13%

الفائدة الثامنة

في تقسيم المفهوم

المفهوم إمّا أن يكون مصداقه موجوداً خارجياً بنفسه، وإمّا أن يكون غير موجود كذلك، وإمّا أن يكون موجوداً أو معدوماً بغيره لا بنفسه، والأَوّل هو الواجب الوجود لذاته، والثاني هو الممتنع الوجود لذاته، والثالث هو الممكن، وأمّا احتمال كونه موجوداً ومعدوماً معاً لذاته أو لغيره، أو احتمال عدم كونه موجوداً ومعدوماً كذلك، فهو ساقط.

وهذه القسمة الحقيقة الثلاثية هي المعبر إلى علم الكلام ووصول المرام، وما ذكرنا في تقريرها سالم عمّا أورده صاحب الأسفار (1) على بعض التقارير الأُخر، نعم المقسم للواجب الذاتي والغيري والقياسي ليس الواجب الخارج من هذا التقسيم؛ بداهة اختصاصه بالواجب لذاته، بل المقسم المذكور الواجب بمفهومه الأعم اللغوي، وهكذا الحال في الممتنع.

ثمّ إنّ الدور، والتسلسل، والخلف، واجتماع الضدين، واجتماع المثلين، وغيرها من المستحيلات، راجعة إلى التناقض واجتماع الوجود والعدم، الذي امتناعه ضروري أَوّلي تصوراً وتصديقاً، وكل ما لا ينتهي إليه فليس للعقل سبيل إلى الحكم بامتناعه، فإذن، الأساس الأصيل والبناء القويم لجميع المباحث العقلية هو بطلان التناقض وامتناعه، وقد دريت أنّه ضروري أَوّلي، بل لا يمكن إنكاره من سليم العقل أبداً، بيد أنّ الفلاسفة الديالكتيكية أنكرت ذلك، فإنّ الذين اخترعوها بنوها على وقوع التناقض فضلاً عن إمكانه، وذكروا لإثباته أمثلةً فاقدة للوحدات المعتبرة في امتناعه؛ جهلاً منهم بالمباحث العقلية، وليتهم يدرون أنّ التناقض لو كان جائزاً لكان إنكار امتناعه باطلاً؛ إذ صحيح حينئذٍ أن يكون محالاً وغير محال ممكناً وغير ممكن! فهذا الإنكار ينجرّ إلى الإثبات، فافهم جيداً.

وأمّا الوحدات المعتبرة في التناقض فهي ثمانية كما قيل، بل نُسب إلى المشهور، قال شاعرهم:

در تناقض هشت وحدت شرط دان

وحدت موضوع ومحمول ومكان

____________________

(1) الأسفار 1 / 84.