّ الوجوب المذكور - على تقدير ثبوته - عقلي أو شرعي، لكن البحث في الأَوّل يغني عن الثاني فنقول:

والصحيح أنّه لا دليل على وجوب النظر في وجود واجب الوجود بما هو واجب، أو خالق أو غير ذلك من الحيثيات؛ إذ لا حكم للعقل بذلك، ولا سبيل للشرع وتعبّده إليه بلا شك.

وإنّما يجب ذلك من جهة وجوب دفع الضرر، فإنّ العاقل حينما يقرع سمعه قول أُناس - قليلين أو كثيرين - بعقاب أُخروي وعذاب دائمي لمَن أنكر المبدأ أو لم يعرفه ولم يعتقد به - وهذا النداء كان مسموعاً منذ صبيحة حياة البشر، وسيبقى قارعاً إلى غروب وجوده - يحتمل صدقه وكذبه قهراً، ولا سبيل له إلى تصديق أحد الطريفين قبل النظر.

فإذن، يتولّد احتمال الضرر المذكور في ذهنه، ويحصل له الخوف من احتمال صدق هذا القول، ولا طريق لدفعه غير النظر، فيجب لوجوب دفع الضرر فطرةً ولو كان محتملاً؛ وذلك لأنّ الإنسان - بل وكذا الحيوان وكل حسّاس - مجبول على حبّ ذاته، وينشأ من هذا الحب لزوم جلب المنافع ودفع المضار، وهذا الإلزام ليس من قِبل العقل، بل هو أمر فطري كما تدلّك عليه مشاهدة حال المجانين والصبيان والحيوانات، فإنّها تدفع الضرر عن نفسها، وتميل إلى منافعها وما هو يلائم أنفسها.

وإذا أعمل نظره وتفحّص عن الواقع، فقد أَمن من الضرر المذكور قطعاً، وتستريح نفسه من الخوف جزماً، فإنّه إن أدّى إلى الحقّ فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن انجرّ إلى خلافه فهو مأمون

____________________

(1) قال الشيخ المفيد قدّس سره في أوائل المقالات: اتّفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفك عن سمع ينبّه الغافل عن كيفية الاستدلال، وأنّه لابدّ في أَوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّةً يوجبون الرسالة في أَوّل التكليف.

أقول: هذا الذي نقل اتّفاق الإمامية عليه، هو عين ما اخترناه في هذه الفائدة، وإنّما ذكرناه؛ لئلا يظن تفرّدنا بالموضوع.