معذور: أمّا في الدنيا؛ فلاعتقاده ببطلان احتمال العقاب والحساب، وأمّا في الآخرة؛ فلأنّ عقابه بلا بيان ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ للعَبِيدِ ) (1) .
وبالجملة: إذا كانت جهالته مستندةً إلى قصوره - كما هو المفروض - لا معنى لاستحقاقه العقاب المختصّ بالعامّة والمقصّر، كما إذا لم يتفحّص مع قدرته عليه، وإنكار القاصر في المقام - كما عن جمهور المتكلّمين - ضعيف سنستوفي بحثه إن شاء الله.
وهذا الذي ذكرنا ممّا لا ريب فيه، قلنا بالتحسين والقبيح العقليين أم لم نقل؛ إذ الوجوب المذكور ليس بحكم عقلي بل هو فطري (2) . لا يقال: كيف والعقلاء كثيراً ما يقدمون على ارتكاب الضرر لبعض الأغراض. فإنّه يقال: نعم، لكن إذا كان الضرر قليلاً، وأمّا إذا كان كثيراً فلا ولو كان محتملاً، وهل يمكن لعاقل أن يختار عذاباً دائمياً وعقاباً أبدياً؟ كلا.
وأمّا الوجوب الشرعي فلا مسرح له؛ إذ لا شرع في حق الجاهل إثباتاً حتى ينفذ الحكم في حقّه. وبالجملة حجية الخطاب موقوفة على اعتراف المخاطب بآمرية المتكلم، وهي غير حاصلة في المورد، وأمّا ما ورد في القرآن العزيز في ذلك، فهو إرشادي لا مولوي وسيأتي الفرق بينهما.
الذائع في كلام المتكلّمين وجوب معرفة الله سبحانه، بل ادّعى الجرجاني إجماع الأُمّة عليه في شرح المواقف (3) ، ولكنّهم اختلفوا في طريقه، فالإمامية والمعتزلة على أنّه العقل، والأشاعرة على أنّه الشرع. استدلّ الأَوّلون على قولهم بوجهين:
الأَوّل: إنّ المعرفة دافعة للخوف كما تقدّم، ودفع الخوف واجب، فتجب المعرفة أيضاً من باب المقدمة. ويردُّه ما بيّناه من أنّ دفع الخوف يحصل بالنظر، سواء أدى إلى المعرفة أم إلى الجهالة.
الثاني: إنّ شكر المنعم واجب عقلاً؛ لاستحقاق تاركه الذم عند العقلاء، بل قيل (4) ، إنّ
____________________
(1) فصلت 41 / 46.
(2) وربّما جعله بعضهم دليلاً على إثبات الصانع وقال ما محصّله: إنّ المؤمن بالله مأمون سواء وافق اعتقاده الواقع أم لا، وهذا بخلاف المنكر فإنّه على خطر عظيم.
أقول: وهذا منه شيء عجيب، نعم هذا المضمون مذكور في بعض رواياتنا، لكن المراد به ما ذكرنا، لاحظ أُصول الكافي 1 / 78.
(3) شرح المواقف 1 / 156.
(4) شرح التجريد للعلاّمة / 258.