الفائدة السادسة
حول الجاهل القاصر
في المعارف الاعتقادية
الحقّ تحقّق الجاهل القاصر في المعارف الدينية، فليس كلّ مَن لم يعتقدها مستحقاً للعذاب والعقاب، بل المعاقب هو المعاند للحق أو المقصّر فيه، وأمّا مَن قصر استعداده، وضاق تفكيره، أو استولى عليه الغفلة وسلطان البيئة، فجهل الحق، فهو معذور عقلاً وشرعاً.
والدليل على وجود القاصر المذكور هو الحس، فإنّا نشاهد كثيراً من المسلمين المخالفين لنا في الاعتقاد - ولا سيما نسائهم الساكنات في قعر بيوتهنّ - قاصرين عن تحقيق الحقّ وتحصيل الواقع، وكذا نعلم قطعاً أنّ عدداً كثيراً من سكان الهند وروسيا وغيرهما قاصرون، في جهلهم بالله العظيم، وشؤونه، ونبوّة نبينا الأعظم، وأوصيائه الكرام، وهذا ممّا لا يدخله ريب ولا احتمال، بل مزيد العناية في إثباته لغو وعبث، فإنّ العيان يغني عن البيان.
ولكن مع ذلك اتّفق الجمهور من المسلمين، على أنّ المصيب من المجتهدين المختلفين في العقليات التي وقع التكليف بها واحد، وأنّ الآخر مخطئ آثم، وخالف فيه شذوذ من أهل الخلاف كما في المعالم والقوانين (1) .
أقول: هذا الاتفاق على خصوص التخطئة وبطلان التصويب متين، وأمّا على استحقاق العقاب فلا، نعم نُسب إلى الجاحظ والعنبري معذورية القاصر (2) ، وهو الذي اختاره بعض المتأخّرين من علماء أُصول الفقه أيضاً، لكن الجمهور من المسلمين على خلافه، بل عن جماعة من الخاصّة والعامّة الإجماع على ذلك (3) فتأمّل، بل ادعى الفقيه الأعظم شيخ المجتهدين صاحب الجواهر الضرورة المذهبية على ذلك، حيث قال في ردّ كلام الشهيد الثاني - وهو أي كلام الشهيد - من غرائب الكلام المخالف لظاهر الشريعة وباطنها -: إذ من ضرورة المذهب عدم المعذورية في أُصول الدين التي منها الإمامة... وبالجملة لا يستأهل هذا الكلام ردّاً؛ إذ هو
____________________
(1) معالم الأُصول / 226، والقوانين 2 / 207.
(2) المواقف وشرحها 3 / 236.
(3) القوانين (الحاشية) 2 / 207، ورجال المامقاني (المدخل) 1 / 206.