20%

إلاّ ذلك؟ كيف ولولا وجوب المعرفة شرعاً لَما وجب النظر فطرةً، فإنّه نشأ من احتمال ترتّب العقاب على تركها، فلو كانت غير واجبة لم يطلبها النبي من الناس، فلم يتحقّق موضوع لزوم وجوب النظر وهو دفع الضرر، فإنّ ترك المعرفة إذن لا يستتبع عقاباً وعذاباً، فلم تحكم الفطرة بشيء.

ولعلّك تقول: إنّك قلت سابقاً بامتناع وجوب المعرفة شرعاً، فكيف تختاره هنا؟

لكنّنا نقول: الممتنع هو الوجوب الذي له داعوية نحو متعلّقه وباعثية إلى المطلوب، بلا توسّط حكم الفطرة بوجوب دفع الضرر، كما يزعمه الأشاعرة، وأمّا الوجوب الذي يتوسّطه الحكم المذكور فلا بأس به. بيان ذلك: أنّ الله تعالى أوجب المعرفة على المكلّفين ثبوتاً، فأمر نبيه بإبلاغها إلى الناس، والنبي يحذّر الناس بتركها ويهدّدهم عليه، والإبلاغ المذكور وإن لم يكن بحجّة على الناس أصلاً كما دريت، إلاّ أنّه يولّد احتمال الضرر في ذهنهم لإمكان صدقه، فتحكم الفطرة بدفع الضرر المذكور، ولا مدفع له إلاّ النظر فيكون واجباً.

ويتلخّص هذا البحث إلى أنّ المعرفة إن لم تكن واجبةً لا يبقى موضوع للحكم الفطري المذكور، فالوجوب الشرعي ليس بلغوٍ، وإنّ هذا الحكم الفطري إن لم يتوسّط ولم ينجِّز وجوب النظر، لم يثبت الوجوب الشرعي كما دريت، فلابدّ من اجتماعهما حتى يتمّ المقصود.

ثمّ إنّ الناظر إن أصاب فهو وإلاّ فهو معذور، لكن الحكم الشرعي بحاله لبطلان التصويب كما يأتي في محله إن شاء الله. هذا ما عندنا في هذا المقام، والله ولي الاعتصام.

تطبيق

قال الباقر عليه‌السلام - على ما في رواية زرارة -: (ليس على الناس أن يعلموا حتى يكون الله هو المعلّم لهم، فإذا أعلمهم (علّمهم) فعليهم أن يعلموا) (1) .

أقول: انطباقه على مسلكنا واضح، فإنّ وجوب النظر وإن كان فطرياً لكن تحقّق موضوعه موقوف على إعلام الله سبحانه؛ ضرورة أنّ العقل لا يحتمل الضرر بترك المعرفة ابتداءً.

وفي رواية عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلحك الله هل جعل في الناس أداةً ينالون بها المعرفة؟ قال: فقال: (لا. قلت: فهل كُلّفوا المعرفة؟ قال: لا، على الله البيان ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (2) ...) (3) .

أقول: أمّا صدر الرواية ففي معناه أخبار أُخر، وسيأتي بحثها - وهو بحث معضل - في

____________________

(1) بحار الأنوار 5 / 222.

(2) البقرة 2 / 286.

(3) أُصول الكافي 1 / 163.