الفائدة السابعة
في الأمر المولوي والإرشادي
لا شك أنّ قضية قانون المولوية والعبودية لزوم امتثال أوامر الآمر على مَن دونه، فكل سافل موظّف بمتابعة مَن هو عالٍ عليه، ولزوم هذا التوظيف من المشهورات المسلمّة بين الكل للمصلحة العامة، ومنه يظهر أنّ أوامر الشارع واجبة الامتثال، كما أنّ مناهيه لازمة الاجتناب.
ولك أن تستند في ذلك إلى الحكم الفطري، وهو دفع الضرر المحتمل؛ لاستتباع مخالفة أحكامه عقابه وعذابه، وأمّا ما ذهب إليه جمع من الأُصوليين من دلالة نفس صيغة الأمر والنهي، على الوجوب والحرمة فهو محل بحث وخلاف، كما ذكرناه في تعليقتنا على كفاية الأُصول، فتحصّل: أنّ حمل الحكم على الندب أو الكراهة محتاج إلى قرينة حالية أو مقالية، وإلاّ فالأصل الأَوّل هو الإلزام.
لكن هذا إذا كان الحكم مولوياً، وأمّا إذا كان إرشادياً فهو بمنزلة الإخبار لا يستفاد منه الوجوب ابتداءً. والفرق أنّ الأَوّل يقصد منه البعث أو الزجر عن متعلّقه، والثاني يقصد منه الحكاية عن شيء كالمصلحة أو المفسدة، فالأَوّل وإن دلّ على مصلحة أو مفسدة لكن الدلالة المذكورة غير مقصودة ذاتاً، كما أنّ الثاني وإن كان موجباً للبعث والزجر لكنّه غير مرادٍ من الخطاب نفسه، ومثاله في العرفيات أمر الطبيب بشرب الدواء للمريض، ولا سيما إذا كان المريض عالياً، فإنّه إرشادي، أي إخبار عن مصلحة كائنة في شرب الدواء للمريض بلا قصد البعث والتحريك ابتداءً.
وأمّا في الشرعيات فله موارد:
منها: ما لا يمكن للشارع إيجابه؛ إمّا لعدم ثبوت مولويته بعد، كوجوب النظر على ما مرّ فلابدّ من حمل الأمر المذكور - إذا صدر عنه - على الإرشاد إلى الحكم العقلي الفطري؛ وإمّا لمحذور آخر كالتسلسل مثلاً، كما قالوه في مثل قوله تعالى: ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) فإنّ إطاعة الله سبحانه لو كانت واجبةً بوجوب شرعي، لكان إطاعة
____________________
(1) النساء 4 / 59.